الاتجاه الاجتماعي في التفسير، ودوره في تأصيل العلوم الاجتماعية
الاتجاه الاجتماعي في التفسير، ودوره في تأصيل العلوم الاجتماعية[1]
مدخل:
في تراثنا الإسلامي ملاحظة بارزة وقوية، وهي مركزيّة القرآن الكريم ومحوريّته في كلّ ما أنتجته الأمّة من علوم ومعارف، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، وهذا ما جعل الدكتور مصطفى الصاوي الجويني يقول: «ويهول الدارس أن يجد تراثًا ضخمًا يتجه كلّه إلى خدمة النص القرآني». وهذا الموقع هو فرع من أصل، فوجود الأمّة ثمرة من ثمار القرآن؛ ولذلك سُمِّيت أمّة القرآن، فهو رُوحها، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}[الشورى: 52]، وحياة الأمّة بالقرآن لا بغيره، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام: 122]. والأمّة في محاولتها استعادة دورها ورسالتها تتجه إلى القرآن ثانية، وهذا أكبر مؤشّر على الرشد.
ولا يضير هذه العودةَ إلى القرآن في شيء المحاولاتُ البئيسة التي تهدف إلى صرف الناس عن القرآن، وإن قدَّمت نفسها للناس على أنها تهدف إلى خدمة القرآن؛ فما أكثر المشاريع التي لا تزينها الشعارات البراقة من مثل: إعادة قراءة القرآن، أو المعنى الضائع في القرآن، أو غير ذلك من الأوهام. ولقد قالها فرعون من قبل، كما قال تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: 29]، ولكن الله أخبر فقال عزَّ من قائل: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}[طه: 79].
ومن ميزات هذه الندوة أنها تهدف إلى إعادة الأمور إلى نصابها، وذلك حين يكون الموضوع هو العلوم الإنسانية والاجتماعية من منظور إسلامي؛ ذلك لأن النظر يتعدّد بتعدّد الناظر والمنظور، فيَسْلَم بسلامة الناظر والمنظور، ويضعف بضعف الناظر والمنظور.
هذه الندوة نقول من خلالها: إنّ العلوم الإنسانية والاجتماعية قد حكَمتها البيئة التي أنتجتها، وفيها من العلمية بقدر ما تسمح به البيئة التي أنتجتها والمنظور الذي يحكمها، وإذا مثَّلنا بعلم الاجتماع من بين العلوم الاجتماعية فــ«إنّ المشكلة التي يعاني منها علم الاجتماع لم تصبه وحده فقط، ولكنها تتعداه لتُصيب جميعَ العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتصيب بمقدار قليل العلومَ الطبيعية، وهي مرتبطة ارتباطًا أساسيًّا بالنشأة الحديثة لهذه العلوم وبالتكوين العلمي والفكري لرواد هذه العلوم، فجميع العلوم سواء الاجتماعية أو الإنسانية عبارة عن مجموعة من المعلومات المنظَّمة والمنسَّقة وفقًا للأفكار والمعتقدات والمظهر والظروف الاجتماعية والخبرات الفردية والجماعية لمواضعيها وخبراتها، فقد نظَّم الغربيُّون ونسَّقوا علومهم تحت ضغط احتياجاتهم الفكرية والعلمية والأيديولوجية؛ لذلك جاءت هذه العلوم محملة بتصورات الغربيِّين ومبادئهم».
ثم إن أكثر الذي انتشر من ذلك في العالم الإسلامي لم يخرج عن هذا الإطار؛ إِذْ «يتفق علماء الاجتماع المعاصرون على أنّ علم الاجتماع في العالم الإسلامي يسير على خطى علم الاجتماع في الغرب حذو القُذَّة بالقُذَّة؛ فالنظريات والمناهج الغربية -بل في أحيان كثيرة اللغة الغَرْبية- هي ما يُجيده علماء الاجتماع في العالم الإسلامي، ويعتبر هذا الأمر طبيعيًّا في مناخ تسوده التّــبَعِيَّة المُطلَقة للغرب، التي انتظمت كلّ المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية».
ولسائل أن يسأل: كيف جرى ما جرى؟ وحينها: «لا بد من الاعتراف أن كثيرًا من شُعَب المعرفة قد توقفت في حياة المسلمين منذ زمنٍ بعيدٍ، ونخصّ بالذِّكر هنا شُعَب المعرفة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، الأمر الذي لم نُلقِ له بالًا بعدُ، ونظن أنّ التخلّف والتوقف منحصر في العلوم التجريبية المادية فقط، مع أنَّ أمر التوقف في العلوم الاجتماعية والإنسانية هو الخطر؛ ذلك أن التخلف في تلك العلوم هو سبب التخلف في العلوم المادية».
