يعدّ الاتجاه السانكروني (التزامني) من أهم الاتجاهات المتنامية على ساحة الدرس الاستشراقي المعاصر، ويهتم هذا الاتجاه بالأساس بقراءة القرآن كنصّ، فيدرس تركيبه ونظامه ويحاول الكشف عن البناء الخاص به على مستوى الموضوعات والأساليب والتراكيب اللغوية والبلاغية، ويعدّ ريموند فارين واحدًا من أعلام هذا الاتجاه.
وتأتي أهمية فارين في كونه واحدًا ممن اهتموا بالتوسّع في تطبيق المناهج البنيوية في دراسة السور القرآنية على السور المدنية الطويلة، ولم يقفوا بها عند دراسة السور المكية، ويَعتبر فارين كما يظهر معَنا في هذه المقالة، أن دراسة السور المدنية تكشف كونها منظومة وَفق بناء تناظري كبير شبيه بنمط البناء الثلاثي المعتاد في تحليل السور المكية، حيث يَنظر إليه كتوسعة لهذه البنية الثلاثية.
في هذه المقالة يحلّل فارين بنية سورة النساء، ويَعتبر أنها منظومة وَفق البناء المحوري؛ حيث تتكون من خمسة أقسام متناظرة حول قسم مركزي، ويحاول تحليل هذه الأقسام كاشفًا عن كونها تدور حول قيمة مركزية هي قيمة العدل.
كذلك يشير فارين لخلافه مع إصلاحي وزاهنيسر حول بداية القسم الثاني من السورة، ويحاول كذلك الاستفادة من بعض الطروحات المعاصرة حول السور المدنية، مثل طرح نويفرت عن مركزية (النبي) ضمن هذه السور على خلاف السور المكية المتأخّرة التي يظهر فيها أحد الأنبياء السابقين باعتباره مثالًا وقدوة للنبيّ، وهذا ضمن رؤيتها العامة عن بناء القرآن للأمة الإسلامية الناشئة وموضعتهم في التاريخ الكتابي.
يمثّل الاتجاه التزامني في قراءة القرآن بكلّ تنوعاته المنهجية أحد الاتجاهات المركزية في الدراسات الغربية المعاصرة للقرآن؛ لذا تمثّل المعرفة بأعلامه خطوة مهمّة في سبيل مثاقفة منهجية مع هذه الدراسات.