نظرة معكوسة، أم تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية؟

المترجم : مصطفى هندي
يهتم الكثير من الباحثين المعاصرين بإعادة التفكير في حقل الدراسات القرآنية الغربية من خلال مفاهيم ما بعد الكولونيالية، في محاولةٍ للوقوف على الأساسات المعرفية الأعمق التي قام عليها الحقل، ووضعِ تصوُّر أشمل عن علاقةٍ مُثلى بين الدراسة الغربية والدراسة الإسلامية للقرآن، يحاول سجاد رضوي في هذا المقال إثارة هذه الأسئلة عبر تناول كتاب ماجد دانشغار (دراسة القرآن في الأكاديمية الإسلامية).

نظرة معكوسة، أم تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية؟[1][2]

  إنّ الإنسان ليس مجرّد إمكانية للاستئناف أو النفي؛ وإذا كان صحيحًا أنّ الوعي (الضمير) هو ممارسة تجاوزية، فعلينا أن نرى أنّ هذا التجاوز مُحاطٌ بمسائل الحبّ والتفهّم. فالإنسان ما هو إلا كلمة «نعم» يتردّد صداها بفعل تناغماتها الكونية، بيدَ أنه إِذْ يُنتزع من جذوره، ويُشتّت، ويُلاحق، ويُحكم عليه برؤية الحقائق التي اصطنعها لنفسه تتساقط واحدة تلو الأخرى، فما يكون منه سوى أن يتوقّف عن إسقاط تناقضه الداخلي على العالم.

الأَسْود هو إنسانٌ أسود؛ وهو بهذا المعنى: نتاج سلسلة من اضطرابات عاطفية، جعلته يقبع في قلب العالم الذي يجب أن يتحرّر منه. إنّ هذه المسألة من الأهمية بمكان؛ وأنا لا أقترح سوى تحرير الإنسان الملوَّن من نفسِه. مع العلم بأنّنا سنسير ببطء شديد؛ لأنّ هناك معسكرَيْن: الأبيض، والأسود.

سنُخضِع كلتا المنظومتين الميتافيزيقيتين لتمحيص صارم، وسنجد في النهاية أنهما في كثير من الأحيان هدّامتان بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى.

لن نشفق البتة على الحكّام (المستعمِرين) القُدامى، ومَن سبقهم من المبشِّرين. بالنسبة لنا: من يتمركز حول (الأَسْود) مريضٌ مثله مثل الذي يمقته.

وعلى العكس من ذلك، فإنّ الإنسان الأَسْود الذي يريد تبييض عرقه بائسٌ، مثل ذاك الذي ينادي بكراهية البِيض.

(Fanon 2008: 2)[3]

*****

قبل ما يقرب من ثلاثة عقود من نشر كتاب (الاستشراق) لإدوارد سعيد؛ خرج كتاب (بشرة سوداء، أقنعة بيضاء)، الذي رسم فيه فانون معالم سيكولوجية النظرة الاستعمارية في سيطرتها المعرفية على ما هو غير غربي، وكيف قامت ببناء مقولة (الأَسْود)، بما في ذلك ثقافته ووجوده ذاته. لم يكن المطلوب مجرد عكس النظرة وقلب العملية بغرض أن يقوم (الآخر) بالنسبة للغرب بصنع وإخضاع وفرض الدونية على الغرب؛ بل بالأحرى التأثير على عملية تحقيق إنسانية الذات المستعمَرة في انسجامٍ مع عالمها. لم يكن اهتمام فانون الميتافيزيقي موجهًا نحو نقد ما بعد الاستعمار فحسب، بل أيضًا نحو الرغبة في تفكيك الاستعمار؛ إِذْ لم يكن يرمي إلى إنكار الذات والآخر، بل كان يتطلّع إلى صنع إعادة تفكير جذرية في الذات وفي ميتافيزيقا الفرد.

سنبيّن هنا إعادة التفكير هذه في إطار الاعتراف النهائي بأنه ليست الذات الإنسانية -باعتبارها موضوعًا للنظر والتأطير- هي فقط التي تقع رهينة الصدفة التاريخية، بل أيضًا نفس هذا النظر والتأطير لا يقلّ عنها ارتهانًا بالظرف التاريخي. إذن، أيّ شيء يمكن أن تكون عليه التموضعية سوى تمركز واضح للصدفة التاريخية للفرد في قلب بحثه التجريبي؟ (Bhabha 1994: 340-41). إنّ ما فعله سعيد لم يكن سوى أنه أخذ النقد المعرفي في الاتجاه المضاد للنظرة الاستعمارية، والإشارة إلى العمليات التي تمّت من خلالها القولبة الجوهرانية للشرق والسيطرة عليه وإعادة هيكلته (Said 1978: 3). بالطبع ليس هذا هو المكان المناسب لمناقشة انتقادات سعيد -لقد تحدَّث ماجد دانشغار عن ذلك وسنعرّج عليه- ولكن يكفي أن نقول -بالتزامن مع إعادة الصياغة التي قام بها وائل حلاق مؤخرًا- إنّ سعيدًا في (الاستشراق) -باعتباره متنًا جدليًّا- قد أبعد النجعة في زعمه رفض متون المعرفة الغربية عن الشرق بأكملها، باعتبارها متورطة في تعزيز علاقات الهيمنة والإكراه والسيطرة (وهذا في حقيقته قولبة جوهرانية جامدة للغرب كما مُورست بحق الشرق)، في حين أنّ سعيدًا في الوقت نفسه لم يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية؛ لأنه غفل عن تمحيص ونقد منطلقاته الليبرالية العلمانية (Hallaq 2018: 17-21). وبالتالي فإنّ القرآن -باعتباره جزءًا لا يتجزأ من ذلك الشرق- لم يكن حاملًا للمعنى بالنسبة للمسلمين، ولم يكن لِما يعتقده المسلمون عن القرآن أيّ صلة، ولم يكن واقعًا متعدّد الأوجه يوجّه ويتخلّل حياة المسلمين؛ بل كان مجرد موقع هيمنة يجب إعادة تعريفه والسيطرة عليه من أجلِ فرض الهيمنة على المسلمين (Said 1978: 60-63).

إنّ المشروع البنائي بحاجة إلى تجاوز إغراء الانغماس في عكس النظرة إلى (إحراج) الغرب (انظر: Dabashi 2020). ينبغي لصراع ما بعد الاستعمار -أو حتى المساحات الفعلية والمتخيلة لمرحلة ما بعد الاستعمار- أن يمنحنا إمكانية التفكير بما يتجاوز الثنائيات السابقة، لأسباب أهمها أنّ تعريف ما بعد الاستعمار بدلالة حقبة تاريخية وموقع جغرافي لا يخبرنا بالكثير، بقدر ما يخبرنا به تعريفه بحالة ذهنية أو موقف. ومع ذلك، فإنّ مرحلة ما بعد الاستعمار -باعتبارها موقعًا معاصرًا- تمارس ضغطًا كبيرًا على إمكانية إقامة ما يبدو أنه خطاب عقلاني حول الذوات والموضوعات؛ ففي ظلّ ثقافة تقول بالبنائية المسبقة للذات والآخر، والأمر نفسه مع التقاليد والنص والبحث = يجب أن يُنظر إلينا على أنّنا عقلانيون حتى نبدو بشرًا (Mbembe 2001: 1-3)[4].