وعليه فالحاجة ماسّة إلى علوم اجتماعية من منظور إسلامي، أو قُل إن شئت: علوم اجتماعية تسترشد بالوحي الخاتم الذي لا يزال غضًّا طريًّا كما أُنزِل قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: 9]، إنه القرآن الكريم الذي أَنزله الله على خاتم رسله، وجعل من أهمّ خصائصه إلى جانب الحفظ أنه مصدِّق لِمَا سبَقه ومهيمِن عليه، قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة: 48]، وهو بذلك حجة على غيره، وما عداه مفتقر إليه. إِنّ القرآن جاء: «مصدِّقًا للكتب السابقة في أصولها السماوية ومعيارًا مصوِّبًا لِمَا داخَلها من التحريف والتبديل فكان الإيمان بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- إيمانًا بالنبوّة كلّها عبر تاريخ البشرية الطويل».
وهنا ينشأ السؤال التالي: هل يمكن لهذه العودة أن تنطلق من القرآن دون أن تنتفع بما كتبه أهل التفسير؟ هل يمكن تجاوز كلّ ما قاله المفسرون بدعوى الاتصال المباشر بالقرآن ورفع الحواجز التي تحول بين الناس وبين هذا الكتاب؟ إنّ مِثل هذه الدعوات، رغم كلّ الشبهات التي يمكن أن تتقوى بها، تضرب في العمق مبدأ تكامل العلوم، إننا في كلّ عمل علمي نحتاج إلى معرفة ما قاله أهل الاختصاص في الأمر المبحوث عنه، وهو المبدأ الذي يرشد إليه قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النحل: 43]، وكلّ أهل اختصاص هو أهل الذِّكر فيه، وأيّ تأصيل لأيّ شيء من القرآن يتجاوز أهل التفسير هو تجاوز لأهل الذِّكر في التفسير وهم علماء التفسير، إلا أنّ الدعوة إلى الانتفاع بجهود علماء التفسير لا تعني أبدًا التقيُّد بما قالوه، ثم إنّ علماء التفسير قد استفادوا من علوم عديدة وهم فيها عالة على غيرهم، فيجب بالمقابل أن تُحفظ رتبتهم ومنزلتهم في أيّ بحث له صلة بالقرآن الكريم ما داموا أشدّ الناس التصاقًا بالقرآن.
فإذا سلَّمنا بأنّ الذي لا يزال يمنحنا الإمكان الحضاري والقدرة على إحداث النقلة النوعية هو القرآن الكريم، ما دامت قوة الأمّة في حفظ مرجعيتها، فإنّ المدخل الأساسي لتلك التعاليم هو علم التفسير، فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال القول بدعوى الاتصال المباشر بالكتاب دون الحاجة إلى العودة إلى أقوال أهل التفسير؛ لأن النتيجة المترتبة على ذلك هي الوقوع في الطامّات الدالة على الجهل التامّ بتراث الأمّة الذي راكمته في صِلَتها بالقرآن والسُّنة.
من أجل ذلك كانت هذه الورقة للحديث عن اتجاه في التفسير وجب الانتفاع باستنتاجاته في أيّ تأصيل للعلوم الاجتماعية من منظور إسلامي.
تعريف العلوم الاجتماعية ومظانها في القرآن:
تعرف العلوم الاجتماعية بأنها المناهج العلمية التي تدرس أصول نشأة المجتمعات البشرية والمؤسّسات ومختلف العلاقات والروابط الاجتماعية وكذا المبادئ المؤسّسة للحياة الاجتماعية؛ وتشمل العلوم الاجتماعية علم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والاقتصاد، والتاريخ، والقانون، وعلم الإجرام، وعلم النفس الاجتماعي، والأنتروبولوجيا، ... إلخ.
