تفسير القرآن في سياق الموضوعية التاريخية وتعدّدية الآراء
فخر الدين الرازي ومنهجه التعدّدي في تفسير القرآن -عند أهل السُّنة- من خلال اللغة والاحتمال

في هذه الورقة يقدِّم كامل أوكتيم قراءة في منهجية الرازي التفسيرية، فيقرأ محاولة ربط الرازي التفسير بعلم الكلام، باعتبارها محاولة لإعادة ضبط حدود العلم، مما يسمح بتعددية المعنى، واستعياب معانٍ جديدة للقرآن، وكذلك يتتبع نقد العلماء لتوسع الرازي في التفسير.

  اهتمّت الدراسات الغربية بالتفسير منذ مرحلة نضجها في القرن التاسع عشر، وكان ذلك بصورة قليلة محدودة، إلا أنه في العقود الأخيرة زاد هذا الاهتمام وتشعَّب، حيث بدأ النظر للتفسير في الدراسات الغربية باعتباره حقلًا علميًّا ونمطًا من التأليف له ملامحه الخاصّة، وبالتالي اهتمّ الكثير من الباحثين الغربيين بعقد الدراسات المفردة للمفسِّرين ومناهجهم وعلاقاتهم بالمفسِّرين السابقين، بدلًا عن قراءة التفاسير ضِمن تصنيفات وتحقيبات جاهزة سلفًا.

في هذه الورقة يقدِّم كامل أوكتيم قراءة في تفسير الرازي، تنطلق من النظر لتفسيره، باعتبارها عملية تداول حول حدود حقل التفسير نفسه، وحول علاقته بالحقول العلمية ذات الصِّلَة. يتناول أوكتيم تفسير الرازي بقواعده الخاصّة باعتباره محاولة للهرب من التقليد، وفتح الباب لاستيعاب معانٍ جديدة للنصّ القرآني، ويرى أنّ محاولة الرازي هي إعادة تعريف عِلْم التفسير -أو استغلال غياب تحديد واضح له- على أنه جزء من علم الكلام، ما يمنح التفسير من هذا المنظور -بحسب أوكتيم- قدرة على استكشاف معانٍ متعدّدة داخل النصّ لم يَقُل بها المفسِّرون السابقون.

يهتمّ كذلك أوكتيم بالنقد الذي قدَّمه بعضُ العلماء لتفسير الرازي وتوسّعه الشديد في التفسير، لا سيّما النقد الذي قام به المفسِّر الشهير أبو حيّان الأندلسي صاحب تفسير (البحر المحيط)، فيعرض أوكتيم لهذا النقد ويحلّله، ويبيِّن أيضًا محاولة أبي حيان لتحديد عِلْم التفسير وغيره من العلماء ممن أَتوا بعده.

إلى جانب موقع الكلام في رؤية الرازي للتفسير، يهتمّ أوكتيم كذلك بتصوّر الرازي عن اللغة، ومسألة اللغة بين التوقيف والوضع، وعلاقة هذا بالمعنى وتعدّده، حيث انطلاقًا من رؤية الرازي الخاصّة في هذه المسألة يرى أوكتيم أنّ القرآن لا يقدِّم معنى واحدًا فحسب، بل إنه مصمَّم ليقدِّم تعدّدية أصيلة في المعنى، وهو ما يجعل منهج الرازي -وفق أوكتيم- في التفسير مختلفًا عن مناهج سابقيه، خصوصًا المعتمدين على المرويات، ويعطيه معاصرة كبيرة.

لا تأتي أهمية هذه الورقة من نتائجها بالضرورة، بل من كونها تسلِّط الضوء على جوانب من الاشتغال الغربي بالتفسير الإسلامي التراثي، والقضايا التي يعالجونها في بحوثهم، وعنايتهم -كما في هذه الورقة- بمسألة مفهوم التفسير وطبيعته وحدوده ووظيفته وأدواته، مما يجعل هذه المادة حَرِيَّة بالتعريب ومطالعة القرّاء العرب لها.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))