القرآن في أوروبا
قراءة في التعامل الأوروبي مع القرآن في بدايات العصر الحديث
مقدمة[1]:
تُعَدّ ترجمات القرآن إلى اللغة اللاتينية ثم اللغات الأوروبية الحديثة من أهمّ مراحل التفاعل الغربي مع القرآن، ولا شك؛ فإنّ هذه الترجمات نشأت وفق أهداف جدلية ودينية وسياسية بالأساس، كما يظهر في «عتبات: عناوين، مقدمات، حواشي، تعليقات» هذه الترجمات، حيث تضمّنَت في معظمها تأطيرًا تفنيديًّا للقرآن وعرضًا عامًّا للسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي من خلال المنظورات السائدة في العصر الوسيط وبدايات العصر الحديث عن الإسلام وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- مما جعلها في مرحلة لاحقة عرضة للانتقاد بعدم العلمية.
إلا أنه وفي الآونة الأخيرة بدأ اهتمام الكثير من الدارسين الغربيين يتّجه لدراسة التفاعل الغربي مع القرآن من وجهة تأثيره في تطوّر الفكر الغربي نفسه بدلًا عن دراسة تأثُّر القرآن بهذا التفاعل، حيث يتمّ الالتفات لفعالية القرآن المترجَم داخل النقاشات الغربية؛ المسيحية- المسيحية، والمسيحية- اليهودية حول حدود «المعتقد القويم» و«الهرطقة»، ويتمّ النظر إليه ولعملية ترجمته والجدال حوله كجزء من جدالات الهوية وتعريف الذّات، وجدالات الاندماج داخل أوروبا بالنسبة لليهود، بل لم تتوقف محاولات تتبع هذه الفعالية والأهمية على سياق الجدل الديني، بل امتدَّت لبحث أثر القرآن في دراسة تاريخ الكتاب المقدس وتاريخ العبرية، فضلًا عن تأثيره على الدراسات الأدبية والإنسانية للمدوّنات الدينية الكبرى والتي تتخطى الكتب التوحيدية إلى غيرها «مثل الإلياذة والأوديسة».
هذه المقالة هي مقدّمة لعددٍ كاملٍ من مجلة الدراسات القرآنية يدور حول «القرآن في أوروبا»، وفيها يعرض جان لوب تاريخ التفاعل الغربي مع القرآن في سياق صِلة القرآن بالكتاب المقدّس، حيث يلقِي الضوء على ترجمة روبرت كيتون وإعادة نشر ببلينادر لها، وموقع هذه الترجمة المهم في أوائل الفكر الحديث الجدلي والديني والمعرفي العام، وكذلك إشكالاتها الكثيرة، وكيف تطوّر النظر للقرآن ولصِلته بالكتاب المقدّس بعد انتشار هذه الترجمة، كذلك موقع القرآن في كثير من مساحات الجدل حول تاريخ العبرية وحول تاريخ الكنيسة في الشرق وتاريخ المسيحية وبعض أفكارها المركزية مثل (التثليث) وحول الكتاب المقدّس وطبيعته وتركيبه وأسلوبه.
إنّ هذه المقالة تلقِي ضوءًا مهمًّا على نمط اشتغالٍ بحثي غربي متنامٍ، يُعيد النظر في تاريخ تفاعل الغربيين مع القرآن، وينظر للقرآن باعتباره -بوجهٍ ما- أحد أساسات تطوّر الفكر الأوروبي الحديث معرفيًّا، وهو نمط اشتغال واسع ولا يقتصر فحسب على التأريخ للفكر العلمي والدراسات البحثية، بل يتخطّاه لبحث أثر القرآن في أوروبا والغرب بشكلٍ أكثر اتساعًا يشمل ميادين الثقافة والفنّ والسياسة[2]، مما يجعل من المهم للقارئ العربي الاطلاع على هذا الاشتغال.
يُعْنَى هذا العدد الخاصّ من مجلة الدراسات القرآنية بتاريخِ التفاعلات الأوروبية الغربية مع القرآن، بدايةً من باكورة الترجمات اليونانية في القرن التاسع وصولًا إلى الإصدارات اليهودية حول القرآن في مطلع القرن العشرين. وتعود فكرة هذا العدد إلى وقت انطلاق مؤتمر (ترجمة القرآن) الذي نظّمه مركز تاريخ الدراسات العربية في أوروبا بمعهد فاربورج في السادس عشر من مارس لسنة 2012[6]. وبعد مرور عامين من انعقاد هذا المؤتمر أُقيمت ورشة بعنوان: (توظيف التفسير في ترجمة القرآن) انبثق عنها تشكيل مجموعة بحثية دولية تطوّرت إلى مشروع بحثي طموح حول القرآن في أوروبا (القرآن الأوروبي)[7].
