عرض كتاب
قصص الأنبياء للثعلبي: الفتنة والمسؤولية والخسارة
ماريانا كلار
قصص الأنبياء للثعلبي: الفتنة والمسؤولية والخسارة
يُعَدّ كتاب (قصص الأنبياء) للثعلبي من الإنجازات البارزة في قرون الإسلام الوسطى، فهو تحفة أدبية ودينية عريقة، وأقرب ما يكون إلى أكثر الكتب الإسلامية مبيعًا في القرون الإسلامية الوسطى.
اشتهر ذلك الكتاب منذ يوم تأليفه في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي وحتى الآن، وتنتشر مخطوطاته العديدة في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومنذ صدرتْ له أُولى الطبعات في بواكير تاريخ الطباعة العربية، لا يكاد يمرّ عام دون إصدار طبعة جديدة. وقد تمّت ترجمته إلى جميع اللغات الإسلامية الرئيسة، وهو متاح الآن بالكامل باللغات الفرنسية والألمانية والإنجليزية، وإنّ تعدّدَ لغات الترجمة شرفٌ نادر لنصّ من مجال الدراسات الإسلامية، لا تحظَى به إلّا تحفٌ نفيسة معدودة من مصنّفات الأدب والفلسفة الإسلامية. ويعود الفضل حقيقة في توافر تلك الترجمات الأوروبية الثلاث إلى رواج الكتاب بين المستعرِبين وعلماء الدراسات الإسلامية في الغرب؛ ولذلك يمكن أنْ نقول: إنّ دوافع ترجمة مثل هذا العمل الكبير هي من نوع كدح المُحبّ. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام عمل الثعلبي أيضًا في العديد من الدراسات العِلْمية؛ مما جعله مرجعًا راسخًا في هذا المجال. وكان يتوقّع في ضوء كلّ تلك المميزات أن يوجد عددٌ كبيرٌ من الدراسات حول هذا العمل، لكن الحاصل غير ذلك. ولهذا يظلّ لغز سلطان هذا العمل على نفوس قرّائه -من المؤمنين وغير المؤمنين- على مدى 1200 عام قائمًا حتى الآن.
إلا أنّ اللُّغْز الحقيقي هو: لماذا لا توجد دراسة لهذا العمل حتى الآن؟ وهو بهذا يقع على النقيض التامّ من موقع سلسلة (حكايات ألف ليلة وليلة) المتداولة في آفاق الغرب، والتي لم تفتقر أبدًا للاهتمام الأكاديمي. لا يمكن عزو ذلك لعدم ملاحظة الباحثين أهمية كتاب الثعلبي، غير أنّ المناقشات التي عُقدت بالفعل حول هذا العمل إمّا أنها كانت عادة تُطوى في ثنايا الأطروحات (تتبادر إلى الذّهن هنا أطروحة ناجل عام 1967 بالألمانية) أو يُشار لها باختصار عابر أثناء استقصاء أعمّ لقضايا أخرى (شيطنة جاكوب لاسنر لملكة سبأ هو مثال على تلك المعالجة). علاوة على ذلك، ولسوء الطالع، فحتى مقدّمات الترجمات الأوروبية للعمل مخيِّبَة للآمال إلى حدٍّ كبير. فقد أصدر روبرتو توتولي[4] مؤخرًا عددًا من الدراسات الممتازة حول جوانب مختلفة من قصص الأنبياء باللغة الإيطالية، ومع ذلك فإنّ أحد أكثر الأعمال استخدامًا في مجال الدراسات الإسلامية لم يَصِرْ بعد محور دراسة. أمّا الآن، فبالتوازي مع ترجمة قصص الأنبياء للثعلبي، صارتْ لدينا دراسة تملأ واحدة من أكثر الثّغرات المأسوف عليها؛ ومن حُسْن حظّنا أنها كانت تستحقّ الانتظار.
