قراءة القرآن من منظور طه عبد الرحمن؛ عرض وتحليل (4-4)
النظر القرائي الجديد للقصص القرآني من المنظور التأسيسي لطه عبد الرحمن

الكاتب : محمد كنفودي
تتناول المقالة الرابعة والأخيرة من سلسلة القراءة الجديدة لطه عبد الرحمن الحديثَ عن جملة من المعاني الإيمانية والأخلاقية وآثارها في التعامل والوجود الإنساني، من خلال إعادة قراءة بعض آيات القصص القرآني، واستلهام الكثير من مفاهيم وقيم ومعاني آيات القرآن من المنظور الطهائي.

تسهيم:

  يقول طه عبد الرحمن في سياق قراءته لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 26، 27]: «إن السَّوْأة هي كلّ ما يسوء الإنسان أن يشهده من نفسه أو من غيره، لأنّ اللّباس الذي يستره تم نَزْعُه، وهذا اللّباس قد يكون ظاهرًا كالثوب، وقد يكون ساترًا باطنًا كالنور، ولا شك أن قابيل، بشنيع فعله، قد نزع عن هابيل لباسه كما نزع الشيطان عن أبويهما لباسهما، وكلا اللباسين نور صريح، غير أنهما نوران مختلفان؛ فإذا كان نور آدم وحواء المنزوع إغواء، هو لباس يغشاهما، فبدت بشريّتهما خالصة، فإن نور هابيل المنزوع غدرًا، هو روح نفخت فيه، فبدت جسديّته خالصة»[1].

تمهيد[2]:

كان ولا يزال (القصص القرآني) موضوع اشتغال الكثير من النّظار قديمًا وحديثًا، وفق (قرارات) منهجية ومعرفية متنوعة تعددًا، خصوصًا في تاريخ الفكر الإسلامي. ويعدُّ موضوع (القصص القرآني) من أهم ما اشتغل به الاجتهاد الطهائي في الكثير من كتاباته، خصوصًا في سياقات الردّ والنقد؛ إذ اجتهد من خلاله في سبيل تأسيس منهج تتم به قراءته من منظور خاصّ، ذلك هو (المنظور الائتماني)، الذي استقرت عليه كتابات طه عبد الرحمن الأخيرة[3]. نجتهد في مقالتنا الرابعة والأخيرة لقراءة القرآن من منظور طه عبد الرحمن في الإلمام بالاجتهاد الطهائي في قراءة (القصص القرآني) وفق مقتضيات (الفلسفة الائتمانية)[4]، ونقدّمه وفق ما يأتي:

أولًا: منطلقات أولية تمهيدية:

1. يتداخل في النظر النقدي والتأسيسي في قراءة موضوع (القصص القرآني) كما هو معهود منهج المتن الطهائي في مواضيع شتى، بل إنّ النقد هو ما سِيقَ له النظر التأسيسي بالأصالة المُصدَّرة في الاعتبار دون الوضع التنظيري، إذ الأخير مقصود بالقصد التبعي لا الأصلي، إِذْ وردت في سياق النقد للفكر الحداثي الغربي نظريات وأنساق فكرية، وكذا من تشبّع بها وروّج لها في فضاء الفكر الإسلامي المعاصر، خصوصًا من قِبَل (فئة مقلِّدة المتأخرين)[5].

2. إنّ الاجتهاد الطهائي لم يعمّ بقراءته الائتمانية-الحداثية كلّ (آيات القصص القرآني)، ولم يشمل أيضًا قراءة (قصة قرآنية) كاملة، وإنما اكتفى بفصول من بعض (القصص القرآني) حسب ما تقتضيه سياقات الردّ والنقد، وذلك بصورة جزئية وليست كلية؛ كفصول من قصة آدم وحواء -عليهما السلام-، ومن قصة ابني آدم، ومن قصة يوسف -عليه السلام-، ومن قصة موسى -عليه السلام-، ومن قصة إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-.

3. لم يعتمد المتن الطهائي في قراءة موضوع (القصص القرآني) سائد العدّة المنهجية التراثية إلّا نادرًا، ولم يعتمد أيضًا على ما هو متداول في فضاء (القراءات الحداثية) لآيات القرآن عمومًا، ولآيات (القصص القرآني) خصوصًا.

