الملف الخامس على قسم الترجمات
علم التفسير؛ تاريخه، مناهجه، إشكالاته
في الدرس الاستشراقي المعاصر
مدخل تعريفي

بَرز الاهتمام الاستشراقي بعلم التفسير وتاريخه ومناهجه منذُ القرن التاسع عشر، فظهر عددٌ من الكتابات المركزية حول هذا العلم، وهذا الاهتمام مستمر إلى اليوم، وتوسّع في بعض المساحات الخاصة؛ لذا عقدنا ملفًّا يضم ترجمات لعدد من البحوث والدراسات الغربية المعاصرة حول فنّ التفسير، هذه المقالة مدخلٌ تعريفي بالملف، يوضح الهدف منه والسياسات المتّبَعة في نشره.

  بَرز الاهتمام الاستشراقي بعلم التفسير منذُ بدايات الاستشراق كحقل علميّ، أيْ: منذ القرن التاسع عشر، فظهر الاهتمام بدراسة مدوّنات التفسير وتحقيقها ونشرها، وعقد عددٌ من المستشرقين كتبًا حول هذا العلم وتاريخه ومناهجه وطرق تصنيفه حازت مركزيةً ضمن التراث الاستشراقي، ويأتي في صدارة هذه الكتب الكتاب الشهير لـ(إجناتس جولدتسيهر): «مذاهب التفسير الإسلامي، 1913». هذا الاهتمام الاستشراقي المبكّر بالتفسير لم يقف عند التفاسير الكلاسيكية، بل تخطّاها نحو التفسير المعاصر كذلك، ويأتي في صدارة الكتب حول التفسير المعاصر كُتُب (الأب جومييه) حول: «تفسير المنار»، وكتاب (بالجون): «تفسير القرآن في العصر الحديث»، ثم كتاب (يوهانس جانسن): «التفاسير القرآنية في مصر الحديثة، 1974».

وهذا الاهتمام الاستشراقي بالتفسير لم ينقطع إلى اليوم، حيث تتوالى الكتب والبحوث والمقالات الغربية حول التفاسير التقليدية والمعاصرة، فنجد كتاب: «التفاسير الإسلامية الحديثة، 2008»، لـ(ماسيمو كامبانيني)، وكذا كتاب: «مفكرون حداثيون والقرآن، 2010»، لـ(سها تاج فاروقي)[1]، وكتاب: «أهداف ومناهج وسياقات التفسير، 2011»[2]، الذي حرّرته (كارين باور)، وغيرها من الكتب التي تهتم بالتفسير الكلاسيكي والمعاصر، كما نجد محاولات معاصرة لتوسعة هذا الاهتمام جغرافيًّا؛ فيبرز الاهتمام -إلى جانب التفاسير المنتجة في الدول العربية والهند- بالتفاسير المنتجة في تركيا وإندونيسيا والصين. وتوسعته من جهة الوسيط المستخدم؛ فيبزر الاهتمام بالتفاسير الإذاعية والتلفزيونية والتفاسير المصورة والتطبيقات الإلكترونية.

وإنّ المتابِع للدرس الغربي المعاصر حول القرآن والتفسير لا يَعْزُب عنه بزوغ بعض الاهتمامات على ساحة هذا الدرس؛ منها الاهتمام الكبير بالمحدّدات النوعية لعلم التفسير كتاريخ مستقلّ في التأليف له أبعاده الخاصّة التي تميّزه عن غيره من العلوم، والصلة بين هذا العلم وبين العلوم الإسلامية التقليدية الأخرى، والبناء الخاصّ لمتون هذا العلم من ناحية المصادر ومناهج وطرائق توظيفها والصلة داخلها بين العلوم الإسلامية المختلفة، وكذلك نشهد عودة الاهتمام بقضية تاريخ التفسير ومناهجه وطرق تصنيفه، وهي عودة نقدية بالأساس دافعها الشعور بالنقص الشديد الذي يواجه المعرفة الغربية في هذا بسبب عدم نشر وتحقيق كثير من مدونات التفسير، وكذلك الشعور بعدم وجود معايير منضبطة لتصنيف هذا النتاج الكبير والمتنوع، كذلك نجد اهتمامًا ببعض المساحات المتجاهلة ضمن الاستشراق الكلاسيكي؛ مثل التفسير الشفهي، والتفسير الفلسفي، كما لا يفوت بطبيعة الحال الاهتمام بالقراءات الحداثية المعاصرة للقرآن، وكذا القراءات النسوية لتاريخ التفسير والتي يهتم بها كثيرٌ من الباحثين الغربيين.

