عرض كتاب
القرآن بين الإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية: تقليدٌ تفسيري
لـ سوزان جوناستي

المترجم : مصطفى هندي
كتاب سوزان جوناتسي حول تفسير حمدي يازر إلماليلي من الكتب المهمّة الصادرة مؤخرًا في سياق الدراسات الغربية، تقدّم يوهانا بينك عرضًا معمّقًا للكتاب، تُبرِز فيه كيف يلقِي الضوء على بعض الإشكالات المهمّة في الدراسة المعاصرة للتفسير؛ مثل طبيعة التفسير وصِلته بالترجمة العامّية قبل الحداثة، ومثل طبيعة التفسير الحديث وصِلة التفاسير في العصر الحديث بالتفاسير التقليدية، ودور نشأة الدولة الحديثة في تشكيل طبيعة التفسير.

عرض كتاب

القرآن بين الإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية: تقليدٌ تفسيري[1][2]

لـ سوزان جوناستي[3]

  هذه أول دراسة باللغة الإنجليزية بلغتْ من الطُّول ما جعلها تصلح أن تخرج على هيئة كتاب حول أحد أهم أعمال التفسير في التاريخ الحديث: (دين الحقّ ولغة القرآن)، لـ"إلماليلي محمد حمدي يازر" (1878- 1942). نُشر هذا التفسير الضخم لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي، بتكليف من برلمان الجمهورية التركية بعد وقت قصير من تأسيسها، ولا يزال يحظى بتقديرٍ كبيرٍ في تركيا حتى يومنا هذا. ولكن مثل معظم النصوص الدينية التي لم تُكتب باللغة العربية أو الإنجليزية، لم يحظَ هذا التفسير باهتمامٍ كبيرٍ خارج الدوائر التركية؛ وهنا أتت دراسة سوزان جوناستي لتعالج هذا القصور، وحريٌّ بها أن تضطلع بهذه المهمّة؛ لأنّ تفسير يازر ذو أهمية كبيرة لجميع الطلاب والمتخصّصين المهتمين بتفاسير القرآن بشكلٍ عامّ، وليس فقط أولئك الذين ينحصر اهتمامهم بالمجال الديني التركي. قدّمت جوناستي إسهامًا مهمًّا في فهمنا لكيفية استمرار التقليد التفسيري في القرن العشرين، وكيف يمكن لمفسّرٍ أن يَجسُر الفجوة البادية بين هذا التقليد وظهور مجالات جديدة للتعلّم، ومتطلّبات روّاد التحديث العلمانيين. سلّطت جوناستي الضوء على فترة لم تحظَ حتى الآن باهتمامٍ كبيرٍ في دراسات التفسير، وبناءً على هذا فإنّ كتابها يَجْسُر الهُـوّة بين المفسِّرين الحداثيين الأوائل -مثل السيد أحمد خان (1817- 1898)، ومحمد عبده (1840- 1905)- والأصوليين اللاحقين؛ مثل سيد قطب (1906- 1966)، وأبي الأعلى المودودي (1903- 1979). كما يؤكّد عملها أيضًا على أهمية تركيا باعتبارها موقعًا لإنتاج النصوص الإسلامية والبحوث العلمية، وهو ما يُتجاهل غالبًا في مجال دراسات التفسير، التي تنزع أكثر نحو التمركز حول النصوص العربية ويتزايد تمركزها حول اللغة الإنجليزية.

لقد بلغ كتاب جوناستي أنْ صار إضافة قـيّمة حتى بالنسبة لأولئك القادرين على قراءة الدراسات والبحوث باللغة التركية -والتي كان التركيز على تفسير إلماليلي أحد جوانبها المركزية- وذلك بسبب اتساع المصادر الرئيسة التي اعتمدت عليها، وتحليلها العميق والحصيف للسياق الفكري والسياسي الذي خرج فيه هذا التفسير. ويعتبر كتابها مكمِّلًا لدراسة بريت ويلسون[4] المهمّة حول النقاشات حول القرآن التي ظهرت في تركيا أواخر الدولة العثمانية وبدايات الجمهورية التركية من خلال التركيز بشكلٍ أكبر على عمل إلماليلي المهم، ووصف العملية التي تمخّض عنها هذا التفسير، ووضعه في سياق المناقشات والتطوّرات التي ميّزت المجتمع العثماني المتأخّر والأبحاث والدراسات الإسلامية.