السؤال هنا هو: عقلانية مَن هي التي يمكن الانطلاق منها والبناء عليها؟ وهل هذا النمط من التفكير والنقد و(التاريخ) ما هو إلا مقولات كونية مُلزِمة لنا، وتحدّد -وفقًا للمصطلحات الأرسطية- هويتنا كبشرٍ؟ ذهبت الدراسات التاريخية النقدية (الغربية، العقلانية، الأكاديمية) حول نصّ القرآن -تحريره وإرساء نصّه المعياري- إلى رفض ما اعتُبر ممارسة (إصلاحية) تقليدية لظهور النص و(اتساقه) في روايات المسلمين الداخلية عن دينهم وإرساء الصورة المعيارية للنصّ. وبعبارة أوضح: لا يمكن الوثوق بالمسلم البسيط عندما يتعلّق الأمر بتفسير التكوين التاريخي للتقليد، أو الأطر اللغوية اللازمة لفكّ شفرته، أو حتى المهارة التأويلية المطلوبة لفهم النصّ المقدّس. وإنّ رفض توماس ماكولاي الشهير للتعليم الشرقي برمّته يعكس إلى حدّ ما تلك الممارسة الاستعمارية؛ حيث ذهب إلى أنّ الفيلولوجيا السليمة -أي: دراسة جذور وأصول وفِقْه اللغة العربية- هي من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن تركها للعرب (2005 Saleh). من ناحية أخرى، فإنّ بعض التقليديين المسلمين ("المؤمنين"، "أصحاب الحقّ") قد يعتقدون -على الأقل في مرحلة ما بعد الاستشراق، أو حتى يمكن للمرء أن يقول بعد تكشُّف حقائق التاريخ المتقلب لشيطنة الإسلام وتصويره كاريكاتوريًّا بدءًا من العصور الوسطى فصاعدًا- أقول: إنّ بعضهم قد يذهب إلى أنه لا يمكن الوثوق بغير المسلمين من (الغربيين) في دراسة القرآن، حيث يُخفِي ادّعاؤهم تبنِّي (المنهج النقدي) نيّتهم العدائية في إنكار (الحقيقة) وهدمها. وإنّ الموضع الكلاسيكي لهذا الرفض الإسلامي للدراسات القرآنية الاستشراقية هو الفقرة الشهيرة لبرويز منظور الذي يكثر الاستشهاد بها:

إنّ المشروع الاستشراقي في حقل الدراسات القرآنية -مهما كانت مزاياه والخدمات التي قدّمها لهذا المجال- كان مشروعًا وُلِد من الحقد، ونشأ في الغيظ والإحباط، وغُذّي بالثأر: حقد الأقوياء على الضعفاء، وإحباط (العقلانيين) تجاه (الخرافيين)، وثأر (أصحاب المذهب القويم) من (الحائدين عن الحق).

 Manzoor 1987: 39, مقتبس في: Rippin 2012: 3

في ورقته غير المنشورة حول تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية[5]، وسّع جوزيف لمبارد نطاق النقد حتى ذهب إلى تقويض اقتراح أندرو ريبين بأنّ الفجوة بين الناقد المُمحّص والمؤمن الساذج تحتاج إلى سدّها من خلال الاشتباك مع الدراسات القرآنية الإسلامية الحديثة، وأمّا تجاهُل قرون من فقه اللغة العربية وعلوم القرآن، وخاصة التفسير فهو في الواقع الشيء المخزي إلى حدّ كبير[6]. كما يمتدّ التشييء الاستشراقي والسيطرة على ما هو غير غربي إلى اعتبار التراث الفكري للآخر أقلّ شأنًا؛ فالاختيار بين (الباحثين) و(المستشرقين) غير ذي طائل.

تسعى دراسة دانشغار الجديدة (Studying the Qurʾan in the Muslim Academy) (دراسة القرآن في الأكاديمية الإسلامية) إلى تجاوز تلك الثنائية والتأمل في كيفية تحويل النظرة عن الدراسة التي تجريها الأكاديمية الغربية (غير الإسلامية) إلى دراسة نقد ذاتي بين - إسلامي للأكاديمية انطلاقًا من الافتراض التأسيسي الذي استمدّه من الفيلسوف الهندي الأمريكي عقيل بيلجرامي، الذي فيما يظهر يرى في الأكاديميات (في الحواضر الغربية على الأقل) مواقع محايدة للتحقيق والبحث الفكري والسعي وراء الحقيقة والتطلع نحو المزيد من البحث والمعرفة (Bilgrami 2014: 76, cited in Daneshgar 2020: xxii). هذا أمرٌ مثير للاهتمام حقًّا؛ لأنّ وجهة النظر التي لا تنطلق من فضاء محدّد هي ادّعاء أجوف -وغير قابل للتحقيق- لأنها تُظهِر إنكارًا للأخلاقي والسياسي، والعاطفي والمادّي أيضًا (Gandhi 2006: 178-79). ذلك أنّ مفاهيم مثل الدِّين ليست جواهر قائمة بذاتها، مستقلّة عن العقل، بل هي عناصر من الحالات المعرفية للأشخاص الذين لديهم قصدية خاصّة. وعلى الرغم من تأطير بحثه ضمن موقعه الخاصّ (أي: خلفيته الشيعية الإيرانية، ودراسته جزئيًّا في الحوزة)، وطرحه السؤال المنهجي حول انتماء المرء ومدى تداخله في البحث؛ إلا أن دانشغار ليس متعاطفًا مع انتقادات ما بعد الاستشراق وما بعد الاستعمار للدراسات القرآنية. فبعد تقييم نقدي لعناصر حججه، سأؤكّد أن ما تحتاجه الدراسة الأكاديمية للقرآن هو حركة مزدوجة لتفكيك الاستعمار؛ ذلك أنّ النقد ما بعد الاستعماري لإبستمولوجيا الدراسات القرآنية الأكاديمية (الذي ينبع من نقد مقولة الدِّين باعتبار أنها لا تعبّر سوى عن حالة أوروبية معولمة) لا يذهب بعيدًا بما فيه الكفاية. وفيما يأتي سأبدأ بالنقد ما بعد الاستعماري لدراسة الدِّين وخاصة الإسلام والقرآن؛ حيث إنّ الميزة الأهمّ لعمل دانشغار هي إجبارنا على التفكير في الموقف والمنهج، ثم أثنّي بنقد حجّته، وأختم ببعض الاقتراحات لِما قد تسمح به الدراسة المتحرّرة من الاستعمار للقرآن وأوضاعه الوجودية والاجتماعية.

يعترف دانشغار بمنجزات النقد ما بعد الاستعماري للدِّين والدراسات الإسلامية الاستشراقية، ولكنه لا يشتبك معها. وبشكلٍ ما؛ يمكننا القول: إنّ الدراسة المنهجية للدِّين عالقة في مأزق؛ إنّ إمكانية تحقيق استخدام مثمر لمقولة الدين أو النص المقدّس أو الطقوس تتطلّب منّا إيجاد تعريفات مرنة ودقيقة في نفس الوقت لهذه المصطلحات التي تُطبّق عبر مختلف الحالات. ولكن لا يزال واقع الأمر هو أنّ الممارسة التطبيقية تنطوي على تعميم فكرة الدين التي تأسّست وبُنيت على سلسلة ذات جذور تاريخية أوروبية معيّنة منذ الإصلاح البروتستانتي وخاصّة منذ عصر التنوير؛ حيث يعني الدِّين مجموعة خاصّة من المعتقدات والحالات المعرفية التي يسلِّم بها المرء؛ والنصّ المقدّس هو محادثة خاصة مع كيان ما ورائي؛ وكلاهما -وفق ذلك النمط من التفكير- عناصرُ من التقليد والماضي التي تخلّينا عنها في سعينا نحو الحداثة واجتراح التقدّم (1993 sadA, 2017 Allen). يطرح المشروع التنويري للدين ثالوثًا من المفاهيم: ذاتية الشخص المتدين وفردانيته مقابل الجماعي (والمتجاوِز)، والفاعلية الأخلاقية التي صارت محلّ تفاوض ومتقلبة حسب الموقف ولم تَعُد مطلقة، والدين (ضمن حدود مجرد العقل) يصادر على المطلوب في سؤال: أيّ عقلانية هي التي ستعتبر مطلقة؟ يعتبر كلّ من الدين ونقيضه -العلمانية- من السمات التي يؤثّر كلّ منهما في الآخر في ظل العالم الحديث (2003 Asad, 2007 Taylor)[7]. وبالتالي فإنّ هذا المفهوم الحديث للدِّين -وبالتأكيد الدين العالمي- هو نتيجة للعوارض التاريخية الأوروبية، ومع ذلك فهو يعتبر حقيقة اجتماعية عالمية خالدة (Nongbri 2013: 154)، وتتسم خصوصيته بأنه عالمي تحت ستار احتضان التسامح والتعددية (Masuzawa 2005). علاوة على ذلك، للمرء أن يتساءل عمّا هو المقصود بالدين: ميتافيزيقا أم أنطولوجيا الشيء أو الأشياء؟ عقيدة أم مجموعة معتقدات؟ هوية وتأكيد للذات؟ مجموعة من الممارسات السياسية؟ أخلاق بلا أنطولوجيا؟ أم أنه الآخر الغريب للحداثة؟

