المسيحية في القرآن
تعدّد مظاهر البيان القرآني إزاء عرض المسيحية

المترجم : مصطفى الفقي
في هذه المقالة يحاول رينولدز تقديم رؤية مغايرة لمعظم الباحثين عن إشارة القرآن إلى بعض العقائد المعارضة له، حيث يفترض رينولدز أن بعض هذه الإشارات تكون عبارة عن اهتمام قرآني بإبراز حجج خصومه لتفنيدها، وليست بالضرورة دليلًا على وجود نحل تاريخية وهرطقات مطابقة لحرفية ما يظهر في النصّ القرآني.

المسيحية في القرآن

تعدد مظاهر البيان القرآني إزاء عرض المسيحية[1]

  لطالما حاول الباحثون الغربيون تفسير مادة القرآن عن المسيحية بالرجوع إلى آراء المهرطقين المسيحيين، وغالبًا ما يبدؤون ربط بعض عبارات القرآن عن يسوع أو مريم أو المسيحيين بهرطوقة مسيحية محدّدة، ثم يواصلون البحث من خلال السجلات التاريخية، أو الهرطقات، عن تلك الهرطوقة في شبه الجزيرة التي عاش فيها محمد. توظِّف هذه الإستراتيجية كلًّا من النصوص التي تعبّر عن تعاليم القرآن الخاصّة، والنصوص التي تدين التعاليم المسيحية. وفي كلتا الحالتين، يُتصوَّرُ أن تكون الهرطقات المسيحية قد أثّرت أو ألهمَت -أو ضلّلَت- النبيَّ محمدًا.

البحث في الهرطقات المسيحية جزء من نمط أوسع من البحث في مصادر القرآن. ويُعنى الضرب النموذجي لهذا النوع من الدراسات بدراسة تأثيرات اليهودية تحديدًا؛ مثل دراسة إبراهام جيجر: ماذا أخذ محمد عن اليهودية؟ الصادرة عام 1833. تجدر الإشارة هنا إلى أن جيجر[2] لم يكن مهتمًّا على نحوٍ خاصّ بفكرة أن الطوائف اليهودية المهرطقة أو غير الحاخامية (أو غير المعيارية) ربما وجدت طريقها إلى شبه الجزيرة العربية وأثّرت على محمد، ولكننا نجد هذه الفكرة حاضرة لدى بعض الباحثين الآخرين[3]، رغم كونها أقلّ شيوعًا بالتأكيد من فكرة أن الطوائف المسيحية المهرطقة قد أثّرت على محمد. في الواقع إن تأثير الهرطقات المسيحية هي الفكرة الرئيسة لدى علماء المستشرقين عن القرآن.

ترتبط فكرة تأثير الهرطقات المسيحية لدى هؤلاء الباحثين بالفكرة التقليدية المتمثّلة في أن محمدًا بشّر بالقرآن في بقعة نائية في شبه الجزيرة العربية، وهو موقع يقع خارج حدود الإمبراطورية البيزنطية، وبالتالي فهو في مأمن من الفرض القسري للعقيدة الخلقيدونية الأرثوذكسية. في هذا السياق، من النادر ألّا يشير الباحثون إلى عبارة تُنسب (خطأ) إلى ثيئودوريت (ت: 458 أو 466) تَعتبر الجزيرة العربية موطن أو أُمّ الهرطقات haeresium ferax. وعلى حدّ علمي، لم ترد هذه العبارة في كتابات ثيئودوريت أو أيّ كاتب مسيحي كلاسيكي آخر، وإذا افترضنا صحة العبارة، فمن المفترض أن تحيل الإشارة إلى (الجزيرة العربية) إلى منطقة البتراء العربية، وهي المنطقة الواقعة إلى الشمال من الحجاز.

وبالرغم من ذلك، لم يتوقف الباحثون أمام هذا الأمر كثيرًا. وغالبًا ما يُفترض أنّ النبي محمدًا قد تأثّر بالمونوفيسيتيين والنسطوريين (المسيحيين السوريين الشرقيين) أو بالهرطقات الدخيلة، وليس بالمسيحيين الملكانيين[4] (أي: الخلقيدونيين). وفي العام 1900، يؤكد المُبَشِّر الأمريكي البروتستانتي صموئيل زويمير على حضور الهرطقات في محيطه قائلًا:
 
«لم تكن الحياة الدينية في مستوى منخفض في جميع أنحاء البلاد المسيحية، إلّا أن الهرطقات كانت تنتشر باستمرار لتقوّض السلام أو لتُحدِث أخطاء جسيمة. لقد كانت الجزيرة العربية تسمى يومًا ما بـ(أُمّ الهرطقات)»[5].

ويجادل مُبشِّر بروتستانتي آخر [روبرت سبير] بأن السبب وراء عدم اعتناق محمد للمسيحية هو أنه لم يلتقِ قط بمسيحيين حقيقيين:

 «عندما نسأل عن سبب رفضِ محمدٍ للمسيحية، نجد أنه لم يكن يملك شيئًا سوى الفكرة الأكثر انحرافًا عن ماهية المسيحية. كانت المسيحية التي رفضها نمطًا متهافتًا للغاية: نصف شركيّ في لاهوته، وخرافيّ في عبادته، وذو تاريخ مقدّس تكسوه أساطير صبيانية. ومن الواضح أنه لم يقرأ العهد الجديد قط، وأنّ تصوّره عن المسيح مستمد إلى حدّ كبير من الأناجيل الملفقة؛ لذلك ليس من الصواب القول تاريخيًّا بأن محمدًا رفض المسيح»[6].