وتقدّم المقالات العشر الصادرة في هذا العدد الخاصّ إطارًا مهمًّا للبحوث المستقبلية في هذا المجال. ونظرًا لورود ملخّص لهذه المقالات في الجزء المخصّص لذلك في صدر هذا العدد، فلن أتناولها هنا بالتفصيل. وتأتي هذه المقالات التي كتبها أَعلامٌ بارزون في هذا التخصّص لتسلِّط ضوءًا جديدًا على مجموعة من السياقات اللغوية والدينية والعلمية والسياسية التي شهدت انتشار القرآن في العالم الغربي الأوروبي. وتقرّ بوجه خاصّ بوجود حافزَيْن قويَّين يدفعان الأوروبيّين لقراءة القرآن وترجمته، هما: التفاعل الجدلي مع الإسلام، علاوة على الرغبة الأوروبية في التعرّف بصورة أكبر على دينٍ جَسَّد تهديدًا أساسيًّا لتماسك هذه القارة من الناحية السياسية والدينية، ومع ذلك لا يقتصر الأمر على هذين الدافعين، بل يتجاوزهما بكثير. وتُبرِز بعضُ مقالات هذا العدد حقيقةَ الدور الأساسي للقرآن في الجدل الدائر بين المجموعات الدينية المسيحية، وفي الخطابات التي يتعيّن عدّها مقوِّمًا أساسيًّا في تشكيل الهوية الذاتية اليهودية والمسيحية منذ بواكير العصور الوسطى حتى وقتنا الحاضر. ومن الإسهامات الأصيلة في هذا الصدد ما كتبته سوزانا هيشل (Susannah Heschel) بعنوان: ‘Nineteenth-Century Jewish Readings of the Qur’an’ «قراءات يهودية في القرن التاسع عشر للقرآن». وتشير في مقالتها إلى المسارات الجديدة الملهمة للبحوث المستقبلية التي تُعْنَى بدراسة دور القرآن في فهم التاريخ اليهودي والمسيحي وفي تشكيل هوية أوروبية متعدّدة الثقافات في القرنين التاسع عشر والعشرين.
وتميط كثير من هذه المقالات اللثام عن كنزٍ ثمينٍ من المعلومات غير المستغلّة التي من شأنها أن تمنحنا تصوّرات جديدة حول التاريخ العلمي والديني والاجتماعي للقرآن في أوروبا. ويُعَدّ اكتشاف روبرتو توتولي لترجمة يونان زيكندورف (Johann Zechendorff) الأصلية التي ترجم فيها القرآن للغة اللاتينية سنة 1632 في دار الكتب بالقاهرة =واحدًا من أهم الاكتشافات في الآونة الأخيرة. ويظهر في هذه المخطوطة النصّ العربي منسوخًا إلى جانب ترجمة لاتينية؛ ولذا فهي دليل مهمّ يمكن الاستناد إليه في دراسة الإمكانات والقيود الفنية للدراسات القرآنية في أوروبا مطلع القرن السابع عشر على نحو ما رأيناه في مقالتين: واحدة كتبها راينهولد جلي (Reinhold Glei)، والأخرى لروبرتو توتولي. ولم تكن هناك ترجمات أخرى مشهورة متداولة سنة 1632 سوى ترجمة الإنجليزي روبرت الكيتوني (Robert of Ketton) التي تعود لسنة 1143. وتولَّى تنقيح هذه الترجمة مصلح زيورخ المتخصّص في الدراسات العبرانية (تيودور ببلياندر - Theodor Bibliander) وطُبعت سنة 1543 على يد يوهانس أوبورينوس (Johannes Oporinus) في بازل. وكما أبيِّن في هذا المدخل، فقد جاءت هذه الترجمة موجَّهة ضد الكنيسة الرومانية بنفس القدر الذي كانت موجهة به ضدّ الإسلام، وسرعان ما أُدرِجَت ضمن دليل الكتب المحرّمة بعد نشرها، وهي حقيقة لم تمنع الكُتّاب الكاثوليك من الاستعانة بها لغياب بدائل أخرى. واعتمد اليسوعيون المجريون على نسخة ببلياندر بشكلٍ كبيرٍ كما ذكر بول شور (Paul Shore)، وكذلك الوفد اليسوعي الذي جلب معه نسخة منها إلى البلاط المغولي سنة 1580. وحتى قبل انتشار الترجمة اللاتينية للقرآن على نطاق واسع في أوروبا بفضل النسخة المطبوعة من تحرير ببلياندر، كانت هناك ترجمات جزئية ضمن إصدارات يغلب عليها الطابع الجدلي تتناول الحدود الفاصلة بين المعتقد القويم والهرطقة. وفي دراسة كريستيان هيجل (Christian Høgel) نجده يسلِّط الضوء على عمل بيزنطي يستهدف الهراطقة في القرن الثاني عشر، كتبه إيثيميوس زيغابينوس (Euthymios Zigabenos) بعنوان: "Panoplia dogmatike"، واشتمل على اقتباسات من ترجمات يونانية للقرآن نُقلت إلى اللغة اللاتينية. وتكشف Mercedes García-Arenal مرسيدس غارسيا أرينال، وكاسيا ستارسزكا (Kasia Starczewska)، وريان زبيتش (Ryan Szpiech) عن ترجمات قرآنية إلى اللغة