إحدى الطرق الحديثة التي يُتحكم من خلالها بالدين -خاصّة في الإبستمولوجيا الاستعمارية ثم في مرحلة ما بعد الاستعمار- هي من خلال (سيادة الكمّ)، والتي بموجبها يضطلع مفهوم العدد بتحديد الدّين وإعادة تشكيل بنيته، وإعادة هيكلته والتحكم فيه (1993 Appadurai)كتب المفكّر الآثاري المعارض تمامًا للحداثة والدّين الحديث رينيه غينو (1886- 1951) عن الهوَس بالكمّ وتجنّب الكيف في الحداثة؛ فمقولة الكمّ -التي تُدمج مع مقولة (العلمي)- تتعلق بالانحدار بعيدًا عن ميتافيزيقا الكيف، واستبعاد ما هو غير قابل للقياس (2004 Guénon, 2018: 143-64 cited in Hallaq). ومن ثم تنعكس هيمنة الكمّ على الكيف في هوَس الكثير من الدراسات القرآنية بآليات النصّ وفيلولوجيته، حيث إنها لا تُعلّق أنطولوجيا النصّ فقط، بل أيضًا معناه وأشكال نصّيته، وهي المسألة سأعود إليها في خاتمة هذا المقال[8].

إنّ الاعتراف بأنّ مبدأ تفكيك الاستعمار في دراسة الدِّين ينطلق من مقولة الدين والعلماني نفسيهما؛ قد امتدّ بعد ذلك إلى عدد من الحالات. فقد أُضفِيَ طابعُ الغرابة والغموض على الأديان غير الغربية، ومُورس عليها الاستشراق في المخيال الألماني والبريطاني على السواء (1999 King, 2014 Park, 2006 Gandhi). علاوة على ذلك، أظهر بيتر فان دير فير كيف أُعيدت صياغة الإسلام والهندوسية في الفترة الاستعمارية على صورة البروتستانتية الإمبراطورية الناجحة للسيد الاستعماري مفتول العضلات، مع افتراض وجود إله واحد، ونصّ مقدس واحد، ومصدر واحد للسلطة؛ كما أظهر أيضًا كيف أن التجربة الاستعمارية كان لها أثر سلبي على صياغة هذه المفاهيم في بريطانيا الإمبراطورية (van der Veer 2001, Gottschalk 2012, Cohn 1997, Mehta 1999). هذا بالطبع لا يعني القول بأنّ الإسلام والهندوسية هما من اختراعات الإبستمولوجيا الاستعمارية، بل يعني أنّ تلك المقولات بُنيت وأُعيد تجديدها وتغيير معالمها في هذا السياق[9] (2013 Nicholson). إنّ الطبيعة الفضفاضة والهشة للحدود الإمبراطورية وفشل المشروع الاستعماري في الانفصال وبناء الحدود من أجل تجنُّب عدوى الآخر غير الغربي (وكذلك البحث الجينيالوجي عنه) هو ما يفتح المجال للتحرك نحو مساحة للتخلص من الاستعمار، وإيجاد مكان لأخلاقيات الصداقة والتعاون المكتملة (Gandhi 2006: 2- 3, Bhabha 1994: 91- 95, 175). ومع ذلك، فإنّ الوعد بدين علماني -أو بالأحرى: ما بعد علماني- وعقلانيته، والطريقة التي تُعرّف بها المصطلحات ويُتحكم فيها = إنما هي من صنع السياسة، وليست من أجل إرساء الديمقراطية وفتح الإمكانيات، بل مِن أجلِ طمس التقاليد وتجاهل التاريخ (Abeysekara 2008). وفي حين أن (ما بعد الاستعمار) هي إمّا استمرارٌ للماضي الاستعماري أو وعدٌ بالحرية لم يأتِ بعد، فإنّ تفكيك الاستعمار يتطلّب بحثًا جينيالوجيًّا دقيقًا لكيفية وصولنا إلى هنا، وهذا بالأساس طرحٌ نقدي، ولا ينحصر في كونه تشخيصيًّا فحسب، بل يمكنه أيضًا تمكيننا من تجاوز البصمة الاستعمارية على الذاتية والحياة الاجتماعية. ومن ثمّ، فإنّ هناك انحيازًا ثقافيًّا متأصّلًا في الكثير من المقاربات النظرية لدراسة الدِّين (لأسباب على رأسها عودة هيجل إلى تلك النظرية النقدية)، وربما يتطلب ذلك المزيد من أشكلة مقولة (الدِّين religio) والتفكير من خلال الدِّين وبه، وليس فقط حوله أو عنه، حتى يتسنّى لنا أن نأخذ المقولات والمفاهيم الأصلية على محمل الجد (Pal- 2009 Mandair).

ومن المثير للدهشة أن العديد من المتخصّصين في دراسة الدين يتّفقون مع ماركس على أن (نقد الدين هو مقدمة كلّ نقد)، أو بالأحرى مثلما ذهب إليه بروس لينكولن: أن الوظيفة الأساسية لمؤرّخ الدين هي تفنيد ونقد الميتافيزيقا الدينية وتخيلاتها حول العالم (لكن ليس له أن يتساءل أبدًا عمّا إذا كانت العلمانية قد أصبحت السرد الرئيس الجديد الذي يطارد دراسة الدين)، (اقتباس ماركس موجود في 2009: 384 Pal- Mandair). لا ينبغي لهذا أن ينزلق بنا إلى القول بعدم القابلية للقياس والمقارنة [بين الأديان]، حيث يكون كلّ دين فريدًا من نوعه؛ ولكن هل المذهب الطبيعاني واللجوء الإنسانوي العلماني إلى سلطة (التاريخ) هو البديل الوحيد؟ (Pal- Mandair 2009: 290- 92, critiquing McCutcheon 2000). لا يوجد سبب للاعتقاد بأنّ المفهوم الأكاديمي الغربي للدين والتاريخ بدهيٌّ واضح بنفسه، بل من السهل جدًّا التأكيد على الجذور المسيحية لمفهومنا حول الدين والنصّ المقدّس[10]، بيدَ أن هذا الاعتراف ليس كافيًا لتفكيك الاستعمار؛ فنحن بحاجة إلى (تحقيق تاريخي) صارم لا يستسلم خلسة للإيمان المريح بالقوة التحررية لـ(الوعي التاريخي) (Masuzawa 2005: 327- 28).