ومن جانبه، يشير ريتشارد بيل[7] إلى أن العرب لديهم قابليات أصيلة للهرطقة:

 «كان للجزيرة العربية (والتي من المحتمل أن تعني المقاطعة الرومانية من الجزيرة العربية، وليس قلب الجزيرة العربية البدوية) شهرة معروفة لدى الكنائس الأولى كمصدر للهرطقة. ربما يجدر بنا أن نتساءل عمّا إذا كان كلٌّ من العقل اليوناني والسامي قد حَظِيَا باتصال في تلك المناطق، ولو عن طريق التعارض؛ لأن العناصر السامية في الكنيسة قد واجهت صعوبة في مجاراة نباهة العقل اليوناني»[8].

أيضًا يجادل الكاهن الكاثوليكي البلجيكي هنري لامنس (بعد فحص المصادر الإسلامية) بأن مدينة مكة، موطن محمد، كانت موطنًا للعديد من المهرطقين المسيحيين الذين وجدوا مأوى فيها أو كانوا يعملون هناك، أو استُجلِبوا إلى المدينة كعبيد[9]. كما تظهر صورة تاريخية مماثلة في كتاب اللاهوتي الكاثوليكي جوليو باسيتي ساني: القرآن في ضوء المسيح. يجادل باسيتي ساني بأنّ محمدًا كان نبيًّا صادقًا، ولكنه كان نبيًّا مسيحيًّا لم يدرك تمامًا (مثل أنبياء العهد القديم) الأسرار التي كُشفت له. ومن أجل تطوير هذه الحجة، أُجْبِرَ باسيتي ساني بوضوح على تأويل الآيات التي يبدو أنها ترفض التعاليم المسيحية عن ألوهية المسيح. وهو يفعل ذلك مصرًّا على أن القرآن يرفض تعاليم المسيحيين المهرطقين فحَسْب[10].

بينما يتمثّل الباحث السويدي تور أندريه تعاليم (سكون الأرواح) لدى اللاهوتي النسطوري باباي الكبير (ت: 628) عند تناوله لآيات القرآن التي تتحدّث عن أن الروح تفقد وعيها عند الموت، وتسترد وعيها فقط عند الاستيقاظ[11]. بل إنه يقدّم فكرته أيضًا عن كيفية سماع محمد لمثل هذه التعاليم:

 «نحن نعلم أنَّ أيًّا من الكنائس الشرقية لم تمارس نشاطًا تبشيريًّا فعّالًا مثلما فعل النسطوريون، الذين أسسوا لكنائس مسيحية مهمّة في آسيا الوسطى والهند والصين. وليس من قبيل المبالغة افتراض أنّ رهبانًا نسطوريين من الكنائس العربية في بلاد ما بين النهرين أو من نجران في اليمن قد زاروا خلال جولاتهم التبشيرية بين أبناء وطنهم من الوثنيين بعد أن غزا الفرس البلاد في العام 597م منطقةَ الحجاز التي حافظ المسيحيون العرب على اتصالٍ حيويّ مع عاصمتها. في الواقع، تتحدّث الروايات عن واعظ مسيحيّ يُدْعَى قسّ بن ساعدة، يُقال إنه كان أسقف نجران، ولكنه ينتمي إلى قبيلة تعيش في الحيرة في بلاد ما بين النهرين، ومن المفترض أنّ محمدًا قد سمعه يخطب في سوق عكاظ[12].

الهدف من ورقتنا تلك ليس إثبات أو تخطئة هذا الحجاج. في الواقع، لا يمكنني التفكير في أيّة طريقة أثبت بها أن محمدًا لم يسمع الكاهن قسّ بن ساعدة وهو يتجوّل يومًا ما في سوق عكاظ؛ ولكنني أرمي في هذه الورقة إلى قول شيءٍ ما عن طبيعة هذه الحجج، فأنا أقصد انتقاد مَيل الباحثين -من وقت أندريه حتى يومنا هذا- إلى البحث عن المهرطقين المسيحيين الذين ربما التقى بهم محمد، كمنهج لتفسير الآيات القرآنية التي تتناول المسيحية. لا تكمن المشكلة عند اتباع هذا المنهج في وجود نظرية معيّنة خاطئة بشكلٍ واضحٍ، بل المشكلة هي أنّ هذا المنهج يمنعنا من إدراك الإبداع البياني للقرآن.

ويبدو أن الباحثين الذين يفسّرون المادة المسيحية في القرآن مستعينين بالهرطقات يفترضون أن القرآن ليس أكثر من نسخة مطابقة للأصل أو تسجيل عن النقاشات التي جرت في أوساطها التاريخية، بينما تشير طبيعة البيان القرآني إلى غير ذلك؛ إذ مَن يتأمل هذه الطبيعة يجد القرآن كتابًا خلّاقًا، يحتفي بإيراد آراء خصومه من أجل تفنيدها بطريقة أكثر فعالية.

اعتناء القرآن بعرض الآراء المعارضة له:

ثمّة وجهة نظر مماثلة حول البيان القرآني يقترحها سيدني غريفيث[13] في مقالته المعنونة بـ(النصارى في القرآن: دراسة هرمينوطيقية)[14]. تنتمي مقالة غريفيث جزئيًّا إلى الفهم الشائع للقرآن في الأكاديميا الغربية، إذ يعكس استخدام القرآن مصطلح (النصارى) لتعيين المسيحيين (خلافًا لبعض الترجمات المفترضة للكلمة اليونانية: kristianoi، مثل: المسيحية، وهي الكلمة التي يطلقها المسيحيون الناطقون بالعربية على أنفسهم) تأثير بعض الطوائف اليهومسيحية[15]. يرتكز هذا الحجاج جزئيًّا على استخدام مصطلح (النصارى) «الناصريون في اللغة اليونانية، والنصرية في اللغة السريانية»[16] في الهرطقات المسيحية المبكرة من أجل -كما هو مفترض- تهويد الطوائف المسيحية. ومع ذلك، يُلحّ غريفيث بشكلٍ مقنع على أن القرآن لا يعطينا أيّ سبب للّجوء إلى تلك الهرطقات المسيحية المبكّرة في جهودنا من أجل فهم هذا المصطلح:

هرمينوطيقيا، ثمّة نتيجة مهمّة تلزم عن عزم القرآن على انتقاد المعتقد والممارسة المسيحية وهي المزيد من الاعتراف بأن القرآن -وهو بسبيل تحقيق غرضه- لا يقرّر أو يكرّر ببساطة بيانية ما يقوله المسيحيون، بل يستنكر ما يقولون، ويصححه، ويهزأ به caricaturesـ[17].

