عرض كتاب
منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم؛ دراسة نقديّة
تأليف: د. سامر الرشواني

يُعدُّ كتاب (منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم؛ دراسة نقديّة) من الكتب المهمَّة التي اعتنت بالمعالجة التأصيلية والنقدية لمنهج التفسير الموضوعي، وتأتي هذه المقالة للتعريف بالكتاب ومحتوياته، وتسليط الضوء على كيفية معالجته لقضاياه.

  لا يخفى على متأمِّلٍ مدى عناية علماء المسلمين بكتاب الله تعالى، والتصدي لبيان معانيه، كما لا يخفى ظهور مصطلح (التفسير الموضوعي) الذي كان استجابةً للتطورات التي رافقَت الحقبة الحديثة من تاريخ المسلمين التي كانت بحاجة إلى منهجٍ جديدٍ في التعامل مع النصّ القرآني الذي هو مصدر سعادتهم في الدنيا ومرجع فوزهم في الآخرة؛ ليساعد المسلم على استجلاء نظريات القرآن ومقاصده في شتى الأمور، وقد أسهم هذا المنهج في الكشف عن الكثير من جوانب إعجازه، إن كان على مستوى النظم والبراعة التركيبية أو على مستوى البناء الفكري والفلسفي الكامن في النظم القرآني.

ورغم كثرة ما كُتب في التفسير الموضوعي على الجانب التطبيقي إلّا أن المعالجة التأصيلية والنقدية لهذا المنهج لم تلقَ العناية اللائقة بها، وخلَت مكتبة الدراسات القرآنية من دراسات جادة في هذا المجال سوى بحوث قليلة سدَّت شيئًا من هذا الخلل، إلّا أن الموضوع يحتاج إلى مزيد بحث وتحليل ونقد.

وتأتي هذه المقالة للتعريف بكتاب مهمّ اجتهد في عرض منهج التفسير الموضوعي والتعرض لتأصيله ونقده، مع تسليط الضوء على كيفية معالجته لأهم قضايا الكتاب.

بيانات الكتاب ومحتوياته:

كتاب (منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم؛ دراسة نقدية) للدكتور سامر عبد الرحمن رشواني، أستاذ الدراسات القرآنية والتاريخ الإسلامي الفكري، وقد صدرت طبعته الأولى عام 1430هـ-2009م عن دار الملتقى في 400 صفحة، وأصله رسالة دكتوراه تقدَّم بها المؤلف في كلية دار العلوم بالقاهرة.

قسّم المؤلف كتابه بعد المقدمة إلى مدخل تمهيدي وبابين رئيسين؛ خصّص أحدهما للتفسير الموضوعي للقرآن، والثاني للتفسير الموضوعي للسورة.

المصطلحات الأساسية:

استهدف المدخل التمهيدي بيان المصطلحات الأساسية التي يقوم عليها البحث وتحريرها، وقد اشتمل على ثلاثة مباحث؛ الأول: في تحديد مفهوم التفسير الموضوعي وضبطه بما يميزه عن العلوم القرآنية الأخرى. والثاني: في مصطلح (الموضوعية) ببيان أصوله الفلسفية والأدبية ثم تحديد المقصود به في حقل التفسير. والثالث: في المراد بالمنهج ومعرفة كيفية رسمه وبنائه، وما يميزه عن الأسلوب.

ولا شك أن تناول موضوع (التفسير الموضوعي) والبحث في منهجه وتطوراته يستلزم أول ما يستلزم تحرير المصطلح وضبط دلالاته، وقد اعتنى المؤلف بذلك حيث أفرد له هذا التمهيد.

