عرض كتاب
القرآن؛ ترجمة من العربية
مع هوامش وملاحق ومفتاح موضوعات

من أهمِّ الترجمات العبرية المعاصرة للقرآن ترجمةُ البروفيسور أوري روبين؛ وهذا لطبيعة هذه الترجمة ومحاولتها الاقتراب من القرآن كما يفهمه المسلمون من جهة، ومن جهة أخرى لمحاولتها انتهاج أسلوب يجمع بين الأمانة للأصل وتقديم لغة سلسة معاصرة لقارئها، يتناول هذا العرض من البروفيسور مائير بر-اشير أهمَّ ملامح ومزايا هذه الترجمة، كما ينتقد بعض مساحاتها وخياراتها.

عرض كتاب

القرآن؛ ترجمة من العربية

 مع هوامش وملاحق ومفتاح موضوعات[1][2]

  تراوحت الحاجة لترجمة عبرية للقرآن بين الأغراض التعليمية والبحثية وبين غرض تعلُّم القرآن في حدّ ذاته، وهو ما تزايد بسبب الاحتياج لترجمة عبرية حديثة للقرآن تلائم العبرية المعاصرة[3]، وتعكس -في الوقت نفسه- التقدّم الذي طرأ على الدراسات الإسلامية بالآونة الأخيرة، ليأتي إصدار الترجمة العبرية الحديثة للقرآن -بوقتنا الحالي- من إعداد البروفيسور أوري روبين؛ تلبيةً لهذه الحاجة، فهي ترجمة ممتازة، وقام بها أحد الباحثين المُحنَّكين في مجال الدراسات الإسلامية القديمة، وصاحب أيادٍ بيضاء كثيرة في مجال دراسات القرآن وتفاسيره.

لقد حاول الكثير من الباحثين على مدار قرون خلت -قدر استطاعتهم-، ترجمة القرآن إلى العبرية، وكان الخطّ الفاصل بين الترجمات القديمة للعبرية (من القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر)، وبين الترجمات المتأخّرة (بداية من النصف الثاني من القرن التاسع عشر)، هو أن القدامى لم يترجموا القرآن مباشرة من اللغة العربية ولكن من لغات أخرى (لاتينية أو إيطالية)، في حين أن أصحاب الترجمات الحديثة (أربع ترجمات من ضمنها الترجمة الحالية) ترجموه من اللغة الأصلية. الأكثر من ذلك، أن كلّ الترجمات التي أُعِدّت في فترة سابقة للقرن التاسع عشر كانت (مخطوطة)، وكان كلّ الاهتمام بها من جانب الاهتمام بتاريخ الترجمات العبرية.

بالنسبة للترجمات العبرية الثلاث الحديثة التي سبقت ترجمة روبين، فهي من إعداد: تسيفي حاييم ريكندورف (لايبزج 1856)، ويوسف يوئيل ريفلين (تل أبيب 1936)، وأهارون بن شيمش (تل أبيب 1971)، وكلهم خبراء في العربية والإسلام. وبدون الإنقاص من جهد أصحاب هذه الترجمات الثلاث، إلا أنها تقادمت مع مرور الزمن، وتناقصت أهميتها.

في حقيقة الأمر، فإنّ إصدار ترجمة جديدة لا تستلزم تقديم مبرّر أو تفسير، فهناك الكثير من الأعمال -وخاصة تلك التي توصف بالكلاسيكية- تُعاد ترجمتها عدّة مرات، وكلما كثرت الترجمات، لا سيما الجيدة منها، كلما تحسَّن فهمنا للنصّ الأصلي.

إنّ الشخص المُحنَّك في مجال الترجمة يَعرف جيدًا أن هذا عمل صعب، لكنه في أحيان أخرى يكون عملًا مليئًا بالإيجابيات، وتتمثّل صعوبته حينما يتعلّق الأمر بترجمة كتاب مقدّس ما زال حيًّا بين طائفة كبيرة من المؤمنين به، وتُكتب حوله الكثير من التفاسير يومًا بعد يوم؛ لذلك فإن مترجمه لا يُعْفِي نفسه أبدًا من ضرورة معرفة التفاسير التي كُتبت حول هذا النصّ على مدار أجيال متعاقبة ولا تزال تُكتب حتى يومنا هذا.

هناك أمر آخر يحكم عمل المترجم وهو اللغة العربية نفسها التي كُتب بها القرآن؛ ففي الكثير من المواضع تكون لغته صعبة ومتعدّدة المعاني وتعبيراته كثيرة وغامضة؛ فرغم مرور 1300 عام تقريبًا على اشتغال المسلمين على تفسير هذا النصّ، ومرور حوالي 200 عام من البحث عليه شرقًا وغربًا، إلا أن الكثير من المواضع بالقرآن لم تنته التفاسير حولها بعد.

كما أن القرآن يزخر بالمصطلحات الخاصّة، التي يكون القرآن -في أحيان كثيرة- هو مصدرها الوحيد، أو على الأقلّ هو مصدرها الأول. إذن، ما هي الطريقة التي على المترجم أن ينتهجها لترجمة مثل هذه المصطلحات؟ وكيف يُترجِم مصطلحات خاصّة، مثل: {أبَابِيل}، و{الصَّمَد}، و{صِبْغَة}، أو كلمات تكرّرت في النصّ أكثر من مرة إلا أن معناها لم يتضح بعدُ، ولا تزال ألفاظًا خلافيةً، مثل: {حَنِيفًا}، و{الطّاغُوت}، و{الفُرْقَان}، فإذا حاول المترجم فهم المعنى الأصلي لكلّ كلمة قبل أن يترجم مضمون الكتاب، سيكون عليه أن يتوقّف عن الترجمة حتى تقدِّم الأبحاث العلمية الحديثة معلومات متطوّرة عن لغة القرآن؛ سواء المتعلقة بمصطلحاته الخاصّة أو ما يتعلق بالمفاهيم والمعتقدات والمعارف التي تنعكس من خلاله.

من جانبه، أوضح روبين من خلال التمهيد لترجمته (صفحة ي. د) رأيه في هذا الأمر، بالقول: «أتطلع لإخراج نصٍّ عبري يعكس التفسير الأكثر قبولًا للقرآن لدى المفسرين المسلمين»، مضيفًا أن ترجمته «لا تهدف إلى أن تكون ترجمة (حقيقية) {…}، ولكن تهدف إلى إظهار صورة القرآن كما هي في أعين المؤمنين به». ويتضح من خلال ذلك أن روبين انتهج الطريقة نفسها التي انتهجها في كتابه البيوجرافي حول نبي الإسلام[4]؛ إِذْ يعرض بوضوح من خلال الصفحات الأولى في مقدمة ترجمته وجهة نظره في دراسة هذا الأمر، والتي كانت بمثابة مُرشد له في ترجمته للقرآن، فيحدّد روبين: «إن المصادر حول حياة النبي، تجسد الإنتاج الأدبي للالتزام الديني الإسلامي؛ لذلك فإنه سيتم مناقشتها من خلال هذا الكتاب ليس كفصل تقديمي للأحداث التاريخية الموصوفة به، ولكن كرأي يعكس الجوهر الروحي للمؤمنين الذين نشأت في أوساطهم هذه المصادر وحافظوا عليها وتناقلوها جيلًا بعد جيل». ويعدُّ لفت الانتباه لموقف روبين هذا مفتاحًا ضروريًّا لفهم الكثير من إشكاليات ترجمته للقرآن[5].

