نقد التفسير بين الواقع والمأمول

يسلِّط هذا البحث الضوء على موضوع مهم، وهو موضوع نقد التفسير، فيرصد العديد من مظاهر الخطأ في كثير من الدراسات المعاصرة المتعلقة بهذا الأمر، كما ينبه على عدد من الضوابط المهمّة التي تصحح مسيرة النقد عمومًا، ونقد التفسير على وجه الخصوص.

  النقد مرتبط بالعلوم كلّها ارتباطه بالحياة، فما من علم إلا والنقد سرّ من أسرار حياته، وسبب رئيس من أسباب تطوره وازدهاره، وأساس لتنقيح مسائله وأفكاره، وإن الدراسات القرآنية في سعيها للتطوير والتغيير التدريجي للترقي والازدهار، لا بد لها من نقد واقعها، واستقراء أحواله، ورصد الخلل الذي طرأ عليه، مع رصد العقبات التي اكتأدت طريقه وأخَّرت مسيرته، ومن هنا كان اهتمام البحث برصد بعض مظاهر الخلل الواقعة في بعض الدراسات القرآنية، والتنبيه على بعض الضوابط المصححة لمسيرة النقد.

وقد نبه البحث على أن للنقد طريقًا يُسْلَك، وخطوات تُخْطَى، ومنهجًا يُتَّبع، وأنه حري بكلّ من دخل إلى ساحة النقد التزام المنهج السليم باتباع الخطوات الأساسية له التي بواسطتها يتخلص النقد من التسرّع والهوى والنظرات الانتقائية وغيرها من شوائب النقد التي تنحرف به عن مساره الراشد.

كما رصد البحث بعض مظاهر الخلل في نقد التفسير وما ارتبط به، من نحو انتقاد جُلِّ المفسرين بتواردهم على خطأ واحد في قرون متتابعة، وكذا انتقاد تفسير جمهور السلف بأنه خرافة، وكذا إصدار الأحكام التي يظهر منها قلة الخبرة بطريقة المفسرين ومناهجهم، أو الذهول عن بعض أصول التفسير وقضاياه، أو انتقاد ومحاكمة المفسرين إلى مصطلحات قُيِّدَت دلالتها أو وُسِّعَت بما لم يكن مرادًا لهم.

ونبّه البحث كذلك على بعض الضوابط التي لا يصح النقد بدونها، ولا يؤتي أُكُله بالتخلِّي عنها، وبيّن أهميتها في فهم أقوال المفسرين على وجهها، وتلافي الوقوع في انتقاد أقوالهم دون رويّة أو برهان، من نحو ترك الانتقاد بالبدهيات التي لا تخفى على المنتَقَد لا سيما إن كان من الأئمة والمصنفين، وعدم انتقاد الإمام مع إمكان تصحيح كلامه بدون تكلّف، ومحاولة الوصول للأصل الذي بنى عليه المفسر قوله قبل المسارعة إلى انتقاده، والتثبّت من صحة النقل المنسوب إليه، وكذا عدم انتقاد مفسر أو غيره إلا بعد مراجعة فهم العلماء لكلامه وكيفية تعاملهم معه، وبخاصّة من كانوا قريبين من عصره.

ثم ذُيِّل البحث بخاتمة كان من أبرز نتائجها بيان وجود تصادمٍ واضحٍ بين تطبيقات الأئمة وأقوالهم، وبين ما يقرره بعض المعاصرين في بعض القضايا، مما يؤكد أهمية العودة لتطبيقات الأئمة، واستقراء مؤلفاتهم استقراء دقيقًا، وأن لكبار المفسرين منهجًا ينبغي أن يستكشف في كثير من القضايا، كالتعامل مع القراءات إنكارًا وترجيحًا، وكذا في رواية الإسرائيليات، وروايات النزول وغيرها من المسائل الشائكة التي نحتاج قبل انتقادهم فيها إلى نبذ العاطفة جانبًا، ثم محاولة معرفة علل إنكارهم لما أنكروا، وأسرار اختيارهم لما اختاروا، وأسباب روايتهم لما روَوا، ومعرفة أغراضهم في ذلك كلّه، ثم يلي ذلك نقدنا لأقوالهم وآرائهم أو قبولها. وذلك أمر بعيد الشُّقَّة يستلزم تكاتف الجهود وتضافر الباحثين للوصول إلى نتائج منهجية علمية معتبرة.

المؤلف

الدكتور محمد صالح سليمان

دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن- جامعة الأزهر، ومدير الشؤون العلمية بمركز تفسير، أشرف على عدد من المشروعات العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))