والمتأمِّل في القرآن الكريم يجد مساحة واسعة ذات الصلة بهذه العلوم، وإلى هذا المعنى يشير عماد الدين خليل في حديثه عن التاريخ مثلًا من بين العلوم الاجتماعية، فيقول: «إنّ ثمّة حقيقة أساسية تبرز واضحة في القرآن الكريم، تلك هي أنّ مساحة كبيرة في سوره وآياته قد خصصت المسألة التاريخية التي تأخذ أبعادًا واتجاهات مختلفة، وتتدرج بين العرض المباشر والسرد القصصي الواقعي لتجارب عدد من المجتمعات البشرية، وبين استخلاص يتميّز بالتركيز والكثافة للسنن التاريخية التي تحكم حركة الجماعات عبر الزمان والمكان، مرورًا بمواقف الإنسان المغايرة من الطبيعة والعالم، وبالصيغ الحضارية التي لا حصر لها... وتبلغ هذه المسألة حدًّا من الثقل والاتساع في القرآن الكريم بحيث إنّ جُلّ سوره لا تكاد تخلو من عرض لواقعة تاريخية، أو إشارة سريعة لحدثٍ ما، أو تأكيد على قانون أو سنة تتشكل بموجبها حركة التاريخ».
«وإذا ما أضفنا إلى المساحة التاريخية الواسعة في القرآن مسألة أخرى ترتبط بالتاريخ ارتباطًا عضويًّا؛ لأنها ملامسة وتعقيب وتعليق وإعادة صياغة وتوجيه لحشد من الوقائع التاريخية، تلك الآيات القرآنية التي يحدثنا عنها المفسرون في موضوع أسباب النزول، والتي جاءت في أعقاب عددٍ كبيرٍ من أحداث السيرة لكي تعلِّق وتفنِّد وتلامس وتبني وتوجِّه وتصوغ، انطلاقًا من هذه الأحداث التي لم تبرد دماؤها بعدُ، سواء على مسرح الأرض أم في حسّ الجماعة والإنسان المسلم... إذا ما أضفنا هذه الآيات المنبثَّة في ثنايا القرآن، والتي تختصّ بها أحيانًا مقاطع طويلة وسور كاملة استطعنا أن نتبيّن أكثر فأكثر أبعاد المساحات الشاملة التي منحها القرآن الكريم للمسألة التاريخية، «أيّ سورة قرأت، أيّ صفحة شاهدت، طالعتك هذه العروض والإشارات المسهبة أو الموجزة إلى مواقف تاريخية».
ويشكِّل القصص القرآني أبرز مساحة تاريخية اجتماعية، وهذا ما جعل أحد الباحثين يشبهه بالمختبرات البشرية يقول: «إنّ ما ورد في القصص القرآني، يشكِّل مختبرات بشرية خالدة مجردة عن حدود الزمان والمكان من الناحية الاجتماعية، كما يشكّل منجمًا لاغتراف الثقافة الاجتماعية والعلوم الاجتماعية...».
وبنحو ذلك تحدّث عمر عبيد حسنة عن القصص القرآني بأن القرآن جعل منه «المختبر البشري التاريخي لصِدقِيَّة ويقينيَّة واطِّراد القوانين والسّنن الاجتماعية التي أكّدها القرآن وأوقف عليها الأمّة الخاتمة؛ لتتبين قوانين السقوط والنهوض، وتأخذ العبرة والعظة، وتتحقق الوقاية الحضارية مهتدية بقوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 137، 138].
إنّ نصوص الوحي المعصومة تحدّثت عن مجتمع الأنبياء والعوامل النفسية والمادية على شكلِ معادلات اجتماعية أشبه ما تكون بمعادلات العلوم المادية، بل لقد تجاوزت الحقائق اليقينية التي تترتب على المقدمات في العلوم المادية إلى الكلام عن العواقب والمآلات التي سوف تنتهي إليها المجتمعات التي تتحكم فيها بعض العادات والممارسات الـمُفضِيَة إلى الهلاك.
إنّ طلب السير في الأرض والنظر في العواقب والمآلات جعله النصّ الإلهي من الفروض الكفائية التي تُفْضِي إلى التّبَيُّن والتبصُّر والاهتداء إلى السنن الاجتماعية في السقوط والنهوض، واختزال التاريخ الإنساني وتحقيق الاعتبار وإضافته إلى عمر الأمة المسلمة وتجربتها؛ لتحقق بذلك الوقاية الحضارية وتتّعظ بأحوال السابقين».