ويقصد غريفيث بكلمة (يهزأ) هنا: نعت وجهات نظر الخصم بطريقة تجعلها تبدو أقلّ معقولية. يمكننا أن نلمس هذا الاستهزاء، على سبيل المثال، في آيات من سورة المائدة: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17]، والآية: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72]. ويشير غريفيث إلى أن «المسيحيين في زمن القرآن لم يقولوا عادةً إنّ الله هو المسيح». ومع ذلك، يستهدف القرآن من خلال وصف العقيدة المسيحية بهذه الطريقة سهولة دحضها:

لذلك، ينبغي من الناحية البيانية، عدم اعتبار ما يبدو تعارضًا ظاهريًّا في القرآن خطأً، بل هو صورة استنكارية مستوحاة من الجدال، والغرض منها هو تسليط الضوء بمصطلحات إسلامية على لا معقولية العقيدة المسيحية، وبالتالي خطأ هذه العقيدة، من منظور إسلامي[18].

في الواقع، يبدو لي أن تسمية (ابن مريم) أيضًا هي أحد أوجه البيان القرآني[19]. إذ ينظر المسيحيون إلى المسيح بوصفه ابنًا لله، بينما يرفض القرآن صراحةً هذا الوصف: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30]، ومع ذلك فإنه يصرّ أيضًا (خلافًا لليهود) على أن المسيح لا أبَ له على الإطلاق: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]، وبالتالي لا يمكن أن ينسبه إلى أب. وهكذا، ينسب القرآن المسيح إلى أمه، وبالتالي يلخّص حجته ضد كلٍّ من المسيحيين واليهود.

ثمّة ملمح بياني قرآني آخر نجده في [الآية: 31] من سورة التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}[20]. فإذا أردنا الآن استنطاق هذه الآية بمنهج يجعلنا نعثر على طوائف تاريخية أثّرت على تلك المادة القرآنية عن المسيحية، يتحتم علينا أن نبدأ في البحث عن بعض الهراطقة المسيحيين الذين عبدوا علماءهم ورهبانهم كآلهة. قد نطلق عليهم الكهنوتيين Sacerdolators. ربما فرّ هؤلاء الكهنوتيون إلى الصحراء العربية حيث يمكنهم عبادة رهبانهم بأمان، بعيدًا عن حماة الأرثوذكسية من السلطة البيزنطية القاسية. أو أننا يمكننا -بدلًا من ذلك- أن ندرك في هذه الآية النهج القرآني المغرق في إبراز الآراء المعارضة له، بحيث ندرك أنه لم يكن هناك في محيط القرآن طائفة مهرطقة من عُبّاد الرهبان. وهكذا يمكننا أن ندرك أن للقرآن طريقته الدقيقة في السخرية من خصومه. وهذا هو الإدراك الذي ينبغي أن يُشَكّل فهمنا لتلك الآيات التي يُفترض غالبًا أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالهرطقة المسيحية.

على سبيل المثال، يؤكّد القرآن مرارًا أن الله (لم يتخذ ولدًا)[21]، ونادرًا ما يجد الباحثون علاقة بين الفعل (اتخذ) وبين بعض الهرطقات، ومع ذلك يشير باريندر في هذا الصدد إلى الأبيونيين والآريوسيين:

 «...ولكن بالنسبة لما نحن بصدده حاليًا، فإنّ الكلمات الأساسية هي (اتخذ ولدًا). وكلمة (اتخذ) تعني حرفيًّا (اكتسب)، وبالتالي فإن هذه الآية تنفي أن يكتسب الله ابنًا حادثًا في الزمن. وهذا ما قاله الأبيونيون والهراطقة الآريوسيون في المسيحية، ممن قالوا إن يسوع صار ابنًا لله أثناء لحظة معموديته أو في لحظة أخرى. ولكنَّ الأرثوذكس رفضوا ذلك في معتقدهم القائل بأزليّة الابن»[22].

من جهته، يشير باسيتي ساني إلى النسطوريين بدلًا من الطوائف المذكورة سابقًا بقوله: «يرفض القرآن الصيغة النسطورية للتجسُّد (أن يتخذ ولدًا)»[23].

ومع ذلك، بإمكاننا أن نفهم استخدام القرآن للفعل (اتخذ) لا كسرد مكرّر للتعبير اللفظي عن معتقد لطائفة مسيحيةٍ ما، بل كسِمة مميزة للبيان القرآني المبدع. في [الآية: 21] من سورة يوسف، يقول عزيز مصر بوتيفار لزوجته (بشأن يوسف): {عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}. وفي [الآية: 9] من سورة القصص، يقول القرآن على لسان زوجة فرعون (بشأن موسى): {عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[24]. في ضوء هذه الآيات، يبدو أنه من غير الممكن هنا أن تعكس تلك اللغة التي يستخدمها القرآن آراءً كريستولوجية لبعض الطوائف المهرطقة التي واجهها محمد[25]، بل تعدّ هذه اللغة جزءًا من البيان القرآني الخلّاق. من خلال استخدام التعبير (اتخذ ولدًا)، يفترض القرآن ضمنيًّا أن المسيحيين يفكرون في الله كذات أنثوية؛ مثل زوجتي بوتيفار وفرعون اللتَين ترغبان في تبنِّي طفل. وبناءً على ذلك، يبدو موقف المسيحيين سخيفًا، بينما يبدو موقف القرآن في المسيح أكثر معقولية.

