التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة
قضايا منهجية، مساحات جديدة في تناول التفسير
مدخل تعريفي

هناك اهتمام استشراقي متزايد بالتفسير ودراسته من مناحٍ متعدّدة؛ كتاريخه، ومناهجه، وتصنيف مؤلَّفاته، وغير ذلك؛ لذا عقدنا ملفًّا يضمّ ترجمات لعددٍ من البحوث والدراسات الغربيّة المعاصرة حول التفسير. هذه المقالة مدخلٌ تعريفيّ بالملف، يوضّح الهدف منه، وأبرز موادّه، والسياسات المتّبَعة في نَشْرِه.

  بَرز الاهتمامُ الاستشراقي بالتفسير الإسلامي كحقل علميّ منذُ بدايات الاستشراق، أيْ: منذ القرن التاسع عشر، فظهر الاهتمامُ بدراسة مدوّنات التفسير وتحقيقها ونَشْرِها، وعقَد عددٌ من المستشرقين كُتبًا حول هذا العلم وتاريخه.

وإنّ المتابع لساحة الدرس الغربي للتفاسير يلحظ أنّ هذا الاهتمام الاستشراقي لم يقف عند التفاسير الكلاسيكية في التراث الإسلامي، بل تخطّاها نحو التفسير المعاصر كذلك، كما أن الدراسات الغربية حول التفسير آخذة في النمو والتزايد؛ حيث تتوالى الكتب والبحوث والمقالات الغربيّة حول التفاسير التقليدية والمعاصرة، كما نجد محاولات معاصرة لتوسعة هذا الاهتمام جغرافيًّا؛ فيبرز الاهتمام -إلى جانب التفاسير المنتَجة في الدول العربية والهند- بالتفاسير المنتَجة في تركيا وإندونيسيا والصين. وتوسعته من جهة الوسيط المستخدم؛ فيبرز الاهتمام بالتفاسير الإذاعية والتلفزيونية والتفاسير المصوّرة والتطبيقات الإلكترونية، وكذلك توسعته من جهة المدارس والاتجاهات التراثية؛ فيبرز الاهتمام بالتفسير الفلسفي والصوفي والمعتزلي.

وقد عقدنا قبل ملفًّا حول  التفسير في الدراسات الغربية بعنوان (علم التفسير؛ تاريخه، مناهجه، إشكالاته في الدرس الاستشراقي المعاصر)[1]، حاوَلْنا فيه إلقاء الضوء على الاهتمام الغربي المعاصر بالتفسير الإسلامي بتعدّد مساحاته، وركّزْنا اهتمامنا في تلك المساحات التي تفيد الدارس العربي من الناحية المنهجية؛ فقدّمنا عددًا من الترجمات التي تتعلّق بمعالجة قضايا مهمّة ومركزية في التفسير؛ مثل مناهج التفسير، تاريخ التفسير وتاريخ نشر مدوّناته وإشكال تصنيفه، وكذلك طرحنا ترجمات منها ما يتعلق بدراسة جوانب من تاريخ التفاسير التقليدية والعلاقة بين هذه التفاسير وبين منهجياتها، ومنها ما يسلط الضوء على العلاقة بين بعض القراءات المعاصرة للقرآن وبين جوانب من التراث التفسيري.

ورغبة في تعميق فهمنا للدراسة الغربية للتفسير، فقد رأينا حاجتنا لعَقْد ملفّ آخر حول التفسير في الدراسات الغربية، بعنوان: (التفسير في الدراسات الغربية؛ قضايا منهجية، مساحات جديدة في تناول التفسير)، بحيث يتسنّى لنا المزيد من التركيز على القضايا التي طرحناها في الملف السابق حول التفسير، وكذلك متابعة الجديد في الطَّرْح الغربي حول التفسير.

وسنقوم في هذا الملف بالتركيز على بعض المحاور العامّة؛ فنركز على الدراسة الغربية لفترة التفسير المبكّر والوسيط، وهذا عبر ترجمة دراستَيْن لأحد الأسماء المهمّة على ساحة الدّرْس الغربي للتفسير (كلود جيليو)؛ الورقة الأولى بعنوان: «بدايات التفسير القرآني»، والثانية بعنوان: «الأسطورة، قصة الخلاص في تفسير الطبري»، كذلك سنركّز على بعض المحاور والمساحات الجديدة للاشتغال الغربي على التفسير؛ مثل الاهتمام ببعض المدارس التفسيرية، مثل مدرسة نيسابور، فنقدِّم في هذا السياق ورقة لمارتن نيجوين بعنوان: «مفسرو نيسابور» تُلقي الضوء على هذه المدرسة التي أصبح وجودها وأهمية دراستها أحد المحاور الرئيسة للاشتغال الغربي المعاصر على تاريخ التفسير وعلى علاقاته وتطوّراته.

