التفسير الفلسفي للقرآن (6)
تفسير آيتي سورة الإسراء
من منظور التفسير الفلسفي المعاصر لأبي يعرب المرزوقي

الكاتب : محمد كنفودي
يتناول هذا المقال السادس والأخير من سلسلة التفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي نموذجًا تفسيريًّا لنصّ قرآني واحد، وهو آيتا سورة الإسراء، بناء على الضوابط المنهجية السالف ذكرها في المقالات السابقة.

تسهيم:

  يقول أبو يعرب المرزوقي: «فلا يمكن أن يكون القصد من التنزيل الإنزال بمعنى نزول القرآن من السماء إلى الأرض، بل القصد هو تنزيل النصّ على النوازل، أي: إنّ كلّ نصٍّ من نصوص القرآن كان حدثًا نصيًّا ملازمًا لحدثٍ فِعْلِيّ، أو حدثًا ملازمًا لحديث ملازمة أحد أعيان ماصدق المعنى القرآني لمفهومه، وذلكما هما وجهَا المعنى الذي يكون حقيقة ذهنيّة في العلم وحقيقة عينيّة في المشار إليه في الخارج إذا نسب المعنى إلى الإنسان، لكنه يكون عند نسبته إلى الله تعالى حقيقة مطلقة لا ينفصل المفهوم منها عن الماصدق، وهو ما اقتضى التفريق والتنزيل المشار إليهما في الآيتين، وقد فهم منه أغلب الناس ما يسمى بأسباب النزول مضمرِين علّته عند مُؤرخِني النصّ من العلمانيين حصرًا لكلية النصّ في عيّنة السبب»[1].

مقدمة:

  نتناول في المقالة السادسة من سلسلة المقالات المتعلّقة بالتفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي نموذجًا تفسيريًّا لنصٍّ قرآنيٍّ واحدٍ، وهو آيتا سورة الإسراء، بناء على الضوابط المنهجية السالف ذكرها في المقالات السابقة؛ لنرى كيف طبّق المرزوقي هذه الضوابط في تفسيره هاتين الآيتين، وقد اخترنا هاتين الآيتين خصوصًا لتعلقهما ببعض الضوابط المنهجيّة الخاصّة بالتفسير الفلسفي عند المرزوقي، والتي يخالف فيها بعض المداخل المنهجيّة في التفسير التراثي، وكذا في القراءات الحداثية المعاصرة انطلاقًا من تصوّره طبيعة القرآن وخصائصه، مما يجعل تفسيرهما أقدر على إطلاعنا على بيان هذه الضوابط في صورة تطبيقيّة.

وقبل بيان ذلك، نورد بصيغة إجمالية النواظم الكليّة التي حكمت تفسيره الفلسفي لنصّ القرآن، ومنها:

أولًا: إنّ التفسير الفلسفي المعاصر الذي اجتهد في سبيل تقديمه أبو يعرب المرزوقي، لا يَعُمّ كلّ آيات القرآن أو أغلبها، بل اقتصر على آيات معدودة قليلة جدًّا.

ثانيًا: إنّ التفسير الفلسفي الذي قدمه المتن اليعربي لم يوظّف في سبيل بناء نسقه الكلي أو الجزئي السائدَ من معهود التراث الإسلامي العربي المأصول، ولا السائد من معهود الفكر الغربي الحداثي المنقول منهجيًّا ومعرفيًّا إلا النّزر القليل.

ثالثًا: إنّ التفسير الفلسفي الذي اجتهد المتن اليعربي في سبيل تأسيسه، ابتغى من خلاله إعادة تأصيل العديد من القضايا والإشكالات المنهجيّة والمعرفية، التي يتخبّط فيها -من وجهة نظره- الاجتهاد في فضاء الفكر الإسلامي المعاصر تحديدًا.

رابعًا: إنّ التفسير الفلسفي الذي اقترحه أبو يعرب المرزوقي، جاء محكومًا بناظم البرهنة على مجموعة من القضايا والإشكالات التي قدّم لها القرآن علاجًا فلسفيًّا نسقيًّا مناسبًا ذا أفقٍ إنسانيّ مبين، خصوصًا تلك المتعلقة بالشأن الجمعي العام، فضلًا عن مختلف قضايا الوجود الإنساني الكلي.

بناءً على ما سلف، نقدم عرض (التفسير الفلسفي المعاصر) الذي اقترحه أبو يعرب المرزوقي لآيتي سورة الإسراء، وهما:

يقول الله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا}[الإسراء: 105، 106].

