حاشية على كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾
في الآية 138 من سورة البقرة

المترجم : طارق عثمان
يهتم الكثير من الدارسين الغربيين المعاصرين بمحاولة فهم بعض الاصطلاحات والتعبيرات القرآنية كجزء من النقاشات الدينية في الشرق الأدنى القديم المتأخر، في هذه المقالة يحاول شون أنتوني قراءة كلمة (صِبغَة) في الآية 138 من سورة البقرة ضمن الجدالات المسيحية اليهودية حول معنى الصبغ ودلالة العماد وعلاقته بمفهوم المِلَّة والدين.

حاشية على كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ في الآية 138 من سورة البقرة [1]

شون أنتوني[2]

ترجمة: طارق عثمان

  كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ الواردة في الآية 138 من سورة البقرة، واحدة من الكلمات القرآنية الكثيرة التي أشكلَ تفسيرُها على العلماء المتقدّمين والمتأخّرين على حدٍّ سواء. يمكن ترجمة هذه الكلمة إلى الإنجليزية، في معظم السياقات، بكلمة: “dye” أو “coloring”، أي: صبغة، أو تخضيب، أو تلوين، لكن معناها ودلالتها في هذا السياق القرآني محلّ نزاع طويل؛ ولذلك يمكن اتخاذ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ التي لم ترِد إلّا في هذا الموضع من القرآن (فهي hapax legomenon، كلمة وحيدة، أي: كلمة لم ترِد إلّا مرة واحدة في النصّ)، مثالًا دراسيًّا شائقًا؛ نظرًا لأنّ معناها خارج سياق القرآن لم يُشْكِل قطّ على علماء العربية، لكنه أشكل عليهم في سياقها القرآني، وتنازعوا فيه بشدّة. بالطبع، الحيرة اللغويّة (الفيلولوجيّة) التي أثارتها كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ أقلّ بكثير من تلك التي أثارتها غيرها من كلمات القرآن المدروسة بكثافة-ككلمة ﴿الصَّمَدُ﴾ الواردة في سورة الإخلاص، على سبيل المثال-[3] ومع ذلك لم ينعقد إجماع الدارسين بعدُ على المعنى الراجح لهذه الكلمة القرآنية.

ما هي -إذًا- طبيعة الإشكال الذي قابله العلماء هنا؟ لو نظرنا في السياق القرآني الذي وردت فيه كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ سنجد أنها قد وردت بغتة، في هيئة استعارة على ما يبدو، في خاتمة مقطع مهمّ من سورة البقرة (الآيات: 124- 141) عن مِلّة (دين) إبراهيم[4]. وتُـمَثِّل مِلّة إبراهيم في القرآن النموذج الأصلي والنقي لإيمان البشر بالله، على وجه العموم. يعرض لنا القرآن في هذا المقطع جدلًا بين اليهود والنصارى على جهة، والمؤمنين بمحمد على الجهة الأخرى، وفيه يقول اليهود والنصارى للمؤمنين بمحمد: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ وعلى طلبهم هذا ردَّ القرآن نيابةً عن المؤمنين، بقوله: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا[5] وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [آية: 135]. ولقد وردت كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ في ذروة هذا الجدل، في الآيتين: 137- 138:

﴿فَإِنْ آمَنُوا [أي: اليهود والنصارى] بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [اتّبعوا] صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾.

كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ منصوبة[6]؛ وبذلك ترتبط عبارة: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ ارتباطًا صريحًا بعبارة: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ وتتشاكل معها.إنّ ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ تعبير مجازي عن ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ النقيّة التي يفضّلها القرآن على دين مُجادِلِيه من اليهود والنصارى. ولأنّ كلمتي (مِلَّةَ وصِبْغَةَ) منصوبتان، بسبب تقدير فعلٍ محذوف، يترك النصّ مجالًا للتصرّف في ترجمة الآية، على حسب الفعل الذي سنقدّره قبل كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾؛ إِذْ يمكننا أن نختار من بين أفعالٍ عدّة، مثل: اتَّبِعُوا (follow)، اعتَنِقُوا (adopt)، الْزَمُوا أو استمسِكُوا بـ (adhere to)، إلخ.

أُترجِم كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ بـ(dye)؛ لأنني أرى أنّ هذا هو مقابلها الإنجليزي الأشدّ صراحةً وظهورًا (صبغة حرفيًّا)، وذلك على الرغم من أنه قد طُرحت ترجمات أخرى عدّة[7]. وكما سأفصّل أدناه، غالبًا ما اعترض الدارسون على هذه الترجمة بشدّة، بل ورفضوها رفضًا قاطعًا. والطرح الأساسي لمقالتي هذه هو أنه ينبغي علينا ترجمة كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ بـ(dye)؛ إِذْ سأُحاجج عن أننا نجد تأييدًا لهذه الترجمة في سياقٍ بلاغي من أواخر العصر القديم (late antique)، يشتبك معه القرآن، في هذا الموضع، باستعمال كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾. وبقراءة الآية في ضوء هذا السياق البلاغي تحديدًا، سنتمكّن من الوقوف على أصوب معنى لهذه الكلمة التي طالما عُدّت كلمة عسيرة.

Ⅱ.

يغلب على المفسِّرين المتقدّمين والقروسطيين التحشية على عبارة: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ بأحد هذين التفسيرَيْن المقتضبين: (دين/ مِلّة الله) أو (فطرة الله)، اعتمادًا على صلة كلمة ﴿صِبْغَة﴾ بكلمة ﴿مِلَّة﴾ في الآية 135[8]. لكن اختار بعضهم تأويلها على أنها تشير إلى سُنّة إسلاميّة بعينها؛ كالختان، أو استقبال القِبلة في الصلاة، أو غُسل الجنابة[9]. ومن المعلوم أنّ الختان قد عُدّ -مبكرًا جدًّا- أحد سنن الفطرة المميزة لمِلّة إبراهيم[10]. وكذلك نجد تأويلًا -نادرًا- لكلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ يحملها على أنها تشير إلى البياض (الذي سيزين وجوه المؤمنين في الجنة)[11]. وعرَّف المتصوفُ الحكيمُ الترمذي (ت: حوالي 320هـ) كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ بقوله: «وصبغ قلبه، أي: غمس قلبه في ماء الرحمة حتى طَهُر به»[12]. ولقد راق هذا التعريف بشدّة لبولس نويا؛ إِذْ رأى أنّ صاحبه قد أحيا به الصلة الأصلية بين هذه الكلمة والمعموديّة[13]. لكن كما بيّنَت چنـﭭـييـﭫ جوبيو مؤخّرًا، نجد ما يشبه أفكار الحكيم الترمذي في أعمالٍ سابقة عليه، وتحديدًا في تصانيف الشيعة الإماميّة المبكّرة، التي تتحدّث عن أنّ الله قد «خلق المؤمنين من نوره، ثم أصبغهم في رحمته»[14].

