القرآن والتاريخ: علاقة جدَليّة
تأمّلات حول تاريخ القرآن والتاريخ في القرآن

المترجم : إسلام أحمد
في هذه المقالة تحاول أنجيليكا نويفرت دراسة علاقة القرآن بالتاريخ في الدراسات الغربية المعاصرة، سواء علاقة النصّ بتاريخه أو صِلَة النصّ بالتاريخ الذي يرويه، وفي هذا السياق تثير الكثير من القضايا المهمّة على ساحة الدرس الاستشراقي؛ مثل قضية تاريخ القرآن في السردية الإسلامية ومدى موثوقيته، وقضية لغة القرآن وبنيته، وغيرها من القضايا المهمّة ذات الصِّلَة.

دراسة العلاقة بين القرآن والتاريخ من أهم مشاغل الدّرس الاستشراقي منذ بدايته وحتى الآن، سواء تعلّق الأمر بالسياق التاريخي للنصّ أو بتاريخ جَمْعِه وتدوينه وإعلانه كنصّ ذي سُلطة، أو بصِلَة النصّ بالتاريخ، والذي يتبدّى في طريقة سرد القرآن لقصص الأنبياء السابقين، ولا تزال الكتابات الاستشراقية تُنْتِج في كلّ منحى من هذه المناحي المتداخلة.

ومن أكثر الباحثين المشتغلين بهذه العلاقة بين القرآن والتاريخ في كلّ مناحيها؛ الألمانية أنجيليكا نويفرت، فتتناول دراساتها علاقة القرآن بالسياق الديني والنصّي للعصور القديمة المتأخّرة، كما تهتم بعملية إعلان النصّ سلطته، وبدراسة القصص القرآني في كونه خطابًا قرآنيًّا حول الإنسان والتاريخ.

وتُعَدّ هذه الدراسة التي بين أيدينا من أهم دراسات نويفرت، حيث تحاول فيها كشف الصلة بين دراسة هذه المناحي في الدرس الاستشراقي وتطوّراته، فمن خلال إثارة السؤال عن عملية اعتماد النصّ تقوم نويفرت ببحث الصلة بين النظريات التي تنظر لهذه العملية كعملية متأخّرة، وبين دعاوى وجود نصّ أصلي سابق على الاعتماد وما يتعلّق بهذا من قضايا حول لغة القرآن وطبيعته (الشفاهة والكتابة)، والمجتمع الأول الذي خاطبه، وطريقة تناوله القصص الديني الكتابي السابق، وهي الدعاوى التي تتركّز في افتراضات الاتجاه التنقيحي.

وتقوم منهجية نويفرت في دراسة هذه القضايا على تشخيص المشكل الأساس في دراسة علاقة القرآن بالتاريخ في الدّرس الاستشراقي وخصوصًا في الرؤى التنقيحية، بكونه ينبني على تغييب هذا الدّرس لأهمية الدراسة الأدبية للنصّ، والتي تبرز ومنذ البداية كون النصّ القرآني له تاريخ مختلف عن تاريخ الكتب السابقة، حيث يبدو ومن جهة أسلوبه ينتمي لفترة قصيرة وينطوي على وحدة واضحة تبرز في الاستراتيجيات النصّية مثل الاستعادة.

مع تفويت الاهتمام بهذا البُعد يظهر القرآن لدارسيه كمجموعة من الأقوال التي يتم اعتبارها تجميعًا لاحقًا، ومع عدم الدقة في الدراسة الأسلوبية واللغوية تظهر أطروحات مثل أطروحة لولينغ ولكسنبرج حول وجود قرآن أصلي سرياني، والتي لا تجد لها أيّ سند منهجي.

تقوم نويفرت بإعادة النظر في نقاش عملية اعتماد القرآن كنصّ ذي سلطة عبر استنادها على تفريق إسمان بين الاعتماد من أسفل والاعتماد من أعلى، لتبرز كون القرآن ذاته ومن داخله يضع نفسه كنصّ ذي سلطة، بحيث يصبح الاعتماد اللاحق مع عملية الجمع هو استمرار لسلطة النصّ وليس إنشاء لهذه السُّلْطة، وبهذا تبرز نويفرت عدم رجاحة الافتراضات الدائرة حول البحث عن نصّ ما أصليّ غير معتمد.

وبغضّ النظر عن نتائج نقاشات نويفرت والموقف من رؤيتها للقرآن الكريم مما تناولنا جانبًا منه بالتعليق داخل المادة، فإن هذه الورقة تمثّل نقاشًا كثيفًا لعددٍ كبيرٍ من القضايا المهمّة؛ تاريخ النصّ، واعتماد النصّ كنصّ ذي سلطة، والشفاهة والكتابة، والدراسة الأدبية للنصّ، والرؤى التنقيحية المعاصرة، وتحديًا لكيفية نقاشها في السياق الغربي، مما يجعل إتاحتها للقارئ العربي أمرًا مهمًّا في إطلاع القارئ العربي على الطبيعة التي يأخذها النقاش الغربي المعاصر لهذه القضايا من جهات مختلفة.

المؤلف

أنجيليكا نويفرت - ANGELIKA NEUWIRTH

أستاذ الدراسات السامية والعربية في جامعة برلين الحرة، تُعد من أشهر الباحثين الألمان والأوروبيين المعاصرين في الدراسات القرآنية والإسلامية.
درست الدراسات السامية والعربية والفيلولوجي في جامعات برلين وميونيخ وطهران، عملت كأستاذ ومحاضر في عدد من الجامعات، مثل: برلين وميونيخ وبامبرغ، كما عملت كأستاذة زائرة في بعض الجامعات مثل: جامعة عمان بالأردن، وجامعة عين شمس بالقاهرة.
أشرفت على عدد من المشاريع العلمية، منها مشروع (كوربس كورانيكوم).
ولها عدد من الكتابات والدراسات المهمّة في مجال القرآن ودراساته.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))