البدايات المبهمة: بحث جديد حول أصل الإسلام وتاريخه المبكر
وتأتي أهمية هذا العرض تحديدًا للكتاب؛ إِذْ من قام به هو المستشرق البريطاني جيرالد هوتنج وهو تلميذ مباشر لوانسبرو وأحد الأسماء المهمّة على ساحة الاتجاه التنقيحي؛ مما يجعل عرضه للكتاب عرضًا شديد الإفادة على صغر حجمه، خاصّة وأنه لا يكتفي بالإشارة إلى الأبحاث الواردة في الكتاب أو توصيفها، بل إنه يتشابك معها نقديًّا ويقيّم بعض مساحاتها.
نص المقال
هذه المجموعة من المقالات حول التاريخ الغامض والمبكّر للإسلام والقرآن، ليست نتيجة مؤتمر أو ندوة بل دعوات لعلماء مختارين للإسهام[1][2]. ويقول أوليج في مقدمته: إنّ المحرّرَيْن كليهما كان لديهما فكرة عامّة عن الموضوعات التي ستطرح في هذا العمل لكن دون معرفة بالمحتويات التفصيلية. وعليه، وكما هو متوقع، هناك مجموعة متنوعة من الموضوعات والأطروحات والمنهجيات تجلّت في إحدى عشرة مقالة يمكن وصفها بأنها تمثّل -بدرجات متفاوتة- مراجعة منهجية للقرنَيْن الأوَّلَيْن تقريبًا من ظهور الإسلام[3].
ومن حيث التنظيم والنبرة التحريرية، يعكس المجلّد في الغالب أفكارَ مجموعةٍ من ثلاثة علماء ألمان هم: أوليج[4]، كريستوف لكسنبرج[5]، وفولكر بوب[6] (الذي يعدّ إسهامه لأكثر من 100 صفحة هو الأطول في الكتاب). ولكسنبرج -كما يعرف معظم قراء هذه المجلة- اسم مستعار، وكذلك هناك مُسهِم آخر يكتب تحت اسم مستعار هو (ابن الورّاق).
ويتشارك هؤلاء الثلاثة الدعوى القائلة بأن ما أصبح اليوم «الإسلام» قد بدأ كشكلٍ من أشكال المسيحية[7]، وكان يمكن التعرف عليه بشكله هذا في وقتٍ متأخرٍ من نهاية القرن الأول للهجرة، ويجادل بوب بأن الأدلة المكتوبة نقشًا أو المسكوكة على العملات من القرنَيْن الهجريَّيْن الأولَيْن تقدِّم برهانًا على أن الحكام العرب -على الأقل- كانوا مسيحيين حتى بدأت الأمور تتغير في القرن الثاني[8]. في حين يفسر لكسنبرج تشييد عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة الدائرية على أنه مؤيّد لحضور تقليد عربي مسيحي مناهض للأرثوذكسية البيزنطية. هاتان هما أول مقالتين في الكتاب، والأخيرة هي مُحاجَّة أوليج التي تقول: إننا نجد في القرآن الكريم دليلًا قويًّا على شكلٍ شرقيٍّ للمسيحية قبل نيقي[9] يتمسك به العرب، وهو مخالف بشدّة للأشكال الأخرى من المسيحية الشرقية التي كانت قد تطورت بحلول القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، والثاني الهجري/الثامن الميلادي.