ومن بين شتّى التأويلات التي طرحها المفسِّرون المتقدّمون والقروسطيون لكلمة ﴿صِبْغَةَ﴾، التي نجدها في المدوّنة التفسيرية وما حولها، يبدو أنّ ما أثار اهتمام دارسي القرآن المُحدَثِين، أكثر من أيّ شيء آخر، هو الميل الذي نجده عند بعض المفسِّرين المتقدّمين إلى ربط كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ بالمعمودية (التعميد، العماد) عند النصارى، بل وعند اليهود -في بعض الأحيان- أيضًا. ويُعَدّ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ) مثالًا نموذجيًّا على هذا الميل؛ إِذْ يقول في تفسير هذه الآية[15]:

«يعنى -تعالى ذِكْره- بالصِّبغة: صبغةَ الإسلام؛ وذلك أنّ النصارى إذا أرادت أن تنصِّر أطفالهم، جعلتهم في ماء لهم تزعم أنّ ذلك لها تقديس، بمنزلة غُسل الجنابة لأهل الإسلام، وأنه صبغة لهم في النصرانية».

واعتمادًا على هذا الميل عند المفسِّرين المتقدِّمين، وَجد الدارِسون الـمُحدَثون الذين يبتغون ترجمة كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ مبررًا لحمل هذه الكلمة على أنها أقرب لترجمة عربية مستعارة لكلمة (مَصبوعيتا) السريانية- المرادفة لـ(معموديتا)، أي: معمودية[16].

لكن لم يلقَ هذا التأويل استحسان جميع الدارِسين المُحدَثين؛ لأنه يدفعنا إلى طرح هذا السؤال: ما الذي يعنيه القرآن -على وجه التحديد- من نسبة الصِّبْغة إلى الله، ما صِبغة الله في مقابل صِبغة النصارى واليهود؟ فليس في الإسلام شعيرة ظاهرة مماثلة للمعمودية أو بديلة عنها، وهذا ما يفسِّر -ولو جزئيًّا- تبايُن السّنن التي ذكرها هؤلاء المفسّرون المتقدّمون عندما أرادوا حمل كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ على أنها تشير إلى سُنة بعينها من سنن الإسلام (كالختان أو غُسل الجنابة)[17]. بل إنّ چيمس بيلامي قد وَجد كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ مُشكِلة لدرجة جعلته يطرح التأويل الأشدّ تطرّفًا من بين جميع التأويلات الحديثة للآية 138 من سورة البقرة؛ إِذ افترض أنّ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ الموجودة في المصاحف التي بين أيدينا ناتجة عن مشكلة وقعت في أثناء تنقيح رسم القرآن نفسه: إمّا عن تصحيف لكلمة صنيعة أو لكلمة كفاية (لكنه يميل إلى ترجيح الأُولى)[18]. مقترحَا بلامي مبتكران، وكلّ منهما lectio facilior (قراءة سهلة)، لكن في ظلّ غياب أيّ أدلة مخطوطيّة تدعمهما، من الأحكم ترك الـ lectio difficilior (القراءة الصعبة) -أي: كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾- على حالها[19].

التأويل الذي سأطرحة هنا لكلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ هو نسخة معدّلة من ذلك الذي طرحه إدموند بيك منذ ما يربو على نصف قرن في دراسته الخلّاقة عن دلالة ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ في القرآن[20]. متبعًا لأحد أقوال المفسِّرين المتقدّمين[21]، قال بيك أنّ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ تعني معموديّة، وأنها مستعملة في هذا الموضع على سبيل المجاز كاستعارة على مِلّة إبراهيم. أو بعبارة أخرى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ هي دين إبراهيم الأصلي، الذي يفضّله القرآن على المعمودية المسيحية[22]. ويختلف تأويلِي عن تأويل بيك في الآتي: أرى أنّ الأصوب هو الحفاظ على دلالة كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ الظاهرة -أي ترجمتها بـ: dye وليس بـ: baptism”- ثم فهمها على أنها استعارة مزدوجة على ملّة إبراهيم والمعمودية المسيحية كلتيهما.

سأسوق الحُجج المؤيدة لهذا الرأي في القسم التالي من هذه الدراسة. لكن قبل الشروع في ذلك، يجدر بي أن أردّ على عدد من كبار الدارسين المحدَثِين-وأهمهم: چيرار تروبو، وكلود جيليو[23]، وألفرد-لويس دي بريمار[24]- الذين مالوا إلى القول بأنّ حمل كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ على ظاهرها، أي: صبغة أو dye، يُعَدّ تأويلًا غير دقيق أو ضعيفًا. وسأكتفي هنا بنقل أحد أبلغ وأمتن الأمثلة على هذا الميل، وهو قول كلود جيليو. في عرضه لترجمة چاك بيرك الفرنسية للقرآن، اعترض جيليو بشدة على ترجمة بيرك لعبارة: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ حرفيًّا بـ: une teinture de Dieu، وعلى تعليق بيرك عليها بقوله إنها: «إشارة ساخرة إلى المعمودية المسيحية»، وعلى توصيته بـترك هذه الاستعارة، أثناء ترجمتها، بـ«كامل قوتها». لكن جيليو يرى أنه من المستحيل الحفاظ على قوّة هذه الاستعارة؛ وذلك لأنّ هذه الآية وإن كانت تشير بسخرية إلى المعمودية المسيحية يقينًا، إلا أنها ليست استعارة بأيّ حال من الأحوال. فعند جيليو، ليست كلمة (صِبغة) سوى اللفظ العربي الذي وُلِّدَ كمقابل لكلمة معمودية، على إثر تغلغل النصرانية وانتشارها بين القبائل الناطقة بالعربية قبل قدوم الإسلام. إنها الكلمة التي استعملها نصارى العرب السابقون على الإسلام للإشارة إلى المعمودية، والتي استعملها القرآن نفسه لاحقًا لمقاصد سجاليّة[25].

لم يبتدع جيليو هذا القول بالكلية[26]، لكنه ساق عليه حججًا متينة، ازدادت متانة بما أضافه الراحل ألفريد-لويس دي بريمار من شواهد في مقالة أقرب عهدًا[27]. لكنني لا أرى أنّ هذه الحجج مقنعة إقناعًا تامًّا، وذلك للأسباب الآتية. قال جيليو: إنّ الجذر العربي (ص- ب-غ) قد أضحى مرتبطًا بمعنى المعمودية مع قدوم الإسلام، واستدلّ على ذلك بالأخبار المبكّرة المتعلقة بنصارى بني تغلب، والتي تنصّ على أنّ الفاتحين المسلمين قد سمحوا لبني تغلب أن يظلّوا على دينهم بشرط «أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية»[28]. ونجد دعمًا لذلك في شتى الاستعمالات المعجمية الأوسع للكلمات المشتقة من الجذر (ص- ب-غ)، في مدوّنة الحديث، والتي تشهد على أنّ هذا الجذر يتضمّن معاني الغمر (التغطيس) والغمس[29]. بل إننا نجد في رواية مبكّرة من خبر بني تغلب كلمة (يغمسوا) مستعملة في محلّ يصبغوا[30]. ومع ذلك، جَزْم جيليو باستعمال نصارى العرب قبل الإسلام لكلمة (صِبغة) بمعنى معمودية غير حصيف بالمرة؛ فاستعمال فعل مشتقّ من الجذر (ص- ب-غ) في الأخبار سالفة الذِّكْر لا يخبرنا شيئًا عن الاسم الذي استعمله أولئك النصارى قبل الإسلام. ويزيد من أطروحته إشكالًا، أنّ هذه الشواهد مذكورة في نصوص إسلاميّة مصنّفة في فترة بعيدة نسبيًّا عن الأحداث التي تخبر عنها- ولا أقصد بذلك أن أُنازِعَ في تاريخيّة هذه الأخبار، وإنما أن أُشكِّكَ في رجاحة الاعتماد عليها لإعادة تركيب الخصائص اللغوية للعربية المسيحية السابقة على الإسلام وألفاظها.

