قسم الترجمات، الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات.

نحاول في هذا المقال التعريفي بقسم الترجمات على موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية، أن نوضح الدوافع التي دعتنا لتخصيص قسم للترجمة، والأهداف العلمية التي نحاول تحقيقها عبر هذه المساحة، والاستراتيجيات التي انتهجناها لتحقيق أهدافنا، كما حاولنا إلقاء الضوء على بعض الإشكالات التي واجهتنا وطريقة تعاطينا معها.

أولًا: الدافع وراء تخصيص قسم للترجمات:

  لا يخفى على كلّ متابع لحركة الدرس الغربي حول القرآن وعلومه مدى اطّراد هذه الحركة وتكاثر مخرجاتها وتزايد أعمالها وتسارع وتيرة مشروعاتها بصورة بالغة السعة، وترجع أهمية هذا النمط من الدراسات ليس فقط في كونه أحد أهم الروافد ذات الإسهام الجادّ في تشكيل عقلية المجتمعات الغربية وتكوين ذهنيّتها تجاه القرآن الكريم وعلومه؛ نظرًا لما يتمتع به منتجوها من موثوقية؛ كونهم أبناء هذه المجتمعات كما أفاد شاكر -رحمه الله-، وإنما أيضًا لكثرة ما لهذه الدراسات من إشعاع -بحسب عبارة مالك بن نبي- في واقع الكثير من المقاربات العربية المعاصرة التي تتبنى منطلقاتها ومناهجها، وتؤسس على أفكارها ونتائجها.

وبرغم ما لهذه المقاربات الغربية حول القرآن وعلومه من أهمية بالغة في هذا العصر، وكثرة الأصوات التي تنادي بضرورة قيام جهود بحثية عربية وإسلامية عديدة موازية لها، إلا أن ثمة فجوة ظاهرة بين الباحثين العرب في باب القرآن الكريم وعلومه في مختلف المؤسسات والجامعات وبين ما يُكتب في الغرب المعاصر بمختلف دوائره ومساحاته عن القرآن وعلومه، هذه الفجوة التي نجمت عن أمور عدة؛ من أهمها: عدم إتقان الكثير من الباحثين العرب للّغات الأجنبية، وكذلك عدم وجود أنشطة مؤسسية مرتبة لتعريب الدراسات الغربية حول القرآن وعلومه كالتي نشهدها في ساحات أخرى من المعارف، كعلوم الاجتماع والفلسفة وغيرها مما يحظى بحركة تعريب مستمر لجديد النتاج الغربي.

وبذلك صار الباحث العربي في باب الدراسات القرآنية معزولًا عن حركة البحث الغربي في ذات المجال، وأضحت معرفته به ضعيفة ومجزوءة غالبًا؛ كونها تبقى مرتهنة في تشكّلها ببعض ترجمات قليلة لكتابات غربية كلاسيكية قد لا تحظى بنفس القيمة العلمية والمعرفية في الوقت الحالي([1])، أو قائمة على الوساطة؛ حيث لا يتوفر الباحث على الكتابات الغربية ذاتها، بل فقط مجرد النظر لصداها في بعض الكتابات القابلة أو الرافضة لها...إلخ؛ مما يجعل المعرفة العربية بواقع الدرس الغربي للقرآن هشّة وغير قادرة على إحداث مثاقفات جادّة مع المنطلقات الكبرى للدرس الغربي للقرآن وعلومه والمناهج التي يصدر عنها والركائز الكلية التي يستند إليها، وكذلك تكون مغفلة للتنوّع والتشابك الذي يشهده هذا الدرس، وعاجزة عن توظيفه واستثماره لصالحها.