ونحن في هذا الملف نحاول إلقاء الضوء على الاهتمام الغربي المعاصر بالتفسير الإسلامي بتعدّد مساحاته، وسنركّز اهتمامنا في تلك المساحات التي تفيد الدارس العربي من الناحية المنهجية، فنقدّم عددًا من الترجمات التي تتعلّق بمعالجة قضايا مهمّة ومركزية في التفسير[3]؛ مثل مناهج التفسير، والتي سنطرح فيها مادة لـ(ماريانا كلار) حول: «منهجية الطبري في التفسير والتاريخ والفارق بينهما»، وتاريخ التفسير وتاريخ نشر مدوناته وإشكال تصنيفه، والذي سنقدّم فيه مقالة لـ(وليد صالح) حول: «تاريخ التفسير»، وكذلك الصلة بين التفسير والعلوم الأخرى، والتي سنقدم بشأنها عرضين لكتابي: «التفسير في تاريخ الفكر الإسلامي، تحرير يوهانا بينك، وأندرياس جورك»، و«تفسير القرآن، تحرير مصطفى شاه».

كما سنهتم في هذا الملف بطرح ترجمات تتعلّق بدراسة جوانب من تاريخ التفاسير التقليدية والعلاقة بين هذه التفاسير، وبين منهجياتها؛ فنقدِّم في هذا السياق دراستين لـ(يونس ميرزا) حول «ابن تيمية وابن كثير وموقعهما والعلاقات بينهما ضمن تاريخ التفسير التقليدي»، ودراسة لـ(أولريكا مارتنسون) حول «منهجيات التفسير الكلاسيكية من منظور الهرمنيوطيقا المعاصرة»، وعرض لكتاب «نشأة التفسير الكلاسيكي، تفسير الثعلبي، وليد صالح».

 كما سنسلط الضوء على العلاقة بين بعض القراءات المعاصرة للقرآن وبين جوانب من التراث التفسيري، فنقدّم في هذا السياق دراسة لـ(كامبانيني) حول «التفسير الفلسفي»، ومقالة صغيرة لـ(مير) حول: «تفسير إصلاحي والفراهي للآية الرابعة من سورة التحريم».

ونحن نأمل أن يكون في نشر هذه الترجمات ما يفيد في إثارة عدد من الأسئلة المنهجية في علم التفسير، والتي يفيد تداولها بين الدارسين في فتح أفق البحث في القضايا المركزية لهذا العلم الشريف، كما أننا حرصنا على أن تكون هذه الترجمات قائمة على التنويع نفسِه المقرَّر في دليل السياسات الخاصّ بقسم الترجمات[4]؛ حيث راعينا انتماءها إلى تقاليد استشراقية متنوعة: إنجليزية، وفرنسية، وألمانية؛ بل وأحيانًا خارج هذه التقاليد الثلاثة الشهيرة، كما راعينا أن تكون متنوّعة من حيث منطلقات وخلفيات كُتّابها.

ونحن نَجْري هنا في نشر المواد قيد هذا الملف على القواعد نفسِها التي أرسيناها قَبْلُ[5]؛ حيث نقدِّم كلَّ ترجمة بمقدّمة توضّح أهمية المادة، وتُلْقِي ضوءًا على فكرتها المركزية، ونضمّنها حواشي مُعرِّفة بالأعلام والمذاهب والكتُب الواردة في النصوص، وخصوصًا ذات الصلة بالقرآن الكريم وعلومه، كما سيجد قارِئُنا الكريم عددًا من التعليقات على بعض الآراء التي وجدنا فيها إغراقًا في البُعد عن العِلْميّة.

 

[1] ترجمنا عرضًا لهذا الكتاب، كتبه: وليم شيبرد، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، منشور ضمن الترجمات المنوّعة على قسم الاستشراق بموقع تفسير.

[2] ترجمنا عرضًا لهذا الكتاب، كتبته: أولريكا مارتنسون، ترجمة: هدى عبد الرحمن النمر، منشور ضمن الترجمات المنوّعة على قسم الاستشراق بموقع تفسير.

[3] جدير بالنظر أنّ الموقع عقد مؤخرًا ملفًّا حول إشكالات علم التفسير، ونشر فيه جملة من الكتابات المهمّة في تثوير النظر للإشكالات العلمية للتفسير بصورة خاصّة، ونحن وإن كنا هاهنا لا نركّز على ذات الهدف في مواد الملف، إلا أن طرح هذا الملف وتقديم بعض المواد التي تبرز جوانب منوّعة من معالجة أمور التفسير في الواقع الغربي والاستشراقي له إفادته في إثراء النظر وإذكائه حول التفسير بصورة عامة ومتابعة نقاش قضاياه.

[4] يراجَع على القسم هنا مقالة: «قسم الترجمات؛ الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات»، على هذا الرابط: tafsir.net/translation/3.

[5] يراجَع مقالة: «قسم الترجمات؛ الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات».

المؤلف

إعداد/ قسم الترجمات بموقع تفسير

مسئولو قسم الترجمات بموقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))