﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾
تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب

المترجم : طارق عثمان
تقدّم هذه المقالة تفسيرًا لإيذاء موسى المذكور في الآية 69 من سورة الأحزاب، من خلال ربط الآيات بسِفر العدد، وما ورد من انتقاد قوم موسى له بعد زواجه من المرأة الكوشية، ويقدّم حجة لهذا التفسير الذي سبقه فيه بعض الدارسين من خلال استحضار سياق السورة.

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾

تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب[1][2]

يوسف فيتزتم[3][4]

مقدمة:

  نجد في تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب مثالًا جليًّا على مدى انغماس المصادر الإسلاميّة المبكّرة في الأخبار أو الأحاديث الكتابيّة (biblical lore). سأستعرض في الجزء الأول من هذه الدراسة شتّى تفسيرات هذه الآية الـمُشكِلة في التفاسير الكلاسيكيّة، وسأتتبّع بإيجاز تاريخ الأخبار الكتابيّة التي تنطوي عليها في هذه التفسيرات[5]. وسأصبّ في الجزء الثاني تركيزي على القرآن نفسه بغرض تحديد المعنى الأصلي للآية بناءً على أُسس نصيّة وسياقيّة. والحقّ، إنّ التفسير الذي سأطرحه هنا ليس بالجديد، لكنني سأدعمه بحجج جديدة.

المُشكِل:

تقول الآية 69 من سورة الأحزاب:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾[6].

بِـمَ أُوذي موسى على وجه التحديد؟ يُشير فعل آذَى إلى الاعتداء الجسدي واللفظي، لكنه يُشير في هذا الموضع إلى الاعتداء اللفظي تحديدًا، وذلك لقوله: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾[7]. ويمكننا أن نحاجج عن أنّ الآية تُشير إلى عناد بني إسرائيل ومعارضتهم لموسى في العموم، لكن النصَّ على تبرئة الله له يفيد أنها تُشير إلى واقعةِ تَعَدٍّ لَفْظِيّ محدّدة[8]. وهذا ما تَبَيَّنَه المفسِّرون المتقدّمون، إِذْ طرحوا قلّة من التفسيرات التي تحدّد واقعة بعينها تشير إليها هذه الآية[9].

التفسيرات الكلاسيكيّة:

توجد ستة أقوال كلاسيكيّة في تفسير هذه الآية.

وفق القول الأول؛ تشير الآية إلى رمي بني إسرائيل لموسى بآفة في بدنه: إمّا فَتْق في الخصية (الأُدْرَة)، أو البَرَص (الجُذام)، إذ يُروى أنّ موسى كان رجلًا شديد الحياء، شديد المحافظة على فَرْجِه وثيابه، فكان بنو إسرائيل يقولون: ما يحمله على ذلك إلا عيب في بدنه، يَكْره أن يُرى. فقام يومًا يغتسل في الصحراء، فوضع ثوبه على صخرة، فجَرَتْ به، وتبعها موسى يطلبها عريانًا، حتى رآه بنو إسرائيل كذلك، فتبيّنوا أنه بريء مما قالوا[10]. تتضمّن هذه القصة بعض العناصر (motifs) الكتابيّة، لكن لا نجدها بتمامها في المصادر غير الإسلاميّة[11].

وورد القول الثاني في كتاب (قصص الأنبياء) المنسوب إلى عمارة بن وثيمة (ت: 902)[12]: تشير الآية إلى واقعة تَعَدٍّ لفظي أخرى على موسى، وهي أنّ بني إسرائيل كانوا يعيبون على موسى اعتماده على العصا والحجر لإخراج الماء، ويسخرون من ذلك[13]، إِذْ قالوا: إنْ فقَدَ موسى عصاه أو الحجر متنَا عطشًا. ولكي يبيّن لهم اللهُ أنه رازقهم، أمرَ موسى أن يكلّم الحجر عوضًا عن أن يقرعه بعصاه. لم يطع موسى أمر ربّه في البداية، فأغضبه، لكنه فعل ما أمره به في النهاية، وانبثق الماء من الحجر[14]. لكن في مواضع أخرى، نجد خشية بني إسرائيل من الموت عطشًا غير مرتبطة بالآية 69 من سورة الأحزاب وإنما مذكورة في سياق معجزة انبجاس الماء من الحجر؛ ولذلك قد يكون ربطها بآية الأحزاب ثانويًّا[15]. وعلى أيّ حال، هذا الخبر مستقى، في نهاية المطاف، من سفر العدد 20: 2- 13. بعدما اشتكَى بنو إسرائيل من عدم الماء، أمرَ الله موسى أن يأخذ عصاه، ويجمع الناس، هو وأخوه هارون، ثم يأمُرَا الحجر أن يتفجّر بالماء (العدد 20: 8)، لكن عمد موسى إلى الحجر وضربه بعصاه مرتين فانبجس منه الماء (العدد 20: 11)، فغضب الله وأخبرهما أنهما لن يدخلَا ببني إسرائيل الأرض المقدّسة (العدد 20: 12). لا يوضح النصّ التوراتي المعصية التي ارتكبها موسى على وجه التحديد، لكن التأويل المشهور هو أنه أخطأ في ضَرْبِه للحجر عوضًا عن تكليمه[16]. ونجد هذه الفكرة في القصة التي أوردها عمارة بن وثيمة، والتي توضح، علاوة على ذلك، لماذا أمر اللهُ موسى بأن يكلّم الحجر لا أن يضربه: حتى يعلم بنو إسرائيل أن الله هو رازقهم (قارن بسفر الخروج 17: 1-7 حيث أمرَ اللهُ موسى أن يضرب بعصاه الحجر)[17]. وكذلك تفيد القصة التي أوردها ابن وثيمة أنّ بني إسرائيل افترضوا أنّ حجرًا واحدًا بعينه يمكنه أن يُخرِج الماء، وهو ما يذكّرنا بالنصوص اليهودية التي تخبر عن تحدي بني إسرائيل لموسى بأن يُخرِج لهم الماء من حجر يختارونه[18].

ووفق القول الثالث؛ تشير الآية 69 من سورة الأحزاب إلى واقعة اتهام بني إسرائيل موسى بقتل هارون: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل: أنت قتلته، وكان أشدَّ حبًّا لنا منك، وألْيَنَ لنا منك. فآذَوه بذلك، فأمرَ اللَّهُ الملائكةَ فحمَلَتْه، حتى مَرُّوا به على بني إسرائيل، وتكلَّمَت الملائكة بموته، حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات، فبَرَّأه اللَّهُ من ذلك[19]. يذكّرنا هذا الخبر بقصة ربّية مزيدة ومنمِّقة لوصف التوراة لموت هارون[20]. في سفر العدد 20: 22- 29، أُمِر موسى أن يصعد جبل هور مع هارون وابنه أليعازر لكي يموت على قمّته، وبعدما فعل موسى ما أمره اللهُ به نزل هو وأليعازر من فوق الجبل، «وحينما رَأَت جماعةُ بني إسرائيل أنّ هارون قد مات، بكوه ثلاثين يومًا» (الآية 29). ولأنّ التوراة لم تنصّ على أنّ بني إسرائيل كانوا على عِلْم بمراد الله في موت هارون، نصّت قصةٌ ربّية على أنّ عودة موسى وأليعازر من دون هارون قد أثارت الشّك في نفوس بني إسرائيل، لكن أخمد اللهُ هذا الشّك باستعراضٍ معجِزٍ لنعش هارون[21]. وتجد هذه القصة لنفسها مرساة في قراءة حرفية للآية 29 من الإصحاح 20 من سفر العدد: «وحينما رأت جماعة بني إسرائيل أنّ هارون قد مات»؛ فلأنّ هارون مات فوق قمة الجبل، لم يكن لبني إسرائيل أن يروا موته إلا إذا أظهره اللهُ لهم بطريقة معجزة أو بأخرى، حتى تطمئن قلوبهم.

ووفق القول الرابع؛ تشير الآية 69 من سورة الأحزاب إلى هذه الواقعة: استأجر قارون مومسة لتقذف موسى بنفسها، لكن برّأه اللهُ من ذلك؛ إذ اعترفَت المرأة وكشفَت عن المكيدة. لكن لو دقّقنا النظر في المواضع التي وردَ فيها هذا الخبر سيتبيّن لنا أنّ المفسِّرين قد استشهدوا به في تفسير قصة قارون الواردة في الآيات 76- 81 من سورة القصص، ثم استشهدوا به بعد ذلك في تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب[22]. وأيضًا قد يكون لهذا الخبر صِلَة بذلك الخبر الربّي الذي أُقحم في قصة خروج قارون وأتباعه على موسى-اعتمادًا على الآية 16 من المزمور 106: «لقد كانوا غيورين من موسى في المعسكر» (وقارن بالإصحاح الخامس من سفر العدد)- فكرة أنّ هؤلاء الخوارج قد شكّوا في أنّ موسى يزني بنسائهم[23].