الإسبانية جاءت ضمن مؤلَّفات مسيحية جدلية وأعمال ركزت على التحوُّل الديني. وظهرت ترجمة فرنسية للقرآن على يد أندريه دي ريير (André Du Ryer) سنة 1647 وهي ترجمة مباشرة من العربية دون لغة وسيطة[8]. وتفوّقت على نسخة ببلياندر في انتشارها وسرعان ما تُرجمت إلى لغات عدّة. وقد استَخدَم هذه الترجمة عدد قليل من الباحثين المحيطين بالمستشرق الفرنسي الكبير بارتيلمي هربلو (Barthélemy d’Herbelot) أثناء إقامته في توسكانا. وأصدروا ترجمة جماعية لمواضع قرآنية حفظتها لنا مخطوطة قصيرة كانت موضوعًا لدراسة بيير ماتيا توماسينو (Pier Mattia Tommasino). وبعد مرور خمسين عامًا على صدور الطبعة الأُولى من ترجمة دي ريير الرائدة، كنّا على موعد سنة 1698 مع ترجمة جديدة تحلّ محلّها من إعداد لودوفيكو ماراتشي (Ludovico Marracci) بعنوان: (Alcorani textus universus) أو «النصّ القرآني المكتمل». وقد هيمنَت نسخة ماراتشي على الترجمات الغربية طوال قرن من الزمان بحسب ما ورد في مقالة ألاستير هاملتون (Alastair Hamilton)[9]. وركّز هاملتون في دراسته على تلقّي المناطق البروتستانتية الأوروبية لترجمة ماراتشي، وكيف أن الدراسات القرآنية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تراوحت بين خصومة طائفية وتعاوُن فيما بين الطوائف. وختامًا تأتي مقالة ألكسندر بيفيلاكو (Alexander Bevilacqua) بالاشتراك معي لتبيّن استمرار الحضور القرآني القوي في الجدالات الثقافية والدينية والسياسية الأوروبية حتى في القرن الثامن عشر بعد أن هدأت الخصومات الطائفية وتراجعت حِدّة الضغوط العثمانية.
ونأمل في أن تسفر المقالات الصادرة في هذا العدد الخاصّ عن انطلاق حوار يتجاوز فكرة كون القرآن ظاهرة دخيلة في الأساس على الثقافة الدينية في أوروبا. وتبحث الدراسات الواردة في هذا العدد في شتى طرق تعاطي الكثير من الجماعات الأوروبية مع القرآن على مدار عقود من الزمان. وتبيِّن مدى تجذُّر القرآن وترسُّخه في الخطابات الأوروبية، ليس من منطلق كونه أداة جدلية ووسيلة إقصاء ومُفاصَلة فحسب، بل بوصفه نصًّا مرجعيًّا في الدراسات التاريخية. وفي الوقت الذي تأتي فيه دراسة توم بورمان (Tom Burman) حول قرّاء القرآن وغيرهم من الدومنيكان في القرن الثالث عشر لتذكِّرنا بأنّ الإسلام والقرآن لم يكونا بالضرورة محور اهتمام الناس في كلّ زمان ومكان، فإنّ المقالات الصادرة ضِمن هذا العدد تبيِّن بوضوح دور القرآن البارز في تشكيل الهوية الدينية والثقافية في أوروبا.
وأتناول في هذا المدخل الترجمة اللاتينية الرائدة في العصور الوسطى لروبرت الكيتوني والنسخة المنقَّحة منها التي أصدرها ببلياندر ضِمن عمله: (Machumetis Saracenorum principis, eiusque successorum vitae, ac doctrina, ipseque Alcoran) «حياة محمد، قائد السارسين، وخلفائه، مع ترجمة للقرآن» 1534. وبفضل هذه الطبعة المنقَّحة المبكِّرة أضحت ترجمة روبرت الكيتوني من أكثر الترجمات الأوروبية للقرآن انتشارًا ومطالعة. وتسعى دراسة الحالة هذه إلى تتبّع مصير الطبعات اللاتينية وترجماتها المتعدّدة باللهجات المحلية المختلفة، وتمعن النظر في طريقة توظيف ترجمة ببلياندر في الجدل الدائر في الأوساط المسيحية في المشهد الأوروبي الحديث المبكّر الذي خيّم عليه انقسام ديني شديد. كما تُولِي عناية خاصّة بطرق التفاعل مع القرآن والتي كانت حاسمة في تشكيل هوية ذاتية للطوائف الدينية المختلفة. قصة قرآن روبرت كيتوني وببلياندر توضح لنا العمليات المختلفة التي تبرزها دراسات أخرى في هذا العدد الخاصّ. وتشير جميعها إلى حقيقة جلية بالنظر إلى القرآن في خضمّ التحوّلات التي شهدها في انتقاله من العالم الإسلامي والعربي إلى مجال الترجمة باللغة اللاتينية واللغات العامية المختلفة في أوروبا، وفي إطار قراءته وتوظيفه وتكييفه داخل السياقات اليهودية والأوروبية، ومفاد هذه الحقيقة أننا نواجه نوعًا نصيًّا خاصًّا sui generis هو القرآن الأوروبي[10].