تختلف الحال في الآية القرآنية التي تتناول قضية صلب المسيح [سورة النساء، آية: 157] كونها تنطوي على عقيدة القرآن ذاته، لا على تعاليم مسيحية يدينها القرآن. ومع ذلك، يدرس الباحثون الغربيون هنا أيضًا تأثير الهرطقات المسيحية، فيفترضون من خلال تتبّع التقاليد الإسلامية عمومًا أن هذه الآية تنكر موت المسيح. وبعد اعتماد هذا الافتراض، يُرجِع العديد من الباحثين تعاليمَ القرآن عن صَلْب المسيح إلى التعاليم الدوسيتية Docetic، وهي من تعاليم بعض الغنوصيين المسيحيين الذين أصروا على أن كلمة الله تسمو على المعاناة الإنسانية[26]، وأن المسيح الإلهي غادر يسوع البشري قبل أن يُصلَب[27]. حتى إن بعض الباحثين تساءل عما إذا كان هناك (دوسيتيون) يختبئون في الصحراء العربية في عصر محمد[28].

في الواقع، لا يوجد سبب يستدعي اللجوء إلى الدوسيتية على الإطلاق، إذ إن القرآن لا ينكر [سواء في الآية 157 من سورة النساء أو في أيّة آية أخرى] أيًّا مِن صَلْب المسيح أو موته. بل ينصّ فقط على أن اليهود لم يقتلوه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ}، ولا ينصّ على أكثر من ذلك[29]. من الممكن بالطبع، أن نفترض أن القرآن يقصد في آية سورة النساء إنكار موت يسوع دون أن ينصّ على ذلك صراحة. ومع ذلك، تؤكّد مواضع أخرى من القرآن موت يسوع، بإرادة الله، لا بفعل الإسرائيليين. ففي سورة آل عمران: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55]، وفي سورة المائدة، يقرّر القرآن على لسان يسوع (بعد أن توفي وصعد إلى السماء): {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117][30]. في ضوء هذه الآيات، لا يمكن أن يكون المقصود من آية سورة النساء إنكار موت يسوع، سواء بشكل صريح أو ضمني. بدلًا من ذلك، يبدو أن هذه الآية تعكس تعاليم القرآن القائلة بأن الله وحده هو من يمتلك القدرة على نزع روح شخصٍ ما من جسده {يحيي ويميت}[31].

بالنسبة إلى آية سورة النساء، يركّز القرآن هنا على قول بني إسرائيل: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ} [النساء: 157]. وهذا هو القول الثالث من بين ثلاثة أقوال لبني إسرائيل يدينها القرآن في هذا السياق؛ ففي [الآية: 155]، يوبخهم القرآن على قولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}، وفي [الآية: 156] يدينهم بسبب مقالتهم في (مريم). أمّا المقصود من [الآية: 156] الخاصّة بصَلْب المسيح، فهو بيان مدى ابتعاد بني إسرائيل عن الله، حتى إنهم ابتهجوا بفكرة قتل أحد أنبيائه. إذن، لا يوجد سبب يدعو إلى افتراض أن القرآن ينفي موت المسيح، أو القول -من باب أولى- أن القرآن تأثّر بالدوسيتيين المسيحيين في مسألة صلب يسوع.

بهذا يمكننا أن ننتقل إلى [الآية: 116] من سورة المائدة:

{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}.

دَفَعَ الأسلوب الذي يُنكِر به القرآن أن يكون المسيح أخبر الناس: {اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ} الباحثين الغربيين من قديم إلى الاعتقاد بأن النبي كان لديه فكرة خاطئة عن الثالوث، كونه يتخيل الثالوث المسيحي على شكل عائلة: أب، وأمّ، وابن[32].

يبرّر بعض الباحثين هذه الفكرة بالرجوع إلى كتاب الهرطقات للأسقف إبيفانيوس (ت: 403)، وهو الكتاب الذي يتناول الهرطقات المسيحية، ويتضمن طائفة تسمى (الفطائريين) Collyridians، بحسب إبيفانيوس؛ لأنهم كانوا يقدِّمون نوعًا من الفطائر كتضحيات لمريم العذراء. ويوضح إبيفانيوس أن قوام هؤلاء الفطائريين كانوا من نساء (الجزيرة العربية) الذين يقومون «بتزيين كرسي يشبه كرسي الحلاق أو عرش مربع، بقماش الكتان، ويقدّمون عليه الخبز لمريم العذراء في يوم معيّن من العام»[33]. وقد التقى محمد بطريقة أو بأخرى، وفقًا للباحثين الذين يعتمدون على مثل هذه الروايات، أو سمع بهؤلاء الفطائريين، وكوّن فكرة أن المسيحيين يعبدون مريم بشكلٍ عام؛ مما جعله يتخيل أنهم يعتقدون في مريم كضلع ثالث في الثالوث المسيحي[34]. ويعلّق بيل على طائفة الفطائريين بقوله:

«في عصور لاحقة، نسمع عن طوائف أخرى من الهراطقة؛ الفطائريين والوثنيين، مِن عبَدة مريم العذراء. إن معلوماتنا حول هذه الطوائف ضئيلة للغاية، وهذا إذا كان ما نعرفه عنهم بالفعل ليس من نسج خيال إبيفانيوس. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون بعض الحركات المهرطقة المضطهدة في الإمبراطورية قد لجأت إلى شبه الجزيرة العربية، وساعدت في تهيئة التربة التي سيخرج منها الإسلام»[35].

بينما يقاوم فرانسوا دي بلوا إغراء تفسير [الآية: 116] من سورة المائدة اعتمادًا على هرطقة الفطائريين، ولكنه لا يفعل ذلك بسبب اعتقاده بوجود مشكلة ميثودولوجية في فكرة البحث عن المصادر الهرطوقية للمواد التي تتناول المسيحية في القرآن؛ بل يفعل ذلك لأنه غير راضٍ عن هذه الهرطقة بوصفها الهرطقة المفسّرة الصحيحة، إنه يواصل البحث عن هرطقات أخرى[36].