ورغم أن هذه الفصول تتحدى بعض الأفكار الراسخة حول الإسلام، إلا أنني لا أشعر أن كوني محافظًا هو السبب الذي جعلني كثيرًا ما أجد تفسير تلك الأدلة غير مقنع ببساطة[10]. على سبيل المثال، يرى بوب أنّ عصرًا عربيًّا جديدًا كان قد بدأ بالفعل في عام 622 ميلادية، إلا أنه بدأ بهزيمة البيزنطيين للفرس في ذلك العام؛ (مما سمح بتطوير نظام حكم عربيّ مستقلّ في بلاد ما بين النهرين) عوضًا عن الهجرة. أضف إلى ذلك، حتى وقتٍ ما في القرن الثاني، كان تقويم هذه الحقبة (كما هو حري مسيحيًّا) هو التقويم الشمسي وليس التقويم القمري. وفي حين أن الأدلة المتعلقة بنظام الحقبة الهجرية بالتأكيد تكون عرضة لتفاسير مختلفة، إلا أنني بقدر ما أرى فإن هناك القليل من الأدلة الملموسة التي تدعم طرح بوب حول تلك المسألة. فحجته هنا تشير بشكلٍ رئيس إلى النقوش اليونانية من الحمامات الموجودة في الحمة السورية/حمة طبريا، وعملة معدنية تم سكّها في دارابجيرد[11]. الدليل الأول -يقصد النقوش- تبدأ بعلامة الصليب وتُحيي ذكرى تجديد الحمامات في عهد معاوية، وهي مؤرّخة (بالسنة الثانية والأربعين عربيًّا/Year 42 of the Arabs)، و(بالثاني من ديسمبر من السنة السادسة للحَوْل الروماني والمعروف بـ (indiction date)ـ [12] ، والتاريخ منذ تأسيس المدينة. يشدد بوب على حقيقة أنه يتحدث عن الحقبة (العربية) وليست (الهجرية)، لكنه لا يلقي بالًا لحقيقة أنّ العام الهجري 42، وفقًا للتقويم القمري، يتطابق فعليًّا مع السنة السادسة من الحَوْل الروماني، في حين أنه إذا تم حسابها على التقويم الشمسي ابتداء من 622 ميلادية (622 + 42 = 664)، فإنه لا يتوافق مع السنة السادسة من الحَوْل الروماني. الدليل الثاني، العملة المسكوكة باسم عبد الملك بن مروان تعود للعام الستين، في حين أن المصادر التاريخية الإسلامية تؤكد أن عبد الملك بن مروان لم يصل للخلافة حتى عام 65. فإذا كان التاريخ الوارد على العملة المعدنية هجريًّا[13]، تكون إما العملة على خطأ أو المصادر الإسلامية. والحلّ أن العامَ ستين هنا يشير إلى حقبة زمنية أخرى، وقد اتفق معظم العلماء على أنه يُشير للحقبة ما بعد الساسانية (حقبة يزدجرد)[14]. ومع ذلك، يرفض بوب هذا، ويقرأ العام ستين على أنه يشير للحقبة العربية وفقًا للنظام الشمسي، وبناء على ذلك يصل إلى أنّ تولِّيَ عبد الملك بن مروان للخلافة كان عام 682 ميلادية (622 + 60). وسط كلّ هذا، لا أستطيع أن أجد أيّ مبرر لرأيه بأن تلك الحقبة كانت شمسية منذ بدايات الهزيمة البيزنطية للفرس في عام 622 ميلادية، أو مراجعته لاحقًا للتسلسل الزمني وترتيب الأحداث في القرن الأول.
عنصرٌ بارز آخر في حجج بوب ولكسنبرج هو أن العبارة المنقوشة على الجانب الداخلي من قبة الصخرة: «محمد عبد الله ورسوله» من الجائز ترجمتها إلى «Praised be the servant of Godand His Messenger» (ممجّد خادم الرب ورسوله)، ومن الممكن فهمها على أنها تشير إلى يسوع[15]. ومرة أخرى، لا يوجد سبب يمنع المرء من التساؤل عمّا إذا كانت كلمة (محمد) المذكورة في المواد المبكرة (على سبيل المثال على العملات المعدنية وفي القرآن) هي بالضرورة إشارة إلى النبي محمد؛ لأن الأدلة التي تدعم الاتفاق بصدد تلك النقطة أدلة ضعيفة. فالتشابه مع النسخة العربية الحديثة من نشيد التقديس/ ترنيمة قدوس (تبارك الآتي باسم الرب) بعيد جدًّا في الزمان والسياق لكي يكون مقنعًا في حدّ ذاته، ولماذا ينبغي ذكر يسوع بعد ذلك أربع مرات في نقش قبة الصخرة باسمه (عيسى ابن مريم) أو لَقَبه (المسيح)، لكن في تلك الأولى[16] يبدو المُشار له بلا شخصية مميزة[17][18].
