دراسة التفسير القرآني
في الحقبة الإسلامية الوسيطة والاستشراق الحديث

المترجم : مصطفى هندي
يحاول بروس فودج في هذه الورقة تقديم رؤية للمرتكزات المنهجية للدراسة الغربية للتفسير، حيث يحاول فهم الطبيعة المنهجية المشكّلة للتيارات الدارسة للتفسير، سواء التيار الفيلولوجي الباحث عن الأصول، أو التيار الظاهراتي المهتم بدراسة تلقي النصّ خارج التفسير، ويحاول عبر هذا وعبر إلقاء الضوء على الاتجاهات المعاصرة في دراسة القرآن تفسير سبب غياب الدراسة الدقيقة لحقل التفسير.

  الاهتمام الغربي بدراسة التفسير هو اهتمام قديم، بدأ مع بداية الاهتمام العلمي الحديث بالقرآن، إلا أن هذا الاهتمام يشهد تطورًا معاصرًا ملحوظًا، لا يقتصر هذا التطوّر على محاولة دراسة مساحات جديدة سواء تاريخية (عدم الاقتصار على الفترة الكلاسيكية والوسيطة، بل الاهتمام كذلك بمرحلة النضج في تاريخ التفسير، ومرحلة الحواشي)، أو جغرافية (الاهتمام بالتفاسير خارج البلاد العربية والهند وتركيا، في الصين وإفريقيا وإيران)، أو تطوير المناهج المتبعة في الدراسة، بل يشمل كذلك مساءلة النتاج الاستشراقي القائم ومحاولة الوصول لرؤية حول الطبيعة المنهجية لدراسة التفسير في الدراسات الغربية، واستكشاف الإشكالات العميقة التي تكتنف هذه المناهج، في محاولة لتقديم استشكال جذري للدراسة الغربية للتفسير.

هذه الورقة لبروس فودج هي من المحاولات المهمّة في هذا السياق؛ فبعد محاولته الحديث عن التفسير في الواقع الإسلامي وإثارة بعض النقاط عن توجهات المفسِّرين ومسألة ضعف الأسانيد وضعف حركة دراسة التفسير، استعرض فودج طبيعة حقل التفسير من منظور الدراسات الغربية منذ انطلاق وتأسيس الدراسات العربية مع دي ساسي في القرن الثامن عشر وحتى السياق المعاصر، حيث يحاول فهم الأُسس المنهجية المحركة لدراسة القرآن ودراسة التفسير -كجزء صغير من حقل صغير كما يعبر-، ويعتبر فودج أنّ ثمة تيارين رئيسين تنازعَا الاهتمام بالتفسير منذ بداية الدراسات القرآنية الغربية، هما: تيار الدراسة الفيلولوجية، الذي انتهى للاهتمام بالنصّ القرآني على حساب دراسة التفسيرات الإسلامية له، حيث اعتبرها غير مهمّة في فهم معنى النصّ «الأصلي». ثم تيار الدراسة الظاهراتية، الذي اهتم بالخروج من التفسير كحقل معرفي أو نوع خاصّ من التأليف العلمي إلى الاهتمام بالتعامل اليومي العامّي مع القرآن، والذي يمثّله ويلفرد كانتويل سميث؛ وأن التفسير كحقل علمي قد ضاع وسط هذين التيارين الباحثين عن «المعنى الأصلي» أو عن «المعاني خارج التفسير كحقل»، كذلك يُبرِز فودج كيف أن الاهتمام المتنامي ببنية النصّ القرآني والذي ظهر منذ الثمانينيات وتبلور وبرز بشكلٍ كبيرٍ في العقود الأخيرة =قد انتهى كذلك، وباقتصاره على دراسة النصّ وحده لتغييب التفسير الإسلامي عن الاهتمام والدراسة.

يعرض فودج هنا تصورًا عن الدراسة الغربية للقرآن وعلاقتها بالمناهج السائدة في دراسة النصوص والصلة بمناهج دراسة الأديان، تبدو فيه دراسة حقل التفسير بشكل دقيق هي الاستثناء وليست القاعدة، حيث يعتبر أن إنجازات دارسين مثل جولدتسيهر وكلود جيليو في محاولة الكشف عن أهمية هذا الحقل في بنية التفكير الإسلامي -والتي تعبّر وفقًا له عن أفضل دراسة ممكنة للتفسير الإسلامي- هي الاستثناء ضمن حقل طويل لم ينهج دومًا نهج مثل هذه الدراسات.

ورغم أن بعض المساحات في دراسة التفسير باتت تشهد انتعاشة في الدراسة الغربية، والتي ظهرت في سياق معاصر ولاحق لكتابة هذه الورقة، مثل الاهتمام بإعادة تصنيف التفاسير ودراسة البنية الداخلية لها وتوسعة مساحات دراسة هذا الحقل المتنامي، إلا أن الأبعاد المركزية لنقد فودج تظلّ فاعلة في فهم الكثير من طبيعة الاشتغال المعاصر على التفسير وعلى القرآن كذلك، خصوصًا ما يشير إليه فودج سريعًا من كون كثير من الدراسات العربية والإسلامية المعاصرة حول التفسير غير حاضرة في عدّة الدارسين الغربيين مما يؤدي لنقص واضح في تشكيل صورة أكثر اكتمالًا حول حقل التفسير.

إن أهمية هذه الورقة تتمحور في قدرتها على لفت النظر للأبعاد الأكثر مركزية في المنهجيات الاستشراقية التي تدرس القرآن، والتطور والجدل الذي مرّت به هذه المنهجيات، من أجلِ فهمٍ أكثر دقة لطبيعة الدراسة الغربية للتفسير وملامحها المنهجية وإشكالاتها.

المؤلف

بروس فودج - BRUCE FUDGE

أستاذ اللغة العربية في جامعة جينيف السويسرية، تتركز اهتماماته وعمله في مجال الهرمنيوطيقا والتفاسير الإسلامية الكلاسيكية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))