أمّا (التفسير) فقد ذكر المؤلف أن للعلماء طريقتين في تعريف التفسير وتحديد مفهومه؛ الأولى تُدْخِل في مفهوم التفسير كثيرًا من علوم القرآن، المتعلّق منها بفهم النصّ القرآني مباشرة؛ كالعام والخاصّ والحقيقة والمجاز، أو المتعلّق بأدوات التفسير ووسائله؛ كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، أو المتعلّق بمعارف تدور حول القرآن؛ كعلم القراءة والتجويد أو تاريخ القرآن، فيكون بهذا التعريف مفهوم التفسير محصورًا في علوم محدّدة لا تشمل من علوم القرآن ما كان موجودًا، فضلًا عمّا ستأتي به الأيام.

والثانية تُعْنَى بالمدلول اللغوي، فيكون «التفسير» من الفَسْر، أي: الكشف والبيان، ثم يربط هذا الكشف والبيان بمحله وهو «مراد الله» من كلامه، وهو الحاصل النهائي من العملية التفسيرية والمقصود منها أصلًا، مقيدًا بنسبية الطاقة البشرية ومحدوديتها. ومن التعاريف التي اعتمدت هذه الطريقة تعريف لأبي حيان يحدّد التفسير بأنه: «علم يُبْحَث فيه عن أحوال القرآن من حيث دلالته على مراده بحسب الطاقة البشرية»، وعليه يدخل في مفهوم التفسير كلّ نشاط علمي يتعلق بالقرآن بقصد النظر في معانيه والكشف عن مراد الله من كلامه، مهما كانت طريقة النظر أو منهجه.

وعلى هذا صحَّ عدُّ النظر في التفسير الموضوعي بنوعيه: التفسير الموضوعي للقرآن، والتفسير الموضوعي للسورة -ضربًا من التفسير.

وأمّا (الموضوعية) فقد بيَّن أن المراد بها التركيز على دراسة موضوع معين واستقصاء عناصره والنظر في أبعاده استقصاءً ونظرًا؛ رفعًا للّبس بين هذا المدلول ومدلول عدم التحيز والتخلي عن الأحكام والقرارات المسبّقة في التعامل مع الموضوع المدروس.

وأمّا (المنهج) فقد ذهب المؤلف إلى أنه لم يعرف علماء المسلمين من قبلُ المنهج بمصطلحه الحديث، ولكن كانوا يستخدمونه بمدلوله اللغوي بأنه الطريق الواضح أو أسلوب الشاعر، ولكن المصطلح الذي كان مستخدمًا مرادفًا للمعنى الحديث هو الأصول، وكان مستخدمًا في علوم كثيرة للدلالة على (القواعد الكلية).

التفسير الموضوعي؛ مفهومًا ونشأةً ومنهجًا:

انتقل المؤلف بعد المدخل إلى بابَي الكتاب الرئيسين، وعقد الباب الأول حول التفسير الموضوعي؛ مفهومًا ونشأةً ومنهجًا، وقد جاء في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: للتعريف والتوصيف، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: للنظر في مفهوم التفسير الموضوعي للقرآن وضبطه.

المبحث الثاني: للتمييز بين التفسير الموضوعي للقرآن ومناهج التفسير الأخرى (كالتفسير التحليلي، والتفسير الإجمالي، والتفسير المقارن...).

المبحث الثالث: في أصول التفسير الموضوعي وأسسه، وتعرض فيه للمسائل الآتية: الترتيب الموضوعي وسؤال المشروعية، وحدة النصّ القرآني، أهمية النظر الموضوعي في القرآن الكريم.

الفصل الثاني: وركَّز فيه على نشأة التفسير الموضوعي وتطوره مفهومًا ومنهجًا، وذلك منذ البدايات الأولى للتفسير وحتى عصرنا الحالي، وجاء هذا الفصل في مبحثين:

المبحث الأول: اختص بدراسة النشأة التاريخية للتفسير الموضوعي للقرآن ومناقشة ما ذكره الدارسون من أصول تاريخية له.

المبحث الثاني: تناول الأصول الحديثة لفكرة التفسير الموضوعي للقرآن والتطورات المختلفة التي طرأت على منهجه منذ ظهور الدعوة إليه.