أمّا القول الخامس؛ وهو قول شيعيّ، فيربط الآية 69 من سورة الأحزاب بقصة قارون ربطًا مغايرًا على ما يبدو. تشغَل الشكوى من مقام هارون الرفيع موضع القلب من قصة قارون التوراتيّة، ويبدو أنّ التفسير الشيعي يحمل الآية على أنها تشير إلى اتهام موسى بمحاباة أخيه هارون[24]. وردَ هذا التفسير مرويًّا عن أئمة الشيعة في نصّ من القرن التاسع (كتاب القراءات للسياري)، وفيه نجد آية الأحزاب مُعادًا صياغتها على هذا النحو: «يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله في عليّ كالذين آذوا موسى في هارون فبرّأه الله مما قالوا»[25]، دون تفصيل، ومع ذلك، يشير التشبيه بمحمد وعليّ إلى أن التهمة متعلّقة بتعيين موسى/ محمد، لهارون/ عليّ في منصب ذي شأن[26]. وبالمثل، فكّر إبراهام جايجر[27] في ربط الآية 69 من سورة الأحزاب بخصومة قارون مع موسى من دون أن يكون على عِلْمٍ بهذا الأثر الشيعي[28].

ويعتمد القول الأخير في تفسير هذه الآية على النصّ القرآني نفسه من دون اللجوء إلى أيّ أخبار خارجة عنه. فاستنادًا على التُّهَم التي رُمِي بها النبي محمد الواردة في آيات أخرى، يرى أصحاب هذا القول أنّ إيذاء موسى هو رميه بالكذب والسِّحْر والجنون[29]. والحقّ، أنّ موسى قد رُمِي بهذه التُّهَم في مواضع قرآنية أخرى (الآيتان: 38- 39 من سورة الذاريات، تحديدًا)، لكن على لسان فرعون وقومه وليس بني إسرائيل. وعلى هذا يقتضي هذا التفسير القول بأنّ الذين آذوا موسى مصريون وليسوا إسرائيليين. لكن ذلك يتعارض مع الآية الخامسة من سورة الصف: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾؛ ولذلك يحسُن بنا حمل هذا التفسير على أنّ أصحابه يقولون إنّ بني إسرائيل أيضًا قد اتهموا موسى بهذه التُّهَم[30]. بل إنّ الطبرسي وابن الجوزي قد نصَّا صراحةً على أنّ بني إسرائيل هم مَن قذفوا موسى بهذه التُّهَم[31].

صلة آية الأحزاب بالإصحاح الثاني عشر من سفر العدد:

طرح صاموئيل فريدريك جونتر ڤال، في سنة 1828، قولًا آخر في تفسير هذه الآية، وتبعه عليه أبراهام جايجر وهِنريش شباير[32] وعلماء لاحقون[33]؛ إِذْ ربط هؤلاء العلماء الآية 69 من سورة الأحزاب بالإصحاح الثاني عشر من سفر العدد الذي يَروي واقعة انتقاد هارون ومريم لأخيهما موسى وردّ الله عليهما بثناء مفصّل على موسى:

وتكلّم مريم وهارون في موسى بسبب المرأة الكوشيّة [حبشيّة، نوبيّة] التي تزوجها: «لقد تزوج امرأة كوشيّة!»[34] وقالا: أيتكلّم الربّ إلى موسى وحده؟ ألا يتكلّم إلينا كذلك؟ فسمع الربّ قولهما. ولقد كان موسى رجلًا خافض الجناح أكثر من أيّ إنسان آخر على ظهر الأرض. وعلى الفور، نادَى الربّ على موسى وهارون ومريم أن «اخرجوا ثلاثتكم إلى المسكن [الحرم أو خيمة الاجتماع]»، فخرج ثلاثتهم إليه. فنزل الربّ في ظُلَل من الغمام ووقف على باب المسكن ونادى على هارون ومريم، فتقدّمَا إليه. وقال لهما: «هذا كلامي فاستمعوا له: عندما أبعثُ نبيًّا فيكم، أتجلّى له في رؤيا وأكلّمه في حُلم. 7لكن ليس هذا شأني مع عبدي (ʿavdi) موسى، فهو مؤتمَن على بيتي كلّه. إنني أكلّمه فمًا لفم، بكلام بيِّن لا لبس فيه، ولقد رأى نوري. فكيف لم تخشيَا من التكلّم بالسوء على عبدي (ʿavdi) موسى؟».

ليس هذا النصّ بالبيِّن. إِذْ يخبرنا أنّ انتقاد مريم وهارون متعلق بمسألة زوجة موسى الكوشيّة، وبسلطانه كنبيّ، لكنه لم يُفصح عن الصِّلَة بين هذين الأمرين[35]، ولا عن طبيعة النقد المتعلّق بالزوجة الكوشيّة. وفق المصادر الربّية، سبب انتقاد موسى هو فراقه لزوجته بعدما بعثه اللهُ نبيًّا[36]. ووفق تأويل آخر، أشدّ صراحة، سبب انتقاد موسى هو زواجه من أجنبيّة، لكن توجد تأويلات أخرى[37]. وأيّما يكن التأويل الصحيح، من الواضح أنّ انتقاد موسى كان منصبًّا على أمرٍ ذي صِلَة بزوجته، وأنّ اللهَ قد شدّد في ردّه على هذا النقد على علوّ مقام موسى عنده.

تتشارك الآية 69 من سورة الأحزاب هذين العنصرين مع الواقعة المروية في سفر العدد: مهاجمة موسى ودفاع الله عنه بتشديده على علوّ مقامه عنده. فكما قيل من قبل، تشبه خاتمة الآية السابعة من الإصحاح 12 من سفر العدد: «فهو مؤتمَن على بيتي كلّه»، خاتمة آية الأحزاب: ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾[38].

ويمكن تَـمْتِين الصِّلَة بين الآية 69 من سورة الأحزاب والإصحاح 12 من سفر العدد بتدقيق النظر في الفعل الذي تستعمله الآية للدفاع عن موسى: ﴿بَرَّأَهُ﴾. وَرَدَ فعل ب-ر-أ، على وزن فَعّل، في موضعين آخرين من القرآن: الآية 53 من سورة يوسف: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾، والآية 26 من سورة النور: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾. وفي كِلا الموضعين نجد أنّ السياق جنسي: واقعة يوسف مع امرأة العزيز، وواقعة الإفك. وعلى ذلك، ينبغي فهم آية الأحزاب في سياق جنسي أيضًا، أي: في ضوء الإصحاح 12 من سفر العدد. وكذلك يمكن تَـمْتِين الصلة بين هذه الآية والإصحاح 12 من سفر العدد، بدراسة سياقها في سورة الأحزاب، وبالنظر في قراءة أخرى لها.

سياق الآية في سورة الأحزاب:

حاجج هارتڤج هيرشفيلد[39] عن صِلَةِ آية الأحزاب بالإصحاح 12 من سفر العدد في سنة 1902. ولقد انصرف هيرشفيلد إلى تحليل سورة الأحزاب بعدما انتبه إلى أنها «تنطوي على بعض آثار الترتيب الفني التي يُسأل عنها الذين جمعوا السورة وحدهم»[40]. وفيما يخص تفسير الآية 69، قال الآتي:

«يبدو أنّ خاتمة السورة (الآيات: 69- 73) ذات صِلَة بواقعة لَوْم محمد للمسلمين على إيذائهم له في مأدبة العرس[41]. ولقد أُوذي موسى أيضًا لكن ﴿بَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾. ويَحمِل المفسِّرون هذه الآية على أنها تشير إلى الاتهامات التي رفعها قارون ضد موسى أو إلى اتهام بعضهم له بقتل هارون. لكن الأرجح أنّ الآية تُحِيل على الواقعة المروية في الإصحاح 12 من سفر العدد؛ لأنها تدور أيضًا حول امرأة»[42].

بنى هارشيفيلد حُجّته هنا على السياق، ويُعدّ ذلك سلفًا للانتباه المتزايد الذي سيصرفه العلماء في القرن العشرين إلى نَظْم سور القرآن وبنيتها، ومن ضمنها السور الطويلة. ففي حين غلب على المفسِّرين القدماء والعلماء المحدَثِين تفسير آيات القرآن على نحو متفرّق (أو ذَرِّي)[43]، أضحى من البيِّن للدارسين اليوم أنّ أكثر السور تُبدي قدرًا كبيرًا من النّظم والوحدة؛ ولذلك يمكن الاعتماد على السياق كأداة تفسيريّة[44][45]. ولقد دُرست سورة الأحزاب من هذه الزاوية[46]. ومؤخرًا، تنبّه أوري روبين إلى صِلَة الآية 69 بآيات أخرى في سورة الأحزاب تبرّئ محمدًا من الانتقاد على إحدى زيجاته، بالتشديد على أنّ ما فعله هو سُنّة مَن سبقه من الأنبياء[47]. بعدما أخبر الله محمدًا في الآية 37 أنه زوّجه طليقة زيد ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾[48]، تابَع القرآن قائلًا: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)﴾.

وبنفيه الحرج عن النبي فيما فعله، يبدو أنّ القرآن يردّ على انتقاد النبي على زواجه من امرأة ابنه (بالتبنّي)[49]. ولتبرئة محمد، استشهد القرآن بسُنّة الله مع الأنبياء السابقين. وغالبًا ما حمَل المفسِّرون ذلك على إنه إشارة إلى قصة داود وبتشيبع[50]. لكن بالنظر إلى أنّ داود غير مذكور في سورة الأحزاب، من الأصوب، على ما يبدو، ربط ذلك بالإشارة الصريحة إلى موسى في الآية 69، كما حاجج أوري روبين[51].

