مصاحف الأمويين: نظرة أولية، لفرنسوا ديروش

كتاب (مصاحف الأمويين) للفرنسي ذي الشهرة الواسعة في المخطوطات القرآنية فرنسوا ديروش؛ من أهم الكتب المعاصرة حول المخطوطات القرآنية المبكّرة، في هذا المقال يقدّم دتون -الخبير كذلك بالمخطوطات القرآنية- إطلالة عامّة على محتويات كتاب ديروش وأهم مفاصله، كما يعلّق على بعض مساحاته.

  يهدف هذا الكتاب -كما يوحي عنوانه- إلى تقديم لمحة عامّة عن المخطوطات القرآنية اللاتي أُنتجت خلال العصر الأموي، أي: خلال القرن الأول من تدوين القرآن وحضوره كوثيقة مكتوبة.

تتيح مقدمة الكتاب تلخيصًا للخطوط العريضة والمواضيع الرئيسة التي سيتم تناولها، مع التركيز بشكلٍ خاصٍّ على مسألة التأريخ؛ بمعنى آخر، كيف يكون المرءُ واثقًا مِن أنّ مخطوطة كتابيّة ما تنتمي فعلًا للعصر الأموي، وحيث إنّ الهوامش غالبًا ما تكون غير موجودة، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوريقات الأولى والأخيرة من المخطوطات عادة ما تكون مفقودة، فإنّ المرء بصدد البحث عن علامات توضيحية أخرى للاعتماد عليها، مثل: علم المخطوطات القديمة، فقه اللغة، تاريخ الفنّ، والتأريخ باستخدام تقنية الكربون المُشِعّ. وقد كانت إحدى إنجازات ديروش العظيمة على مرّ السنين أنه قدَّم تقسيمًا زمنيًّا للمخطوطات المتعلقة بتلك الحقبة، وهو ما انعكس على عمله الحالي.

ففي الفصل الأول: يتناول ديروش[1] (نسخ القرآن في بواكير الحقبة الأموية): أقدم مجموعة مخطوطات قرآنية (The codex Parisino-petropolitanus). ويركّز الفصل على واحدة من أوائل المخطوطات الأموية، إن لم تكن الأولى على الإطلاق، والتي تم الاحتفاظ بمعظم أجزائها في باريس (BNF 328a and bوسان بطرسبرج (NLR Marcel 18).

فيما يتناول الفصل الثاني: (كتابة القرآن الكريم في مخطوطة حجازية (بالخط الحجازي) - تقييم عام)، ويتأمّل فيه ديروش المصاحفَ الحجازية، والتي تسهم في فهم القواعد التاريخية لإنتاج المخطوطات القرآنية، ومن بين المخطوطات الواردة يقف ديروش على ذكر ثلاث منهن باهتمام: واحدة محفوظة الآن في إستانبول (TIEM, S¸E 118)، وواحدة في لندن (BL Or. 2165)، والثالثة في سان بطرسبرج (NLR Marcel 19). كما يذكر في مناقشته مخطوطات أخريات في صنعاء والقيروان. يشير المظهر العام لهذه المخطوطات -ولا سيما أسلوب الكتابة اليدوية- إلى أقدم مجموعة مخطوطات قرآنية[2](The codex Parisino-petropolitanus)، والتي تتطابق مع التقاليد الخطيّة لكتابة المخطوطات في الفترة الأولى، بل ولربما تعود تلك المخطوطات إلى ما قبل الربع الأخير من القرن الأول (أي: قبل عام 695)، في عهد عبد الملك بن مروان (ص73).

بينما يتناول الفصل الثالث: (تغيُّر شكل المصحف)، حيث يدرس ديروش بشكل خاص مخطوطتين كبيرتين عاموديتي التنسيق، وهو ما يوضح مرحلة لاحقة من تطوّر ضبط وتشكيل القرآن الكريم وإنتاج المخطوطات، هاتان المخطوطتان يذكرهن ديروش على التوالي على أنهن «مخطوطات دمشق الأموية»، واحدة الآن محفوظة في إسطنبول (TIEM، S¸E 321)، والأخرى (المخطوطة الأموية للفسطاط)، وهي الآن محفوظة في سان بطرسبرج (NRL, Marcel 11, 13 and 15) وباريس (BNF Arabe 330 c).

