بعض الملاحظات على أقدم مخطوط للقرآن في المكتبة البريطانية (برقم Or. 2165)

المترجم : د. حسام صبري
دراسة المخطوطات القرآنية المبكرة من أهم مساحات دراسة تاريخ القرآن، وتحظى هذه المساحة باهتمامٍ كبيرٍ في الدرس الغربي لأهداف شتى، هذه المقالة للبريطاني ياسين دتون تدور حول المخطوطة القرآنية الموجودة في المكتبة البريطانية والتي يعتبرها بعض الخبراء أقدم مخطوطة للقرآن موجودة في أوروبا.

من المساحات ذات الأهميةِ الكبيرةِ في دراسةِ تاريخ القرآن؛ دراسةُ المخطوطات القرآنية المبكّرة، وهو بابُ البحث الذي اهتم به المستشرقون من فترات بعيدة منذ منجانا وبرتزل وبرجستراسر وشبتلر، ومنذ حُلمهم إخراج نسخة نقديّة من القرآن ترمّم ما يُعتبر تاريخًا منسيًّا أو محجوبًا للنصّ وتيسّر على الباحث الغربي ضبط حالة الفوضى في الدراسات القرآنية الغربية بتوفير المصادر الأساسية له، والذي دفع لمشاريع مثل مشروع أماري، ومثل مشروع كوربس كوارنيكوم. وفي الآونة الأخيرة ومع بزوغ التشكيك من قِبَلِ بعض المستشرقين خصوصًا الاتجاه التنقيحي في التأريخ الإسلامي التقليدي للنصّ، أصبح الاهتمام بالمخطوطات القرآنية المبكرة أكثر أهمية حيث أضحتْ -مع التشكيك في مصداقية المدونات التقليدية- هذه المخطوطات هي المصدر الرئيس لكتابة تاريخ المصحف، بالإضافة بالطبع لتطوّر علم المخطوطات الغربي ذاته وتطوّر الطرق الحديثة التي يمكن الاعتماد عليها في تعيين تواريخ المخطوطات بدقّة كبيرة.

والمقالة التي نكتب بين يديها هذا التقديم كتبها ياسين دتون الباحث البريطاني ذو الاهتمام الواسع بالمخطوطات المبكّرة، حول مخطوطة المكتبة البريطانية والتي رآها الكثير من خبراء المخطوطات كأقدم مخطوطة قرآنية موجودة في أوروبا، وتحليل دتون لهذه المخطوطة ولتاريخها لا يعتمد الأدلة من قبيل الكربون المشعّ وغيرها من أدوات ربما يكون قد اعتمدها غيره للقطع بقِدَمِ هذه المخطوطة، وإنما يقوم على تحليل نظام الكتابة وطريقة تمييز السواكن المعجمة وعدّ الآيات، حيث يرى من خلال تحليله أنها مخطوطة شاميّة كُتبت وفق قراءة ابن عامر وتَتْبَع نظام العدّ الشامي، إلا أنّ طريقة تمييز الحروف فيها وكذلك العدّ تدلّ على كونها أبكر من اتفاق العلماء حول أنظمة العدّ وتمييز الحروف المعجمة، ومن خلال أن يضيف لتحليله هذا تحليل نمط الكتابة والورق والزخرفة يصل إلى  كون هذه المخطوطة كُتبت بين عامي 30 و85 هجريًّا، وإن كان يميل حذرًا إلى التاريخ الأبعد وإن كان لا يعتبره الأصوب؛ فقد تكون سابقة على هذا.

وفي إطار كِبَرِ حجم هذه المخطوطة وهذا القِدَم لها، يجعلها اكتشافًا مهمًّا في إطار دراسة تطور رسم المصحف، ويعطيها أهمية حتى على مخطوطات أخرى أخذت أهمية إعلامية أكبر.

لا شك أنّ البَون شاسع بين حال دراسة المخطوطات القرآنية في الغرب وحالها في العالم العربي والإسلامي؛ لأسباب يطول شرحها، وترجمة مثل هذه المواد التي تتناول بالتحليل جانبًا من المخطوطات القرآنية المكتشفة، غرضه جسر هذه الهوّة حتى يطّلع الباحث العربي على نمط الاشتغال هذا، أملًا في توسعة رقعة هذا النمط من البحث عربيًّا، والذي له الكثير من الفوائد في تتبّع علمي دقيق لتاريخ حفظ الأمّة للقرآن.

المؤلف

ياسين دتون - Yasin Dutton

أستاذ مشارك بكلية اللغات والآداب بجامعة كيب تاون-قسم اللغة العربية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))