صدّرت جوناستي -كما هو متوقّع- بحثَها بتحديد سياق موضوعها ومقدار التقدّم الذي حدث في دراسته، بالإضافة إلى الأسئلة التي توجّه بحثها. تستند حُجّتها إلى فرضية أن الإمبراطورية العثمانية على الرغم من نهايتها في عام 1925م، إلا أن هيمنتها على المجال الديني استمرت حتى الخمسينيات من القرن الماضي. لقد أثبتت بحُجج مقبولة أن تأسيس الجمهورية التركية -من نواح عدّة- لم يؤسّس قطيعةً كاملة [مع الإمبراطورية العثمانية]، وحتى عندما حاولت الحكومة إحداث مثل هذه القطيعة، كان لتلك المحاولات آثار غير متوقعة. فمثلًا، لم يكن ثمة مفرّ من استمرارية الأنماط العثمانية في الدراسات الدينية؛ لأن إضعاف أو إلغاء المؤسّسات الدينية القائمة لم يتبعه إنشاء مؤسّسات أخرى تماثلها في القوة، ومن ثم لم يكن هناك بديل. وفي هذا السياق، كُلّف عالمٌ عثماني بارز مثل إلماليلي بكتابة تفسير كان من المفترض أن يكون تفسيرًا يلائم احتياجات الجمهورية الناشئة[5]، ويتوافق مع توقّعات القيادة السياسية الجديدة؛ على الرغم من أنّ إلماليلي -كما توضح جوناستي- تمكّن مِن قَلْب تلك التوقّعات بطرقٍ شتى.

يقدّم الفصل الأول للقرّاء ترجمة لـ"إلماليلي" خَلَت كثيرًا مِن الطابع الهاجيوجرافي (التقديسي) الذي يجده المرء بكثرة في الدراسات المكتوبة باللغة التركية؛ إذ اعتمدت تلك الترجمة على مجموعة متنوّعة من المصادر، بما في ذلك المواد الأرشيفية. وكانت المحصلةُ صورةً ثريةً ومعقولةً لعالمٍ من الحقبة العثمانية المتأخرة، تبيّن اهتماماته السياسية والفلسفية، ومراحل حياته المهنية، والآثار التي خلّفتها نهاية الإمبراطورية العثمانية على حياته وأعماله.

تنتقل جوناستي بعد ذلك -في الفصلين الثاني والثالث- لمناقشة تاريخ التفسير العامّي في اللغة التركية العثمانية في القرن التاسع عشر والتحولات التي مَرّ بها مجال التفسير في العقود الأولى من القرن العشرين. وهنا نجد نظرة عامة رائعة على جزء مهم من تاريخ التفسير، قلّما طرقته أقلام الباحثين. تهتم جوناستي بالأعمال الفردية والاتجاهات الأوسع نطاقًا، كما شفعت تحليلها للتطوّرات المحلية في القرن التاسع عشر في الإمبراطورية العثمانية بنظرة مقارنة على جنوب آسيا. قد يكون تضمين ملامح ونظرات من جنوب شرق آسيا مفيدًا هنا؛ نظرًا لأنّ النوع الذي تسميه جوناستي «التفسير العامي عبر إعادة الصياغة» "vernacular paraphrastic commentary"، موجود بالفعل في آتشيه [حاليًا في إندونيسيا] من القرن السابع عشر[6]. وخلَصَت جوناستي إلى أنه -على عكس سياق جنوب آسيا- لم يحظَ أيّ تفسير عامّي باللغة التركية العثمانية بمكانة وسلطة رسمية، وهو الأمر الذي ترى أنه ترك المجال مفتوحًا على مصراعيه لمزيد من الأنشطة التفسيرية في أوائل القرن العشرين. بيدَ أن مسألة وجود علاقة سببية بين عدم وجود سلطة في مجال التفسير العامّي والمحاولات العديدة اللاحقة سواء في التفسير أو في ترجمة القرآن = تبدو مشكوكًا فيها إلى حدّ ما؛ نظرًا لمدى اتساع النشاط التفسيري الذي كان موجودًا في جنوب آسيا خلال أوائل القرن العشرين، على الرغم من المكانة المرجعية الكبيرة التي حظيت بها ترجمة القرآن لشاه وليّ الله. ومع ذلك، فإنّ تحليل جوناستي وثيق الصِّلة بالموضوع وينبئ عن اتساع وعمق معرفتها بتاريخ التفسير العثماني.