الخلاصة هي أن المادة الاجتماعية في القرآن الكريم واسعة ومظانها كثيرة، ونشير هنا بإجمال إلى بعضها:
1- آيات الأحكام الاعتقادية التي تشكِّل المرجع والمؤطِّر العَقدي للفكر والعمل، وتبيِّن العلاقة التي تربط العقيدة بنوازع الإنسان إلى الفعل، وإلى أيّ حدّ يكون السلوك اعتقاديًّا وتكون العقائد سلوكية، وتكشف عن مدى تبعيّة الموقفَين: العملي، والفكري. للموقف العقدي وعن كونهما الواقع الحركي المجسّد للعقيدة، وتمكننا فيما بعد من تسليط الضوء على الوظيفة الاجتماعية للعقيدة، ومعرفة الوجه الذي تكون به الإرادة الحضارية طوعًا لها.
2- آيات الأحكام الشرعية العملية التي هي أشبه ما تكون بوصفات الحِمْيَة والأدوية المتوفرة لكلّ الأدواء الممكنة الوقوع، والحالات التي قد يكون عليها المريض، فهي من جهة تسهر على وقاية النظام الاجتماعي من السقوط في براثين الأوحال الحضارية، ومن جهة أخرى توفّر في حالة تعثّره أو سقوطه العلاجات المناسبة.
3- الآداب والأخلاق الاجتماعية المُثلَى والتخلُّقات الحسنة التي ينبغي احتذاؤها في جانب المعاملات، وهو جانب يمنح للإنسان قاعدة صلبة تمكنه من الانطلاق بقوة إلى اتخاذ المواقف الصحيحة في الحياة الاجتماعية على اختلاف وتنوّع مظاهرها، ويتعلق الأمر أيضًا بما تنطوي عليه العديد من الآيات من فوائد عمليّة تدلّ عليها المعاني التبعية التي أودعها الله فيها.
4- الأمثال والقصص التي تضمنت «نماذج لنهوض الأمم وعلّلَتْ أسباب النهوض، وقدَّمت نماذج لعوارضه وأمراضه، وبيَّنت طريق السقوط، والانقراض الحضاري، وقدَّمت نماذج للطغيان والظلم السياسي، وطرق حماية المسلم من السقوط على أقدام الظَّلَمَة، وبينت مآل هذا السقوط وعواقبه، وقدَّمت نماذج للظلم والطغيان الاجتماعي، والمصير الذي انتهى إليه؛ قدَّمت نماذج للترَف والبَطَر، والكِبْر، وسائر الأمراض والأوبئة الاجتماعية المُؤْذِنة بالخراب والتدمير».
وإذا تساءلنا مَن المؤهَّل للكشف عن كلّ هذا؟ سيكون الجواب: الاتجاه الاجتماعي في التفسير. ولكن بالمقابل لا يمكن أن ينخرط فيه إلَّا مَن له إلمامٌ واهتمام بالعلوم الاجتماعية؛ ليلتقط الإشارات المبثوثة في النصّ القرآني، لكن دون أن يكون أسيرًا لهذه العلوم الاجتماعية، وإلَّا صار عمله بحثًا عن الشواهد والأدلة لِمَا قاله الناس.
الاتجاه الاجتماعي في التفسير:
يشهد الاتجاه الاجتماعي في التفسير على تطوّر علم التفسير، الذي يشهد هو الآخر لربَّانية القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يبلَى على كثرة الردّ. لا يمكن أن يستوعب كلَّ معانيه جيلٌ مهما كان، يقول الدكتور محسن عبد الحميد: «من المحال على البشرية أن تفهم كمالات القرآن الكريم في نواحي الوجود كلّها في عصر واحد، إِذْ إن باستطاعة كلّ عصر أن يضيف إلى تفسير الآيات المتعلقة بتلك الموضوعات مما يستجِدُّ أمامه من العلوم والمعارف»، والمتتبع لتطور التفسير يلحظ بِيُسْرٍ مدى الاستجابة لحاجات المجتمع بحيث يمكن عدّ اتجاهات التفسير ترجمةً لأسئلةٍ ثقافية وفكرية تشغل المجتمع، بحيث يكون عمل المفسّر شاهدًا على مختلف اهتمامات المجتمع وانشغالاته، إلا أن الأمر يتفاوت قوة وضعفًا بحسب درجة ارتباط المجتمع بالقرآن، وعلى قدر تلك الدرجة يكون ارتباط التفسير بالمجتمع، وقوة هذا الاتجاه أو ذاك من اتجاهات التفسير من أكبر عناصرها مدى الارتباط بالمجتمع وبقضاياه.