بحث كلار الجديد عبارة عن دراسة بارعة لعمل مترامي الأطراف، توضح أخيرًا سرّ أثر هذا العمل على عدد لا يُحْصى من القرّاء. إنه تحليل واضح ومتبحّر وثاقب لأربع قصص رئيسة مأخوذة من «قصص الأنبياء»: (أيوب)، و(طالوت)، و(داود)، و(نوح). وأولئك الذين يتوقون للاطلاع على دراسة تناقش هذه القصص بردّ أصولها لأسلافها اليهودية والمسيحية (وهذا هو التوجّه المعتاد لهذا النوع من المواد في الدراسات الإسلامية) سيصابون بخيبة أمل: فاللفتة في هذه الدراسة أنها أدبية ومتعدّدة التخصّصات، توجّه دفّة الانتباه جهة معنى وبنية تلك الأساطير. تعالج كلار نصَّ العصور الوسطى بمنهج تحليلي منعش بجلاء، يقارب القصص بوصفها إنتاجات أدبية كاملة ومستقلّة وذات معنى، وتُصِرّ أثناء ذلك على (حداثة) النصوص. ومع ذلك، لا تفتقر دراستها إلى النهج المقارن، بل على العكس تضع قصص الثعلبي في مصفوفة التقليد الإسلامي لسرد الحكايات والروايات التاريخية عن العالم وحقل (قصص الأنبياء)، وتقابلها باستمرار في تحليلها بروايات أخرى مماثلة من مختلف الحقول.
في المقدّمة، تُورِد كلار تاريخ نشر (قصص الأنبياء) للثعلبي، وقيمة طبعاته المختلفة، والمخطوطات المتوافرة في المكتبات الأوروبية. إلى جانب النسخة المطبوعة (بيروت- ط. 1985)، تستخدم كلار نموذج مخطوطة (عملية بحث المكتبة البريطانية 1494، إحدى أقدم النسخ المتاحة ومحلّ ثقة، يُشار لها في ص18 بمخطوطة المكتبة البريطانية 1119، وهو التاريخ الموجود في بيانات النَّسْخ، انظر: ص2). وما لم يكن عندنا طبعة نقديّة لعمل معيّن، فلا خيار أمام علماء الدراسات الإسلامية سوى اتباع كلار في نهجها؛ تُعتبر المخطوطة الشاهدة على العمل المطبوع ضرورية عند إجراء تحقيق علمي. تأتي المفاجأة الأولى للقارئ بالكلمة الثانية من الجملة الأولى: «عالم الدِّين الناطق بالفارسية أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي...». تلفت كلار انتباه القارئ إلى تعقيد بيئة نيسابور في القرون الوسطى التي ترعرع فيها الثعلبي: كانت مدينة ناطقة بالفارسية تَعجّ بكبار علماء المستعربين في العالم الإسلامي (درس الثعلبي مع الأزهري، أشهر مؤلِّفي المعاجم في تاريخ اللغة العربية). المقدّمة بأكملها مليئة بمثل هذه الكتابة الحاسمة غير المتكلفة بل المتعمّقة في محاولتها لتأسيس نهج بحث أكاديمي لهذه الشخصية. وعلى هذا المنوال تمضي كلار في بيان تأثير وأهمية عمل الثعلبي؛ فذكرَتْ أنه تُرجم إلى جميع اللغات الإسلامية الرئيسة: (الفارسية، والتركية، والتترية)، وثلاث لغات أوروبية، وأنّ هذا العمل فريد من نوعه حتى غدَا النموذج الأصلي الأكثر شهرة في المجال. ثم خصّصت بقية المقدّمة لمناقشة الجوانب الخمسة لنهجها في دراسة قصص الثعلبي؛ الأول: هو أنها أدبيّة، وبالتالي فالاعتبارات السردية لا الدينية هي التي تدفعها إلى فهم تلك القصص. ثانيًا: أنها متعدّدة الجوانب، وتتبع نهجًا «بَعْدَ بنيوي» مفتوح النهاية لا يتعصّب ضد أيّة قراءة في فهم القصص. ثالثًا: تتخذ الدراسة منطلق الجانب التحليلي النفسي، من حيث إنها تركّز على «المحتوى العاطفي الكامن لمواد الثعلبي، وتُحْجِم عن الإيحاء بأنّ أيًّا من هذه التفسيرات قد تم التعبير عنه بوعي من قبل مؤلّفنا/ الجامع». والأساس الرابع لنهجها التحليلي للمادة هو وضع الإسلام في سياق يتجنّب منهج المعالجة المعتاد لهذه المادة التي -كما ذكرنا سابقًا- تصِرّ على فهم هذه القصص بردّها إلى نظائرها اليهودية والمسيحية. وختامًا فآخر ما يتميّز به نهج كلار هو أنه ليس معنيًّا بمنهج خَطِّي تاريخي لتطوير السّرد بقدر ما يسعى لمحاولة فهم الفنية وراء الروايات المختلفة للقصة وما كانت ترمي إليه باعتبارها تراكيب أدبية.