يزخر الفصل الثاني بالمعلومات، ويثوّر الكثير من الأفكار لدى القرّاء المهتمين بالتفكير حول الحدود بين الترجمة والتفسير، من حيث وظيفة كلّ منهما والجمهور المستهدف وعلاقة ذلك برؤية المفسّر/ المترجم. وكما توضح جوناستي؛ لم يكن للمفاهيم الأوروبية الحديثة عن الترجمة -التي كانت تتغيّا تقديم النصّ الأصلي بدون أيّ مدخلات إضافية من المترجم- أيّ تأثير على إنتاج التفسير في الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، بيد أن هذا تغيّر في أوائل القرن العشرين، وهي الفترة التي ظهرت فيها النقاشات القوية حول القرآن، وهو ما تعرّضَت له جوناستي بالتحليل الموسّع في الفصل الثالث، وهذا التحليل يمثّل التمهيد والأساس لمناقشتها لعملية إنتاج تفسير يازر.

قدّمت سوزان جوناستي وصفًا متينًا وقائمًا على أُسُس تجريبية -وهو الوصف الذي جاء ليسدّ حاجة علمية ملحّة- للتيارات والموضوعات المهمّة التي كانت حاضرة في النقاشات العثمانية حول القرآن؛ ومنها: الطعن في سُلطة العلماء، وفكرة أن يقوم على كتابة التفسير لجنة أو مجموعة مختارة، وظهور السياسة اللغوية[7] والصعود العام للترجمة، ومركزية القرآن في أفكار الإصلاح الديني، وتسرّب مخرجات العلم الطبيعي إلى تفسير القرآن، ومفاهيم التقدّم والتطور التي أوجدت الحاجة إلى أعمالٍ تفسيرية جديدة وأصيلة قائمة بذاتها. وهذا الموضوع الأخير خصوصًا -إلى جانب تدهور نظام المدرسة- هو ما أدّى إلى اختفاء الحواشي وأشكال التفسير التقليدية الأخرى. يمكّننا تحليل جوناستي للصحف والمجلات التركية في العقدين الأول والثاني من القرن الماضي من الوقوف على التحوّل الذي طرأ على الفهم السائد للترجمة من إعادة صياغة المعنى بكلمات المترجم نفسه إلى مفهومٍ يفترض مسبقًا ضرورة اختفاء المترجم ومنع إدخال أيّ إضافات إلى ترجمة النصّ. وتلاحظ جوناستي أيضًا أنه في تلك الفترة، تعمّقت النظرة إلى القرآن باعتباره أحد كلاسيكيات الأدب العالمي صادف أنْ كان كتابًا دينيًّا، وتشير إلى الطابع النخبوي والعلماني للمقاربات الجديدة للقرآن التي تمحورت حول النصّ.

لم تتماشَ تلك المقاربة العلمانية التي تتخذ من النصّ مركزًا لها مع نظرة إلماليلي إلى القرآن. في الفصلين الرابع والخامس، توضح جوناستي إلى أيّ مدى فارق إلماليلي النخبَ السياسية الجمهورية، والطرق التي حاول بها في تفسيره تقويضَ أفكارهم حول دور الإسلام في تركيا. يشرح الفصل الرابع آراء إلماليلي الفلسفية ويضعها في سياقها بالنسبة للأصوات الأخرى التي خرجت في أواخر الدولة العثمانية، والاتجاهات التي يتفاعل معها، والحجج التي طرحها منتقدوه. وتتضح مدى أهمية الفلسفة في فهم تفسير إلماليلي عندما تقدم جوناستي مقتطفات من تفسيره وتحلّلها، إِذْ يتبيّن منها أنه قد تعرّض لمسائل مثل الميتافيزيقا، ووحدة الوجود، وطبيعة المعرفة، وأصنافها. كما يتّضح أيضًا أن فلسفته كانت مدفوعة بالحاجة المتصوّرة للدفاع عن المعرفة المستمدة من الوحي ضد النظرة المادية للعالم، والتي بدورها كان لها تأثير على مقاربته لأنواع المعرفة العلمية الجديدة في تفسيره.