ويبدو أن الباحثين من أمثال دي بلوا ممن سيأخذوننا للتنقيب عن طوائف مسيحية هرطوقية أخرى يهملون احتمالية أن يكون القرآن قادرًا على إنتاج خطاب بياني خلّاق يستهدف الحطّ من آراء خصومه، أو توظيف العبارات في أدوار معيّنة تتجاوز مجرد الاسترجاع البسيط للنصّ من مصادره أو معتقدات الآخرين. في حالة [الآية: 116] من سورة المائدة، على سبيل المثال، هل يمكن أن يكون القرآن يوبّخ المسيحيين من خلال المبالغة المتعمدة في إخلاصهم لمريم؟ هل يمكن أن تنتمي هذه الآية إلى الخطاب البياني للقرآن أكثر من انتمائها إلى طائفة الفطائريين؟

يتضح جليًّا نزوع القرآن إلى مثل هذا النوع من الخطاب الخلّاق في بعض المواضع الأخرى من القرآن. على سبيل المثال، في [الآية: 34] من سورة التوبة يطلب القرآن من النبي أن (يُبشّر) الكافرين بعذابٍ أليم. وفي [الآية: 49] من سورة الدخان، يذكر القرآن أن الله يقول لأحد الأرواح الآثمة في الجحيم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[37]! لا ينقل القرآن هنا عن مصدرٍ ما أن المذنبين -الذين يعانون بالفعل العذاب الأليم في نهاية المطاف- أعزّاء وكرماء. بدلًا من ذلك، يوظِّف القرآن هنا أسلوب المفارقة والسخرية. قد يجد المرء هذا الأسلوب أيضًا من السخرية في وصف جهنم بأنها (فِراش/مِهاد) للكافرين في [الآية: 41] من سورة الأعراف.

يجدر بنا عند مطالعة القرآن أن ننتبه عمومًا لاستخدامه الخلّاق للأساليب البيانية؛ مثل الاهتمام بعرض الآراء المعارضة والسخرية منها. تشهد الآيات القرآنية عن المسيحية على هذا الإبداع، وليس على تأثير المهرطقين المسيحيين.

 


[1] مترجم هذه المادة: مصطفى الفقي، كاتب ومترجم، له عدد من المقالات والترجمات المنشورة.

[2] إبراهام جيجر (1810 - 1874) هو مستشرق ألماني وحبر يهودي، وصاحب أهمية كبيرة في تاريخ الإصلاح اليهودي، حيث يعتبر رائد الإصلاحية اليهودية في العصر الحديث، وتمحورت دراساته حول فقه اللغات الكلاسيكية العبرية والسيريانية، وحول العهد القديم، طالما آمن جيجر بالمركزية اليهودية في الأديان الكتابية وبمدى تأثير الكتاب المقدس على المسيحية والإسلام، وربما أشهر كتبه في هذا الكتاب الذي أشار إليه رينولدز: «ماذا أخذ محمد من اليهودية»، (قسم الترجمات).

[3] يجادل C. Rabin على سبيل المثال، قائلًا: «باختصار، لا يوجد أدنى شكّ في أن محمدًا كانت له صلات يهودية قبل المجيء إلى المدينة، ومن المحتمل للغاية أن يكونوا من اليهود المهرطقين والمناهضين للربانيّة. ويشير عدد من التفاصيل الاصطلاحية والأيديولوجية إلى طائفة القمران»، الإسلام وطائفة القمران، الدراسات القمرانية، لندن، مطبعة جامعة أكسفورد، 1957، 128. ومن جانبه، يجادل جيليو باسيتي ساني، في ضوء اهتمام القرآن بتأكيد رفع الجسد، بأن يهود الجزيرة العربية كانوا من الصدوقيين، وقد كتب باسيتي ساني، الذي يرى أن مكة كان بها جالية يهودية مهمّة مثل المدينة: «أميل إلى الاعتقاد بأن يهود الحبشة حافظوا على العديد من الجوانب العقدية للصدوقيين، وكذلك فعل يهود مكة أيام محمد. وعلى الرغم من أن الصدوقيين قد فقدوا نفوذهم كحزب منظم بعد تدمير الهيكل في عام 70 ميلاديًّا، ورغم سيطرة الفريسيين على يهود التلمود والحاخامية، فقد نجت بعض أفكار الصدوقيين هنا وهناك، وخاصة في الأماكن النائية، حيث الوجود النادر لبقية الجاليات اليهودية في الإمبراطورية الرومانية».

 G. Basetti-Sani, The Koran in the Light of Christ, trans. W.R. Carroll and B. Dauphinee (Chicago: Franciscan Herald Press, 1977), 30.

[4] يفهم كثير من الباحثين الغربيين كلمة (الصحيح) أو (الأرثوذكسي) على أنها تعني الخلقيدوني. ومع ذلك، ينعي بعض الكُتّاب البروتستانت حالة المسيحية الشرقية في وقت ظهور الإسلام بشكل عام. وفي كثير من الأحيان يصاحب مثل هذا الرثاء ادّعاء بأن محمدًا كان سيتحول إلى المسيحية، إذا كان قد عرف فقط المسيحية الحقة للرسل. في هذا السياق يكتب غولدساك: «وكما كانت الحال، أصبح الإفراط في التجديف لدى المريميين والكولريديان وغيرهما من الطوائف المسيحية المهرطقة سببًا في تنفير المصلح العربي عن المسيحية، مما دفعه إلى التنديد بتعاليم هؤلاء الناس بوصفها محض شرك ليس إلّا. كان من سوء حظ محمد أنه عرف هذه الكتلة من الانحرافات عن المسيحية الحقة، وهكذا أصبح مؤسس الإيمان الذي أدى إلى عودة عبودية الشريعة اليهودية».

W. Goldsack, The Origins of the Qur’an (London: Christian Literature Society, 1907), 27.

[5] S.M. Zwemer, Arabia: The Cradle of Islam (Edinburgh: Anderson and Ferrier, 1900), 306-7.