طرَحَت المقالةُ التعليمية لفالتر بنيامين بعنوان: (مهمة المترجم) -والتي صدرت مؤخرًا مترجمة إلى العبرية على يدي نيلي ميرسكي[6]- العديدَ من التساؤلات التي تعترض أيّ شخص يتفحص أية ترجمة. أحد هذه التساؤلات يعرفه كلّ من اطّلع على الترجمات العبرية السابقة للقرآن (خاصة ترجمتي ريكندورف وريفلين)، وهو: هل يستهدف نصُّ الترجمة القرّاءَ الذين لا يفهمون النص الأصلي؟ وكلّ مَن يقرأ -ولو صفحات قليلة فقط من ترجمة ريفلين، وحتى من ترجمة ريكندورف التي تعدُّ أقلّ شهرة- يعرف أنّ الإجابة على سؤال بنيامين هي -في معظم الأحوال-: "لا"؛ فرغم أنّ من يقرأ ترجمتهم سيستمتع -في كثير من الأحوال- بترجمة معيارية جميلة، تدلّ على فقههما الرائع باللغة العبرية بجميع مستوياتها وبالمصادر اليهودية بجميع نوعياتها، إلا أن كلمات المصدر العربي تظلّ غامضة تمامًا، وسيكون من الصعب على القارئ فهمها بدون مساعدة مثل قاموس عبري - عربي أو معجم للعهد القديم. في مقابل ذلك، فإن ترجمة (بن شيمش) للقرآن التي هَدَفَ أن تصل لكلّ شخص، وصل بها إلى الضفة المقابلة وهي اللغة العصرية، وأحيانًا لغة جماهيرية صِلَتها بالمصدر ضعيفة جدًّا.

أمّا من يقرأ ترجمة روبين فسيشعر على طول النصّ، بالمجهود المبذول لإيجاد طريق وسط بين تحقيق أسلوب فائق -والذي فاق في بعض الأحيان توضيحه للنصّ الأصلي الغامض- وبين تحقيق أسلوب سلس مكتوب بلغة عصرية جدًّا، وهو المجهود الذي لا يستحق الإشادة وحسب، بل إنّ نتائجه كانت أفضل مما هو متوقع.

من جانبي، سأبدأ بطرح تفاصيل صغيرة تشير إلى الفروق في وجهات النظر بين أصحاب الترجمات العبرية الأربع للقرآن، وهو ما يتعلق بترجمة مصطلح (سورة) تحديدًا، والذي يشير إلى فصلٍ من القرآن، هذا المصطلح الذي لم يُعرف حتى الآن أصله الدلالي، ترجمه ريكندورف -استنادًا إلى المِقرا[7]- إلى (חזון نبوءة). أمّا ريفلين فترجمه -ربما تحت تأثير التقسيم الخماسي التقليدي للتوراة- إلى (פרשות موضوعات)، والمفرد (פרשה درس ديني/ موضوع ديني)، وهي كلمة غريبة ليست في مكانها: سواء فيما يتعلق بقصار السور بالقرآن؛ لأنها لا تعدّ פרשות وهذا المصطلح لا يتلاءم معها، أو حتى مع السور الطويلة؛ لأنّ كلًّا منها يحتوي على الكثير من الموضوعات، وفقط في حالات قليلة (مثل سورة يوسف) فإن هذه اللفظة פרשה تتوافق معها.

 بالنسبة لــ(بن شيمش) فقد ترجمه إلى (בשורה بشارة) بمبرّر غير مقنع، وهو أن لفظة (سورة) هي التسلسل الدلالي لهذه اللفظة (בשורה)، وكذلك بتأثير من كتب البشارة (الأناجيل).

بالنسبة لروبين الذي صدرت ترجمته للقرآن بعد 150 عامًا من ترجمة ريكندورف وبعد حوالي 70 عامًا من ترجمة ريفلين، لم يكن ضروريًّا أن يظلّ ملتصقًا بهذه الترجمات؛ نظرًا لأنه لم يطرأ أيُّ تطوُّرٍ معرفيّ حول معنى هذه اللفظة من جانب، كما أن هذه اللفظة شائعة على طول النصّ القرآني من جانب آخر، فاختار روبين -بكلّ مصداقية- ومثلما فعل الكثير من المترجمين، إبقاء اللفظ على صورته كما هو، وهي الطريقة التي تكون في بعض الأحيان لا مناص عنها، وذلك بإبقاء مصطلحٍ عربيّ كما هو على صورته، وهو ما فعله روبين مع مصطلحات وألفاظ أخرى، مثل: {حَنِيفًا חניף} (التي تُفسَّر بشكلٍ عامّ بمعنى: "توحيدي")، و{حج חג}، و{زكاة זכאת} (فريضة الصدقة) وغيرها. (هذه الألفاظ مشروحة في تمهيد ترجمة روبين، صفحة ي. د).   

رغم أن جمال ترجمة روبين يبدو بارزًا على طول نصّ الترجمة بأكملها، إلا أننا سنتعرض بدايةً لترجمة سورة (الفاتحة) التي تعدُّ نصًّا قرآنيًّا شهيرًا جدًّا. وها هو هذا الفصل في ترجمة روبين (صفحة 1).

 בשםאלהׄיםהרחמןוהרחום (1) התהילהל אלהׄיםריבוןהעולמים(2)

 הרחמןוהרחום(3) המולךביוםהדין(4) אותךנעבודולישעותךנקװה (5) נחנובארׄחמישרים (6) אורחםשלאלהאשרנטיתלהםחסד(7)  לאשלאשרניתכההחמהעליהם, ולאשלהתועײם.