ثم إن تعريف التفسير كما هو متداول عند أكثر علماء التفسير يتّسع لهذا الإثراء، وهذا من أهمّ ما ينبغي أن يُحمد لعلمائنا حين وضعوا تعاريف مَرِنة تعبِّر حقيقةً عن تصورهم لعلم التفسير، مما يجعل المطلوب هو التفعيل بمنطق الاستمرارية عوض التعطيل بوهم القطيعة. شتان بين أن ينطلق الباحث من أنه يراكم في عملية التفسير، وبين أن ينطلق أنه يؤسّس في أمرٍ تجاوز التأسيس.
فعِلْمُ التفسير -كما هو في الاصطلاح- يتّسع ليشمل الاتجاه الاجتماعي في التفسير ما دام المدار في تعريف التفسير على الكشف عن مراد الله تعالى، فقد ذكر صاحب البرهان أنّ «التفسير: علم يُفهم به كتاب الله المنـزل على نبيه محمد، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه»، وعرَّف الأصبهاني التفسير بقوله: «اعلم أن التفسير في عُرف العلماء: كَشْف معاني القرآن، وبيان المراد أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره، وبحسب المعنى الظاهر وبغيره». وإذا تأملنا تعريف العلماء للتفسير وجدناه مداره على بيان المراد من كلام الله سبحانه، وبهذا المعنى يمكن أن نعدّ كلّ ما يمكن أن يحصل به هذا البيان تفسيرًا.
ومن أهمّ مبررات قيام اتجاه اجتماعي للتفسير -كما تقدَّم- المساحة الواسعة التي تغطيها القضايا الاجتماعية والأحكام التي تضبطها في القرآن الكريم، ويلحق بذلك الأمثال والقصص والسنن وغيرها، مما يشكّل منجمًا زاخرًا بالمعارف الاجتماعية من شأنه أن يفتح ميدانًا واسعًا للتفكير الاجتماعي في القرآن الكريم.
حين نبحث هذا المجال في القرآن الكريم نقف على آفاق واسعة تكشف عن نواميس الاجتماع الثابتة وسننه المطردة، ومعرفة الأصول التي تقوم عليها الجماعات والوسائل التي تحفظ وجودها وتضمن ارتقاءها، أو تَفْصِم عُرَى ترابطها، على الوجه الذي بيَّنه القرآن الكريم، وقد تمكننا أيضًا من معرفة منهج القرآن في تطوير المجتمع واستئصال آفاته، والمبرّر لذلك كلّه كون القرآن لصيقًا بالظاهرة الإنسانية والاجتماعية؛ إذ القرآن في مجمله إما حديث عن الإنسان أو حديث إليه.
ومن بين ما حجب القرآن عن الناس في بُعده الاجتماعي هيمنة النظرة الفقهية بمعناها الضيّق. إنّ المساحة التشريعية في القرآن مساحة مقدّرة لكنها ليست كلّ المساحة، ومن ثم صار من اللازم الكشف عن مواطن وآفاق وأبعاد الرؤية القرآنية في المسائل الاجتماعية، وكذا عن السنن والقوانين الموصلة إلى إدراك مقوِّمات التسخير التي تحقق عمارة الأرض وتمكِّن من القيام بأعباء الاستخلاف، وهذه كلّها عناصر تخصّ بناء الإنسان كمَحَلٍّ للأحكام الشرعية التي جاءت ثمرة لوجوده؛ ومن أجل الكشف عن مواطن الرؤية القرآنية في المسائل الاجتماعية كان الاتجاه الاجتماعي في التفسير.
ويمتاز تناول القرآن للقضايا الاجتماعية بكلّ ما تمتاز به منهجيته الفريدة التي تتسم بالدّقة والشمولية؛ ففي القرآن أمرٌ بالتفكّر في أحوال المجتمعات البشرية، وفيه أيضًا حديث عن كثير من السنن الاجتماعية، وفي القرآن أيضًا أمثلة تتحدّث عن أشكال متعددة للمجتمعات البشرية، فيكون قد اجتمع لنا بذلك الأمرُ بالبحث في المجال الاجتماعي، والإرشادُ إلى سننه الضابطة، ثم تقديمُ تصنيفٍ بشأن المجتمعات البشرية.