ليس الدفاع عن زواج محمد من طليقة زيد المسألة الزوجيّة الوحيدة الواردة في سورة الأحزاب[52]، وإنما تشير السورة مرارًا إلى العلاقات الزوجيّة بين آحاد المؤمنين (الآية 4 والآية 49)، والعلاقات الزوجيّة بين النبي ونسائه (الآيات: 28- 34، والآيات: 50- 52، والآية 59)، وإلى ما يجب على المؤمنين في تعاملهم مع نساء النبي (الآية 6، والآيات: 53- 55)[53].

ونجد دعمًا لتفسير الآية 69 بناءً على سياقها في الاستعمال المتكرّر لفعل (آذَى) في آيات أخرى من السورة[54]. فالآية 53 تنهَى المؤمنين عن التلَكُّؤ في بيوت النبي؛ لأنّ ذلك ﴿يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾، وتأمرهم أن يسألوا أزواج النبي من وراء حجاب إذا ما سألوهن متاعًا، ثم تختم بـ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾. وتخبرنا الآية 57 بـ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾. ونقرأ في الآية التي تليها: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[55]. وأخيرًا، تأمر الآية 59 النبيَّ أن يقول لأزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يُدنِينَ عليهنّ من جلابيبهنّ حتى ﴿لَا يُؤْذَيْنَ﴾. وهكذا نرى أنّ الفعل آذَى مستعمل في هذه السورة في سياقات جنسيّة وزوجيّة، وخاصّة فيما يتعلق بإيذاء أزواج النبي، وعلاقته بهن. وباستعمالها لنفس الفعل في معرض الحديث عن موسى، ونهيها المؤمنين عن أن يفعلوا ما فعله بنو إسرائيل مع موسى، تشبّه الآية 69 حال محمد بحال موسى[56].

وعلى ذلك، يترجّح أنّ إيذاء موسى المذكور في الآية 69 من سورة الأحزاب متعلق بحياته الزوجيّة[57]، وهذا هو الحال أيضًا في الإصحاح 12 من سفر العدد.

قراءة أخرى:

توجد قراءة للآية 69 من سورة الأحزاب، مرويّة عن ابن مسعود (ت: 652- 653م) وتبعه عليها آخرون، يتجلّى فيها الشّبه بالإصحاح 12 من سفر العدد على نحوٍ صارخ. هذه هي القراءة المعتمدة للآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾، لكن قرأها ابن مسعود هكذا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عَبْدًا للَّهِ وَجِيهًا»[58]. ولقد نعمت هذه القراءة بقدر من الشهرة قبل أن يحكم عليها بالشذوذ في القرن العاشر[59].

أيّ القراءتين أقوى: (عند) أَمْ (عبد)[60]؟ يرى الكثير من العلماء أنّ القراءة الثانية (عبد) أضعف؛ لأنها تُنقص الثناء على موسى، وذلك لأنّنا نفهم منها أنه عبد لله، لكننا لا نفهم منها وجاهته عند مَن بالتحديد: أعند الله أم عند الناس، أفي الدنيا أم في الآخرة[61]؟ لكن ليست هذه حُجّة قاطعة، وتزداد ضعفًا إذا ما قارنّا آية الأحزاب بالآيات الأخرى التي وردَ فيها لفظ (وجيه). ففي الآية 45 من سورة آل عمرآن قالت الملائكة لمريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾، وعلى ذلك من الممكن وصف شخص بأنه وجيهٌ من دون النصّ صراحة على أنه وجيهٌ عند الله، حتى لو كان ذلك هو عين المقصود[62].

يمكن دعم القراءة الأُولى (عند) بحُجّة أقوى، وهي الآية 53 من سورة الأحزاب، التي أتينا على ذِكْرِها فيما سبق. بعدما تنهَى الآية المؤمنين عن إيذاء رسول الله ونكاح أزواجه من بعده، تختم قائلة: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾[63]. مضمون الآيتين مختلف لكن تركيبهما متشابه جدًّا: (كَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا/ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا). ومع ذلك، ليست هذه حُجّة قاطعة أيضًا.

ويمكن لنا أن ندعم القراءة الثانية (عبد) بحُجّة مبنية على النقاش السابق، إِذْ تُعَدّ هذه القراءة شاهدًا آخر على الصِّلة بين الآية 69 من سورة الأحزاب والإصحاح 12 من سفر العدد. فكما تشير الآية إلى موسى بصفته عبدًا لله، يشير الإصحاح 12 من سفر العدد إليه بنفس الصفة مرّتين مستعملًا النظير العبراني لكلمة عبد: ʿeved(عڤد). ففي الآية السابعة منه نقرأ: «لكن ليس هذا شأني مع عبدي (ʿavdi) موسى، فهو مؤتمَن على بيتي كلّه». وفي الآية الثامنة منه نقرأ: «فكيف لم تخشيَا من التكلُّم بالسوء على عبدي (ʿavdi) موسى؟»[64]. ومِن شأنِ الإشارة إلى موسى بصفته عبدًا لله في آية الأحزاب وفي الإصحاح 12 من سفر العدد أن تدعم هذه القراءة للآية، على جهة، وأن تُمَتِّن الصِّلَة بين الآية وهذا الموضع التوراتي، على الجهة الأخرى.

حياة النبي الأسريّة في القرآن وفي الأخبار اللاحقة:

تلميح القرآن إلى الإصحاح 12 من سفر العدد ليس مفاجئًا؛ إِذْ من شأنِ القصة التي تحكي عن انتقاد أخوي موسى له على سلوكياته الزوجيّة، ثم تقريع الله لهما؛ أن تثير انتباه مستمعي القرآن. فالقرآن مشغول، على ما يبدو، بمشاكل النبيّ الأسريّة وبالتُّهَم المتعلقة بالسلوك الجنسي. فإلى جانب سورة الأحزاب، وخاصّة واقعة امرأة زيد، يجدر بنا أن نضيف موضعين آخرين يعبّران-على الرغم من استغلاقهما- بوضوح عن الاضطراب الذي حلّ ببيت النبيّ الواسع والمعقد، وعن خطر الإفك والبهتان. الموضع الأول هو الآيات 1- 5 من سورة التحريم:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا[65] وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)﴾.

والموضع الآخر هو الآية 11 وما يليها من سورة النور:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ... (16)﴾.

ويتّضح من السياق أنّ الإفك المذكور متعلّق بالسلوك الجنسي، كما تفيد الآية 23، على سبيل المثال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[66].

وإذا ما يَمَّمْنَا وجهنا شطر الأخبار اللاحقة على القرآن، سنجد قصصًا مفصّلة عن رمي نساء النبي بالزنى، وعن توجيه أزواج النبي الانتقادات لبعضهنّ بدافع الغيرة[67]. إِذْ نجد الآية 11 وما يليها من سورة النور مفسّرة، عادة، على أنها تشير إلى واقعة قذف عائشة بالزنى[68]. وكذلك يرى بعضهم أنّ الآية 58 من سورة الأحزاب: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، تشير إلى نفس الواقعة[69]. ونجد أيضًا واحدة من إماء النبي، وهي مارية القبطية، مقذوفة بتُهمة مشابهة[70]. ويقول المفسِّر الشيعي عليّ بن إبراهيم القمي (ت: 942) أنّ الخاصة، أي: الشيعة، يرون أنّ الآية 11 وما يليها من سورة النور قد نزلت في قذف مارية القبطية بالزّنى، وأنّ عائشة (والمنافقات) هي مَن رَمَتْهَا بهذه الفرية[71].

ويُروى أيضًا أنّ حفصة غارتْ من مجامعة النبيّ لمارية في بيتها، فحرّمها النبيّ على نفسه لكي يرضيها، وطلب منها أن تكتم ذلك عن أزواجه، لكنها أخبرت عائشة، فنزلت الآيات 1- 5 من سورة التحريم[72]. والحق، إنّ غيرة نساء النبي من بعضهنّ عنصر قصصي (motif) شائع، نجده في مواضع أخرى. ومن أهمها لما نحن بصدده، هذا الخبر المروي عن ابن عباس في تفسير الآية 11 من سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ...﴾: «أتت صفيةُ بنت حيي بن أخطب رسولَ الله فقالت: إنَّ النساء يُعَيِّرْنَنِي، ويَقُلْنَ: يا يهودية بنت يهودِيَّين، فقال رسول الله: هلا قلتِ: إنَّ أبي هارون، وإنَّ عمّي موسى، وإنَّ زوجي محمد»[73]. وفي ضوء هذا الخبر، ينبغي علينا أن نفهم القول المروي عن ابن عباس أيضًا في تفسير الآية 57 من سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾: «نزلت في الذين طعنوا على النبي في نكاحه صفيةَ بنت حيي بن أخطب»[74]. لم يفصِّل الخبر في سبب هذا الطعن، لكن الراجح أنه مبنيّ على نَسَبِها اليهودي.

بالطبع، لا يسعنا التيقّن من أنّ القرآن يشير حقًّا إلى كلّ هذه الوقائع، أو من أنها قد وقعت على نفس الصفة المروية بها. ومع ذلك، أجواء هذه الوقائع موجودة في القرآن على ما يبدو. وفي ضوء هذه الأجواء، وتحديدًا واقعة امرأة زيد، المنصوص عليها صراحة في سورة الأحزاب، ينبغي علينا فهم تشبيه محمد بموسى في الآية 69 منها.