إنّ المتأمل لهذه الترجمة مقارنةً بترجمات عبرية سابقة؛ سيظهر له أنه في بعض الحالات حَذا روبين حذو مَن سبقوه من المترجمين، إلا أنه -في الوقت نفسه- بذل مجهودًا كبيرًا بترجمته كلّما تطلّب الأمر ذلك؛ إذ استعان بأسس جادّة وناجحة لا مثيل لها من ترجمات سابقيه، محاولًا -وفقًا لرأيه- صياغة نصّ مشابه لذلك الذي بهذه الترجمات أو على غراره بعد دراستها جيدًا من جانبه، وبهذه الطريقة اعترف بفضل سابقيه، وفي الوقت نفسه حسَّن من عملهم بكلّ موضع اقتضته الضرورة؛ على سبيل المثال التعبير {לישועתךנקװה إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، والذي تظهر به خصوصية ترجمة روبين، كما تظهر أيضًا جماليتها عن الترجمات السابقة: ("אליךנשװע" عند ريكندورف، "ממךנבקשעזר" عند ريفلين، "בךנעזור" عند بن شيمش)؛ فاستخدم روبين -في الوقت نفسه- لغة مِقرائية ("לישועתיךקװיתיה׳)[التكوين: 39/ 18]، والتي يلمسها القارئ بسهولة.

في مقابل ذلك، فإن ترجمة: {אלהאשרניתכההחֵמהעליהם غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} (الذي يوجد به صدى لتعبير مقرائي)، [حزقيال 22/ 21] -والذي أورده روبين أيضًا في عدّة أماكن أخرى- بَدَا لي مبالغة لا حاجة لها، الأكثر من ذلك أن في ترجمة الجزء الافتتاحي للقرآن (الفاتحة)، التي تتبوأ مكانة مركزية مهمّة ودائمة بالطقوس التعبدية، فإن طابع كلماتها كان يجب أن يكون مختصرًا جدًّا، كما كان من الضروري أن تكون السلاسة والوضوح كلاهما أساسًا مركزيًّا لها.

ومن الآيات المقروءة بكثرة في القرآن كذلك هي الفقرة المعروفة بــ[آية الكرسيّ] =(آية الكرسي العظيم)، التي تحتلّ أهمية كبرى في أعين المسلمين، والتي تنعكس في الأقوال المنسوبة لنبي الإسلام : «لكلّ شيء سنام وسنام القرآن هي آية الكرسي العظيم»، ويشهد على أهمية هذه الآية، المكانة العليا التي تحظى بها في فنون الخط الإسلامي؛ إذ تُزين الكثيرَ من حوائط المساجد أجزاءٌ منها تحكي عن المعتقدات وسُبل الحمد.

وهذه هي ترجمة الآية كما جاءت في ترجمة روبين (صفحة 37-38):

אלוהים – איןאלוהמבלעדיו, חיוקײם، תנומהלאתאחזבוולאשינה. לוכלאשרבשמיםוכלאשרבארץ. מיישתדלבפניובלאשירשה؟ הואידעאתאשרלפניהםואתאשרמעברלהם، והםלאיוכלולהכילאתמלואהדעתעלאודותיו، כיאםרקאתאשרירצה. כיסאוחובקשמיםוהארץ، ועלנקלהיוגנןעליהם. הואהעליוןוהנשגב.

لكي نُقيِّم ترجمة روبين لهذه الآية تقييمًا جيدًا، يجب أن نقارنها بالترجمات السابقة لها؛ فبالنسبة لترجمة ريكندورف كانت عبارة عن خليط لأجزاء من فقرات مقرائية، مستخدمًا خمسة تعبيرات مقرائية: (ד׳הואהאלוהים ها هو الإله، איןעודמלבדוلا غيره، לאינוםולאיישן لا ينام ولا يغفل، לאײעףולאײגעلا يتعب ولا يَـنْصَب، עזוזוגבור قويّ ومقتدر)، ومن وجهة نظري فإنّ ترجمته -أي: ريكندورف- لآية واحدة، ألقت بالكثير من الثقل الدلالي على قارئها، وذلك بسبب خلفيته الجدلية الدينية التي عبّر عنها بالتفصيل في مقدمة ترجمته، وذلك في (فصل «ماذا أخذ محمد من عقائد وكتب اليهود؟»، الذي يعتمد على الكتاب المعروف لأبراهام جيجر[8] الذي ذكره ريكندورف في مقدمة ترجمته وأكثر من الاقتباس منه).

في مقابل ذلك، فإن ريفلين اعتمد في ترجمته لهذه الآية على لغة مقرائية، لكن قليلًا ما اقتبس فقرات مقرائية كما هي على صورتها. أمّا بن شيمش فقد أكّد في ترجمته لهذه الآية على نهجه لإخراج ترجمة حرّة واستخدام لغة جماهيرية، فمثلًا في ترجمته لفقرة: {מיזהאשריבואבהמלצהלהשפיעעליו مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ}، هناك تبسيط للأسلوب واتجاه نحو استخدام لغة الحديث اليومية، وهو الأسلوب الذي لم نعرف له مكانًا في ترجمة الكتاب المقدّس.

   أمّا ترجمة روبين لهذه الآية فكانت جميلة جدًّا وثرية ومعبّرة، وتحتوي في الوقت نفسه على أسلوب عصري حديث، مثلما يتضح من خلال التركيبات اللغوية، مثال: {מיישתדלבפניובלאשירשה مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، {לאיוכללהכיל وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ}، {כיסאוחובקשמיםוארץ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}، {עלנקלהיוגנןעליהם وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا}.

من الجدير كذلك التركيز على ترجمة الجملة: {לַאתאֽחֻ׳דֻ׳הֻסִנַהוַלַאנַוֽם لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}، فقد استخدم روبين التعبير المستخدم والمفهوم لكن لم يعتمد بالضرورة على التعابير التي استخدمها سابقوه (ريكندورف وبن شيمش) اللذَان استخدمَا الفقرة (לאינוםולאיישן لا ينام ولا يغفل) الواردة في سفر [المزامير 121/ 4] كترجمة للعبارة القرآنية سابقة الذِّكر. إلا أن ترجمة روبين كانت شبيهة بترجمة ريفلين لها، لكن ترجمة روبين كانت أدقّ من ترجمة ريفلين الذي حاول -أي: ريفلين- الحفاظ على ترتيب الكلمات في الآية القرآنية، فترجمها إلى (לאתאחזנושינהולאתנומה) لكنها لم تكن ترجمة دقيقة تمامًا، فالترجمة الأكثر دقّة هي تلك التي قدّمها روبين (תנומהלאתאחזבוולאשינה)، وفق هذا الترتيب تمامًا؛ فهذه الترجمة تحافظ على التعبير القرآني من جانب، وتحافظ على المعنى الدقيق للفظتي {סִנַה سِنَةٌ}، و{נַוֽם نَوْمٌ} من جانب آخر؛ إِذْ إن المقابل الدلالي الأصلي للفظة (סִנַה) هو (שינה)، أمّا مقابلها الدلالي المتوسط فهو (תנומה)، أي: نوم خفيف. في حين أن المقابل الدلالي الأصلي للفظة {נַוֽם نَوْمٌ} هو بالفعل (תנומה)؛ لذلك فإن ترجمة روبين التي تراعي المقابلة الدلالية للصيغة العربية هي الترجمة الأصحّ (كما أنها تشتمل على مجموعة كلمات وردت في الفقرة المقرائية).

