إشكالية الترتيب الزمني للقرآن

اهتمّت الدراسة الغربية منذ مرحلة نضجها في القرن التاسع عشر، بإعادة ترتيب القرآن تاريخيًّا، حيث نظرتْ للقرآن ككتاب غير مرتّب، ينتقل بين الموضوعات بلا معقولية محدّدة، مما يصعِّب عملية دراسته وفهمه؛ لذا حاولَتْ كثيرٌ من الدراسات الغربية إعادة ترتيب القرآن ترتيبًا زمنيًّا تاريخيًّا، عن طريق ربطه بسياق الدعوة المحمدية وعمل قوائم متسلسلة زمنيًّا للسور في ضوء ذلك السياق، تزامن هذا مع الاهتمام التاريخي المتشكّل في هذه الفترة بكتابة سيرة نبوية دون الاعتماد على مرويات السيرة والحديث، وفي هذا السياق نشأتْ كثير من الترتيبات للقرآن على أيدي أسماء مثل: فايل، ونولدكه، وهيرتشفيلد، وبلاشير، وغيرهم.
ورغم الأهمية الكبيرة لموضوع الترتيب التاريخي للقرآن، وتغلغله في تاريخ الدراسة الغربية للقرآن، وقيام الكثير من الكتابات المركزية في تاريخ القرآن وتاريخ الدعوة المحمدية على الأُسس التي تم وضعها غربيًّا عن هذا التأريخ، إلا أنّ كثيرًا من الدراسات الغربية بدأت في السنوات الأخيرة تعيد النظر في المعايير التي وضعها الدارسون الغربيون لترتيب القرآن، بل بدأ التساؤل حول مدى إمكانية الفكرة أو أهميتها كمنهج للبحث في القرآن.
في هذه الورقة التي بين أيدينا يحاول رينولدز إعادة النظر في تاريخ الفكرة، حيث يتناول الأُسس التي قامتْ عليها محاولات ترتيب القرآن خصوصًا عند نولدكه، وعلاقة قائمته بقوائم ترتيب النزول التي سبقته في التراث الإسلامي أو التي سبقته وعاصرته في السياق الغربي، ويتتبّع تاريخ تلقّي وتقبُّل ترتيب نولدكه وتفعيله من قِبَل الكثير من الدارسين المعاصرين مثل أنجيليكا نويفرت ونيكولاي سيناي وغيرهم، ويتساءل عن مدى أهمية ترتيب نولدكه ودقّته.
كما يحاول رينولدز إبراز التناقضات في الترتيب التاريخي الغربي للقرآن؛ في معايير الترتيب نفسه، وفي الصلة بالمدونات التقليدية، وفي طريقة استخدام الترتيب كمنهجية بحثية في دراسات القرآن، مقارنًا بين ترتيب القرآن تاريخيًّا، ومحاولات معرفة السياق التاريخي لكتابة المزامير، ويصل لوجود صعوبة كبيرة في إيجاد ترتيب موثوق، وفي الأخير يقدّم التساؤل الأعمّ، وهو: وهو بأيِّ قدر يمثّل الترتيب التاريخي منهجية وحيدة وحصرية لفهم القرآن، وهل يمكن أن توجد طرق أخرى لبحث القرآن وفهمه بعيدة عن الترتيب التاريخي؟
تأتي أهمية هذه المقالة لرينولدز في إثارتها النقاش لتلك القضية المركزية في الدراسات الغربية، ومحاولة تحديد أصول نشأة فكرة الترتيب التاريخي للقرآن وتطوّراتها، وهو ما يجعل تعريبها مهمًّا؛ حيث تطلع القارئ العربي على أحد النقاشات المعاصرة المهمّة في الدرس الغربي للقرآن.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
-
القرآن خطيًّا: دراسة في الترتيب الزمني لسور القران في كتاب «تاريخ القرآن»
-
الدراسات القرآنية والمنعطف الأدبي؛ قراءة في أهم الدراسات الأدبية الغربية للقرآن
-
التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: الإشكالات النظرية في الدراسة الغربية للتفسير
-
تاريخ القرآن في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الثاني: نشأة وطبيعة سلطة القرآن
-
الملف الثالث على قسم الترجمات: «الاتجاه السانكروني (التزامني) في دراسة القرآن»
-
تاريخ القرآن في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: النظريات المعاصرة حول تاريخ القرآن