في الفصل الثاني بعنوان: (المصادر والأرقام)، تقدِّم كلار القصص الأربع أو الأفراد الذين سيكونون مركز دراستها، وتحدّد القصص والمصادر التأريخية الإضافية في العصور الوسطى التي ستعتمد عليها في تحليلها. مؤلفو هذه النصوص الأخرى هم عمارة بن وثيمة (ت: 289/ 902)، الكسائي (الفترة في القرن السادس/ الثاني عشر)، الطبري (ت: 310/ 923)، ابن الأثير (ت: 630/ 1233)، ابن كثير (ت: 774/ 1373)، وأخيرًا ابن عساكر (ت: 571/ 1176). ومن الملاحظ أنّ هذا عدد يَفُوق المألوف في مثل هذه الدراسات؛ والحق أنه إذا أُريد للدراسات أن تتجاوز النهج المجتزأ إلى التفاصيل الكامنة في هذه الأساطير النبوية، فإنها ستحتاج إلى إلقاء شبكتها على نطاق واسع وتجاوز الخريطة المرسومة سلفًا للمؤلِّفين الذين يتم تضمينهم عادةً. وأودّ أن أُسَلّط الضوء على أحد المؤلِّفين الستّة الذين اختارتهم كلار هنا: ابن عساكر؛ إِذْ لم تترك لنا الطبعة الكاملة مؤخّرًا لـ(تاريخ دمشق) أيَّ عذر لعدم اعتماد هذا المرجع الرئيس، أو بالأحرى، العمل الضخم في دراساتنا عن الإسلام في العصور الوسطى. يعكس اختيار كلار هنا النهج الحصيف والدقيق الذي تتبعه في بحثها.
يرسم الفصل الثالث بعنوان: (الأنماط والمنهجية)، أنماطَ التحليل الثلاثة المطبّقة على كلٍّ من القصص الخمس؛ الأول: (الجريمة والعقاب)، الذي يعكس الاعتبارات الأخلاقية الدينية في القصص: الهوس بالخطيئة والاستقامة الأخلاقية. والثاني: (عقدة أوديب) كما يفهمها المحلّل النفسي إريك فروم مع الإشارة المستمرة إلى رؤى فرويد[5]. أخيرًا، في نمط (النظام والفوضى)، تستوحي كلار رؤى من النظرية الأنثروبولوجية فيما يتعلّق بدور القائد الكاريزمي ودوره في الحفاظ على النظام والتوازن في العالم الثقافي لمجتمع معيّن. ويتأثر نهجها في هذا النمط بشكلٍ كبيرٍ برؤى عالم الأنثروبولوجيا رينيه جيرار الذي يتحدّث عن «الأزمة التضحوية» التي يواجهها المجتمع على الدوام، والتي يتم حلّها بالتضحية بكبش فداء أو ضحية بديلة من قِبَل المجتمع[6].