ينتظم التفسير الفلسفي المعاصر لأبي يعرب المرزوقي لنصّ آيتي سورة الإسراء، ضمن ناظم كلي يتفرع إلى فرعين متّصلين على المستوى المنهجي، الأول: الاجتهاد في سبيل الضبط الدلالي للمفاهيم؛ بحيث إنّ منهج التفسير لا يستقيم إلا بأن تكون العدة المفاهيمية محدّدة موضوعيًّا، المفاهيم القرآنية عمومًا، ومفاهيم النصّ القرآني المفسّر خصوصًا، وإلا انزاحت دلالات المفاهيم نحو فضاء دلالي هلامي غير محدّدٍ ولا محدودٍ، ينتقي منها كلُّ مَن شاء ما شاء، فيفقد النصُّ القرآنيُّ بالتبع محدد أو ناظم (الحكمة). الثاني: الاجتهاد في سبيل جعل نصوص القرآن تتصل بمختلف أزمنة التأويل والتكليف الإنساني نظرًا وعملًا، دون أن يتم حصر دلالاتها أو أحكامها النصيّة في زمان أو سياق تاريخيٍّ ما، ولو كان هو عين زمان وسياق النبوة والنزول، ردًّا على مَن سمَّاهم أبو يعرب المرزوقي بــ(مؤرخني النصّ القرآني) من العلمانيين، الذين يحصرون نصوصَ القرآن بكلّ حمولاتها في واقع أو زمن أسباب النزول المحايثة، دون تعدية مفارقة؛ بالنظر إلى أن ذلك الناظم هو ما يتوافق مع خصائص نصّ وحي القرآن، وأهمّها في هذا السياق: «التعالي المطلق المفارق لكلية الأزمنة»، «التعدد الدلالي اللانهائي»، المصحوب بالضبط الموضوعي، باعتبار أنّ الدلالة القرآنية مراتب ونسَب، فضلًا عن كونه «كليّ الدعوة وكليّ العلاج» معًا في مطلق الأزمنة؛ ليكون بذلك كلّه قابلًا لما لا يتناهى من التحقيقات في مختلف المراحل تأويلًا وتكليفًا.

بناء على هذا التأطير المنهجي الكلي، يقوم التفسير الفلسفي لأبي يعرب المرزوقي لنصّ سورة الإسراء على الأسس المنهجيّة والمعرفيّة الآتية:

أولًا: إنّ نصّ الإسراء من منظور أبي يعرب المرزوقي لا علاقة له بموضوع ما يسمى بــ(أسباب النزول) بالمعنى التراثي كما فهم أغلب الناس، وإلا وقع منهج التفسير في شراك آفة قراءات العلمانيين، الذين ربطوا في الظاهر بين آيات القرآن وأسباب نزولها من باب الوصول أو تحقيق الفهم الموضوعي، مضمرين في الباطن حصرًا لكلية النصّ القرآني في عيّنة السبب؛ فيعطّلون بالتبع -أو قُلْ: يلغون نظرًا وعملًا- أهم خصائص إنيّة النصّ القرآني، التي له بالاعتبار الأصلي الأول المنزل به، لا بالاعتبار التبعي اللاحق أو المُؤَول[2].

ثانيًا: إنّ نصّ سورة الإسراء يبيّن -من منظور أبي يعرب المرزوقي- الحدودَ التي وضعها القرآن ليحدد طبيعة (السياسة النبويّة)؛ من حيث هي بالأساس (تربية)، ومن ثمة بيان المحاذير التي يتعيّن اتقاؤها في سبيل الفهم الأمثل لسياسة الرسول -عليه الصلاة والسلام-[3].

ثالثًا: نصّ أبو يعرب المرزوقي على أن تفسيره لنصّ سورة الإسراء، يكون من باب «الشرح الفلسفي»[4]. وكنا في المقالات السابقة قد عملنا على تحديد دلالة مفهوم (التفسير الفلسفي المعاصر) لنصوص القرآن، الذي ارتضاه المنظور اليعربي منهجيًّا[5].

