تهتمُّ الدراسات الغربية للقرآن ومنذ نشأتها كحقل علمي في القرن التاسع عشر بدراسة تاريخ القرآن، سواء تاريخ تشكُّلِه منذ أن كان -بحسب الدرس الغربي- مجموعة من البلاغات الشفهية إلى جَمْعه في نسخة قياسية معتمَدة ذات سُلطة، أو تاريخ الكتب المقدّسة السابقة عليه وعلاقته بهذه الكتب، في هذا السياق نشأ الاهتمام الغربي ببلورة نسخة نقدية من النصّ قائمة على المخطوطات بالأساس، وبلورة تصوّرات أكثر دقّة حول تاريخ المدوّنات الدينية في الشرق الأدنى القديم المتأخِّر، إلا أن هذا الطموح لم يُكتب له التحقّق بسبب عدم كفاية المخطوطات المكتشفة بالأساس، وكذلك لقلّة المعلومات والمعارف عن سياق القرآن، إلى جانب بعض الإشكالات البنيوية الأخرى المتعلقة بطبيعة الحقل.
غير أن التحوّلات التي شهدها حقل الدراسات القرآنية في الفضاء الغربي خلال الخمسين سنة الأخيرة، باكتشاف مخطوطات صنعاء ثم الكشف عن مخطوطات برجستراسر، وكذلك بتطوّر دراسات الكتاب المقدّس بعد توسّع الدراسات حول مخطوطات قمران =أدَّت لزيادة رقعة المواد والأدوات التي تساعد -من وجهة نظر الدرس الغربي للقرآن- على بلورة رؤية أدقّ لتاريخ القرآن.
كذلك ساعدت تطوّرات الحقل ونشأة الاتجاهات الأدبية لقراءة القرآن أسوة بالدراسات الكتابية التي قادت للاهتمام بالبنية الخاصّة للقرآن =ساعدت على بلورة دراسات أدقّ لتركيب القرآن وأساليبه وموضوعاته في سياق الدرس الغربي للقرآن، وكان لهذا أثره أيضًا -في سياق هذا الدرس- على تصوّر تاريخ تشكُّل القرآن، حيث أسهم في نظر أعمق لقضية سلطة النصّ ونشأتها، وتصوّر العلاقة بين القرآن والكتب السابقة وبلورة رؤى أوسع قائمة على التناص وإعادة الإنتاج والإبداع وليس على التبعية والتأثر.
ويمكن النظر لمشروع كوربوس كوارنيكوم المقدَّم في هذا المادة، باعتباره وريثًا لهذه التطوّرات في سبيل إنشاء كيان بحثي يجسِّد الاهتمامات الفيلولوجية العميقة للدرس الغربي للقرآن.
إنّ مشروع الموسوعة القرآنية أو (Corpus Coranicum) يُعَدُّ أحد أبرزِ المشروعات القرآنية في فضاء البحث الغربي المعاصر حول القرآن الكريم وعلومه، وقد تأسَّس هذا المشروع في عام 2007م في أكاديمية برلين - براندنبورغ للعلوم (Berlin-Brandenburgische Akademie der Wissenschaften)، بمبادرة مِن كلٍّ مِن أنجيليكا نويفرت ونيكولاي سيناي ومايكل ماركس، ويقوم الأخير حاليًا بإدارة المشروع.
ومنذ انطلاقة هذا المشروع والجدل يُثار حوله وحول طبيعة غاياته وأهدافه والمقصود به، وهل يريد إخراج طبعة ونُسخة نقدية لنصّ القرآن على غِرار الحاصل في دراسات الكتاب المقدس؟ وكذلك ما هي طبيعة عمله تفصيلًا، والمراحل والخطوات التي يقوم بها على النصّ القرآني؟ وغير ذلك.
ويُعتبر الباحث الألماني ديرك هارتفيغ أحد المؤسّسين لهذا المشروع بالشراكة مع نويفرت ومايكل ماركس، وأحد أهمّ القائمين على هذا المشروع حاليًا بحثًا وتأليفًا، سواء بصورة منفردة أو بالشراكة مع نويفرت، وفي ضوء رغبته بالتعريف بهذا المشروع داخل الوسط البحثي العربي، فقد بادَرَ بكتابة هذه المادة لصالح موقع تفسير، بحيث تُنشر على الموقع كمادة تعريفية بالمشروع، وقد كتبها في الأصل باللغة الألمانية، ثم ترجمناها إلى العربية بالشراكة معه كذلك، وقد حاوَل فيها أن يقدِّم وصفًا تفصيليًّا للمشروع وأهمّ مراحله التي يقوم عليها، والتقاليد التي يصدر عنها وينغرس فيها، كما أشار للأدوار التي يضطلع بها المشروع في عدّة مَناحٍ، وبين بعض الإيجابيات والفوائد الحاصلة جراء حضور هذا المشروع في حقل الدراسات القرآنية، وغير ذلك.
وتأتي أهمية هذه الورقة من أنها تقدِّم توصيفًا لواحد من أهمّ المشروعات الغربية الجدلية حول القرآن، من خلال أحد الباحثين البارزين فيه حاليًا؛ مما يجعلها وثيقة مهمّة في التعرُّف على هذا المشروع وفهمه ومعرفة طبيعة اشتغاله.
الملفات المرفقة
مواد تهمك
- الدراسات القرآنية المعاصرة في العالم العربي والدراسات الغربية
- بعض الملاحظات على أقدم مخطوط للقرآن في المكتبة البريطانية (برقم Or. 2165)
- بعض الملاحظات على أقدم مخطوط للقرآن في المكتبة البريطانية (برقم Or. 2165)
- الدراسات القرآنية والمنعطف الأدبي؛ قراءة في أهم الدراسات الأدبية الغربية للقرآن
- تاريخ القرآن في الدراسات الغربية المعاصرة؛ الجزء الأول: النظريات المعاصرة حول تاريخ القرآن
- الدراسات القرآنية: مصادر ومناهج تفسير النصوص المقدسة، جون وانسبرو