دراسة الانفرادات الواردة في النَّشر من طريق الأصبهاني عن ورش
ألّف ابن الجزري كتاب (النَّشْر) جامعًا فيه كلَّ ما صحّ من قراءة الأئمة العشرة زيادةً على ما في الشاطبية من القراءات السبع وعلى ما في (الدرة المضيئة) من القراءات الثلاث، وقد تميّز كتاب (النشر) بتفصيل المسائل وبيان الأحكام، والعزو إلى كلّ مصدر بما نقل، وكثير من الأحكام متّفق عليها، وبعض الأحكام تميّزت بورود عدّة أوجه فيها؛ فمِن المصادر مَن أخذ بوجه ومنهم مَن أخذ بالوجوه جميعًا، فيوضّح ابن الجزري ذلك، كقوله في مدّ البدل: «فإنّ ورشًا من طريق الأزرق مدّ ذلك كلّه على اختلاف بين أهل الأداء في ذلك»، فيبيّن اختلافهم، وبعض المصادر شذّت عن هذا كلّه، فنقلت وجوهًا غريبة مخالفة للإجماع، فأثبتَ ابن الجزري بعضها وهي قليلة جدًّا، وحكم على كثير منها بالضَّعف والشذوذ ولم يُثبتها في (طيبة النشر) التي هي عمدة الرواية، وخالفه المغاربة في بعضها فأثبتوه روايةً، فصار في حكم المقروء به بمجموع الطرق، فيرتفع عنه وصف الشذوذ والضَّعف.
وكذلك خالف المغاربةُ سائرَ الناس في بعض الأحكام وانفردوا بروايتها نصًّا وأداءً، وذلك لعدّة عوامل تاريخية وجغرافية؛ فإنهم كانوا إلى زمن قريب لم يطّلعوا على مذهبِ ابن الجزري وكتبِه، وكانوا أشدّ عنايةً بالقراءات العشر الصغرى من طرقهم، وهم أشدّ الناس اعتناءً بقراءة نافع، وقد اطّلع ابن الجزري على كتبهم ولكن فاتته الرحلة إلى المغرب الإسلامي.
وبعض الانفرادات التي ذكرها ابن الجزري ضعيفة جدًّا، أو ليست برواية أصلًا، ولكنه ذكرها للتنبيه عليها فلعلهم كانوا يقرؤون بها في زمنه على أنها صحيحة ثابتة.
وهذا البحث يدرس هذه المسائل التي انفرد بها القوم مبيّنًا ما يَثبُت وما لا يَثبُت، مقتصرًا على رواية ورش من طريق الأصبهاني.