4. (المنظور الائتماني) الذي أقامه طه عبد الرحمن بوصفه منهجًا للنظر في آيات القرآن الحكيم، جعله يؤسّس -من خلال إعادة قراءة (القصص القرآني)- جملة مفاهيم ومعانٍ إيمانية وأخلاقية، هي بمثابة الشبكة التحليلية في النقد والبناء، وهي في أغلب موادّها، خصوصًا على المستوى المفاهيمي مأخوذة من النصّ القرآني، كما سنُظهِر بعضًا من ذلك في هذه المقالة.

5. من أهم المقاصد التي حكمت النظر الطهائي ائتمانيًّا في إعادة قراءة (القصص القرآني)؛ أولها: تفنيد إبطال مجموعة من التصورات السائدة؛ سواء في تاريخ الفكر الإسلامي، أو في فضاء الفكر الحداثي الغربي. ثانيها: إيجاد المَخارج الائتمانية لجملة من الأزمات الإنسانية المعاصرة، كأزمة (العنف) أو (سَوْأة القتل)، وأزمة (العري) أو (كشف السَّوْأة). ثالثها: إعادة قراءة العديد من الأحداث الكبرى في التاريخ الإسلامي؛ كأحداث (الفتنة) ونحوها، كما سنتوقف عند بعضٍ من ذلك في هذه المقالة.

ثانيًا: المعجم المفاهيمي في فضاء النظر القرائي الائتماني لآيات القصص القرآني:

يتحدّد المتن الطهائي منهجيًّا بأنه عبارة عن نَظْم مفاهيمي قائم البناء التأسيسي، بصرف النظر عن مناط موضوع التعلق؛ شرعيًّا كان أو فلسفيًّا أو منطقيًّا أو لغويًّا ونحو ذلك. واللاحم لذلك جميعًا أنه ذو صبغة شرعية قرآنية أساسًا؛ سواء على مستوى المفاهيم أو المعاني. نورد في هذا السياق جملة من المفاهيم الطهائية المتعلقة بموضوع (القصص القرآني)، المتصل أساسًا بـ(قصة آدم وحواء) -عليهما السلام-، و(قصة ابني آدم)، باعتبار أنهما يكوّنان محور الحديث في هذه المقالة. ونتخذ من تلك المفاهيم مفاتيح قرائية للاجتهاد التأسيسي لطه عبد الرحمن في موضوع (القصص القرآني)، ونركز أكثر على المفاهيم التي حظيت باهتمام واسع في فضاء اجتهاده، ومنها:

1. الدلالة الائتمانية لمفهوم اللّباس:

ينبني التحديد الطهائي لمفهوم (اللباس) وفق المعنى الرمزي أو الروحي أو لباس النور المقترن بالإيمان والأخلاق، وكذا وفق المعنى المادي المتعلّق بالجسد. وسنتخذ قصة آدم وحواء، وكذا قصة ابني آدم للحديث عنهما.

بموجب ما سمّاه طه عبد الرحمن بـ(واجب مستورية الإنسان)، فقد كَسَى الله تعالى الإنسان ألبِسَةً متنوعةً صُوَرُها وموادُّها، ومتفاوتةً طبقاتُها وأقدارُها ظاهرًا وباطنًا، بها تُحفَظ للمخلوق البشري إنسانيتهُ وتصان مشهوديته، وذلك (الواجب) ليس وتْريًّا، بل مشْفوعًا بكونه مرحومًا من قِبَل (الراحم الأعلى) سبحانه الذي يشهده، فيكون بذلك الإنسان -تجريدًا- مستورًا ومرحومًا إيجادًا وإمدادًا[6].