إلى أين نذهب بمقولة الدين وبالطبع النصّ المقدس؟ ما هي أنواع هذه المفاهيم وكيف تتوافق مع الأنطولوجيا وتفترض فلسفة معيّنة للّغة؟ يثير كافيل هذه المشكلة الحرجة المتعلقة بمرونة المفهوم وقابليته للنقل:

إذا كان لا بدّ من تكرار استعمال الكلمات والعبارات (مما يعني أنه يجب إسقاطها في سياقات جديدة، وهو ما يلزم عنه أن السياقات الجديدة يجب أن تتسامح مع هذا الإسقاط أو تدعو إليه)؛ وإذا لم تكن هناك قواعد أو مُسلّمات من شأنها أن تضمن سلامة ودقة هذا الإسقاط، بل تضمن فقط قدرتنا المؤكّدة على التحدُّث بعضنا مع بعض؛ فإنّ هذا الإسقاط الجديد -وإن لم يكن سليمًا بشكلٍ واضح في البداية- يمكن جعله مناسبًا من خلال تقديم التفسير الملائم لكيفية بنائه وتداوله، وكيف أن السياق الجديد هو حالة ومرحلة من المفهوم القديم. إذا أردنا أن نتواصل، فعلينا ألا نقفز بعيدًا جدًّا؛ ولكن أنّى لنا أن نعرف حدّ ذلك البُعد؟

Cavell 1979: 192; see also Moi 2009

كيف ستبدو نظرية تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية؟ على مستوى ما؛ يجب أن يؤخذ الأمر على أنه ليس مجرّد إعادة للنقاش القديم حول الاستشراق -الذي يتحوّل شكله إلى الإسلاموفوبيا- والذي يُنظر فيه إلى الإسلام باعتباره مركّبًا متجانسًا، وجوهرًا يمكن تمييزه في النصّ، ويتمثل في التقليد الفقهي المستند إلى النص المقدس (2015 Ahmed). لننتقل الآن إلى حجة دانشغار ونتأمّل طرحه المنهجي؛ يقدّم دانشغار دراسة في سياسة الأكاديمية الإسلامية ودفاعياتها، والتي تقبل سياسات المنهجية الأكاديمية الغربية بصورة ما، وفي نفس الوقت يبدو أنها تدعو إلى دراسة مشتركة للإسلام والقرآن تجمع بين أفضل المناهج الأكاديمية (مقترنة بأفضل فيلولوجيا شرقية)، وذلك بغرض الوصول إلى موقف بحثي يتبنّى (نهجًا نقديًّا في دراسة القرآن، ولكنه في نفس الوقت يحترمه). إنّ أفضل طريق للمضي قدمًا هو بناء مزيج متنوّع من المناهج الإسلامية وغير الإسلامية، والدعوة الخاصّة هنا موجهة إلى المسلمين من أجل أن ينفتحوا على هذه المناهج. هناك الكثير مما يمكن شرحه هنا؛ ولكن تُدعّم موثوقيته من خلال تأكيد المؤلّف على موقعه باعتباره ذا خلفية شيعية إيرانية، ونشأ على التقاليد، ودرس في الأكاديمية الإسلامية، وهو موقف يهدّد بالانزلاق إلى نوع من الاحتكام إلى خلفية المتخصّص الذي نشأ في كنف التقليد (من هو داخل التقليد) ومعلوماته التي استقاها، وهو ما يُتهم استشراق سعيد بمنحه أفضلية مطلقة. على مستوى ما، تعتبر هذه دراسة محبطة؛ فالأكاديمية الإسلامية (التي يقول إنه لا يقصد بها المعاهد الدينية بل الدراسات في الجامعات وغيرها من المؤسّسات التي تمولها الدولة) تُعرف بدفاعياتها التي تهدف إلى ردّ سهام النقد الموجهة نحو الإسلام وحماية عقائد المؤمنين منها، كما تتسم بطائفيتها الشاملة والانحراف الكامل لرؤيتها نحو إنكار حقّ أيّ منظور آخر (سواء كان داخليًّا في الإسلام أو خارجيًّا) في التعبير عن رأيه، في حين أن الصوابية السياسية للأكاديميات الحضرية ما بعد الحداثية تفرض رقابة ذاتية بشكلٍ متزايد من أجل تجنُّب انتقادات الاستشراق والتحيُّز.

فمن ناحية؛ تمارس الأكاديمية الإسلامية الرقابة عمدًا بدافع الرغبة الأبوية في حماية (ضعفاء) الإيمان؛ ومن ناحية أخرى، تفعل الأكاديمية الغربية ذلك لحماية نفسها من هجوم الضعفاء (معرفيًّا). (إنّ دراسة الإسلام ذات طابع سياسي أكثر مما تبدو عليه بشكل عام)؛ ومع ذلك، فإنّ الحقيقة -وهدف البحث- موجودة فقط إذا سعينا نحوها. وعلى طول الطريق، ينتقد دانشغار وجهات نظر ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة، وعلى رأسها تلك القادمة من الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع؛ إِذْ يرى أن اللجوء إلى تجربة مجتمع المسلمين لا يمكن أن يفسّر العناصر النقدية للنصّ والتقاليد التي يبدو أنها تحمل وضعًا أنطولوجيًّا مستقلًّا. قدّم الكتاب مثالَيْن رئيسين على الدفاعيات الإسلامية فيما يتعلّق بالقرآن؛ الأول هو الطريقة المتناقضة التي ينظر بها الأكاديميون الغربيون والمسلمون إلى قصة زيد بن حارثة؛ فالأولون يحاولون الوصول إلى الحقيقة ويتساءلون عن سبب تقديم القصة بهذه الطريقة وكيفية ظهور عقيدة (ختم النبوّة)؟ (ويتمثل ذلك في عملَي ديفيد باورز)، أمّا الآخرون فينكرون أيّ أسئلة لتجنُّب أيّ نقد إمّا لعصمة الوحي أو للنبيّ. المثال الثاني هو دراسة علوم القرآن التي تُتجاهل على نطاق واسع في الأكاديمية الغربية (ربما باستثناء المهتمين باللاهوت الإسلامي الحديث)، بينما هي حاضرة بقوة في الأكاديمية الإسلامية باعتبارها عنصرًا من عناصر بيان الطبيعة الإعجازية للوحي. ما هو نوع الحوار الواقعي الممكن في ظلّ هذا التنافر الثقافي الواضح؟ ومع الاعتراف بأن الدراسات الغربية هي ذات (مركزية أوروبية)، فإن الدفاعيات الإسلامية تتجسد أيضًا في ترجمات سعيد وتوظيفه لشيطنة الأكاديمية الغربية مع تجاهل الانتقادات الموجهة له. ومن ثم فإن الدفاعيات الإسلامية متورطة فيما أسماه صادق العظم (الاستشراق المعكوس) (1981 al- Azm; انظر أيضًا2017 Devji and Kazmi). ثم يستشهد دانشغار بلمبارد في محاججته لرفض الدراسات القرآنية الغربية بسبب إبستمولوجياتها الاستعمارية. بيدَ أن هذا لم يكن ادعاء لمبارد، ولا هو ما ينطوي عليه تفكيك الاستعمار، إِذْ من السهل جدًّا الخلط بين تفكيك الاستعمار (وما بعد الاستعمار) باعتباره امتدادًا لأكثر القراءات تشددًا لاستشراق سعيد، تمامًا كما سيكون من غير الصحيح استبعاد الدراسات القرآنية الأكاديمية بأكملها في الغرب باعتبارها معادية بناءً على تلقّي المرء لطرح ابن وراق، ومجموعة معهد إنارة ومَن شاكلهم.

في نهاية المطاف، يبقى المرء إمّا أمام قراءة متعاطفة أو غير متعاطفة مع تشخيص دانشغار للأكاديمية الإسلامية. تستلزم القراءة الأخيرة اعتبار الأكاديمية الغربية أكاديمية نقدية ومتميزة تسعى إلى الحقيقة بسبب تمسّكها بقيمة (التاريخ)، ورفض الأكاديمية الإسلامية باعتبارها مُسَيَّسَة بشكل مُفرِط، وغير معنيّة بالحقيقة بل فقط تهتمّ بالدفاع عن (التقليد)، وغير ملتزمة بالتاريخ لأن الإيمان يتجاوز التاريخ. ولذلك فإنّ أيّ حديث عن حوارٍ بين الطرفين يبدو طرحًا أجوف، بل هو في الواقع دعوة للأكاديميين المسلمين لرفض تقاليدهم وتبنّي (المنهج الغربي). أمّا القراءة الأكثر تعاطفًا فهي أنه نظرًا لوجود الكثير من الدراسات حول السياسة والاستشراق والتحيُّز الثقافي في الأكاديمية الغربية وعدم وجود دراسات (تكسر تابوهات) سياسة الأكاديمية الإسلامية؛ فمن المعقول تمامًا أن يركز دانشغار على سياق المسلمين، والتحذير من (عالمية الدفاعيات الإسلامية)، ومما لا يخفَى أن إمكانية تعميم الدفاعيات الغربية ليست موضع ترحيب حقًّا.