أمّا التفسير نفسه فهو الموضوع الرئيس للفصل الخامس؛ حيث حدّدت جوناستي ببراعة السمات والاهتمامات الرئيسة لهذا الكتاب الذي يقع في عدّة مجلدات. وعلى عكس الغالبية العظمى من الدراسات والأبحاث حول إلماليلي، لم يعتمد تحليل جوناستي على الطبعة الأولى من التفسير فقط -والتي خرجت باللغة التركية مكتوبة بالحروف اللاتينية- بل اعتمدت أيضًا على نسختين خطّيتين كُتبتا بالتركية العثمانية، مما مكّنها من معرفة مدى التدخّلات التحريرية التي خضع لها التفسير على يد مديرية الشؤون الدينية، خاصة فيما يتعلق بمقدّمة إلماليلي.

بقراءة المقدّمة ومقارنتها مع متن التفسير، حدّدت جوناستي الفجوة بين الأهداف التي صُرّح بها في المقدّمة، والمنهجية الفعلية التي اعتُمدت في صلب المتن. إنّ وجود تلك الفجوة هو سمة مميزة للتفاسير القرآنية[8]. وفي هذه الحالة، كان التناقض بشكلٍ أساسي بين الهدف المعلن المتمثّل في توفير دليل للقرآن يلائم عوامّ الناس باللغة التركية السهلة، وحقيقة أن التفسير فعليًّا كان كتابًا علميًّا يصعب فهمه دون معرفة اللغة العربية والفارسية وتقليد التعليم الديني. كانت هذه إحدى الطرق التي أفسد بها إلماليلي رغبة الحكومة في تزويد الجمهور بأداة تتيح لهم الوصول المباشر إلى القرآن، وهو الأمر الذي كان سيقضي على الحاجة إلى العلماء.

تبحث جوناستي نطاقًا واسعًا من المشكلات التفسيرية والمناقشات في هذا الفصل، وهو أمر رائع ومفيد للغاية لأيّ شخص مهتمّ بالتاريخ الجينيالوجي للتفسير ومقاربات التفسير. قد يستفيد القارئ المتخصّص من إيراد الآيات القرآنية المعنية أحيانًا، والمناقشة الموسّعة للقضايا التفسيرية المطروحة، ومن ذلك مثلًا الكلام على مسألة فريضة الصيام ومن يُستثنى من تلك الفريضة (البقرة: 183- 184)، إلا أن هذا المستوى من التفاصيل غير مفضّل لدى العديد من الناشرين للأسف. ولكن حتى بدون تلك التفصيلات، يقدّم الفصل العديد من الرؤى المدهشة؛ إِذْ إنه لَأمر مدهش أن نرى كيف كان إلماليلي على استعداد للتحلّي بالمرونة وتكييف تفسيره مع طبيعة المجتمع المعاصر في بعض الحالات، بينما بدا عازفًا تمامًا عن اتّباع تلك المقاربة التكييفية في حالات أخرى. فعلى سبيل المثال؛ صرّح إلماليلي بتأييده لإعادة تعريف حدّ السفر المبيح للفطر في ضوء وسائل النقل الحديثة التي تتسم بالسرعة والراحة. بينما نجده مؤيدًا للرؤى الموغلة في التأكيد على التراتبية الهرمية للجندر (الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة)، كما نأَى بنفسه عن التحقيق في [مشروعية] تعدّد الزوجات الذي كان -في كتابة تفسيره- محظورًا بالفعل في تركيا. نرى هنا حالة تلقِي بظلالٍ من الشكّ على نموذج «الحداثة مقابل التقليد»[9]، الذي لا يزال يستخدم بكثرة لتصنيف التفسير في القرن العشرين والحادي والعشرين، ونادرًا ما يكون مفيدًا.