قسّم المتن الطهائي (اللباس) في قصتي (آدم وحواء، وابني آدم) إلى نوعين:

أ. اللّباس الروحي: الذي هو في أصله الأول عبارة عن «المعاني الروحية والقيم الخلقية والمثل العليا التي يتحلّى بها الإنسان»، شرط كونه متقيِّدًا بـ(الفطرة) التي خلق عليها وموفّيًا بخاصّ مقتضياتها (شهادة) و(أمانة) و(تزكية)[7]. ويزول هذا النوع من (اللباس) عن الإنسان بالبُعد عن (الفطرة) والإخلال بمقتضياتها الروحية. وتلك (المعاني والقيم والمثل) هي في أصلها عبارة عن (مَعْلَم يُهتدَى به في الحياة). ومن المعلوم أن (المَعلم الهادي) عبارة عن (نور يهدي) إلى سواء الصراط. فيكون بذلك (اللباس) عبارة عن (معنى روحي غير حسّي مادي)، وكونه كذلك فهو (نور ساتر) مبثوث في (روح الجسد). بهذا فإنّ (اللباس الروحي) الذي يكتسيه الإنسان ليس واحدًا، وإنما ألبِسَة متعدّدة، يتعلق تعدّدها أساسًا بكون الإنسان يتواجد بالروح في عوالم غير مادية[8].

نَزْع هذا النوع من (اللباس) عن الإنسان يفضِي إلى إخراج الإنسان من (النور الفطري الساتر) إلى (الظلمة الكاشفة)، وبمقدار نزع الألبسة النورية الروحية، يكون الخروج إلى الظلمة، بناء على أنّ (اللباس الروحي) الذي كُسِيَه الإنسان أنواع كثيرة وأقدار مثلها أيضًا. ولقد وجد هذا (النّزْع للباس الروحي الأول)، يوم وجد (الإنسان الأول) آدم -عليه السلام- بالنظر إلى أنه يوم خُلِق كُسِي بأكثر من لباسٍ؛ تكريمًا وتفضيلًا، وكونه قد أخبر بأن له عدوًّا حسده بهذه الألبسة التفضيلية، وأنه ساعٍ في سبيل نزعها عنه لباسًا لباسًا واحدًا تلو الآخر. وقد حصل (النزع الأول) لآدم بسبب نسيان عداوة عدوّه. وهذا النّزْع الأول ليس كمثله نَزْع، بالنظر إلى خصوصيته[9].

 تجلّت خصوصية هذا النّزْع الأول في قصة الإنسان الأول الذي حدث في (عالم الملكوت) في مجموعة مظاهر، منها:

- اعتبر خلق آدم -عليه السلام- بين الكائنات التي سبقته في الوجود (لغْزًا خفيًّا)، إذ كونه جمَع في الخَلق بين (البنية المادية) و(النفخة الروحية)؛ لذا ظهر من الملائكة جميعًا ما يشبه (الاستفسار)، ومن الشيطان (الاستنكار والاستكبار والإباء وعدم الاعتراف).[10].

- خُلق آدم -عليه السلام- من جوهر خاصّ وهو الطين، ذلك الجوهر الذي يختلف عن جوهر خَلْق الملائكة وهو النور وجوهر خَلْق الشيطان وهو النار؛ ولذا انعكس هذا الاختلاف على علاقة الإنسان بـ(المِلك)؛ فعلاقة الكائن الناري بـ(الملك): (الإفناء)، في حين علاقة الكائن النوري: (دوام الحفظ)، أما علاقة الكائن الطيني فهي على الخيار، إن شاء حفظ وإن شاء أتلف، بناء على تقديره لـ(الأمانة) التي تحمّلها مختارًا؛ لذلك اختلفت علاقة الكائن النوري والناري بالإنسان الأول، خصوصًا في أمر (المنازعة في الخَلْق)، إذ الكائن النوري عَقِب استفساره اعتذار وائتمار وطاعة، أما الكائن الناري فقد تلا استنكاره استكبار وإدبار[11].