خاتمة:

سعيتُ في هذه الدراسة إلى تَمْتِينِ القول بوجود صِلَة بين الآية 69 من سورة الأحزاب والإصحاح 12 من سفر العدد، بالجمع بين مناهج مختلفة في دراسة القرآن، إِذْ دعمت هذا القول الذي يحمل الآية 69 على أنها تشير إلى انتقاد مريم وهارون لأخيهما موسى على زواجه من امرأة كوشيّة، بالنظر في السياق العام لسورة الأحزاب، وفي قراءة أخرى لهذه الآية. ويتفق هذا القول في تفسير الآية على أنها تحيل على الشّبه بين المشاكل الأُسريّة في بيت موسى وبيت محمد مع ما نعرفه عن حياة النبي محمد الأُسريّة من القرآن والأخبار اللاحقة عليه. بالطبع، الأدلة المستقاة من الأخبار المتعلقة بحياة النبي المنزليّة لا تتمتع بثقلٍ كبيرٍ، لكنها تسلّط، رغم ذلك، الضوء على الاضطرابات في بيت النبي، التي شغَلَت القرآن ومستمعيه على ما يبدو. ولو كان لهذه الدراسة أن ترشد إلى شيء، فهو الآتي: على الدراسات القرآنية أن تستفيد من تحقيق النصوص (النقد النصّي الأدنى)، والقراءات السياقيّة، والتنبّه للأخبار السابقة على الإسلام، وأخذ ما نعرفه -أو ما نظنّ أننا نعرفه على الأقل- عن حياة النبي محمد في الحسبان.

 

[1] العنوان الأصلي لهذه الدراسة هو:

,“‘O Believers, Be Not as Those Who Hurt Moses’ Q 33:69 and Its Exegesis,”

وقد نُشرت ضمن كتاب: Islam and Its Past: Jahiliyya, Late Antiquity, and the Qur’an, Carol Bakhos And Michael Cook (eds.), (Oxford: Oxford University Press, 2017), p. 120- 139.

[2] ترجم هذه الدراسة: طارق عثمان، باحث وكاتب ومترجم، له عدد من الأعمال المنشورة.

[3] صغتُ الطرح الأساسي المقدّم هنا لأول مرّة في أثناء تحضيري لمقرأة باتريشا كرونا. وتعبيرًا عن امتناني العميق لها على كلّ ما علّمتنيه، أُهدي هذه الدراسة إلى روحها. وأشكر مائير بار- أشير، وإيتان كولبرج، وميخائيل ليكر، ومحرِّري الدراسة، على تعليقاتهم على مسوّداتها الأُولى.

[4] حاصل على الدكتوراه من جامعة برنستون، وهو محاضِر في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية العلوم الإنسانية بالجامعة العبرية، تتركّز اهتماماته الرئيسة في: القرآن وعلاقته بالكتب السابقة اليهودية والمسيحية، تفسير القرآن، الأدب السرياني المترجم في الجزيرة العربية، وله عدد من المقالات والبحوث في هذه المساحات.

[5] سأشير في هذا الجزء من الدراسة إلى النظائر اليهوديّة الرِبّية (rabbinic) للأخبار الإسلاميّة، في المقام الأول، لكنني لا أنكر بذلك وجود نظائر مسيحية محتملة. ولهذا يجدر بي ذكر تعليق شوارزباوم على قصة ﴿الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾، إذ يقول: »تحتاج الدراسة الفولكلوريّة المستفيضة لهذه القصة الآسرة للاهتمام، إلى كتابٍ منفصِل«، انظر:

Haim Schwarzbaum, Biblical and Extra- Biblical Legends in Islamic Folk- Literature (Walldorf- Hessen: Verlag für Orientkunde, 1982), 64.

[6] قارن بالآية الخامسة من سورة الصف: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾.

[7] عن معنى الفعل آذَى في القرآن، انظر:

Arne A. Ambros with Stephan Procházka, A Concise Dictionary of Koranic Arabic (Wiesbaden: Reichert, 2004), 23.

[8] قد يشير الفعل آذَى إلى معاناة الأنبياء في دعوة أقوامهم على وجه العموم كما في الآية 34 من سورة الأنعام والآية 12 من سورة إبراهيم. أراد فخر الدين الرازي أن يفسّر الآية 69 من سورة الأحزاب من دون اللجوء إلى أيّ شواهد خارج القرآن، فقال: «وبالجملة، الإيذاء المذكور في القرآن كافٍ، وهو أنهم قالوا له: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: 24]، وقولهم: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55]، وقولهم: ﴿لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ﴾ [البقرة: 61]»، ومشكلة هذا القول هي أنّ هذه الآيات التي يُحِيل عليها الرازي لا تنطوي على اتهامات موجّهة إلى موسى قد يبرّئه الله منها. ولذلك فسّر الرازي ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ بقوله: «أي: أخرجه عن عهدة ما طلبوا»، (أي: أعفاه من مسؤولية تلبية طلباتهم هذه)، انظر: فخر الدين الرازي، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1990)، 25: 201.

[9] لمناقشة سابقة لهذه التفسيرات وخلفيتها، انظر:

Abraham Geiger, Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen? (Leipzig: M. W. Kaufmann, 1902), 152 and 165–8 (English translation in Abraham Geiger, Judaism and Islam New York: Ktav, 1970, 121 and 133–5).

ولقد توقف وليام مونتجومري وات في تفسير هذه الآية، انظر:

William Montgomery Watt, Companion to the Qur’ān (Oxford: Oneworld, 1994), 195.

[10] انظر، على سبيل المثال: محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تحقيق: عبد الله التركي، (القاهرة: دار هجر، 2001)، 19: 190- 194، حيث تروى هذه الأخبار عن النبي، وابن عباس، وأبي هريرة، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وورد أيضًا في بعض هذه الأخبار أن موسى ضرب الصخرة بعصاه بعدما لبس ثوبه، فأثرت العصا في الصخرة.

[11] ذكَر إبراهام جايجر أنّ القصة غير موجودة في المصادر اليهودية، انظر:

Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, 167

ولمناقشة لهذه القصة، انظر:

David J. Halperin, ‘The Hidden Made Manifest: Muslim Traditions and the “Latent Content” of Biblical and Rabbinic Stories’, in D. P.Wright et al., eds, Pomegranates and Golden Bells: Studies in Biblical, Jewish, and Near Eastern Ritual, Law, and Literature in Honor of Jacob Milgrom (Winona Lake: Eisenbrauns, 1995), 581–94, at 587–94.

حيث قال هالبراين أنّ عنصر الصخرة الجارية موجود في المصادر اليهودية الربية والمسيحية (على سبيل المثال: Tosefta Sukka 3: 11، و1 Corinthians 10:4). وضربُ الصخرة بالعصا موجود في سفر الخروج 17: 1- 7، وسفر العدد 20: 2- 13. وانظر أيضًا:

Ze’ev Maghen, After Hardship Cometh Ease: The Jews as Backdrop for Muslim Moderation (Berlin: de Gruyter, 2006), 74–5.

وللمرء أن يتساءل: هل من الممكن أن تكون فكرة إخفاء موسى لِعَيْبٍ بدني مستمدة من تغطية وجه المشرق بحجاب، كما في سفر الخروج 34: 29- 35؟ وقارن بتعليق حيوي البلخي الذي استشهد به ابن عزرا في تفسيره للآية 29 من الإصحاح 34 من سفر الخروج. وعن رمي موسى بالبرص، انظر، على سبيل المثال: سفر الخروج 4: 6، وانظر:

Gohei Hata, ‘The Story of Moses Interpreted within the Context of Anti- Semitism’, in Louis H. Feldman and Gohei Hata, eds, Josephus, Judaism, and Christianity (Detroit: Wayne State University Press, 1987), 180–97, and Louis H. Feldman, Josephus’s Interpretation of the Bible (Berkeley: University of California Press, 1998), 384–6.

[12] عن كتاب عمارة بن وثيمة [وعنوانه: (كتاب في بدء الخلق وقصص الأنبياء)، ومخطوط السفر الثاني منه محفوظ في مكتبة الفاتيكان، برقم: 165 عربي] انظر:

Roberto Tottoli, Biblical Prophets in the Qur’ān and Muslim Literature (London: Routledge, 2002), 144–6.

 [13] في الآية 60 من سورة البقرة، والآية 160 من سورة الأعراف، أمرَ الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا.

[14] انظر النص العربي في:

Raif Georges Khoury, Les légendes prophétiques dans l’Islam depuis le Ier jusqu’au IIIe siècle de l’Hégire (Wiesbaden: Harrassowitz, 1978), 33–6

ورد هذا الخبر في كتاب عمارة بن وثيمة على نحو مُشكل، إِذْ ربطه بخبر رمي موسى بالعيب البدني على نحو غير واضح عندي. [من الجدير بالذِّكْر هنا أنّ المفسِّرين قد أوردوا خبرًا (عن سعيد بن جبير) مفاده أن الحجر الذي كان موسى يُخْرِج منه الماء هو نفس الحجر الذي وضع عليه ثوبه ليغتسل حين رموه بالأُدْرَة ففرّ به. انظر، على سبيل المثال: أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: صالح باعثمان (جدة: دار التفسير، 2015)، 3: 331. ولعلّ هذه هي الصِّلَة بين الخبرين].