[6] R. Speer, “The Attitude of the Evangelist toward the Muslim and His Religion,” Lucknow, 1991 (London: Christian Literature Society for India, 1911), (217-51) 233-34.

[7] ريتشارد بيل (1876- 1952)، مستشرق بريطاني، أستاذ اللغة العربية بجامعة أدنبرة، له اهتمام كبير بالقرآن؛ حيث كتب حول أسلوب القرآن ومتشابه القرآن، كما أنه اهتم لعلاقة القرآن وعلاقة النبي بالمسيحية، كما أنه ترجم القرآن في (1937- 1941)، (قسم الترجمات).

[8] أصل الإسلام في بيئته المسيحية، (لندن: كاس، 1968)، ص20. لاحقًا وفي ذات المرجع (ص158) يعلّق بيل قائلًا: «ربما من المؤسف أن تكون المجتمعات المسيحية التي اتصل بها بالفعل كانت من المونوفيسيتيين الذين تجاهلوا بشرية يسوع». ومؤخرًا يدافع عرفان شهيد، مستوحيًا عبارة ثيئودوريت، عن فكرة أن الهرطقات ذاعت بين العرب: «كانت الجزيرة العربية موطن الهرطقات، كما يتضح من روايات المؤرخين الكنسيين». عرفان شهيد، روما والعرب، (واشنطن: دمبارتون أوكس، 1984)، ص36.

[9]وعليه، فلا يمكن أن يكون هناك نصرانية متأصلة في مكة، إذا لم نوافق على إطلاق هذا الاسم على نحو اثني عشر شخصًا من القريشين الأصليين ومن المغتربين الحلفاء اللذين ينتمون إلى العشائر المكية، التي تسمح لنا النصوص بالاستدلال على وجودهم. وفي المقابل، هناك عدد من العبيد والمغامرين والتجار النصارى وتجار الأشياء القديمة وبائعي النبيذ، قد استقروا مؤقتًا في مدينة تهامة أو مروا بها. وغالبيتهم من الأحباش المستضعفين والعمالة اليدوية ومن يعملون في الأعمال الشاقة والدنية أو المرتزقة الذين تم تجنيدهم في وحدة الأحباش الاحتياطية، وهم من أنصار المسيحية-اليهودية الإثيوبية. لكنهم ظلوا جميعًا معزولين، بدون توجيه روحاني من الناحية الدينية، فهم مفصولون عن بعضهم البعض بحاجز اللغة وتعارض المصالح، والكراهية العرقية، إلى جانب الانقسامات العقائدية، والانشقاقات العديدة التي كانت تمزق الكنيسة الشرقية، في الوقت الذي كان الإمبراطور هرقل يرعى فيه المزيج المؤسف للمونوتيلية.
H. Lammens, L’Arabie occidentale avant l’Hégire: Chrétiens et juifs à la mecque à la veille de l’Hégire (Paris: Dar Byblion, 2006), 48.

[10] Basetti-Sani, 30.

[11] على سبيل المثال، يتضح ذلك جليًّا في تشوُّش أصحاب الكهف عندما استيقظوا بعد رقود دام مدة 309 سنة، متصورين أنهم لبثوا يومًا أو بعض يوم. سورة الكهف [الآيات: 18، 19].

[12] T. Andrae, Mohammed, sein Leben und sein Glaube (Göttingen: Vandenhoeck and Ruprecht,1932); English trans.: Mohammed: The Man and His Faith, trans. T. Menzel (New York: Charles Scribner’s Sons, 1936), 92. On this tradition see also Lammens, 21.

إشارة تور أندريه إلي قس بن ساعدة إشكالية تمامًا، يكتب مؤلف موسوعة الإسلام تحت هذا الاسم: «ليس من المستحيل أن يكون لقس بن ساعدة علاقة بنصارى نجران، لكن الخطأ هو اعتباره –كما يحدث أحيانًا- أسقف هذه البلدة».

 Ch. Pellat, “Ḳuss b. Sāʿida,” EI2, 5:(529-30), 529.

[13] سيدني غريفيث (1938- )، أستاذ الدراسات المسيحية المبكرة في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، وقد عمل طوال مسيرته كأستاذ زائر في أكثر من جامعة، مثل: الجامعة العبرية وجامعة جورج تاون، مهتم بالمسيحية العربية، والرهبانية، والعلاقات المسيحية الإسلامية في العصور الوسطى، من أشهر كتبه في هذا السياق: الكنيسة في ظلّ المسجد،  2008، وهذا الكتاب ترجم بالفعل، حيث ترجمه: هشام شامية، وصدر عن المركز الأكاديمي للأبحاث، كندا، 2018، وكتابه: الكتاب المقدّس العربي، نصّ (أهل الكتاب) المقدّس بلغة الإسلام، 2013، (قسم الترجمات).

[14] New Perspectives on the Qur’an: The Qur’an in Its Historical Context 2, ed. G.S. Reynolds (London: Routledge, 2011), 301-22.

[15] على سبيل المثال:
J. Wellhausen, Reste arabischen Heidentumes (Berlin: Reimer, 1897), esp. pp. 230-34; W. Rudolph, Die Abhängigkeit des Qorans von Judentum und Christentum (Stuttgart: Kohlhammer, 1922), 6-8, 90-91; Yūsuf Durra al-Ḥaddād, Al-Qur’an daʿwā naṣrāniyya (Jounieh: Librairie pauliste, 1969); Abū Mūsā al-Ḥarīrī, al-Qass wa-nabī (Beirut: n.p. 1979); French trans.: J. Azzi, Le prêtre et le prophète, trans. M.S. Garnier (Paris: Maisonneuve et Larose, 2001); F. De Blois, “Naṣrānī (Ναζωραιος) and Ḥanīf (εθνικος): Studies on the Religious Vocabulary of Christianity and of Islam,” BSOAS 65, 2002, 1-30; J. Gnilka, Die Nazarener und der Koran: Eine Spurensuche, (Freiburg: Herder, 2007).