- إغراء الكائن الناري الإنسان الأول بالمِلك؛ بحيث إنّ آدم استُدرج إلى (نزْع اللباس الروحي) عنه بطريق (الإغراء)؛ إِذْ أغراه الشيطان بأن يملك ما أُعطي وما لم يُعط، استزادة في الملك، باعتباره ميلًا إنسانيًّا، فضلًا عن السيادة والاستقلال بالملك، وأن هذا الملك خالد. فكان بذلك حبّ دوام الملك يغري بالتماهي مع الملك، فصَدَّقَا غواية الشيطان، فعَصيَا (الشاهد الأعلى) سبحانه، فبدَت سوءاتهما، فتداركه (الراحم الأعلى) بلباس روحي واسع، وهو (لباس المغفرة والرحمة)، فانقلب هَمّ آدم نفورًا من ميله لملك أخصّ شيء لديه، وهو جسمه، فتبيّن أنه لا يملك من أمر ذاته شيئًا، فكيف يملك ما هو خارج عنها[12].

- اليأس من استرجاع اللباس الروحي الأول المنْزوع إغواءً، مما انعكس ذلك النزْع على هوية الإنسان، فقد بات يلازمها النقص، عكس ما كانت عليه قبل هذا النّزْع، فضلًا عن بِنيته التي وإن تعددت أعضاؤها وتنوعت وظائفها إلا أنها لا تساوي فيما بينها لا سترًا ولا ملكًا؛ فمنها ما يسر امتلاكه، لأنه لا يزال على ستره الأول، كالعين التي تفيض نورًا، ومنها ما يسوء امتلاكه كـ(السوأة) التي ترشح ظلمة، إلّا أن يبذل جهدًا في سترها باللباس المادي الذي يستر الخاصية الجسدية للإنسان، واللباس المعنوي الذي يوجبه مقتضى الخاصية الروحية[13].

ب. اللباس المادي: وهو المتعلّق بستر الخاصية الجسدية للإنسان، وهو نظير (اللباس الروحي) أنواع كثيرة؛ لذا يكون نَزْعه بأشكال وصور عديدة أيضًا، إذ بمُوجِب ذلك وجب أن يكون هناك لباس مادي أول ونَزْع مادي أول، وهكذا تواليًا. وليس هذا (اللباس) الأول من المنظور الطهائي إلّا (الجسم الذي نُفخت فيه الروح). وقد تعلق النزْع المادي الأول يوم وُجد الإنسان الثاني، مع ابني آدم؛ قابيل وهابيل حسب التحديد التوراتي[14]. إذًا في هذه القصة يتبيّن أن (حب التملك) أفضى إلى نزع أول لباس مادي تدثّر به الإنسان، ذلك أن (التنازع في حبّ التملك) بين الناس هو الأصل الأول في القتل والاقتتال. ومن المعلوم أن (التنازع) ائتمانيًّا يقع في (المعنويات) كما يقع في (الماديات)؛ لأنها هي الأخرى تمتلك امتلاك الألبسة التي تكسو الإنسان، فيحدث التنازع بالأطراف المتنازعة إلى إرادة بعضهم نزع هذه الألبسة المعنوية عن بعضهم الآخر، كما هو جليّ في قصة آدم وحواء -عليهما السلام- وابني آدم[15].

الجامع بين اللّباسين أنهما نوران نُزِعَا عن مَن تدثّر بهما غوايةً وغدرًا، إِذْ قد نُزع لباس هابيل من قِبَل أخيه قابيل، كما نَزَع الشيطان عن أبويهما لباسهما. وكِلا اللباسين نور صريح، غير أنهما نوران مختلفان؛ فنور آدم وحواء -عليهما السلام- المنزوع إغواءً هو لباسٌ يغشاهما، فبدَت بنزعه بشريتهما خالصة. أمّا نور هابيل المنزوع غدرًا هو روح نُفخت فيه، فبدَت بسبب نزعه جسديته خالصة[16].

إنّ (النور المنزوع) عن الذات بسبب ظلم محقّق، يبقى باب إرجاعه وإتمامه مفتوحًا بموجب (الراحمية الإلهية)، إلا أنه عمل دؤوب لا ينقطع. وليس هذا العمل من المنظور الطهائي سوى (التزكية)، فهي وحدها التي فتحت الطريق إلى (ستر السوأة) إنْ ظاهرًا أو باطنًا. فآدم وحواء -عليهما السلام- بمجرد هبوطهما إلى الأرض دخَلَا في (تزكية بشريتهما). أمّا قابيل فوقع في (الخسران المبين)، إذ لم يهتدِ إلى هذا الطريق. فتكون تزكية بشرية آدم وحواء قد تمَّت بـ(لباس التقوى)، أما (التزكية الجسدية) في حقّ هابيل فقد كانت (لباس المثوى)[17].