نسخة ببلياندر:
اعتمد ببلياندر في إخراج نسخته على ثلاث مخطوطات من الترجمة اللاتينية التي أعدَّها الإنجليزي روبرت الكيتوني في حقبة العصور الوسطى، وتحديدًا سنة 1143 بعنوان: " Lex Mahumet pseudoprophetae" أو «شريعة محمد النبي الزائف»[11]. ومع عِلْمِنَا بعدد من الترجمات اللاتينية للقرآن التي تداولها الناس في صورةٍ مخطوطةٍ في تلك الحقبة، إلا أنّ ترجمة الكيتوني التي عُنيت بإعادة صياغة المعاني وما تلاها من نصوص بلغات عامية مختلفة اعتمَدَت عليها كان لها بالغ الأثر في تشكيل انطباع القارئ الأوروبي عن القرآن لفترة ممتدة من الزمان.
وعلى مدار القرون، واجَهَ القارئ الأوروبي للقرآن نصًّا بعيدًا كلّ البُعد عن الأصل العربي من حيث الأسلوب والدلالة والتركيب [النَّظْم] ومستوى المادة نفسها. أمّا على مستوى النَّظْم والتركيب، فقد سار النصّ وفق ترتيب خاصّ للقرآن إلى (‘azoaras’) لا يتفق مع التقسيم المعهود على حسب السور في الأصل العربي؛ إِذْ إنّ روبرت الكيتوني لم يَعُدّ سورة الفاتحة ضِمن سور القرآن؛ بل جعلها مجرّد دعاء افتتاحي، ثم قسّم السور الطوال إلى عدّة سور أصغر، متبعًا أسلوب التحزيب، الذي وجده على ما يبدو في واحدة من المخطوطات التي اعتمد عليها[12]. ونتيجة لذلك جاءت نسخته القرآنية مشتملة على 123 azoaras بدلًا من 114 سورة[13]. وعلى الصعيد اللغوي، كشفَت الكثير من الدراسات التي تناولت ترجمة روبرت العديد من مواضع الخلل الدلالي، فضلًا عن أخطاء في القراءة، ومبالغات مغرضة، تفاقمتْ جميعها بفعل أسلوب إعادة الصياغة الذي عمد فيه روبرت إلى «نقل ما جاء في مطلع العديد من المقاطع القرآنية إلى نهايتها والعكس؛ وبهذا غيّر معاني الألفاظ القرآنية؛ وقام في كثير من الأحيان بإغفال ما كان صريحًا في النصّ والاقتصار على ما كان ضمنيًّا»[14].
ومع ذلك نجد الدراسات الحديثة التي تناولت ترجمة روبرت الكيتوني تصرّ على تقييم أكثر محاباة لواحدة من الترجمات التي تظلّ على ما فيها من عِلَّات مَعْلَمًا بارزًا في تاريخ القرآن الأوروبي. وفي هذا السياق يرى أوليسي ثيثيني (Ulisse Cecini) أنّ طريقة إعادة الصياغة التي سار عليها روبرت الكيتوني في ترجمته، والتي تجمع في طيّاتها الكثير من التفاسير المأخوذة من التراث التفسيري الإسلامي، هي أقلّ حَرْفيّة في نقل النصّ لكنها مع ذلك تعبّر عن الأصل بصورة أفضل من الترجمات اللاتينية المبكّرة[15]. وقد أجرى توم بورمان لأوّل مرة تحليلًا لهذه الترجمة وخرج من ذلك بنتيجة مفادها أنّ روبرت الكيتوني استخدم أسلوبًا رفيعًا أشبه بأسلوب الوعظ والخطابة حاول فيه محاكاة البلاغة القرآنية[16].
ويُرَجَّح أن يكون السبب في اختيار ببلياندر لترجمة روبرت الكيتوني أنها النسخة التي أُتيحت له[17]؛ ولم يكن على علم بالعربية ولا بمقدوره الحكم على دقة الترجمة. جدير بالذِّكْر أنّ تيودور ببلياندر ويوهانس أوبورينوس واجَها معارضة كبيرة من السلطات المحلية عند محاولة طباعة القرآن في بازل، ولم تخرج هذه الطبعة للنور إلا بعد جولات واسعة من النقاشات وعلى إثر تدخّل من كبار المصلحين أمثال مارتن لوثر وفيليب ملانكتون، إلى أن وافقت السلطات أخيرًا على نشر هذه الترجمة القرآنية.