[16] لا يستخدم المسيحيون الذين يكتبون باللغة السريانية مصطلح النصرية بشكلٍ متكرّر إلّا بين علامتي تنصيص بوصفه أسلوب تحقير يستخدمه غير المسيحيين (عادةً الزرادشتيون الفارسيون) للإشارة إليهم. ويذكرنا هذا الاستخدام بما ورد في الآية الخامسة من الإصحاح الرابع والعشرين من سفر أعمال الرسل (في الواقع، قد يكون مستوحى من تلك الآية) التي يتحدث فيها الخطيب اليهودي ترتلس ضد بولس: «فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هذَا الرَّجُلَ مُفْسِدًا وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ، وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ». لاحقًا، سوف يستخدم مسيحيون مثل أبيفانيوس (ت: 403)، ثيئودوريت (توفي حوالي 458)، ويوحنا الدمشقي (ت: 749) كلمة الناصرية كإشارة إلى (تهويد) الهرطقات.

[17] غريفيث، 311. هنا، كما يقول غريفيث بشكل مقنع، يكمن المفتاح لفهم الاستخدام القرآني لمصطلح النصارى: «يُبرز القرآن بشكلٍ عام درجة عالية من الوعي باللغة والتقاليد المسيحية المعاصرة، ودرجة كبيرة من الإلمام بالكتاب المقدّس تسمح له بالتعليق على الروايات الكتابية السابقة ونقدها والإطناب فيها، وربما كان كاتب القرآن أيضًا على دراية جيدة بدلالات لفظة النصارى بين طوائف المسيحيين، ويستخدم تلك اللفظة في النصّ لهذا السبب تحديدًا، حتى إنه يضعها على لسان المتكلمين المسيحيين أنفسهم، بسبب قدرته البيانية على استنكارها». المرجع ذاته، 314-15.

[18] المرجع السابق، ص311.

[19] يقول جيوفري باريندر، بشأن الاستخدام القرآني المتكرّر لهذه التسمية: «إن هذا أمر يثير الدهشة، كون هذه التسمية (ابن مريم) لم ترِد سوى مرة واحدة فقط في الكتاب المقدّس». G. Parrinder, Jesus in the Qur’an (London: Faber and Faber, 1965), 22وذلك في الآية الثالثة من الإصحاح السادس في إنجيل مرقس: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ النَّجَّار ابْن مَرْيَمَ، وَأَخُو يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ ههُنَا عِنْدَنَا؟». يلاحظ باريندر أنه في حين أن تلك التسمية لا تكاد توجد في الكتابات المسيحية المبكرة الأخرى، إلّا أنها توجد في الأناجيل السريانية والعربية المبكرة. وبالنسبة إلى باريندر، تبين هذه النقطة أن الاستخدام القرآني لتسمية (ابن مريم) يعكس تأثرًا بهذه الأناجيل: «إن الاستخدام العربي والسرياني يعدّ دليلًا آخر على صحة الاعتقاد بأن الاحتكاك المسيحي السوري كان هو الأقرب إلى الإسلام المبكر». Parrinder، 27والآن، لا يزال تاريخ كتابة الأناجيل السريانية المبكّرة غير مؤكد (ولكن الأناجيل العربية المبكرة دونت بالتأكيد بعد القرآن)، على الرغم من أنه غالبًا ما يُشار إلى القرن السادس الميلادي. انظر، على سبيل المثال، J.K. Elliot, The Apocryphal New Testament (Oxford: London, 1993). ومع ذلك، فإن تاريخ تدوين الأناجيل السريانية المبكرة أيضًا ما زال غير مؤكد بشكل حاسم.

[20] ترجمة القرآن هي من ترجمة Quli Qaraʾi إن لم يُنصّ على خلاف ذلك.

[21] سورة البقرة: 116. سورة يونس: 68. سورة الإسراء: 111. سورة الكهف: 4. سورة مريم: 35، 88، 91. سورة الأنبياء: 26. سورة المؤمنون: 91. سورة الفرقان: 2. سورة الزمر: 4. سورة الجن: 3.

[22] باريندر، 127.

[23] باسيتي ساني، 29.

[24] الجملة العربية هي نفسها في كل حالة رغم أن Quli Qara’i يستخدم في كل مرة كلمة إنجليزية مختلفة لترجمة الفعل "ينفعنا"، كذلك فقد ترجمت الفعل "نتخذه" هنا ب “take him في حين يترجمه Quli Qaraʾi  في الآيتين “adopt him.” ، في إشارة القرآن إلي أنه اتخذ ابنًا.
cf. R. Paret, Der Koran. Kommentar und Konkordanz (Stuttgart: Kohlhammer, 1971), 26, ad Q 2:116f.

[25] راجع أيضًا [الآية: 125] من سورة النساء: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}.

[26] في إطار العقائد الغنوصية التثنوية التي تقضي بوجود إلهين: سماويّ وأرضيّ، آمنت تلك الطائفة الغنوصية المسيحية بوجود إله للشر في العهد القديم وإله للخير في العهد الجديد. كما اعتقدت أن يسوع البشري إنسان صالح اختاره المسيح ابن الله وحلّ به، وهذا الأخير ما هو إلّا روح في جوهره، وبالتالي لا يمكن أن يخضع للمعاناة الإنسانية، وقد فارق يسوعَ البشري قبل الصلب. (المترجم).

