كتاب «تاريخ القرآن» لنولدكه من أهم الكتب الغربية في دراسات القرآن، ويحظى باهتمامٍ كبيرٍ سواء داخل الدرس الغربي أو خارجه لقدرته عبر الاعتماد على الدراسات السابقة عليه، وكذا عبر التنقيحات اللاحقة له من تلامذة نولدكه؛ أن يمثّل تكثيفًا للدرس الفيلولوجي الاستشراقي للقرآن.

هذه الدراسة للفرنسية إيمانويلا ستيفانيدز لا تدور حول الكتاب بأكمله، لكنها تتناول مساحة من أهم مساحاته، وهي مساحة افتراض ترتيب كرونولوجي (زمني) للقرآن، فتدرس ستيفانيدز المحاولات السابقة على نولدكه التي اهتمت بإيجاد مثل هذا الترتيب، ومنطلقات هذه المحاولات القائمة على النظر للقرآن باعتباره أولًا كتابًا غير مرتب تُشْكِل قراءته على العقل الغربي مما يجعله محتاجًا لإعادة ترتيب، وثانيًا أنه كتاب معبّر عن أفكار محمد، مما يجعل ترتيبه زمنيًّا شديد الأهمية في بحث تطوّر هذا الفكر وكذا في التأريخ لتشكّل المجتمع الإسلامي.

كذلك تحاول ستيفانيدز تقديم دراسة داخلية لبراهين وحجج نولدكه في تقسيمه الخاصّ للقرآن لمراحل أربعة: مكية أولى، ومكية ثانية، ومكية ثالثة، ومدنية، كما تقارن هذا التقسيم من الناحية المنهجية مع محاولات أخرى، خصوصًا محاولة جوستاف فايل، والتي اعتمد عليها بصورة كبيرة نولدكه، وكذا تعديلات شفالي على نولدكه في نسخة (1909) سواء في القوائم ذاتها أو في منهج تعامله مع التقليد الإسلامي لترتيب القرآن، سواء في القوائم التقليدية أو في أسباب النزول.

كما تقوم ستيفانيدز بإثارة بعض التساؤلات المنهجية الهامة حول طموح ترتيب القرآن كرونولوجيا، أهمها كون القرآن يعتمد باستمرار إعادة التركيب والصياغة لموضوعات وأسئلة وإجابات وحوارات سابقة تجعل أسلوبه أقرب للتوسّع النصّي حول نواة أصلية كما ترى نويفرت، فبأي قدر سيكون هذا الصنيع معيقًا لإيجاد الترتيب الكرونولوجي، وبأيّ قدر سيفوت الاهتمام الشديد بهذا الترتيب إدراك الأسلوب القرآني الخاصّ في عرض أفكاره وبناء حجاجه؟

أهمية ترجمة هذه المقالة ضمن ملف «تاريخ القرآن» تأتي من كونها تتناول كتابًا من أهم الكتب في الدراسات الغربية المعاصرة للقرآن، ومن خلال مساحة من أهم مساحات الدراسة الغربية لهذا التاريخ.