[15] يُروى الخبر الآتي عن وهب بن منبه من دون أيّ ذكر للآية 69 من سورة الأحزاب: «كان موسى -عليه السلام- يقرع لهم أقرب حجرمن عرض الحجارة، فيتفجر لهم عيونًا، لكلّ سبطٍ عين، وكانوا اثني عشر سبطًا... ثم إنهم قالوا: إنْ فقَدَ موسى عصاه متنَا عطشًا، فأوحى الله -عز وجل- إلى موسى: لا تقرع الحجارة ولكن كلِّمْهَا تُطِعْكَ؛ لعلهم يعتبرون. فقالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى الرمل والأرض التي ليست فيها حجارة، فحمل موسى معه حجرًا، فحيث ما نزلوا ألقاه». أبو إسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي، عرائس المجالس في قصص الأنبياء، النشرة الإنجليزية، ترجمة وليام م. برينير (ليدن: بريل، 2002)، 405. [ص: 259- 260 من النشرة العربيّة غير المحققة الصادرة عن مكتبة الجمهورية العربية. وأورده أيضًا في الكشف والبيان، 3: 328- 329]، وانظر أيضًا: محمد بن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقوال في وجوه التأويل، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعليّ محمد معوض (الرياض: مكتبة العبيكان، 1998)، 1: 274 والخبر مذكور أيضًا في نفس السياق في تفاسير الفخر الرازي، وأبي حيان الأندلسي، والبيضاوي، وابن كثير، وانظر أيضًا:

 Abraham I. Katsh, Judaism in Islām: Biblical and Talmudic Backgrounds of the Koran and Its Commentaries (New York: New York University Press, 1954), 60–2.

ولنلاحظ أنّ ردّ الله في خبر وهب متعلّق بخشية بني إسرائيل من ضياع الحجر، أمّا ردّه في نصّ عمارة فغير متعلّق -تعلقًا مباشرًا على الأقل- بالخشية من ضياع الحجر وإنما بالخشية من ضياع العصا. [ولنلاحظ أيضًا أن زيادة عصيان موسى للأمر في البداية ثم طاعته بعد ذلك غير موجودة في خبر وهب].

[16] لعرضٍ للتأويلات المتقدمة والمتأخرة لإشكال التثريب على موسى في سفر العدد 20، انظر، على سبيل المثال:

Steven D. Fraade, ‘Moses at Meribah: Speech, Scepter and Sanctification’, Orim: A Jewish Journal at Yale 2.1 (1986): 43–67, and Johnson Lim Teng Kok, The Sin of Moses and the Staff of God: A Narrative Approach (Assen: Van Gorcum, 1997)

والمراجع المستشهد بها فيهما.

وللتأويل الذي يحمل المعصية على أنها ضرب الحجر، انظر، على سبيل المثال:

 Yelammedenu (in Yalkut Shimʿoni) to Numbers 20:8 and 12 (cf. Sifre Deuteronomy §340)

والمراجع المستشهد بها في:Lim, The Sin of Moses، ص: 109، 111، 126- 131.

[17] لتفسير مختلف، انظر:

Yelammedenu (in Yalkut Shimʿoni) to Numbers 20:8.

[18] انظر على سبيل المثال:

Numbers Rabba §19.9, Tanḥuma Ḥuqqat §9, Tanḥuma Buber Ḥuqqat §29 والمواضع المشابهة

فكرة دوران الجدل حول اختيار الحجر الذي سيؤدي عليه موسى معجزته مستقاة من سفر العدد 20: 10: «اسمعوا، أيها العصاة، أنخرج لكم الماء من هذا الحجر؟»، وانظر: Fradde, “Moses at Meribah”, 52.

[19] انظر: الطبري، جامع البيان، 19: 194، حيث يَروي هذا الخبر عن عليّ بن أبي طالب. وانظر أيضًا: جلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، تحقيق: عبد الله التركي، (القاهرة: دار هجر، 2003)، 12: 152، حيث يقول أنّ ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة قد رووا خبرًا مشابهًا. وينبغي فهم الإشارة إلى تكلّم الملائكة عن موت هارون في ضوء رثاء الله والملائكة لهارون الوارد ذِكْره في مصادر مثل: Sifre Deuteronomy §305 (سأنقل منه في حاشية لاحقة). ورَوى محمد بن أحمد القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: عبد الله التركي (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2006)، 17: 241- 242، عن القشيري أنه رَوى قول عليّ بن أبي طالب أنّ الله قد بعث هارون فأخبرَ بني إسرائيل أن موسى لم يقتله، ثم مات مرة أخرى.

[من الجدير بالذِّكْر هنا أنّ المفسِّرين قد استشهدوا أيضًا بخبر اتهام بني إسرائيل موسى بقتل هارون في تفسير سبب الرجفة التي أخَذَتْ موسى والسبعين رجلًا من قومه الواردة في الآية 155 من سورة الأعراف، إِذْ نقلوا عن عليّ بن أبي طالب قوله: «إنما أخَذَتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قَتْل هارون»، انظر على سبيل المثال: الطبري، جامع البيان، 10: 470، والثعلبي، الكشف والبيان، 12: 546. ويبدو أنّ الاستشهاد بهذا الخبر في تفسير آية الأعراف ثانويّ، أي: لاحق على الاستشهاد به في تفسير آية الأحزاب].

[20] انظر: Geiger, Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, 166–7.

ونجد جمعًا للروايات اليهودية الربية والإسلامية لهذه القصة في:

Max Grünbaum, Neue Beiträge zur semitischen Sagenkunde (Leiden: Brill, 1893), 173–6.

[21] انظر، على سبيل المثال: Sifre Deuteronomy §305: «...تجمّع بنو إسرائيل أمام موسى وسألوه: أين أخوك هارون؟ فأجاب: لقد توفّاه الله إليه. فلم يصدِّقوه، وقالوا له: نعلم أنك قاسٍ، فلعلّ هارون تكلّم أمامك بما لا يليق فقتلتَه. فماذا فعل القدوس تبارك وتعالى؟ أتَى بنعش هارون وعلّقه في السماء العليا ووقف عليه يرثي هارون ومِن خلفِه الملائكة يرددون. فبماذا رثوه؟ لقد تكلّم بالحق الذي جاءت به التوراة، ولم يجرِ الباطل على شفتيه، لقد عاش في سِلمٍ واستقامة، وردَّ كثيرين عن الظلم (سفر ملاخي 2: 6)«، منقول من:

Reuven Hammer, trans., Sifre: A Tannaitic Commentary on the Book of Deuteronomy (New Haven: Yale University Press, 1986), 296.

وانظر أيضًا المصادر المستشهد بها في:

Louis Ginzberg, The Legends of the Jews (Philadelphia: Jewish Publication Society, 1909–38), 6:112–13, note 641; Ephraim E. Urbach, ed., Sefer Pitron Torah (Jerusalem: Magnes, 1978), 189; Midrash Aggada to Numbers 20:28; Jacob Mann and Isaiah Sonne, The Bible as Read and Preached in the Old Synagogue, vol. 2 (Cincinnati: Mann- Sonne Publication Committee, 1966), 158 (Hebrew part); and Midrash Haggadol to Numbers 20:28.

في بعض هذه المصادر، يرمي استعراض نعش هارون إلى إخماد شكوك بني إسرائيل في أنه لم يمت، انظر، على سبيل المثال:

Pirqe de- Rabbi Eliezer §17.

وانظر، أيضًا:

Haim Schwarzbaum, ‘Jewish, Christian, Moslem and Falasha Legends of the Death of Aaron, The High Priest’, Fabula 5 (1962): 185–227.

وقارن بـ:

Bernhard Heller, ‘Muhammedanisches und Antimuhammedanisches in den Pirke Rabbi Eliezer’, Monatsschrift für Geschichte und Wissenschaft des Judentums 69 (1925): 47–54, at 50–2.

وبسبب غفلته عن الخبر المروي في: Sifre Deuteronomy §305، قال هيلر: إنّ الخبر المرويّ في:Pirqe de- Rabbi Eliezer §17. ليس سوى ردٍّ سجالي على الأخبار الإسلاميّة عن طيران نعش النبي محمد [وهي اختلاق سجالي مسيحي، ربما أصله هو الأخبار التي تَروي رَدّة فعل عمر بن الخطاب على موت النبي وقوله إنّ محمدًا قد رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى، أو أنه ذهب إلى لقاء ربه كموسى] وانظر الردود على ذلك في:

 Louis Ginzberg, On Jewish Law and Lore (Philadelphia: Jewish Publication Society, 1955), 72, and Joseph Heinemann, Aggadah and its Development (Jerusalem: Keter, 1974), 243, note 22.(بالعبرانية)

[22] أورد أبو إسحاق الثعلبي هذا الخبر (مرويًّا عن أبي العالية) في الكشف والبيان، 21: 580، في تفسير الآية 69 من سورة الأحزاب. لكن أورد الطبري، في جامع البيان، 18: 331- 336، روايات عدّة منه عن ابن عباس وتلميذه عبد الله بن الحارث، في تفسير قصة قارون الواردة في الآيات 76- 81 من سورة القصص. ومن الجدير بالذِّكْر أنّ الرواية الموقوفة على عبد الله بن الحارث تبدِي تأثُّـرًا بآية الأحزاب؛ إِذْ يتكرر فيها لفظ «أُوذي» على لسان البغيّة، وكذلك تعزو اعترافها بكيد قارون إلى تقليب الله لقلبها.