لكن ذكر جيليو أيضًا أنّ نصارى العرب قد استعملوا كلمة (صبغة) للإشارة إلى المعمودية في القرن التاسع الميلادي، وبذلك توجد استمرارية لغويّة على ما يبدو[31]. هذا الجزم صحيح من الناحية الحرفية، لكن من الممكن له أن يكون مضلِّلًا، وذلك لسببين؛ أولًا: الاستعمال الذي يشير إليه جيليو هنا نادر جدًّا؛ إِذْ وردَ في نصّ وحيد، ولذلك لا يكفي قطعًا لإثبات استمرارية هذا الاستعمال اللغوي المفترض، الذي لا توجد أيّ أدلة متينة عليه من قبلِ الإسلام إلى ما بعده بقرنين أو ثلاثة. فأبكَرُ النصوص التي وصلتنا من النصارى الناطقين بالعربية تَستعمل -في مقابل كلمة baptismos اليونانية- كلمة المعموديّة عادة أو كلمة المصبوعيّة في بعض الأحيان، أي أنها نقلت إلى العربية مباشرة مقابلاتها الأقدم السريانية والآرمية الفلسطينية، «معموديتا» و«مصبوعيتا»[32]. ثانيًا: أجَل، يَستعمل النصّ الوحيد من القرن التاسع الذي استشهد به جيليو لفْظَ (صبغة)، وليس معموديّة أو مصبوعيّة، لكن الراجح أنّ هذا الاستعمال النصراني لكلمة (صبغة) بمعنى المعمودية ناشئ عن تأثّر نصارى العرب بالأسلوب القرآني، أو/و بتفاسير القرآن، وليس عن استعمالٍ نصراني أصلي، مما يقلّل بشدة من أهميته في تفسير الآية 138 من سورة البقرة[33].

علاوة على ذلك، من جهة الشكل والصرف، كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ القرآنية مقابل عربي غير مستساغ لكلمة (مصبوعيتا) السريانيّة، والقول بأنها كذلك يبدو مغاليًا ومتكلفًا. في المقابل، الكلمة القرآنية أشدّ شبهًا بأيٍّ من هاتين الكلمتين السريانيتين: (صِبعا) (أي صبغة) أو (صبعوتا) (أي صبغ).

Ⅲ.

لكي أفنّد الرأي القائل أنّ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ القرآنية ترجمة صريحة لكلمة (مصبوعيتا) السريانيّة، والرائج بين الدارِسين الفرنسيين على وجه الخصوص (باستثناء چاك بيرك، الذي أفضّل قوله على قول كلود جيليو بالطبع)، سألفت الانتباه إلى شبه -قد غُفل عنه حتى الآن على ما يظهر- بين الآية 138 من سورة البقرة ومقطع من نصٍّ مسيحي مبكِّر، خارج الكتاب المقدس، مُكتشَف ضمن مخطوطات نجع حمادي القبطية، معروف باسم إنجيل فيليب. وإليكم المقطع المقصود[34]:

الله صبّاغ. إنّ الصبغات الجيدة -التي تُسمّى بالصبغات (الحقة)- تموت مع تلك الأشياء التي صُبغت بها، وكذلك حال الذين صبغهم الله. إنّ صبغاته خالدة؛ ولذلك يصبح أولئك الذين يصبغهم بها خالدين، بفضل أدويته. لكن الله يغمس/ يُعمّد مَن يغمسهم/ يُعمّدهم في الماء (إنجيل فيليب 61: 12- 20).

إنه تشبيه مدهش: كما أنّ الصبغات الجيدة أو الحقّة تتغلغل في الأشياء التي تُصبغ بها حتى تصير واحدًا معها (أو: تموت معها)، تتغلغل صبغات الله الخالدة في الذين يصبغهم بالخلود أثناء المعموديّة. ونجد شبهًا شديدًا بين عبارة: (الله صبّاغ) في هذا المقطع من إنجيل فيليب وعبارة: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ القرآنية؛ إِذْ كلاهما مذكور في إطار النجاة أو الخلاص. علاوة على ذلك، يربط هذا التشبيه بين الصبغ الإلهي والصبغ أو التعميد المسيحي. بل نقرأ في موضع لاحق من إنجيل فيليب أنّ «ابن آدم [كناية عن المسيح] قد جاء صبّاغًا» (إنجيل فيليب 62: 29- 30)[35]. ولو صحّت فرضيتي عن أنّ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ في الآية 138 من سورة البقرة تعني صبغة حرفيًّا، يمكن القول أنّ القرآن يربط -مثل إنجيل فيليب، مجازيًّا- بين الصبغ الإلهي والصبغ المسيحي، بين صبغة الله والمعمودية. لكن هل هذا مجرد تشابه سطحي بين الاثنين؟

إنجيل فيليب مُترع باستعارات تعميدية، انتشرت -على الأرجح- بين الجماعات المسيحية الغنوصية من أتباع ﭬـالنتينوس المصري (ت: حوالي 180م)[36]. ولقد تنوّعت تفسيرات الدارسين للمقطع المنقول أعلاه، على سبيل المثال: اعتبر لوي بينشو ورجين شارون أنّ هذا المقطع متأثّر بشدة بالتصانيف الخميائية المصريّة- الرومانيّة «التي تعدّ الصبغ فنًّا إلهيًّا، وفنّ التحول بامتياز»[37]. وهذا قول جذّاب ومعقول، لكنني أتفق -رغم ذلك- مع هيو لاندو في قوله أنّ أوجه الشبه بين هذا المقطع والتصانيف الخميائية التي بيَّنها بينشو وشارون «ليست ضرورية لفهم ما يقوله إنجيل فيليب، الذي يتمتع بمنطق داخلي واضح على ما يبدو»[38]. والراجح أنّ هذا (المنطق الداخلي الواضح) نابع من استعمال إنجيل فيليب لمجاز شائع نسبيًّا على المعمودية، حتى وإن استعمله على نحو مميز وخاصّ به.