الفصل الثالث: والذي يشكّل جوهر البحث في التفسير الموضوعي للقرآن والغاية من هذه الدراسة، وهو الباب الخاصّ بعرض مشكلة المنهج في التفسير الموضوعي، كما أُضيف إلى ذلك مبحث خاصّ لمعالجة بعض الإشكالات المنهجية المثارة حول التفسير الموضوعي للقرآن؛ من مثل مسألة تداخل الموضوعات القرآنية وأثرها على التفسير الموضوعي للقرآن، وعلاقة التفسير الموضوعي بالسُّنة.

في هذا الباب بعد أن تناول المؤلف عددًا من التعريفات للتعريف الموضوعي خلص إلى أقرب تعريف يطلق على التفسير الموضوعي للقرآن، وهو تعريف عبد الجليل عبد الرحيم أنه: «الكشف الكلي عن مراد الله -عز وجل- في قضية قرآنية بحسب الطاقة البشرية».

واستخلص من هذا المفهوم أن التفسير الموضوعي للقرآن يقوم على عنصرين أساسين:

الأول: الكلية، وهو النظر الكلي المتجاوز بجزئيات الموضوع.

الثاني: القضية أو الموضوع، فالذي يَعني المفسرَ الموضوعيَّ في المحلّ الأول المعاني والأفكارُ المنبثقةُ عن الآيات القرآنية، أمّا الألفاظ أو التراكيب اللفظية فلا تعنيه إلّا بما هي دالة ومرشدة إلى ذلك الفهم الكلي.

وبعد جلاء مفهوم التفسير الموضوعي للقرآن وضبطه انتقل المؤلف إلى بيان التمييز بين التفسير الموضوعي ومناهج التفسير الأخرى (كالتفسير التحليلي، والتفسير الإجمالي،...)، وبعد سَرْد كلّ منهج وبيانه استخلص أن غالب نسبة هذه المناهج للتفسير الموضوعي هي في الأصل نسبة إلى تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو بذرة وأصل في التفسـير الموضوعي في الشكل والأسـلوب العامّ له فحسب.

ثم انتقل إلى مبحثٍ خاصّ بالأصول التاريخية للتفسير الموضوعي للقرآن، والذي نصّ فيه على أن هذا المبحث ليس خاصًّا بالأصول العلمية أو القواعد التي يستند إليها التفسير الموضوعي، وإنما في التطبيقات والكتابات التاريخية التي احتوت بذور هذا العلم ومبادئه، وبعد مناقشة ما ذكره الدارسون من أصول تاريخية له (كالتفسير بالمأثور، التفسير الفقهي،...)، لوحظ أن معظم هذه البذور التاريخية إنما تتصل بتفسير القرآن بالقرآن وتشتبه مع التفسير الموضوعي من ناحية المنهج فقط، أمّا من ناحية المفهوم فقد ظلّت معظمها محصورة في النظرة الجزئية لم يتجاوز للنظرة الكلية.

ثم تعرّض لتطوّر المنهج الموضوعي في التفسير في العصر الحديث، والذي كشف عن سبقِ المستشرقين إلى المنهج الموضوعي في دراسة القرآن الكريم وتطبيقهم له قبل أن تظهر الدعوة إليه عند المسلمين، كما كشف عن كيفية انتقال هذا الاهتمام إلى المسلمين عن طريق مدرسة المنار وأمين الخولي.

ثم ختم هذا النوع بمناقشة سبع قواعد هي جوهر البحث في التفسير الموضوعي للقرآن، وذلك بوضع كلّ ما قيل في منهجه محلّ النظر من أجل الخروج بتصوُّر عما يمكن أن يعدّ من قواعد التفسير الموضوعي، وكيف يستفاد منه، وما الجوانب التي يعتريها النقص وتحتاج إلى مزيد بحوث ودراسات، وهي: اختيار الموضوع، الاستقراء، ترتيب الآيات وتصنيفها، النظر في مناسبات الآيات وملابساتها، الدراسة الدلالية، الدراسة النصيّة، الواقع ومحله في المنهج.