في كلتا الحالتين، تحتوي المخطوطات على تصميم (عامودي) أكثر بكثير من المخطوطات المتعلقة بـ(Codex Parisino-petropolitanus)، والأهم من ذلك أن المخطوطتين تظهران دوائر زخرفية واضحة جدًّا في الصفحات بين السّور، وتتميز تلك الزخارف بشكلٍ خاصٍّ -وليس بشكلٍ حصريّ- على أنها لأنماط نباتية وأوراق منمنمة، وأنماط معمارية وخانات منمنمة؛ وبِسِمَات كتلك السّمات، نستطيع حتى اليوم تأريخ تلك المخطوطات للعصر الأموي، بمقارنتها بالفنون المعروفة التي سادت تلك الفترة. وبشكلٍ خاصٍّ، يرى ديروش أن هذه المخطوطات الجديدة تُظهر تغيّرًا جذريًّا في مفهوم المصحف؛ مما يعكس محاولة الأمويين السيطرة على النصّ الذي يحاولون تطبيقه في نفس الوقت الذي يمثّلون فيه نوعًا من التغيير الجمالي والتغيير بدافع إيديولوجي (ص101)، حيث «صار المصحف الجديد، الذي أنتج في نهاية المطاف برعاية رسمية، يتحدى الكتاب المقدّس المسيحي الفاخر من خلال مظهره» (ص101).

بالوصول إلى الفصل الرابع: (المنسخ الإمبراطوري؟)، يعتقد ديروش أن هناك مخطوطتين كبيرتين حققتَا درجة معيّنة من الشهرة بين المتخصصين: واحدة منهم هي تلك الضخمة التي تم الاحتفاظ بها في دبلن (Chester Beatty Library، Is. 1404)، والأخرى الأقلّ حجمًا، ولكن ربما كانت معروفة بشكلٍ أفضل، هي تلك التي أشار إليها ديروش باسم (المخطوطة الأموية في صنعاء)، وهي محفوظة في صنعاء (DAM، Inv. 20-33،1)، هذه القطعة الأخيرة هي التي يشتهر غلافها بمنظر لمسجد بسيط، مع درج يصل إلى مدخله، فيما يكتمل الديكور الداخلي بأعمدة، وأقواس وثريات، وحديقة صغيرة بها بعض الأشجار في الخلف. وبشكلٍ أكثر تحديدًا من حيث التأريخ، فإن ديروش يرى بشكلٍ لا لَبْسَ فيه: «أنّ كلًّا من نسخة صنعاء ومخطوطة دبلن قد تم إنتاجهما خلال العقود الأولى من القرن الثامن، تحت حكم الأمويين وربما في سياق رسمي» (ص118). في هذه المرحلة من إنتاج المخطوطات الأموية، كان الاهتمام بمظهر الكتاب المقدّس قد انعكس على المصحف من الداخل والخارج؛ فالمظهر الخارجي العام (يجب أن يكون المصحف كتابًا كبيرًا)، ومظهر النصّ (يجب أن يكون المصحف كتابًا جميلًا)؛ وبذلك كان قد نشأ للكتاب ثقافة حقيقية» (ص118).

فيما تلخّص الخاتمة التوجه الرئيس للعمل، وهو أنّ العديد من المخطوطات يمكن -بل ويجب- أن تُعْزَى إلى العصر الأموي، وأنه خلال تلك الفترة يُلاحظ وجود اثنتين من التقسيمات الرئيسة: فترة نشطة فيما قبل عبد الملك، وتتميّز بنسخٍ أقلّ تطورًا ومنها مخطوطات، مثل: Codex Parisino-petropolitanus. وفترة نشطة أتت فيما بعد عبد الملك، وتتميز بأسلوب أكثر توحيدًا في الكتابة بخطّ اليد وكثير من الإضاءة. أو كما يقول ديروش: «على الأرجح أنّ هناك تغييرًا قد حدث في عهد عبد الملك (من 65/685 إلى 86/705)، وقد حُسب فيها حساب (مشروع مصاحف) الحجاج (بين 84/703 و85/704)، وتعكس تلك التغيّرات قلقَ الأمويين وتدخّلهم في النصّ القرآني، ومن الواضح أن التدخّل كان له هدفان، الأول: هو تحقيق أكبر قدر من النظاميّة[3]. والثاني: هو دعم هيبة الأسرة الحاكمة» (ص139).