2. الدلالة الائتمانية لمفهوم السوأة:

ينتظم التناول الطهائي لمفهوم (السوأة) في إطار تأسيسه لمفهوم (اللباس) بالمعنى الائتماني، ذلك أن الإنسان بحكم (الراحمية الإلهية) خُلق (مستورًا) غير (مكشوف)، وأُدخل المجال (الملكوتي) الأول دخولًا (مستورًا) غير (مكشوف)، إذ ألبسَهُ خالقُه ألبسةً متنوعةً صُوَرُها وموادُّها ومتفاوتةً طبقاتُها وأقدارُها ظاهرًا وباطنًا، قصد أن (تحفظ إنسانيته) و(تصان مشهوديته). وبمجرد وقوع الإنسان في (المحظور) الأول كشفت (سوأته). فتكون بذلك (السوأة) ليست هي «موضع عضوي بعينه من جسد الإنسان» لا يرغب أن يُرى عاريًا، وإنما هي كلّ ما «تسوء الإنسان مشاهدته من ذاته وما إليها ظاهرًا وباطنًا». أو أن (السوأة) هي كلّ ما «تؤذي الإنسان رؤيته من ذاته وما إليها، ما لم يكسُه لباس أو يسدل دونه حجاب»[18].

في سياق الضبط الدلالي عدّ المتن الطهائي (العورة) المكشوفة (سوأة)، ذلك أن (العورة) إذا كانت (عارية) لا (كاسية) سقطت إلى درك (السوأة). وقد حدّد المتن الطهائي (العورة) في اتصالها بـ(الشهوة)، بكونها عبارة عن (كلّ ما يستشعر الإنسان أنه به يثير شهوة الأجنبي من مواضع جسده متى وقع نظره عليها)، فيبادر الإنسان إلى سترها عنه (حياءً من إثارة شهوته)، ودفعًا لما يؤذيهما معًا، فلا تنفكّ عن الستر بـ(اللباس)، إذ الأصل أن (لا عورة بغير سترة). من هذا الحيث تكون (العورة) ملازمة للإنسان، ولا تتعلّق إلا بمواضع من شأنها أن تكون مستورة. والأصل في (ستر العورة) من المنظور الائتماني هو (الستر الباطني)، إِذْ إن اجتهاد الإنسان لسترها في الظاهر عبارة عن صورة مجسدة لسترها في الباطن، وسترُها الباطني والظاهري معًا علامةٌ مخصوصة على وجود (الحياء الشاهدي)؛ لذلك تعدُّ «السترة من العورة هي بمنزلة الشرط من المشروط». فيظهر بالتبع أن الأصل في وجود (اللباس) هو وجود (السترة) التي تكسو (العورة)، فتكون (السترة) عبارة عن (اللباس الأول) الذي تدثّر به آدم وزوجه -عليهما السلام-. وإذا لازم (اللباس) (العورة) كان بذلك (اللباس) على نوعين: نوع أصلي، وهو الذي يكسو (العورة). وفرعي، وهو الذي يستر مواضع من الجسم لئلا تدخل تحت مسمى (العورة). ولذلك فللباس أو الكساء وظيفتان: (الستار)، وهو (تغطية العورة). و(الحجاب)، وهو (تغطية النظرة)[19].

بناء على ما تقدّم، فقد تم نَزْع (اللباس النوري) عن سوأة آدم وحواء -عليهما السلام-، الذي كان يغشاهما معًا، بسبب الإغواء من الشيطان وحُبّ الخلود الملكي مِن قِبَلهما واتباعًا للشهوات. أما من خلال قصة ابني آدم، فقد نزع (اللباس) عن جسد الإنسان الذي هو عبارة عن (روح نُفخت فيه) مِن قِبَل (المصور الأعلى) سبحانه، بسبب حُبّ التملك غدرًا وسفْكًا للدّم. فيكون بذلك (حبّ التملك الطاغي) في (اتباع الشهوات) و(حب التملك) و(سفك الدم) عبارة عن أفعال كاشفة عن (سوأة العالم الكبرى) في الزمن المعاصر[20].

