هل تأخّر ترتيب القرآن لما بعد عهد النبوّة؟
أدلة جديدة على وحدة مصدر ترتيب القرآن وفرضية جديدة حول تدوين القرآن
هل تأخّر ترتيب القرآن إلى ما بعد عهد النبوة؟
أدلة جديدة على وحدة مصدر ترتيب القرآن وفرضية جديدة حول تدوين القرآن[1][2][3]
1- مقدمة، ومراجعة للأدبيات[4]:
تبنَّى العديدُ من الباحثين الغربيين الرأي القائل بأنَّ النبي محمدًا لم يُرتِّب القرآن، وأنّ الشكل النهائي والدائم للقرآن ظهر في وقتٍ ما بعد وفاة النبي محمدٍ عام 11هـ/ 632م. وبحسب هذا الرأي؛ كان المجتمع الإسلامي المبكِّر منشغلًا بإصلاح النصّ القرآني بصورة أو بأخرى. بيدَ أنّ ثمة أدلة حديثة، ظهرت مؤخرًا، تنحو بنا في اتجاه آخر، وهي موضوع هذه الورقة.
تشير أنواع الأدلة التي نناقشها هنا -البنيوية والأسلوبية والموضوعية- إلى أنَّ مؤلِّفًا واحدًا أو مصدرًا واحدًا اضطلع بترتيب القرآن، وهو ما يظهر منه أن وجهة النظر الحالية بحاجة إلى مراجعة وإعادة نظر. ومن ثم يطرح المقال -قبل الخاتمة- فرضية مُستحدَثة أو مُعدَّلة حول كتابة القرآن ونقله.
منذ ظهوره في عام 2014، حظي كتاب أنجيليكا نويفرت[5] (النصّ المقدّس والشِّعْر وتكوين الجماعة: قراءة القرآن باعتباره نصًّا أدبيًّا. Scripture, Poetry, and the Making of a Community: Reading the Qur’an as a Literary Text)[6] =بترحيبٍ كبير في حقل الدراسات القرآنية[7]، وهذا ليس بالأمر المفاجئ؛ ذلك أنّ هذا الكتاب ضمَّ بين دفتيه العديد من المقالات الحصيفة، وهو بشكلٍ عام يُعَدّ إسهامًا قـيِّمًا. إنه بالأحرى أحد أفضل الأعمال المعاصرة حول القرآن، وربما لا يفوقه في هذا إلا كتاب نيكولاي سيناي (القرآن: مقدمة تاريخية نقدية. The Qur’an: A Historical- Critical Introduction) الذي نُشر عام 2017. بيدَ أن تركيزنا هنا -فيما يتعلّق بموضوع هذه المقالة- سيكون على إعادة النظر في تقييم نويفرت لنَظْم السور المتأخرة. وَجَدَت نويفرت فرقًا كبيرًا بين السور المكية المتماسكة ذات الثيمات الموضوعية الثلاث، وبين السور المدنية الطويلة التي يُفترض أنها غير متماسكة؛ حيث يبدو أنّ تلك الأخيرة (عبارة عن نظمٍ لمجموعات معزولة من الآيات)، و(لا يمكن وصفها بأنها سورٌ منظَّمة)؛ وتذهب إلى أن هذه السور هي على الأرجح نتاج عملية جمع لاحقة، ثم نُقّحت في ذلك الوقت وفقًا (لمعايير خارجية أو آلية)[8].
تحذو نويفرت حذو باحثين غربيين سابقين في تشكُّكِها إزاء التشكيل المبكِّر للقرآن. ففي عام 1916، تحدَّى ألفونس منجانا الروايات التقليدية التي تنسب إنتاج نصٍّ موحَّد إلى خلافة عثمان بن عفان (23- 35/ 644- 656)، وذهب بدلًا من ذلك إلى أن القرآن لم يُدوَّن في كتاب حتى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65- 86/ 685- 705)[9]. ثم في عام 1977، ذهب جون وانسبرو[10] إلى أبعد من ذلك بكثير، حيث اقترح أنّ القرآن لم يتشكّل في الواقع إلا في العصر العباسي، في نهاية القرن الثامن الميلادي على أقرب تقدير؛ أي بعد قرنين تقريبًا من إعلان نزول القرآن لأول مرة. بنَى وانسبرو هذا الافتراض على ما اعتبره ترتيبًا مفكَّكًا للقرآن (أي: أقسام مستقلّة لا يربط بينها شيء سوى عدد محدود من الاصطلاحات البلاغية)، وهو ما اعتبره علامة واضحة على الترقيع والتحرير الاستعادي، مشيرًا أيضًا إلى أن الاهتمام بتأسيس وترسيخ النصّ لم ينشأ إلا بصورة أوّلية عند ظهور مدوَّنات التفسير[11]. ومع أن نويفرت تُؤرخ هذا الترتيب بما هو أقدم من تأريخ وانسبرو، بالاعتماد على الروايات التي تنسب هذا الترتيب إلى لجنة التنقيح والتحرير في عهد عثمان بن عفان (مع افتراضها بأنّ عمل اللجنة لم يقتصر على إصدار نصّ موحَّد، بل إنها شكَّلَت الكتاب الذي لم يكن موجودًا من قبلُ)، إلا أنها تشارك أسلافها من الباحثين الغربيين شكوكهم بقدر تأييدها للقول بأنّ النبي محمدًا مات والقرآن لم يكتمل بناؤه بعدُ. بالنسبة لنويفرت، فإنّ الفرضية القائلة بأنَّ محمدًا هو المؤلِّف الوحيد للقرآن هي «إشكاليةٌ بصورة كبيرة»[12].
1.2- الأدلة البنيوية:
كما ذكرنا آنفًا؛ سوف نستعرض في هذه المقالة الأدلة التي تشير إلى نتيجة مختلفة. أولًا: سننظر في الأمثلة التي تثبت الاتساق التركيبي، وهي التي من شأنها أن تشير إلى وحدة المصدر أو الشخص الذي اضطلع بترتيب القرآن. تبيّن هذه الأمثلة الروابط بين الموضوع المركزي وما احتفّ به من موضوعات طرفية بين السور المتجاورة؛ مثل الكلمات أو الموضوعات التي تتكرّر فيهما[13]. كما يمكن الإشارة إلى أنّ هذا النوع من الارتباط لا يقتصر على القرآن؛ ففي عام 1942، لاحظ عالمُ الدراسات الكتابية نيلس لوند في العهد الجديد «العديد من الأمثلة على الأفكار التي تكون هي محور أحد الأنظمة، ثم تتكرّر في ثنايا الموضوعات الفرعية في النظام المقابل، بما يظهر منه أن النظام الثاني صُمِّم بهذا الشكلِ ليتناسب مع الأول»[14]. سنناقش فيما يأتي أمثلة على هذا الارتباط بين المركز والأطراف في السور المكّية المبكِّرة والمتأخّرة (بعد تعديل سيناي للتسلسل الزمني الذي اقترحه نولدكه)[15]، ثم نُورد أمثلة مشابهة من السور المدنية الطويلة التي نزلت في فترة إقامة النبيّ في المدينة. تتميز الأمثلة المتنوّعة التي سنتناولها هنا بوجود اتصال بين مركز القسم الأخير في السورة الأولى والأطراف (أو أحد الأطراف) في السورة التي تليها، وتشكِّل اقترانًا معها.
مثالنا الأول هو ثنائية سورتي الأعلى والغاشية من الفترة المكّية المبكِّرة[16]. هاتان السورتان تدعوان النبي إلى تمجيد الخالق وتذكير الناس به، ووصف الثواب والعقاب الأخروي. يتمحور مركز السورتين حول التأكيد الإلهي للنبي على أنّ الله سيُيسِّر له تلاوة القرآن [بحيث لا يَنسى منه شيئًا] وطرح الأسئلة البلاغية [الاستنكارية] حول عظمة الخلْقِ. يمكن تقسيم الوحدة الافتتاحية لسورة الأعلى إلى ثلاثة أجزاء على النحو الآتي:
القسم (أ) | الآيات 1- 5 | الأمر بتمجيد الخالق. |
القسم (ب) | الآيات 6- 8 | التأكيد الإلهي للنبي على أن الله سيُيسِّر له ترتيل القرآن بحيث لا يَنسى منه شيئًا. |
القسم (أ") | الآيات 9- 19 | الأمر بإنذار الناس ووعظهم. |
لدى القِسم الأخير شكلٌ مركزيّ خاص به؛ موضوعٌ ضمن السورة المرتبة بصورة متماثلة، يركِّز على الكافر وعقابه في الآخرة.
القسم (أ"): الآيات 9- 19
9
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى
10
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى
11- 13
يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى - الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى - ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى
14- 15
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى - وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى
16- 19
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا - وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى - إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى - صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى.
وبالانتقال إلى سورة الغاشية، سنجدها هي الأخرى مقسَّمة إلى ثلاثة أقسام رئيسة، مع وعيدٍ صارِم يظهر في نهاية كلّ قِسم.
القسم (أ) | الآيات 1- 16 | وصف حال أصحاب النار وأصحاب الجنة. |
القسم (ب) | الآيات 17- 20 | أسئلة بلاغية [استنكارية] حول الخلق. |
القسم (أ") | الآيات 21- 26 | الأمر بإنذار الناس ووعظهم بأنَّ مَن يتولَّى عن الرسالة فسيصيبه العذاب الأكبر. |
في الأقسام (أ) و(أ") من سورة الغاشية أُعيدت صياغة الفكرة التي تظهر في منتصف القسم الأخير من سورة الأعلى بطرق مختلفة نوعًا ما؛ بمعنى أن الإشارة إلى الذي «يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى» المذكورة في وسط القسم (أ") من سورة الأعلى يتردد صداها في الإشارات إلى الوجوه التي «تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً» و«الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ». وفيما يأتي نبيِّن الأجزاء التي تمثّل الأطراف من هذه السورة، مع الإشارات التي تردَّد صداها عن الجحيم موضحة بخطّ مثقَّل:
القسم (أ): الآيات 1- 16
1- 7
سؤال استنكاري للنبي[17]: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ
8- 16
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
القسم (أ"): لآيات 21- 26
أوامر للنبي: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
خلاصة القول؛ ثمة اتصالٌ بين المركز والأطراف في السورتين: بين مركز القسم (أ") من سورة الأعلى وأطراف سورة الغاشية، وهي صِلَة تؤكّد على المصير المؤلم للكافر. ويمكننا رسم مخطط هذه الصلة بالجدول الآتي:
سورة الأعلى – القسم (أ") – الآيات 9- 19 | الآيات 9- 10 |
الآيات11 و12 و13 | |
الآيات 14- 19 | |
سورة الغاشية | القسم (أ) – آية 4 |
القسم (ب) | |
القسم (أ") – آية 24 |
نُوقِش مثالان آخران من زمن الوحي المكّي في كتابنا (البنية والتأويل القرآني. Structure and Qur’anic Interpretation)؛ لذلك سنشير إليهما هنا بإيجاز فقط. الأول يُظهِر زوجًا من السور المكّية المبكِّرة، ألَا وهما سورتا: القمر والرحمن؛ ففي منتصف القِسم الأخير من سورة القمر، هناك الآية التي تقول: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [الآية: 49]، وهو ما قد لا يبدو أنَّ له علاقة بالأفكار التي تمثِّل الموضوعات الطرفية للسورة والتي تتحدَّث حول معاقبة الله للكافرين ومكافأة المؤمنين. لكنَّا نجد أن هذه الآية متّصلة بأطراف سورة الرحمن، وتحديدًا في الآيات التي تتحدث عن دِقَّة الخلْقِ والميزان وعدم التقاء البحرين (الآيات 7- 9، والآيات الموازية لها 19- 20). وبالمثل، نجد مثالًا على هذا الارتباط في زوجٍ آخر من السور المكية المتأخّرة، وهما سورتا: يوسف والرعد؛ ففي منتصف القِسم الأخير من سورة يوسف، يظهر تحوُّلٌ (التفات) بلاغي غير متوقع إلى آيات الله البيِّنة في السماوات والأرض؛ ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يوسف: 105]، وهو ما يبدو خارجًا عن محور هذه السورة التي تروي قصة إنسانية ملهمة. يظهر الرابط بين هذه الآية وبين صدر سورة الرعد؛ حيث نجد أمثلة على آيات الله في الطبيعة وإشارة إلى عقابه السماوي (الآيات 2- 4 و12- 13 و17)[18]. ولذلك فإنّ السمة التركيبية للاتصال بين المركز والأطراف موجودة في كلٍّ من السور المكية المبكِّرة والمتأخّرة.
وبالانتقال إلى السور المدنية، يفترض عادةً أنَّ هذا الارتباط بين نَظْم السور المختلفة يضعف، أو يضمحلّ. عادةً ما تكون هذه السورة طويلة، وتتضمَّن موضوعات تشريعية بالطبع، وهو ما يجعل من الممكن تمييزها عن نظيراتها المكية التي سبقتها في النزول. ومع ذلك، فإنّنا نرى من الناحية البنيوية اتصالًا مستمرًّا على مستوى المركز والأطراف لأزواجٍ من السور المدنية. مثالنا الأوّل هو لزَوجٍ من أوائل السور المدنية: البقرة وآل عمران. ناقشنا هذا المثال أيضًا في كتابنا سالف الذِّكْر[19]؛ وسنوجزه هنا. ثمة علاقة بين آية الكرسي (آية: 255) التي تظهر في منتصف القِسم (أ") من سورة البقرة، وتكرار عبارة: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ في الآية الثانية من سورة آل عمران؛ تلك الآية التي تلي الحروف المقطعة ﴿الم﴾ مباشرة، وتسبق بيان نزول الكتاب. ومن الجدير بالذِّكْر أنّ هذا واحدٌ من ثلاثة مواضع فقط في القرآن -من أصل 29 سورة تبدأ بالحروف المقطعة- لا تكون الآية التي تلي الحروف المقطعة مباشرة تتكلّم عن الوحي الكتابي[20]. ويبدو أنّ تلك الآية من سورة آل عمران قد جاءت في هذا الموضع الطرفي من السورة عن عمد لسببٍ بنيوي؛ ألا وهو تحقيق الاتصال مع المركز الرئيس للسورة السابقة.
المثالان التاليان هما لزَوجَيْن من السور المدنية التي بينها تفاوت نسبي في التأريخ. المثال الأول نجده في سورتي الأنفال والتوبة؛ حيث تمثّل إحداهما مرحلة مبكِّرة (الأنفال)، بينما الأخرى (التوبة) فتمثّل مرحلة متأخرة نسبيًّا في العهد المدني من الوحي. أمّا المثال الثاني فنجده في سورتي النساء والمائدة؛ حيث تمثّل سورة النساء تقريبًا منتصف المرحلة المدنية بينما سورة المائدة -ربما- تعود إلى نهايتها. وقد نُوقِشَت هذه الأمثلة أيضًا في منشورات حديثة[21]. وخلاصة القول فيها: في مركز القِسم (أ") من سورة الأنفال هناك إشارات إلى نقض المعاهدات وعدم قدرة الكفّار على إطفاء نور الله بأفواههم (الآيات: 56 و59)، ثم في بداية سورة التوبة نجد البراءة من المعاهدات مع المشركين والتأكيد على أنّ الكفّار أمثالهم غير معجزي الله وأنه سيخزيهم (الآيات: 1- 2)؛ وهذا اتصالٌ بين المركز والأطراف. أخيرًا، نلاحظ مثل هذا الارتباط في الإشارة التي تظهر في مركز القِسم (أ") من سورة النساء إلى بعض الأطعمة الطيبة التي حُرّمت على بني إسرائيل بسبب ظلمهم (الآية: 160)، ثم في مفتتح سورة المائدة (الآية: 2) نجد توضيحًا حول إباحة بعض الأطعمة للمؤمنين.
ومن هنا نجد أنّ خاصية الاتصال بين السور المزدوجة -أي اتصال مركزها وأطرافها- موجودة في جميع أنحاء الوحي القرآني؛ وهو ما يشير إلى الاتساق التركيبي.
2.2- الأدلة الأسلوبية:
في عام 2011، نشر بهنام صادقي Behnam Sadeghi مقالًا بديعًا يعتمد على بحث أُجري في جامعة برينستون. لا توجد مساحة كافية هنا للخوض في تفاصيل عمل صادقي المثير للإعجاب؛ ولذا نحيل القارئ إلى مقالته. يكفي هنا أن نقول إنه يطبّق المنهجيات الأسلوبية في تحليل القرآن من أجلِ الإجابة على الأسئلة حول التسلسل الزمني للنصّ ووحدته الأسلوبية. وكما هو الحال في مراجعتنا للبنية -سواء ما ذكرناه أعلاه أو في وقت سابق كما بيّناه في كتابنا- فإنّ دراسته تشير إلى الاستمرارية داخل النصّ. ومن خلال التحليل الحاسوبي لعوامل، مثل طول الآيات وظهور المقاطع المشتركة وغير المشتركة؛ استطاع صادقي تحديد مسار أسلوبي سلس ومتماسك؛ حيث إنّ التباينات في المتغيرات المرصودة تظهر وفق تسلسل تدريجي مرحلي، وليس بشكلٍ فوضوي أو عشوائي. وخلصَت الدراسة إلى أنّ القرآن ذو مصدر واحد[22].
3.2- الدليل الموضوعي:
النوع الثالث من الأدلة التي يجب أخذها بعين الاعتبار هنا هو الدليل الموضوعي، وتحديدًا ما يتعلّق بمبدأ الجهاد. من ناحية؛ ترى وجهة النظر التقليدية أنّ هناك تدرجًا في القرآن من المقاطع الآمرة بمهادنة المشركين إلى المقاطع التي تحثُّ على قتالهم؛ وأنَّ الأُولى منسوخٌ حكمها بالثانية. ومن ناحية أخرى، يذهب جمعٌ من الباحثين الغربيين إلى محاولة فهمٍ يقوم على تعدّد طبقات المعاني ومستوياتها في النصّ (polyvalent). فعلى سبيل المثال، اقترح رفين فايرستون -الذي حَذا حذو أسلافه في عام 1999 من خلال تبنِّي الفرضية المشهورة بأنّ القرآن نصٌّ مشوَّش- أنّ القرآن تضمَّن آراء ومذاهب مختلف الفصائل داخل المجتمع المبكِّر؛ وعليه فهو يرى أنّ النص: 1- يحثّ على عدم الجهاد، 2- يدعو إلى تقييد القتال، 3- يعبِّر عن التعارض بين أمر الله وردِّ فعل أتباع محمد، 4- يدعو إلى الحرب. وقد كانت هذه هي مواقف الفصائل المختلفة، التي حرصت على ضمان دمج وجهات نظرهم قبل نَظْم القرآن[23].
إنّ الدراسة التي أجراها جواد هاشمي Javad Hashmi مؤخرًا تُعارِض كلًّا من وجهة النظر التقليدية وتلك المعتمدة على تعدّد المذاهب والأصوات داخل النصّ. فاستنادًا إلى قراءة متأنية لآيات الجهاد، يذهب هاشمي بدلًا من ذلك إلى القول بوجود عقيدة متماسكة للجهاد. يقوم هذا المذهب على خمسة مبادئ، ويتمحور حول المبدأ الثالث منها وهو القصاص؛ وهذه المبادئ هي: 1- حرمة النفس، 2- مبدأ (لا تعتدوا)، 3- القصاص، 4- مبدأ الميثاق والنصرة، 5- مبدأ الصلح والوعيد. وبإعادة النظر في السيرة النبوية، يشير هاشمي أيضًا إلى أن التصرّف النهائي للنبيّ تجاه مشركي مكّة كان العفو والمصالحة، وليس العدوان، مما دفعه إلى اقتراح أن نظرية الحرب العادلة في القرآن لم تتحوّل إلى عقيدة عسكرية إلا على يدِ مفسِّري العصور الوسطى الذين سعوا إلى تبرير المسعى التوسّعي. وأخيرًا، يرى هاشمي أنه بقدرٍ ما يعكس القرآن تصوّرًا متماسكًا فيما يتعلّق بالجهاد، فالأرجح أن النصّ القرآني خرج من مَعِينٍ واحد[24].
وعليه؛ فإنّنا هنا وصلنا إلى نفس النتيجة حول مصدر القرآن من ثلاثة منظورات مختلفة. قد نضيف إليها أنّ الاستدلال حول الترتيب الفردي للقرآن (سواء كان ذلك توقيفيًّا بوحي أم لا)، بناءً على اكتشافنا الذي أثبت الاتساق البنيوي =لا يتعارض مع الروايات المبكِّرة. وفقًا للآثار، أنتجت اللجنة العثمانية أول نسخة مكتوبة كاملة، وانقسَمت الآراء حول ما إذا كانت اللجنة قد رتّبت السور التي كانت كاملة بالفعل (بترتيبٍ معيَّن للآيات) بناءً على توقيفٍ من النبي، أم كان ذلك (ترتيب الآيات داخل السورة الواحدة) اجتهادًا منهم[25][26].
يتوافق بحثُنا مع الرأي الأول؛ حيث إنّ وجود آيات موضوعة داخل السور، وهي متصلة بآياتٍ في السور المجاورة لها =لهو دليلٌ واضح على وجود نَظْمٍ أوسع يتجاوز السورة المفردة. وكما تساءل مستنصر مير بوضوح: «إذا كان لدى النبي محمد تصورٌ محدّد عن ترتيب آيات السور، فكيف يمكن أن يتغاضَى عن ترتيب السور نفسها؟»[27]؛ بل إنّ الاحتمال الأرجح في هذا كلّه هو أنّ نفس المؤلِّف أو المصدر هو الذي حدَّد ترتيب سور وآيات القرآن من أوّل نزوله إلى آخره. نحن نتحدّث هنا عن عملية طويلة امتدَّت لأكثر من عقدَيْن من الزمن، جرت خلالها إعادة صياغة الترتيب الزمني للوحي وفق ترتيب أدبي. ونظرًا لأنه كان هناك إدراجٌ لفقرات نزلتْ متأخّرة وسط فقرات أخرى سبقتها، فإنّ هذا النَّظْم الأدبي لم يتّخذ شكله النهائي إلا قُبيل وفاة النبيّ في 11هـ/ 632م[28].
3- فرضية مُحدَّثة لكتابة القرآن ونقله:
نبدأ هذا القِسم بذكر كتاب آخر مهمّ (بالفرنسية) ظهر في العقد الماضي وهو: (الأحاديث حول تدوين مصحف عثمان. Les traditions sur la constitution du muṣḥaf de ʿUthmān)، بقلم فيفيان كوميرو[29]. فيما يتعلّق بالفكرة العامة لحفظ القرآن -وهي أنه كان محفوظًا شفهيًّا (إلى جانب كتابته على قِطَعِ الجلود، وأكتاف الإبل، وسُعُف النخل، وغيرها من وسائل الكتابة الأخرى) حتى اجتمعت لجنة بتكليفٍ من عثمان بن عفان وأصدرت أول نسخة مكتوبة كاملة للقرآن- أقول: إنّ كوميرو ترى أن هذه الفكرة العامة ليس عليها إجماع. في الواقع، في أواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، رأى علماء مثل أبي عمرو الداني وابن حزم الأندلسي أن القرآن جُمع وكُتب في حياة النبي. وتُظهِر كوميرو أن البخاري (ت: 256/ 870) هو المسؤول الأول عن ترسيخ القصة السائدة. ومن بين مجموعة الآثار المتداولة، اختارت كوميرو بعضًا منها، معطية لكلّ من الخلفاء الثلاثة الأوائل دورًا؛ وبالتالي فإنها تؤكد التتابع الأوّلي. وبناءً على الأحاديث المجموعة فإنّه: إمّا أبو بكر (11- 13/ 632- 634)، أو عمر (13- 23/ 634- 644) هو مَن بدأ بجمع القرآن -أو كان لهما يدٌ في ذلك- ثم تولّى عثمان الأمر رسميًّا وأكمله. وفي نهاية المطاف، أصبحت الرواية التي روّج لها البخاري هي المهيمِنة[30].
من ناحية أخرى، فإنّ المرويات المتعلّقة بأصل القرآن ربما تحتوي على شيء من الحقيقة، وليست جميعها محض اختلاقات لاحقة[31]. وقد بَيَّن هارالد موتسكي في هذا الصدد أنّ روايات المسلمين عن تشكُّل القرآن التي سجّلها البخاري تعود -على الأقلّ- إلى نهاية القرن الأول الهجري -أي إلى حوالي جيلين بعد خلافة عثمان- وأنها لم تكن محض اختراعات من البخاري[32]. ربما يمكن هنا إعادة النظر في التقليد الشفهي مع أخذ النتائج الجديدة في الاعتبار. وعليه؛ فإننا نعرض فيما يلي فرضية حول نقل القرآن بناءً على الأدلة الأدبية والباليوغرافية والتاريخية مع دمج عناصر من السردية التقليدية.
فيما يتعلّق بالمرويات؛ فإنّ الصعوبة الرئيسة التي نواجهها إزاءها تكمن في روح الحنين إلى الماضي التي تزخر بها؛ إِذْ من الواضح أن الشوق البريء، والتوق إلى زمنٍ أبسط، كانت من سمات العصر الأموي والتوسع السريع للإمبراطورية[33]. في الحقيقة، لم تكن شبه الجزيرة العربية عند ظهور الإسلام معزولة ومحدودة ثقافيًّا كما يُعتقد عمومًا؛ فقد كان يُتحدّث بالعربية هناك لعدّة قرون، وبحلول القرن السابع الميلادي أصبحت العربية لغة مكتوبة على نطاق واسع، وهو ما أظهره روبرت هويلاند من تحليل النقوش المكتوبة. ومن المحتمل أن يكون المبشّرون المسيحيون الذين جاؤوا إلى شبه الجزيرة، وبلاط الملوك العرب التابعين لبيزنطة -مثل الغساسنة- قد كان لهم دور رئيس في تطوّر النصّ العربي[34]. ثمة دليلٌ آخر من مصر على استخدام اللغة العربية، في شكل إيصال ضريبة على ورق البردي مسجّل باللغتين اليونانية والعربية ومؤرّخ بتاريخ 22هـ/ 643م. كُتب النصّ العربي بكفاءة تامّة تحت النصّ اليوناني، ومن هنا يمكن للمرء أن يستنتج -على غرار هويلاند- أن التقليد الإداري العربي كان موجودًا قبل القرن السابع[35].
وبالنظر إلى زمن النزول نجد مرويات عن الكتابة ودلالات النشاط الإداري باللغة العربية؛ حيث يقال إنّ النبي أرسل رسائل إلى مختلف الشعوب والقادة خلال سنواته الأخيرة في المدينة المنورة[36]. علاوة على ذلك، تشير الروايات الشفهية إلى وجود كاتب رسمي للنبيّ في مكة يعمل على تدوين وحفظ الوحي، والعديد من هؤلاء الكتبة كانوا في المدينة، وعلى رأسهم زيد بن ثابت[37]. وأخيرًا، يحتوي القرآن نفسُه على إشارات عديدة للكتابة أو التلاوة من نصٍّ مكتوب؛ فعلى سبيل المثال، هناك آية تشير إلى أن النبي يقرأ من صُحُف؛ ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾[البينة: 2]. كما أنَّ فواتح [الحروف المقطعة] بعض سور القرآن في مختلف مراحل النزول هي حروفٌ عربية. وفي المدينة المنورة، طُلِبَ من الـمَدِيـنِين كتابةُ وتوثيقُ دَيْـنِهم، حتى سداد المبلغ بالكامل؛ ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾[البقرة: 282]؛ وإذا كان قد أُمِر بكتابة الدَّين، أفلا يكون القرآن أَوْلَى أن يُكتب؟ يبدو من الصعب تخيُّل عدم كتابة القرآن في الوقت الذي كانت الكتابة فيه تُمارَس بصورةٍ ما. وإذا كان القرآن مدوَّنًا أصلًا فلماذا لم يُدوَّن كاملًا؟ هنا نعيد تأكيد ما توصَّلْنا إليه أعلاه بشأن الاتساق الأدبي في الصِّلَة بين المركز والأطراف، وهي الصِّلَة التي تُوحي بوحدة المصدر أو المؤلِّف الذي اضطلع بترتيب القرآن؛ ونؤكّد مرّة أخرى موقفنا المتمثّل في أن الوحي الذي نزل تدريجيًّا على فترات زمنية مختلفة أُعيدت هيكلته في ترتيب أدبي، وهو ما أنتج نصَّ القرآن مدوَّنًا كاملًا قبل وفاة النبيّ.
بيدَ أن ثمة العديد من المشاكل التي تطرحها هذه الفرضية؛ فلو كان النبيّ تُوفي والقرآن مدوَّن كاملًا، فماذا حلّ بهذا الأصل؟ ذلك أنّا لم نقف على هذا النموذج الأوّلي. بالإضافة إلى ذلك، لماذا توجد نُسخ تحوي اختلافات طفيفة في قواعد الإملاء، وعدد الآيات، وما إلى ذلك[38]؟ ألَا يعني وجودها عدم وجود نصّ ثابت؟ ولماذا يُنسب لعثمان في كثير من الأحيان توزيع المصحف على الأمصار؟ سنحاول تقديم إجابات لهذه الأسئلة فيما تبقّى من هذه الورقة.
تذكُر إحدى الروايات أنّ أبا بكر هو أوّل مَن جمعَ القرآن بين دفتين، فجعل من الأوراق المرتبة مصحفًا[39]. ليس من المستبعد أبدًا أن هذا ما حدث فعلًا، ولكن بالنظر إلى النشاط الإداري حول النبي سابقًا، تقلّ احتمالات أن هذا قد يكون هو ما حدث بالفعل. عند وفاة أبي بكر عام 13/ 634، من المؤكّد أن المصحف الأول قد انتقل إلى أيدي الخليفة الجديد عمر. ومع توالي الفتوحات في خلافته، فنحن نرى أن هذا التوسّع الكبير للدولة في حكمه وما بعده هو ما أدّى لاحقًا إلى إنتاج المصاحف. يقودنا هذا إلى مجموعة المخطوطات الرئيسة؛ ألا وهي مخطوطات المكتبة الوطنية الفرنسية المعروفة باسم (المصحف الباريسي)، أو مخطوطات باريسينو بيتروبوليتانُس Codex Parisino- petropolitanus.
في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وبين المخطوطات القرآنية المحفوظة بجامع عمرو بن العاص في الفسطاط بمصر، عُثر على صحائف رَقِّـية مكتوبة بالخط الحجازي المائل نحو اليمين، وهو مشابه لأسلوب الكتابة على البردي الموصوف آنفًا[40]. في عام 1833 حصلت المكتبة الوطنية الفرنسية على عددٍ كبيرٍ من أوراق هذه المخطوطة، واليوم توجد أجزاء منها تحتوي على حوالي 45% من القرآن، موزّعة بين باريس وسانت بطرسبرغ والفاتيكان ولندن. هناك أيضًا مخطوطة مشابهة لها على ما يبدو؛ وهي مصحف برمنغهام، جرى تأريخها مؤخرًا بالكربون المشعّ وتبيَّن أنها تعود إلى ما بين 568- 645م (بنسبة ثقة 95.4%)[41]. بالنسبة لمخطوطات المصحف الباريسي، فنحن نفترض أن الرَّق الذي كُتبت عليه صُنع من جلود الحيوانات خلال المرحلة الأُولى من التوسّع الإسلامي، وأن هذا المصحف نُسخ بعد وقت قصير من فتح مصر عام 20هـ/ 641م. تُظهِر دراسة المخطوطة أنَّ خمسة نُسّاخ عملوا عليها، مما يدلّ على وجود حاجة ملحّة للإسراع بتنفيذها. وحسب التأريخ المقدّر لدينا للمخطوطة، فإنّ مصر كانت قد فُتحت، ومن الطبيعي أن يكون مسجدها الأوّل بحاجة إلى نُسخة من القرآن. ومن الواضح أيضًا أن النُّسخة أُعدّت للاستخدام العام. كما أنها تظهر علامات تطوّر الخط العربي، وهو ما يميّز السنوات الأُولى. كما استنتج فرانسوا ديروش «أن المصحف الباريسي منسوخٌ عن أصل أقدم، مكتوب بإملاء ناقص في الأغلب، وقد كان النسّاخ الخمسة يحاولون تجويده عند الكتابة»[42].
وهناك مخطوطة قرآنية مماثلة بالخطّ الحجازي معروضة في متحف الفنون التركية والإسلامية بإسطنبول، عُثر على صحائفها بالجامع الكبير بدمشق، ونُقلت إلى إسطنبول عام 1911، قبل سقوط الإمبراطورية العثمانية. من الواضح أن هذه أيضًا إحدى المخطوطات القرآنية المبكرة جدًّا؛ ورغم وجود بعض الاختلافات، إلا أن الكتابة فيها لا تختلف كثيرًا عن المصحف الباريسي الذي عُثر عليه في القاهرة[43]. وبما أنّ الشام فُتحت قبل مصر (في 15هـ/ 636م)، فمن المحتمل أن هذا المخطوط يسبق النسخة المصرية بفترة قليلة، مما يجعله ربما أقدم نصّ قرآني لدينا، ويمكن أن يساعد التأريخ الكربوني لهذه المخطوطة في توضيح المسألة. أُرّخت مصاحف أخرى مؤخرًا، كما في حالة برمنغهام، ووُجد أنها تعود إلى الفترة المبكرة: فقد قُدّر تاريخ مصحف محفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة ومكتبة برلين ( 4313Ms. Or. Fol.) بالفترة: 606- 652؛ ومصحف توبنغن -الذي اكتُشف أيضًا في دمشق- يرجع تاريخه على الأرجح إلى: 649- 675؛ بينما يرجع تاريخ مصحف صنعاء إلى: 630- 650[44].
مبدئيًّا على الأقل، من الممكن أن تكون هذه المصاحف قد نُسخت في المدينة المنورة، المركز السياسي وموطن المصحف الأصلي[45].
عند وفاة عمر عام 23هـ/ 644م، يؤكّد التقليد أن المجموعة الأصلية من الصُّحُف انتقلت إلى ابنته حفصة، التي كانت زوج النبي، وقيل إنها كانت متعلِّمة[46]. وهذا الحدث يبدو طبيعيًّا تمامًا. بحلول ذلك الوقت -أي بعد مرور 12 عامًا على وفاة النبي- كان الخطّ العربي قد شهد تطورًا، وتوسّعت موارد الدولة بشكلٍ كبير. ونتصوّر أن مصحفًا مُحسَّنًا على مستوى الشكل وأكثر انتظامًا في الخطّ قد حلّ بالفعل محلّ المصحف الأول في المسجد الجامع (أو ربما حدث ذلك بعد تحديد الوجهة الجديدة للمصحف الأصلي). مما لا شك فيه أن القرآن كان دائمًا محفوظًا في الصدور، ولم تكن الصحف منذ البداية أكثر من سجلٍّ ثابت، محفِّز وداعم لضبط الصدر؛ ولذلك لا نفترض أن تلك الصحف كانت ذات قيمة خاصّة في حدّ ذاتها، على الأقل في الفترة المبكِّرة، أو أن المجتمع كان سيشعر بالانزعاج من انتقالها إلى حفصة، خاصة إذا أظهرت الصُّحُف البديلة قواعد إملائية أكثر وضوحًا أو تم تحسينها بطريقةٍ ما. نحن نتحدّث هنا بالمناسبة عن حالة عامة من النُّسَخ المحدودة، حيث كان المسجد الجامع لكلّ مدينة أو بلدة حامية يضمُّ مصحفًا كان يُستخدم كأساس للتعليم والتلاوة والحفظ[47]. ومن المؤكّد أنّ الأغنياء وذوي النفوذ سرعان ما بدؤوا في اقتناء نُسَخٍ خاصة بهم أيضًا، مع بقاء نسخة المسجد الجامع في خدمة الجميع.
وكما يظهر من دراسة المخطوطات، فقد تسلّل عنصرٌ من الخطأ البشري إلى هذه العملية. ومع أن الثقافة الإسلامية حقيقٌ بها أن تفتخر بدقّةِ نُسَخِ القرآن، إلا أن هذا لا يمنع أن النسّاخ ارتكبوا بعض الأخطاء بسبب الإرهاق أو الهفوات العابرة[48]. وفي مرحلةٍ ما، ظهرت الحقيقة الـمُرّة المتمثلة في أن المصاحف بينها اختلافات. وفقًا للرواية التي سجَّلها البخاري، فمن الواضح أن هذا حدث تقريبًا عام 30هـ/ 650م، عندما كانت الجيوش العربية الشامية والعراقية تقوم بحملتها في أرمينيا وأذربيجان؛ حيث ظهر اختلاف القراءة بين الجانبَيْن المسلمَيْن، وعندما عاد عثمان إلى المدينة عَلِمَ بذلك، وجاءته المشورة بضرورة اتخاذ إجراء تصحيحي. فأخذ الصحف من حفصة، وعيَّن لجنة مكوَّنة من زيد بن ثابت وثلاثة من رجال قريش. كان على هذه اللجنة أن تضع نصًّا قطعيًّا مبنيًّا على الصحف التي كانت عند حفصة. وهو ما قاموا به بالفعل، وبعد ذلك ردُّوا الصحف إلى حفصة. ومِن ثَم نُشر المصحف العثماني الموحَّد في جميع الأمصار، وحُرّقت جميع الصُّحُف والمخطوطات القرآنية التي كانت مختلفة عنه[49].
ومع أنه من الممكن اعتبار تلك الرواية دقيقة بشكلٍ عام، (ومِن ثَم تكون الخطوة الرئيسة في عمل اللجنة الموصوف في الرواية -أي: إنشاء مخطوطة معيارية بناءً على صُحُف حفصة- قد بُنيت على منطق بسيط ومباشر)، إلا أنه يبدو أن هذه الرواية تحتوي على مبالغة بشأن مصير النُّسَخ القديمة. كانت المخطوطات باهظة الثمن؛ فعلى سبيل المثال، يقدِّر ديروش أن الأمر تطلَّب قطيعًا مكوَّنًا من 185 حيوانًا لإنتاج مصحف مسجد عمرو بن العاص في مصر[50]؛ فلماذا تُحرَق هذه النُّسَخ؟ وعلى النقيض من ذلك، تتحدّث الروايات عن استخدام الماء الساخن والخلّ لمحو النصّ القديم[51]. كما تُخبرنا عن مصحفٍ يُنقَل من الشام إلى المدينة لمراجعته، وعن فريق يسافر لتفقُّد المصحف الذي عند عمرو بن العاص[52]. في الواقع، لاحظ ديروش في الأخير أنَّ ما مُحي فعلًا هو عدد صغير من نهايات الآيات التي لم يثبت لفظها، وأن بعض نهايات الآيات التي ثبت لفظها أضيفت لاحقًا على أيدي آخرين[53]. خلاصة القول أنَّ المخطوطات خضعت لعملية تصحيح. ويبدو أن هذا هو الحال، بالمناسبة، مع مخطوطة صنعاء، حيث تقدِّم المخطوطة دليلًا إضافيًّا على ما حدث بشكلٍ عام. علينا أن نستحضر أن مخطوطة صنعاء لم ينته الأمر بها في موقع رئيس خلال فترة التوسّع، بل في مدينةٍ صارت أقل أهمية من الناحية الإستراتيجية مع استمرار الحملات ضد بيزنطة وبلاد فارس. وفي وقتٍ ما في السنوات الأُولى، قام شخصٌ واحد بنَسْخ النصّ السفلي -فالمخطوطة عبارة عن طرس- بطريقة غير منظَّمة على رَقّ رديء الجودة (ومِن شكلِ الكتابة، ربما لم يكن الناسخ مدرَّبًا بشكلٍ جيد، وربما عمل بطريقة غريبة خاصّة به إلى حدّ ما). في صفحة واحدة على الأقل، استخدم الناسخ قطعة قماش تالفة؛ وفي وقت لاحق، مُحي النصّ بالكامل، ثم كَتَب اثنان من الناسخين النصّ المعياري للمصحف العثماني على الرَّق، وبقيت المخطوطة هكذا[54][55].
ولعلّنا نذكر هنا أيضًا أنه لا يوجد اليوم مخطوطة قرآنية تخالف النصّ العثماني؛ فإمّا أنّ المخطوطات الأخرى لم تصلنا، أو أن جميعها خضعت للتصحيح.
قدَّمنا حتى الآن إجابات على اثنين من الأسئلة الثلاثة المذكورة أعلاه؛ الأول يتعلّق بحقيقة الاختلافات النصية المبكِّرة (الناشئة عن الخطأ البشري)، والثاني حول دور عثمان في إنشاء نصّ موحد. السؤال الأخير الآن هو: ماذا حدث إذن للنموذج الأوّلي؟ يخبرنا التقليد أنّ حفصة كانت تحتفظ بتلك الصحف في حوزتها حتى طلبها مروان[56] -الخليفة المستقبلي في دمشق (حكم بين: 64- 65/ 684- 685) وابن عمّ عثمان- الحاكم الأموي للمدينة المنورة في أوائل العقد الهجري الرابع/ ستينيات القرن السادس الميلادي. يبدو أن تلك الصحف احتوت على اختلاف بسيط للغاية عن النصّ العثماني المعياري[57]. يستشهد ابن أبي داود بكلمتين من آية واحدة: إضافة (صلاة العصر) بعد كلمة (الصلاة الوسطى) في الآية: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ [البقرة: 238])، كما حدّد آرثر جيفري تسعة اختلافات أخرى مذكورة. لم تظهر خمسة من هذه الاختلافات في أيّ مخطوطة أخرى. وعلى الأقلّ واحدٌ منها هو خطأ ظاهر: كلمة (الأرواح)، بدلًا من (الرياح) في الآية ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ [البقرة: 164]، وراجع آية مشابهة بها في سورة الجاثية [الجاثية: 5]، وليس لأيٍّ منها تأثير كبير على معنى الآية[58]. من المحتمَل أنها كانت أخطاء كتابية دقيقة، وأنها اعتُبرت كذلك فعلًا؛ ذلك أنها لا تتماشى مع كيفية حفظ القرآن وتلاوته في المدينة المنورة. ومع ذلك فإن وجود هذه الصحف في الواقع قد يشكِّل تهديدًا للشرعية الأموية. فلو أمكن إثبات أن النصّ المعياري العثماني يختلف عن الصحف الأصلية المحفوظة عند حفصة -مهما كانت تلك الاختلافات طفيفة وغير مؤثِّرة- فإن هذا من شأنه أن يضرب الشرعية الأموية في مقتل. كان عثمان ينتمي إلى عشيرة بني أُميَّة، والآن بعد عقد من مقتله كان الأمويون يحاولون تهدئة الأوضاع وتعضيد حُكمهم. ومن المؤكّد أنهم لم يكونوا بحاجة إلى الرجوع إلى النصّ المصدر، والتشكيك في مبادرة عثمان (بل إنّ ظهور أيّ تناقض كان هو الخوف الأكبر لمروان، بحسب المصادر). وفي الوقت نفسه، قاوَمَت حفصة الضغوط التي مُورست عليها، ولكن عند وفاتها عام 45هـ/ 665م، حاول مروان مرة أخرى وتمكَّن من الحصول على الصحف من أخيها، ثم أعدمها[59].
إلى هنا تنتهي القصة، مع وضع الاعتبارات السياسية للحظةٍ فوق أيّ اعتبارات تاريخية. وإذا كانت الأجيال اللاحقة قد فقَدَتْ مخطوطة عتيقة ثمينة، فإنّ سلوانهم أنّ النصّ القرآني حُفِظ ونُقِل بأمانة شديدة.
4- خاتمة:
باختصار، يُعارِض هذا المقال فكرة أنّ النبي تُوفي تاركًا وراءَه القرآنَ غير مكتمل؛ وهو يسلِّط الضوء على مثالٍ للاتساق التركيبي الذي يظهر خلال مراحل الوحي المختلفة، وهو ما يعني وحدة مصدر القرآن، على خلاف القول بوجود مُسْهِمِين أو منظِّمِين متعدّدين. كما يشير أيضًا إلى دراستَيْن حديثتَيْن؛ إحداهما أسلوبية والأخرى موضوعية، توصَّلَتا إلى استنتاجات مماثلة حول أصل القرآن. ويبدو أن هذه النتائج تدعو إلى إعادة النظر في الافتراضات الحالية حول كتابةِ ونقلِ القرآن.
في القِسم التكميلي، طرَحْنا فرضية مُحدَّثة لهذه العملية؛ ونوجز هنا النقاط الرئيسة التي تشكِّل هذه الرواية البسيطة: بدءًا من النصّ الكامل الذي تُرِك عند وفاة النبي، إلى انتشار نُسخ المصاحف في السنوات التالية، إلى الاعتراف بوجود اختلافات بين القرّاء، ثم تصحيح النصّ في خلافة عثمان، وانتهاءً بتدمير الصُّحف الأصلية في أوائل العصر الأموي. وباستخدام شفرة أوكام؛ يمكن للمرء أن يستبعد التفسيرات الأكثر تعقيدًا حول كيفية وصول القرآن إلينا. وفي الوقت الحاضر على الأقلّ، قد تبدو الفرضية المذكورة أعلاه أكثر انسجامًا مع الأدلة.
ثبت المراجع:
Anthony, Sean W., and Catherine L. Bronson. "Did Ḥafṣah Edit the Qurʾān? A Response with Notes on the Codices of the Prophet’s Wives." Journal of the International Qur’anic Studies Association, 1 (2016), p. 93- 125.
· al- Aʿẓamī, M. M. The History of the Qur’ānic Text from Revelation to Compilation: A Comparative Study with the Old and New Testaments. Leicester, UK Islamic Academy, 2003.
· Bell, Richard. Bell’s Introduction to the Qurʾān, completely revised and enlarged by W. Montgomery Watt. Edinburgh, Edinburgh UP, 1970. http:/ / wwwbirmingham.ac.uk/ facilities/ cadbury/ TheBirminghamQuranManuscript.aspx, accessed June 2017.
· al- Bukhārī. Ṣaḥīḥ. (in Arabic), Beirut, Dār ṣādir, n.d.
· Burton, John. Collection of the Qur’ān. Cambridge, Cambridge UP, 1979.
· Comerro, Viviane. Les traditions sur la constitution du muṣḥaf de ʿUthmān. Beirut, Orient- Institut, 2012. http:/ / corpuscoranicum.de/ handschriften/ index/ sure/ 4/ vers/ 137/ handschrift/ 15,
accessed February 2018.
· Cuypers, Michel. La composition du Coran: Naẕm al- Qur’ân. Pendé, Gabalda, 2012.
· –––. "Structures rhétoriques des sourates 85 à 90." Annales Islamologiques, 35 (2001), p. 27- 99.
· Déroche, François. La transmission écrite du Coran dans les débuts de l’islam: Le codex Parisino- petropolitanus. Leiden, Brill, 2009.
· –––. Qur’ans of the Umayyads: A First Overview. Leiden, Brill, 2014.
· Donner, Fred M. Narratives of Islamic Origins: The Beginnings of Islamic Historical Writing. Princeton, Darwin, 1998.
· Dost, Süleyman. Review of Neuwirth, Scripture, Poetry, and the Making of a Community: Reading the Qur’an as a Literary Text.
Review of Qur’anic Research, 2.1 (2016), p. 1- 5.
· Douglas, Mary. Thinking in Circles: An Essay on Ring Composition. New Haven, Yale UP, 2007.
· Farrin, Raymond K. Abundance from the Desert: Classical Arabic Poetry. Syracuse, Syracuse UP, 2011.
· –––. "The Pairing of Sūras 8- 9." In Studi del quarto convegno RBS: International Studies on Biblical & Semitic Rhetoric, R.
Meynet and J. Oniszczuk eds, Rome, Gregorian & Biblical, 2015, p. 245- 264.
· –––. Structure and Qur’anic Interpretation: A Study of Symmetry and Coherence in Islam’s Holy Text. Ashland, White Cloud, 2014.
· –––. "Sūrat al- Nisāʾ and the Centrality of Justice." Al- Bayān – Journal of Qurʾān and Ḥadīth Studies, 14 (2016), p. 1- 17.
· –––. Tharwa min al- bādiya: al- shiʿr al- ʿarabī al- qadīm. (in Arabic), Beirut, Dār al- Farābi, 2013.
· Firestone, Reuven. Jihād: The Origin of Holy War in Islam. Oxford: Oxford UP, 1999.
· Harjumäki, Jouni, and Ilkka Lindstedt. "The Ancient North Arabian and Early Islamic Arabic Graffiti: A Comparison of Formal and Thematic Features." In Cross- Cultural Studies in Near Eastern History and Literature, Saana Svärd and Robert Rollinger eds, Münster, Ugarit- Verlag, 2016, p. 59- 94.
· Hashmi, Javad. "On the Origin of Jihād: The Ethics of War and Peace in the Qurʾān and During Early Islam." International Qur’anic Studies Association conference, Boston, 2017, https:/ / www.youtube.com/ watch?v=IK- f9Bes5AA.
· Hoyland, Robert. "The Content and Context of Early Arabic Inscriptions." Jerusalem Studies in Arabic and Islam, 21 (1997), p.
77- 102.
· –––. "Epigraphy and the Linguistic Background to the Qur’ān." In The Qur’ān in Its Historical Context, ed. Gabriel Said Reynolds, London, Routledge, 2008, p. 51- 69.
· –––. In God’s Path: The Arab Conquests and the Creation of an Islamic Empire. Oxford, Oxford UP, 2015.
· –––. "New Documentary Texts and the Early Islamic State." Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, 69/ 3 (2006), p. 395- 416.
· Ibn Abī Dāwūd. Kitāb al- maṣāḥif. Ed. Arthur Jeffrey, (in Arabic), Cairo, al- Maktaba al- Azhariyya li- l- turāth, 2007.
· Ibn Hishām. Al- Sīra al- nabawiyya. (in Arabic), Beirut, Dār Ibn Ḥazm, 2001.
· Ibn Shabba. Tarikh al- Madina al- munawwara. Ed. Fahīm Shaltūt, (in Arabic), Beirut, Dār al- turāth, 1990, vol. 3.
· Jeffrey, Arthur, ed. Materials for the History of the Text of the Qurʾān: The Old Codices. Leiden, Brill, 1937.
· Jones, Alan. "The Word Made Visible: Arabic Script and the Committing of the Qurʾān to Writing." In Texts, Documents and Artefacts: Islamic Studies in Honour of D. S. Richards, ed. Chase F. Robinson, Leiden, Brill, 2003, p. 1- 16.
· Kenny, Anthony. The Computation of Style: An Introduction to Statistics for Students of Literature and Humanities. Oxford, Pergamon, 1982.
· Lund, Nils. Chiasmus in the New Testament: A Study in Formgeschichte. Chapel Hill, UNCP, 1942.
· Mingana, Alphonse. "The Transmission of the Ḳurʾān." Journal of the Manchester Egyptian & Oriental Society (1915- 1916), p.
25- 47.
· Mir, Mustansir. Coherence in the Qur’ān: A Study of Iṣlāḥī’s Concept of Naẓm in Tadabbur- i Qur’ān. Indianapolis, American Trust Publications, 1986.
· Motzki, Harald. "The Collection of the Qur’ān: A Reconsideration of Western Views in Light of Recent Methodological Developments." Der Islam, 78 (2001), p. 1- 31.
· Neuwirth, Angelika. Scripture, Poetry, and the Making of a Community: Reading the Qur’an as a Literary Text. Oxford, Oxford UP, 2014.
· Nöldeke, Theodor, et al. The History of the Qurʾān. Ed. and trans. Wolfgang H. Behn, Leiden, Brill, 2013.
· al- Rūmī, Fahd. Dirāsāt fī ʿulūm al- Qurʾān. (in Arabic), Riyadh, Maktabat al- Malik Fahd al- waṭaniyya, 2003.
· Sadeghi, Behnam. "The Chronology of the Qurʾān: A Stylometric Research Program." Arabica, 58 (2011), p. 210- 299.
· Sadeghi, Behnam, and Uwe Bergmann. "The Codex of a Companion of the Prophet and the Qurʾān of the Prophet." Arabica 57 (2010), p. 343- 436.
· Sadeghi, Behnam, and Mohsen Goudarzi. "Ṣan‘ā’ 1 and the Origins of the Qur’ān." Der Islam, 87 (2012), p. 1- 129.
· al- Ṣanʿānī, ʿAbd al- Razzāq. Al- Muṣannaf. Ed. Ḥabīb al- Raḥmān al- Aʿẓamī, (in Arabic), Beirut, al- Majlis al- ʿilmī, 1972, vol. 6.
· Schoeler, Gregor. "The Codification of the Qurʾan: A Comment on the Hypotheses of Burton and Wansbrough." In The Qurʾān in Context: Historical and Literary Investigations into the Qurʾānic Milieu, Angelika Neuwirth, Nicolai Sinai, and Michael Marx eds., Leiden, Brill, 2010, p. 779- 794.
· –––. The Genesis of Literature in Islam: From the Aural to the Read. Trans. Shawkat M. Toorawa, Edinburgh, Edinburgh UP, 2009.
· Sinai, Nicolai. The Qur’an: A Historical- Critical Introduction, Edinburgh, Edinburgh UP, 2017.
· Small, Keith E. Textual Criticism and Qur’ān Manuscripts. Lanham, Lexington, 2011.
· al- Ṭabarī. Tafsīr. Ed. Ṣalāḥ ʿAbd al- Fattāḥ al- Khālidī, Damascus, Dār al- qalam, 1997, vol. 2. https:/ / www.uni- tuebingen.de/ en/ news/ press- releases/ press- releases/ article/ raritaet- entdeckt- koranhandschrift- stammt- aus- der- fruehzeit- des- islam.html, accessed June 2017.
· Wansbrough, John. Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation. Oxford, Oxford UP, 1977.
· Watt, W. Montgomery. Muhammad’s Mecca. Edinburgh, Edinburgh UP, 1988.
· Whelan, Estelle. "Forgotten Witness: Evidence for the Early Codification of the Qurʾān." Journal of the American Oriental Society, 118/ 1 (1998), p. 1- 14.
· –––. "Writing the Word of God: Some Early Qurʾān Manuscripts and Their Milieux, Part 1." Ars Orientalis, 20 (1990), p. 113147.
· al- Zarkashī. Al- Burhān fī ʿulūm al- Qurʾān. Ed. Abū l- Faḍl al- Dimyāṭī, (in Arabic), Cairo, Dār al- ḥadīth, 2006.
[1] العنوان الأصلي للمقالة هو (The Composition and Writing of the Qurʾān: Old Explanations and New Evidence)، وجدير بالذكر أن الترجمة الحرفية للعنوان هي (نظم القرآن وكتابته: أطروحات قديمة وأدلة جديدة)، وقد نشرت في: (Journal of College of Sharia & Islamic Studies. Vol. 38 - No. 1 2020)، لكننا آثرنا تعديلها لهذا إلى هذا العنوان ليكون أوضح في التعبير عن اشتغال المقالة. (قسم الترجمات).
[2] ترجم هذه المقالة، مصطفى هندي، باحث ومترجم، له عدد من الأعمال المطبوعة.
[3] كاتب هذه المقالة هو ريموند فارين، Raymond K. Farrin، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالكويت، مشتهر بكتابه: Structure and Qur'anic Interpretation: A Study of Symmetry and Coherence in Islam's Holy Text، بنية وتفسير القرآن: دراسة التناظر والتماسك في نص الإسلام المقدس، 2014. (قسم الترجمات).
[4] قُدّمت نسخٌ سابقة من هذا المقال في ندوة: (القرآن بين العصور القديمة المتأخرة والعصور الوسطى)، في سيينا Siena في مايو 2015، وضمن سلسلة محاضرات: "Arab Crossroads Studies"، في جامعة نيويورك بأبو ظبي، في سبتمبر 2016. وأنا ممتنٌّ لتعليقات الزملاء في كلتا المناسبتين، وخاصة تعليقات: جوليانو لانسيوني، وراؤول فيلانو، وعقيل المراعي، وريك أوكس، وجاستن ستيرنز.
[5] أنجيليكا نويفرت Angelika Neuwirth (1943-...): من أشهر الباحثين الألمان والأوروبيين المعاصرين في الدراسات القرآنية والإسلامية.
أستاذ الدراسات الساميّة والعربية في جامعة برلين الحُرّة، درسَت الدراسات الساميّة والعربية والفيلولوجي في جامعات برلين وميونيخ وطهران، عملَتْ كأستاذ ومحاضِر في عدد من الجامعات؛ مثل برلين وميونيخ وبامبرغ، كما عملت كأستاذة زائرة في بعض الجامعات؛ مثل جامعة عمّان بالأردن وجامعة عين شمس بالقاهرة.
أشرفَتْ على عدد من المشاريع العلمية؛ منها: مشروع (كوربس كورانيكوم).
ولها عدد من الكتابات والدراسات المهمة في مجال القرآن ودراساته؛ من أهمها:
- Der Koran als Text der Spätantike: Ein europäischer Zugang, 2010
القرآن كنصّ من العصور القديمة المتأخّرة، مقاربة أوروبية.
وقد تُرجِم للإنجليزية وصدر بعنوان: The Qur'an and Late Antiquity: A Shared Heritage, 2019
- Studien zur Komposition der mekkanischen Suren, 1981
دراسات حول تركيب السور المكية. (قسم الترجمات).
[6] ترجَمْنا عرضًا لهذا الكتاب بعنوان: عرض كتاب (القرآن وصناعة المجتمع، قراءة القرآن كنصّ أدبي)، ديفين ستيوارت، ترجمة: أمنية أبو بكر، موقع تفسير. (قسم الترجمات).
[7] انظر على سبيل المثال مراجعة سليمان دوست Süleyman Dost في: Review of Qur’anic Research, 2.1 (2016), p. 1- 5.
[8] Neuwirth, Scripture, Poetry and the Making of a Community: Reading the Qurʾan as a Literary Text, Oxford, Oxford UP, 2014, p. 32, 154, 158.
[9] Alphonse Mingana, "The Transmission of the Ḳurʾān," Journal of the Manchester Egyptian & Oriental Society (1915- 1916), p. 25- 47.
[10] جون وانسبرو John Wansbrough، (1928م- 2002م): مستشرق أمريكي، يعتبر هو رائد أفكار التوجه التنقيحي، وتعتبر كتاباته منعطفًا رئيسًا في تاريخ الاستشراق؛ حيث بدأت في تشكيك جذري في المدونات العربية الإسلامية وفي قدرتها على رسم صورة أمينة لتاريخ الإسلام وتاريخ القرآن، ودعا لاستخدام مصادر بديلة عن المصادر العربية من أجل إعادة كتابة تاريخ الإسلام بصورة موثوقة، ومن أهم كتاباته:
Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation, Oxford University Press, 1977.
«الدراسات القرآنية، مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة» (1977م)، وقد ترجم عرضًا لهذا الكتاب كتبه كارول كيرستن، ترجمة: هند مسعد، منشور ضمن ترجمات ملف (الاتجاه التنقيحي) على موقع تفسير:
The Sectarian Milieu: Content and Composition of Islamic Salvation History, 1978
الوسط الطائفي: محتوى وتشكل (تاريخ الخلاص) الإسلامي. (قسم الترجمات).
[11] John Wansbrough, Quranic Studies: Sources and Methods of Scriptural Interpretation, Oxford, Oxford UP, 1977, p. 45, 47; cf. p. 12, 49.
لقد عارض العديد من الباحثين حجج وانسبرو، للاطلاع على نقد وتفنيد مفصَّل، انظر:
Fred M. Donner, Narratives of Islamic Origins: The Beginnings of Islamic Historical Writing, Princeton, Darwin, 1998, p. 35- 61.
[12] Neuwirth, Scripture, p. 259.
[13] للمزيد حول هذا الارتباط، انظر:
Farrin, Structure and Qur’anic Interpretation: A Study of Symmetry and Coherence in Islam’s Holy Text, Ashland, White Cloud, 2014, p. 10; Farrin, "The Pairing of Sūras 8- 9," in Studi del quarto convegno RBS: International Studies on Biblical & Semitic Rhetoric, R. Meynet and J. Oniszczuk eds, Rome, Gregorian & Biblical, 2015, p. 254. Cf. Mary Douglas, Thinking in Circles: An Essay on Ring Composition, New Haven, Yale UP, 2007, p. 35- 38.
[14] وهو يسمي هذا (قانون التحول من المركز إلى الأطراف).
Nils Lund, Chiasmus in the New Testament: A Study in Formgeschichte, Chapel Hill, UNCP, 1942, p. 41.
[15] Sinai, The Qur’an: A Historical- Critical Introduction, Edinburgh, Edinburgh UP, 2017, p. 161- 176.
[16] حول هاتين السورتين باعتبارهما سورًا مزدوجة، انظر كلام أمين إصلاحي المقتبس في:
Mustansir Mir, Coherence in the Qur’ān: A Study of Iṣlāḥī’s Concept of Naẓm in Tadabbur- i Qur’ān, Indianapolis, American Trust Publications, 1986, p. 76; Michel Cuypers, "Structures rhétoriques des sourates 85 à 90," Annales Islamologiques, 35 (2001), p. 48- 63; Farrin, Structure, p. 110.
وحول أزواج السور بشكل عام، انظر:
Mir, Coherence, p. 75- 84; Michel Cuypers, La composition du Coran: Naẕm al- Qur’ân, Pendé, Gabalda, 2012, p. 27- 34; Farrin, Structure, p. 22- 47.
[17] قال الآلوسي في بيان الاستفهام في أول سورة الغاشية: «﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ﴾، قيل: (هَلْ) بمعنى (قد) وهو ظاهر كلام قطرب، حيث قال: أي؛ قد جاءك يا محمد حديثُ الغاشية، والمختار أنه للاستفهام وهو استفهام أُريد به التعجيب مما في حيّزه والتشويق إلى استماعه والإشعار بأنه من الأحاديث البديعة التي حقّها أن تتناقلها الرواة ويتنافس في تلقنها الوعاة»، تفسير الآلوسي، (15/ 324). وقال ابن عاشور: «الافتتاح بالاستفهام عن بلوغ خبر الغاشية مستعمل في التشويق إلى معرفة هذا الخبر؛ لما يترتب عليه من الموعظة»، التحرير والتنوير، (30/ 294). (قسم الترجمات).
[18] Farrin, Structure, p. 44, 68.
[19] Farrin, Structure, p. 25- 26.
[20] الموضعان الآخران هما فواتح سورتي العنكبوت والروم؛ بيد أنه في هذين الموضعين لا تتحدّث الآية التالية للحروف المقطعة مباشرة عن الوحي الكتابي، وهو ما يجعل صدر سورة آل عمران والآية التالية للحروف المقطعة فيها هو المثال الوحيد من بين 27 سورة تبدأ بالحروف المقطعة ثم تكون الآية التي تليها مباشرة تتكلّم عن الوحي الكتابي.
[21] Farrin, "The Pairing of Sūras 8- 9," p. 251; Farrin, "Sūrat al- Nisāʾ and the Centrality of Justice," Al- Bayān – Journal of Qurʾān and Ḥadīth Studies, 14 (2016), p. 13.
[22] Behnam Sadeghi, "The Chronology of the Qurʾān: A Stylometric Research Program," Arabica, 58 (2011), p. 210- 299.
وحول التحليل الأسلوبي، فإن أنسب ما يمكن البدء به هو:
Anthony Kenny’s The Computation of Style: An Introduction to Statistics for Students of Literature and Humanities, Oxford, Pergamon, 1982.
[23] Firestone, Jihād: The Origin of Holy War in Islam, Oxford: Oxford UP, 1999, p. 44- 46, 69- 91.
[24] من بحث يصدر قريبًا:
Javad Hashmi, On the Origin of Jihād: The Ethics of War and Peace in the Qurʾān and Early Islam.
يمكن الاطلاع على ملخص هذا البحث، الذي قُدِّم في الاجتماع السنوي للجمعية الدولية للدراسات القرآنية لعام 2017 في بوسطن، على الرابط الآتي:www.youtube.com/watch?v=IK-f9Bes5AA.
[25] البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق: أبي الفضل الدمياطى، القاهرة، دار الحديث، 2006، ص181- 183. وانظر: دراسات في علوم القرآن، فهد الرومي، الرياض، مكتبة الملك فهد الوطنية، 2003، ص: 108- 112، لترجيح القول بأن ترتيب السورة مأخوذ عن النبي أيضًا.
وبالعودة خطوة واحدة إلى الوراء، فإن دراسة مخطوطة صنعاء (التي سنناقشها أدناه) أكّدت مؤخرًا أن ترتيب الآيات داخل السور كان محدّدًا قبل الجمع العثماني، ذلك أن مصحف صنعاء هذا يسبق مصحف عثمان، لكنه يطابقه على مستوى الجمل والآيات (الاختلافات بينهما أدقّ من هذا، كما هو الحال على مستوى الصرف والكلمات). وبما أن المخطوطة ما قبل العثمانية تحتوي بالفعل على سور بأشكال نُسخت لاحقًا، فإنّ ذلك يعني أن السور كانت مرتبة قبل النصّ العثماني.
Behnam Sadeghi and Mohsen Goudarzi, "Ṣan‘ā’ 1 and the Origins of the Qur’ān," Der Islam, 87 (2012), p. 1- 129.
[26] حضر في التراث الإسلامي خلاف مشتهر حول ترتيب السور وهل كان بالتوقيف أم بالاجتهاد، أمّا ترتيب الآيات في السور فهو توقيفي بالإجماع وليس ثم خلاف في هذه القضية. (قسم الترجمات).
[27] Mir, Coherence, p. 101.
[28] من بين الباحثين الغربيين، اقترح جون بورتون أيضًا أنّ النبيّ توفي والقرآن كاملٌ (Collection of the Qur’ān, Cambridge, Cambridge UP, 1979)، ومع ذلك، فإنّ منهجه وحججه في إثبات ذلك تختلف بشكلٍ كبيرٍ عن تلك المذكورة أعلاه. للوقوف على تقييم نقدي لبورتون، انظر:
Harald Motzki, "The Collection of the Qur’ān: A Reconsideration of Western Views in Light of Recent Methodological Developments," Der Islam, 78 (2001), p. 11- 15.
[هذه الدراسة مترجمة للعربي، بعنوان: جمع القرآن؛ إعادة نظر في النظريات الغربية في ضوء التطورات المنهجية الحديثة، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير. (قسم الترجمات)].
[29] Viviane Comerro, Les traditions sur la constitution du muṣḥaf de ʿUthmān, Beirut, Orient- Institut, 2012.
[30] وقد تعضدت هذه الرواية بعد البخاري بوقت طويل بتعليق السيوطي (ت: 911/ 1505) في الإتقان في علوم القرآن.
Comerro, Les traditions, p. 137- 158.
[31] يتبع هذا المذهب قول مونتغمري وات وآخرين قبله.
Watt, Muhammad’s Mecca, Edinburgh, Edinburgh UP, 1988, p. 1; Richard Bell, Bell’s Introduction to the Qurʾān, completely revised and enlarged by W. Montgomery Watt, Edinburgh, Edinburgh UP, 1970, p. 42- 44. Cf. Nöldeke et al., The History of the Qurʾān, ed. and trans. Wolfgang H. Behn, Leiden, Brill, 2013, p. 230, 256- 263.
[32] Motzki, "Collection," p. 1- 34. Cf. Donner, Narratives, p. 203- 212, 275- 290.
لاحظ أيضًا ملاحظات شون أنتوني وكاثرين برونسون: «حريٌّ بالمؤرّخين ألّا يرفضوا هذه الروايات باعتبارها مجرّد تلفيقات، حتى لو لم يكن بالإمكان الوقوف على الحقيقة التاريخية للحَدَث بكلّ تفاصيله من خلال أساليب البحث التاريخي الحديث والنقد الكتابي. ذلك أن الصورة التي ترسمها هذه الروايات ليست معقولة بالمعنى العام فحسب، بل إنّ هذه القصص مستمدّة تاريخيًّا من العالم الذي تصوّره الروايات وتتغلغل فيه بعمق».
"Did Ḥafṣah Edit the Qurʾān? A Response with Notes on the Codices of the Prophet’s Wives," Journal of the International Qur’anic Studies Association, 1 (2016), p. 117.
[33] حول مشاعر الحنين إلى الماضي في هذا الوقت، والتي شعر بها بشكلٍ خاصّ أولئك الذين غادروا شبه الجزيرة العربية مع انتشار الدين الجديد، انظر الفصل الخاص بجميل بن معمر في:
Farrin, Abundance from the Desert: Classical Arabic Poetry, Syracuse, Syracuse UP, 2011, p. 92- 114.
ثروة من البادية: الشعر العربي القديم، بيروت، دار الفارابي، 2013، ص129- 150.
[34] Robert Hoyland, "Epigraphy and the Linguistic Background to the Qur’ān," in The Qur’ān in Its Historical Context, ed. Gabriel Said Reynolds, London, Routledge, 2008, p. 51- 69.
وفي هذا الصدد، يمكن التمييز بين الفصائل المجتمعية في التاريخ المبكِّر لشبه الجزيرة العربية: البدو من جهة، الذين لم يحملوا أدوات كتابة أو نصوص (بل اعتمدوا على الذاكرة للحفاظ على تراثهم، الذي تمثل في الشِّعْر وتاريخ القبائل) من جهة. ومن ناحية أخرى، هناك سكان المناطق المستقرة، الذين اعتادوا بشكل متزايد على التوثيق المكتوب (المكمِّل لقدرة الذاكرة).
[35] Hoyland, In God’s Path: The Arab Conquests and the Creation of an Islamic Empire, Oxford, Oxford UP, 2015, p. 100- 101.
[36] السيرة النبوية، ابن هشام (ت: 218هـ/ 834)، بيروت، دار ابن حزم، 2001، ص11، 602، 611، 633- 634، 637. ويقال أيضًا أنه أَرسل رسائل تدعو الملوك في أماكن أبعد إلى الإسلام (ص:643)، على الرغم من أنَّ كتب السيرة لا تتضمن هذه النصوص، على عكس الرسائل الأخرى. وبالمناسبة، فقد تبيَّن مؤخرًا أنّ رسالة دبلوماسية يزعم أنها من النبي إلى كسرى تعود إلى ما لا يقل عن 700 عام بعد ذلك.
(Alan Jones, "The Word Made Visible: Arabic Script and the Committing of the Qurʾān to Writing," in Texts, Documents and Artefacts: Islamic Studies in Honour of D. S. Richards, ed. Chase F. Robinson, Leiden, Brill, 2003, p. 7, n. 2)
يمكن أن تتناقض هذه النتيجة مع التأريخ بالكربون المشع للمخطوطات القرآنية المبكّرة، والتي سيتم مناقشتها أدناه.
[37] M. M. al- Aʿẓamī, The History of the Qur’ānic Text from Revelation to Compilation: A Comparative Study with the Old and New Testaments, Leicester, UK Islamic Academy, 2003, p. 68.
[38] حول هذه الاختلافات، انظر:
Keith E. Small, Textual Criticism and Qur’ān Manuscripts, Lanham, Lexington, 2011, p. 77- 94.
[39] مقتبس في: كتاب المصاحف، ابن أبي داود، تحقيق: آرثر جيفري، القاهرة، المكتبة الأزهرية للتراث، 2007، ص5.
[40] راجع قول كيث سمول: «إنّ أقدم النصوص الموجودة في مخطوطات القرآن هي بنفس الجودة ومستوى التطور الذي كانت عليه اللغة العربية المستخدمة في البرديات التجارية والإدارية». Small, Textual Criticism, p. 143.
[41] wwwbirmingham.ac.uk/facilities/cadbury/TheBirminghamQuranManuscript.aspx accessed in June 2017.
[42] François Déroche, Qur’ans of the Umayyads: A First Overview, Leiden, Brill, 2014, p. 17- 19, 32; see also Déroche, La transmission écrite du Coran dans les débuts de l’islam: Le codex Parisino- petropolitanus, Leiden, Brill, 2009, p. 51- 75.
تُرجِم كتاب ديروش مؤخرًا إلى اللغة العربية، بعنوان: مصاحف الأمويين، ترجمة: د/ حسام صبري، نهوض للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 2023. (قسم الترجمات).
لاحظ أيضًا إشارات هويلاند الرئيسة حول نظام علامات التشكيل -التي كانت تُستخدم فقط لمنع الالتباس، بدلًا من استعمالها بشكل مستمر، كما حدث لاحقًا- على البرديات والنقوش الموجودة بالفعل في العشرينيات والأربعينيات من القرن السادس. ومن الجدير بالملاحظة أن مثل هذه العلامات لا تظهر في عيِّنة من النقوش العربية في القرن السادس من سوريا. يقول هويلاند: «إن الاستنتاج الأكثر منطقية هو أن هذه العلامات قد أُدخلت كجزء من إصلاح النص العربي من قِبل الخلافة المدنية المبكرة».
Hoyland, "New Documentary Texts and the Early Islamic State," Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, 69/3 (2006), p. 403.
[43] Déroche, Qur’ans, p. 37- 38; Small, Textual Criticism, p. 16.
[44] corpuscoranicum.de/handschriften/index/sure/4/vers/137/handschrift/15, accessed in February 2018; www.unituebingen.de/en/news/press-releases/press-releases/article/raritaet-entdeckt-koranhandschrift-stammt-aus-der-fruehzeit-desislam.html, accessed in June 2017; Behnam Sadeghi and Uwe Bergmann, "The Codex of a Companion of the Prophet and the Qurʾān of the Prophet," Arabica 57 (2010), p. 353.
انظر أدناه، والحاشية رقم 46 لمزيد من المناقشة حول مصحف صنعاء.
[45] للوقوف على دراسة حول المدينة المنورة باعتبارها المركز الفكري الأوّل في الإسلام، وموقعًا لدراسة القرآن ونسخه، قبل ظهور مدن العراق، انظر:
Estelle Whelan, "Forgotten Witness: Evidence for the Early Codification of the Qurʾān," Journal of the American Oriental Society, 118/1 (1998), p. 10- 14; cf. Whelan, "Writing the Word of God: Some Early Qurʾān Manuscripts and Their Milieux, Part 1," Ars Orientalis, 20 (1990), p. 114- 115.
[هذه الدراسة مترجمة للعربية بعنوان، الشاهد المغفول عنه، دليل على التدوين المبكِّر للقرأن، إستل ويلان، ترجمة: محمد عبد الفتاح، موقع تفسير. (قسم الترجمات)]
[46] كتاب المصاحف، ابن أبي داود، ص9. وراجع: Nöldeke et al., History, p. 231- 232للوقوف على مناقشة مصداقية هذه الوصية.
وقصة قراءة حفصة رواها ابن شهاب الزهري (ت: 124/ 742)، وهي موجودة في: المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، بيروت، المجلس العلمي، 1972، (1/ 113) وفيما يتعلق بمعرفتها بالقراءة والكتابة، انظر أيضًا:
Anthony and Bronson, "Did Ḥafṣah Edit the Qurʾān?" p. 106.
