الملف الثاني على قسم الترجمات (تاريخ القرآن)؛ مدخل تعريفي

بعد أن نشرنا على قسم الترجمات ملفًّا يدور حول (الاتجاه التنقيحي) نقوم بنشر ملفٍّ جديدٍ يدور حول (تاريخ القرآن)، هذه المقالة مدخل تعريفي بالملف، يوضح أبرز المواد التي ستنشر فيه، والسياسات المتّبعة في نشره.

  بعد أن نشرنا على قسم الترجمات ملفًّا يدور حول (الاتجاه التنقيحي وأثره في الدرس الاستشراقي للقرآن الكريم وعلومه)[1]، ننتقل هنا لطرح ملفٍّ جديد، يدور حول (تاريخ القرآن)، وكما تبيّن في الملف الأول؛ فإنّ مساحة رئيسة من تلك المساحات التي تناولها (الاتجاه التنقيحي) بالتشكيك هي المرويات التقليدية حول تاريخ تدوين القرآن، بل إنّ هذا التشكيك في المرويات الإسلامية التقليدية حول تاريخ القرآن هي التي قادت إلى افتقاد الاستشراق المصدرَ الأساس الذي كان يعتمد عليه في بنائه سردية حول تاريخ الإسلام، حتى في ذروة تشكيكه النقدي فيما بعده من المصادر الثانوية، مثل: السِّيَر والأحاديث، فأفضى التشكيك فيه للميل لاستخدام مصادر غير عربية أو استخدام الأدلة المادية: كالنقوش التي مثَّلت المنهجيات الرئيسة للاتجاه التنقيحي؛ مما يجعل الموضوعَين شديدي الارتباط، وهو ما دفعَنا إلى الترجمة والنشر في هذا الموضوع مباشرة بعد (الاتجاه التنقيحي) لتكتمل الفائدة.

ولا شك فإن الاهتمام الاستشراقي بـ(تاريخ القرآن) هو اهتمام قديم، بدأ مع بداية الاهتمام الاستشراقي بالإسلام، بل إنه يمتد إلى ما قبل ظهور الاستشراق بمعناه الدقيق كـ(دراسة علمية للشرق)، وبالتالي فقد تراكمت عديد من المؤلفات والدراسات حول هذه القضية المهمة سواء في ذاتها أو من خلال أهميتها للدرس الاستشراقي ومصادره كما أشرنا، وخصوصًا مع انطواء (تاريخ القرآن) ذاته على أكثر من جهة ومدخل للدرس، وبما أننا قد قررنا سابقًا السَّيْر في النشر على الطريقة (الموضوعاتية)؛ لما لها من فائدة في كشف أبعاد موضوع أو اتجاه وتقديمه من مختلف الجوانب، فقد اخترنا المواد التي سنترجمها وننشرها بحيث تطلّ على ثلاثة محاور رئيسة نظنّ أن لها أهمية خاصة:

المحور الأول: هو ما يتعلق بتدوين النصّ وجمعه؛ تاريخًا ونظريةً.

والمحور الثاني: هو ما يتعلق بتاريخ المخطوطات القرآنية واكتشافها ودراستها وتحقيبها.

المحور الثالث: هو ما يتعلق ببعض المراحل المهمّة في تاريخ تلقي المصحف، مثل القراءات القرآنية.

بالطبع ورغم أن الكتابة في هذه القضية قديمة، وهذا يصح في المحاور الثلاثة، إلا أننا وددنا أن يكون التركيز هنا وبصورة أكبر في هذا الملف على جديد الدراسات والمقالات، حيث إنّ هذه المقالات والدراسات لجِدَتها ستكون مشمولة بالتغيّرات الحاصلة في المنهجيات الاستشراقية والمسائل الجديدة المطروحة على ساحاتها، وفي هذا إفادة أكبر للقارئ الكريم في الولوج لقلب هذه الإشكالات وفهم مرتكزاتها وتطبيقاتها في أحد أهم الموضوعات والقضايا إن لم يكن الأهمّ على الإطلاق. وهذا لا ينفي شمول الملف لبعض مواد قديمة لها أهمية نوعية، سواء في صورة دراسات أو عروض كتب.

وقد اخترنا بالأساس جملةً من المواد الأساسية كي تنشر ضمن هذا الملف، آملين قدرتها على تغطية المحاور الثلاثة التي ذكرنا، وهي قائمة على نفس التنويع المقرر المذكور في دليل السياسات[2]، حيث راعينا انتماءها إلى تقاليد استشراقية متنوعة: إنجليزية، وفرنسية، وألمانية، بل وأحيانًا خارج هذه التقاليد الثلاثة الشهيرة، كما راعينا أن تكون متنوعة من حيث منطلقات وخلفيات كُتَّابها.