ومع ذلك، فإنّ الجزء الأكبر من الدراسة عن الأنبياء المختارين في فصل مخصّص لكلّ منهم، يتم تناوله من خلال تطبيق مفصّل للخطّة التي وضعتها كلار. فكلّ شخصية يُقَدَّم لها أولًا في قسم يسمى (الروايات)، حيث يتم إعادة سرد القصة كما رواها الثعلبي مع الإشارة باستمرار إلى روايات العلماء الآخرين لنفس القصة، وإبراز أوجه التشابه والاختلاف بين الروايات المختلفة، ومثل هذا العرض لسرد الثعلبي يبرز كلًّا من تفرّده والنهج الذي صاغ به مادته. من بين الشخصيات الأربع التي حلّلتها كلار، أودّ أن أتناول تحليلها لشخصَيْن؛ طالوت، ونوح. تناقش كلار (طالوت) في الفصل الخامس، فتذكر أنّ الأصل القرآني لقصته مقتضب للغاية: فهو يروي قصة طالوت في ستِّ آيات (2: 246- 51)، ومن ثم فمن الواضح أنّ طالوت ليس شخصية مركزية في القرآن (ولم يحضُر كمصدر لسَيْف داود). تجاهَل تقليدُ القصص الإسلامي اللاحق هذه الرواية القرآنية المقتضبة وقدّم لنا سردًا كاملًا لشخصية مأساوية إلى حَدٍّ ما. يوضح تحليل كلار المفصّل لهذه القصة أنّ رواية الثعلبي كانت السرد الأكثر تعقيدًا والأدقّ إخراجًا من بين جميع النُّسَخ التي تم الرجوع إليها. يمكن رؤية هذا الجانب بشكلٍ خاصّ في القسم التحليلي الأخير لقصة الملك طالوت، والذي يتعلّق بـ(النظام والفوضى)، في بؤرة تحليلها لتلك الأسطورة. وهنا تتصدّر قضايا الشرعية والحكم واستقرار النظام السياسي. وفقًا للأفكار التي طرحها جيرار، تتجلّى هشاشة النظام الاجتماعي في السهولة التي يمكن أن ينحدر بها المجتمع إلى الفوضى والغضب القاتل. وحده فعل تضحية بدائي يجمع بين كونه مُزعزعًا بشدّة للاستقرار وقادرًا مع ذلك على ضمان استقرار النظام الاجتماعي، يمكن أن يعيد مجتمعًا هالكًا إلى التوازن.
تقوم كلار بتحليل بارع لانعكاسات قصة طالوت على طبيعة الهياكل السياسية لمجتمعات العصور الوسطى في ضوء هذا النموذج. قصة طالوت كما عرضها الثعلبي هي -حسب قراءتها هنا- حكاية كاملة الأركان عن المعضلات التي يواجهها المجتمع عند محاولة توطيد شرعية الحكم وهياكل السلطة الجديدة. إنها تعيد توجيه نظرنا إلى القضايا الأساسية في عالم الإسلام في العصور الوسطى، حيث كانت قضايا الحكم نفسها -بما في ذلك معاملة العلماء- من محاور اهتمام المجتمع. في الرواية الإسلامية للقصة، اقترف الملك طالوت مذبحة للنُّخبة المثقّفة، فاضطهد عين الطبقة التي كانت تحوز مفاتح أبواب الشرعية والحكم. في بعض الروايات التي تمّت دراستها هنا يرتبط مصير طالوت ارتباطًا مباشرًا بالجزاء الذي أنزله بالعلماء. ثم تم توسيع ديناميكية أسطورة (طالوت - داود) لتشمل علماء العصر الراهن.
ومع ذلك، فإنّ تحليل كلار للطبقات الأوديبية لقصة طالوت هو الجزء الأكثر جاذبية في هذا القسم. قصة داود وطالوت هي بالطبع لا شيء إن لم تكن أوديبية، والتوتّر (الجنسي والعنيف القاتل على السواء) بين داود وطالوت وبني طالوت، الذين جاؤوا ليلعبوا دورًا رئيسًا في الرواية الإسلامية للقصة، تم تحليله بدقّة. من المثير للاهتمام كذلك حفاظ كلار على تحليل مقارن بين القصص التي تناقشها. وهكذا، فإنّ قصة أيوب التي تم تناولها في الفصل الرابع تؤثّر على بنية سرد قصة طالوت التي تليها مباشرة بعد ذلك. وإنّ عنف طالوت وغضبه القاتل ليسَا مخفيَّين بل واضحَيْن تمامًا (وذلك مثل الجوانب الأوديبية التي يمكن استشفافها في قصة أيوب - كما تحاجج كلار).