وبالطبع لا مجال هنا لسرد كلّ الأدلة التي تم إيرادها في العمل، ولكن من الصعب تفادي الانطباع بأنه -كما أسلفنا الذكر في الحالات المطروحة أعلاه- يتم فرض تفاسير بعينها من أجل دعم حجج محدَّدة سلفًا عوضًاعن متابعة تسلسل الحجج الناشئة من البراهين بشكلٍ طبيعي[19].
إلا أن مقال بوين[20] يختلف عن العلماء الألمان الثلاثة؛ فهو يهتم بالدلالات الجغرافية للأماكن والأشخاص المُشار إليهم في القرآن، خاصة الأحداث الأسطورية مثل: «أصحاب الأيكة، وأصحاب الرس» وغيرهم. ويعيد بوين إحياء الفكرة القائلة بأن أصحاب الأيكة يجب أن يتم تعريفهم على أنهم أهل منطقة عينونة (المدينة البيضاء)[21]، ويزعم بوين بشكلٍ عام أن العديد من أسماء الأماكن والأشخاص الوارد ذكرها في القرآن يمكن أن تكون مرتبطة بتلك التي وضعها بطليموس في القرن الثاني الميلادي في منطقة شمال غرب شبه الجزيرة العربية، التي تمتد من شمال ينبع إلى رأس خليج العقبة. ويرغب المرء في مناقشةٍ أكثر وضوحًا لمضمون تلك الأفكار من أجل فهم أصول القرآن، فلا يزال من غير الواضح لماذا ينبغي الإشارة إلى عينونة/لوكي كومي (الاسم اليوناني للمدينة)، من خلال تحريف اسمها اليوناني، والذي يبدو غير معروف لبعض الوقت قبل ظهور الإسلام.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أربعة مقالات من باحثين يكتبون بالفرنسية عادة، ثلاثة منهم مرتبطون بجامعة إكس أون بروفانس؛ كلود جيليو[22] (الذي يكتب هنا بالألمانية) يعيد النظر في مسألة مصادر معلومات محمد حول التقاليد التوراتية والتوحيدية، ويقترح مرة أخرى أهمية المسيحية السريانية، رغم أنه يعبر عن تحفظات حول نظرية لكسنبرج[23]. ألْفرد لويس دي بريمار[24]، قدَّم مقالًا مفيدًا ومتوازنًا، يناقش الدليل الذي يربط القرآن العثماني بنشاط عبد الملك بن مروان والحَجَّاج.
يجادل بيير لارشر[25] بشكلٍ مقنع أن هناك فَقْرًا في الصلة بين اللغة العربية ما قبل الإسلام، والعربية القرآنية، والعربية الكلاسيكية؛ حيث يرى الأخيرة على أنها بناء علمي، (ليس نقطة انطلاق بل وصول). فيما يقدِّم مُنذر سفّار[26] حُجّة إسلامية حداثية، والتي تقول: إن الخلفاء والعلماء في العصور الوسطى، ولأسباب تتعلق بمطالباتهم بالسلطة، طوروا مذهبًا للقرآن بعيدًا جدًّا عمّا أتى به الكتاب نفسه على وجه الخصوص، يجادل بأنه في القرآن هناك فرق عام بين القرآن والكتاب، وهذا الأخير يشير إلى كتاب الله المثالي وغير المتغير في الجنة، أما الأول فيشير إلى صيغ غير كاملة ومتغيرة منه على الأرض.
