الاتجاه التزامني في قراءة القرآن والمتوسِّل المنهجيات الأدبية البنيوية بالذات في قراءة النصّ القرآني، من أهم المنهجيات على ساحة الدرس الاستشراقي المعاصر، وقد استطاع منذ بروزه على السطح في سبعينيات القرن الماضي أن يعيد طرح الكثير من الإشكالات الاستشراقية طرحًا جديدًا مرتبطًا بالأدوات الجديدة المتاحة، كما كان له الأثر في وضع بعض الأفكار الاستشراقية التي تُعَامَل كمسلَّمات تقريبًا -مثل تفكك النصّ القرآني- موضع تساؤل، عبر طرح رؤية مغايرة عن انتظام النصّ القرآني وفقًا لمنطقٍ خاصّ.
ومن أبرز الأسماء التي ارتبطت بهذا الاتجاه هو اسم الألمانية أنجيليكا نويفرت، والتي شكّل كتابها «دراسات حول السور المكية، 1981» مَعلمًا رئيسًا في تاريخ هذا الاتجاه، إن لم يكن في تاريخ الاستشراق بشكلٍ عامّ -حيث يقارنه بعضهم بتاريخ القرآن لنولدكه- حيث افترض الكتاب مجموعة من المعايير الأسلوبية والإيقاعية والمضمونية لتقسيم السور القرآنية، والتي كان الفضل لنويفرت في تكريسها كوحدة أدبية تركيبية للقرآن في الدرس الغربي.
وقد أثار هذا الاتجاه في مجمله أو تجاه بعض أعلامه عددًا من الانتقادات، تتعلّق بالأساس بمدى إمكان تطبيق هذه المناهج المقترحة على القرآن، ومدى ملاءمة البنى المفترضة لطبيعة النصّ القرآني من حيث كونها تمثّل بالفعل استكشافًا لنظامه لا فرضًا للنظام عليه، هذه الورقة التي بين أيدينا لرايتشل فريدمان[1] هي محاولة لمساءلة هذا الاتجاه ممثلًا بالخصوص في المنهج المنضبط الذي افترضته أنجيليكا نويفرت وفصّلته في (الدراسات) وما بعده من كتابات، في ضوء هذه الانتقادات المتعلقة بكفاءة المناهج وملاءمة الأنظمة المفترضة لاستكشاف بناء النصّ.
إلا أن فريدمان تثير كذلك أسئلة أعمق حول الأساسات الفلسفية الكامنة في عمق المناهج البنيوية ذاتها في الأنثروبولوجي والاجتماع قبل الأدب وقراءة النصوص؛ لتنتقد تلك النزعة الثنائية التي تتجلى في القراءات التزامنية للقرآن في التقسيمات الحدّية بين الشفاهة والكتابة، النصّ والتقليد، الغرابة والألفة، المركز والمحيط، الشكل والمضمون، أقسام النصّ، وهي الثنائيات التي لا تناسب التركيب الذي ينطوي عليه نصّ تمثل (إلهيته) أحد المستويات المهمّة في قراءته حتى من قِبَل من لم يؤمن بها.
وكما تشير فريدمان فإنها لا تحاول بنقدها الانتقال بالقرآن من الدراسات البنيوية لما بعدها، بل تحاول جعل نقوداتها بداية لتوليفات منهجية تستفيد من كلّ المقاربات بما في ذلك تلك التي قدمها التقليد الإسلامي الطويل، لمحاولة فهم النصّ فهمًا أعمق يتجاوز هذه الرغبة في تقييده للتخلص من غرابته والتي تمثّل الأساس الأعمق للاشتغال الغربي تجاه القرآن.
هذا المستوى العميق من النقد والذي ينتقل من النقد الجزئي والتفصيلي للنقد الأعمق للبنى المؤطرة للمنهجيات واستخدامها، فينقل النقاش من المستوى المنهجي للمعرفي الإبستمولوجي هو ما يجعل هذه الدراسة شديدة الأهمية.
[1]هذه الترجمة هي لورقة رايتشل فريدمان "Interrogating Structural Interpretation of the Qur’ān"، والمنشورة في Der Islam، عام 2012.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
- الملف الثالث على قسم الترجمات: «الاتجاه السانكروني (التزامني) في دراسة القرآن»
- مقاربات (نقد-نصية) لبنية السورة القرآنية: الجمع بين القراءتين التزامنية والتعاقبية لسورة البقرة
- القراءة الحداثية وإشكالات حقل التفسير
- بنية سورة النساء، ومركزية قيمة العدل
- الدراسات القرآنية والمنعطف الأدبي؛ قراءة في أهم الدراسات الأدبية الغربية للقرآن