التفسير الموضوعي للسورة:

انتقل المؤلف للباب الثاني، وخصَّصه للحديث حول التفسير الموضوعي للسورة، وجاء في ثلاثة فصول:

الفصل الأول: حدَّد فيه مفهوم التفسير الموضوعي للسورة، وتعرَّض للمصطلحات المتداخلة التي استخدمت للتعبير عن هذا التفسير؛ كمصطلحات: الوحدة الموضوعية، والوحدة النسقية، والوحدة العضوية، وغيرها.

الفصل الثاني: وخصَّصه لرصد التطور التاريخي للنظر في السورة القرآنية، والتصورات التي قيلت عن طبيعة السورة، والمناهج التي وُضعت لدراستها. وذلك في مبحثين: أحدهما لرصد ذلك عند المتقدمين، والآخر لمتابعة جهود المُحْدَثِين.

الفصل الثالث: قصد فيه إلى معالجة القواعد المنهجية التي اعتُمدت في تفسير السورة القرآنية موضوعيًّا، وقد خلص المؤلف بعد عرضِ عدّة تعريفات لأهل العلم لهذا النوع من التفسير الموضوعي إلى اختيار تعريف لها، وهو «النظر الخاصّ في السورة القرآنية من حيث كليتها ونظمها، لا من حيث الدلالة التفصيلية لآياتها».

وفي رصده للتطوّر التاريخي للنظر في السورة القرآنية والتصورات التي قيلت عن طبيعة السورة والمناهج التي وُضعت لدراستها، رأى أن البداية عند المتقدمين في النظر الكلي للسورة أسبق من حاله مع النظر الكلي في التفسير الموضوعي للقرآن، وهذا كان عند الباقلاني والرازي مرورًا بابن تيمية والشاطبي ثم البقاعي.

ثم انتقل إلى معالجة القواعد المنهجية التي اعتُمدت في تفسير السورة القرآنية، وناقش فيها خمس قواعد، هي:
- اسم السورة وعلاقته بمقصودها وعمودها.
- تاريخ نزول السورة والظروف التي أحاطت بها، وما يستفاد من ذلك في الكشف عن العلاقات المعنوية بين المواضيع التي تعرض لها السورة.
- عِلْم المناســبة وعلاقته بالتفسير الموضوعي للسورة، وما يمكن أن يقدّمه للنظر الكلي في السورة.
- النظر في عمود السورة ومقصودها، باعتباره المحور المعنوي الذي يربط بين مختلف المواضيع التي تطرقت لها السورة، وقد تم فيه عرض الوسائل والطرق المساعدة على كشف هذا العمود وبيانه.
- قضايا السورة وكيفية تحديدها وتنظيمها وربطها بعمود السورة، وربطها ببعضها للخروج بالنظام المعنوي للسورة.

الخاتمة:

في ضوء العرض السابق يتبيّن لنا ما قدَّمه كتاب (منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم؛ دراسة نقدية) من دراسة تأصيلية لمنهج التفسير الموضوعي، ومقدار عناية مؤلفه بتحرير المصطلحات المتعلقة بالموضوع، والنظر في الجذور التاريخية وسياق ظهور التفسير الموضوعي، والمعالجة النقدية لكثير من المسائل المتعلقة به، مما يجدر بالمعتنين بهذا الباب من أبواب الدراسات القرآنية أن يُولُوا هذا الكتاب عناية، وأن يضيفوا إليه ما تحتاجه المكتبة الإسلامية من دراسات نظرية نقديّة حول هذا النوع من التفسير، والتي من شأنها أن تقوِّم مساره، وتضبط أُطُرَه ضبطًا يزيد الانتفاع به، ويجنبه ما قد يعتوره من إشكالات علمية ومنهجية.

الكاتب

نورا الشحات عبد العليم

حاصلة على ليسانس تربية - جامعة الإسكندرية، ولها مشاركة في الدراسات القرآنية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))