من المواضع الأخرى التي برزت فيها سلاسة وجمال ترجمة روبين، ترجمته للسورة 105 من القرآن (سورة الفيل)، والتي تُخلِّد ذكرى الحملة العسكرية المعروفة بقيادة أبرهة، القائد الحبشيّ الذي هاجَم جيشُه مكةَ وهم ركوبٌ على أفيال عام 570 ميلادية تقريبًا، والمعروف باسم (عام الفيل)، وهو في الوقت نفسه عام ولادة محمد وفقًا للتراث الإسلامي.

وهذه هي ترجمة السورة (صفحة 536):

בשםאלהׄיםהרחמןוהרחום (1) האםראיתימהעוללריבונךלבעליהפיל(2) הןשםאתמזימתםלאל (3) ולהקותציפריםשלחמעל (4) לרגומםבאבניגװיל (5) ועשהאותםכמוץנאכל

 

تعدُّ هذه السورة واحدة من المجموعة الكبيرة للسور المكية، وترجمتها بمثابة تحدٍّ كبير لأيّ مترجم للقرآن لأيّـة لغة، وقد نجح روبين من خلال ترجمتها، ليس في التعبير بعبرية ثرية وسلسلة وحسب، بل أيضًا في نقل روح النصّ للقارئ بما يتضمنه من السجع الديني السامي، وبما فيه من قافية أيضًا (أو على الأقل بدائل للقافية)، ففي هذه الحالات المتعلقة بالقافية (ــِيل): (الفِيل/ تضلِيل/ أبابِيل/ سجِّيل)، الذي يتغير فقط في الآية الأخيرة بـ{مَأْكُول}، يطرح روبين بديلًا مناسبًا، وهو: الآيتان الثانية والرابعة تنتهيان بـ(יל يل) הפילגװיל، وبقية الآيات في الترجمة أنهاها بـ(ل־ַל): לאַלמַעַל/ נֶאֶֽכַל.

سعى روبين للحفاظ على الخيط الرفيع الذي يربط بين أمانة التقيُّد بالنصّ الأصلي وبين الحرية الممنوحة للمترجم؛ فقوّة الترجمة لا تظهر إلا كما لو كانت مثل الأصل، الأمر الذي تجد به ميزة كبيرة مثلما شرح بنيامين في مقالته المذكورة سابقًا؛ فميزة الترجمة تتضح من خلال شفافيتها ووضوحها، ومثلما قال بنيامين: «الترجمة الحقّ تكون شفافة، لا تغطِّي على المصدر، لا تطفئ نوره، لكنها تعرض لغة طاهرة (...) تلقي بنورها على المصدر»[9].

إنّ (الحرية) المعطاة للباحث أو المعلّم بعدم حسمه في اختيار ترجمةٍ ما، وأن يكتفي بأن يعرض أمام قرّائه عددًا من البدائل، ليست ممنوحة للمترجم لكي يطرح على قرائه عددًا كبيرًا من المقترحات؛ إذ عليه أن يحسم الاختيار بين البدائل المختلفة، وأن يكون محايدًا في هذا الأمر.

وقد أشار عددٌ من الهوامش والتعليقات في ترجمة روبين إلى هذه الحالات من التخبّط التي وقع فيها، وهي التعليقات التي زادت من معرفة القارئ لأشياء متنوعة ومختلفة، تلك التعليقات التي سأعود إليها مرة أخرى في خاتمة المقال، والتي تتضمن بدائل مقترحة للترجمة، وقد وُضعت في بعض الأحيان لأنّ القراءة في الترجمة -أحيانًا- تجعل القارئ يتوقع ترجمة معينة ثم يرى ترجمة بديلة لها، لكن حينما يجد التعليقات سَيرى أن المترجم طرح رأيه فيما يتعلّق بالبدائل الأخرى المرتبطة بالترجمة (وأحيانًا أكثر من بديل) الذي يمكن استخدام أيٍّ منها بدلًا عن الترجمة الأصلية.

من الأمثلة على ذلك، نجدها في ترجمته للآية 185 في السورة الثانية (سورة البقرة)، التي يتعلّق موضوعها بصوم شهر رمضان، فنجد الكلمات: {פַמַןשַהִדמִנְכֻםאל־שַהֽרפֵלֽיַצֻמְוהֻ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، التي ترجمها روبين (صفحة 24) إلى: (עלכלאחדהנוכחבביתובחודשזהלצום أيُّ أحدٍ يكون في بيته بهذا الشهر فليصمه)، إلا أنه -من وجهة نظري- الترجمة الأفضل، هي: «הרואהמכםאתמולדהירחשיוצםבו (בחודשזהالذي يرى منكم ميلاد قمر الشهر الذي يُصام به (بهذا الشهر)».

يتمحور الفرق بين الترجمتين حول أنّ جذر الفعل {שהד شَهِدَ} (مقابله الآرامي "שהדشهد") له دلالتان مرتبطتان بعضهما ببعض؛ الأولى: (هي تلك التي فضَّلها روبين في ترجمته)، وهي أنْ (تكون حيًّا موجودًا). أمّا الثانية فهي (ترَى) أو (تشاهد). ومن وجهة نظري فإن الدلالة الثانية مناسبة أكثر لتبسيط ترجمة هذه الآية، كما أنّ هذه الدلالة تتناسب مع الآية 189 من السورة نفسها: {ישאלוךעלמועדימולדהירח, אמור: הםלמעןיקבעוהאנשיםאתמועדיהםעלפיהםואתהחג يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}(صفحة 25). ولسنا بحاجة لقول إنّ الآية الأخيرة تشير إلى طقسِ تحديد الشهر وفق ميلاد القمر، مثلما كان متبعًا في اليهودية كذلك حينما تم الكشف عن سرِّ العبور[10] وبدأ تحديد التقويم الذي يعتمد على حسابات فلكية، وقد اقترح روبين في تعليقه على الآية 189 تلك الترجمة التي أراها أفضل، وشرحها باختصار.

من خلال ما سبق، نجد أن صلب الموضوع يتعلق بالأساس بالآراء حول ما هو الأفضل أن يكون في نصّ الترجمة وبين ما هو الأفضل أن يأتي في هامشها، وكلّما طُرحت بدائل للترجمة -كلما تطلّب الأمر ذلك- كلما كان عمل المترجم أمينًا أكثر.