3. الدلالة الائتمانية لمفهوم القابيلية:

مفهوم (القابيلية) مشتقّ من اسم (قابيل) أحد ابني آدم -عليه السلام-، وقد استعمله المتن الطهائي للدلالة على (العالم الذي يسود فيه اتباع ونشر خيار ممارسة العنف في التعامل مع الآخر)، نظير ما حدث في تعامل (قابيل) مع أخيه (هابيل) في قصة (تقبُّل القربان) في آيات من سورة المائدة[21]، كما نفصّل القول لاحقًا. والأصل في هذا (الخيار العنيف)، هو ما سمّاه بمفهوم (الحيازة)[22]، الذي غايته (انتزاع الأملاك)، ووسيلته (القتل). فكان بذلك مفهوم (القابيلية) صفة (إبليسية)، بوصفها قائمة على ناظم (النزع) عداءً وغدرًا. فيكون بذلك (الخيار القابيلي) الوجودي (خيار ملكي إهلاكي حربي) كما نحدّد هذه الصفات لاحقًا. وقد أطلق المتن الطهائي مفهوم (الفتنة القابيلية) للدلالة أيضًا على (عالم ما بعد الأمانة)، إِذْ واقع الإنسان المعاصر دشّن منذ زمن الخروج من حالة (الائتمان) و(الحياء) إلى حالة (الاحتياز) و(الاختيان)[23].

بيّن طه عبد الرحمن أنّ (العالم القابيلي) ينضبط بقانونين؛ أولهما: قانون الإحاطة بكلّ شيء سيادي، بطلب السيادة على كلّ شيء في الوجود بالقوة أو بالفعل. ثانيهما: قانون الشمول (كلّ واحد سيادي) بالنظر إلى أن كلّ واحد يمكن أن يتسيّد على غيره بالقوة أو بالفعل.

بناء على ذلك، تحدّد (العالم القابيلي) من المنظور الائتماني بالصفات الآتية؛ الأولى: عالم تنتشر فيه المصالح المادية بإطلاق، وتنعدم فيه الأخلاق إلا ما كان خادمًا لها. ولما كانت المصالح منتزعة عنفًا غير مستحقة شرعًا، كانت الأخلاق تلك غاية في الفساد، خصوصًا لما تكون المصالح متقلّبة؛ إذ تقلّبها تابع لتقلب القائم عليها تدبيرًا-السياسة. الثانية: أنه عالم يسود فيه التنازع بإطلاق؛ إِذْ كلّ واحد من الناس ينازع الآخر حتى في خصوصية اعتقاده، ما دام الجميع يسعى للتسيُّد على الآخر. فيكون بالتبع الأصل في هذا العالم أن الأمور لا تستحق، وإنما تنتزع. الثالثة: إنه عالم منافق بإطلاق، ما دام أنه يقوم على المصالح المادية التي هي غاية في التقلُّب، فاحتيج بالتبع إلى الظهور بخلاف الحقيقة ليضمن الفرد المزيد من المصالح، فهو عالم بالتبع أسقط فيه الاعتبار الأخلاقي إسقاطًا. الرابعة: عالم مآله الهلاك حربًا، بالنظر إلى أن التسيّد يتعلّق بالجميع ولا حدّ له، فيكون بالتبع التسيّد هو الغاية، والنزاع العُنفي هو وسيلته، خصوصًا بعد اضمحلال العقل الراشد والقيم الأخلاقية المؤيدة[24].