[23] انظر:

Geiger, Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, 166, BT Moʿed Qatạ n 18b and Sanhedrin 110a, Numbers Rabba §18.20, Tanḥuma Korah §10, Tanḥuma Buber Korah §25, Targum Pseudo- Jonathan to Numbers 16:4, and Midrash Tehillim §106.5.

وانظر أيضًا: Grünbaum, Neue Beiträge, 170–2.

[24] عن المفسِّرين القدماء الذين فهموا أنّ قارون اتهم موسى بمحاباة هارون، انظر:

James L. Kugel, Traditions of the Bible: A Guide to the Bible as It Was at the Start of the Common Era (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1998), 783–4.

[25] انظر الفقرة رقم 429 في:

Etan Kohlberg and Mohammad Ali Amir- Moezzi, eds, Revelation and Falsification: The Kitāb al- qirā’āt of Aḥmad b. Muḥammad al- Sayyārī (Leiden: Brill, 2009), 111(النص العربي) and 202(تعليقات إنجليزية)

وكما أوردَ محقِّقَا الكتاب عن المجلسي (ت: 1699)، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الصياغة للآية قراءة قرآنية أم مجرّد تفسير. وكذلك أوضح المجلسي قائلًا: «ويمكن أن يكون إيذاء موسى أيضًا في وصية هارون». انظر: محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، (طهران: دار الكتب الإسلامية، 1956- 1974)، 23: 303.

[26] انظر تعليق المجلسي المذكور في الحاشية السابقة. وللتشبيه بين عليّ وهارون في المصادر الشيعية، انظر الفقرتين رقم: 286 و345 في:

Kohlberg and Amir- Moezzi, eds, Revelation and Falsification, 74 and 88(النص العربي) and 157 and 176 (تعليقات إنجليزية)

وانظر أيضًا:

Meir M. Bar- Asher, ‘La place du judaïsme et des Juifs dans le shīʿisme duodécimain’, in Mohammad Ali Amir- Moezzi, ed., Islam: identité et altérité: hommage à Guy Monnot, o.p. (Tourhout: Brepols, 2013), 57–82, at 73, and G. Miskinzoda, ‘The Significance of the ḥadīth of the Position of Aaron for the Formulation of the Shīʿī Doctrine of Authority’, Bulletin of the School of Oriental and African Studies 78 (2015): 67–82.

[27] إبراهام جيجر Abraham Geiger، (1810- 1874) هو مستشرق ألماني وحبر يهودي، وصاحب أهمية كبيرة في تاريخ الإصلاح اليهودي، حيث يُعتبر رائد الإصلاحية اليهودية في العصر الحديث، وتمحورت دراساته حول فقه اللغات الكلاسيكية العبرية والسريانية، وحول العهد القديم، طالما آمَن جيجر بالمركزية اليهودية في الأديان الكتابية وبمدى تأثير الكتاب المقدس على المسيحية والإسلام، وربما أشهر كتبه في هذا السياق: Was Hat Mohammed Aus Dem Judenthume Aufgenommen,1833

 (ماذا أخذ محمد من اليهودية)، وقد تَرجم الكتاب للعربية: نبيل فياض، بعنوان: (الإسلام واليهودية) وصدر عام 2017 عن دار الرافدين، (قسم الترجمات).

[28] Geiger, Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, 152 and 165.

[انظر في الترجمة العربية لكتاب جايجر: اليهودية والإسلام، أبراهام غايغر، ترجمة: نبيل فياض، الرافدين، بيروت، ط1، 2018، ص: 231، 253، (قسم الترجمات)].

[29] انظر رأي أبي مسلم الأصفهاني الذي أورده الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1997)، 8: 141، وعليّ بن محمد الماوردي في النكت والعيون: تفسير الماوردي، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1992)، 4: 426- 427.

[30] لاحظ أنّ الآية السادسة من سورة الصف تذكر رفض بني إسرائيل لرسالة عيسى ابن مريم بقولهم عنها: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾. ولاحظ أنّ الآيتين: 23- 24 من سورة غافر تذكران إرسال موسى بالمعجزات إلى فرعون وهامان وقارون واتهامهم له بأنّه: ﴿سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾. ولاحظ أيضًا أنّ قارون يبدو من ملأ فرعون في هذه الآية على الرغم من كونه إسرائيليًّا. وانظر أيضًا الآية 52 من سورة الذاريات: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾.

[31] انظر: الطبرسي، مجمع البيان، 8: 141، وأبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، (بيروت: دار الكتب العلمية، 2002)، 6: 226.

[32] هاينرش شباير Heinrich Speyer (1897- 1935): مستشرق ألماني، درس في جامعة فرانكفورت مع هورفتس، وحصل على الدكتوراه منها عام 1921، وهو أستاذ في المدرسة الحاخامية بجامعة برسلاو، واهتماماته الأساسية تتعلق بالقصص الكتابي وعلاقته بالقرآن، أشهر كتاباته في هذا كتابه الذي نشر عام 1935 بعد وفاته: (القصص الكتابي في القرآن)، وفيه مقارنة تفصيلية للقصص الكتابي مع القرآن، وقد ترجم نبيل فياض بعض فصوله للعربية، في كتاب بعنوان: (قصص أهل الكتاب في القرآن)، وصدر عن دار الرافدين، عام 2018، (قسم الترجمات).

[33] انظر، على سبيل المثال:

Samuel Friedrich Günther Wahl, Der Koran oder das Gesetz der Moslemen durch Muhammed den Sohn Abdallahs (Halle: Gebauer, 1828), 407–8; Geiger, Was hat Mohammed aus dem Judenthume aufgenommen?, 152 and 167; Heinrich Speyer, Die biblischen Erzählungen im Qoran (Gräfenhainichen: Schulze, 1931), 344–5; Rudi Paret, Der Koran: Kommentar und Konkordanz (Stuttgart: Kohlhammer, 1980), 401; and Arthur J. Droge, The Qur’ān: A New Annotated Translation (Sheffield: Equinox, 2013), 280.

[34] أجعلُ عبارة: «لقد تزوج امرأة كوشيّة!» على لسان مريم وهارون، كما تجعلها ترجمة JPS، وليس كتوضيح بين قوسين كما تجعلها ترجمة NRSV [وغيرها من الترجمات الإنجليزية والعربية].

[35] لبعض الأقوال التفسيريّة، انظر:

Kugel, Traditions of the Bible, 778–9.

وانظر أيضًا:

Joseph T. Lienhard, ed., Ancient Christian Commentary on Scripture: Old Testament III Exodus, Leviticus, Numbers, Deuteronomy (Downers Grove: InterVarsity Press, 2001), 220.

[36] لهذه الأقوال الربّية، انظر:

Daniel Boyarin, Carnal Israel: Reading Sex in Talmudic Culture (Berkeley: University of California Press, 1993), 159–65.

وانظر خاصة:

Menahem I. Kahana, Sifre on Numbers: An Annotated Edition, Part III: A Commentary on Piska’ot 59–106 (Jerusalem: Magnes, 2011), 655–61 and 671–2 (بالعبرانية).

ولقد استخدم الراهب السرياني أفرهاط (أفرهاط الفارسي، ت: 346) هذا الخبر عن مفارقة موسى لزوجته في هجومه السجالي على اليهود، وانظر المقارنة بين كلامه وكلام الربيون في هذه المسألة في:

Naomi Koltun- Fromm, Hermeneutics of Holiness: Ancient Jewish and Christian Notions of Sexuality and Religious Community (Oxford: Oxford University Press, 2010), 175–209.

[37] ورد التأويل القائل بأنّ سبب النقد هو الزواج من أجنبيّة في مصادر مبكرة، انظر:

John F. Petruccione and Robert C. Hill, eds and trans., Theodoret of Cyrus: The Questions on the Octateuch (Washington, DC: The Catholic University of America Press, 2007), 2:124–5.

وانظر أيضًا:

Ceslas van den Eynde, ed. And trans., Commentaire d’Išoʿdad de Merv sur l’Ancien Testament: II. Exode- Deutéronome, Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium 176, 179, Scriptores Syri 80, 81 (Louvain: Secrétariat du CorpusSCO, 1958), 93–5 (النص السرياني) and 126–8 (ترجمته الفرنسيّة).

ولعرضٍ لمختلف تفسيرات هذه الآية، مع نقدٍ للأقوال التي تركّز على لون الزوجة الكوشية (السوداء)، انظر:

David M. Goldenberg, The Curse of Ham: Race and Slavery in Early Judaism, Christianity, and Islam (Princeton: Princeton University Press, 2003), 26–9 and 52–9.

ويَرى يوسف بن كاسبي (ت: 1340) أنّ موسى قد انتُقِد على اتخاذه زوجة ثانية، انظر:

Nehama Leibowitz, Studies in Bamidbar (Numbers), translated and adapted by Aryeh Newman (Jerusalem: World Zionist Organization, 1980), 130–3.

[38] Speyer, Die biblischen Erzählungen, 344–5.