لقد شعر إلماليلي -كما توضح جوناستي- بأنه ملزمٌ بالتمسّك بالمعنى الحرفي لنصّ القرآن كما فهمه، وأنه مُلزم بأحكام المذهب الحنفي. وفي الوقت نفسه، لم يألُ جهدًا في اتّباع منهج فقهي لتكييف تفسير القرآن مع المتطلّبات الحديثة، وهو موضوع متكرّر ربما كان من المفيد تخصيص الكلام عنه في فصل فرعي. لقد دمج إلماليلي المعرفة العلمية المعاصرة في تفسيره، بيد أنه كان حريصًا على تجنّب إحداث انطباع لدى القارئ بأن صحة القرآن موقوفة على توافقه مع العِلم. كما تُظهر جوناستي كيف استخدم إلماليلي التقليد التفسيري للدفاع عن الإسلام ضد التيارات المعادية للدِّين التي عاصرها، وكيف أن مقاربته الفلسفية للمعرفة التجريبية والمعرفة المستمدة من الوحي قد قادته إلى الاستخدام الانتقائي -ولكن الواعي- للتقليد؛ من ذلك مثلًا أنه اعتمد على تفسير الألوسي من القرن التاسع عشر في تفسير الآيات التي تتحدّث عن الكون في القرآن في ضوء علم الفلك الحديث، بيدَ أنه رفض التفسيرات العقلانية العلمية التي قدّمها محمد عبده، ورأى أن تفسير المعجزات الإلهية الموصوفة في القرآن بالإحالة إلى الاكتشافات الحديثة مثل الميكروبات[10] سيكون مصادمًا لفهم القرآن في زمن نزوله؛ لأنه يحيل على معارف لم تكن متاحة لدى المخاطبين به آنذاك، كما أنه سيحدّ بصورة فجّة من الفاعلية الإلهية وسلطة المعرفة المستمدة من الوحي. وبشكلٍ عام، تقدّم جوناستي وصفًا متماسكًا للغاية ومبنيّ بإحكام لِكيفَ تحكّمت نظرة إلماليلي للمعرفة الإنسانية والإلهية في توجيه تفسيره. ومع ذلك فإن اختيارها التركيزَ على عدد من الموضوعات المركزية في تفسير إلماليلي يعني أن ثمة بعض الأسئلة لا تزال دون إجابة؛ فمثلًا، لا زلنا لا نعرف شيئًا عن آرائه حول التجسيم، أو ما إذا كان مهتمًّا بعلم الكلام، بيدَ أن هذا نقصٌ بسيط يَجبره تحليلها الفذّ والمثير للاهتمام.

إنّ كتاب: (القرآن بين الإمبراطورية العثمانية والجمهورية التركية: تقليدٌ تفسيري)، لسوزان جوناستي سهل القراءة للغاية، حتى الخطابات الفلسفية التي وصفتها يمكن أن يفهمها بسهولة الطلابُ أو القرّاء الذين ليس لديهم خبرة سابقة في هذا المجال، وهذا بالطبع تطلّب مزيدًا من التكرار في بعض الأحيان. وبشكلٍ عام، ربما يتحسّن سردُ الكتاب بصورة كبيرة من خلال القيام ببعض المعالجة اللغوية والأسلوبية. وهذا بالطبع لا يبلغ أن يكون انتقاصًا من قيمة هذا العمل؛ إِذْ ليس من السهل أن نفهم تفسيرًا يشغل مجلدات عدة ويرتبط بتقليد علمي يمتد لقرون، مع رسم الملامح العامة لسماته واهتماماته المركزية بطريقة متماسكة للقرّاء داخل وخارج المجال؛ وهي المهمّة الشاقة التي أنجزتها جوناستي ببراعة، وهو ما يجعل كتابها حريًّا بأن يقرأه أيّ شخص مهتمّ بترجمة القرآن والتفسير بالإضافة إلى النقاشات الدينية في أواخر الإمبراطورية العثمانية وبدايات الجمهورية التركية.

 

[1] العنوان الأصلي لهذه المقالة:

The Qur’an between the Ottoman Empire and the Turkish Republic: An Exegetical Tradition. By Susan Gunasti. Abingdon: Routledge, 2019.

نشرت في: Journal of Qur’anic Studies, 2022

[2] ترجم هذه المقالة: مصطفى هندي، باحث ومترجم، له عدد من الأعمال المطبوعة.

[3] أستاذة مساعدة في دراسات الدين في جامعة أوهايو ويسليان، حصلت على الدكتوراه من جامعة برنستون. تتركز اهتماماتها في دراسة التفسير، ودراسة الإسلام في الإمبراطورية العثمانية وتركيا الحديثة. (قسم الترجمات).