من الأمثلة الأخرى التي يمكن أن تضع القارئ في صورة ترجمة روبين العبرية للقرآن، هي ترجمته للفظة (סַכׅינָה)، وهي لفظة من مجموعة كبيرة من الألفاظ والمصطلحات التي فيما يبدو مأخوذة مباشرة من العبرية، أو من لغات أخرى تتّصل بها لغة القرآن، مثلما رأى ذلك عدد من الباحثين المهمّين، مثل: آرثر جيفري[11] (Jeffery) في كتابه الكلاسيكي: حول معجم ألفاظ القرآن الأجنبية (The Foreign Vocabulary Of The Qur'an)، والذي ذكر فيه عدّة ألفاظ وكلمات تنتمي إلى العبرية مثل (אַחֽבאר أحبار) (التي تقابل "חֽבר" التلمودية ومعناها: "تلميذ ذكي")، و(אֵסֽבאט أسباط) (= قبائل، تحديدًا قبائل إسرائيل)، و(יום- אלדין) (= يوم الدِّين)، ومن الآرامية (צלאהוזכאה صلاة وزكاة) (= צלותאוזכותא صلوتا وزكوتا).

ومن الفارسية (פׅרֽדוֽס) (فردوس، من صفات الجنة) و(בַרֽזַח برزخ) (= حاجز، مضيق)، ومن اليونانية (אׅבֽלׅיס إبليس) و(אׅנֽג׳יל وإنجيل) من (דיאבולוס ديابولوس) و(אװנג׳ליון إفنجليون)، ومن اللاتينية (צׅרַאת صِراط) (= طريق مستقيم) من strata، وغيرها الكثير.

وكان من بين المفسرين المسلمين من اعترف بوجود كلمات أجنبية بالقرآن، إلا أن التوجه بين الأغلبية منهم، هو تفسيرها على أنها ألفاظ عربية.

ما النهج الذي يمكن للمترجم انتهاجه في ترجمة ألفاظ كهذه وغيرها؟ إن طريقة روبين في ترجمة لفظة: {سَكِينَة}، ومقارنة ذلك بطريقة ترجمتها من قِبَل مترجمين آخرين (سواء إلى العبرية أو إلى لغات أخرى) =من الممكن أن تكون بمثابة نموذج رئيس لنا للإجابة على هذا التساؤل؛ فاختيارات المترجمين تعكس لنا عدّة وجهات نظر: فعلى جانب يقف أولئك المترجمين الذين ترجموها وفقًا للفظة العبرية-الآرامية (שכׅינָה) التي تعدُّ أصلًا للفظة {سَكِينَة}، ومن بين هؤلاء المترجمين كان ريكندورف، وبن شيمش (بترجمتيهما العبرية للقرآن)، وكذلك آرثر آربري (Arberry[12] في ترجمته الإنجليزية، وكذلك ريجيس بلاشير (Blachere[13] في ترجمته: " Presence Divin" (= الوجود الإلهي، الذي أورد فيه بين قوسين طريقة استخدام هذا المصطلح العربي)، إذ لا يدع مجالًا للشكّ بأنه استخدم هذا المصطلح بمعنى: שכׅינָה أيضًا.

على الجانب الآخر، يوجد مترجمون آخرون، مثل: رودي بارت (Paret[14] في ترجمته الألمانية، ودنيس ماسون (Masson[15] في ترجمته للفرنسية، اللذَين أورَدَا المصطلح العربي كما هو على صورته العربية، لكن في هوامش ترجمتيهما أشارَا إلى معرفتهما بالإشكالية المتعلقة به التي تم طرحها هنا.

إنّ دراسة هذه القائمة الطويلة من الترجمات لهذا المصطلح، توضّح لنا أنّ روبين قد شذّ عنهم؛ إِذْ ترجم المصطلح بطريقتين مختلفتين؛ ففي ورودها لأول مرة [سورة 2 الآية 248] من بين ست مرات وردت فيها بالقرآن، ترجمها إلى (שכׅינָה)، والمبرر لذلك أن لفظة {سَكِينَة} وردت في سياق يهودي-مقرائي واضح (لأنّ مصطلح "שכׅינָה" له أصل مقرائي)، فقد ورد إلى جانب «تابوت العهد وبقاياه التي حافظ عليها عائلتي موسى وهارون» (روبين، صفحة 36)؛ لذلك فإن الترجمة (שכׅינָה) تبدو طبيعية تمامًا وحسنة.

وفي المرّات الخمس الأخرى التي وردت بها اللفظة بالقرآن، ترجمها روبين: {אזהורידאלוהיםאתשלװתוממרומיםהשכינהעלשליחו ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ}، وهذه -من وجهة نظري- ترجمة مختلطة، عَكَس فيها روبين عمق التخبط بين وجهتي النظر اللتين ذكرتهما سابقًا، فالتعبير (הורידאלוהים أنزل الإله) من الطبيعي جدًّا أن يُقال على (שכׅינָה) أكثر مما يقال على (שלװה) التي كانت تحتاج لفعل مثل {הׅשֽרָה أَنْزَلَ}، ويبدو أن المعنى الآخر للفظة (שכׅינָה) المرتبط بالخلفية الدلالية للفظة {سَكِينَة} هو الذي أمكن استخدامها في هذا الموضع.

علاوة على ما سبق، فإنه ليس الفعل {הוריד أَنْزَلَ} الذي أوضح معنى لفظة (שכׅינָה) وحسب، بل أيضًا الفعل {השכּׅינָהּ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} الذي ينعكس به صدى لفظة (שכׅינָה). بطريقة أخرى، فإنه لو حاول روبين ترجمة لفظة {سَكِينَة} بمعنى: (שלװה سكينة/ أو سلامة) بدون أن تصاحب ترجمته أيّة خلفيات دلالية أخرى، لكان ترجمها ببساطة إلى(אלוהיםהשרהשלװתועליו أنزل الله سلامته/ سكينته) (وتجنب استخدام فِعلي "הוריד" و"השכין")، وعلى العكس من ذلك، لو كان حاول ترجمته بمعنى (שכׅינָה) الآرامية، لترجمها مثل ترجمة المترجمين الثلاثة الذين سبقوه لترجمة القرآن بالعبرية، وذلك على نحو: (אלוהיםהורידאתשכינתועליו)، إلّا أن روبين انتهج نهجًا وسطًا، وحاول الإمساك بالخيط من طرفيه: الطرف الأول: وهو ارتباطه بوجهة النظر التي أوضحها في مقدمة ترجمته بأنه لا يهدف أن تكون ترجمة «حقيقية» بل ترجمة تعكس صورة القرآن في عيون المؤمنين به، أمّا الطرف الثاني: فهو الاعتراف بافتقاد طبقة مهمّة أخرى وصفها روبين بـ(الحَرفية)، واختيار روبين لهذه الطريقة وفق أسلوب: «امسك بهذا وبذاك براحة يديك»، أمكنه من تقديم ترجمة جميلة وتمزج -في الوقت نفسه- بين طريقتين تخـبّط حولهما المفسرون والمترجمون.

توجد مثل هذه الترجمات التي تمزج بين دقّة الأسلوب وسلاسته وجماله على طول ترجمة روبين للقرآن، وتكفي قراءة عدد من قصار السور في نهاية القرآن للتأكّد من ذلك، فمثل هذه السور تمثِّل تحديًا لأيّ مترجم، فقد كُتِبَت بلغة صعبة ومملوءة بكلمات نادرة، والتعبير بها ليس واضحًا دائمًا، وتشجع روبين الرائع لترجمتها أمر يستحقّ الإشادة.