[27] On the “Docetic” background of Qurʾān 4:157, see J. Henninger, Spuren christlicher Glaubenswahrheiten im Koran (Schöneck: Administration der Neuen Zeitschrift für Missionswissenschaft, 1951), 27-8; A. Jeffery, The Qur’an as Scripture (New York: Moore,

1952), part 4; G. Anawati, “ʿIsā,” EI2, 4:84a and more recently S.K. Samir, “The Theological Christian Influence on the Qur’an: A Reflection,” The Qur’an in Its Historical Context, ed. G.S. Reynolds (London: Routledge, 2008), (141-62) 153ff.; C. Gilliot, “The ‘Collections’ of the Meccan Arabic Lectionary,” The Transmission and Dynamics of the Textual Sources of Islam. Essays in Honour of Harald Motzki, ed. N. Boekhoff-van der Voort, K. Versteegh & J. Wagemakers (Leiden: Brill, 2011), (105-33) 126. Samir writes, “All of the western commentaries conclude that the theory of the substitution of Christ on the Cross derives from Docetism” (p. 153). The English language Wikipedia site devotes a section of the article “Docetism” (as of February 2014) to Islam, with the note: “The Qur’an has a docetic or gnostic Christology.”

[28] انظر هذا الحجاج لدى: H. Grégoire الذي يشير إلى أن محمدًا ربما تأثر بـ(المنوفيسيتيين الدوسيتيين). H. Grégoire, “Mahomet et le monophysisme,” Mélanges Charles Diehl (Paris: Leroux, 1930), 1:107-19.

[29] في قصة صَلب عيسى تفاصيل كثيرة، ولكن الآية -وإن كان فيها احتمالات- إلّا أنها ظاهرة في نفي فكرة وقوع الصلب والقتل لسيدنا عيسى. يقول ابن عاشور: «والذي يجب اعتقاده بنصّ القرآن: أن المسيح لم يُقتل، ولا صُلِب، وأن الله رفَعه إليه ونجّاه من طالبيه، وأمّا ما عدا ذلك فالأمر فيه محتمل». يراجع: التحرير والتنوير (6/ 22)، (قسم الترجمات).

[30] ترجمتي، حيث أن Quli Qaraʾi يترجم "توفَّيتني" بشكل مختلف هنا:  “taken me away.”
 On the question of Jesus’ death in the Qurʾān see G.S. Reynolds, “The Muslim Jesus: Dead or Alive?” BSOAS 72 (2009), 237-58.

[31] سورة آل عمران: 156. سورة الأعراف: 158. سورة التوبة: 116. ومواضع أخرى.

[32] حول هذه الرؤية، انظر:
Rudolph, 87. Blachère is more reticent about this idea: “Blachere: “ إذا ما قارنا هذه الآية بالآية 116، نجد أن عقيدة الثالوث التي يُنكر وجودها هنا، تتألف من الإله ويسوع ومريم، التي استبدلت بالروح القدس. لذلك فإن الإدانة التي وجهها القرآن، تستهدف طائفة مذهبها يعتبر مذهب المسيحية جمعاء. افترض سايوس أنها طائفة تعتقد في التثليث، الذي ربما يكون قد اتخذ بعض أفكار جان فيلوبون (بداية القرن السادس الميلادي)، بشكل مشوه بصورة أو بأخرى. لكن ربما يتوجب التفكير بشكل أكثر بساطة في المكانة المرموقة التي احتلتها مريم، منذ أوائل العصور الوسطى، في عقيدة مسيحي المشرق.

Le Coran (Paris: Besson & Chantemerle, 1957), 144, n. 77 (ad Q 5:77).

[33] The Panarion of Epiphamius of Salamis, trans. F. Williams (Leiden: Brill, 1994), 621. Epiphanius adds (VI:2,2), “The speculation is entirely feminine, and the malady of the deluded Eve all over again.”

[34] يقول زويمير (ص306-7): «المثال الأكثر صراحة هو مثال الفطائريين، في القرن الرابع، الذين يصرون على الفكرة الوثنية لعبادة مريم. يقدّمون الخبز للعذراء المقدّسة، كما في العصور الوثنية لسيريس». أيضًا الباحث اليهودي غوستاف ويل لديه وجهة نظر مماثلة حول الفطائريين: «اجتاحت العديدُ من الهرطقات التي تتعلّق بالثالوث والمسيح وعبادة القديسين والصور وأخطاء عن الروح في المستقبل وما إلى ذلك =الكنيسةَ في تلك البلد تمامًا، مما يصعب القول بوجود شيء من الحقيقة فيها. وعلى الأخصّ عبادة مريم كأُمّ الإله، التي اعتبرها المريميون إلهةً، والتي قدّم لها الفطائريون الأضحيات على الملأ، وكانت تلك الممارسة العامة في البيئة المحيطة بمحمد».

G. Weil, The Bible, the Koran, and the Talmud or Biblical Legends of the Musselmans (New York: Harper, 1846, 256). Cf. also Parrinder, 135.

[35] Bell, 20.

[36] «ليس هناك ما يشير إلى أن هؤلاء الناس اعتبروا مريمَ جزءًا من الثالوث، أو أنهم اعتبروها صاحبة لله. علاوة على ذلك، ونظرًا لعدم وجود صلة بين هؤلاء النساء و(المسيحية اليهودية)، فإن الموضعة الافتراضية للفطائريين في القرن السابع الميلادي في الحجاز لا تساعدنا في كشف هوية نصارى القرآن؛ لذلك، أودّ أن أتبع مسارًا مختلفًا، يؤدي مباشرةً إلى الناصريين من أصحاب الهرطقات المسيحية».

“Naṣrānī and Ḥanīf: Studies on the religious vocabulary of Christianity and Islam.” BSOAS 65 (2004) (1-30), 14.

[37] بخصوص هذه النقطة، فأنا مدين للبروفيسور ديفين ستيوارت بإطلاعي على ورقته:

 “Poetic License and the Qur’anic Names of Hell: The Treatment of Cognate Substitution in al-Rāghib al-Iṣfahānī’s Qur’anic Lexicon.”

المؤلف

جبريل سعيد رينولدز - Gabriel Said Reynolds

أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة نوتردام الأمريكية.
مهتم بدراسة القرآن في سياقه التاريخي، وكذا بدراسة العلاقات بين القرآن والكتاب المقدس، وكتَب وحرّر عددًا من الكتب والبحوث في هذا السياق.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))