[47] لاحظ إشارة دونر إلى أنه في القرن الأول الهجري «لم تكن توجد مجتمعات كبيرة من المؤمنين إلا في المدن» .Donner, Narratives, p. 217. وفي الوقت نفسه، يذكِّرنا غريغور شولر في كتابه: (نشأة الأدب في الإسلام. The Genesis of Literature in Islam) أنَّ ممارسة الاحتفاظ بالنصوص المهمّة في أماكن خاصّة كانت منتشرة على نطاق واسع في العصور القديمة، بما في ذلك السياق العربي. ويشير إلى أن «الغرض من إيداع وثيقة مهمّة في معبد أو في أيّ موقع مقدَّس آخر واضح: فهو يلفت الانتباه إلى طبيعة ونوعية محتواها، والأهم من ذلك، أنه يضفي على الوثيقة مكانة الوثيقة الأصلية، الراسخة والقابلة لإعادة الإنتاج، بحيث يمكن لأيّ شخص الرجوع إليها في أيّ وقت». Schoeler, The Genesis of Literature in Islam: From the Aural to the Read, trans. Shawkat M. Toorawa, Edinburgh, Edinburgh UP, 2009, p. 18.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ مما يدعم فكرة وجود عدد قليل من النُّسَخ المنفصلة على نطاق واسع في مراكز وبلدات حضرية مختارة هو حقيقة أن المؤمنين الأوائل، عند نحت النقوش الصخرية بعيدًا عن هذه الأماكن، كانوا يخطِئُون أحيانًا في كتابة النصّ الصحيح؛ ويعني ذلك أن النسخة المكتوبة لم تكن حاضرة أمامهم. في الواقع، تحتوي كتابتان على الجدران في ضواحي مكة تعودان لتاريخ 80هـ/ 699م، و84هـ/ 703م (للآية 26 من سورة ص، والآية 21 من سورة البقرة) على اختلافات طفيفة عن الآيات المعروفة، مما يشير إلى أخطاء بسيطة في ضبط حفظ هذه الآيات. انظر: Hoyland, "New Documentary Texts," p. 407. وحول النقوش المبكِّرة، بما في ذلك إعادة الصياغة القرآنية، انظر أيضًا:
Hoyland, "The Content and Context of Early Arabic Inscriptions," Jerusalem Studies in Arabic and Islam, 21 (1997), p. 77- 102, and Jouni Harjumäki and Ilkka Lindstedt, "The Ancient North Arabian and Early Islamic Arabic Graffiti: A Comparison of Formal and Thematic Features," in Cross- Cultural Studies in Near Eastern History and Literature, Saana Svärd and Robert Rollinger eds, Münster, Ugarit- Verlag, 2016, p. 59- 94.
[48] فيما يتعلّق بأمانة نقل النصّ، يشير كيث سمول إلى أنّ «وجود كلمات مختلفة في المخطوطات الموجودة أمرٌ نادر للغاية»؛ وهو يميز بين التغيرات غير المقصودة (والتي عادة ما يكون من السهل التعرّف عليها، وتتكون من حرف، أو مجموعة من الحروف، أو حذف لم يكن له معنى في السياق المباشر) والتغييرات المتعمدة (وهذا النوع كان يتعلق مباشرة بتحسين قواعد الإملاء؛ وتضمَّن توحيد وتكملة استخدام الألِف، وإضافة علامات التشكيل لتمييز الحروف الساكنة، وإضافة نقاط ملوَّنة للإشارة إلى موضع ونطق حروف العلة القصيرة والهمزة...). وفي الختام، كُتب أنّ «الاختلافات التي يمكن ملاحظتها في المخطوطات الموجودة هي طفيفة نسبيًّا وتدور حول نص مستقر، حتى في وقت المخطوطات الأقدم، بما في ذلك الطرس، تُظهر درجة عالية من الثبات» .Small, Textual Criticism, p. 95, 134- 135, 173.
[49] صحيح البخاري، البخاري، بيروت، دار صادر، بدون تاريخ، حديث رقم: 4987، ص920. وراجع الحوار المذكور بين منتقدي الخليفة وعثمان:
قالوا: أحرَقْتَ كتاب الله، قال: اختلف الناس في القراءة؛ فقال هذا: قرآني خير من قرآنك، وقال هذا: قرآني خير من قرآنك، وكان حذيفة أوّل مَن أنكر ذلك وأنهاه إليَّ، فجمعتُ الناس على القراءة التي كُتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلِمَ حرَّقتَ المصاحف، أمَا كان فيها ما يوافق هذه القراءة التي جمَعْتَ الناس عليها، أفَهَلا تركتَ المصاحف بحالها؟ قال: أردتُ أن لا يبقى إلا ما كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت في الصحف التي كانت عند حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أستغفر الله.
أنساب الأشراف، البلاذري، تحقيق: إحسان عباس، فيسبادن، 1979، (5/ 550- 551). وهو مقتبسٌ في:
Schoeler, "The Codification of the Qurʾan: A Comment on the Hypotheses of Burton and Wansbrough," in The Qurʾān in Context: Historical and Literary Investigations into the Qurʾānic Milieu, Angelika Neuwirth, Nicolai Sinai, and Michael Marx eds., Leiden, Brill, 2010, p. 787.
وفيما يتعلق بهذا التدخل المعياري، يحدّد صادقي نهايته بحكم عثمان، ويشير إلى أن «مقتل عثمان عام 656م كان سببًا لما أصبح يعرف باسم (الحرب الأهلية الأُولى) في الذاكرة التاريخية للمسلمين. حيث أدّى إلى استقطاب المجتمع وتقسيمه بشكل استمر فيما بعدُ ولم يلتئم من حينها. ولو جرت محاولة لتوحيد المعايير على مستوى الإمبراطورية ككلّ في أيّ لحظة بعد تلك المرحلة، لكانت مهمة ميؤوسًا منها».
Sadeghi and Bergmann, "Codex," p. 414.
[دراسة شولر المشار إليها مترجمة للعربية بعنوان: تدوين القرآن، ملاحظات على أطروحتي بورتون ووانسبرو، ترجمة: محمد عبد الفتاح، موقع تفسير. قسم الترجمات].
[50] Déroche, Qur’ans, p. 112.
[51] ابن واضح اليعقوبي، نقلًا عن:Nöldeke et al., History, p. 309, n. 27؛ راجع:al- Aʿẓamī, Qur’ānic Text, p. 96.
[52] كتاب المصاحف، ابن أبي داود، ص155- 156.
[53] Déroche, Qur’ans, p. 32.
[54] Déroche, Qur’ans, p. 49- 50; cf. Sadeghi and Bergmann, "Codex," p. 354- 357.
استُعيد النصّ السفلي باستخدام التصوير بالأشعة السينية.
من الممكن أن تكون مخطوطة صنعاء قد أُرسلت إلى اليمن أثناء أو بعد حملات حرب الرِّدة في 632- 633/ 11هـ في خلافة أبي بكر. وبناءً على ذلك، ربما كُتب نصّ المصحف الأصلي في المدينة المنورة ثم أُرسل إلى موقع مبكِّر للمؤمنين في صنعاء. وهذا يمكن أن يفسِّر انخفاض جودة المخطوطة ورداءة الخط؛ حيث كانت موارد الدولة أكثر محدودية في ذلك الوقت وكانت مهارات النَّسْخ والكتابة العربية أقلّ تطورًا. وفي وقت لاحق، كما حدث بعد فتح مصر، كان من الممكن الحصول على رَقّ أفضل، واستخدام نسّاخ أكثر مهارةً وتدريبًا، واستخدام خط عربي أكثر انتظامًا (بأسلوب حجازي واضح).
وبالمناسبة، إذا كان هذا السيناريو الأخير هو الحال، فإنه سيجعل مخطوطة صنعاء أقدم رَقّ كتب عليه القرآن (النصّ السفلي)، على الرغم من أن الخط الأوّلي قد مُحي لاحقًا وحلّ محله النصّ المعياري العثماني.
[55] للتوسّع حول الدراسات الحديثة عن طرس صنعاء، راجع: طرس صنعاء وأصول القرآن، صادقي ومحسن جودارزي، ترجمة: د/ حسام صبري، موقع تفسير.
موازنة بين مصحف عثمان وإحدى مخطوطات صنعاء (طرس صنعاء 1)، نظرات حول تاريخ تدوين القرآن، بهنام صادقي وأوي بيرجمان، ترجمة: د/ حسام صبري.
وللتوسع حول اختلافات مصاحف الأمصار، راجع:
مصاحف الأمصار؛ قراءة في المصاحف المنتسخة في صدر الإسلام، ترجمة: مصطفى الفقي.
وللتوسع حول عملية التدوين واختلافات النسخ، راجع:
خواص الرسم المشتركة في مخطوطات المصاحف المبكِّرة، برهان على أصل عثماني مكتوب، ماراين فان بوتن، ترجمة: د/ حسام صبري، موقع تفسير. (قسم الترجمات).
[56] هناك رواية أخرى مختلفة تقول إن حفصة ماتت بالفعل أثناء خلافة عثمان، وأن عثمان هو مَن طلبَ الصحف من شقيقها. انظر هذه المناقشة في: Anthony and Bronson, "Did Ḥafṣah Edit the Qurʾān?" p. 111- 112. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لن يؤثِّر بشكل جوهري على السيناريو الموضّح هنا، ولا يتطلَّب سوى استبدال الأسماء وتقديم طفيف في التواريخ.
[57] كان مروان كاتبًا لعثمان؛ لذا فمن المحتمل أنه كان على علم بأيّ اختلافات موجودة.
[58] ابن أبي داود، كتاب المصاحف، ص85؛ تحقيق: آرثر جيفري،
Materials for the History of the Text of the Qurʾān: The Old Codices, Leiden, Brill, 1937, p. 214.
وإن إضافة (صلاة العصر) بعد (الصلاة الوسطى) في آية البقرة يعني أن (الصلاة الوسطى) هي الظُّهر (وليس صلاة العصر، التي تقع وسط الصلوات الخمس كما تُفسَّر الآية عادة). ولكن هذا المعنى يمكن الدفاع عنه بالفعل في المصحف الأصل، وهو تفسير زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وغيرهما، حيث ذكروا أن المراد بالصلاة الوسطى هنا في الآية هي صلاة الظهر دون سائر الصلوات؛ لأنها أكثر تحدِّيًا للمؤمنين لكونها تؤدَّى في وقت الظهيرة. جامع البيان، الطبري، تحقيق: صلاح عبد الفتاح الخالدي، دمشق، دار القلم، 1997، (1/ 70).
ثم إذا كان المقصود هنا صلاة الظهر، فلا داعي لذِكْر صلاة العصر أيضًا (والمعنى في هذه الحالة سيكون: حافظوا على صلواتكم، خصوصًا تلك الصلاة التي في أشدِّ أوقات النهار قيظًا). ومن الناحية البلاغية، فإنّ إضافة صلاة أقلّ صعوبة في هذا المكان إلى الصلاة الأصعب لا يقوِّي الأمر. وأمّا إذا كان المقصود بالصلاة الوسطى صلاة العصر كما يرى المفسِّرون الآخرون، فلا معنى لذِكْر صلاة العصر فيما بعدها. وفي كلتا الحالتين، فإن الاختلاف المذكور يعطِي معنى أقلّ ثراءً للآية.
[59] حدث هذا في يوم جنازتها. وقد وردت المواجهة بين مروان وحفصة في: تاريخ المدينة، ابن شبة، تحقيق: فهيم شلتوت، بيروت، دار التراث، 1990، (3/ 1004)، كتاب المصاحف، ابن أبي داود، ص21.