يُسهم باحثان إيطاليان مرتبطان بمشروع أماري لنشر المخطوطات المبكرة وأجزاء من القرآن[27] في مقالات باللغة الإنجليزية، واحد منهم هو مدير هذا المشروع، سيرجيو نوخا نوسيدا- في مساهمة تعطي الكثير من المصداقية لبعض السرديات الموجودة في المصادر الأدبية الإسلامية، وهو يظن أن النص العربي قد تكوّن عبر كتابة مُعدّلة واعية لما كتبه السريان في الأراضي الساسانية. فيما تناقش ألبا فيدلي مخطوطتين مبكّرتين تحتويان على أجزاء جوهرية من القرآن لكن مع اختلافات واضحة فيما بينهما من حيث الكلمات وترتيبها والتهجية الإملائية، بالإضافة إلى الإغفال (إغفال النقط)، عند مقارنتها بالنصّ المعياري. فهي حقًّا حذرة بشأن دلالة هذه المتغيرات، فهناك عدد قليل منها فقط مذكور في أدبيات المصاحف الإسلامية. الإسهامة الأخرى باللغة الإنجليزية هي محاولة لابن الورّاق[28] لتلخيص تطور العلم الأكاديمي حول القرآن منذ القرن التاسع عشر، من منظور نقدي وتنقيحي. ويولي اهتمامًا خاصًّا لسليمان بشير وجون وانسبرو وكريستوف لكسنبرج.
هذه مجموعة تحتوي على بعض الأعمال المفيدة والمعلوماتية والمدروسة. هذا في حين أن الحجج التي تقدمها الأطروحة -فيما يمكن أن يسمى بالفصول الأساسية- لا تزال غير مقنعة[29]، فهي تشير إلى أدلة محيّرة في بعض الأحيان يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قِبَل أيّ شخص معنيٍّ بدراسة فترة زمنية، هي في الواقع غامضة على نحوٍ ما.
[1] تم نشر هذا المقال في مجلة الدراسات القرآنية (Journal of Qur’anic studies)، المجلد 8 العدد 2، أكتوبر 2006م.
[2] باستثناء ما تمت الإشارة إليه بكونه عمل المترجمة؛ فإنّ الحواشي والتعريف بالأعلام الواردة في النصّ هي من عمل مسؤولي قسم الترجمات.
[3] صدر هذا الكتاب عام 2005م، عن دار هانز شايلر الألمانية، وقد تُرجم للإنجليزية تحت عنوان “The hidden origins ofIslam: new research into its early history ”، وصدر عن بروميثيوس للكتب، نيويورك، عام 2009م.
[4] كارل هاينز أوليج (1938-) مستشرق ألماني، مختص بالأساس بالدراسات الدينية وتاريخ المسيحية في الغرب وفي الجزيرة العربية، عمل كأستاذ للاهوت الكاثوليكي والتربية الدينية في كلية سارلاند للتعليم منذ 1970م إلى 1978م، وكأستاذ الدراسات الدينية وتاريخ المسيحية في جامعة سارلاند من عام 1978م، وهو أستاذ فخري بنفس الجامعة منذ عام 2006م، من أشهر أعماله مشاركته في كتاب «البدايات المبهمة» الذي يعرضه هذا المقال، كما أن له كتابًا آخر حول الإسلام بعنوان: «صَدْر الإسلام»، وبعض الكتب حول المسيحية وتاريخها.
[5] كريستوف لكسنبرج، هو اسم مستعار لكاتب ألماني، أصدر عام 2000م كتابًا بعنوان: «قراءة سيريانية آرامية للقرآن: مساهمة في فكّ شفرة اللغة القرآنية»، وتحدث فيه عن وجود نسخة مبدئية من القرآن (قرآن أصلي) كتب بلغةٍ مزيج بين العربية والآرامية، وقام بتحديد عدد من هذه الكلمات التي لها -في ظنه- أصلٌ آراميٌّ سيريانيٌّ، وأشهرها كلمة «حور عين» تعني: عناقيد العنب، كما افترض أن «زوجناهم» هي في الأصل «روحناهم»، وقد خضع لكسنبرج لانتقادات عديدة؛ بسبب كونه يُدخل الكثير من مثل هذه التعديلات في المفردات القرآنية، انطلاقًا من دعواه المسبقة بوجود نصّ مبدئي تم تغييره أو الخطأ في رسمه!