وإذا كانتْ محاولة طباعة القرآن مثار جدل دائم في العالم المسيحي، فإنّ معارضة نشر الكتاب الإسلامي المقدّس لم تكن منطلقة دومًا من بواعث أيديولوجية أو لاهوتية فحسب. فإذا نظرنا إلى ما حدث في بازل على سبيل المثال، وجدنا الدافع وراء هذه المعارضة خصومات وعداوات شخصية تجاه أوبرينوس[18].
ولا بدّ أن طباعة القرآن في القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت عملًا مُربحًا وتنافسيًّا أيضًا. ويمكن استخلاص هذا من قصة النجاح الذي أحرزته طبعة ببلياندر. فقد ظهرت الطبعة الأُولى من ترجمته اللاتينية للقرآن سنة 1543 ثم صدرت في طبعة منقحة سنة 1550. وفي ظلّ النُّسَخ العديدة التي ظلّت محفوظة في المكتبات حتى يومنا هذا، لا بد أنّ كِلا العملَيْن قد طُبعا بأعداد هائلة. وقد تُرجمت نسخة ببلياندر إلى عدد من اللغات المحلية، وخرجت في صورة مخطوطة أو مطبوعة. وحتى قبل صدور الطبعة الثانية المزيدة من ترجمة ببلياندر، كانت قد تُرجمت إلى اللاتينية وتولَّى طباعتها الناشر وبائع الكتب الفينيسي أندريا أريفابيني (Andrea Arrivabenee)[19]. وفي سنة 1616 يأتي القس اللوثري ﺳﺎﻟﻮﻣﻮن ﺷﻔﺎﻳﻐﺮ (Salomon Schweigger) ليترجم هذه النسخة الإيطالية إلى اللغة الألمانية لتُعاد طباعتها من جديد في سنة 1623، 1659، 1664. وفي سنة 1641 تصدر ترجمة هولندية لهذه النسخة الألمانية[20]. وعلاوة على ذلك، شهدت السنوات الأخيرة اكتشاف عدد من الإصدارات المخطوطة باللغتَيْن العبرية والإسبانية[21]. ولذا، كان على القارئ الأوروبي الذي يودّ الاطلاع على القرآن بلغة محلية في القرن السادس عشر ومطلع القرن السابع عشر أن يقنع بترجمة منقولة عن ترجمة أخرى قبلها أو حتى عن ترجمتين دون أن يدرك هذه الحقيقة في الغالب الأعمّ. وقد زعم أندريا أريفابيني على الغلاف الداخلي لطبعته أنها مترجمة عن العربية مباشرة[22]. وليس هذا الزعم سوى «صيغة ترويجية»؛ فقد اعتمدت هذه الترجمة في الحقيقة على نسخة ببلياندر. وبالنظر إلى دراسات بيير ماتيا توماسينو لهذه الترجمة وأثرها الثقافي نجده يبرهن على ضرورة نسبتها إلى جيوفاني باتيستا كاستروداردو (Giovanni Battista Castrodardo) من مقاطعة بِلُّونة الإيطالية، الذي كان قد ترجم قبلها عملًا تاريخيًّا للغة الإيطالية وكتب تعليقًا على الكوميديا الإلهية لدانتي[23]. ويبدو أنّ ﺳﺎﻟﻮﻣﻮن ﺷﻔﺎﻳﻐﺮ صاحب الترجمة الألمانية قد انخدع بالعبارة الترويجية التي كتبها أريفابيني وبالتقييم الذي صدر عن اثنين من الخبراء ممن ترجمَا النسخة اليونانية وكانَا على عِلْم بالعربية فأكّدا خلال إقامته في القسطنطينية (1578- 1581) على صحة الترجمة الإيطالية[24]. وقد قضى عدة سنوات في ألمانيا يبحث بلا جدوى عن نسخة من النصّ الذي رأى أنه أفضل ترجمة قرآنية متاحة في الأسواق. وفي مقدّمته لترجمة القرآن التي جاءت بعنوان: "Alcoranus Mahometicus" ذكر أنه وقع على نسخة بطريق الصُّدْفَة بعد سنوات من البحث الحثيث[25]. جدير بالذِّكْر أن ﺷﻔﺎﻳﻐﺮ لم يحظَ بفرصة الرجوع إلى طبعة ببلياندر، وقد رُوِّجَت دعوى الأصالة على جُلّ قرّاء الطبعات الأربع لترجمته التي ظهرت بين عامي 1616، 1664 فضلًا عن الترجمة الهولندية لها سنة 1641. وهذه الترجمة الهولندية تحديدًا اعتمدَت على ترجمة شفايغر الألمانية التي فصَلتها عن العربية مراحل ثلاث، لكنها تبنَّت نفس الإستراتيجية الترويجية فادّعت «النقل مباشرة من العربية إلى الألمانية... ثم من الألمانية إلى الهولندية»[26].