ويدعم ذلك، وجود الاستعارات التي تُشَبِّه التعميد بالصبغ والتلوين في مواعظ نرصاي الرهاوي (ت: حوالي 502م) السريانية. وخاصة في موعظته المعنونة بـ: (عن أسرار الكنيسة وعن المعمودية)؛ إِذْ نقرأ في مفتتحها[39]:

لقد لطخ قيح (شوحتا)[40]الشهوات جمال فضيلتنا، فتوجه إلينا ربنا وخضبنا بلون (سَمّا) الروح الذي لا ينمحي. وبحذق، خلط الألوان المحيية لجنسنا بالزيت والماء وقوة الروح التي لا تُقهر.

من الجدير بالملاحظة هنا الاستعمال المجازي لـ(الألوان)-يجوز ترجمة كلمة (سَمّا) هنا بصبغة أو طلاء بالإضافة إلى لون- للإشارة إلى طريقة تحويل الله للبشر خلال طقس المعمودية. وليست هذه مجرّد استعارة شاردة؛ لأنّ نرصاي غالبًا ما يصف الله بــ(المخضِّب) في سياق الحديث عن التعميد[41]. وأخيرًا، ينبغي أن ننظر بعناية في الكلمة السريانية التي استعملها نرصاي في هذه الموعظة للإشارة إلى لون (سَمّا). إنها ذات معنى مزدوج: دواء/ شفاء، ولون/ طلاء. والتورية مقصودة هنا؛ إِذْ ترمي إلى التشديد على وجهي التعميد التحويلي والشافي بمحوه للطخة الخطيئة البشرية. ومن المثير للانتباه، أننا نجد نفس التورية، كما ذكر لاندو، في المقطع المستشهد به أعلاه من إنجيل فيليب؛ فكلمة (باهري) القبطية تعني، مثل كلمة (سَمّا) السريانية، دواء/ شفاء، ولون/ طلاء[42].

من العسير الوقوف بدقة على منشأ هذا الربط المجازي بين التعميد والصبغ في التصانيف المسيحية، وعلى مدى انتشاره من دون إفراد هذه المسألة بدراسة مركّزة. ومع ذلك، يمكن القول أنّ هذه الاستعارة قد ظهرت في وقت مبكّر بدرجةٍ ما، وأنها قد انتشرت في نطاق جغرافي واسع، ويشهد على ذلك، أنّ أوبتاتس أسقف ميلة [في الجزائر] قد استعملها في حوالي سنة 336م في خضمّ ردِّه على أتباع المذهب الدوناتي الأمازيغي [نسبة إلى دونا الكبير، ت: 355م]، للدفاع عن جواز التعميد ولو على يد مُعمِّد غير تقي [اشترط الدوناتيون تقوى الـمُعمِّد لصحة التعميد][43]. وبعيدًا عن شمال إفريقية، نجد إفرام السرياني (ت: 373م) يصف في مواعظه الشعرية طقسَ المعمودية بالتلوين الذي يخضب به الله المؤمنين، يقول[44]:

تصويرة ملكية مرسومة بألوان زاهية

وبزيت، يمكن للكلّ رؤيته، رُسِمَت الصورة الخفية لملكنا الخفي

على أولئك المختوم عليهم

بالمعمودية، التي تأنّ بهم في رحمها

لرسم الصورة الجديدة

التي ستحلّ في محلّ صورة آدم السابق الفاسدة

والحقّ، إنّ إفرام السرياني كان مولعًا -على ما يبدو- بهذا النحو من التصوير المجازي للمعمودية[45].

ليست النصوص المستشهد بها أعلاه جامعة بأيّ حال من الأحوال؛ إِذْ من شأن المزيد من البحث عن الروابط المجازية بين الصبغ أو التلوين وطقس المعمودية في التصانيف المسيحية من أواخر العصر القديم وفي التصانيف الوعظية السريانية على وجه الخصوص =أن يسفر عن المزيد من النصوص، على الأرجح. ومع ذلك، أرى أن النصوص التي استشهدت بها كافية لدفعنا إلى إعادة النظر في تفسير كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ الواردة في الآية 138 من سورة البقرة.

Ⅳ.

في ضوء الشواهد المذكورة أعلاه، أرى أنه توجد أُسس متينة لحمل كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ في هذا الموضع من القرآن على وجهها (أي: صبغة حرفيًّا أو dye)، عوضًا عن حملها على أنها ترجمة عربية مستعارة صراحة لكلمة (مصبوعيتا) السريانية (أي: معمودية)[46]. لكن كما ذكر بيرك في ترجمته الفرنسية للقرآن، كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ هنا كناية صريحة عن المعمودية. ولكي تتجلّى لنا قوة هذه الكناية، ينبغي النظر إليها في ضوء الأوصاف التي نجدها في التصانيف الوعظية المسيحية في أواخر العصر القديم لطقس المعمودية بأنه صبغ أو تلوين أو طلاء للمؤمن. وعلى ذلك، يمكن القول إنّ كلمة ﴿صِبْغَةَ﴾ في الآية 138 من سورة البقرة استعارة معقدة، تحيل على ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ الواردة في الآية 135، وتستدعي -في الوقت عينه- الخطاب المسيحي عن المعمودية كطقس خلاصي. إنها استعارة معقدة-مفرطة التعقيد، كما قد يعترض بعضهم- لكن لا غرو؛ فالقرآن نصّ معقَّد جدًّا[47][48].

بحلول أواخر القرن السادس وبدايات القرن السابع الميلادي، أضحى الربط بين المعمودية والألوان والصبغات مجازًا راسخًا؛ إِذْ جُعل الفعلان اليونانيان: βάπτω، وβαπτίζω من الغمر والصبغ استعارتين طبيعيتين على طقس المعمودية؛ وذلك نظرًا لحقلهما الدلالي الحرفي والمجازي [الغمر، الغمس، الصبغ، الطلاء، الغرق في فكرة أو تجربة][49]. ولا عجب أن نجد في القرآن صدى لهذا المجاز؛ نظرًا لسياقه التاريخي. لكن ذلك لا يعني أنّ القرآن قد (استعار مِن)-وهو مصطلح أضحى سيّئ السمعة حاليًا- الخطابِ الوعظي المسيحي عن المعمودية في أواخر العصر القديم في الشرق الأدنى، وإنما يعني أنه قد اشتبك مع هذا الخطاب.