[6] بوب، وأوليج، ولكسنبرج: هم أعلام جامعة سارلاند الألمانية التي تعدّ واحدة من المراكز الرئيسة للاتجاه التنقيحي؛ وهذا بسبب آرائهم حول تاريخ الإسلام، والتي تصل لنفي الوجود التاريخي لشخصية النبي محمد واعتباره اختراعًا متأخرًا في تاريخ تطور الإسلام، وهو الرأي الذي لا يصمد حتى أمام استخدام المنهجيات ذاتها التي يلجأ إليها التنقيحيون، فوجود النبي واسمه ولقبه متداول حتى في نصوص غير عربية قديمة تتوافق مع التأريخ التقليدي للسنين الأخيرة في حياة النبي، فكما يشير بريمار -وهو أحد المشاركين في هذا الكتاب- في كتابه «تأسيس الإسلام بين الكتابة والتاريخ» فثمّت نصوص سيريانية مكتوبة في وقت معاصر للنبي تقريبًا، تتحدث عن الفتح العربي، وعن ظهور النبي العربي مع المقاتلين العرب أو «السارسين»؛ مما يعني أنَّه حتى مع إقصاء المصادر العربية تمامًا يظلّ التشكيك في مسألة وجود النبي والخلفاء الأوائل تشكيكًا لا يستحق أي اهتمام، انظر: «تأسيس الإسلام بين الكتابة والتاريخ» ألفريد لويس دي بريمار، ترجمة: عيسى محاسبي، دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 2009م، ص163.
[7] كما تبين للقارئ من خلال مطالعة عرض كتاب (الدراسات القرآنية) لجون وانسبرو، الذي نشرناه هنا ضمن (الملف التنقيحي)، فإن هذه الدعوى عن كون الإسلام هو هوية متأخرة لجماعات عربية مسيحية يهودية، تظل مركزية في فكر التنقيحيين منذ وانسبرو، وهي دعوى تردد صداها في الكتابات اللاحقة والصادرة عن هذا الاتجاه جميعها، ومنها (الهاجريون) لكرون وكوك، وكذا في هذا الكتاب الذي نترجم هذا العرض له، انظر عرض كتاب وانسبرو لكارول كيرستن، https://bit.ly/2OAmxl6 .
[8]نلاحظ هاهنا كيفية استناد الكتّاب في الاتجاه التنقيحي على موضوع النقوش والعملات المعدنية المسكوكة؛ لكونهم يصدرون عن رفض التاريخ الإسلامي ومعطياته حول الإسلام، وبالتالي يحاولون تكوين رؤيتهم لتاريخ الإسلام، لا سيما بداياته الأولى من خلال أدلة أركيولوجية كالنقوش والعملات، للمزيد عن الاتجاه التنقيحي وأطره العامة في النظر يراجع: الملف الأول على قسم الترجمات، الاتجاه التنقيحي وأثره في الدرس الاستشراقي للقرآن الكريم وعلومه، على الرابط التالي: https://bit.ly/2PNJjq1.
[9] نسبة إلى مدينة نيقية الإغريقية التي تقع على ساحل الأناضول الغربي، والمعروفة بمركزيتها في تاريخ المسيحية؛ لانعقاد مجمع نيقية فيها وهو المجمع الذي تنسب إليه معظم العقائد المسيحية. (إضافة المترجم)
[10] يلاحظ القارئ هنا أن هوتنج يبدأ في تقويم بعض المساحات المهمة في البنية الاستدلالية للمقالات الثلاثة الأولى التي صدّر بها عرضه للكتاب، وهي مساحات مركزية في الاستدلالات التي يرتكز عليها الكثير من المنتسبين للاتجاه التنقيحي بصورة عامة.
[11] دارابجيرد هي مدينة فارسية تاريخية، وهي حاليًا مقاطعة داراب في محافظة فارس الإيرانية. (إضافة المترجم)
[12] الحول/الشوط الروماني/ indiction، هي وحدة زمنية مكونة من خمسة عشر عامًا لتأريخ الأحداث، وليست سنة واحدة كالحول الإسلامي. (إضافة المترجم)
[13] يعتبر بعض التنقيحيين أن العرب المسيحيين بدؤوا تأريخًا جديدًا في العام 622 ميلاديًّا في سياق محاولات انفصالهم بهوية خاصّة عن المسيحيين البيزنطيين، وأن هذا التأريخ الجديد تم أَسْلَمَته لاحقًا كتاريخ لهجرة نبوية للمدينة بعد ترسيم مكة والمدينة كمدن عربية مقدسة جديدة مقابل الأراضي المقدسة في الشام، وهذا في سياق إنشاء هوية جديدة لهذه الجماعة، وهي «الإسلام».