وهذا الأمر -كما يلاحظ ديروش- لا يَحُول دون الرجوع لنسخ القرآن السابقة للأمويين: «إنه ببساطة -في نظره وبكلّ المقاييس- ليس لدينا حجة قوية -سواء كانت مادية أو نصيّة- لننسب إلى هذه الفترة أيًّا من المخطوطات أو الأجزاء المعروفة لنا حاليًا» (ص136). وحتى قبل عقد من الزمان، فإنني أتذكّر أنّ مؤلف العمل الذي أُعَقِّب عليه الآن يكره إعطاء تاريخ (مبكر) لأيّ مخطوطة قرآنية، وهذا اليقين من إسناد المخطوطات إلى الفترة الأموية هو توضيح مرحَّبٌ به جدًّا للموقف.

المخطوطات المذكورة أعلاه هي فقط الأبرز ضمن مصفوفة رائعة من بيانات المخطوطة المقدّمة من قِبَلِ المؤلف في هذا العمل، ويتم تشجيع القارئ النّهم بالنظر لتلك البيانات بعين الاهتمام الذي تستحقّه، ومع ذلك هناك مساحة أو مساحتان لا بد أن أختلف فيهما مع المؤلف -أو على الأقلّ أقترح تعديلًا على ما يطرحه- فيما يتعلق بالاستنتاجات المستقاة من بعض هذه البيانات الخاصّة بالمخطوطة؛ ففيما يتعلق بترقيم الآيات وتقسيم الآية، على سبيل المثال، يشير ديروش إلى عدد من العيوب بين (مخطوطة Parisino-petropolitanus) ونهايات الآيات المذكورة في الأدبيات، والتي تعتبر قاعدة يُقاس عليها هذا الموضوع، وهذا -على حدّ قوله- يشير إلى «نوع من التحرير/التعديل الذي حدث للنصّ عندما تمّ تضمين شذرات الوحي في أجزاء أكبر من النصّ» (ص29).

ومن الواضح أنّ بعض «التحرير» قد تَمّ بالفعل، إذا اعتبرنا تعديلات ترسيم نهاية الآية نوعًا من التحرير، ولكن ينبغي أيضًا الاعتراف بأن نهايات الآيات ليست حقيقة صارمة، فحتى في المصاحف الحديثة يجد المرء العديد من الحالات التي يتم فيها تضمين فواصل محتملة، مثال ذلك، كلمة: (حسن/hasan - good)، والتي تُعلَّم بشكل (ḥāʾ) (مثل رواية قالون عن نافع)، أو استخدام (چ) اختصارًا لـ(چائز) (مثل رواية حفص). كما نجد أدبيات (تقليديّة) كاملة من الكتب عن الوقف، والتي تعني أنه قد يكون من الضروري، أو الجيد، أو الممكن، أو المحظور؛ أن يتوقف المرء عند التلاوة.

بالنظر إلى أحد الأمثلة على ذلك، هناك كتاب الوقف والابتداء لابن الأنباري (المتوفى 328 هجرية/939 ميلادية)، فمن الواضح أن كلّ الأمثلة التي ذكرها ديروش في هذا السياق (انظر ص9 - 28) هي في الواقع حالات غامضة، حيث يمكن اعتبار مكان الوقف المحتمل جيدًا (وقف حسن) أو أكثر تحديدًا من ذلك (وقف تام - نهاية كاملة للآية). باختصار، هناك الكثير من الجهد الذي يتعيّن القيام به بشأن مسألة نهايات الآيات وترسيمها، والتي تحتاج -كغيرها من الدراسات المتعلّقة بالمخطوطات القرآنية المبكّرة- إلى «دراسة شاملة» (ص61، ن. 82)، دراسة تتميز «بالصبر والحذر» المطلوب (ص8).

ويشعر المرء إزاء فهم ديروش، لاهتمام عثمان بن عفان بالوقوف على نصّ موحّد يمنع المسلمين من التقاتل حول كتبهم المقدّسة بنفس الطريقة التي قام بها اليهود والمسيحيون، أنه فهمٌ محدودٌ نوعًا ما. يقول ديروش: «مع وجودِ عددٍ قليلٍ جدًّا من علامات التشكيل، وحروف العلّة والضوابط اللفظية، فإنّ النصّ لم يكن يقدّم الحلّ الذي يرمي إليه عثمان وفقًا للتقليد الإسلامي». بالإضافة إلى ذلك، فإن التهجية المختلفة الصغيرة غير (القانونية)[4] وخصائص تقسيم النصّ إلى آيات توحي أنه في الوقت الذي تم فيه نسخ المخطوطة لم يكن الانقسام حول الآيات قد تمّت معالجته، بالرغم من أن مخطوطة (Parisino-petropolitanus) في حدّ ذاتها هي دليل أنّ الجزء من النصّ الديني المقابل لمحتويات المخطوطة هناك متوافق معها بطريقة أكثر دقة» (ص35).