وعلى وجه العموم، لقد اعتُبِرَت دراية القرآن بالطقوس المسيحية أقلّ من درايته بطقوس مستمعيه الوثنيين واليهود الأشدّ حضورًا. على سبيل المثال: منذ أيام يوحنا الدمشقي (ت: 749)، طُعن في الواقعة المروية في الآيات: 112- 115 من سورة المائدة (إنزال عيسى بن مريم لمائدة من السماء تلبيةً لطلب الحواريين)، بأنها محاولة خائبة من محمد لمناقشة طقس العشاء الرباني (الأفخارستيا أو الشكر)، ولرواية قصة العشاء الأخير[50]. لكن ذلك مستبعد جدًّا، كما بيَّنَت إمانويلا جريبو؛ إِذْ نجد واقعة مشابهة جدًّا مروية في نصّ سرياني معنون بـ: إنجيل الحواريين الاثني عشر[51]. لكنّنا على أساس أشدّ رسوخًا فيما يخصّ دراية القرآن بطقس المعمودية؛ إِذْ تطرح الآية 138 من سورة البقرة حجة معقدة مفادها أنّ إيمان إبراهيم الأُمّي النقي-ملّته كحنيف-كان كافيًا لنجاته؛ وبذلك، تُبطِل هذه الملة-صبغة الله- ضرورة التعميد للنجاة. وهذه حُجّة شبيهة للغاية باحتجاج بولس بإيمان إبراهيم على عدم ضرورة الختان للنجاة (الرسالة إلى أهل رومية 4: 9- 12؛ وقارن بالرسالة إلى أهل فيلبي 3: 2- 3)، وهو شبهٌ يزداد مفارَقةً بقول بعض المفسِّرين أنّ ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ هي الختان.

 


[1] العنوان الأصلي لهذه المقالة هو:  “Further Notes On The Word ­Sibgha In Qur’an 2:138,”

وقد نشرت في:  Journal of Semitic Studies LIX/1 Spring 2014, 117-129.

[2] أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة ولاية أوهايو.

[3] لعرضٍ للجدل حول معنى كلمة ﴿الصَّمَدُ﴾، انظر، على سبيل المثال:

W.A. Saleh, ‘The Etymological Fallacy and Qur’anic Studies: Muhammad, Paradise and Late Antiquity’, in A. Neuwrith, N. Sinai and M. Marx (eds), The Qu’ran in Context (Leiden 2010), 649–97.

[وانظر حاليًا هاتين الدراستَيْن لأندرو هاموند وزيشان غفّار:

Hammond, A. (2023). The Problem of the Quranic al-ṣamad. JAOS, 143(3), 607–631.

Ghaffar, Z. (2024). The Many Faces of Sūrat al-Ikhlāṣ. Journal of the International Qur’anic Studies Association].

[4] أصل كلمة (مِلّة) سرياني على الأرجح (كما بيّنَ چيفري): (ملتا) والتي تعني: كلام، قول، جدل أو مناظرة. وكذلك استُعملت كمقابل سرياني لكلمة (دين) اليونانية. وتعني عبارة: (ملتا ألوهيا): اللاهوت أو الإلهيات أو الكلام في شأن الله، وهذا هو أصل تسمية اللاهوت الإسلامي بعلم (الكلام)، على الأرجح، كما بيّنَ مايكل كوك. (المترجم)

[5] أحمل كلمة (حنيف) على أنها تعني: أُمِّيّ (gentile)، أي: ليس بيهودي، تبعًا لفرنسوا دو بولوي، انظر:

F. de Blois, “Naṣrānī (Ναζωραȋος) and ḥanīf (ἐθνικός): Studies on the Religious Vocabulary of Christianity and of Islam,” BSOAS 65 (2002), 23–5.

لكن قارن بدراسة مؤمن سري هذه:

M. Sirry, ‘The Early Development of the Quranic Hanif,’ JSS 56 (2011), 349–55.

[وقارن أيضًا بدراسة محسن جودارزي هذه:

Mohsen Goudarzi, “Unearthing Abraham’s Altar: The Cultic Dimensions of dīn, islām, and ḥanīf in the Qurʾan,” Journal of Near Eastern Studies Volume 82, Number 1 April 2023].

[6] قُرئت كلمة ﴿صِبْغَةُ﴾ بالرفع، وليس بالنصب، في بعض القراءات، لكن ليس لذلك أثر كبير على المعنى. والرفع في هذه القراءات ناتج عن تقدير (هي) مضمرة، في محلّ ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾، وبذلك يَجعل الرفعُ التطابقَ بين صبغة وملّة ناتجًا عن ترادف صريح أو بدل وليس عن مشاكلة: ملة إبراهيم هي صبغة الله. انظر: معجم القراءات، عبد اللطيف الخطيب، 11 مجلدًا (دمشق: 2000)، (1/ 2002).

[7] من ضمنها: savour, coloring, unction, hue, baptism.

وانظر، على سبيل المثال:

Elsaid M. Badawi and Muhammad Abdel Haleem, Arabic-English Dictionary of Qur’anic Usage (HdO 1, vol. 85, Leiden 2008), 510.

[8] مجاز القرآن، أبو عبيد معمر بن المثنى، (مجلدان)، تحقيق: محمد فؤاد سزكين (القاهرة: 1954- 1962)، 1، 59. معاني القرآن، الأخفش، (مجلدان)، تحقيق: عبد الأمير الورد (القاهرة: 1985)، (1/ 340)، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، (مجلدان)، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي (بيروت: 1973)، (1/ 196)، جامع البيان عن تأويل القرآن، أبو جعفر الطبري، (14 مجلدًا)، تحقيق: محمود محمد شاكر وأحمد محمد شاكر (القاهرة، 1954)، (3/ 117- 120)، إيجاز البيان عن معاني القرآن، محمود بن أبي الحسن النيسابوري، (مجلدان)، تحقيق: حنيف بن حسن القاسمي (بيروت: 1995)، (1/ 124).

[9] جامع، الطبري، (3/ 118). وقارن بـ: معاني القرآن، الفراء، (ثلاثة مجلدات)، تحقيق: أحمد يوسف نجاتي ومحمد عليّ النجار (القاهرة: 1980)، (1/ 82) وما بعدها، والكشف والبيان، أبو إسحاق الثعلبي، (عشرة مجلدات)، تحقيق: محمد بن عاشور ونظير الساعدي (بيروت: 2002)، (2/ 5- 6).

[10] انظر:

M.J. Kister, ‘“And He was Born Circumcised”… Some Notes on Circumcision in Hadith’, Oriens 34 (1994), 10–30.

[11] انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي،(ثمانية مجلدات)، تحقيق: عبد الرزاق المهدي (بيروت: 2001)، (1/ 309).

[12] كتاب رياضة النفس، الحكيم الترمذي، تقديم وتعليق: إبراهيم شمس الدين (بيروت: 2005)، ص34. (المترجم)

[13] P. Nwyia, Exégèse coranique et langage mystique: nouvel essai sur le lexique technique des mystiques musulmans (Beirut 1970), 58.

[14] بصائر الدرجات في فضائل آل محمد، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، تحقيق: ميرزا محسن كوچة باغي (قم: 1983)، ص11، مستشهد به في:

 G. Gobillot, La conception originelle (fitra): ses interprétations et fonctions chez les penseurs musulmans (Cairo 2000), 81.

وفي دراسة لاحقة، طرحَت جوبيو هذا القول: تعبّر كلمة صِبغة القرآنية عن «موضوع (ثيمة) قد نشأ أول الأمر ضمن الحركة الهرمسية». ولدعمه، استشهدَت بحديث هرمس مع ابنه طاط عن غمس قلوب المصطفين من البشر في وعاء كوني (kratēr، باليونانية) حتى تُخلَع عليهم نعمة العقل (noùs، باليونانية). انظر دراستها:

‘Les mystiques musulmans entre Coran et tradition prophétique. À propos de quelques themes chrétiens’, Revue de l’Histoire des Religions no. 1 (2005), 73 f.