[14] يزدجرد هو ملك ساساني. (إضافة المترجم).
[15] بسبب الاستبعاد المسبق للمرويات الإسلامية والاعتقاد المسبق بكون الإسلام هو هوية لاحقة تم إضفاؤها على جماعة مسيحية، فإن أيّ إشارة لرسول أو خادم مضاف لاسم الرب، تأوّل مباشرة باعتبارها إشارة للمسيح، وحين ترد كلمة «محمد» لا تُقرأ على اعتبارها اسم علم لشخص، بل على كونها صيغة تسبيح أو تحميد، فيكون المعنى: «محمد/مسبّح/ممجّد/ خادم الرب ورسوله؛ أي المسيح».
[16] يقصد عبارة: «محمد عبد الله ورسوله». (إضافة المترجم)
[17] مقصد لكسنبرج هنا أن الإشارة لمحمد في عبارة «محمد عبد الله ورسوله» لم توضح نسبه مثل «عيسى ابن مريم»، مما قد يعني -وفقًا له- أنّ «محمد» هنا بمعنى: «ممجّد»، وليست اسمًا علمًا لشخص. (إضافة المترجم)
[18] هذا يمكن فهمه ببساطة في سياق تكريس الدين الجديد في هذه المناطق، فهنا يتم الإصرار على ذكر اسم نبي الله عيسى بنسبهِ كابن مريم، وبكونه عبدًا لله، وهذا في مواجهة القول بـتأليهه المنتشر في هذه الأوساط، ولنفس السبب يتم الإصرار على ذكر اسم النبي محمد والتنصيص على كونه عبدَ الله ورسوله، حيث لا يقابل التأليهَ المسيحيَّ للمسيح تأليهٌ إسلاميٌّ لمحمد، بل يقابله التنصيصُ على عبودية كلّ الأنبياء والرسل لله.
[19] كما ظهر من تحليل هوتنج، فإن الكثير من هذه الأدلة النقوشية تخضع غالبًا لتجاذبات عديدة لتفسيرها بين التنقيحيين أنفسهم أو بين التنقيحيين وغيرهم من الباحثين الغربيين، تعتمد بالأساس على عدد من المسبقات هي التي توجهها؛ لذا فعلى سبيل المثال فإن هذه الأدلة النقوشية التي يستند إليها بوب هنا على أنها دليل كون العرب كانوا مسيحيين قبل أن يُضفوا على أنفسهم هوية جديدة «الإسلام»، يستخدمها آخرون في سياق إثبات نتائج أخرى، فمثلًا يرى بريمار -المشارك في نفس الكتاب- أن هذه الأدلة تشير إلى أن ملوك بني أمية الأوائل كانوا يحاولون خلق مركز ديني مواجه لمكة، وفي المقابل ترى إستل ويلان مثلًا أن هذه النقوش جزء من سياق الدعاية السياسية لإقرار النظام الإسلامي، وتأكيد أفضلية الدين الجديد في وسطِ مسيحيِّي هذه المناطق، ولعلّ هذا التجاذب والتباين الشديد في التفسير يثبت كون الاستناد للأدلة النقوشية لا يتم في موقف من الحياد العلمي والرغبة في حقيقة عارية كما يدّعي رواد هذا الاتجاه دومًا، حيث تُبنى النتائج لا عليه فحسب، بل على تكذيبٍ أوّلي للمصادر العربية، وعلى رؤى خاصّة مسقطة من تاريخ الديانات الأخرى، وباختلاف الموقف من المصادر حِدَّةً وضعفًا، وبتباين هذه الرؤى والمسبقات، يتغير تفسير نفس المعطيات النقوشية! ويبقى السؤال الذي يزداد إلحاحه مع شهود هذه التباينات في التفسير لنفس النقوش، هو: هل بالفعل يمكن الاعتماد على النقوش مجردة في بناء سردية عن التاريخ الإسلامي؟ إننا لا نجد توقفًا أو حيطة تتناسب مع حجم الأدلة النقوشية وما يمكن أن يستنتج منها، بل نجد في المقابل تفسيرات متسعة تحاول رفع ما تعتبره إبهامًا في التاريخ الإسلامي بفرضيات لا يكفي في دعمها أدلة النقوش!
