ترجمة عبرية للقرآن من القرن السابع عشر
المخطوطات العبرية للقرآن

من المداخل المهمّة لفهمِ التناول الاستشراقي للقرآن =بحثُ الأصول التاريخية الغربية لتلقي القرآن، خصوصًا في أهم مساحاتها؛ أيْ: ترجمة القرآن ودراسته، وصلة هذا بالتنوّع الديني والاجتماعي والسياسي الأوروبي الوسيط، وتحوّلات العلاقة مع الإسلام. هذه الورقة تدرس ترجمة عبرية مخطوطة للقرآن من القرن السابع عشر، قد تكون أول ترجمة عبرية للقرآن، وتلقي الضوء على السياق المنشئ لها والأهداف وراء إنتاجها.

  العلاقة بين الإسلام وأوروبا في ما يسمى (العصور الوسطى الأوروبية) علاقة شديدة التعقيد؛ سواء من حيث تنوّع دوائر الاهتمام الغربي بالإسلام (ساسة، لاهوتيين، فلاسفة، جمهور)، أو من حيث تغيُّر طبيعة النظرة إلى الإسلام وتحوّلاتها، والمرتبطة -فيما يرى رودنسون- بتغيّر النظرة الغربية إلى ذاتها أو أهدافها وإشكالاتها الخارجية والداخلية، وفي قلب هذه العلاقة المعقّدة بمستوياتها المتداخلة يقع القرآن ومحاولة التعرّف عليه ترجمةً ودراسةً.

فقد بدأت ترجمة القرآن في العالم الغربي بالترجمة الشهيرة لدير كلوني التي أشرف عليها بطرس الموقر، وهي الترجمة التي كان الغرض منها محاولة اللاهوتيين التعرّف بصورة أكبر على الإسلام لمحاولة مقاومة خَطَرِه، غير أن ترجمة القرآن -سواء كاملًا أو جزئيًّا- لم تتوقّف عند حدّ المشروعات اللاهوتية الرامية لدفع خَطَرِه أو حتى لمحاولة تنصير المسلمين أو في الجدالات مع اليهود، بل ظلَّ التنوّع القائم في الواقع ومستوياته الاجتماعية والدينية والمعرفية عاملًا مهمًّا في إنتاج ترجمات للقرآن تحقّق أهدافًا مخصوصة لبعض قطاعات هذا الواقع.

وبالنسبة لوضعية اليهود في أوروبا الوسطى وفي الدولة العثمانية بين الاضطهاد في الأُولى ومحاولات اللجوء للثانية يُتوقع تمامًا أن تكون للقرآن وترجمته أهمية كبيرة، كما يتوقّع كون هذه الترجمات (وبسبب كونها تتم غالبًا عن لغات وسيطة وتشهد تدخلات وتعديلات) تكشف عن الأهداف الخاصّة وراء هذه الترجمات والتي تؤسّس لملامحها الخاصّة.

وهذا الجانب على ثرائه وأهميته في استكشاف وضعيّة القرآن في التلقي غير الإسلامي الوسيط له –والذي يظلّ له آثاره على تصوّر الإسلام والقرآن وحتى على بعض مساحات الاستشراق بمعناه الأدقّ كدراسة علمية للشرق- يظلّ غير مطروقٍ بشكلٍ كبيرٍ في الكتابات العربية، وهو ما يدفع للترجمة في هذا الباب، وهذه المادة التي بين أيدينا تتناول بالدراسة بعض المخطوطات العبرية لترجمة القرآن التي أنجزها بعض اليهود في إيطاليا في القرن السابع عشر، والتي قد تكون أول ترجمة عبرية كاملة للقرآن، وتُلْقِي ضوءًا على أهداف ترجمتها وعلاقتها بوضعية اليهود وسماتها الخاصّة في هذا السياق.

المؤلف

حافا لاتسروس يافيه - חוה לצרוסעפה

واحدة من أبرز المستشرقين اليهود المعاصرين، تخصّصت في الإسلام ودراسته ولها عدّة مؤلفات مهمّة حول الإسلام.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))