ولكلام هرمس، انظر:

B.P. Copenhaver, Hermetica (Cambridge 1992), 15 f. (IV.4).

وأرى أنّ صلة هذا الحديث الهرمسي بكلمة صبغة القرآنية واهية جدًّا. لكنني أرى أنّ طرح جوبيو سيصير وجيهًا جدًّا، لو عدّلناه قائلين أنّ لهذا الحديث الهرمسي تأثيرًا (لا على القرآن نفسه وإنما) على التأويلات الشيعية والصوفية لعبارة: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾، التي استشهدتُ بها أعلاه، والتي استشهدَتْ هي نفسها بها. ويزيد هذا القول قوة أنّ ابن النوبختي (أواخر القرن الثامن الميلادي)-الذي لعائلته تأثير شهير على الشيعة- قد أظهر معرفته بالكتابات الهرمسية، انظر:

K. van Bladel, The Arabic Hermes: From Pagan Sage to Prophet of Science (Oxford 2009), 30ff.

وقارن بتأثير هذا الحديث الهرمسي على الفكر المسيحي كما هو مبيّن في:

Copenhaver, Hermetica, 134 f.

[15] جامع، الطبري، (3/ 118).

[16] A. Jefferies, The Foreign Vocabulary of the Quran (Lahore 1977), 192; R. Köhlberg, ‘Zur Bedeutung von Òibga in Koran 2,138’, Orientalia 42 (1973), 518–19; idem, ‘Zur Bedeutung von Sure 2,138’, Orientalia 44 (1975), 106–7; R. Paret, Der Koran: Kommentar und Konkordanz (Stuttgart 1977), 33–4.

[17] أقرب شعيرة إسلامية للمعمودية هي غُسل الإسلام أو غُسل الدخول في الإسلام؛ إِذْ يُروى عن قيس بن عاصم أنه قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ أُرِيدُ الإِسْلَامَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» (أصحاب السنن). وتحتاج طبيعة العلاقة بين هذا الغُسل والمعمودية إلى دراسة. (المترجم)

[18] J.A. Bellamy, ‘Some Proposed Emendations to the Text of the Koran’, JAOS 113 (1993), 570–1.

[وللمزيد عن مسألة تعديل رسم المصحف ولردٍّ على بلامي، انظر دراسة بهنام صادقي هذه:

Behnam Sadeghi, “Criteria for Emending the Text of the Qur’ān,” in Cook, M., Haider, N., Rabb, I., Sayeed, A. (eds) Law and Tradition in Classical Islamic Thought (New York: Palgrave Macmillan, 2013), 21-41.]

[19] ترجيح القراءة الصعبة على السهلة واحدة من قواعد تحقيق النصوص المخطوطة (النقد النصي): لو اختلف مخطوطان لنصّ في كلمة فأيهما نُثْبِت؟ الكلمة الأصعب؛ لأنها الأصلية على الأرجح؛ وذلك لأنّ احتمال تعديل الناسخ الكلمة الصعبة إلى أخرى أسهل أرجح من احتمال تعديله للكلمة السهلة إلى أخرى أصعب. هذا، ونجد كلمة ﴿صِبْغَة﴾ في جميع مخطوطات القرآن التي وصلتنا. انظر صورًا لـ 81 مخطوطة وردت فيها هذه الكلمة على موقع كوربوس كورانيكوم: https://corpuscoranicum.de/en/verse-navigator/sura/2/verse/138/manuscripts

(المترجم).

[20] E. Beck, ‘Die Gestalt des Abraham am Wendepunkt der Entwicklung Muhammeds: Analyse von Sure 2, 118 (124)–135 (141)’, Le Muséon 65 (1952), 73–94.

[21] جامع، الطبري، (3/ 117).

[22] يقول: «لم يقدِّم القرآن ما من شأنه توضيح معنى كلمة (صبغة). لكن صلتها-وإن كانت بعيدة- بكلمة ملّة تكشف عن أنّ كلمة (صبغة) -التي تعني معمودية (كشعيرة دينية أساسية، الدخول في دين)- مستعملة هنا بمعنى أوسع للإشارة إلى الدين على وجه العموم» (نفسه، ص92).

[23] كلود جيليو claude.gillot، (1940- ...): مستشرق فرنسي وأحد الآباء الدومنيكان، وهو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكس أون بروفانس -مارسيليا بفرنسا منذ عام 1989 وحتى تقاعده في عام 2006، وُلِد جيليو في السادس من يناير عام 1940، وقد حصل على دكتوراه الدولة في سبتمبر عام (1982) من جامعة السوربون Paris 111، وكانت أطروحته بعنوان: «جوانب المخيال الإسلامي الجمعي من خلال تفسير الطبري»، والتي أشرف عليه فيها أستاذه محمد أركون، وقد عمل باحثًا في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي (IREMAM)، ومشرفًا ومحررًا لعددٍ من المجلات البحثية المتخصصة كمجلة أرابيكا (Arabica)، وله إنتاجٌ غزيرٌ وعددٌ كبيرٌ من الكتابات حول تاريخ القرآن والتفسير، وأشرف على العديد من الرسائل الأكاديمية والأعمال العلمية.

 وقد نشرنا له ترجمتين؛ الأولى بعنوان: «بدايات تفسير القرآن»، ترجمة: د/ زياد فروح، «الأسطورة، قصة الخلاص في تفسير الطبري، توظيف الأخبار الإسرائيلية في تفسير الطبري ودلالاته»، ترجمة: أ.د/ سامي مندور، يمكن مطالعتهما ضمن ترجمات ملف «التفسير الإسلامي في الدراسات الغربية»، على قسم الاستشراق بموقع تفسير، وأعيد نشرهم ضمن كتاب «التفسير في الدراسات الغربية المعاصرة» الجزء الأول والثاني. (قسم الترجمات).

[24] ألفريد لويس دي بريمار Alfred-Louis de Prémare (1930م- 2006م) مؤرخ فرنسي، متخصص في اللغة والثقافة العربية وتاريخ الإسلام، وأستاذ فخري بجامعة إكس أون بروفانس مارسيليا، وباحث ومعلم في معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والإسلامي (IREMAM)، وقد قضى بريمار طفولته في المغرب، وتعلم اللغة العربية ودرس آدابها في معهد الدراسات العليا المغربية وفي جامعة محمد الخامس، ومنذ عام 1963م وإلى عام 1965م تم الترحيب به في معهد الآباء الدومنيكان بالقاهرة، اهتمامه الأساس بالتاريخ العربي الإسلامي، وقد درس في جامعات عربية مثل جامعة قسنطينة (الجزائر)، والرباط (المغرب)، وقد أَوْلى جزءًا كبيرًا من اهتمامه أثناء تدريسه في جامعة إكس أون بروفانس ببدايات الإسلام والسيرة النبوية وتاريخ القرآن، من أشهر كتبه كتاب: «تأسيس الإسلام بين الكتابة والتاريخ»، وقد نقله للعربية: عيسى محاسبي، وصدر عن دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 2009م، وكتابه «في أصول القرآن، مسائل الأمس ومقاربات اليوم» نقله للعربية: ناصر بن رجب، منشورات الجمل، بغداد-بيروت، الطبعة الأولى، 2019م. (قسم الترجمات)

[25] C. Gilliot, ‘Le Coran: trois traductions récentes’, Studia Islamica 75 (1992), 167–8.