[20] جيرد ر.بوين (1940م) مستشرق ألماني من جامعة سارلاند، مختص بالأساس بالخط العربي وتاريخ ضبط الكتابة القرآنية، عمل رئيسًا لمشروع ترميم مخطوطات صنعاء، أهم أعماله هو تحريره لكتاب «البدايات المبهمة» الذي يتم عرضه في هذه المقالة.
[21] عينونة هي واحة تقع على بعد 90 كيلو مترًا إلى الشمال من مدينة ضباء الواقعة شمال المملكة العربية السعودية، وساحلها يقع على ميناء الأنباط الشهير (لوكي كومي) أو المدينة البيضاء، وقد تكلم بطليموس عن (أُوُنة) أنها ميناء في ساحل شمال الجزيرة العربية لكنها أدغمت فصارت عينونة. (إضافة المترجم)
[22] كلود جيليو (1940-)، مستشرق فرنسي وأحد الآباء الدومنيكان، وهو أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكس أون بروفانس-مارسيليا بفرنسا منذ عام 1989 وحتى تقاعده في عام 2006، ولد جيليو في السادس من يناير عام 1940، وقد حصل على دكتوراه الدولة في سبتمبر عام (1982) من جامعة السوربون 111-Paris، وكانت أطروحته بعنوان «جوانب المخيال الإسلامي الجمعي من خلال تفسير الطبري»، والتي أشرف عليه فيها أستاذه محمد أركون، وقد عمل باحثًا في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي (IREMAM)، ومشرفًا ومحررًا لعددٍ من المجلات البحثية المتخصصة كمجلة أرابيكا (Arabica)، وله إنتاج غزير وعدد كبير من الكتابات حول تاريخ القرآن والتفسير، وأشرف على العديد من الرسائل الأكاديمية والأعمال العلمية.
[23] الإشارة هنا لنظرية لكسنبرج عن وجود نصّ أصلي سابق للقرآن العربي كُتب بلغة سيرو-آرامية هو عبارة عن كتاب يجمع صلوات وتراتيل من الكتاب المقدس.
[24] ألفريد لويس دي بريمار (1930م- 2006م) مؤرخ فرنسي، متخصص في اللغة والثقافة العربية وتاريخ الإسلام، وأستاذ فخري بجامعة إكس أون بروفانس مارسيليا، وباحث ومعلم في معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والإسلامي (IREMAM)، وقد قضى بريمار طفولته في المغرب، وتعلم اللغة العربية ودرس آدابها في معهد الدراسات العليا المغربية وفي جامعة محمد الخامس، ومنذ عام 1963م وإلى عام 1965م تم الترحيب به في معهد الآباء الدومنيكان بالقاهرة، اهتمامه الأساس بالتاريخ العربي الإسلامي، وقد درس في جامعات عربية مثل جامعة قسنطينة (الجزائر)، والرباط (المغرب)، وقد أَوْلى جزءًا كبيرًا من اهتمامه أثناء تدريسه في جامعة إكس أون بروفانس ببدايات الإسلام والسيرة النبوية وتاريخ القرآن، من أشهر كتبه: كتاب «تأسيس الإسلام بين الكتابة والتاريخ»، وهو مترجم للعربية، ترجمه: عيسى محاسبي، وصدر عن دار الساقي، بيروت، الطبعة الأولى، 2009م.