ففي المحور الأول الخاصّ بتدوين القرآن نظريةً وتاريخًا، اخترنا مجموعة دراسات؛ أهمها: دراسة بعنوان «تدوين القرآن؛ ملاحظات حول أطروحات بورتون ووانسبرو» للألماني غريغور شولر، وهي دراسة تناقش بعض الأطروحات المعاصرة حول تدوين القرآن التي تقدم رُؤًى تغاير الرؤية الممكن استنتاجها من المصادر التقليدية، وتحاول في المقابل الدفاع عن طرح مفاده إمكان بلورة رؤية لتاريخ التدوين من خلال المصادر التقليدية، ودراسة كلاسيكية مهمّة طالما تحضر بشكل أساس في معظم الكتابات حول تاريخ القرآن، وهي دراسة بعنوان «الشاهد المغفول عنه» للأمريكية إستل ويلان، وهي دراسة تدور حول تحليل بعض الأدلة النقوشية في الفترة الأموية، وتحاول الباحثة من خلالها الوصول لبلورة رأي حول تاريخ تدوين المصاحف، ولها أهمية كبيرة سواء من خلال اعتمادها نقوشًا مغفولًا عنها ومتروكة مِن قِبَلِ مَنْ كتبوا في هذا التأريخ، وكذا من حيث طريقتها في تأويل وفهم هذه النقوش، ودراسة مهمّة للفرنسية آن سيلفي بواليفو تدرس فيها مسألة المرجعية والقداسة المعطاة للنصّ، ومصدرها، وهل تتعلق بعملية الجمع والتدوين أم أنها مما يعطيه النصُّ لذاته، مما يعني أنها دراسة في صلة (التدوين) بـ(المرجعية) بـ(القداسة)، وهي مسألة شديدة الأهمية.

أما بالنسبة للمحور الثاني الخاصّ بالمخطوطات ودراساتها، فسننشر بعض دراسات؛ أهمها: دراسة لواحد من المبرزين في دراسة المخطوطات هو البريطاني ياسين دتون بعنوان «بعض الملاحظات على أقدم مخطوطة للقرآن في المكتبة البريطانية»، وهي دراسة دقيقة لهذه المخطوطة وملامحها وسماتها، كما سنقدم عرضًا لكتاب مهمّ وهو كتاب (مصاحف الأمويين) للفرنسي فرنسوا ديروش، بقلم: ياسين دتون، وكتابات ديروش في مصاحف الفترة الأموية هي كتابات شديدة الأهمية وحاسمة في تكوين الكثير من المستشرقين لآرائهم حول تاريخ المصاحف المبكِّرة، كما لا يخفى على متابع.

أما في المحور الثالث الخاصّ ببعض المراحل المهمّة في تاريخ تلقي المصحف، فسننشر بعض دراسات؛ أهمها: واحدة للباكستاني مصطفى شاه بعنوان «إسهامات النحاة المبكِّرة في جمع وتوثيق القراءات القرآنية: مقدمة لكتاب السبعة لابن مجاهد»، يبحث فيها مرحلةَ اعتماد القراءات السبع وإسهام النحويين في هذا، ودراسة للأميركي ريمون هارفي بعنوان «الإبستمولوجي الفقهي للقراءات القرآنية: قراءات ابن مسعود في الفقه الكوفي والمذهب الحنفي»، والتي يدرس فيها اعتماد الفقه الحنفي على قراءة ابن مسعود، وكيفية توظيفه لها رغم كونها قد تخالف المصحف الإمام (الرسمي)، فهي تدرس العلاقة اللاحقة على المصحف الإمام والمبكرة فيما قبل اعتماد القراءات ما بين المصحف الإمام وبعض الروايات عن مصاحف الصحابة.

ونحن نجري هنا في نشر هذه المواد على نفس القواعد التي أرسيناها قَبْل[3]؛ حيث نقدم كلّ ترجمة بمقدمة توضّح أهمية المادة، وتُلْقِي ضوءًا على فكرتها المركزية، ونضمّنها حواشي مُعَرِّفة بالأعلام والمذاهب والكتب الواردة في النصوص، وخصوصًا ذات الصلة بالقرآن الكريم وعلومه، كما سيجد قارئنا الكريم عددًا من التعليقات على بعض الآراء التي وَجَدْنا فيها إغراقًا في البُعد عن العلميّة.

 


[1] لمطالعة الملف يمكنكم زيارة الموقع من خلال الرابط التالي: tafsir.net/collection/662 .

[2] على الرابط التالي: tafsir.net/translation/3 .

[3] تُراجع هنا مقالة: «قسم الترجمات؛ الدوافع، الأهداف، الآليات، الإشكالات».

المؤلف

إعداد/ قسم الترجمات بموقع تفسير

مسئولو قسم الترجمات بموقع مركز تفسير للدراسات القرآنية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))