إشكالية الترتيب الزمني للقرآن

المترجم : د. أحمد الشاملي
اهتمت الدراسات الغربية للقرآن منذ نشأتها بمسألة الترتيب التاريخي للقرآن، وافترضت عددًا من الافتراضات حول المنهجية المثلى لإيجاد هذا الترتيب، في السنوات الأخيرة بدأ بعض الدارسين يستعيد سؤال الترتيب التاريخي، كما بدأ البعض في انتقاد المنهجيات المستخدمة في تحديده، في هذه المقالة يعرض رينولدز لتاريخ النقاش حول هذه المسألة، متسائلًا عن مدى أهمية الترتيب التاريخي لفهم القرآن.

  اهتمّت الدراسة الغربية منذ مرحلة نضجها في القرن التاسع عشر، بإعادة ترتيب القرآن تاريخيًّا، حيث نظرتْ للقرآن ككتاب غير مرتّب، ينتقل بين الموضوعات بلا معقولية محدّدة، مما يصعِّب عملية دراسته وفهمه؛ لذا حاولَتْ كثيرٌ من الدراسات الغربية إعادة ترتيب القرآن ترتيبًا زمنيًّا تاريخيًّا، عن طريق ربطه بسياق الدعوة المحمدية وعمل قوائم متسلسلة زمنيًّا للسور في ضوء ذلك السياق، تزامن هذا مع الاهتمام التاريخي المتشكّل في هذه الفترة بكتابة سيرة نبوية دون الاعتماد على مرويات السيرة والحديث، وفي هذا السياق نشأتْ كثير من الترتيبات للقرآن على أيدي أسماء مثل: فايل، ونولدكه، وهيرتشفيلد، وبلاشير، وغيرهم.

ورغم الأهمية الكبيرة لموضوع الترتيب التاريخي للقرآن، وتغلغله في تاريخ الدراسة الغربية للقرآن، وقيام الكثير من الكتابات المركزية في تاريخ القرآن وتاريخ الدعوة المحمدية على الأُسس التي تم وضعها غربيًّا عن هذا التأريخ، إلا أنّ كثيرًا من الدراسات الغربية بدأت في السنوات الأخيرة تعيد النظر في المعايير التي وضعها الدارسون الغربيون لترتيب القرآن، بل بدأ التساؤل حول مدى إمكانية الفكرة أو أهميتها كمنهج للبحث في القرآن.

في هذه الورقة التي بين أيدينا يحاول رينولدز إعادة النظر في تاريخ الفكرة، حيث يتناول الأُسس التي قامتْ عليها محاولات ترتيب القرآن خصوصًا عند نولدكه، وعلاقة قائمته بقوائم ترتيب النزول التي سبقته في التراث الإسلامي أو التي سبقته وعاصرته في السياق الغربي، ويتتبّع تاريخ تلقّي وتقبُّل ترتيب نولدكه وتفعيله من قِبَل الكثير من الدارسين المعاصرين مثل أنجيليكا نويفرت ونيكولاي سيناي وغيرهم، ويتساءل عن مدى أهمية ترتيب نولدكه ودقّته.

كما يحاول رينولدز إبراز التناقضات في الترتيب التاريخي الغربي للقرآن؛ في معايير الترتيب نفسه، وفي الصلة بالمدونات التقليدية، وفي طريقة استخدام الترتيب كمنهجية بحثية في دراسات القرآن، مقارنًا بين ترتيب القرآن تاريخيًّا، ومحاولات معرفة السياق التاريخي لكتابة المزامير، ويصل لوجود صعوبة كبيرة في إيجاد ترتيب موثوق، وفي الأخير يقدّم التساؤل الأعمّ، وهو: وهو بأيِّ قدر يمثّل الترتيب التاريخي منهجية وحيدة وحصرية لفهم القرآن، وهل يمكن أن توجد طرق أخرى لبحث القرآن وفهمه بعيدة عن الترتيب التاريخي؟

تأتي أهمية هذه المقالة لرينولدز في إثارتها النقاش لتلك القضية المركزية في الدراسات الغربية، ومحاولة تحديد أصول نشأة فكرة الترتيب التاريخي للقرآن وتطوّراتها، وهو ما يجعل تعريبها مهمًّا؛ حيث تطلع القارئ العربي على أحد النقاشات المعاصرة المهمّة في الدرس الغربي للقرآن.

المؤلف

جبريل سعيد رينولدز - Gabriel Said Reynolds

أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة نوتردام الأمريكية.
مهتم بدراسة القرآن في سياقه التاريخي، وكذا بدراسة العلاقات بين القرآن والكتاب المقدس، وكتَب وحرّر عددًا من الكتب والبحوث في هذا السياق.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))