رابعًا: تنبثق عن القضية الكلية الناظمة للتفسير الفلسفي لنصّ سورة الإسراء، مجموعة من القضايا الفرعيّة المعزّزة لها، نقتصر على ذكر أهمها:

1- التحديد الدلالي للمفاهيم الناظمة لآيتي سورة الإسراء:

يجتهد أبو يعرب المرزوقي في سبيل تحديد دلالات المفاهيم المتعلّقة بموضوع المقالة؛ سواء تعلّقت بمواضيع الآيات التي أعاد تفسيرها فلسفيًّا، أو بعموم المواضيع الفكرية والفلسفية التي تناولها من منظوره. نتوقف في هذا السياق عند تناول بعض المفاهيم الأساسية الواردة في آيتي سورة الإسراء على مستوى الضبط الدلالي، المفضي إلى تحقيق ما يصبو إلى تحقيقه أبو يعرب المرزوقي من وراء تفسيره الفلسفي، ومنها:

أ. التّحديد الدّلالي لمفهوم التّنزيل:
إِنَّ مفهوم (التنزيل) من منظور أبي يعرب المرزوقي، ليس القصد منه (الإنزال) من باب التشبيه الرمزي؛ نزول القرآن من السماء إلى الأرض في مدة ثلاث وعشرين سنة، وهي مدة نزول الوحي على الرسول -عليه الصلاة والسلام-[6]، بل إنّ القصد منه أساسًا هو «تنزيل نصوص القرآن على النوازل»؛ بمعنى أن كلّ نصّ من نصوص القرآن كان حدثًا نصيًّا ملازمًا لحدثٍ فعلي تاريخي، أو قل: أحداثًا ملازمة لحديث، ملازمة أحد أعيان ماصادق المعنى القرآني لمفهومه[7]. وفصل القرآن وتعريفه وتنزيله المشار إليها في نصّ الإسراء قد اقتضاه ناظم وجود الإنسان، أما عند نسبة نصّ القرآن إلى الله تعالى فيكون حقيقة مطلقة لا ينفصل المفهوم عن الماصدق[8]. وما دام أن (التنزيل) الوارد في النصّ القرآني عطف على مفهوم (التفريق) فيكون تعليله هو نفس تعليل (التفريق) سواء بسواء؛ بمعنى: لتتم عملية قراءته، أو قل: تبليغه للناس على مُكث[9].

ب. التحديد الدلالي لمفهوم الإنزال:
إنّ مفهوم (الإنزال) من منظور أبي يعرب المرزوقي لم يرد سياقيًّا من باب التأكيد على وجود التطابق بين ما أنزل وما نزل، باعتبار أن لا أحد يتطرق إليه الشكّ في قدرة الله تعالى على تحقيق التطابق بين فعل الله تعالى ومفعوله سبحانه، وليس القصد منه أيضًا المطابقة بين الخبر عن صفة الإنزال وصفة النازل للعلّة نفسها، فضلًا عن تكذيب المخبر في هذه الحالة، بل إنّ معناه يتعلّق بأنّ الله تعالى لا يخصص مفهوم (الحقّ) لوصف مضمون الرسالة، بل هو يصف به طريقتها في التبليغ[10]؛ لذلك كله اعتبر أبو يعرب المرزوقي أن قوله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ}، يصف طريقة الإنزال. وقوله سبحانه: {وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}، يصف المضمون النازل[11].

ج. التحديد الدلالي لمفهوم التفريق ومستوياته:
إنّ دلالة مفهوم (التفريق) من منظور أبي يعرب المرزوقي ليست منحصرة في (التنجيم) فحسب، بل تتجاوز إلى ناظم (التمييز) بين المعاني. فيكون بالتَّبَع (التنجيم) ليس مجرد تقسيم تحكّمي، بل هو يعبّر عن منهج تحليل المعنى وفق مفهوم (الفرقان) الذي يميّز بين المعاني[12]، بحسب منطق نظرية المعرفة الشاملة ونظرية التربية الشاملة اللتَين تمثلان عين (السياسة النبوية)؛ من حيث هي مسار تاريخي فعلي[13]. ولمفهوم (التفريق) من هذا الحيث مستويات أربع:

المستوى الأول(التّفريق اللّفظي)، أو (تنجيم نصّ وحي القرآن) ليكون حديثًا موازيًا لحدثٍ، ومن ثمة يتطابق الحديث والحَدَث، فيكون الحديث مستوى رمزيًّا من الحدث، ويكون الحَدَثُ مستوى فعليًّا من الحديث، وهذا حسب تنصيص أبي يعرب المرزوقي يعد أكبر العلامات الدالّة على كون لسان نصّ القرآن مختلفًا عن لسان نصوص معهود الكلام العربي.