هناك حاجة إلى ممارسة تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية؛ ليس لأن الدفاعيات الإسلامية بحاجة إلى أن تكون عالمية، أو أن الغرب (يخجل) من السماح للشخص المتدين التابع بأن يكون إنسانًا يتحدَّث ويُسمَع، بل من أجلِ إنقاذ المشروع الأكاديمي من أن ينحدر إلى مجموعة من الاعتذاريات الدفاعية عن المشاريع المعرفية الاستعمارية. إنّ تفكيك الاستعمار لا يعني استبدال خطاب هيمنة بآخر، بل يتعلّق بالانفتاح وتعطيل شبح نموذج العولمة الغربي، وخطاب الحداثة (والعقلانية)، ومنطق الاستعمار. وهذا يتطلّب منّا الانتقال من احتضان العالمي نحو التعددي والتداخلي الذي لا يستبعد الغربي (Mignolo and 2018: 2-3Walsh). قد يُعترض على ذلك من خلال الإشارة إلى أنّ تفكيك الاستعمار ليس مجرّد اختلال في الأكاديمية إِذْ فشلت في التعامل مع السياسات الفعلية للغيرية والقهر من خلال العنصرية والتمييز الجنسي وسيطرة الطبائع الجوهرانية؛ ولذلك فإن السياسة الفعلية مهمّة، وليس فقط السياسة الأكاديمية. بيدَ أن عنف الخطاب، وعنف بنى الفكر والتصنيف، والمؤسّسات وطبيعتها وقواعدها = هي على وجه التحديد الحقيقة الاجتماعية الموضوعية للاستعمار والحداثة الغربية.

اعتراضٌ آخر هو ما إذا كان ينبغي على المرء اعتبار الاستعمار والمشروع الإمبراطوري للانفصال أنهما أمران غربيان حصرًا؛ ولكن يبرز هنا سؤال: ماذا عن الممارسات الإمبريالية الإسلامية المتمثّلة في الغيرية والقهر التي تنعكس في تخصّصات الثقافة العلمية بما في ذلك علوم القرآن؟ هذا هو بالضبط المكان الذي تحتاج فيه عملية تفكيك الاستعمار إلى القيام بحركة مزدوجة ضد الدراسة الأكاديمية الغربية بالإضافة إلى تعميم المشاريع الإمبريالية الإسلامية، وهذه ليست مجرّد دعوة للطائفية (التي لاحظ دانشغار تهديدها جيدًا) ولكن -مرة أخرى- هي حركة نحو التعدّدية، وليس حركة في المساحة الآمنة للتسامح مع الآخر من خلال ممارسات التحكم في الإدماج. لا يمكن للتاريخ الفكري الإسلامي أن يتبع مسارًا واحدًا للهيمنة مع استبعاد الآخرين؛ بل يحتاج إلى مساءلة ثالوث الحداثة والتقدّم والعقلانية (وهذه الأخيرة على وجه الخصوص تؤثّر على دراسة التفسير والتأويل الفلسفي، وبالتالي الحكم بالغرائبية والهرطقة على التفاسير "الصوفية" والباطنية ووضعها خارج نطاق التفسير المعياري المقبول في كلّ من السرديات الإسلامية الغربية والإمبراطورية حول حقل التفسير).

كيف نمضي قدمًا إذن؟ الخطوة الأولى هي النظر في نقد المأوى الحداثي الذي تقبع فيه الدراسة الأكاديمية ويؤثّر على أقلمة النظرة الأوروبية، ليس فقط من خلال استخدام عناصر الفكر الأوروبي (أستحضر هنا ماركسية ديبيش تشاكرابارتي وكذلك هايدجر)، بل علينا أن نفكر أيضًا في إمكانية صياغة (إطار نظري) لدراسة الدين مؤسَّس على أصول غير غربية؛ مثلًا: نظرية لدراسة القرآن تأتي من أمثال ابن عربي وملا صدرا، أو حتى أعلام (غير غربيين) أو شخصيات (خارج التيار السائد) مثل أشرف عليّ ثانفي أو سيد عليّ نقي النقوي! (انظر:Chakrabarty 2000, 2002). ولكن الأهمّ من ذلك؛ تطوير نظرية لدراسة السوترا (المتون المقدسة) البوذية، والداو تي تشينغ، وحتى الكتاب المقدّس بناءً على تفسيرات فخر الدين العراقي! وهذا ليس من أجل السيطرة وتحديد موقع إطار بحث شمولي، بل لفتح إمكانيات الميتافيزيقا والبحث الإنساني المدرك لموقعية الفاعل.

ثانيًا؛ قد نرغب في النظر في تعددية إمكانات القرآن نفسه. لا يقتصر الأمر على أن الكثير من تقاليد الدراسات القرآنية الأكاديمية ترفض فائدة التفسير، أو بالأحرى تعتبره مجرّد تمرين في الكشف عن الذات، والتعبير عن تدريب المفسّر (التفسير النهائي). بل على المرء أن يفكر فيما إذا كان النصّ الذي يتحدّث مباشرة إلى الذات ويبدو كسلسلة من الرموز التي تحمل معانيَ تحتاج إلى فكّ شفرتها في النصّ المدوّن = قد يخدع الإبستمولوجيا البروتستانتية الاستعمارية للنصّ المقدّس. وهنا أقترح طريقة يُحتاج فيها إلى إعادة التفكير في التفسير في ضوء المستويات الأربعة التي يمكن من خلالها مواجهة القرآن ومعايشته، وهذا يتعلّق بالوعي بتلك المستويات وليس باشتراط أن يكون منطلق النظر إسلاميًّا.

المستوى الأول: النظر للقرآن باعتباره تحفة نصية، كتابًا، مصحفًا، نصًّا مقدسًا، محلًّا للتعظيم والتلاوة والتدبّر، مجموعة كلمات منظومة لها بناء وترتيب نحوي وسلاسل من المعاني كما عبّرت عنه الروايات التي تؤكّد على أهمية المعاملة الجليلة لتلك التحفة الفنية وقراءة النصّ المقدّس من المصحف (الكليني 1981، حديث رقم 3519، كتاب: فضل القرآن، الباب السابع، رقم 1، الجزء الرابع، ص626). نحن عادة نفهم التفسير على هذا المستوى باعتباره خطابًا مدرسيًّا مُتعلَّمًا يهدف إلى الكشف عن طبقات من المعنى، من المعجمي إلى السردي إلى التجريبي (1990: 95-102 Fischer and Abedi; 2002 MacAuliffe et al; 2013 Bauer; 2008 Hamza and Rizv). إنّ عملية التفسير، وجدلية التعامل مع النص والسياقات الفكرية العديدة التي تشكل (فضاءه السيميائي) -وهو المجال الذي تعمل فيه عمليات الإشارة والإحالة ضمن سياق ما- هي تعبيرٌ عن فنّ العيش، وزراعة القيم، ونشر السلوك الصحيح، والرسالة الحضارية (1990: 123-27 Lotman, cited 2015: 359-60 in Ahmed; انظر أيضًا1998 Nehamas, 1994 Elias, and 1984 Metcalf حول السلوك الحضاري وأشكال الحياة). لكن هذا المستوى من مواجهة القرآن يمكن أن يشمل الدور الذي تضطلع به تلك التحفة الفنية باعتبارها طلسمًا، أو مصدرًا للقوة الروحية، أو مصدرًا تُطلب منه الاستخارة وشيء أشبه بالضرب على الرمل لمعرفة الغيب، أو باعتباره كتابًا سحريًّا يمارس به المرء الحماية والشفاء ويَرقِي به الآخرين (Loeffler 1988: 274- 86, and works like Nāṣirī 2004). إنّ وفرة المعنى التي -كما رأينا أعلاه- تشمل الظاهر والباطن وما هو أبعد من ذلك بكثير، بالإضافة إلى تعدد قدرات وكوامن النصّ = لا ينبغي أن تحتاج إلى الكثير من الجدل.

