آيات سورة الروم (2-5)
في سياق الشرق الأدنى
تحتل دراسةُ السياق التاريخي الديني والنصّي لنصّ القرآن مساحةً كبيرةً في الاهتمام الاستشراقي، سواء الكلاسيكي أو المعاصر، على اختلاف الأهداف والمنطلقات وراء هذا الاهتمام واختلاف الأدوات المستخدمة كذلك، ويُعَدّ التناوُلُ المعاصر لهذا السياق ولإشكالِ علاقة القرآن بنصوص الشرق الأدنى القديم المتأخر بؤرةً لعددٍ كبيرٍ من القضايا؛ مثل: تاريخ النصّ، تاريخ بدايات الإسلام، العلاقة النصية بين القرآن وهذه النصوص، دلالة بعض النصوص في المدونة التفسيرية، وغيرها من القضايا.
في هذه الورقة يقوم آدم سيلفرستاين بدراسة آيات سورة الروم الخمس الأولى في سياق نصوص الشرق الأدنى القديم، من أجلِ إلقاءِ ضوءٍ على دلالتها، ويقيم نقاشه بالأساس في مواجهة افتراضات شوميكر وتيسي حول سياق هذه الآيات محاولًا تطويرها، حيث يقبل مبدئيًّا الطابع الإسكاتولوجي للآيات، أي: تعلقها بنبوءات نهاية العالم، إلا أنه يرفض ما يفترضانه من كون سياقها المفترض يشير إلى موقع آخر لظهور الإسلام غير مكة، ويعتبره افتراضًا تنقيحيًّا مبالغًا فيه، كما يطرح تساؤلات حول مدى ضرورة الانطلاق -كما يفترضان- من كون القرآن يعكس رؤية مسيانية يهودية دون مواجهة منه لها أو تعديل أو تغيير، وهي تساؤلات مهمّة ضمن القضايا التي ذكرنا.
يقوم سيلفرستاين بتسييق آيات الروم في سياق تاريخي خاصّ بحروب الروم في اليمن، متفقًا مع تيسي وشوميكر في كون الآيات لا تتحدّث عن سوريا، لكن -وعلى عكسهم- محافظًا على الخطوط الرئيسة للتقليد الإسلامي حول تاريخ القرآن، وفي سياق نصّي يشمل عددًا من النصوص اليهودية والمسيحية خصوصًا سفر دانيال وشروحاته، ويربط بين تصوراته المسيانية وتصورات القرآن، ويحاول الحجاج عن كون هذه الرؤى التي حملها اليهود والمسيحيون كذلك في سياق شبه الجزيرة شكّلت أساسًا للآيات القرآنية ثم للتفاسير اللاحقة التي لم تكن مبتعدة كثيرًا عن مراكز كتابة ونشر التلمود، لكن هذا لا يعني -وفقًا له- تقبّل القرآن أو عكسه لهذه الرؤية، بل رؤيتها وفق نمط خاصّ مرتبط بالجماعة الإسلامية الناشئة وعلاقتها الواقعية واللاهوتية باليهود وبالمسيحيين وبالإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية.
لا تصل ورقة سيلفرستاين لنتائج حاسمة حول الآيات ودلالتها وسياقها، بل يظلّ يؤكد على عدم إمكان الجزم بدلالة الآيات وفقًا للمعطيات المتاحة التاريخية والنصيّة، إلا أن الأهمية الكبيرة لهذه الورقة ليست النتائج، بقدر ما هي بيان التعقد المنهجي من جانبٍ آخر لربط القرآن بالمدونات السابقة عليه، كما تفعله دراسات استشراقية عديدة، وبيان صعوبة البتّ في ذلك منهجيًّا، وكذا تسليط الضوء على جانبٍ متنامٍ من الاشتغال الاستشراقي المتصل بالتفسير، والذي يقارب دلالات الآيات بعيدًا عن مدونة التفسير وآراء المفسرين؛ ليكون ذلك محلّ بحث من الدارسين.