ويبدو لي أنّ المسألة تدور حول درجة الاختلافات الرئيسة، مثل تلك التي وردت في الأدبيّات التقليدية الإسلامية، وقد تنطوي على المرادفات أو تبديل بعض الكلمات في جملة، أو الاختلافات التي تنطوي على إضافة أو إغفال أجزاء كبيرة من النصّ؛ مثل آية أو حتى سورة- لم تعد تُعتبر مثل الاختلافات الطفيفة، على الرغم من أن كليهما كان له سلطة أوّلية من النبيّ (الآية والسورة)[5].

ولم تستطع نسخة عثمان من المصحف أن تُلِمّ بكلّ التفاصيل التي ترنو إليها؛ لأن جزءًا من التجربة الجماعية للقراءات هو أن تسمح باختلافات طفيفة وهو ما كان يدركه عثمان إدراكًا كاملًا. وكما هو واضح في نسخة عثمان، أن النُّساخ لم يميّزوا بين الحروف الساكنة، رغم أننا نعرف من نسخة بردية واحدة على الأقلّ أن التمييز كان متاحًا في وقت مبكّر من تلك الفترة، وهذا هو المصدر (Alan Jones, ‘PERF 558’, Islamic Culture, 73:4 (1998), pp. 95–103)، عوضًا عن ذلك، يجب على المرء أن يفترض أن قلق عثمان كان يتعلّق بالاختلافات الرئيسة في النصّ، والتي قد تسبب -بل قد سببت في الواقع- حالة جدل. ويبدو أن هذه النصوص قد تم استبعادها فعليًّا من النصّ الحالي، وقد بقيت فقط من خلال ذكريات الفترة الباكرة، حين تمّت الإشارة إليها في المقام الأول في كتب متخصّصة حول هذا الموضوع، خلاف ذلك، فإنّ التقليد المستمر حتى الآن هو الاتفاق على قراءات مختلفة، وهو ما عرف بالقراءات السبع المعروفة جيّدًا فيما بعد، ولكن بأيّ حال من الأحوال صارت تلك القراءات مقيّدة بهم؛ لذلك يمكن القول: إنّ عثمان نجح في تحقيق هدفه.

في مقدمته، يشير ديروش إلى أن الكتاب الحالي يهدف إلى «توفير معلومات جديدة ورؤى جديدة حول تاريخ المصحف خلال العصر الأموي» (ص15). وبالتأكيد يفعل الكتاب ذلك وأكثر، بل وينبغي أن يوصَى به لجميع المهتمين بالمخطوطات القرآنية المبكّرة.

 

 

 


[1] فرانسوا ديروش François Déroche -1952 مستشرق فرنسي، متخصص في دراسة المخطوطات القديمة codicologie، والباليوغرافيا، أي: علم قراءة النصوص القديمة paléographie.
حصل على شهادة التبريز في الآداب القديمة سنة 1976م، ثم على دبلوم الدراسات المعمّقة في علم المصريات égyptologie سنة 1978م.
تولَّى ديروش التدريس في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية بإستانبول بين سنتي 1983م و1986م، ليُستدعى بعدها إلى سويسرا من أجل منحة عملٍ ضمن فريق علمي في مؤسسة ماكس فان برشمان Max van Berchem Foundation بجنيف من 1986م إلى غاية 1988م.
ولدى عودته إلى فرنسا، زاول عمله بصفته مديرًا للدراسات بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا، في قسم العصور القديمة والمخطوطات العربية بدءًا من سنة 1990م.
ومنذ عام 2015 فهو أستاذ كرسيّ تاريخ القرآن، بالمكتبة الوطنية بباريس.

من أهم أعماله:
1983م: دليل المخطوطات العربية:
Cataloguedes manuscrits arabes, fascicules 1 et 2, Bibliothèque nationale (France), département des manuscrits, Bibliothèque nationale.
2004م: الكتاب العربي المخطوط: مقدمات تاريخية:
Le Livre manuscrit arabe : Préludes à une histoire, Bibliothèque nationale de France, impr.
2004- 2009م: القرآن، ضمن سلسلة: ماذا أعرف؟
Le Coran, Que sais-je ?, PUF.
2009: النقل الكتابي للقرآن في بدايات الإسلام (المخطوط الباريزينو- بتروبوليتانوس):
La transmission écrite du Coran dans les débuts de l'islam. Le codex Parisino-petropolitanus, Brill
2016م: الصوتُ والقلمُ:
La Voix et le Calame, Fayard.
Qur’ans of the Umayyads: A First Overview، قرآن الأمويين، نظرة أولية، 2013، وهو الكتاب الذي يعرضه ياسين دتون هاهنا. (قسم الترجمات).

