في هذه الورقة لنيكولاي سيناي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد، يتناول الباحث الألماني بالنقاش أشهر النظريات الغربية المعاصرة حول تاريخ المصحف، بدءًا من منجانا وكازانوفا، مرورًا بشفالي، ووصولًا إلى نظريات التنقيحيِّين، مثل: كرون ووانسبرو، والاعتراضات المقدمة عليهم من قبل إستل ويلان وغريغور شولر وصادقي وغيرهم، مقارنًا بين حجج هذه النظريات وباحثًا في الأساس المنهجي الذي يؤطِّر كلًّا منها، محاولًا بلورة رؤية خاصّة حول تاريخ المصحف في مواجهة هذه النظريات.
ويقسم نيكولاي سيناي هذه النظريات لنظريتين كبيرتين: الأولى تضع إغلاق المصحف في حدود نهاية القرن السابع الميلادي (الأول الهجري)، والثانية تضع إغلاق المصحف في النصف الأول من القرن السابع الميلادي (الأول الهجري). ويعتبر سيناي أن النظرية الأولى هي الأكثر قبولًا في الدرس الغربي انطلاقًا من عدم ثقةِ كثيرٍ من المستشرقين في النظرية الثانية التي تقارب كثيرًا التأريخ التقليدي الإسلامي، وفي ضوء اعتبار نظريات وانسبرو وكرون عن تأخُّر الإغلاق للقرن الثامن (الثاني الهجري) نظرية واهية لا يوجد ما يدلّ عليها.
ومن أجل توضيح النظرية الأولى في الدّرس الغربي بصورة دقيقة يتحدث سيناي عن ما أسماه «نموذج النص القرآني المُعتَمد الناشئ»، ويقصد بهذا المفهوم أنه حتى التعديل الذي طال المصحف قبل إغلاقه -ويصل به إلي نهاية القرن الهجري الأول- هو تعديل قائم على نسخة معتمدة ترجع غالبًا لمنتصف القرن الأول.
من مزايا المقارنة التي يعقدها هاهنا سيناي بين النظريتين الكبيرتين، هي أنها تستطيع إطلاع القارئ على تباين المنهجيات والحجج التي يصدر عنها الباحثون المؤيّدون لكلّ نظرية، وكذلك لتباين استخداماتهم واستنتاجاتهم لذات المنهجيّات أحيانًا، ولهذا إفادة كبيرة في تعريف القارئ العربي بتعدّد الرؤى والمنهجيّات الاستشراقية تجاه الموضوعات الأكثر مركزيّة مثل تاريخ القرآن.
في الأخير يَصِل سيناي لرأْي مُرَكَّب حول تاريخ استقرار المصحف، حيث يتبنَّى بشكلٍ ما النظرية الثانية، والتي تضع استقرار المصحف في النصف الأول من القرن الهجري الأول كما هو التأريخ الإسلامي التقليدي، ويوضح أنّ الأكثر منطقية في مواجهة الفريقين هو مطالبة من يؤخّرون تاريخ الاستقرار إلى نهاية القرن الأول بالدليل على هذا، في ذات الوقت يتوقّف بحذر عن إعطاء تاريخ تفصيلي لاستقرار النصّ في النصف الأول، إلا أنه يضعه بعد عَقْد على الأقلّ من وفاة النبي، كما يطرح ضرورة دراسة السّور القرآنية كجزء من دراسة استقرار المصحف.
وما يعطي هذه الورقة أهميتها ليس نتائجها بالصورة الكبيرة؛ وإنما قدرتها هذه على استعراض حجج الفريقين والمقارنة بينها، وكذا الجدالات البينيّة لأصحاب هذه المواقف والنظريات، وطريقة بنائه نظرته الخاصّة في مواجهتها؛ مما يجعل هذه الورقة استحضارًا كثيفًا لأبرز اشتغالات الدرس الغربي في هذه المساحة.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
- متى أصبح القرآن نصًّا مغلقًا؟
- الشاهد المغفول عنه: دليل على التدوين المبكر للقرآن
- تاريخ القرآن في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: النظريات المعاصرة حول تاريخ القرآن
- هل تأخّر ترتيب القرآن لما بعد عهد النبوّة؟ أدلة جديدة على وحدة مصدر ترتيب القرآن وفرضية جديدة حول تدوين القرآن
- ما قبل مصحف القاهرة؛ إطلالة على دراسة المصاحف المبكّرة
- خواص الرسم المشتركة في مخطوطات المصاحف المبكرة؛ برهانٌ على أصل عثماني مكتوب