جمع القرآن
إعادة تقييم المقاربات الغربية في ضوء التطورات المنهجية الحديثة
تعتبر قضية تاريخ القرآن أهم القضايا ضمن الاشتغال الاستشراقي بالقرآن، منذ بدايات انطلاقه كحقل علمي وحتى الآن، وترتبط هذه القضية بعدد كبير وواسع من القضايا ومساحات الدّرس، مثل: تاريخ الأُمة المسلمة، تاريخ الدعوة المحمدية، بناء النصّ القرآني، عملية نقل المعرفة في العالم الإسلامي المبكّر.
وقد برزتْ على ساحة الدرس الاستشراقي جملة من النظرات والآراء المتعلّقة بتاريخ القرآن الكريم، وهذه الآراء بينها اختلاف وتباين بسبب تغاير منطلقات الباحثين، لا سيما موقفهم من السردية الإسلامية ومقدار أحقيتها التاريخية ومدى إمكان الاعتماد عليها في التأريخ للقرآن الكريم ومعرفة هذا التاريخ، وأيضًا نظرتهم لطبيعة نقل المعرفة في العالم الإسلامي المبكّر، ومسألة المصادر التاريخية الإسلامية وغير الإسلامية، وغير ذلك من المسائل، بالإضافة لاختلاف المسبقات المعرفية وغير المعرفية والأُطر المنهجية التي ينطلق منها مُبَلْوِرِي كلّ نظرية من هذه النظريات والتي تصل أحيانًا إلى حدّ التناقض التام.
في هذه الورقة يقدم موتسكي عرضًا وتلخيصًا مدققًا للنظريات الأساسية التي أنتجها الباحثون الغربيون حول تاريخ القرآن، مثل نظريات جولدتسيهر، ومنجانا، وكازانوفا، ثم وانسبرو، وبورتون، وكذلك يقدّم تحليلًا معمّقًا لمنطلقات هذه النظريات ومسبّقاتها ومرتكزاتها، فنجده يشتبك مثلًا مع أطروحات شاخت وجولدتسيهر حول نقل الحديث النبوي والآثار الإسلامية في العموم، مستعينًا في هذا بما يعتبره تطوّرًا في نقاش هذه القضايا والمعتمد على التطوّر في المصادر المتاحة وكذا التطوّر في المناهج المستخدمة خصوصًا منهجيات جوينبول وشولر حول نقد السند والمتن.
إن ورقة موتسكي لا تتوقّف على مجرّد العرض والتحليل العميق لآراء الباحثين الغربيين حول تاريخ القرآن، ولكنها تعمل كذلك على تقويم هذه الآراء والاشتباك النقدي معها ومع مرتكزاتها المؤسّسة لها، فهذه الورقة تتميّز عن الكثير غيرها ممن ناقشوا نظريات تاريخ القرآن، في أنّها -وبعد تقديم نقد داخلي لهذه النظريات يُبْرِز الإشكالات المنهجية فيها وفي استخدامها للمصادر- تقوم بتحليل لمرويات جمع القرآن في عهدي أبي بكر ثم عثمان مستفيدة من بعض المنهجيات التي تطوّرت إثر طرح شاخت عن (نقطة الالتقاء) أو المدار، ليصل عبر هذا التحليل لقِدَم المرويات الخاصّة بجمع القرآن، وعدم وجاهة تلك النظرات التي تدّعي كون هذه المرويات والأخبار اختلاقات متأخّرة، وأنّ هذه النظرات محض خيال لا أكثر.
وبغضّ النظر عن نتائج ورقة موتسكي ومقدار الاتفاق أو الاختلاف مع المنهجيات التي عمل من خلالها لتحليل مرويات تاريخ القرآن، فإنّ هذه الورقة تبدو شديد الأهمية للدارسين؛ لما تقدّمه من عرض مكثّف وتحليل معمّق للنظريات التي أنتجها الغربيّون حول تاريخ القرآن، وكذلك ما تقدّمه من نقد داخلي للأُسس المنهجية لهذه النظريات، وهو نقد من المهم الاطلاع عليه؛ لما يفيده من تطوير المثاقفات العربية مع الفكر الاستشراقي وحفز هذه المثقافات للاشتباك مع البناءات المنهجية الداخلية لهذه النظريات وبيان عدم وجاهتها في ذاتها.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
- جمع القرآن؛ إعادة تقييم المقاربات الغربية في ضوء التطورات المنهجية الحديثة
- روايات بديلة حول تشكُّل القرآن
- ضبط الكتابة، حول بعض خصائص مصاحف الفترة الأموية
- تاريخ القرآن في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: النظريات المعاصرة حول تاريخ القرآن
- متى أصبح القرآن نصًّا مغلقًا؟
- القرآن والتاريخ: علاقة جدَليّة؛ تأمّلات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن