من الاهتمامات الرئيسة للبحث في فنّ التفسير: البحث في تاريخ التفسير، وتاريخ اتجاهاته، ومنعطفاته التأويلية الكبرى، التي تشهد نقاشات موسّعة حول الإشكالات المركزية لهذا الفنّ فيما يتعلّق بمصادر التفسير وطرائقه وآلياته، وحدود استخدام المصادر وسبل توظيفها في عملية استكشاف المعنى، ولعلّ اسم ابن تيمية يُعَدّ واحدًا من أهم الأسماء التي تحضر عند نقاش مثل هذه المنعطفات لا سيما في الطرح الغربي.

في هذه الورقة التي بين أيدينا، يحاول يونس ميرزا إلقاء ضوء على عمل ابن تيمية في التفسير، والذي يعتبره -موافقًا بشكل جزئي لوليد صالح ومخالفًا لعدد من الباحثين- يمثل انعطافة حاسمة في تاريخ التفسير، حيث جسّد افتراق التأويلية المحافظة عن التأويلية الأشعرية، بالذات في مسألة مصادر التفسير وترتيبها، والذي نتج عنه ترتيب هرمي جديد لتاريخ مدونات التفسير الكبرى يضع على قمّتها الكتب التي اهتمت بتفسير السلف بالأساس.

إلا أن ما يحاول ميرزا المحاجاة عنه هنا بشكلٍ خاصّ، والذي يجعل ورقته طرحًا مغايرًا، هو أن منهجية ابن تيمية التفسيرية لم تتوقف -كما هي عادة التحليل عند معظم الباحثين- عند (مقدمة في أصول التفسير)، بل إنها شهدت تطورًا يظهر في الأعمال التفسيرية الكثيرة لابن تيمية والمكتوبة بعد (المقدمة).

ومن أجل إثبات محاجَّته، يقدّم ميرزا قراءة تطبيقية في رسالة ابن تيمية حول النبيّ شعيب، ويبرز كيف أن هذه الرسالة تشهد استنادًا واضحًا من ابن تيمية لكتب أهل الكتاب، مما يظهر تطورًا في منهجيته التي كانت سابقًا تقتصر على مرويات السلف، كما يحاول ميرزا بيان الأهداف الأعمق لعمل ابن تيمية التفسيري، والتي يُعَدّ أهمها تصحيح الموقف العقدي من مفهوم النبوّة والذي يراه قد شهد تحريفًا على يد الاشتغال التفسيري الأشعري.

إنّ الهدف من ترجمة هذه الورقة ليس نتائجها بطبيعة الحال، ولكن فيما تثيره من تساؤلات مهمّة حول بعض الجوانب المتّصلة بنظرة ابن تيمية المنهجية للتفسير وممارسته والأدوات اللازمة لهذه الممارسة لا سيما مرويات الكتاب المقدّس.