 وكذلك في سياق فهم الأبعاد المنهجية للدراسة الغربية للتفسير، سنحاول التركيز على علاقة الدراسة الغربية للتفسير المبكّر وطبيعتها بالأطروحات التنقيحية حول تأخّر عملية اعتماد القرآن أو بالتشكيك العام في المدونات الإسلامية، فنقدِّم ترجمة لدراسة ريمون هارفي حول «تفسير آية المكاتبة»، والتي مِن أبعادها المهمّة لفت النظر للعلاقة بين دراسات التفسير المبكّر ودراسة تاريخ القرآن وتاريخ الأمة المسْلِمة في الدرس الغربي، وكذلك على الدراسة الغربية لعلاقة التفسير كحقل معرفي بالمعارف العلمية والفلسفية والمنطقية في الشرق الأدنى القديم، وهو المبحث المتنامي في الآونة الأخيرة بالذّات، فنقدّم في هذا ورقة: «البرهان القاطع: دراسة لاستراتيجيات أرسطو التأويلية في القرآن وتفسير الطبري» لأولريكا مارتنسون.

 كذلك سيضم الملفّ عددًا من الترجمات حول بعض المساحات المنهجية المهمّة؛ مثل قضية (المعنى) في التفسير التراثي والمعاصر، وأثر الفكر الحداثي على هذه القضية، وهذا عبر ورقة: «هل أنهت الحداثة التباس المعنى؟» لبيتر كويبنز، إلى جانب عرضَيْن لكتابَيْن مهمّيْن في السياق الغربي المعاصر، كتاب: (تفاسير المسلمين اليوم) ليوهانا بنك، والذي يهتم بموقع القرآن في حياة المسلمين المعاصرة، ودلالة التفسير، وطرائقه في ظلّ المستجدّات المعرفية والتقنية، وكتاب: (قصص القرآن للثعالبي) لماريانا كلار، هذا إلى جانب بعض العروض التعريفية الأخرى ببعض الكتابات الغربيّة حول التفسير.

كما أنّنا حرصنا على أن تكون هذه الترجمات قائمة على التنويع نفسِه المقرَّر في دليل السياسات الخاصّ بقسم الترجمات[2]؛ حيث راعَيْنَا انتماءها إلى تقاليد استشراقية متنوّعة: إنجليزية، وفرنسية، وألمانية؛ بل وأحيانًا خارج هذه التقاليد الثلاثة الشهيرة، كما راعينا أن تكون متنوّعة من حيث منطلقات وخلفيات كُتّابها.

ونحن نَجْري هنا في نشر المواد قيد هذا الملف على القواعد نفسِها التي أرسيناها قَبْلُ[3]؛ حيث نقدِّم كلَّ ترجمة بمقدّمة توضّح أهمية المادة والإطار العام لاشتغالها، وتُلْقِي ضوءًا على فكرتها المركزية، وكذلك اعتنينا بتضمين الترجمات حواشي مُعرِّفة بالأعلام والمذاهب والكتُب الواردة في النصوص، وخصوصًا ذات الصِّلة بالقرآن الكريم وعلومه، كما سيجد قارِئُنا الكريم عددًا من التعليقات على بعض الآراء التي وجدنا فيها إغراقًا في البُعْد عن العِلْمِيّة.

ونحن نأمل أن يكون في نشر هذه الترجمات ما يفيد في التعرف على الطرح الغربي حول التفسير وقضاياه وتعميق الوعي بهذا الطرح، وأن يكون ذلك سبيلًا لإثراء حالة التثاقف مع النتاج الاستشراقي والغربي في واقعنا البحثي.

 

[1] وهو منشور في تبويب الترجمات بقسم الاستشراق على هذا الرابط: tafsir.net/collection/689.

[2] يراجَع على القسم هنا مقالة: «قسم الترجمات؛ الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات»، على هذا الرابط: tafsir.net/translation/3.

[3] يراجَع مقالة: «قسم الترجمات؛ الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات».

المؤلف

إعداد/ قسم الترجمات بموقع تفسير

مسئولو قسم الترجمات بموقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))