4. الدلالة الائتمانية لمفهوم الهابيلية:

مفهوم (الهابيلية) يأتي في مقابل مفهوم (القابيلية)، الذي اشتقه المتن الطهائي من اسم (هابيل) أحد ابني آدم -عليه السلام-، للدلالة على «العالم الذي يسود فيه خيار الكفّ عن العنف في التعامل مع الآخر». وهذا العالم عبارة عن (قوة هابيلية) تتحدد بكونها (قوة روحية) لها صفات ثلاث، هي على النقيض من الصفات التي تكوِّن قوة (العنف القابيلي)، الذي هو في أصله (عنف نفسي)، وصفات (القوة الهابيلية) جامعها أنها (قوة جهادية)، وخصائصها الثلاث هي؛ أولًا: أنها (قوة ملكوتية)، الدالة على بذل أقصى الجهد في سبيل التحرّر من سلطان الأشياء. أما (القوة الملكية) في (العالم القابيلي) فهي عبارة عن قدرة النفس على بذل أقصى الجهد في التسلط على الأشياء بالوجه المشروع، وإلّا بالمسلك الحرابي. ثانيًا: أنها (قوة ابتلائية)، الدالة على قدرة الروح على بذل أقصى الجهد في الصبر على الأذى حتى مع وجود الاستطاعة على دفعه مما يفضي إلى العنف. أما (العالم القابيلي) فـ(قوته إهلاكية)، وهي عبارة عن قدرة النفس على بذل أقصى الجهد في الإيذاء، متعاطيًا إنزال الإهلاك بالآخر. ثالثًا: أنها (قوة سَلامية)، الدالة على قدرة الروح على بذل أقصى جهد في تحقيق المؤاخاة بين الناس. أما (العالم القابيلي) فـ(قوته حربية)، إذ هي قدرة النفس على بذل أقصى الجهد في معاداة الآخر متعاطيًا مسلك الحرب[25].

(العالم الهابيلي) ينضبط من المنظور الائتماني بقانونين؛ أولهما: قانون عدم الإحاطة، إذ ليس كلّ شيء يقبل السيادة، إذ توجد أشياء لا تقبل التسيُّد عليها، خصوصًا ذات الصبغة الروحية. ثانيهما: قانون عدم الشمول، إِذْ ليس كلّ واحد يصير سياديًّا، إذ إن هناك عدة أفراد لا يقبلون أن يتسيّدوا على أحد؛ قريبًا كان أو بعيدًا.

بناء على سالف القول، يتّصف (العالم الهابيلي) بمجموعة من الصفات من المنظور الائتماني، منها؛ الأولى: أنه عالم يخلو من سيطرة التسيّد، بل إنّ التسيد -كما غيره من الأعمال الأخرى- متروك للفرد، إذ ما هو مشترك بينهم لتحقيقه هو (المواطنة). الثانية: أنه عالم لو خيّر فيه الفرد بين التسيّد وعدمه لاختار عدم التسيّد، بالنظر إلى جليل المسؤوليات التي يورثها التسيّد والداعية إلى الابتعاد عنه. فالامتناع عن التسيّد يلازمه الخروج منه. الثالثة: أنه عالم لا ينطوي إلا على أدنى أسباب العنف، وذلك بالابتعاد والخروج عن أسبابه، وأهمها: التنازع (حب التملك)، وصورته الفاحشة (التسيد)، خصوصًا القهري، وأفحش صوره (التربُّب)[26].

في هذا السياق، شبّه طه عبد الرحمن (النموذج القابيلي) في العالم في مقابل (النموذج الهابيلي) بـ(النموذج الحسيني) باعتباره (هابيليًّا)، و(النموذج اليزيدي) باعتباره (قابيليًّا)، وذلك بالنظر إلى القتل الذي تعرض له الحسين بن عليّ بن أبي طالب على يد جنود عبيد الله بن زياد أمير يزيد بن معاوية على الكوفة، وتوضيح العلاقة كما يأتي:

أ. إذا كان (قابيل) قتل أخاه (هابيل) من أجل نَزْع ما حقّه أن يملك ماديًّا من متاع الحياة، أو رمزيًّا من (التقبُّل الإلهي)، فكذلك قتل (يزيدُ) (الحسينَ) من أجل نزع ما حقه أن يملك من (الإمامة)، أو ما فاته من (النسب النبوي الشريف).

ب. إنّ (القتل القابيلي) إذا كان قد فتح به طريقًا للإنسانية غير مسبوق في ظلم بعضها بعضًا، فكذلك (القتل اليزيدي)، فضلًا عن الاستهانة بـ(حق النفخة الروحية)، وما تميّز به الحسين بالانتساب لـ(العترة النبوية)، والذي استهتر به يزيد.