الفصل الأخير (السابع) يتناول بالأساس قصة نوح، لكنه في الواقع تحليل مقارن لرواية ثمانية مؤلِّفين: (الثعلبي، المؤلِّفون الستة الذين تمّت مناقشتهم في الفصل الثاني، ومؤلّف كتاب "بحر الفوائد"، وهو عمل فارسي ضمن تصنيف "مرآة الأمراء")، أكثر منه مجرّد تحليل لعرض الثعلبي للقصة. تحليل كلار المحبوك بدقّة لهذه القصة المعقّدة من خلال مناقشة الروايات المختلفة لنفس الأسطورة يجعل هذا الفصل استكشافًا للأعراف السردية الإسلامية، ويصلح كمقدّمة لأدب (قصص الأنبياء) برمّته في عصور الإسلام الوسطى.
في الختام، حظيتْ (قصص الأنبياء) للثعلبي أخيرًا بالاهتمام الذي تستحقه؛ وهو اهتمام في محلّه لأنّ القصص التي تم سردها في هذا الكتاب لعبتْ -ولا تزال تلعب- دورًا مركزيًّا في الخيال الديني لقرّائها المسلمين. جاء عمل كلار ثاقبًا متبحرًا جذّابًا. يقدِّم تحليلُها متعدّد الأوجه لكلّ قصة نظرةً عن كثبٍ لبنية ووظيفة هذه الأساطير، وينهل غُرْفات من مَعِين لا يَنْضَب من قراءات هذه القصص في وسطها الإسلامي. والأساطير التي هي على السواء قصص مغلقة وجزء من تاريخ إسلامي عالمي، قادرة على حمل طيف واسع من الدلالات. والمراجع شاملة، وتتضمّن المصادر الإيطالية (معظمها مقالات توتولي المهملة) وهو أمر نادر في الدراسات الأكاديمية الأنجلو أمريكية.
ولا يفوتنا أن ننوّه إلى أنّ عمل يشعياهو غولدفيلد بالطبع هو الأصل الذي أعاد تركيز اهتمامنا على محورية الثعلبي في الدراسات الإسلامية. فرض غولدفيلد بمفرده الثعلبي على أجندة البحث من خلال تحقيقه الممتاز لمخطوطة مقدّمة الثعلبي. من شخصية ذات وجاهة إلا أنّها مهمّشة في الدراسات الإسلامية، برز الثعلبيُّ باعتباره شخصية مركزية في التاريخ الفكري الإسلامي. ومع دراسة كلار، صار لدينا الآن ثلاث دراسات عن الأعمال الثلاثة التي صمدت من أعمال الثعلبي (قامت بيتي فايسمولر بتحقيق ودراسة كتاب "قتلى القرآن")، وأنا شخصيًّا قمتُ بدراسة عن (الكشف والبيان في تفسير القرآن)، وهو تفسير القرآن للثعلبي تم تحريره في بيروت عام 2002، وهذا المزيج من الدراسات الجديدة يلقي الضوءَ بشكلٍ ملحوظ على تراث الثعلبي الفكري. وإذا شئنا فهمًا أعمق لتاريخ الإسلام الحافل لا بدّ من مثل هذا النوع من الاهتمام بالشخصيات المهمَلة. وتعتبر دراسة كلار -مستقلّة عن هذا السياق- إضافة ممتازة وفي الوقت المناسب إلى مجال الدراسات الإسلامية، والتي ستفتح أيضًا آفاق أدب (قصص الأنبياء) أمام الباحثين من التخصّصات الأخرى.
[1] ماريانا كلار، Marianna Klar: باحثة بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية جامعة لندن، حاصلة على الدكتوراه في الدراسات الشرقية من كلية بيمبروك بجامعة أكسفورد.
مهتمّة بالدراسة الأدبية للقرآن والتفاسير التقليدية، شاركتْ في تحرير عدد من الكتب في هذا السياق، أهم كتبها هو كتابها حول الثعلبي، الذي تعرضه هذه المقالة. (قسم الترجمات).
[2] هذه الترجمة هي لعرض كتاب:
Interpreting al- Thaʿlabī’s Tales of the Prophets: Temptation, Responsibility and Loss. By M.O. Klar.
المنشور في: Journal of Qur’anic Studies في عام 2010م.
[3] ترجم هذه المادة: هدى عبد الرحمن النمر، مترجمة وكاتبة، لها عدد من الأعمال المطبوعة.