[39] هارتفيج هيرشفيلد Hartwig Hirschfeld (1854- 1934): يهودي ألماني، حاصل على الدكتوراه من جامعة استراسبورج عام 1878، هاجر بعدها إلى لندن ليصبح أستاذًا للّغات السامية بالكلية اليهودية بلندن، ثم مدرسَ اللغة العبرية والنقوش الساميّة بكلية الجامعة بجامعة لندن، معظم دراساته تدور حول القرآن وصِلته باليهودية، أوّلها دراسته للدكتوراه: (العناصر اليهودية في القرآن)، و(أبحاث جديدة في تأليف وتفسير القرآن)، (قسم الترجمات).

[40] Hartwig Hirschfeld, New Researches into the Composition and Exegesis of the Qoran (London: Royal Asiatic Society, 1902), 120.

[41] يشير هارشيفيلد هنا إلى الآية 53 من سورة الأحزاب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ...﴾ التي يُعزى نزولها غالبًا إلى سلوك بعض المؤمنين في مأدبة عرس النبي على زينب بنت جحش.

[42] Hirschfeld, New Researches, 122.

يشير هارشيفيلد إلى انتقاد النبي محمد على زواجه من زينب بنت جحش، طليقة ابنه بالتبنّي زيد بن حارثة. وسأفصِّل القول في ذلك فيما يأتي.

[43] يصرّ الكثير من الدارسين الغربيين وكذلك الدارسين المسلمين المعاصرين على أنّ التراث التفسيري قد تعامل مع القرآن تعاملًا ذريًّا، مما يعني الغياب التام لتفعيل السياق في عملية التفسير، وهو أمر غير دقيق، فالمتأمل في بنية المعاني في التراث التفسيري يجد أن السياق بتنوع مستوياته كان يحضر دومًا ضِمن عملية تفسير الآيات المفردة، ويكثر الاستدلال به في الترجيح والتضعيف للمعاني كما هو بين لمن يطالع مدونات التفسير خاصة التي تهتم بالفعل الموازن بين المعاني كالطبري والزمخشري وابن عطية وأبي حيان والآلوسي  وابن عاشور، هذا بالإضافة إلى كون بعض المفسرين أَوْلى مسألة السياق والتناسب والسياق الكلي للسور اهتمامًا نظريًّا كبيرًا وواضحًا؛ مثل البقاعي وابن عاشور.

أمّا بخصوص العلماء المحدَثِين، ويقصد الكاتب هنا الدارسين الغربيين الأوائل للقرآن، فإنهم بالفعل مالوا للتعامل الذريّ التجزيئي مع القرآن، حيث نجد في كتابات جايجر وتسدال وشباير وغيرهم تجزيئًا واضحًا للقصص القرآني وللأفكار والإشارات القرآنية بغية ربطها بما يفترض أنه أصل لها في المصادر الكتابية السابقة على الإسلام، وهذا التجزيء متماشٍ تمامًا مع النظر للقرآن لا ككتاب يُفهم عبر تفسيره من خلال الوقوف على بنيته ذاتها وإنما كوثيقة وكتاب منتحَل يُدرس عبر تحليله وتفكيكه من أجل تحديد العناصر الأولية المفترضة المشكِّلة له، ومتماشٍ كذلك مع المنهج الفيلولوجي المعتمَد في التعامل مع القرآن والذي ينزع لتفكيك وإعادة تركيب النصّ/ الوثيقة من أجل فهم تاريخه بدقة، وهما النظرة والمنهج اللذان حَكَما كتابات هذه المرحلة من الدرس الغربي حول القرآن، (قسم الترجمات).

[44] الدراسات عن بنية سور القرآن ونظمها لا تنفك تتزايد. ولبعض الدراسات التي تغالي في هذا الصدد، انظر على سبيل المثال:

Raymond Farrin, Structure and Qur’anic Interpretation: A Study of Symmetry and Coherence in Islam’s Holy Text (Ashland, OR: White Cloud, 2014) and Michel Cuypers, The Composition of the Qur’an: Rhetorical Analysis, translated by Jerry Ryan (London: Bloomsbury, 2015).

وانظر عرضًا وتعقيبًا في:

Joseph Witztum, ‘The Syriac Milieu of the Quran: The Recasting of Biblical Narratives’ (Princeton University dissertation, 2011), 266–9.

[45] عقد قسم الاستشراق بموقع تفسير ملفًّا حول الاتجاه التزامني في قراءة القرآن وضمّ كتابات أعلام مهمّة مثل كويبرس ونويفرت وروبنسون، كما نَشر عددًا من المقالات لبعض أعلام هذا الاتجاه؛ مثل: محمد عبد الحليم، وريموند فارين، يمكن مطالعتهم على قسم الاستشراق، كما نَشر مرصد تفسير تقريرًا حول دراسة نظم القرآن في الفضاء الغربي، وهذا التقرير بعنوان: دراسة نظم القرآن في الدرس الغربي المعاصر تاريخها واتجاهاتها، (قسم الترجمات).

[46] انظر:

Salwa M. S. El- Awa, Textual Relations in the Qur’ān: Relevance, Coherence and Structure (London: Routledge, 2006), 45–100.

[47] Uri Rubin, ‘The Seal of the Prophets and the Finality of Prophecy: On the Interpretation of the Qur’ānic Sūrat al- Aḥzāb (33)’, Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft 164.1 (2014): 65–96, at 72–3.

وقارن بـ: El- Awa, Textual Relations, 98

[48] عن واقعة زوجة زيد، انظر:

David S. Powers, Muhammad Is Not the Father of Any of Your Men: The Making of the Last Prophet (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2009, 35- 50; Idem, Zayd (Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2014), 32–40 and 97–102; Rubin, ‘The Seal of the Prophets’, 70.

[وانظر ردّ شون أنطوني على أطروحة باور في عرضه لكتاب زيد، في:

Reciew of Qur’anic Researche, Vol.1, No. 1 (2015).

ولتحليل مفصّل لتاريخ هذه القصة، انظر:

Andreas Görke, “Between History and Exegesis: the Origins and Transformation of the Story of Muḥammad and Zaynab bt Ǧaḥš.” Aribica 65,1- 2 (2018), 31- 63.]

[49] انظر: مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل، تحقيق: عبد الله محمود شحاتة، (الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1979- 1989)، 3: 437، و496، حيث رَوى أنّ سبب نزول هذه الآية هو قول اليهود والمنافقين: تزوّج محمد امرأة ابنه وهو ينهانا عن ذلك [في إشارة إلى قائمة المحرمات من النساء المذكورة في الآية 23 من سورة النساء: ﴿...وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ...﴾]. في المقابل، قال هارتموت بوزين: إنّ الآيات: 37- 40 ترمي إلى تفنيد قول اليهود أنّ محمدًا قد زنَى؛ ولذلك هو نبيّ كذاب، انظر:

 Hartmut Bobzin, ‘The “Seal of the Prophets”: Towards an Understanding of Muhammad’s

Prophethood’, in Angelika Neuwirth et al., eds, The Qur’ān in Context: Historical and Literary Investigations into the Qur’ānic Milieu, (Leiden: Brill, 2010), 565–83, at 575–8.

[50] انظر مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل، 3: 496- 497، وباورز،Zayd، 113- 114. وحمَل مفسِّرون آخرون ذلك على إباحة الله لداود وسليمان التمتع بعدد كبير من الزوجات والإماء، انظر، على سبيل المثال: الزمخشري، الكشاف، 5: 75.

[51] انظر:Rubin, ‘The Seal of the Prophets’, 72–3

حيث لفت روبين النظر إلى الصلة بالآية السابعة كذلك: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّـينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَريَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾.

[52] تتضمن السورة إشارات كثيرة إلى النساء. انظر خاصة الآية 35 التي تحصي عشر خصال للصالحين من الرجال والنساء: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾. وللأخبار التي تقول إنّ سبب نزول هذه الآية هو حزن النساء على عدم ذكرهن في القرآن، انظر، على سبيل المثال: الطبري، جامع البيان، 19: 110- 111.

[53] لاحظ أيضًا أنّ الأخبار المتعلقة بآية الرجم المنسوخة [الشيخ والشيخة إذا زنيَا فارجموهما البتّة بما قضيَا من اللذّة] تقول أنّها كانت ضِمن سورة الأحزاب، انظر، على سبيل المثال:

 John Burton, The Collection of the Qur’ān (Cambridge: Cambridge University Press, 1977), 72–86; Hossein Modarressi, ‘Early Debates on the Integrity of the Qur’ān: A Brief Survey’, Studia Islamica 77 (1993): 5–39, at 11–12; Kohlberg and Amir- Moezzi, eds, Revelation and Falsification, 200 (الحواشي على الخبر 421).

[54] وانظر أيضًا الآية 48 التي وردَ فيها المصدر أذى: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾.

[55] هل يشير الأذى هنا إلى الرمي بارتكاب الفاحشة أو الزنى؟ هذا ما يفيده السياق، بإشارته إلى الرجال والنساء وبالألفاظ المستعملة فيه. وقارن مع الآية 11 من سورة النور وما يليها، حيث نجد أيضًا لفظي إثم (الآية 11)، وبُهتان (الآية 16). وكذلك نجد لفظ (بُهتان) مستعملًا في الآية 156 من سورة النساء في سياق الرمي بارتكاب الفاحشة: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾.