ومن هاهنا كان لا بد من وقفة مع هذا الفقر في واقع المعرفة العربية وضعف إحاطتها وإلمامها بهذه الدراسات الغربية حول القرآن وعلومه، وهو الأمر الذي لا يمكن مقابلته -بما اعتدنا عليه كثيرًا- من الرفض الكامل أو التجاهل لمثل هذه الدراسات الغربية، لاسيما مع تناميها وشيوع تأثيرها في واقعنا العربي ذاته عبر مُتبني تصوراتها ومناهجها ونتائجها من الكتَّاب العرب، وإنما تكون مواجهته بالبحث عن أسباب هذا الفقر العربي ومعالجته بما يؤسس لإحداث مثاقفة عربية جادة ومؤصلة مع الطرح الغربي تتجاوز الاشتباك الجزئي مع بعض تصوراته إلى المثاقفة الكلية مع منطلقاته ومناهجه، وهو ما نتغياه ونطمح إليه عبر هذا القسم من الموقع (ترجمات).

ثانيًا: أهداف قسم الترجمات وآليات تحقيقه:

يسعى قسم الترجمات إجمالًا لجَسْر هذه الهوّة بين الباحثين العرب في حقل الدراسات القرآنية وما يُكتب في الدوائر الغربية حول القرآن وعلومه، عبر طرح ترجمات مرتبة لعيون الدرس الغربي للقرآن، تعين على تمكين الباحث العربي من التعرف عبرها على ملامح هذا الدرس، ومتابعة جديده بصورة دائمة؛ حتى تتخلق لدينا الأرضية اللازمة لميلاد حركة بحث في الأوساط العربية للدراسات القرآنية قادرة فيما بعد على النهوض بعمل مثاقفات مؤصلة مع الفكر الغربي وأطروحاته حول القرآن وعلومه، والتي لطالما حجب تكوّنَها وتعميق مقارباتها وتكثّير سواد المشتغلين بها عدمُ توفر القدرة على مطالعة الطرح الغربي.

وقد حاولنا من أجل تحقيق هدفنا هذا ألا نكتفي فقط بمجرد طرح بعض الترجمات، وإنما اجتهدنا فيأن:

1- ننتقي وباستمرار عددًا من المواد الغربية المعاصرة المهمّة والجادة في شتى الموضوعات المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه.

2- نُعدِّد المساحات والمستويات التي نُترجِم عنها، فلا نقتصر على الكتابة الأكاديمية، والتي سنوليها اهتمامًا واسعًا في التعريب بطبيعة الحال؛ بل نُوسِّع اهتماماتنا كذلك لتشمل مساحات ومستويات أخرى لا تقل أهمية في تشكيل الوعي الغربي والعربي، مثل بعض المقالات الصحفية المهمة ذات التأثير الواسع، وكذا بعض المحاضرات المهمة، التي بحكم ما تحتويه من حوارات بين الدراسين الغربيين تطلعنا على كثير من الأسئلة والإشكالات المثارة حول دراسة القرآن بين أجيال مختلفة وكذا بين جنسيات مختلفة من بين هؤلاء الباحثين.

3- نُنوِّع مظان الترجمة، فلا نقتصر على الترجمة عن الكتابات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، بل نترجم لبعض الكتّاب أيضًا من ذوي الاطروحات المهمة من خارج العوالم المعهود الترجمة عنها في حقل دراسات القرآن؛ حرصًا على تكوين أكبر قدر ممكن من الإلمام المعرفي بطبيعة الدراسات الغربية.

4- أن نتبع طريقة النشر «الموضوعاتي» غالبًا، بحيث ننشر كلّ شهرين أو ثلاثة مواد تتعلق بموضوع واحد يكون هو الموضوع المركزي، ونختار في تناوله عددًا من المواد التي تمثل منظورات مختلفة لنفس الموضوع، وكذا تنطلق من لغات وتقاليد استشراقية مختلفة، وكذا من منهجيات مختلفة؛ مما يساعد القارئ الكريم على وضع يده على الاختلاف والتنوع القائم في هذا الحقل، وييسر له تكوين رؤية أشمل لواقع الدراسات القرآنية في الغرب.