[26] انظر، على سبيل المثال:

G. Troupeau, Études sur la grammaire et la lexicographie arabes: recueil d’articles sélectionnés (Damascus 2002), 218 f, repr. of ‘Un exemple des difficulties de l’exégèse coranique: le sens du mot sibgha (S. II, v. 138)’, Communio 16 (1991), 119–26.

[27] A-L. de Prémare, ‘Les textes musulmans dans leur environnement’, Arabica 47 (2000), 403–5.

وانظر أيضًا المرجع السابق، ص168.

[28] انظر، على سبيل المثال: كتاب الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، تحقيق: إحسان عباس (بيروت: 1957)، (1/ 316)، حيث يُعزى ذلك إلى النبي: «قَدِمَ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفدُ بني تغلب ستة عشر رجلًا مسلمين ونصارى عليهم صُلُب الذهب، فنزلوا دار رملة بنت الحارث، فصالح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النصارى على أن يقرّهم على دينهم على أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية». لكن يُعزى هذا الشرط إلى عمر بن الخطاب عادة، قارن بـ: كتاب الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: 1989)، ص101: «صالحت عمر بن الخطاب عن بني تغلب، بعدما قطعوا الفرات وأرادوا اللحوق بالروم، على أن لا يصبغوا صبيًّا، ولا يكرهوا على دينٍ غير دينهم»، وقال أبو عبيدٍ: «قوله: "لا يصبغوا أولادهم" أي لا ينصروا أولادهم». فتوح البلدان، البلاذري، تحقيق: ميخائيل يان دخويه (ليدن: 1866)، ص182: «على أن لا يصبغوا صبيًّا، ولا يكرهوا على دينٍ غير دينهم».

[29] A.J. Wensinck et al., Concordances et indicies de la tradition musulmane (Leiden 1933–69), III, 243b–44.

[30] كتاب الخَراج، يحيى بن آدم، تحقيق: حسين مؤنس (بيروت: 1987)، ص102: «على أن لا يغمسوا أحدًا من أولادهم».

[31] Gilliot, art. cit., 167.

[32] G. Graf, Verziechnis arabischer kirchlicher Termini (CSCO 147, subs. 8, Louvain 1954), 70, 79 f.

يستعمل الجذر (ص- ب- ع)، بكثرة، كمقابل لـbaptismos في الترجمات الآرامية الفلسطينية المسيحية للعهد الجديد، قارن بـ:

C. Müller-Kessler and M. Sokoloff (eds), A Corpus of Christian Palestinian Aramaic, vol. IIA: The Christian Palestinian Aramaic New Testament from the Early Period Gospels (Groningen 1998), 248b, s.v. m.ș.b.w.‘.y.

[33] بيّن مارك سوانسون مؤخرًا «أنّ التصانيف النصرانيّة العربية ليست قائمة على ترجمة الأصول اليونانية والسريانية فحسب، وإنما تجمعها علاقة تناصيّة وثيقة بالقرآن أيضًا»، انظر:

Mark Swanson, ‘Beyond Prooftexting: Approaches to the Qur’an in Some Early Arabic Apologies’, Muslim World 88 (1998), 298.

وقارن بـ Graf، مرجع سبق ذكره، ص70، والحاشية رقم 2 فيها. استشهد جراف هنا بنصّ نسبه إلى تواضروس أبو قرّة (وتبعه جيليو على ذلك)، وهذا غلط، فهذا النص ليس لأبي قرة، وإنما هو نص شهير من القرن التاسع بعنوان:Summa theologiae arabica (أو الكتاب الجامع وجوه الإيمان بالعربية). وعنه انظر:

R.G. Hoyland, ‘St. Andrews Ms. 14 and the Earliest Arabic Summa Theologiae: Its Date, Authorship and Apologetic Context’, in W.J. van Bekkum, J.W. Drijvers and A.C. Klugkist (eds), Syriac Polemics: Studies in Honour of Gerrit Jan Reinink (OLA 170, Louvain 2007), 159–72.

وانظر أيضًا، مناقشة كلمة (صبغة) في:

B. Roggema, The Legend of Sergius Bahira (Leiden 2009), 461 n. 40.

[34] اعتمدت هنا على هذه الترجمة:

H. Lundhaug, Images of Rebirth: Cognitive Poetics and Transformational Soteriology in the Gospel of Phillip and the Exegesis on the Soul (NHMS 73, Leiden 2010), 255.

وقارن بمناقشة لهذه المقطع في هذه المراجع:

H-M. Schenke, Das Philippus-Evangelium (Nag-Hammadi-Codex 11,3): Neu Herausgeben, Übersetzt, und Erklärt (TU 143, Berlin 1997), 302 f.; H. Schmid, Die Eucharistie ist Jesus: Anfänge einer Theorie des Sakraments im koptischen Phillipusevangelium (NHCII3) (VCS 88, Leiden 2007), 426–33; R. Charron and L. Painchaud, ‘“God is a Dyer”. The Background and Significance of a Puzzling Motif in the Coptic Gospel According to Phillip (CG 11, 3)’, Le Muséon 114 (2001), 41–50.

[35] عبارة «ابن آدم» (أو the son of man” كما في الترجمات الإنجليزية، أو «ابن الإنسان» كما في الترجمات العربية للكتاب المقدس) وردت في التناخ (في أكثر من 100 موضع تقريبًا) وفي العهد الجديد (في 94 موضعًا). والمقصود منها في التناخ: الإنسان أو البشر الفانون على وجه العموم. لكن معناها ملتبس في دانيل 7؛ إذ فُسّرت بأنها تشير إلى بني إسرائيل خاصّة أو إلى المسيح. أمّا في العهد الجديد فهي تُستعمل ككناية عن المسيح بن مريم على وجه العموم. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الكناية مستعملة للتشديد على بشرية المسيح أم على أُلوهيته. لكن لعلها تشير -على وجه التحديد- إليه بصفته المسيح الأخروي، الذي سيأتي قاضيًا يوم الدين مع الله وملكوته. (المترجم)

[36] انظر:

E. Thomassen, ‘Baptism among the Valentinians’, in D. Hellhom, Tor Vegge, Ø. Norderval and C. Hellholm (eds), Ablution, Initiation, and Baptism: Late Antiquity, Early Judaism, and Early Christianity (3 vols, BZNW 176, Berlin 2011), III, 895–915.

[37] Charron and Painchaud, 47.

[38] Lundhaug, 235 n. 288.