[4] روبرتو توتولي (1964-...): مستشرق إيطالي، حصل على شهادته في اللغات الشرقية من جامعة كاليفورنيا، ثم حصل على الدكتوراه من الجامعة العبرية وجامعة نابولي، درس الدراسات الإسلامية في جامعة تورينو، وهو أستاذ الدراسات العليا بجامعة نابولي. تتركّز اهتماماته في الأدب الإسلامي وفي التفسير وقصص الأنبياء التوراتيّين في القرآن، تولّى تحرير عدد من المجلات العلمية، وله عدد من الكتابات حول هذا، أهمها كتابه: (أنبياء الكتاب المقدّس في القرآن وفي الأدب الإسلامي، 2004)، كما شارك في إعداد فهرس للمخطوطات الإسلامية من مجموعة كاهل بقسم الدراسات الشرقية بجامعة تورينو، 2011. (قسم الترجمات).
[5] تعتبر عقدة أوديب أحد مرتكزات النَّظْرة النفسية لسيجموند فرويد؛ حيث يعتبر أنّ الإنسان يحمل رغبة أوّلية في الأم، تكون مكبوتة عبر حضور الأب (القانون)، ويتم النضج عبر تجاوز الرغبة في الأم وإسقاط الرغبة على موضوع آخر، ولا تمثّل عقدة أوديب عند فرويد أساسًا لتفسير الوقائع النفسية الفردية فحسب، بل تتخطّى هذا إلى تفسير تاريخ الحضارة الإنسانية ونشأة الأديان، ويمثل فروم أحد القراء (الإنسانويين) الأكثر شهرة لفرويد، حيث خلَّص عقدة أوديب من الانحصار في الجانب اللذِّي/ الجنسي، ليبرز كونها تتعلق بالصلة بالأم/ الأرض/ الثابت، أي الروابط الأوّلية، وبالتالي يصبح التحرّر من هذه الرغبة هو نُضْج بالمعنى العميق، حيث يمثّل التحرّر من الثابت والأوّلي وخروج من كلّ النزعات التدميرية والتملُّكية، نحو نمط الكينونة، الذي يعني الانفتاح والانطلاق نحو الكلي والمتجاوز، وقد فسّر فرومُ الدينَ التوحيدي من هذا المنظور، حيث يعتبره مقاومة للتوثين الذي يمثّل أحد تمظهرات المكوث في الروابط الأوّلية والتشبث بالميت. للتوسع انظر: الدين والتحليل النفسي، إيريك فروم، ترجمة: فؤاد كامل، مكتبة غريب، القاهرة. (قسم الترجمات).
[6]يعدّ رينيه جيرار واحدًا من أهم الأنثروبولوجيين المعاصرين، وقد قدّم دراسات مهمة حول العنف، وصلته بالمقدّس وبالرغبة مثّلَتْ أحد النتاجات المعاصرة الأكثر أهمية في نقاش هذه القضايا، يعتبر جيرار أنّ ثمة ما يسميه مثلث الرغبة (الراغب- الشيء المرغوب- النموذج المحاكاتي)، وأن محاكاة الرغبة هي مصدر التنافس والصراع البشري والمجتمعي وسبب ظهور ما يسميه (الأزمة التضحوية) التي تُهدِّد المجتمع، وعبر تحليل عددٍ كبيرٍ من الأساطير والقصص الديني والمسرحيات والروايات يصل جيرار لكون الأضحية الدينية هي الوسيلة التي وضعها الدّين لتنظيم العنف البشري، عبر إسقاط إيجاد (بديل أضحوي) يمثّل كبش الفداء للصراعات وبداية لإعادة تنظيم المجتمع، طبّق جيرار فكرته على المسيحية وعلى المسيح كأضحية نهائية، وقد حاول بعض الباحثين تطبيقَ نظرية جيرار في تقديم قراءة لقصة الذبيح في الإسلام ولطقوس الذّبح في الحجّ، ونظرية جيرار موضّحة بالأساس في كتابين: «الكذبة الرومانسية والحقيقة الروائية»، و«العنف والمقدّس». والكتابان مترجمان للعربية؛ ترجم الكتاب الأول: رضوان ظاظا، وصدر عن المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008، والثاني ترجمته: سميرة رشا، وصدر كذلك عن المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009. (قسم الترجمات).