القرآن والعلم
مقاربة هرمنيوطيقية

المترجم : حسام صبري
تختلف المواقف حول العلاقة بين القرآن والعلم الطبيعي، خصوصًا في الدرس المعاصر، يحاول كامبانيني في هذه المقالة تتبُّع أبرز هذه المواقف، كما يحاول -استنادًا لمقاربة تعتمد على إنجازات الهرمنيوطيقا الفلسفية- أن يقدّم منظورًا مغايرًا لهذه العلاقة يقوم على استكشاف مفهوم العلم داخل القرآن، لا وفق نظرة تاريخية أو لغوية، وإنما باعتباره نصًّا تتكشّف الحقيقة من خلاله.

  يُعد إشكال العلاقة بين القرآن والعلم من تلك الإشكالات التي أثارها الصدام مع العلم الحديث في أواخر القرن التاسع عشر، حيث برزت نظريات علميّة قد تبدو معارضة لما يمكن اعتباره كوزمولوجي قرآني، في هذا السياق حاول المفكِّرون والمصلحون والمفسِّرون اكتشاف نمط العلاقة القويمة بين القرآن ومكتشفات العلم الحديث، يحاول كامبانيني في هذه المقالة تقديم رؤية مغايرة من منظور هرمنيوطيقي يحاول استكشاف كيفية حضور العلم في النصّ القرآني اعتمادًا على الهرمنيوطيقا الفلسفية.

يبتدئ كامبانيني مقالته عَبْرَ استحضار هذه الصور المختلفة لهذه العلاقة، فيصنفها إلى ثلاثة مواقف: الموقف الأول يسمِّيه موقف التوافق الكُلِّي، أي: الانطلاق من موافقة القرآن الكاملة والحرفية للعلوم الطبيعية. والموقف الثاني هو موقف التوافق الجزئي، والذي يرى أنّ القرآنَ في مجمله موافقٌ للعلم، أو بتعبير أدقّ، غيرُ مناوئ أو معارض له، لكن هذا لا يعني وجود القضايا العلمية التفصيلية داخل القرآن؛ انطلاقًا من كونه كتاب هدى لا كتاب علم. أما الموقف الثالث فهو موقف الرفض الكلي، والذي يعني أن القرآن لا علاقة له البتة بالعلم الطبيعي.

يحاول كامبانيني توضيح هذه المواقف الثلاثة وأبرز مَن يتموضع فيها والعلاقات بينها، وكذا علاقتها بما يسمِّيه بـ«الموقف الإسلامي المناهض لليوتوبيا» وبما يعبر عنه بـ«مساحة التأويل»، كما يركِّز على بعض الكتابات التراثية والمعاصرة: مثل كتابات ابن رشد وكتابات المعتزلة وكتابات نصر حامد أبو زيد، والتي تدعم وفقًا له -وعَبْر التأكيد على خصوصية لغة القرآن من جهة ومن جهة ثانية نسبيتها وارتباطها بالثقافة- التعددية التأويلية للقرآن المناسبة لنمط من العلاقة لا يتعارض فيها القرآن مع العلم الحديث.

من خلال هذه النظرة يموضع كامبانيني رؤيته التي تقوم على أن العلم لا بد أن يُدرس داخل القرآن ككتاب لغوي تتجلَّى من خلاله حقيقة العلم، في هذا السياق تصبح المواقف الثلاثة السابقة لا مواقف متعارضة، بل مشروعة بثلاثتها في مواضع مختلفة.

وبعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف مع المقالة في نتائجها أو بعض مساحاتها، إلا أنّ أهميتها تكمن في هذا المنظور الذي تقترحه لنظر المسألة، والقادر على فتح أفق جيدة لنقاش المسألة غير خاضع لإكراه الحداثة سلبًا أو إيجابًا.

المؤلف

ماسيمو كامبانيني - Massimo Campanini

مؤرخ إيطالي تتركّز اهتماماته في تاريخ الشرق وخصوصًا الإسلام، أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة فيتا سالوت سان رافاييل إلى عام 2013، وأستاذ مشارك في تاريخ الدول الإسلامية بجامعة ترنتو إلى عام 2016، تتركّز اهتماماته في الدراسات القرآنية والتصوف والفلسفة الإسلاميَّيْن.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))