روايات بديلة حول تشكُّل القرآن

المترجم : د. حسام صبري
للباحثين الغربيين أطروحات عديدة حول تاريخ القرآن الكريم ولغته، في هذه المقالة يقدم موتسكي عرضًا وصفيًّا لمعظم هذه النظريات والأطروحات، كما يقدّم مسردًا مطوّلًا لأهم الكتب والمقالات التي توسّعت في عرض وتفصيل هذه النظريات.

  تُعَدّ قضية نشأة القرآن وتدوينه وجمعه إحدى القضايا المركزية التي اهتمت بها الدراسات الغربية للقرآن منذ بداية نشأة وتكوّن هذه الدراسات وحتى الآن، فهي تمثّل أَحَدَ المحاور الرئيسة لعلاقة الاستشراق بالإسلام، وإذا كانت السردية التي تبنّتها الدراسات الغربية لتاريخ نشأة القرآن وجمعه وتدوينه ظلّت -إلى بعد انتصاف القرن العشرين- تتقارب بشكلٍ كبيرٍ مع السردية الإسلامية التقليدية، إلا أنه ومنذ عام 1970م ومع صدور كتاب «الدراسات القرآنية» لجون وانسبرو، قد تغيرت معالم الرؤية الغربيّة لهذا التاريخ وظهر ما يسميه موتسكي بـ(الروايات البديلة).

والنقطة المركزية في هذا التغيير هي ظهور تشكيك في مدى موثوقية المصادر الإسلامية ومدى قدرة المؤرّخ على الاعتماد عليها لبناء سردية عن تاريخ الإسلام وتاريخ القرآن، فقد أدى طرح وانسبرو وما اعتبره من أن المدوّنات الإسلامية مثل السيرة وغيرها هي مصادر تصلح للتحليل الأدبي لا لتشكيل رؤية تاريخية موثوقة، إلى بروز ما يعرف حاليًا بـ(الاتجاه التنقيحي)، هذا الاتجاه الذي تابع التشكيك بصورة جذريّة في المدونة الإسلامية وتقرير عدم إمكان الاعتماد عليها في التأريخ للإسلام وعدد من القضايا المتصلة به، الأمر الذي أفضى إلى إثارة التساؤلات حول جملة من الأمور المهمّة من مثل تاريخ تشكّل القرآن، ولغة القرآن، وبناء القرآن من الناحية الأدبية، والسياق التاريخي والجغرافي لهذا النصّ، وطبيعة الجماعة المؤمنة به، وغير ذلك، وطبيعة التصوّرات التي يجب أن نتبناها إزاء تلكم الأمور وتشكّلها التاريخي.

وفي سياق مناقشة وبحث هذه التساؤلات المركزية من قِبَلِ الباحثين الغربيين نشأتْ (الروايات البديلة) التي هي عبارة عن رؤى هؤلاء الباحثين التي خلصُوا إليها في إطار محاولاتهم تقديم تصوّرات علمية وإجابات لتلكم التساؤلات.

في هذه المقالة الوصفية، يستعرض موتسكي هذه الروايات البديلة التي أنتجها البحث الغربي، مركزًا على فرضياتها الرئيسة والقضية التي تركّز عليها ضمن هذه التساؤلات المذكورة سابقًا، والمناهج التي تنتهجها لمحاولة الإجابة عنها.

وجديرٌ بالنظر أننا قد طرحنا ملفًّا متكاملًا حول الاتجاه التنقيحي عالجْنا فيه التعريف بهذا الاتجاه ورموزه وفرضياته ونشأته وموقف البحث الغربي منه...إلخ، كما نشرنا عددًا من المواد حول بعض هذه الروايات البديلة،  إلا أن هذه المقالة تأتي أهميتُها في أنها تتيح للباحث العربي معرفة مركّزة -وذلك من خلال أحد الأقلام الغربية- بعصارة ما أنتجته العقلية الغربية من رؤى حول الأسئلة التي فرضها ظهورُ الاتجاه التنقيحي الرافض لما تطرحه  السردية الإسلامية حول هذه الأسئلة، وتقدّم له عرضًا بمصادر مهمّة؛ فموتسكي فضلًا عن استعراضه لهذه الرؤى الذي لا يخلو من عمق، فإنه يزيّل مقالته بملحق لأهم الدراسات والمقالات التي تناولت هذه النظريات تفصيلًا.

ولا شك فقد خضعت هذه النظريات والرؤى الغربية التي يستعرضها موتسكي في هذه المقالة لعددٍ من النقودات حتى من قِبَل بعض المستشرقين، وكنا قد ترجمنا عددًا من المقالات والدراسات حول بعضها والتي تساجل مرتكزاتها المنهجية، وقد أشرنا في الحواشي لبعض هذه الدراسات في المواضع المناسبة ضمن المقالة لتكون زادًا للقرّاء في معرفة جانب من الموقف الغربي نفسه حول هذه النظريات وكيفية تقويمه لها.

المؤلف

هارالد موتسكي - Harald Motzki

مستشرق ألماني، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بون الألمانية، واهتمامه الأساس هو نقل الحديث في التراث الإسلامي، وله عدد من المؤلفات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))