[25] بيير لارشر، باحث فرنسي، هو أستاذ اللسانيات بجامعة إكس أون بروفانس مارسيليا، وباحث ومعلم في معهد الدراسات والبحوث حول العالم العربي والإسلامي (IREMAM)، حصل على البكالوريوس في الآداب الكلاسيكية من جامعة السوربون عام (1969م)، ودرس اللغة العربية والعبرية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحيّة، وتخرج فيها عام (1970م)، وحصل على الدكتوراه في اللغة العربية الكلاسيكية من جامعة السوربون الجديدة عام 1980م، وقد زار عددًا من الدول العربية كباحث وأستاذ، فمنذ عام 1971م وإلى عام 1973م عمل كباحث في المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق، كما عمل كأستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة بنغازي في ليبيا وإلى عام 1979م، كما عمل كباحث في اللسانيات التطبيقية في المغرب إلى عام 1983م، ثم عاد إلى فرنسا ليعمل كأستاذ مساعد ثم أستاذ محاضر في عددٍ من جامعاتها، مجالات اهتمامه الأساسية تتركز في اللغويات العربية، فيتناول كثيرًا من جوانبها: تاريخ التقاليد اللغوية العربية، علم المعاجم، الاستعمالية، الشعرية. وله عدد من الكتابات والبحوث والتقارير المنشورة حول اللغة العربية وتاريخها.
[26] منذر سفار (1950م) مفكر من أصل تونسي، سافر إلى فرنسا في عام 1974م، وأكمل دراسته هناك في السوربون، وكانت رسالته للماجستير حول الحركة الثورية في ظلّ نظام الملكية في يوليو، ويقول بأن تكوينه الفلسفي والتاريخي واهتمامه بالتفسير الماركسي لحركة التاريخ دَفَعَهُ للاهتمام بالدراسة النقديّة للإسلام ولتاريخه منذ الثمانينيات، وربطه بسياقات تاريخية أوسع تتعلق بحضارات ما بين النهرين؛ مما يصل به لنتائج تخالف السائد عربيًّا وغربيًّا عن الإسلام وعقيدته وتاريخه، وقد نشر دراسة في عام 2000م بعنوان: «القرآن؛ هل هو أصيل؟» حاول فيها -وكما يقول- تقديم قراءة أنثروبولوجية وتاريخية للإسلام.
[27] مشروع أطلقه سيرجيو نوخا نوسيدا وفرانسوا ديروش للقيام بتحرير بعض المخطوطات القرآنية القديمة، وهو من المشروعات التي اعتمد عليها لاحقًا مشروع (كوربس كورانيكوم).
[28] ابن الورّاق (1946م-) هو اسم مستعار لكاتب باكستاني الأصل، درس في جامعة إدنبرة البريطانية، وأسس في بريطانيا معهد علمنة المجتمع الإسلامي، وهو صاحب توجه نقدي لتاريخ الإسلام، ودعوة دائمة لتطبيق المناهج النقدية في دراسته، وهو كاتب مثير للجدل من حيث مدى علميّة آرائه بين معظم الباحثين الغربيين، له عدد من الكتابات حول تاريخ الإسلام والاستشراق، منها: «القرآن: ماذا يقول حقًّا؟ اللغة، النص، التعليق»، «بحث عن محمد التاريخي، 2000م»، «دفاع عن الغرب: دراسة نقدية للاستشراق لإدوارد سعيد، 2007م».
[29] يعود الكاتب هنا في نهاية عرضه للكتاب إلى الإشارة مرة أخرى إلى كون كثير من هذه المحاجّات غير مقنعة؛ لاعتمادها أصلًا على قدرٍ كبيرٍ من المسبقات التي توجه تفسير كلّ دليل مادي في اتجاه خاص، وهنا تكمن الثغرة المنهجية الأساس لهذا الاتجاه، التي طالما أشار إليها الباحثون منذ بروزه.
مواد تهمك
- قرآن الحجارة «إحصائيات نقوشيّة، وتحليلات أوّلية»
- الملف الأول على قسم الترجمات: الاتجاه التنقيحي وأثره في الدرس الاستشراقي للقرآن الكريم وعلومه... مدخل تعريفي بالملف
- عرض كتاب: محمد والمؤمنون؛ حول نشأة الإسلام لـ فرد دونر
- قراءة آرامية سريانية للقرآن: ﻣﺴﺎﻫﻤﺔ في فك شفرة ﻟﻐﺔ اﻟﻘﺮآن؛ لكريستوف لكسنبرج
- عرض كتاب: ظهور الإسلام في العصور القديمة المتأخرة