الاتجاه الاجتماعي في التفسير بين مناهج التفسير:
لقد تناول أغلبُ المؤرِّخين للتفسير ولمناهجه الاتجاهَ الاجتماعي، وإنْ تفاوَتَ تقديرهم له؛ فقد اختلفوا في تسميته بين مَنْ نظر إليه باعتباره منهجًا مستقلًّا، وبين مَن قرَنه بالاتجاه الأدبي، كما في الدراسة القيِّمة لمناهج التفسير التي أعدَّها الدكتور محمد حسين الذهبي، فقد وجدناه يقرنه بالأدب ويسمِّيه (اللون الأدبي الاجتماعي) في كتابه: التفسير والمفسرون، ويعرف المدرسة من خلال وظائفها: «إنّ هذه المدرسة نهجت بالتفسير منهجًا أدبيًّا اجتماعيًّا، فكشفت عن بلاغة القرآن وإعجازه وأوضحت معانيه ومراميه، وأظهرت ما فيه من سنن الكون الأعظم ونُظُم الاجتماع، وعالجت مشاكل الأمّة الإسلامية خاصّة ومشاكل الأمم عامّة، بما أرشد إليه القرآن من هداية وتعاليم جمعَتْ بين خيري الدنيا والآخرة، ووفّقَتْ بين القرآن وما أثبته العلم من نظريات صحيحة، وَجَلَّتْ للناس أنّ القرآن هو كتاب الله الخالد». أما روّاد هذا الاتجاه عند الذهبي فهم: الشيخ محمد عبده، والسيد محمد رشيد رضا، والشيخ محمد مصطفى المراغي.
ولعلّ عن الذهبي أخَذ نَفْسَ الاصطلاح عبدُ القادر محمد صالح في كتابه: (التفسير والمفسرون في العصر الحديث)، فسمّاه (التفسير الأدبي الاجتماعي). أما النماذج فتكاد تكون هي نفسها، أي: الشيخ محمد عبده، ورشيد رضا من خلال تفسير المنار، ثم مصطفى المراغي من خلال تفسيره، وألْحَقَ بهم سيد قطب وكتابه (في ظلال القرآن). وأظنّ أن إلحاق (في ظلال القرآن) إنما بسبب الجمع بين الاتجاه الأدبي والاتجاه الاجتماعي.
ومِن بين مَن لم ينظر إليه باعتباره اتجاهًا مستقلًّا نجد فهد الرومي، فهو عنده يتكامل مع ما عُرف بالمدرسة العقلية، وهكذا وجدناه يتحدث عنه تحت عنوانٍ كبيرٍ هو: «المدرسة العقلية الاجتماعية الحديثة في التفسير»، وذلك في كتابه: (اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر).
وبالمقابل وجدنا الدكتور محسن عبد الحميد يتحدّث عن هذا الاتجاه باستقلال، وبأنّ الذي أرسى دعائمه هو الأفغاني في (العُروة الوُثقى)، وكان الموجِّهَ الأساس لتفسير المنار الذي يمثِّل بنظَرِهِ جهودَ الأعلام الثلاثة: الأفغاني، عبده، رشيد. ويجعل من أهمّ معالمه: «بيان سنن الله في الخلق، ونظام الاجتماع البشري، وأسباب ترقِّي الأمم وتدلِّيها وقوَّتها وضعفها». وينسب للسيد رشيد رضا أنه يؤاخذ المفسرين لغفلتِهِم عن سنن الله في الوجود، وعدمِ استنباطهم القواعد الاجتماعية من القرآن الكريم.
ويجعل الدكتور محسن عبد الحميد العمل الذي قام به رشيد رضا من أهمّ ما استند عليه الاطلاع على تواريخ الأمم وقواعد العمران ونواميس الحياة والاستفادة من الدراسات الانسانية الحديثة.
وممن اصطلح على هذا الاتجاه (الاتجاه الاجتماعي في التفسير) الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في كتابه (تعريف الدارسين بمناهج المفسرين)، وجعله من بين اتجاهات التفسير في العصر الحديث، وقد عرّفه بوظيفته بقوله: «يركِّز صاحب التفسيرِ ذي الاتجاه الاجتماعي على مجتمعات المسلمين، ويحرص على إصلاح تلك المجتمعات على أساس القرآن، ويعالج أمراض ومشكلات المجتمع المختلفة، ويقدّم السنن الاجتماعية الكفيلة بِرُقِيّ المجتمعات وتقدُّمها».
أما عن أعلام هذا الاتجاه فتكاد الأسماء تكون هي نفسها، وذلك عند قوله: «وأشهر التفاسير التي بدا فيها الاتجاه الاجتماعي واضحًا تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا، وتفسير المراغي، والتفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي».