[39] Narsai, Homiliæ et carmina, A. Mignana (ed.) (Mosul 1905), I, 341 (memra xxi)

اعتمدتُ هنا على هذه الترجمة (بتصرف يسير):

R.H. Connolly (trans.), The Liturgical Homilies of Narsai (Cambridge 1909), 46.

وعن مواعظه عن المعمودية على وجه العموم، انظر:

M. Kappes, ‘The Voice of Many Waters: The Baptismal Homilies of Narsai’, Studia Patristica 33 (1997), 534–47.

[40] ترجم كونولّي كلمة (شوحتا) السريانية بـ(صدأ) (أو: ران)، لكنني أترجمها بـ(قيح)، تبعًا لبروك، انظر:

S. Brock, The Holy Spirit in the Syrían Baptismal Tradition (Piscataway 2008), 129.

[41] على سبيل المثال:

Narsai, Homiliæ, I, 356 et passim; Connolly, trans., Hymns, 33.

[42] W.E. Crum, A Coptic Dictionary (Oxford 1962), 282b; cited in Lundhaug, 255.

[43] M. Edwards (trans. and ed.), Optatus: Against the Donatists (Liverpool 1997), 108

مستشهد به في:

E. Ferguson, Baptism in the Early Church: History, Theology, and Liturgy in the First Five Centuries (Grand Rapids 2009), 676.

[44] E. Beck (ed.), Des Heiligen Ephraem des Syrers Hymnen de Virginitate (CSCO 223, set. syri 94, Louvain 1962), 25–6 (hymn vii, stanza 5)

اعتمدتُ هنا على ترجمة بروك:

Brock, Baptismal Tradition, 130.

[45] قارن بـ:

E. Beck, Dorea und Charis: Die Taufe: Zwei Beiträge zur Theologie Ephräms des Syrers (CSCO 457, subs. 72, Louvain 1984), 89 f and Edward G. Mathews (trans.), The Armenian Commentary on Genesis Attributed to Ephrem the Syrian (CSCO 573, scr. arm. 24, Louvain 1998), 6 and n. 34 thereto.

لعلّ هذه الأفكار التي عبّر عنها إفرام في هذا النصّ ذات صلة وثيقة بفكرة أنّ المعمودية أساسية لإصلاح الله للبشرية لكي تعود، كما خلقها، على صورته مرة أخرى، انظر:

I.L.E. Ramelli, ‘Baptism in Gregory of Nyssa’s Theology and Its Orientation to Eschatology’, in Hellholm, Vegge and Norderval (eds), Ablution, Initiation, and Baptism, II, 1206–8.

[46] يمكن دعم هذا القول بحجة هامشية وهي أن كلمة (صبغة) لم تُقرأ قط (سواء في القراءات المعتمدة أو المحكوم عليها بالشذوذ) بالسين: سبغة. وكذلك نجدها مكتوبة في جميع المخطوطات المبكرة بالصاد وليس بالسين. وفي ذلك تشديد على أن المعنى المقصود هو الصبغ، أي: التخضيب والتلوين، وليس السبغ، أي: الغمر والغمس. (المترجم)

[47] ليست الآية 138 من سورة البقرة الموضع الوحيد الذي وَجد فيه الدارسون إشارة إلى المعمودية؛ إِذْ رأى إرفن جراف إشارة إليها في مواضع أخرى متفرقة، مثل: الآية 249 من سورة البقرة: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَـمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾، والآية الرابعة من سورة المدثر: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾، انظر:

Erwin Gräf, ‘Zu den christlichen Einflüssen im Koran III’, Al-Bahit: Festschrift Joseph Henninger (Bonn 1976), 130f.

والحق، إنّ حججه هنا ليست مقنعة، لكن لعله ينبغي إعادة النظر فيها مع استقصاء أوسع للشواهد والأدلة.

[48] يقول ابن عطية في تفسير قوله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللهِ﴾: «و﴿صِبْغَةَ اللهِ﴾ شريعته وسنته وفطرته، قال كثير من المفسِّرين: وذلك أنّ النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم، فهذا ينظر إلى ذلك. وقيل: سُـمّي الدين (صِبْغَة) استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتديِّن كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره»، وذكر ابن عاشور أنّ إرجاع الصبغة لله وحده فيه ردٌّ على اليهود والنصارى معًا بأنّ صبغة الإسلام الاعتقاد والعمل المشار إليهما بقوله: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ﴾ [البقرة: 136]، إلى قوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 136]، وأنّ الإيمان لا يحصل بصبغة القسّيس وغيره وإنما بصبغ الله وتلوينه، أي: تكييفه الإيمان في الفطرة مع إرشاده إليه، وأنّ إطلاق الصبغة على الإيمان استعارة علاقتها المشابهة. ينظر: التحرير والتنوير، (1/ 744). ويلاحظ أنّ ما ذكره المؤلف في كلامه عن إحالة كلمة (صبغة) لملة إبراهيم والخطاب المسيحي عن المعمودية كطقس خلاصي لا يجعلنا أمام معنى جديد كما قد يُتصور، ففي نهاية الأمر لا يخرج المعنى المراد عند تأمّله عن ملة إبراهيم -عليه السلام- والإسلام وشريعة الله... إلخ، وأمّا اختياره الإبقاء -في ترجمات القرآن- على ترجمة (صبغة) ترجمة حرفية حتى يبرز السياق والخلفية للمفردة، فالترجمة يُورَد فيها المعنى حتى يفهم القارئ، وفي الحاشية تُفصَّل مثل هذه الخلفيات. (قسم الترجمات)

[49] Ferguson, Baptism in the Early Church, 38ff.

[50] D.J. Sahas, John of Damascus on Islam: The ‘Heresy of the Ishmaelites’ (Leiden 1972), 141.

[51] E. Grypeou, ‘The Table from Heaven: A Note on Qur’an, Surah 5,111ff.’, Collectanea Christiana Orientalia 2 (2005), 311–16.
عرض ميشيل كويبرس تفسيرات أخرى لهذه الواقعة، لكنها غير مقنعة في نظري، انظر:

M. Cuypers, Le Festin: Une lecture de la sourate al-Mâ’ida (Paris 2007), 340–5.

بعد فراغي من كتابة هذه الدراسة، اطّلعتُ على دراسة شائقة لجبريل سعيد رينولدز، طرحَ فيها حججًا قوية على أنّ مائدة عيسى بن مريم هي إعادة قراءة قرآنية للمزمور رقم 78، انظر:

G.S. Reynolds, ‘On the Qur’an’s Ma’ida Passage and the Wanderings of the Israelites’, in B. Lourié, C.A. Segovia, and A. Bausi (eds), The Coming of the Comforter (Piscataway 2011), 91–108.

[مؤخرًا، طرح محسن جودارزي حججًا سياقية مؤيدة للرأي القديم القائل بأنّ هذه الآيات من سورة المائدة تناقش طقس العشاء الرباني وتقوّمه، انظر:

Mohsen Goudarzi, “The Eucharist in the Qur’an,” Islam and Christian–Muslim Relations, 34, 2 (2023), 113–133].

كلمات مفتاحية

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))