أمّا المستوى الثاني: فهو من خلال النظر للقرآن باعتباره دالًّا/ حاملًا للدلالة ضمن النسيج التناصي ومنتجًا لرأس المال الثقافي والفكري والجمالي الذي نعيشه ونستهلكه جميعًا. إنّ التفسير على هذا المستوى يوضح ويبين عناصر (الفضاء اللغوي) للقرآن، وهو المجال الذي يُعبّر فيه عن النصّ المقدس ويُنطق ويُبيّن لغويًّا. وبهذا المعنى؛ بينما يقف المؤمنون في كثير من الأحيان في رهبة من النصّ، فإنهم بذلك يكونون قد اختبروا بالفعل هندسة القرآن في نسيج الحياة الإسلامية ذاته. وكما يقول الأثر الشهير: (إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ)، فإن التعبير القرآني في عباراته وتمثّلاته المختلفة يتبع تلك القاعدة التي تكون فيها احتمالات التناغم الجمالي والشكل بمنزلة تماثلات نسقية تعبر عن المقدس نفسه (Gonzalez 2001: 26- 41, Elias 2012). إنّ تمييز وإدراك جمال القرآن ليس مجرّد فعل استقبال نصِّي، بل هو إدراكٌ جمالي لحياة مشبعة بالقرآن؛ ويتطلب تقدير هذا اللون من الجمال محو الأمية الثقافية، بحيث يتعرّف الشخص الأمّي وظيفيًّا على الرموز الخطية، والألحان، ونغمة التلاوة، والزخارف في الفنون التشكيلية، والاقتباسات ومقاييس الإيقاع في الموسيقى (2009: 93-119 Metcalf). إنّ الجمال الإلهي -الذي يتجلّى في الكون- يعاد تشكيله وصنعه في جماليات الصنعة البشرية، ويجب أن يحتوي التكييف الشكلي ومحاكاة المقدّس على عناصر النقص والخطأ البشري حتى لا يقع في الوثنية من خلال اعتبار القرآن إمّا شعارًا (شبولت)[11] أو وثنًا (Elias 2012: 147). وهنا يكون تحذير هنري كوربين الشهير حول التمييز بين الوثن والأيقونة مفيدًا (1981: 358-64 Corbin)؛ فالأول يستلزم تقليصًا للمقدس، إذ إنه موقع الظهور والقوة داخل شيء يصبح في حدّ ذاته محور التبجيل، ولا يسمح للمرء برؤية ما هو أبعد من ذلك؛ في حين تحتفظ الأيقونة بدورها كرمز يدفع المتأمّل فيها إلى استعمال خياله لتجاوز الأثر المادي المرئي والتفكير في (الظهور الإلهي)[12].

أو إذا أردنا استخدام تشبيه آخر يرسمه كوربين؛ فهو يشبه التمييز بين (الموجودات) التي يمكن أن تكون حُجُبًا تبشر بالتعددية الهائلة؛ و(الوجود) الذي هو الحق الأبلج الذي يحفظ كلّ ما هو موجود. فيمكن للمرء أن يتعجب من التعددية ويتوقف عند هذا الحد وينغمس في الوثنية، أو يمكن له أن يقف على الحقّ الأبلج ويدرك أن كلّ (موجود) هو أيقونة تكشف مِن ورائها عن الوجود. يتضمّن هذا أيضًا التفاعل مع القرآن بطريقة إشارية، على غرار الطريقة التي يحمل بها الكثير من الأدب الإسلامي بصمات القرآن بمجرد الاستشهاد بآية أو الإحالة إلى شيء منها دون استخلاص أو تحديد دلالتها في إنتاج نصّ جديد. وإن هذا الانجذاب إلى المألوف هو نفسه الميل الذي يُذْكِي حبّ حامل الدلالة الأصلي -القرآن ومُنزله- من خلال استحضار القدرات البشرية للحواس الخارجية، وكذلك الحواس الداخلية من عقل وبصيرة وحدس، والإلهام وحلول النور الإلهي في القلب (al- Ghazālī 1975, II: 572- 73, cited in Elias 2012, 164- 65).

المستوى الثالث: هو النظر للقرآن كحقيقة أولية خالدة، كاشفة لطبيعة الكون، والنور والدليل الذي يحتاج إلى نشره وتعليمه للناس، وأيضًا باعتباره حقيقة وسيطة (الكليني 1981، حديث رقم 3519، كتاب فضل القرآن، الجزء الرابع، ص596- 606). إنّ هذا النوع من التفسير هو (الفضاء المصدري/ الأصلي) للقرآن، أي: المجال الذي يتتبع الأصل والمبدأ الذي جاء منه النص المقدس. وهذا جزئيًّا هو ما يفهمه التقليد من التعليم أو الوحي في أوّل ظهوره، أي: وجوده في اللوح المحفوظ السماوي الموجود قبل الزمن، وكذلك (النور المحمدي) السابق على الوجود، على شكل شخص النبي (والأئمة حسب تقاليد الشيعة)؛ وهو المحبوب الأول الذي انفصل عن المُحبّ الأول (Heiler 1961: 351- 52, Rubin 1975, Schimmel 1985). وتتحالف مع هذه الفكرة -وإن كان بمعنى أكثر احتمالية من الناحية التاريخية- فكرة شهاب أحمد عن (النص المسبق) (Ahmed 2015: 346ff).

المستوى الرابع: هو التفاعل مع القرآن قراءة وترتيلًا وتجويدًا، والوقوف على قوة كلمة الله المنطوقة، التي تتضاعف قوّتها عندما تُنطق على لسان الإمام (الكليني 1981، الحديث رقم 3524، كتاب فضل القرآن، الجزء الرابع: 614- 619). ويتعلق هذا النوع من التفسير بـ(الفضاء الصوتي) للقرآن، وهو المجال السمعي الذي يُتفاعل فيه مع النصّ المقدس، حيث تصبح التلاوة وسيلة ليس فقط لاستيعاب النصّ والإله، ولقاء الإمام، بل أيضًا للتزيين الجمالي وتحقيق الشفاء والعلاج للذات واستيعاب السياق المباشر المعيش للفرد ضمن الأساليب والمدوّنات التقليدية (2001 Nelson, 2014 Ware, 62-67 esp). وإلى جانب الوعظ العقلاني للمستمعين، يُظهِر التدوين الشعري استجابات أسلوبية مماثلة في القارئ والمستمع (2007: 107-8 Kresse, 1990: 107-11 Fischer and Abedi). وإنّ استحضار الصور (التخييل) وإثارة الجدل الشعري والبلاغة أمر أساسي لمفهوم ما هو جميل في لغة الوحي (2015: 133-84 Kermani, van Gelder and 2009 Hammond). وقد ظلّت عمليات الإنتاج الثقافي هذه من المحيط الصوتي خيالية بشكل فعّال سواء كان التعبير باللغة العربية أو في بعض اللغات العامّية (انظر:2012 Zadeh).

أخيرًا؛ لا يعني تفكيكُ الاستعمار إضفاءَ طابع لاهوتي على مشكلة دراسة القرآن فحسب، بل يعني أيضًا الاعترافَ بأهمية اللاهوت. إنه يحاول شق طريق نحو دراسة متكاملة وتعويضية تعترف بالقيود التي تفرضها السياسة وتحاول التغلب عليها، وتطرح السؤال النقدي حول الأصالة ومَن تكمن سلطته وراء المنظور، دون العودة إلى النسبية الشاملة التي تتكافأ فيها صلاحية كلّ المنظورات. إنها تحتاج إلى تفعيل برنامج مثمر وبنّاء للفهم، يتخلّى عن وهمِ كون (الرؤية الأكاديمية آتية من فراغ). لن ينكر أحد أن هذا الأمر صعب؛ لأسباب أبرزها أنّنا قد لا نمتلك اللغة المناسبة لمنهجٍ وطريقةٍ إصلاحية مناسبة لتفكيك الاستعمار لدراسة الإسلام والقرآن، بيدَ أنّ الأمل والتطلع لهذا التحوُّل اللغوي هو عنصر من عناصر الوعد بالخلاص الذي يقدّمه تفكيك الاستعمار.