لا شكّ أنّ دعوى الأصالة والصحة كانت عاملًا مهمًّا في رواج هذه الترجمات. وإذا كان بعض القرّاء المثقفين من أمثال جوزيف إسكاليجيه (Joseph Justus Scaliger)، أو المستعرب توماس إربنيوس (Thomas Erpenius)، لاحظوا اعتماد هذه الترجمات على إرث روبرت كيتوني وتيودور ببلياندر، وكانوا على دراية بمواطن النقص والخلل فيها، فإنّ الأمر مختلف بالنسبة للقارئ العادي، فلا بد أنّ الانطباع الذي تكوّن لديه أنه يطالع ترجمة أصيلة ودقيقة لكتاب المسلمين المقدّس[27]. والحقّ أنهم كانوا يطالعون ترجمة لترجمة أخرى تنقل ترجمة قرآنية تعود للعصور الوسطى، بعبارة أخرى كانت هناك مراحل عدّة تفصِل بين النصّ الذي في حوزتهم والأصل العربي الذي ادّعى نقله.
قراءة القرآن في ضوء الكتاب المقدّس:
مما يدعم القول بأنّ القرآن الأوروبي يشكّل تقليدًا نصيًّا بذاته ما يتجلَّى بالفعل في المخطوطات المبكّرة فضلًا عن الإصدارات المطبوعة على مَرّ القرون من أنّ النصّ القرآني محاطٌ بضرب من النصوص الحافة paratexts المتغيّرة والمتنوّعة في طبيعتها، من مقدّمات، وتفنيدات، وحواشٍ وتعليقات - تضعه في منظورات أيديولوجية مختلفة. والهدف من هذا الإطار بحسب توم بورمان «تيسير فهم النصّ والتحكّم في طريقة فهمه»[28].
ويُعَدّ الكتاب المقدّس والتفسير اللاهوتي المسيحي له أول منظور يُقرأ القرآن في ضوئه، وهو المنظور الأكثر شيوعًا؛ إِذْ يستحضر القرآن الكتاب المقدّس والقصص الكتابي على نحو متكرّر، ويتّخذ الوحي الإسلامي لنفسه موقعًا مصدِّقًا للتراث اليهودي المسيحي ومكمِّلًا له، وأحيانًا مصوِّبًا لِما يزعمه من تحريف وتبديل وقع على يد اليهود والمسيحيين[29]. وتقدّم الحواشي التفسيرية التي نراها في طبعة ببلياندر مقارنة مفصّلة بين القرآن والكتب المقدّسة السماوية إلى جانب «وصف منهجي لمحتوى القرآن وتصويبات للمواضع القصصية التي يخرج فيها عن الرواية الكتابية»[30]. ونجد بعض مترجمي نسخة ببلياندر اللاتينية من القرآن يتابعونه في حواشيه مع إدخال بعض التغييرات والزيادات التي تناسِب رسالتهم الأيديولوجية المراد نقلها[31]. ونرى هذه الطريقة متّبعة في أعمال أخرى. فهذا قس لوثري في ماربورغ، هو هاينريش لوشتر (Heinrich Leuchter)، في كتابه (Alcoranus Mahometicus) الذي صدر سنة 1604 يقدّم جامعًا موجزًا للقرآن اعتمد فيه على نسخة ببلياندر اللاتينية. وعلى سبيل التفنيد يضع النصوص القرآنية جنبًا إلى جنب مع الرؤية الكتابية في الموضوع ذاته[32].
ولم يقتصر الأمر على تقييم القرآن وفق نموذج النصوص الكتابية على مستوى المحتوى فحسب، بل على مستوى الأسلوب كذلك. وقد اتخذ ريكولدو دي مونتي (Riccoldo da Monte) من اختلاف الأسلوب بين القرآن والكتاب المقدّس دليلًا يدحض دعوى القرآن بشأن مصدره الإلهي، فكان مما قال: «ليس القرآن شرعة من الله؛ نظرًا لخلوِّه عن النمط أو الأسلوب المعهود في الشريعة السماوية»[33]. والقرآن مكتوب بوزن وقافية ولا تجد في أيّ موضع من النصوص الكتابية -التي يقرّ القرآن نفسُه بأنها سماوية- مثلَ هذا الأسلوب الموزون والمقفَّى[34]. ويُعَدّ ريكولدو حالة استثنائية بين القرّاء الأوروبيين للقرآن في العصور الوسطى؛ إِذْ كان بمقدوره القراءة بالعربية. ومع ذلك استندت مقارنته إلى نسخة لاتينية من الكتاب المقدّس، ولا علم له بالعناصر الشِّعْرية أو الأسلوبية في النصوص الكتابية العبرانية.
