اختلافات مصاحف الأمصار
دراسة تحليلية للاختلافات واستكشاف للنتائج المترتبة عليها

المترجم : حسام صبري
تدرس هذه الورقة الاختلافات في مصاحف الأمصار، وهذا عبر الاعتماد على المدونات التراثية في علم الرسم والمصاحف، وكذلك على النتاجات الغربية المعاصرة لدراسة مخطوطات القرآن المبكّرة، وتحاول عبر هذا رسْمَ تصورٍ حول العلاقة بين هذه المصاحف، كما تبرز عددًا من النتائج المهمّة فيما يتعلّق بتدوين القرآن وتطوّر كتابته.

  تهتم الدراسات الغربية سواء الكلاسيكية أو المعاصرة بشكلٍ كبيرٍ بدراسةِ تاريخ تدوين القرآن، وهو الاهتمام الذي ازداد بعد اكتشاف مخطوطات صنعاء وتزامُن هذا الاكتشاف مع التشكيك التنقيحي في موثوقية المصادر الإسلامية التقليدية وقدرتها على بناء صورة تاريخية دقيقة لتاريخ القرآن وتاريخ الإسلام المبكر، ما جعل دراسة المخطوطات المبكّرة للقرآن أمرًا في غاية الأهمية للدارسين الغربيين لدراسة تاريخ جمع القرآن وتدوينه.

ورغم أن دراسة هذه المخطوطات (الأدلة الإبيغرافية) تتم على الأغلب في معزل تام عن المرويات الإسلامية، حيث يتم الاقتصار على الدراسة الكوديكولوجية والفيلولوجية كمناهج موثوقة في ذاتها بعيدًا عن المصادر الإسلامية التي خضعت للتشكيك الجذري، إلا أنّ ثمة بعض الدارِسين الذين التفتوا لضرورة استحضار المرويات الإسلامية في فهم عملية تدوين القرآن أو في فهم بعض التفاصيل الخاصّة بالمصحف الإمام ومصاحف الأمصار، سواء تم هذا بشكل نظري، كما نجده في أعمال موتسكي وشولر والتي تحاول تحليل المناهج الإسلامية التراثية في نقل المعرفة ومساءلة النظريات الغربية حولها، وتصل لضرورة إعادة الاعتبار لصلاحية هذه المناهج، وبالتالي ضرورة الاعتماد على النواة الصحيحة التي تشملها هذه المرويات، أو تم هذا بشكل تطبيقي، مثلما نجد في ورقة كوك المهمّة حول مصاحف الأمصار، والتي اعتمد فيها على بعض الكتابات التراثية مثل المقنع للداني.

هذه الدراسة لهيثم صدقي تسير في ذات اتجاه عمل كوك ونولدكه، حيث تحاول استثمار المصادر الإسلامية ومعطيات بعض كتب الرسم -بشكل موسّع عن عمل كوك- في فهم العلاقة بين المصاحف الأمهات الأربعة، وكذلك استثمار نتائج المخطوطات والمقابلة بينها وبين المصادر في فهم عملية الكتابة التاريخية الإسلامية حول اختلافات مصاحف الأمصار، ويَعتبر هيثم صدقي أنه يمكن النظر للكتابة الإسلامية التاريخية حول اختلافات مصاحف الأمصار باعتبارها بدايات بلورة شجرة نسَبٍ لهذه المصاحف.

ويصل صدقي لبعض النتائج حول تأكيد المخطوطات للسردية الإسلامية التقليدية حول الجمع العثماني وحول وجود أربعة مصاحف أُرسلت للأمصار، وكذلك يصل إلى تصوّر حول الكتابة التاريخية الإسلامية عن مصاحف الأمصار مفاده تطور هذه العملية (الكتابة التاريخية) فيما بعد الجمع العثماني ثم في القرون اللاحقة والتفاتها لعملية التصحيح للخط واستخدامها هذا في بناء شجرة لعلاقات النصّ.

تقدّم هذه الدراسة جدلًا مع الكتابات الغربية المعاصرة حول القرآن والمعطيات الجديدة التي تقدمها مخطوطات المصاحف، منطلقة في ذلك من المصادر الإسلامية حول رسم المصحف، فهي بذلك تحاول النظر لجانب من تاريخ القرآن من خلال الجمع بين المعرفة التراثية والمناهج الغربية المعاصرة، ما يجعل من المهم للقارئ العربي الاطلاع عليها لمزيد من التعرّف على هذا التعاطي الغربي مع مخطوطات القرآن ومتابعة النقاشات في هذا الصدد.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))