شكر وعرفان:

أنا ممتنٌّ للأستاذ عليّ ألطاف ميان على ما قدَّمه لي مِن مَراجع واقتراحات حول تفكيك الاستعمار في دراسة الدِّين وكذلك قراءته الحكيمة للورقة. وإنّ أيّ زلّات أو استنباطات خاطئة تظلّ مسؤوليتي الكاملة.

المراجع:

  • Abeysekara, Ananda (2008). The Politics of Postsecular Religion: Mourning Secular Futures. New York: Columbia University Press.
  • Agamben, Giorgio (1999). Remnants of Auschwitz: The Witness and the Archive. Tr. Daniel Heller-Roazen. Cambridge, Mass.: MIT Press.
  • Agamben, Giorgio (2005). The State of Exception. Tr. Kevin Atell. Chicago: University of Chicago Press.
  • Ahmed, Shahab (2015). What is Islam? The Importance of being Islamic. Princeton: Princeton University Press.
  • Allen, Amy (2017). The End of Progress: Decolonizing the Normative Foundations of Critical Theory. New York: Columbia University Press.
  • Amir-Moezzi, Mohammad Ali (2011). Le Coran silencieux et le Coran parlant: Sources scripturaires de l’islam entre histoire et ferveur. Paris: CNRS.
  • Appadurai, Arjun (1993). Number in the colonial imagination. In Carol A. Breckenridge and Peter van der Veer, eds. Orientalism and the Postcolonial Predicament. Philadelphia, Penn.: University of Pennsylvania Press, pp. 314-39.
  • Asad, Talal (1993). Genealogies of Religion: Discipline and Reasons of Power in Christianity and Islam, Baltimore: The Johns Hopkins University Press.
  • Asad, Talal (2003). Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity. Stanford, Calif.: Stanford University Press.
  • al-Azm, Sadiq Jalal (1981). Orientalism and orientalism in reverse. Khamsin 5: 5-26.
  • Bauer, Karen (2013). Aims, Methods, and Contexts of Qurʾanic Exegesis (2nd/8th9th/15th C.). Oxford: Oxford University Press.
  • Bhabha, Homi (1994). The Location of Culture. London: Routledge.
  • Bilgrami, Akeel (2014). Secularism, Identity, and Enchantment. Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Cavell, Stanley (1979). The Claim of Reason: Wittgenstein, Skepticism, Morality, and Tragedy. New York: Oxford University Press.
  • Chakrabarty, Dipesh (2000). Provincializing Europe: Postcolonial Thought and Historical Difference. Princeton: Princeton University Press.
  • Chakrabarty, Dipesh (2002). Habitations of Modernity: Essays in the Wake of Subaltern Studies. Chicago: University of Chicago Press.
  • Cohn, Bernard (1997). Colonialism and its Forms of Knowledge: The British in India. Princeton: Princeton University Press.
  • Corbin, Henry (1981). La philosophie iranienne islamique aux XVIIe et XVIIIe siècles. Paris: Buchet Chastel.
  • Dabashi, Hamid (2020). Reversing the Colonial Gaze: Persian Travellers Abroad.
  • Cambridge: Cambridge University Press.
  • Daneshgar, Majid (2020). Studying the Qurʾān in the Muslim Academy. New York: Oxford University Press.
  • Devji, Faisal and Zaheer Kazmi (2017). Islam after Liberalism. London: Hurst & Co.
  • Elias, Jamal J. (2012). Aisha’s Cushion: Religious Art, Perception, and Practice in Islam. Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Elias, Norbert (1994). The Civilizing Process. Tr. Benjamin Jephcott. Oxford: Blackwells.
  • Fanon, Frantz (2008). Black Skin, White Masks. Tr. Charles Lam Markmann. London: Pluto Press.
  • Fischer, Michael M.J. and Mehdi Abedi (1990). Debating Muslims: Cultural Dialogues in Postmodernity and Tradition. Madison, Wisc.: University of Wisconsin Press.
  • Gandhi, Leela (2006). Affective Communities: Anticolonial Thought, Fin-de-siècle Radicalism, and the Politics of Friendship. Raleigh, NC: Duke University Press.
  • van Gelder, Geert Jan and Marlé Hammond (2009). Takhyīl: The Imaginary in Classical Arabic Poetics. Exeter: The Gibb Memorial Trust.
  • al-Ghazālī, AbūḤāmid (1975). Kīmīya-yi saʿādat. Ed. usayn Khadīw-jām. Tehran: Intishārāt-i īlmī u farhangī.
  • Gonzalez, Valerie (2001). Beauty and Islam: Aesthetics in Islamic Art and Architecture. London: I.B. Tauris in association with the Institute of Ismaili Studies.
  • Gottschalk, Peter (2012). Religion, Science and Empire: Classifying Hinduism and Islam in Colonial India. New York: Oxford University Press.
  • Guénon, René (2004). The Reign of Quantity and the Sign of the Times. Tr. Lord Northbourne. rpt. Cambridge: Philosophia Perennis.
  • Hallaq, Wael (2018). Restating Orientalism: A Critique of Modern Knowledge. New York: Columbia University Press.
  • Hamza, Feras and Sajjad Rizvi (2008). An Anthology of Qurʾanic Commentaries, Volume I: On the Nature of the Divine. Oxford: Oxford University Press.
  • Heiler, Friedrich (1961). Erscheinungsformen und Wesen der Religion. Stuttgart: Kohlhammer.
  • Kearney, Richard and Jens Zimmermann (2016). Reimagining the Sacred: Richard Kearney Debates God. New York: Columbia University Press.
  • Kermani, Navid (2015). God is Beautiful: The Aesthetic Experience of the Quran. Tr. Tony Crawford. Cambridge: Polity Press.
  • King, Richard (1999). Orientalism and Religion: Postcolonial Theory, India, and the Mystic East. London: Routledge.
  • Kresse, Kai (2007). Philosophising in Mombasa: Knowledge, Islam and Intellectual Practice on the Swahili Coast. Edinburgh: Edinburgh University Press.
  • al-Kulaynī, Abū Jaʿfar (1981). al-Kāfī. Ed. ʿAlī Akbar Ghaffārī. 8 vols. Beirut: Dār al-taʿāruf.
  • Loeffler, Reinhold (1988). Islam in Practice: Religious Beliefs in a Persian Village. Albany, NY: State University of New York Press.
  • Lotman, Yuri (1990). Universe of the Mind: A Semiotic Theory of Culture. Bloomington, Ind.: Indiana University Press.
  • MacAuliffe, Jane Dammen, Barry D. Walfish and Joseph W. Goering (2002). With Reverence for the Word: Medieval Scriptural Exegesis in Judaism, Christianity, and Islam. Oxford: Oxford University Press.
  • Manzoor, Parvez (1987). Method Against Truth: Orientalism and Qurʾanic Studies. Muslim World Book Review 7: 33-49.
  • Masuzawa, Tomoko (2005). The Invention of World Religions, or How European Universalism was Preserved in the Language of Pluralism. Chicago: University of Chicago Press.
  • Mbembe, Achille (2001). On the Postcolony. Berkeley: University of California Press, 2001.
  • McCutcheon, Russell T. (2000). Manufacturing Religion: Sui Generis Religion and the Politics of Nostalgia. New York: Oxford University Press.
  • Mehta, Uday Singh (1999). Liberalism and Empire: A Study of Nineteenth Century British Liberal Thought. Chicago: University of Chicago Press.
  • Metcalf, Barbara (1984). Moral Conduct and Authority: The Place of adab in South Asian Islam. Berkeley, Calif.: University of California Press.
  • Metcalf, Barbara (2009). Islam in South Asia in Practice. Princeton: Princeton University Press.
  • Mignolo, Walter D. and Catherine E. Walsh (2018). Decoloniality: Concepts, Analytics, Praxis. Durham, NC: Duke University Press.
  • Moi, Toril (2009). They practice their trade in different worlds: Concepts in poststructuralism and ordinary language philosophy. New Literary History 40.4: 801-24.
  • Nāṣirī, Muammad Bāqir (2004). al-Durūʿ al-aṣīna wa ʾl-kunūz al-dafīna. Beirut: al-Maajja al-bayḍāʾ.
  • Nehamas, Alexander (1998). The Art of Living: Socratic Reflections from Plato to Foucault. Berkeley, Calif.: University of California Press, 1998.
  • Nelson, Kristina (2001). The Art of Reciting the Qurʾan. Cairo: The American University in Cairo Press.
  • Nicholson, Andrew (2013). Unifying Hinduism: Philosophy and Identity in Indian Intellectual History. New York: Columbia University Press.
  • Nongbri, Brent (2013). Before Religion: A History of a Modern Concept. New Haven, Conn.: Yale University Press.
  • Pal-Mandair, Arvind (2009). Religion and the Specter of the West: Sikhism, India, Postcoloniality, and the Politics of Translation. New York: Columbia University Press.
  • Park, Peter K.J. (2014). Africa, Asia, and the History of Philosophy: Racism and the Formation of the Philosophical Canon, 1780-1830. Albany, NY: State University of New York Press.
  • Rippin, Andrew (2012). The reception of Euro-American scholarship of the Qurʾan and tafsīr: An overview. Journal of Qurʾanic Studies 14.1: 1-8.
  • Rubin, Uri (1975). Pre-existence and lights—aspects of Nūr Muḥammad. Israel Oriental Studies 5, pp. 52-119.
  • Said, Edward W. (1978). Orientalism: Western Conceptions of the Orient. London: Penguin.
  • Saleh, Walid (2005). The etymological fallacy and Qurʾanic studies: Muammad, Paradise, and Late Antiquity. In Angelika Neuwirth, ed. The Qurʾān in Context: Historical and Literary Investigations into the Qurʾānic Milieu, 649-698. Leiden: Brill.
  • Schimmel, Annemarie (1985). And Muhammad is His Messenger: The Veneration of the Prophet in Islamic Piety. Chapel Hill, NC.: University of North Carolina Press.
  • Taylor, Charles (2007). A Secular Age. Cambridge, Mass.: Belknap Press. van der Veer, Peter (2001). Imperial Encounters: Religion and Modernity in India and Britain. Princeton: Princeton University Press.
  • Ware, Rudolph T. (2014). The Walking Qurʾan: Islamic Education, Embodied Knowledge, and History in West Africa. Chapel Hill: University of North Carolina Press.
  • Zadeh, Travis (2012). The Vernacular Qurʾan: Translation and the Rise of Persian Exegesis.
  • Oxford: Oxford University Press in association with the Institute of Ismaili Studies.
 

