هل كان ابن كثير متحدثًا باسم ابن تيمية؟
تفسير قصة النّبيّ يونس أنموذجًا
يُنظر دومًا لابن كثير باعتباره تلميذًا لابن تيمية، كما يُنظر كذلك لتفسيره باعتباره امتدادًا لمقدّمة ابن تيمية الشهيرة، هذه النظرة تشِيع سواء في الكتابات العربية أو في الدراسات الغربية، يحاول ميرزا في هذه الورقة أن يقدّم منظورًا مغايرًا لابن كثير؛ حيث يرى تفسيره ومنهجه التأويلي مستقلًّا عن ابن تيمية وطريقته التأويلية.
وفي هذا السياق يقوم ميرزا بافتراض وجود نمطين تأويليّين معاصرين لابن كثير، ينتميان للتقليدية العامة لكنهما كذلك متغايران؛ حيث ينتمي ابن تيمية للتأويلية القائمة على الدفاع عن التقليد عبر الجدل الكلامي، في حين ينتمي ابن كثير لتأويلية تقوم على تجنب الجدل وتحاول أن تبرز الرؤى القويمة عبر التأويل القائم على المصادر الحديثية والمرويات، هذا في مواجهة التأويل الفلسفي المتنامي داخل المذهب الشافعي مع الرازي. فتفسير ابن كثير هو -وفقًا لميرزا- محاولة شافعية لتخليص المذهب الشافعي من سيطرة التأويل المبتعد عن السُّنة والمرويات والمعتمد أكثر على الجدل الكلامي.
ومن أجل إثبات فرضيته، يستحضر ميرزا التعامل التأويلي من قِبل كلٍّ من ابن تيمية، والرازي، وابن كثير، لمسألة مهمّة هي مسألة (عصمة الأنبياء)، في قصة يونس تحديدًا، وعبر المقارنة بين مواقف الثلاثة، يبرز ميرزا كيف أنّ ابن كثير يتجنّب تمامًا الانخراط في الجدل الكلامي، ويحاول بدلًا عن هذا أن يقدّم تأويلات مستندة للحديث وللمرويات عن السلف توضّح الرأي الذي يميل إليه، والذي يدور في فلَك النسق الأشعري وما طرحه الرازي وليس ابن تيمية.
وكما لا يخفى فإنّ دراسة العلاقة بين التفاسير الكبرى، سواء علاقة التأثّر أو السجال أو كون أحد النصوص مبنيًّا في مقابل آخر، هي من أهم العلاقات التي تحتاج لدراسة ضمن تاريخ التفسير؛ لما في هذا من أهمية كبيرة في فهم مدونات هذا الفنّ وطريقة انبنائها وأهدافها وطرائقها ومناهجها، مما يزيد من فهمنا لطبيعة الفنّ ذاته. هذه الورقة لميرزا -بعيدًا عن نتائجها- تفتح الباب للبحث في مثل هذه العلاقات.