 وقد بات بين يدي القارئ العبري حاليًا (ليس ترجمة ممتازة للقرآن وحسب، ولكن أيضًا) تفسير مختصر ونقدي على صورة هوامش وتعليقات تُصاحب نصّ الترجمة وتوفّر للقارئ كمًّا كبيرًا من المعلومات في مجالات مختلفة، تتمثل في: إحالات إلى تفسيرات مختلفة، ومعلومات حول شخصيات وأماكن مذكورة بالنصّ أو يُرمز لها فيه، وملاحظات تاريخية ونظائر بقصص القرآن في الأدبين اليهودي والنصراني.

كما توجد كذلك عدّة ملاحق مفيدة؛ الأول: حول جدول ترتيب ظهور سور القرآن، الذي يوجد به قائمة لترتيب السور وفق ظهورها بالقرآن (من الأطول إلى الأقصر تقريبًا)، وكذلك قائمة للسور وفق ترتيبها الزمني. أمّا الجدول الآخر فقد اعتمد على أدب المديح الإسلامي لسور القرآن المختلفة (فضائل السور)، وهذان الملحقان إلى جانب مفتاح الموضوعات المُفصل وكذلك الهوامش المُحْكَمَة التي ذكرناها سابقًا، تضع الكتاب في مكانة رفيعة بين الآداب المتعلقة بالإسلام المكتوبة بالعبرية.

وحول تفسير الفقرة 8/ 8 بسفر نحميا (וַיִּקְרְאוּ בַסֵּפֶר בְּתוֹרַת הָאֱלֹהִים, מְפֹרָשׁ; וְשׂוֹם שֶׂכֶל, וַיָּבִינוּ בַּמִּקְרָא) «وَاقرَؤُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، المُفَسّر، وَفَسّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ»، ورَد في التلمود البابلي (مسيخيت مجيلاه 3/ 71) أن (المُفَسّر- هو الترجمة)، بلغة أخرى يمكن القول إنّ الترجمة هي في حد ذاتها تفسير، وكلّ قرار يتعلق باختيار ترجمة معيّنة هو في حدّ ذاته اختيار لأحد التفاسير عن تفاسير أخرى.

وقد بدت لي الكثير من اختيارات روبين في الترجمة بمثابة إنجاز ترجمي رائع، لكن المجال لا يسمح بذكر المزيد، بل نكتفي بذكر أمثلة معدودة؛ فلفظة: (מתחסדים) تعدُّ ترجمة ناجحة جدًّا للفظة: {مُنَافِقُونَ}، عن ترجمة ريفلين والتي اختار لها لفظة: (סֵעַֽפׅים)؛ (لفظة خاصة في المقرا ومعناها غير واضح).

كما تزخر ترجمة روبين بعدة ترجمات ناجحة جدًّا، مثل: (הגיעלפרקו) ترجمة لــ{بَلَغَ أَشُدَّهُ} (الواردة في القرآن عدة مرات) و(יפותעין) ترجمة لــ{حُور عِين}، وهن النساء فائقات الجمال للأبرار في الجنة، و(גסלבם) التي اعتبرها ترجمة جيدة لــ{قَسَتْ قُلُوبُهُمْ}، و(מלאכיהחבלה) هي مقابل ممتاز للفظة: {الزَّبَانِيَةَ}[العلق: 18]، وكذلك (כרותהזרע) ترجمة للفظ: {الْأَبْتَرُ}[الكوثر: 3].

في مقابل ذلك، هناك عدّة ترجمات لروبين لم تَرُق لي، مثل ترجمته للفظة: {مُسْلِمًا} إلى لفظة: (מתמסר)، (وهو الدِّين، لكن باشتقاق آخر من الجذر "سلم" الذي تُرجم من خلال الجذر العبري "מסר")، ولا خلاف على أن المعنى الأساسي لهذا الجذر اللغوي في القرآن هو الاستسلام والخضوع للإله، لكن هذه المحاولة للوصول للمعنى الحرفي الأصلي للفظة لا تتوافق مع وجهة نظر روبين نفسه التي أوردها في مقدمة ترجمته: «لإيضاح صورة القرآن كما هي في عيون المؤمنين به». وبناءً على ذلك، فإنه كما أبقى كلمات مثل: {حَنِيفًا} و{حجّ} كما هي على صورتها، كان عليه أن يفعل ذلك بكلمات مفتاحية مثل: {مُسْلِمًا}.

الأكثر من ذلك، أن روبين نفسه لم يكن ثابتًا في ترجمته للمصطلح، وعلى خلاف ما حدّده في التمهيد لترجمة (صفحة ي. د) من أن {الْإِسْلَام} تُرجم إلى (התמסרות) وأنّ {الْمُسْلِمِينَ} تُرجمت إلى (מתמסרים)، فإنه أبقى على {الْإِسْلَام} كما هي على صورتها في ست مرات وردت بها بالقرآن، وفي مرتين فقط وردت بهما مرتبطة بصفة أخرى تُرجمت إلى (התמסרות)، كما تُرجمت صور فعلية من الجذر (سلم) إلى الجذر (מסר).

وقد بَدَا لي عدمُ الثباتِ هذا أمرًا مثيرًا للدهشة، لا سيما في الحالات التي تُستدعى فيها صور فعلية وصور اسمية من هذا الجذر، مثلما هو الأمر في الآيتين [19، 20] من سورة آل عمران (روبين، صفحة 45): {הדתהראויהבעיניאלוהיםהיאהאסלאם إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وكذلك: {אשאפניאלאלוהיםבהתמסרות أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}، و{האםמתמסריםהנכם؟ אםיתמסרותישרדרכם أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا}، ومن وجهة نظري كان عليه أن يتبع أسلوبًا محددًا في الإبقاء على استخدام الجذر (سلم) ومسلم وإسلام وما إلى ذلك، على صورته كما هو بدون تغيير، وإذا رأى المترجم أنه من الأفضل استخدام الجذر (מסר) فكان عليه أن يستخدمه بشكل ثابت بدون تغيير.

كما أخطأ المترجم في أسلوبه بترجمة المصطلح: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: 59]، حينما ترجمها إلى: (סופםשיגיעואלגיא)؛ فترجمته للفظة العربية {غَيًّا} إلى (גיא) هو اختيار جيد من حيث الصدى الصوتي للكلمة، لكنها -من وجهة نظري- خاطئة، فكان من الأفضل تبسيط المكتوب، ثم وجَّه القارئ للتفسير الذي أورده في الهامش بصفحة 259، فالمعنى الآخر الوارد في الموضع نفسه (ضياع) أكثر دقّة (قارن: ترجمة ريفلين: נׇפוליפֽלובתועׇה يقعون في الضلال).