ثالثًا: سياساتنا في التعامل مع المواد المترجمة:

1- راعينا فيما سنطرحه من ترجمات الدقة العالية والأمانة في نقل الأفكار المترجمة، مع الحرص على وضعها في قوالب وتراكيب وأساليب عربية تيسّر للباحثين قراءتها، وتعين على سهولة تعاملهم معها.

- كما قمنا بعمل مداخل للمواد تبيّن أهميتها وموضعها في سياق الدرس الغربي للقرآن، وكذلك قمنا بوضع بعض الهوامش، التي تفيد القارئ بتعريفه ببعض الأعلام والمذاهب والاتجاهات الواردة في النصوص المترجمة، خصوصًا تلك المتعلقة بالقرآن الكريم وعلومه وبمجال الكتابة والنشر والترجمة فيه حتى يتيسر الاستيعاب وتعظم الفائدة.

2- كذلك حاولنا التدقيق قدر الطاقة، لا سيما في اختيار المصطلحات العربية المقابلة لبعض المصطلحات الغربية المركزية التي تترجم عادة بمصطلحات قد تكون غير دقيقة، كأحد العيوب الناتجة عن قلة الاهتمام بالترجمة في الدراسات القرآنية، وغياب ترسيخ معجم اصطلاحي متفق عليه بين الباحثين في هذا المجال، وقلة المترجمين ذوي الخبرة باللغات الأجنبية والدراسات القرآنية، وقمنا بتفصيل أسباب تفضيلنا لمصطلح على آخر في هوامش توضيحية في المواد، ونطمح أن يكون اجتهادنا في مثل هذه المصطلحات لبنة أولى في بناء هذا المعجم الذي لا شك سيفيد في ضبط المفاهيم الأساسية في حقل الدراسات القرآنية.

3- وحتى تكتمل الفائدة المرجوّة من وراء قسم الترجمات فإننا سنجتهد أيضًا في طرح ترجمات متتالية لرموز الاستشراق وأبرز المشروعات التي يعملون عليها، وكذا سنطرح سلاسل ببليوغرافية بالنتاج الغربي حول القرآن...إلخ؛ مما يوفر مساحة مهمة لفهم الفكر الغربي في حقل الدراسات القرآنية.

4- كما سنحاول وبصورة دورية اقتراح عدد من الملفات المهمّة حول بعض الموضوعات أو بعض الأسماء المهمة على ساحة الدرس الغربي للقرآن وعلومه، والتي تحتاج اهتمامًا خاصًّا، ولفت أنظار المترجمين والقراء إلي الترجمة والنشر والبحث حولها، وطرحها للترجمة عبر مشاركة قرائنا الكرام، آملين أن يساعدنا هذا في جذب مجهود الباحثين ذوي الخبرة بالترجمة وذوي التكوين المعرفي القوي لتخصيص جزءٍ من اشتغالهم لحقل الدراسات القرآنية.

رابعًا: إشكالات نشر الفكر الغربي على الموقع، وكيفية تعاملنا معها:

لما كان الغرض في قسم الترجمات هو تعريف الباحثين في حقل الدراسات القرآنية بواقع الدرس الغربي وتنوعاته والاستفادة من الشبكة العنكبوتية في إتاحة ذلك لأكبر شريحة ممكنة من الباحثين؛ وجب التنبيه على أمر مهمّ، وهو أن هذا الغرض يضطرنا حتمًا -من أجل الوفاء بتقديم صورة أمينة ودقيقة للفكر الغربي بتنوعاته- تعريب العديد من المواد الغربية، والتي تحمل في طياتها الكثير من التصورات والنتائج المشكِلة والمصادمة لمعتقداتنا حول القرآن الكريم؛ مما يسبب إشكالًا في بثّه على الموقع حيث يتاح تصفحه للجميع، وهو إشكال أرّقنا كثيرًا، فتارة نقدِم تحصيلًا لغرضنا المهمّ والملحّ من وراء هذا القسم، وإتاحة المواد على الموقع ليستفيد منها أكبر قدر من الباحثين، وتارة نحجم تحسبًا لتساؤلات كثيرة -لها مسوغاتها ومبرراتها- قد نتعرض لها من وراء أسباب تصدينا لنشر مثل هذه المواد على الموقع وإتاحتها بهذه الصورة، إلا أننا ارتأينا في نهاية الأمر أن ضرورة تكوين أرضية للباحثين العرب من أجل خلق اشتباك علمي مؤصّل مع هذا الفكر الزاحف في العالم الغربي والعربي على السواء يستحق منا في مركز تفسير -بما له من خلفيات وأهداف معلومة منذ سنوات في خدمة الدراسات القرآنية- خوض هذه اللجّة وتحمّل هذه التّبِعة، محاولين الجمع بين الأمرين، بين أن نحقق الغرض بتعريب تلك المواد لبيان طبيعة الفكر الغربي كاملة، وإتاحتها على الموقع توسيعًا لرقعة المستفيدين منها من الباحثين، مع وضعنا في ذات الوقت العديد من التعليقات العلمية -في ضوء ما تسمح به أعراف الترجمات- على بعض المواد التي تظهر فيها بعض الآراء الفجّة، وبعض الرؤى المفتقرة للدقة، بشكلٍ يسيرٍ يوضح عدم دقتها، كما قمنا كذلك بعمل قراءات في هذه الترجمات التي تحوي نتائج مشكلة أيضًا سيتزامن نشرها مع هذه المواد؛ لتبصّر بمواضع الخلل فيها، وتنبّه على مظانّ الإشكال التي تحويها، بحيث نتلافى أكبر قدر ممكن من سلبيات نشر هذه المواد وإتاحتها على الموقع، وبذلك بدا لنا معالجة إشكال نشر مثل هذه المواد الغربيّة على الموقع، والذي نرجو أن نكون قد وفقنا فيه وأعذرْنا.

***

وبرغم صعوبة السير في هذا القسم وصعوبة العمل فيه وما يستلزمه من جهود مضنية في تتبع حقوق التعريب والتواصل مع المؤلفين ومؤسسات النشر في العالم الغربي...إلخ، وكذلك ما يتطلبه من جهد عظيم في فعل الترجمة والتعريب في ضوء ندرة المترجمين المبصرين بواقع الدراسات القرآنية والقادرين على نقل المواد بلغة هذا التخصص في السياق العربي، وكذلك ما يحتاجه من جهد كبير في المراجعات العلمية لوضع التعليقات اللازمة...إلخ، إلا أن العبء الريادي لمركز تفسير، وطبيعة الرؤية التي ينطلق منها، وحرصه على سد الثغرات اللازمة في فضاءات البحث في الدراسات القرآنية؛ استلزم منا الخطو إلى هذا الباب الذي تأخر طرقه كثيرًا مؤمّلِين من ورائه إجمالًا الإسهام في توفير نافذة يطلّ منها الباحثون العرب على ما يُكتَب ويُثار في الدراسات الغربية المعاصرة حول القرآن وعلومه، فتكون سبيلهم  نحو تحقيق اطّلاع واعٍ، واستيعاب عميق، ومثاقفة أصيلة، والله الموفق.

 

([1]) مثال ذلك كتاب نولدكه الشهير «تاريخ القرآن»، والذي لا زالت تصدر ترجمات حديثة له، وهي بالفعل ترجمات جيدة، إلا أن باحثًا مثل رضوان السيد يعلق على هذا الكتاب بـ «أن الفيلولوجي المشرذمة لنولدكه تستثير النفور، وأنها ما عادت ملائمة أو صالحة لتقديم جديد مفيد للقارئ العربي». انظر: المستشرقون الألمان، النشوء والتأثير والمصائر، رضوان السيد، دار المدار الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 2007، ص82.

المؤلف

إعداد/ قسم الترجمات بموقع تفسير

مسئولو قسم الترجمات بموقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))