[2] كنا قد نشرنا لديروش مقالة بعنوان: (ضبط الكتابة - حول بعض خصائص مصاحف الفترة الأموية)، ترجمة: مصطفى أعسو، وهي ضمن ملف (الاتجاه التنقيحي)، على هذا الرابط: tafsir.net/translation/9 (قسم الترجمات).

[3] التدخل الأموي في النصّ، والذي يشير إليه دتون، هو تدخّل لا يمسّ صلبَ النصّ بالطبع، بل إنه تدخّل في سياقِ تسهيل مقروئية النصّ، بالنّقط والضبط والشّكْل وربّما العدّ والتحزيب، حيث إنّ صلب النصّ كان موثقًا ومتلوًّا ومعروفًا ومتلقًّى من قِبَل الأمّة بالفعل قبل هذه التدخلات الأموية، (قسم الترجمات).

[4] استخدم الكاتب هنا لفظة (non-canonical)، واللفظة -كما نعلم- مأخوذة من التاريخ الكنسي؛ حيث تطلق في سياق عملية اختيار وإعطاء السلطة والمرجعية والقدَاسة لعددٍ محدّدٍ من النصوص الإنجيلية وحرمان أخرى منها، وهو ما انقسمت على إثره الأناجيل لأناجيل قانونية وأخرى غير قانونية، وهو ما تم في مجمع نيقية عام 325م. وربما يكون استخدام هذا المصطلح هنا ليس دقيقًا؛ حيث لا يمكن مقارنة الاختلاف بين الأناجيل والذي يصل لدرجة إضافات/حذوفات لمراحل واسعة في تاريخ المسيح بالاختلاف في رسم آية أو تهجئة كلمة، كذلك فقد أثارت المستشرقة الألمانية أنجيليكا نويفرت تفريقًا لطيفًا بين القوننة والجمع، حيث اعتبرت أنّ القوننة مرتبطة أصلًا بالسلطة والمرجعية، وهي الحاصلة داخل القرآن منذ البداية حيث يؤسّس نفسه كمرجع للأمة، أما الجمع اللاحق فتم لسياقات أخرى لا علاقة لها بهذه السلطة والمرجعية الحاصلة بالفعل للنصّ، بل إنّ الجمع يفترضه هذه السلطة ذاتها، انظر: القرآن في محيطه التاريخي، إعداد: جبريل سعيد رينولدز، ترجمة: سعد الله سعدي، دار الجمل، كولونيا، بغداد، ط1، 2012، دراسة لفرد دونر بعنوان: (القرآن في أحدث البحوث الأكاديمية: تحديات وأمنيات)، ص76. (قسم الترجمات).

[5] نظنّ أنه لا بد من التّفريق بين نوعي الاختلافات، هذين اللذَين يذكرهما دتون، حيث إن الاختلاف المضموني الواقع في بعض الآي أو في بعض الكلمات هو اختلاف في الرسم واللهجات وطرق الأداء، وبالتالي ليس خلافًا بالفعل كما يقول دتون، أما الاختلاف في بعض السور، وجودها أو عدم وجودها، فهو راجع لطبيعة تنزّل القرآن منجمًا في فترة طويلة، ثلاثة وعشرين عامًا، كذلك لوقوع النسخ فيه، وكذا لوضعية الصحابة من هذا التنزّل قُربًا وبُعدًا، حيث يصير طبيعيًّا أن يغيب عن بعضهم بعض السّور أو الآي؛ خصوصًا أنه ليس الجميع قد حضر العرضة الأخيرة للقرآن، وهذا الاختلاف هو اختلاف مرفوع، بمعنى أنه يمكن رفعه بوضع معايير لقبول القرآن وببحث صلة الصحابة من النزول، وهو ما قامت به لجنة عثمان. (قسم الترجمات).

المؤلف

ياسين دتون - Yasin Dutton

أستاذ مشارك بكلية اللغات والآداب بجامعة كيب تاون-قسم اللغة العربية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))