[4] M. Brett Wilson, Translating the Qur’an in an Age of Nationalism. Print Culture and Modern Islam in Turkey (Oxford: Oxford University Press, 2014).

[5] في دراستها: (التقليد والمرجعية والابتكار في التفاسير السنية المعاصرة؛ نحو تصنيف لتفاسير القرآن في العالم العربي وإندونيسيا وتركيا)، تناولت يوهانا بينك مسألة صِلة التحديث ونشأة الدولة الحديثة بإنتاج التفسير، وألقَت ضوءًا على الإستراتيجيات المختلفة التي تبنّتها الدول في محاولة ضبط فضاء المعنى الديني، سواء عبر تبنّي تفسير بعينه من المؤسّسات الرسمية أو عبر إستراتيجيات أكثر غيومة. راجع: التقليد والمرجعية والابتكار في التفاسير السنية المعاصرة؛ نحو تصنيف لتفاسير القرآن في العالم العربي وإندونيسيا وتركيا، يوهانا بينك، ترجمة: د/ حسام صبري، موقع تفسير. (قسم الترجمات).

[6] انظر:

Peter G. Riddell, Malay Court Religion, Culture and Language: Interpreting the Qur’an in 17th Century Aceh, Texts and Studies on the Qur’an, v. 12 (Leiden–Boston: Brill, 2017).

[7] المقصود بالسياسة اللغوية أو سياسة اللغة، هو قيام الدولة بتحديد أُطر التعامل مع اللغات المتداولة، واعتماد لغة رسمية وضبط علاقة هذه اللغة بغيرها من اللغات في المؤسّسات العامة وفي الإنتاج الثقافي الرسمي، وهو جدل برز بشكلٍ كبيرٍ في بدايات الجمهورية التركية الحديثة، وألقى بظلاله على كتابة القرآن وترجمته وتفسيره. للتوسع حول هذا النقاش؛ راجع: القرآن اليوم: لماذا نترجم ما لا يقبل الترجمة؟ شتيفان فيلد، ترجمة: د/ حسام صبري، موقع تفسير. (قسم الترجمات).

[8] حديث الكاتبة عن وجود مثل هذه الفجوة وتعميمها على التفاسير بهذه الصورة يبدو مشكلًا، ومثل هذه الإطلاقات المستغربة تبرز في كثير من الكتابات الاستشراقية. (قسم الترجمات).

[9] تهتم يوهانا بيك بسؤال: ما الذي يجعل تفسيرًا ما تفسيرًا حداثيًّا؟ وترفض بشكلٍ كبيرٍ اعتبار كون الحداثة الزمنية أو حتى غلبة بعض الموضوعات أو الآراء الحديثة على تفسيرٍ ما كافيًا في اعتباره تفسيرًا حديثًا، بل تعتبر أن توصيف تفسيرٍ ما باعتباره تقليديًّا أو حداثيًّا يرتبط بمنهج هذا التفسير والصِّلَة التي يعقدها بالتقليد التفسيري والمرجعيات التفسيرية وغيرها من السمات، وقد درست هذا بشكل موسّع في دراسة حول تفسير الشوكاني (فتح القدير) وموقعه من الحداثة. راجع: من أين تبدأ الحداثة؟ محمد بن عليّ الشوكاني وتراث التفسير، يوهانا بينك، ترجمة: إسلام أحمد، موقع تفسير. (قسم الترجمات).

[10] لعلها تشير لتفسير محمد عبده للطير الأبابيل التي أرسلها الله -سبحانه وتعالى كما في سورة الفيل- على جيش أبرهة: إنها جماعات البعوض والذُّباب التي كانت تحمل جراثيم مرض الحصبة أو مرض الجدري، وأنها ليست طيرًا تحمل حجارة من سجيل. يراجع في الحديث في تفسير محمد عبده ومناقشته: الطير الأبابيل في واقعة الفيل وما يراه الشيخ محمد عبده في ذلك، مقالة للدكتور/ عبد الرحمن تاج، مجلة «مجمع اللغة العربية بمصر»، العدد (29)، 1 مارس 1972، والمقالة أُعيد نشرها على موقع تفسير. (قسم الترجمات).

المؤلف

يوهانا بينك - Johanna Pink

باحثة ألمانية، أستاذ الدراسات الإسلامية وتاريخ الإسلام في جامعة فرايبورغ.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))