كما أنّ هذه المقارنات تُسَلِّم بأنّ القرآن والكتاب المقدّس لهما نفس السِّمَة الكتابية والجودة النصِّية؛إِذْ يُنظر إلى القرآن كنصّ مكتوب، يمكن ترجمته، وتحريره والتحشية عليه وطباعته بنفس طريقة التنقيح النقدي التي تعامَل بها متخصِّصو الدراسات الإنسانية في مطلع العصر الحديث مع النصوص الكتابية. وفي مستهلّ القرن الثامن عشر، شرع أندرياس أكولوثوس (Andreas Acoluthus) أستاذ اللغة العبرية في كلية سانت إليزابيث في مدينة بريسلاو/ فروتسواف في إعداد نسخة متعدّدة اللّغات من القرآن على غرار الكتاب المقدّس[35]. وإذا كان هذا النهج الفيلولوجي المقارن قد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تحسين الفهم الأوروبي للقرآن من ناحية لغوية، فقد حال دون تقدير للطبيعة الديناميكية شبه الشفاهية للوحي الإسلامي، علاوة على الأهمية التعبدية للتلاوة ولكتابته في نمط مخطوط [المصحف]. وفضلًا عن ذلك، زاد من صعوبة فهم القارئ الأوروبي للتجربة الحسِّيّة والمتعة الجمالية التي يثيرها القرآن عند قراءته أو تلاوته والتغنّي به[36].
القرآن الأوروبي في سياق الجدل المسيحي:
لا يُعَدّ القرآن الأوروبي مجرّد نتاج للترجمات ولمحاولات الوصول إلى تصوّر أكثر دقّة عن الإسلام فحسب، بل هو بشكل جوهري نتاج صور شتى من التوظيف الأوروبي للقرآن في الجدل المسيحي. فلقد كان للقرآن دور أساسي في محاولات تمييز العقيدة القويمة عن الهرطقة والابتداع، وفي تثبيت الأفكار الدينية المسيحية، ومواجهة الخصوم الدينيين داخل المسيحية وإفحامهم، وفي تعزيز الافتراضات التاريخية أو تقويضها. بعبارة أخرى، حظي القرآن منذ العصور الوسطى بدور محوري في تشكيل الهويات الأوروبية، الثقافية والدينية والسياسية.
وطبعة ببلياندر وشبكة النصوص التي تنبثق منها يمكن أن تكون نموذجًا توضيحيًّا في هذا الصدد. فليستْ مجرّد عمل كان الباعث عليه والمحرّك له هو خطر الانقضاض العثماني الوشيك؛ بل إنّ هذا السِّفْر الجامع هو ثمرة حَمْلة دعائية إصلاحية مبكّرة، وقد قُرئ مرارًا وتكرارًا في عدد من السياقات الجدلية في فترة شهدت صراعًا دينيًّا غير مسبوق. وبفضل الترجمة اللاتينية التي وضعها ببلياندر، أصبح كتاب المسلمين المقدّس متداولًا في وقت كانت فيه الهوية المسيحية الأوروبية مهدّدة بكثير من القوى الداخلية والخارجية. وعلى عكس ما هو شائع، فإنّ المعرفة التي أتاحها عمل ببلياندر لم ينحصر توظيفها في فهم الخصم الخارجي ممثلًا في الجيران المسلمين في أوروبا الوسطى ومنطقة البحر المتوسط وفي محاولة النَّيْل منه ومجابهته؛ بل لعلّ الأهم من هذا كلّه أنّ الترجمة اللاتينية للقرآن أتاحت مفاهيم جدلية قوية لفهم الخصوم الداخليين من المسيحيين واليهود وتشويههم ومجابهتهم. ونتيجة لذلك، فقد طُمِسَت الحدود الفاصلة بين المسيحية واليهودية والإسلام في بعض الأحيان إبّان القرنين السادس عشر والسابع عشر.
ومنذ البداية، كانت القراءة الطائفية لكتاب ببلياندر مدفوعة بارتباطه بقادة الإصلاح الألماني - السويسري، ملانكتون ولوثر وببلياندر نفسه. ففي الجزء الذي جاء بعنوان: «رسالة إلى القراء»، يختم ملانكتونالحديث بإشارة عدوانية تضاهي التهديد الذي تواجهه المسيحية على يد الإسلام بذلك الذي تتعرّض له من البابا في روما، فيقول[37]:
ختامًا، حريٌّ بنا أن نفطن إلى عظيم غضب الله، الذي ترك هذا الوباء القبيح ينتشر وأخضع العالم كلّه لهذه السلطة القميئة عقابًا للبشر على عصيانهم. ويجب على المتّقين أن يحزنوا ويأسَوْا لهذا الغضب ويبذلوا الوسع في دفعه وتخفيف وَطْأتِه بالتوبة والدعاء. لقد تعرّضَت الكنيسة على مدار قرون طويلة للدمار والخراب بفعل هذا الوباء المحمدي، وبفعل الوثنية البابوية الرومانية، ولأجل هذا وحتى لا تزول للأبد، بَثَّ فيها الربُّ نور الإنجيل من جديد، حتى ينجو بعضهم من الغضب الأبدي. لكن حين تحين نهاية العالم (وهي وشيكة) سوف تتضاءل الكنيسة. فتعالوا نبتهل إلى الربِّ أن يقمع قُوَى الشرّ التي تحوم في الإمبراطوريات الكافرة، وأن يزيل الكفر والوثنية والشرور، وليتمجّد اسمه ولتتحرّر كنيسته من كلّ شر. آمين.