وفي كتابه الفكر الديني في مواجهة العصر يشير الدكتور محمد عفت الشرقاوي لهذا الاتجاه، ويجعل من أهمّ وظائفه المحاولة الجادة لتجديد المفهوم الاجتماعي للدين، يقول: «أما ما يجب أن نسجِّله هنا بإعجابٍ فهو بَعْثهم للمفهوم الاجتماعي للدين».
وواضح من خلال هذا الاستعراض أنّ المجال لا يزال خصبًا، وما تزال الدراسات فيه محدودة، مع ضرورة التنبيه على أن الأمثلة التي ذكرتُ لا ينبغي أن تنفِي عن باقي المفسرين الاهتمامَ بالجوانب الاجتماعية، خاصّة الأقدمِين والمفسرين الأوائل. وإلى هذا المعنى يشير الدكتور محمد عفت الشرقاوي حين يقول: «ينبغي أن نسجِّل هنا حقيقة لها أهميتها في هذا الصدد، ذلك أنّ كثيرًا من نشاط المفسرين في توضيح الجانب الاجتماعي من الفكرة القرآنية إنما كان في الحقيقة استمدادًا من أعمال المفسرين السابقين في كثير من الأحيان».
ولا تفوتني الإشارة هنا إلى أنّ هذا الاتجاه هو موضوع رسالة دبلوم الدراسات العليا للأستاذة سلمى تليلاني تحت عنوان: (النزعة الإصلاحية الحديثة وأثرها في التفسير؛ دراسة في الاتجاه الاجتماعي للتفسير)، كما كان موضوع أطروحة دكتوراه للأستاذ محمد السيسي بكلّية الآداب بمكناس، وقد كان بعنوان: (الاتجاه الاجتماعي في التفسير في العصر الحديث).
صلة الاتجاه الاجتماعي في التفسير بالعلوم الاجتماعية:
إنّ العلوم التي تُشْتَرَط في المفسِّر تتعدّد وتتنوع بحسب الاتجاه التفسيري؛ فحين نتحدث عن التفسير الفقهي يبرز الفقه وأصوله من أهمّ العلوم التي يحتاجها المفسِّر، وحين يكون التفسير لغويًّا تكون علوم النحو والبلاغة ونحوهما من أهم العلوم، وهكذا تتنوّع العلوم التي يحتاجها المفسّر وتتعدّد بحسب الاتجاه الذي يتّجهه المفسر، كما يمكن التمييز بين مستوى من العلوم يجب في كلّ اتجاهات التفسير ومدارسه وبين مستوى متخصّص في علوم معيّنة بحسب الاتجاه.
فلا نتصور تقدُّمًا للاتجاه الاجتماعي في التفسير دون الإحاطة بما تعرف هذه العلوم من توسّع وثورة حقيقية، إلا إنّ الاستفادة من هذه العلوم لا يمكن أن تتم إلا وفق ضوابط تُمَــيِّز في المضامين بين المستويات الثلاثة المشهورة:
المستوى الأول: ما يتوافق توافقًا بيِّنًا مع ما دلَّ عليه الوحي: وهذا الذي لا مانع من الاستفادة منه، وهو الذي يكشف عن المساحات المشتركة.
المستوى الثاني: وهو ما يتعارض تعارضًا بيِّنًا: وهذا الذي ينبغي ردُّه وإبطاله، ونوسّع بذلك دائرة النقد والتسديد للفكر البشري.
المستوى الثالث:وهو الذي لم يترجّح فيه شيء: وهو الذي يكون مجالَ البحث والتناظر ليترجح الموقف السليم منه.
ثم لا بد أن نخرج من دائرةِ أن نكون مع أو ضدّ، إلى مستوى الإبداع والمبادرة واستعادة دور الريادة في هذه العلوم.
خلاصة:
ليس الاتجاه الاجتماعي في التفسير إخضاعًا للقرآن الكريم للنظريات الاجتماعية الغربية، وليس مجرد نقل لنتائج الدراسات الاجتماعية وترديد لها، كما أنه ليس توفيقًا بين ما جاء في القرآن الكريم مِن أحكام اجتماعية وبين معطيات العلوم الاجتماعية. إنه يهدف إلى دراسة المساحة الاجتماعية بالقرآن مستعينًا بكلّ ما يخدم هذا الهدف دون أن يكون أسيرًا لشيء من ذلك.