[56] لم يَفُت المفسّرين الكلاسيكيين، أو بعضهم على الأقل، ملاحظةُ هذا الشبه. انظر، على سبيل المثال، القول الشيعي الذي أورده السيّاري، في كتاب القراءات، المستشهد به أعلاه، والأقوال التي أوردها السيوطي عن ابن عباس وابن مسعود في الدر المنثور، 12: 152- 153. لكن هذه الأقوال لم تنتبه لتعلّق هذا الشبه بشؤون زوجيّة. ولعلّ السياق الجنسي والزواجي لسورة الأحزاب هو ما أَلهَم التفسير المذكور أعلاه القائل أنّ موسى قد رُمي بارتكاب الفاحشة مع امرأةٍ بَغِيّ (بتدبير من قارون).

[57] من الجدير بالذِّكْر أننا لو فسرنا أقرب آية لآية الأحزاب، وهي الآية الخامسة من سورة الصف، تفسيرًا سياقيًّا، سنخلص إلى استنتاجٍ مختلف: يقول موسى في هذه الآية: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾. سورة الصف خالية تمامًا من أيّ ذِكر للشؤون النسائية أو الزوجيّة. وإنما نجد في الآية التالية قولَ بني إسرائيل عن رسالة عيسى بن مريم أنها ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾. ويفيد ذلك أنّ إيذاء موسى من طبيعة مشابهة. وهكذا نجد أنّ سورتي الأحزاب والصف تتضمنان آيتين غير متطابقتين، لكنهما تستعملان ألفاظًا متشابهة، في سياقين مختلفين جدًّا. ماذا نستفيد من ذلك؟ لا أعرف، لكن يبدو أن لذلك أثره على فهم العلاقة بين السورتين.

[58] قد يكون رسم القراءتين واحدًا في مخطوطات القرآن المبكرة التي تفتقر إلى التنقيط عادة، والتي لا تعتمد فيها المسافات بين الحروف على كونها من نفس الكلمة. انظر، على سبيل المثال، إعادة تركيب النص السفلي لطرس صنعاء 1 في:

Behnam Sadeghi and Mohsen Goudarzi, ‘Ṣanʿā’ 1 and the Origins of the Qur’ān’, Der Islam 87 (2012): 1–129, at 80.

وقارن بالمخطوطات المتاحة على الموقع الآتي: corpuscoranicum.de/handschriften/index/sure/33/vers/69.

ولقراءة ابن مسعود، انظر: عثمان بن جني، المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، تحقيق: عليّ النجدي ناصف وآخرين، (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1966- 1969)، 2: 185. وقارن هذه القراءة بالآية 172 من سورة النساء التي تنص على أنّ المسيح لن يستنكف عن ﴿أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾. ونجد رواية مختلفة لهذه القراءة في مصادر أخرى، وهي: «وَكَانَ عَبْدُ اللهِ وَجِيهًا». وقارن بالآية 30 من سورة مريم: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾، والآية 19 من سورة الجن: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾، وانظر: ابن خالويه، مختصر في شواذ القرآن، تحقيق: جوتهلف برجشتراسر، (ليبزج: ف. أ. بروكهاوس، 1934)، 120، حيث نجد هذا القراءة مروية عن الأعمش (ت. 765)، الذي يتبع قراءة ابن مسعود غالبًا، وعن أبي حيوة (ت. 818)، وقيل عن ابن مسعود نفسه. ويبدو أنّ هاتين ليستا قراءتين منفصلتين وإنما تأويلان لرسم قراءة واحدة، ويدعم ذلك، أننا لا نجدهما مذكورتين معًا في أيٍّ من كتب القراءات القروسطية، على حدّ اطّلاعي. والرواية الأُولى: «وَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ وَجِيهًا» هي الأشهر والأقوى على ما يبدو، وانظر التدليل على ذلك في: عبد اللطيف الخطيب، معجم القراءات، (دمشق: دار سعد الدين، 2002)، 7: 321- 322. ويجدر التنبيه على إنه من العسير عادة معرفة الرواية التي قصدها المؤلف القروسطي (عبدًا لله وجيهًا، أم عبدُ الله وجيهًا)؛ إذ قد تكون الرواية الموجودة في النسخ المطبوعة تأويل خاطئ من الناسِخ أو المحقق.

[59] قال ابن خالويه: «صليتُ في شهر رمضان خلف ابن شنبوذ (ت. 980) وكان يقرأ: وكان عبدُ الله وجيهًا»، انظر: ابن خالويه، مختصر في شواذ القرآن، 120. وإلى شهادة ابن خالويه هذه، ينبغي أن نضيف ردّ ابن الأنباري (ت: 940) على معاصر له يقول إنّ (عند) في الآية 69 من سورة الأحزاب تصحيف لـ(عبد)، انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1: 128، و17: 243. كتاب ابن الأنباري، (الردّ على من خالفَ مصحف عثمان) مفقود لكن الكثير من فقراته محفوظ في تفسير القرطبي، انظر: غانم قدوري الحمد، (كتاب الردّ على من خالَف مصحف عثمان لابن الأنباري)، مجلة الحكمة 9 (1996)، 223- 240. ويرى الحمد أنّ ردّ ابن الأنباري في كتابه كان موجهًا إلى ابن شنبوذ في المقام الأول. وأرجو أن أفصّل القول في ذلك في دراسة أخرى.

[60] نجد قراءتين مماثلتين للآية 19 من سورة الزخرف، التي قرأها عاصم: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾، وقرأها غيره: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا»، وهذه قراءة لا تغيّر المعنى، لكن قرأها آخرون: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا»، وقارن بالآية 206 من سورة الأعراف: ﴿ِإنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾، والآية 19 من سورة الأنبياء: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾. ولمعرفة مَن قرأ بهاتين القراءتين، انظر: الخطيب، معجم القراءات، 8: 357- 359. ويجدر الانتباه إلى أنّ الكلمات الثلاث: (عباد، وعبد، وعند)، تبدو متطابقة في المخطوطات المبكرة التي يغيب عنها التنقيط وألِف المدّ.

[61] انظر كلام ابن الأنباري المستشهد به في القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 17: 243، وابن جني، المحتسب، 2: 185.

[62] انظر، على سبيل المثال: الطبري، جامع البيان، 5: 410.

[63] قارن بالآية الخامسة من سورة الفتح: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

[64] لننتبه إلى أنّ الترجمات اليهودية والترجمة السامريّة والترجمة السريانية (البشيطة) تستعمل كلّها في هذا الموضع النظير الآرمي لكلمة عڤد: ʿabdā(عبدا). وعلى ذلك من المحتمل أنّ القرآن يردّد هنا صدى النصّ الآرمي وليس العبراني. ومن الجدير بالذِّكْر أنّ موسى موصوف بأنه عبدٌ لله في مواضع أخرى من الكتاب المقدّس العبراني.

[65] هذه عبارة مستغلَقة، ترجمها أرثر أربري إلى الإنجليزية بما يفيد: فلقد ضلَّت أو زاغت قلوبكما. وترجمها ريتشارد بيل بما يفيد: فقد مالَت قلوبكما.

[لتفسيرات هذه العبارة وترجماتها، انظر:

Mustansir Mir, “fa- qad ṣaghat qulūbukumā: The Interpretation of Qur'an 66:4 by Farāhī and Iṣlāḥī,” Journal of Qur'anic Studies (1),1, 1999, 141- 153.]

[66] وانظر أيضًا الآيتين الرابعة: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، والسادسة: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾.

[67] لجمع مفيد لهذه الأخبار، انظر: محمد بن سليمان بن صالح الربيش، أمهات المؤمنين في السُّنة النبوية، (بيروت: دار ابن حزم، 2010).

[68] انظر، على سبيل المثال:

W. Montgomery Watt, ‘ʿĀ’isha bint Abī Bakr’, EI2, 1:307–8, and D. A. Spellberg, Politics, Gender, and the Islamic Past: The Legacy of ʿA’isha bint Abi Bakr (New York: Columbia University Press, 1994), 61–74.

[ولدراسة شاملة لمتون وأسانيد حديث الإفك، انظر الفصل السادس من هذا الكتاب لأندرياس جوركه وجورج شولر:

Andreas Görke and Gregor Schoeler, The Earliest Writings on the Life of Muḥammad: The ʿUrwa Corpus and the Non- Muslim Sources ( Berlin: Gerlach press, 2024), 113- 126].

[69] انظر: الثعلبي، الكشف والبيان، 21: 560.

[70] انظر: الربيش، أمهات المؤمنين، 134- 136.

[71] انظر:

Spellberg, Politics, Gender, and the Islamic Past, 80–4, and Meir M. Bar- Asher, Scripture and Exegesis in Early Imāmī Shiism (Leiden: Brill, 1999), 42–3.

[72] انظر:

F. Buhl, ‘Māriya’, EI2, 6:575.

[73] انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 19: 388. وانظر أيضًا: محمد بن عيسى الترمذي، الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرين، (القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1937)، 5: 708؛ والمصادر المجموعة في الربيش، أمهات المؤمنين، 594- 595 و600- 601؛ وV. Vacca and Ruth Roded, ‘Ṣafiyya’, EI2, 8: 817.

[74] الطبري، جامع البيان، 19: 178- 179.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))