وفكرة ملانكتون في تعرُّض الكنيسة الحقّة لهجوم من جبهتين؛ جبهة كاثوليكية وجبهة القوات التركية[38]، علاوة على تفسير هذا الحصار من منظور أخروي =أمرٌ شائع في الكتابات البروتستانتية والثقافة الشعبية. فقد روّج ملانكتون وغيره من المصلحين لمفهوم «المسيح الدجال المزدوج» ممثلًا في التُّرك شرقًا والبابوية الرومانية غربًا[39]. وقد ظهرت الفكرة في واحدة من سلسلة أعمال فنية لماتياس جيرونج (Matthias Gerung)، والتي تناول فيها أحداث نهاية العالم، وتبدو مستوحاة من رؤية مارتن لوثر التي تضاهِي بين القرارات البابوية والقرآن في كتابه (Vom Kriege wider die Türken) أو «في الحرب ضدّ الأتراك»سنة 1528- 1529[40].
وقد كان التوظيف الجدلي للقرآن من قِبَل ببلياندر أكثر تعقيدًا بعض الشيء لكنه لم يكن أقلّ تأثيرًا. وفي مقدّمته الدفاعية «دفاع عن نشر القرآن» يعرض تقييمًا للظروف التاريخية التي أدّت إلى ظهور الإسلام وانتشاره، يلمح فيه القارئ المعاصر اتجاهًا مناوِئًا للكاثوليكية. ويرى ببلياندر أنّ مدعي النبوّة يمكنهم إغواء الناس حين لا يكون هناك اهتمام بمعرفة الكتاب المقدّس وحين تكون الأولوية لتفسيرات السلطات الكنسية ومكاسبهم الشخصية. ويقول في هذا الصدد[41]:
هؤلاء الذين يُضِلُّون الناس لا يتورّعون عن الكذب على الربّ والقول زورًا بأنَّ أكاذيبهم هي كلمة الربّ وأنها مأخوذة من الكتب المقدسة - وهذا ما فعله محمد أيضًا. لكن إذا ما قُورِنَت وُعودهم المغالية بما في الكتاب المقدّس، ندرك أنهم يحاربون كلمة الربّ، وأنَّ كلام الروح القدس قد حُرّف إلى معنى غريب.
ونادَت رسالة ببلياندر في وجه الهجوم العثماني الوشيك وتعرّض الكثير من المسيحيين للإسلام بضرورة إصلاح الكنيسة والمجتمع المسيحي. وتكرّرت هذه الرسالة في عدّة كتابات بروتستانتية في ذلك الزمان، ومفادها: أنّ هذا الانحلال الأخلاقي والديني الذي يعاني منه العالم المسيحي هو السبب الرئيس في انتصار العثمانيين والدِّين الإسلامي[42].
ونظرًا لهذه القدرة الهدّامة التي حظيت بها طبعة ببلياندر في وجه الكنيسة الكاثوليكية سرعان ما انضمّت هي الأخرى إلى دليل الكتب المحرّمة. وأوضح دليل الكتب المحرّمة لسنة 1564 الذي نُشر بعد فترة وجيزة من انعقاد مجمع ترنت أنَّ الكتاب قد اشتمل على مواضع خطيرة؛ منها ما ورد في المقدّمات وفي حواشي ببلياندر[43].
لكن الانتشار الواسع لطبعة ببلياندر هو دليل أيضًا على مدى توظيف القرآن بكثرة في الجدل المسيحي الداخلي وفي الكتابات المناوِئة للدِّين الإسلامي. وقد مهّد توماسينو الطريق لهذا السياق المتمرِّد والمشحون سياسيًّا الذي ظهرت فيه ترجمة كاستروداردو الإيطالية ونشرها أندريا أريفابيني. وكان هذا الكتاب بمثابة سفر جامع سهل المنال والتداول يتناول الإسلام وتاريخه والوضع الراهن للإمبراطورية العثمانية. وقد أهداه إلى السفير الفرنسي الرابع لدى الدولة العثمانية غابرييل دي لويتز (Gabriel de Luetz،1547- 1553). وكان السفير والناشر كلاهما على علاقة وثيقة بالدوائر الإنجيلية في مدينة البندقية وبالمصلحين الإيطاليين، الذين رأوا في السلطان سليمان والفرنسيين حلفاء لهم إبّان حرب شمالكالدي (1546- 1547)[44].