ولأن هذا الاتجاه ليس بالقوة المرجوّة فإننا نعيد السؤال الكبير مع الأستاذ عمر عبيد حسنة: كيف نتعامل مع القرآن ليكون مصدرًا للعلوم الاجتماعية؟ كيف يمكن تأسيس أو الوصول إلى عصر تدوين للعلوم الاجتماعية من خلال القرآن الذي يعدُّ مصدرَ هذه العلوم بالدرجة الأُولى؟
المشكلة اليوم أن تبقَى الدراساتُ ضامرةً بل متخلِّفةً في العلومِ الاجتماعية، وعدمِ قدرتنا على اكتشاف مواطن وآفاق وأبعاد الرؤية القرآنية في العلوم الاجتماعية... لقد تقدَّمْنا في العلوم الشرعية، وتوقَّفْنا في علوم الإنسان: (العلوم الاجتماعية).
وقد كان جواب الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: «الأمر هامٌّ ويجب أن تقوم به جامعات إسلامية الآن، ويجب أن تختار هذه الجامعات رجالًا لهم خبرة بالعلوم الأجنبية، وفي الوقت نفسه لهم اطلاع على التراث الإسلامي، ومعهم بعض الذين لهم خبرات ودراسات قرآنية معمقة، كفريق عمل».
وقد تكون جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بفرجينيا قد تَحقَّق فيها شيء من ذلك «فقد اجتمعَتْ كلمةُ نفَرٍ من علماء الإسلاميات والاجتماعيات في الولايات المتحدة وخارجها على ضرورة تعضيد أطروحات التعارف والتفاهم والحوار...».
أما في جامعاتنا فلا يزال هذا المسعى ينتظر الإرادات التي تحوِّل الأفكار إلى مشاريع عمل. وقد كان الإصلاح الجامعي فرصة لبلورة مشاريع تمد الجسور بين الحقول المعرفية، وتخترق الحدود الوهمية بين مختلف الشُّعَب والمسالك، لكن الأمر سار في اتجاه مزيد من التحصين للحواجز، وإننا سنظلّ نتطلع إلى اليوم الذي يقتنع فيه الجميع بحوار علمي وتعارف إنساني وتفاهم معرفي؛ بُغية تحقيق غاية خالِق الإنسان مِن خَلْق الإنسان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]. صدق الله العظيم[2].
[1] نُشرت هذه المقالة بملتقى أهل التفسير بتاريخ 16/ 2/ 1429هـ - 23/ 2/ 2008م، وأصلها ورقة تقدَّم بها الكاتب في ندوة علمية حول العلوم الاجتماعية والإنسانية من المنظور الإسلامي. (موقع تفسير).
[2] لائحة بأهمِّ المصادر والمراجع:
• اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، الدكتور فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي، الطبعة الأولى، 1407هـ- 1986م.
• تطور تفسير القرآن قراءة جديدة، الدكتور محسن عبد الحميد، ضمن منشورات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، سلسلة بيت الحكمة، رقم 5.
• تعريف الدارسين بمناهج المفسرين، الدكتور عبد الفتاح الخالدي، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى، 1423هـ- 2002م.
• التفسير الإسلامي للتاريخ، الدكتور عماد الدين خليل، منشورات مكتبة تموز، الطبعة الرابعة، 1986م.
• التفسير والمفسرون في العصر الحديث، عبد القادر محمد صالح، دار المعرفة بيروت، الطبعة الأولى، 1424هـ- 2003م.
• التفسير والمفسرون، الدكتور محمد حسين الذهبي، دار القلم بيروت، الطبعة الأولى.
• دراسات في أصول تفسير القرآن، الدكتور محسن عبد الحميد، دار الثقافة الرباط، الطبعة الثانية، 1404هـ- 1984م.
• الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع؛ الدواعي والإمكان، الأستاذ منصور زويد المطيري، ضمن سلسلة كتاب الأمة، رقم 33 ربيع الأول 1413هـ.
• الفكر الديني في مواجهة العصر، الدكتور محمد عفت الشرقاوي، دار العودة، بيروت الطبعة الثانية، 1979م.
• القرآن الكريم روح الأمة الإسلامية، الدكتور الشاهد البوشيخي، منشورات المحجة الطبعة الأولى، 1422هـ- 2001م.
• كيف نتعامل مع القرآن، محمد الغزالي، في مُدَارسة أجراها الأستاذ عمر عبيد حسنة، من منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي ضمن سلسلة قضايا الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1412هـ- 1992م.