[1] العنوان الأصلي للمقالة هو:

Reversing the Gaze? Or Decolonizing the Study

of the Qurʾan وقد نشرت في Method and Theory in the Study of Religion 33 (2021) 122-138

[2] ترجم هذه المقالة، مصطفى هندي، باحث ومترجم، له عدد من الأعمال المطبوعة.

[3] أنوّه إلى أنّني بنيت الترجمة العربية هنا على النصّ الفرنسي الأصلي لكتاب فانون، وليس الترجمة الإنجليزية، حتى لا تكون الترجمة العربية ترجمة عن ترجمة. (المترجم)

[4] وعليه فإنّ مرحلة ما بعد الاستعمار هي الحالة الافتراضية للبشر، وليست الاستثناء، تمامًا كما ذكّرنا جورجيو أغامبين أن حالة الاستثناء التي يحدد فيها صاحب السيادة الاستثناء وينفذ مجموعة من السياسات التي تحدد المضمون الأخلاقي والسياسي للأشخاص باعتبارهم حيوات مجردة، وليسوا مواطنين يتمتعون بحقوق وضوابط على السيادة، وأنّ معسكرات الاعتقال باعتبارها مساحة للسياسة الحيوية ليست الاستثناء بل هي القاعدة. انظر: Agamben 1999, 2005.

[5] نشر جوزيف لمبارد مسودة ورقته التي يشير إليها سجاد رضوي، على صفحته الشخصية على أكاديميا، وقد ترجمت على موقع تفسير بعنوان: تفكيك الاستعمار في الدراسات القرآنية، ترجمة: د/ حسام صبري. (قسم الترجمات)

[7] هناك انتقادات أكثر تطرّفًا لمقولات الدين والمعتقد و(الله) والقداسة وما إلى ذلك في التيار القاري من فلسفة الدين، والتي تستقي أصولها ليس فقط من سحب الثقة (الذي شجعته ما بعد البنيوية) من المقولات الثابتة والتعريفات المنمّقة، بل أيضًا من أطوار اللاهوت السلبي لدى التقاليد الصوفية المسيحية في العصور الوسطى. وهكذا فإنّ الإيمان بالله -في الوضع اللاهوتي- يفسح المجال للإيمان بما بعد الله (Anatheism)، ويتوارى (الإله) ليصعد مكانه (الإله الذي يمكن أن يكون)، كما يغيب عقد القلب والتصديق ليفسح المجال لنوع من الشعور الحقيقي بالارتباط وليس الإيمان المبني على المقولات التحليلية والمصادقة على ادّعاءات الحقيقة؛ وفي تلك الحالة، تتعيّن إعادة التفكير في المقدس والديني وإعادة صياغتهما مفاهيميًّا. انظر: Kearney and Zimmermann 2016.

[8] من الجدير بالذِّكْر أيضًا مغالطة التكوين والاشتقاق من أصل؛ كما لو أننا سنجد النصّ الأصلي الذي اشتُقّ منه القرآن، والذي سيشرح أخيرًا لماذا كان المسلمون مخطئين جدًّا.

[9] للتوسّع في سياق إعادة تشكيل العلمانية والكولونيالية تعريفَ الديانات التقليدية يمكن مراجعة: ما وراء الغرب العلماني، تحرير: عقيل بلغرامي، ترجمة: عبيدة عامر، الشبكة العربية للأبحاث، ط1، بيروت، 2018، العلمانية وصناعة الدين، تحرير: ماركوس درسلر وأرفيند- بال س.مانداير، ترجمة: د/ حسن أحجيج، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، بيروت، 2017. (قسم الترجمات)

[10] للتوسّع حول أثر المسيحية وخصوصًا البروتستانتية في تعريف الدّين في معظم الدراسات المعاصرة، يراجع: فلسفة الدين، جان غروندان، ترجمة: عبد الله المتوكل، مؤمنون بلا حدود، ط1، الدار البيضاء، 2018، وقد تناول بروس فودج أثر النظرة البروتستانتية على دراسات القرآن والتفسير في دراسته (التفسير في الاستشراق وفي الحقبة الإسلامية الوسيطة)، ترجمة: مصطفى هندي، موقع تفسير. (قسم الترجمات)

[11] شبولت هي كلمة عبرية معناها (سنبلة) أو (مَجْرَى ماء). وحسب ما ورد في سفر القضاة: عندما حارب يفتاح الجلعادي أفرايم وانتصر عليه، أقام أناسًا على الأردن. فالذين هربوا من الأفراميين، كانوا يسألونهم: (هل أنت أفرايمي؟) فإن أجاب: (لا)، طلبوا منه أن يقول: كلمة (شبولت) فإن أخطأ وقال: (سبولت)، قتلوه في الحال. والسبب في ذلك أن هذه الكلمة تُمَيِّز لهجة الأفراميين عن الجلعاديين. فالإفرامييون لا ينطقون حرف (الشين) في (شبولت). (المترجم)

[12] ربما يكون التجسيد الأمثل للقرآن باعتباره وثنًا، وسلطة مطلقة لا يملك المرء أمامها سوى الخضوع التام = هو (رفع المصحف على الرماح) في معركة صفّين عام 37= 657. فمن خلال هذا الدور المماثل لدور الوثن تحدَّى القرآن سلطة وشخص الإمام، الذي هو القرآن الحي. انظر: Fischer and Abedi 1990: 106, and Amir-Moezzi 2011.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))