وعلى خلفية الأسلوب العبري الرائع الذي اتسمت به ترجمة روبين، تصادفنا عدّة انتقالات حادة لطبقة الكلام؛ مثل استخدام الفعل (הכפיף) كترجمة للفعل العربي {سَخّرَ} (الذي ورد كثيرًا في القرآن)، أو استخدام لفظة (יצאנית) ترجمة لكلمة {بَغِيًّا} في الآية التي تتحدث عن مريم أُمّ يسوع (المرجع نفسه، الآية 28، صفحة 247)، {אביךלאהיהאישרשעואמךלאהײתהיצאנית مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}؛ إذ إنّ الانتقال من التعبير اللغوي الجميل: {אישרשע امْرَأَ سَوْءٍ} إلى لفظة {יצאנית بَغِيًّا} أمرٌ حادٌّ جدًّا.

وتعدُّ مسألة الاقتباس من حروف عربية ليس لها مقابل في الأبجدية العبرية أمرًا متعِبًا ولا مجال للحديث عنها هنا، مع ذلك فإنه تراءت لي نقطة واحدة أساسية: وهي تتعلق باقتباس الحرف العربي (ض)؛ إذ يقتبسه روبين مقابلًا لحرف (צص) العبري مضافًا إليه شَرطة (צ׳)، وهو اقتباس له تبريره الاشتقاقي اللغوي، لكن في حالة ما إذا كان القارئ المثقف غير العارف بالعربية هو جزء من الجمهور المستهدف، فإنه كان من الأفضل اقتباس حرف (ד׳ د׳)، وبذلك ينتهج أسلوبًا جيدًا (حتى وإن لم يكن دقيقًا تمامًا) للكلمات العربية من أمثال: {رَمَضَان} و{ضَلَال} وغيرهما؛ (لأن القارئ الذي لا يعرف العربية اعتاد نطق צ׳كـ ch) ومن شأنه أن يقرأ هذه الكلمات على نحو: ramachan، وchalal، وما شابه ذلك.

فيما يتعلق بمسألة تشكيل النصّ، فقد أوضح روبين رأيه فيها، مثلما أشار لذلك باختصار في التمهيد (صفحة ط و)، واختار عدم تشكيل النصّ والاكتفاء بالتشكيل الاستثنائي فقط، إلا أنه وفقًا لرأيي المتواضع، فإنّ التشكيل الكامل لا سيما ما يتعلق بنصّ مقدّس وجزء منه مكتوب بأسلوب شعري، يعدُّ أمرًا ضروريًّا من شأنه أن يُضفي جلالة وهيبة للنصّ، ولمقارنة ذلك بنصوص مقدّسة أخرى، فسنذكر أن كلّ ترجمات العهد الجديد إلى العبرية، التي صدرت منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم، هي مشكولة.

إنّ تلك النقاط التي ذكرناها ونقاطًا أخرى هي أمور صغيرة جدًّا مقارنةً بضخامة عمل روبين، إلا أن الأساس في الأمر هو أنّنا مدينون بالفضل لروبين على ذلك الإسهام الذي أسهم به؛ سواء للقارئ المثقّف أو للقارئ المختصّ في الدراسات الإسلامية والعربية الذي هو بحاجة إلى نصّ القرآن، فقد سمعتُ من الكثير من الأصدقاء والزملاء الذين تحدثتُ معهم حول هذه الترجمة منذ إصدارها الكثيرَ من التعليقات عليها، مثل: «أخيرًا... أصبح بأيدينا ترجمة لا يمكن الاستفادة منها وحسب، بل أيضًا أنْ نفهم من خلالها ما هو مكتوب في القرآن».

بالتالي لم يكن عجيبًا أن تخرج من بين يدي روبين ترجمة رصينة وسلسة وجميلة في الوقت نفسه، امتزجت فيها قدراته مع الشروط الواجب توافرها في الترجمة؛ ومن ضِمْنِها تمكُّنه الرائع من اللغة الأصلية ومن اللغة المترجم إليها، وخبرته الكبيرة في الدراسات الإسلامية القديمة وفي القرآن وتفاسيره.

 

[1] المصدر: دورية המזרחהחדש الصادرة عن الجمعية الإسرائيلية لدراسات الشرق الأوسط والإسلام، العدد 46، دار نشر ماجنس، القدس المحتلة، 2005-2006، صفحات: 255-263.

[2] مترجم هذه المادة: أحمد صلاح البهنسي، أستاذ الديانة اليهودية والأديان المقارنة بقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب بالقاهرة، له عدد من المؤلفات المنشورة.

[3] بدأت الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم في صورة جزئية لبعض آيات القرآن الكريم أيام حكم المسلمين للأندلس على أيدي: الفيلسوف اليهودي (سعديا الفيومي)، والشاعر اليهودي (سليمان بن جبيرول)، وكانت أول ترجمة لمعاني سورة كاملة للعبرية تلك التي قام بها الحبر اليهودي (أفراهام حسداي) من خلال ترجمته لكتاب الغزالي: (ميزان العمل)، بالعصر الوسيط.

أمّا الترجمات العبرية الكاملة لمعاني القرآن الكريم، فتنقسم إلى نوعين: (مخطوطة، ومطبوعة). بالنسبة للترجمات المخطوطة غير المنشورة؛ فأُولاها تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقام بها الحبر (يعقوب بن يسرائيل هاليفي)، وهي محفوظة بقاعة الآثار الشرقية بالمتحف البريطاني. أمّا الثانية فتعود للقرن الثامن عشر الميلادي، وصاحبها غير معروف، ومحفوظة بالمكتبة البريطانية بلندن. وبالنسبة للثالثة فمحفوظة بمكتبة الكونجرس الأمريكي بواشنطن.
فيما يتعلق بالترجمات المطبوعة الكاملة لمعاني القرآن الكريم للعبرية فهي أربع ترجمات: صدرت أُولاها في لايبزج عام 1856م وقام بها الحبر (حاييم هرمان ريكندورف). أمّا الثانية فصدرت في فلسطين عام 1936م، وقام بها (يوسف ريفلين). وصدرت الثالثة في إسرائيل عام 1971م، وقام بها (أهارون بن شيمش).
أمّا الترجمة الأحدث والأخيرة (الرابعة)، فتلك التي صدرت في جامعة تل أبيب في شهر مارس عام 2005م، كباكورة سلسلة أعمال مترجمة لروائع الأدب العربي إلى العبرية التي تعتزم الجامعة إصدارها، وقام بهذه الترجمة البروفيسور (أوري روبين)، الأستاذ (الشرفي) للدراسات القرآنية والتفاسير الإسلامية بقسم اللغة العربية بكلية الآداب - جامعة تل أبيب.
نالت هذه الترجمة أهميتها لسببين؛ الأول: أنها جاءت تلبية للحاجة الماسّة لترجمة عبرية جديدة للقرآن لتصحيح وتنقيح الترجمات السابقة لها والإضافة عليها. والثاني: أنها صدرت في ظلّ متغيرات سياسية ودولية متعلقة بأوضاع المسلمين في العالم خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وبروز نظريات سياسية وفكرية تتحدّث عن الصراع بين الحضارات والأديان وتصادمها. (المترجم).

