هذه المقالة لتوبي ليستر «ما القرآن؟»، والتي نشرت في مجلة «ذا أتلانتيك» الأمريكية عام 1999م، تعد من المقالات المهمّة التي تناولت بالشرح والتلخيص أطروحات الاتجاه التنقيحي، وقد استطاعت هذه المقالة -بحكم كونها مقالًا صحفيًّا لا يتقيد بقيود الكتابة العلمية- أن تتخفف من ضغط المصطلحات العلمية الدقيقة، ومن ضرورة إدراج المراجع والمصادر العلمية، ليأتي تلخيص ليستر لهذا الاتجاه التنقيحي في صورة سهلة استطاعت أن تضمن لمقالته رواجًا بين شرائح متعددة.

وتلخيص ليستر وتوضيحه لأطروحات التنقيحيين لا يخلو من نبرة دعائية تظهر بطول المقال وتتركز في بعض المساحات، والتي من أهمها تناوله لحدث اكتشاف مخطوطات صنعاء، حيث نحا في عرضه هذا الحدث لترديد ذات النتائج التي يذكرها التنقيحيون ولتكرار ذات التأكيد على أن هذه المخطوطات أسفرت عن نتائج قاطعة توافق أطروحات الاتجاه التنقيحي حول تاريخ القرآن.

كذلك تبدو هذه النبرة الدعائية فيما انطوت عليه معالجة ليستر من توقع –أو ربما تمنّ- بانتصار وغلبة هذا الاتجاه، سواء على ساحة الدرس الاستشراقي أو على مستوى وعي المسلمين بكتابهم وتاريخهم، فقد ركّز ليستر على كتابات النهضويين العرب مثل محمد عبده والحداثيين المعاصرين مثل أركون ونصر أبو زيد على اعتبارها تمثل -بمعنى ما- «تنقيحية العالم الإسلامي»، حيث يقصد من خلال ذلك التأكيد على أنها محاولات تسير في نفس طريق الاتجاه التنقيحي من القيام بمراجعة نقدية جذرية للتاريخ الإسلامي قد تنتهي –كما يتمنى ليستر- لما انتهى إليه التنقيحيون من التحرر من هذا الموروث الطويل وإعادة بناء التاريخ الإسلامي في وعي المسلمين بتاريخهم بصورة توافق أكثر توجهات الاستشراق جذرية.

من هنا فإن ترجمة هذه المقالة تعد عملًا مهمًّا جدًّا في سياق استعراضنا للاتجاه التنقيحي في قسم «ترجمات»؛ نظرًا لما يمثله من حلقة مهمّة تضفي تكاملية على طرحنا للكتابات الغربية حول هذا الاتجاه، بحيث نكون قد أتحنا للقراء الكرام خارطة للكتابات وللنتاج الغربي حول هذا الاتجاه بكلّ ما يحمله من تنوعات وأطياف، وقدمنا صورة دقيقة قدر الطاقة لهذا النتاج بكلّ ما فيه من توجهات ومسارات سواء ناقدة أو داعمة للاتجاه التنقيحي ولأفكاره.