المستوى الثاني: (التفريق المعنوي)، أو (التحليل العلمي والعملي لمضمون نصّ رسالة القرآن)، المشروط في التنجيم التنزيلي، فيكون الحديث القرآني إستراتيجية ذات أسس نظرية، تستهدف العمل الذي يحقّق القيم في التاريخ الفعلي للإنسانية، وليس مجرد تمنّ خلقي.

المستوى الثالث: التنزيل المعيِّن للناس المعنى المقروء عليهم في النوازل الحادثة في التاريخ الفعلي.

المستوى الرابع: التنزيل المعيِّن للناس المعنى المقروء عليهم في الخطاب الدعوي[14].

د. التحديد الدلالي لمفهوم المُكث:
إِنّ مفهوم (المكث) من منظور أبي يعرب المرزوقي يتعلّق بثلاثة نواظم دلالية، أولها: المكث بمعنى الحيّز الزماني الضروري الذي اقتضاه أمر «التواصي بالحق» وأمر «التواصي بالصبر»، وتتعلق هذه الدلالة بمستويات التفريق الأربعة السالف ذكرها[15]. ثانيها: كون (المكث) مرتبطًا سياقيًّا بمفهوم (القراءة)، فهو بين أحوال ثلاثة: حال مقدمة على قراءته على الناس، وحال مصاحبة لها، وحال تالية مع جمع المعنيين: المعنى التّفريقي والمعنى التّجميعي؛ لأن كلمة القرآن تعني الجمع والقِرَان أيضًا. ومن ثمة فالقراءة تحليل (تفريق) وتأليف (قرآن)، وهي لها الدلالة التي يعبر عنها الرديف الوارد في الآية. ثالثها: كون (المكث) يعدّ أصل وعين التفكير والتدبّر الرسولي علمًا وعملًا لكلّ القرآن[16].

2- نصّ وحي القرآن وناظم الخصوصية:

من أهم ما يشدّد عليه أبو يعرب المرزوقي عمومًا، وفي سياق تفسيره الفلسفي لآيتي سورة الإسراء خصوصًا، لما يتعلق الأمر بالمسألة المنهجية -تأكيده على الأمرين المتكاملين الآتيين:

أ. نصّ القرآن وناظم التعالي المطلق المفارق:
إنّ الذي جعل أبا يعرب المرزوقي لا يستسيغ منطق الربط الجدلي بين آيتي الإسراء خصوصًا ونصوص القرآن عمومًا بما يسمى بــ(أسباب النزول)، هو من أجلِ إثبات تعالي آيات القرآن عن كلّ الظروف والحيثيات التاريخية زمن النّبوة والنزول، بما في ذلك الآيات القرآنية التي قد ثبت أنها نزلت لأسباب صحيحة محدّدة؛ إذ هي لا تتجاوز أن تكون مجرد أحداث مقارنة لا أحداثًا مؤثّرة، أو قل: هي من باب (المناسبة) لا من باب (العلّة)، أو هي -حسب تنصيص أبي يعرب المرزوقي- من باب «تنزيل النصوص على النوازل، الذي يشبه الجدل النازل من الكلي إلى الجزئي المشار إليه في أحد أعيانه». أما القول بغير ذلك، يوقع في شراك آفة دعاة مؤرخني النصّ القرآني من العلمانيين، الذين تجدهم مولَعِين بالربط الجدلي بين الحادث أو السبب للنزول والآية، من باب إلغاء أو تعطيل مفعولها في الأزمنة التالية، فيفقد نصّ القرآن بالتبع تعاليه المطلق المفارق، والذي يجعله من جنس النصوص التاريخية، أو قل: التاريخانية، التي لا تتجاوز ظرفها الزمكاني أو المعرفي[17].

ب. نصّ القرآن وناظم التعدّد الدلالي اللانهائي:
إنّ الذي جعل أبا يعرب المرزوقي يرفض الربط الجدلي بين آيات القرآن عمومًا وآيتي الإسراء خصوصًا وبين أسباب النزول، هو من أجل إثبات التعدّد الدلالي اللانهائي للنصّ القرآني، أو قل حسب تنصيص أبي يعرب المرزوقي: ليكون النصّ القرآني قابلًا لما لا يتناهى من التحقيقات؛ إذ هو كما سلف القول، خصوصًا لمّا يتعلق الأمر بما يسمى بآيات التشريع والأحكام[18]، من جنس (تشريع التشريع)، وليس من باب (التشريع المباشر).