[4] Uri Rubin, The Eye of the Beholder: The Life of Muh̩ammad as Viewed by the Early Muslims, Princeton, NJ 1995.

[5] שם: עמ׳3.

[6] طُبعت المقالة في كتاب: "נפתוליבבל" מאתז׳אקדרידה، תלאביב 2002، עמ׳ 127-141.

[7] «المِقرا» بكسر الميم، مصطلح يشير إلى العهد القديم، كتاب اليهود المقدس. (المترجم).

[8] المقصود هو كتاب: (ماذا أخذ محمد من اليهوديّة؟ ?Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen) الذي شارك به جايجر في مسابقة بكليّة الفلسفة في بون سنة 1832م، ثم تُرجم إلى الألمانية ليكون أطروحة دكتوراه في ماربورغ سنة 1834م. (المترجم).

[9] שם: עמ׳ 137.

[10] مصطلح ديني يهودي يعبر عن سرٍّ تم الكشف عنه لكيفية حساب السنة العبرية من حيث بدايتها ونهايتها. (المترجم).

[11] مستشرق أسترالي وُلد في مولبورن عام 1892 وتوفي عام 1952 في كندا، وكان أستاذًا للساميات منذ عام 1921 في معهد الدراسات الشرقية بالجامعة المصرية. (المترجم).

[12] آرثر جون آربري (1905- 1969)، مستشرق إنجليزي ولد في بورتسموث، وقد حصل على منحة في دراسة الكلاسيكيات، فدرس اليونانية واللاتينية في جامعة كامبريدج، وحصل على البكالريوس من كلية برمبوك، توجه لدراسة اللغات الشرقية بتوجيه من أستاذه منسن، ودرس العربية على يد ألن نيكلسون، وكانت زمالة آربري بالقاهرة، وقد عين رئيسًا لقسم الآداب بالجامعة المصرية «جامعة القاهرة». اهتماماته الرئيسة تركزت في التصوف الإسلامي وفي الأدب، ففي 1935، نشر كتاب «المواقف والمخطابات» للنِّفَّري، وترجمه للإنجليزية، كما عمل على فهرسة المخطوطات العربية والفارسية، وترجم عددًا من أعمال الشاعر والمتصوف والفيلسوف الهندي محمد إقبال، وتعتبر المهمّة الأبرز التي قام بها أستاذ اللغات الشرقية ورئيس كرسي اللغة العربية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية وأستاذ كرسي توماس آدمز في جامعة كمبريدج، هو ترجمته للقرآن إلى اللغة الإنجليزية، فقد ابتدأ مشروعه بترجمة آيات مختارة من القرآن في الخمسينيات، ثم أصدر ترجمته المفسرة عام 1955، بعنوان «the Koran interpreted» في مجلدين.
من كتبه، «Sufism, an account of the mystics of Islam، قصص المتصوفة في القرآن، 1950»، و «Aspects of Islamic Civilization: As Depicted in the Original Texts، أوجه المدنية الإسلامية كما هو موضح في النصوص الأصلية، 1964»، «Religion in the Middle East، الدين في الشرق الأوسط، 1969». (قسم الترجمات).

[13] ريجيس بلاشير (1900-1973)، هو واحد من أبرز وأشهر وجوه الاستشراق الفرنسي، ومن أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق. وُلد في مونروج ضمن ضواحي باريس، تعلّم العربية في الدار البيضاء بالمغرب، وتخرّج في كلية الآداب في الجزائر عام 1922م، وعيّن أستاذًا في معهد الدراسات المغربية العليا في الرباط، وانتقل إلى باريس محاضرًا في السوربون عام 1938م، ثم عُيّن مديرًا لمدرسة الدراسات العليا العلمية عام 1942م، وأشرف على مجلة المعرفة الباريسية بالعربية والفرنسية. ألّف بلاشير العديد من الكتب والتي ترجم بعضها إلى العربية، واعتمد بعضها للتدريس في بعض المعاهد الثانوية الفرنسية، من مؤلفاته:
- ترجمة معاني القرآن الكريم، في ثلاثة أجزاء، أولها مقدمة القرآن الكريم. تم نشر الترجمة وحدَها في عام 1957م، والتي أعيد طباعتها عام 1966م.
- تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية د. إبراهيم الكيلاني.
- قواعد العربية الفصحى.
- أبو الطيب المتنبي، عرّبه د. أحمد بدوي. (قسم الترجمات).

[14] رودي بارت، مستشرق ألماني، ولد عام 1901، وتوفي عام 1981، ومن أشهر أعماله ترجمته للقرآن، والتي عمل فيها سنين طويلة وأخرجها تباعًا منذ 1963 وإلى عام 1966، وهي ترجمة وشرح أو تعليق فيلولوجي، كما أن له كتابًا مهمًّا طالما يشير إليه المختصون في الاستشراق الألماني، وهو كتاب: «الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية، المستشرقون الألمان منذ تيودور نولدكه»، وقد ترجم للعربية، حيث ترجمه: مصطفى ماهر، وصدر عام 2011 عن المركز القومي للترجمة والهيئة العامة المصرية للكتاب، وهذا الكتاب لا يعرض فحسب صورة لتطور الدراسات العربية والإسلامية في ألمانيا على يد أحد أهم المتخصصين، لكنه كذلك يتناول مسألة التلقي العربي لكتب المستشرقين، ويوضح رأيه فيها. (قسم الترجمات).

[15] دنيز ماسون (1901-1994)، مستشرقة فرنسية، لها ترجمة للقرآن صدرت عام 1967، وقد مدحها الأزهر، لها عدد من الكتب في مقارنة الأديان، مثل القرآن والوحي اليهودي المسيحي، دراسات مقارنة، 1958، الماء والنار والضوء وفقًا للكتاب المقدّس والقرآن والتقاليد، 1986، التوحيد القرآني والتوحيد الكتابي، 1988. واشتهرت ماسون باسم سيدة مراكش. (قسم الترجمات).

المؤلف

مائير بر-اشير - מאיר בר אשר

أستاذ الأدب العربي بالجامعة العبرية بالقدس المحتلة، كما شغل عدة مناصب سابقة، ومنها رئيس معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية، ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها في الجامعة العبرية في القدس، ورئيس كرسي الدراسات الإسلامية على اسم ماكس شليزنجر في الجامعة نفسها، كما شغل منصب سكرتير الجمعية الإسرائيلية للدراسات الشرقية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))