مريم في القرآن
قراءة في نبوّة السيدة مريم
تهتم كثير من الكتابات الغربيّة المعاصرة بشخصية السيدة مريم من أكثر من منظور؛ من منظور الصِّلَة بين المسيحية والإسلام، وكذلك من منظور المشاغل النسوية المعاصرة ذات الاهتمام بالمرأة ومجمل الأدوار الاجتماعية والدينية المعطاة لها، وبطبيعة الحال يحضر القرآن وتفسيره ضمن هذا الانشغال العام، ولا غرو فقد اهتم القرآن الكريم بالسيدة مريم والحديث عنها في غير ما موضع كما هو معلوم.
في هذه الورقة التي بين أيدينا يحاول يونس ميرزا أن يستدعي الخلاف حول نبوّة مريم في هذا السياق المعاصر، فيستحضر الآراء التي كانت ترى أن مريم نبيّة، ويستدعي حججها في مواجهة القول بكونها ليست نبيّة، أو أنها صِدّيقة على حدّ وصف القرآن لها.
وفي هذا السياق يهتم ميرزا باستعراض صورة السيدة مريم في الأكاديميا الأورو-أمريكية الحديثة، وبعد أن يسلّط الضوء على عدد من الدراسات يخلص إلى أنها أهملت الخلاف حول نبوّة السيدة مريم، ومن ثمّ يعمل على استعراض هذا الخلاف وحجج كلّ فريق، ويسلّط الضوء على تفسير ابن كثير وآرائه في هذه المسألة التي لا ينتصر فيها لنبوّة السيدة مريم، ويشير إلى أن الرأي القائل بنبوّة مريم وإن لم يكن هو السائد في التقليد الإسلامي، إلا أن بعض العلماء قالوا به، وأن ما يسود في السياق الحديث من الميل إلى تجاهل هذه الآراء القائلة بنبوّة السيدة مريم، يرجع لانتشار تفسير ابن كثير والمركزية المعطاة له.
لا شكّ أن دراسة علّة شيوع تفسير معيّن في مسألة من المسائل بهذه الصورة هي تفسير لهذا الشيوع بعامل واحد، وعلى فرض صحّة القول به فإن لهذا النهج أثره على تغييب الكثير من العوامل المتعلّقة بالتفسير وبسياق نشأة المعاني والحجاج التفسيري حولها، كذلك فإنّ سيطرة الهموم المعاصرة في بعض المسائل يكون لها أثرها في إسقاط بعض القيم على الدرس التراثي لهذه المسائل والانطلاق كما لو أنّ هذه القيم هي التي تحكم النقاش التراثي وهو أمر فيه مجانبة للصواب.
وبغضّ النظر عن نتائج ورقة ميرزا، فإنّ أهميتها تأتي من كونها تقدّم نمطًا من الاشتغال باتَ شائعًا في الكتابات الغربية ذات الصِّلَة بالقرآن الكريم وتفسيره، وتقدّمه عبر دراسة تطبيقية لمسألة بعينها، مما يجعل من المفيد الاطلاع عليها للتعرّف على هذا النمط وفهمه ومعرفه مسالكه، مما يثري الوعي بالدّرْس الغربي المتّصل بالقرآن وتفسيره ويمهّد لحسن التثاقف معه.