أما القول بحصر الآيات التي ثبت نزولها لأسباب محددة دون تعدية، كما هو مذهب مؤرخني النصّ القرآني من العلمانيين، يجعل النصّ القرآني محدود الدلالة، أو قل: مستنفذ الدلالة؛ بحيث لا تتجاوز (الحدث) أو (السبب)، فيفقد النصّ القرآني بالتّبَع تعدّده الدلالي اللانهائي، الذي يتوافق مع خصائصه الذاتية، خصوصًا تلك الخصائص المتعلّقة بالمخاطب، مثل:(العالمية و(الإنسانية و(الخاتمية) ونحو ذلك.

خاتمة:

وعليه؛ فإن ما أراد أن يخلص إليه أبو يعرب المرزوقي، هو أن نص الإسراء، لا يتعلق بما يسمَّى بمرويات أسباب النزول -إن صحت- من باب الربط الجدلي كما هو مذهب مؤرخني النصّ القرآني، إذ هو بحكم طبيعته وخصوصيته لا يستنفذه حدثٌ أو سببٌ تاريخي، فضلًا عن كونه لا يتعلق به وحده لا يتعداه إلى غيره؛ لذلك اجتهد أبو يعرب المرزوقي، وتماشيًا مع المحددات الرئيسة لمنهجه في التفسير الفلسفي المعاصر، في سبيل اجتراح كلّ ما من شأنه أن يقوم -وفقًا له- بحفظ خصوصية النصّ القرآني ومفاهيمه دلاليًّا وحكميًّا على حدٍّ سواء؛ لئلا يرتهن إطلاقًا على مستوى تفسيره بأيّ أمرٍ سابقٍ أو متزامن أو لاحق، إلا بناظم واحد، هو ذاتية نصّه وما يحتفّ بها من خصائص؛ سواء تعلّقت بتركيبته اللغوية، أو تعلقت بدلالاته النصيّة والسياقية ونحو ذلك؛ إذ إنّ نصّ القرآن أولى بالاتباع -ما دام أنه أصل ثابت- من تفسيره ما دام أنه فرع متحوّل تحوّل النواظم المتحكمة في الاجتهاد الإنساني مع مرور الزمن وتوالي الحِقَب.

 

[1] الجلي في التفسير، تونس، الدار المتوسطية للنشر، ط. 2010، ج1، ص143.

[2] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، بيروت. لبنان، دار الهادي، ط1، ص303، والجلي في التفسير، ج1، ص 143.

[3] الجلي في التفسير، ج1، ص105.

[4] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص302. والشرح الفلسفي في هذا السياق، ليس القصد منه «فرض مضمون فلسفي على معنى النصّ، فنرغمه عليه لنقول هذا باطن النصّ وراء ظاهره، بل هو الفهم المتناسق لمعاني الآيات»، نفسه.

[5] راجع المقالة الثالثة: (التفسير الفلسفي للقرآن (3): «التفسير الفلسفي» لنصّ القرآن عند المرزوقي؛ الدلالة والمفهوم)، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5119.

[6] مدة النزول تلك تكاد تكون محلّ اتفاق، وهي نحو من عشرين سنة. صحيح البخاري، حديث رقم 4978، 4979. وبالتحديد 23 سنة.

[7] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص303.

[8] الجلي في التفسير، ج1، ص143.

[9] الجلي في التفسير، ج1، ص142.

[10] الجلي في التفسير، ج1، ص142.

[11] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص302، والجلي في التفسير، ج1، ص142.

[12] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص304.

[13] الجلي في التفسير، ج1، ص144.

[14] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص304، والجلي في التفسير، ج1، ص144.

[15] الجلي في التفسير، ج1، ص144، وفلسفة الدّين من منظور الفكر الإسلامي، ص304.

[16] من باب التأليف في وحدة حية، وهو المعنى الأشمل لكلمة قرآن؛ بمعنى تحقيق القرآن من الآيات التي هي قرائن دالة على النسق الواحد. الجلي في التفسير، ج1، ص144.

 [17] فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي، ص303، والجلي في التفسير، ج1، ص143.

[18] راجع المقالة الرابعة: (التفسير الفلسفي للقرآن (4): منهج التفسير الفلسفي المعاصر لأبي يعرب المرزوقي، الضوابط والأبعاد)، على هذا الرابط: tafsir.net/article/5129 .

الكاتب

محمد كنفودي

باحث مغربي حاصلٌ على إجازة في الدراسات الإسلامية، درجة الماجستير في فقه المهجر أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وله عدد من المؤلفات العلمية والمقالات المنشورة في مجلات ودوريات ومراكز بحثية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))