ج. إذا كان ظلم (قابيل) لـ(هابيل) لا يمحى من (الذاكرة) نسيانًا، ولا يرفع (قصاصًا) بعد وقوعه، فكذلك ظلم (يزيد) لـ(الحسين) لا ينسى ولا يرفع أبدًا[27].

ثالثًا: من مقتضيات النهي في قصة آدم وحواء -عليهما السلام- من منظور النظر الائتماني:

ورد النهي المنوط بآدم وحواء -عليهما السلام- في العالم الملكوتي الأول في العديد من الآيات القرآنية الخبرية، بصيغة {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}، مع ترتيب الجزاء عن ذلك، كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 19]، [البقرة: 35]. فهذه القصة وإن كانت في الأصل كما ينصّ طه عبد الرحمن (ملكوتية)، فقد أصبحت قصة (إنسانية كونية)، إذ قد وردت في الكتب المنزلة، وصدّق بها الناس على اختلاف وجوه التصديق، حتى أولئك الذين أنكروا المعتقد المسيحي القائل بـ(الخطيئة الموروثة)[28]، فإنهم لم ينكروا فائدة هذا النهي الوارد في قصة الإنسان الأول، فهي بالتّبع تنزل منزلة (القصص الإنساني الجامع)، الذي لا غنى عنه في الوصول إلى تحديد الحقيقة الإناسية، نظير ما يفعله الناس مع (القصص اليوناني) وإن كان (أسطوريًّا)[29]والتناول الطهائي من المنظور الائتماني للنهي ومقتضياته، يمكن بسط القول فيه من خلال الحديث عن المسائل الآتية:

المسألة الأولى: النهي الإلهي أساس الأخلاق في الوجود الإنساني:

يعتبر طه عبد الرحمن أن قصة النهي الأولى التي عرفها الإنسان الأول في (العالم الملكوتي)، والمتعلقة بالنهي عن (الاقتراب من الشجرة) تعدّ أساس المنهيات الأخلاقية[30]، باعتبارها تضع للإنسان (الحدود) في بُعدها الأخلاقي المجرد. فتكون بذلك (الأخلاق الشاهدية) ائتمانًا قائمة على مبدأين جامعين: (مبدأ حفظ الحدود) و(مبدأ ستر السوءات)[31]. والحديث الطهائي عن الحدود، تختلف مسالك النظر فيها باعتبار اختلاف سياقات التأسيس الائتماني، ومما يمكن الحديث عنه في هذا السياق ما يأتي:

1. حقيقة حفظ الحدّ:

ينطلق الاجتهاد الطهائي بناء على قصة النهي الأولى في عهد الإنسان الأول، من أن الإنسان في أصل وجوده (محدُود) بحدود، إذ الإنسان الأول في (العالم الملكوتي) الذي كان يتنعم فيه بنعم شتى، وشهد فيه أيضًا من كمالات آيات ربه سبحانه ما شهد جمالًا وجلالًا، باعتبار ذلك العالم هو عالم الشهادة والمشاهدة الحقة، إلى أن (وسوس لهما الشيطان) بأنْ بيّن لهما أن ذلك الحدّ يضيّق وجوده وملكه كاشفًا له محدوديته الأصلية التي خلق بها، إلى أن نزل القدر بـ(المعصية الأولى) فصار إلى (نسيان الشاهدية الإلهية)، إلا أن الله تعالى برحمته تداركه، باعتبار أن (الشاهدية الإلهية) لا تنفك عن (الراحمية الإلهية)، فأدركهما الله تعالى برحمته مخاطبًا إياهما بكلمات تمحو آثار سيئاتهما، حيث رجعا إلى ذكر شاهديته والتمتع بمشهوديتهما[32].

في سياق بيان علاقة (الحدّ) بـ(الحفظ)، أكد المتن الطهائي على أن وجود الإنسان الأول منذ لحظة تكريمه وجد عدوّه الأول-الشيطان. فيكون القصد من ذلك النهي في الحدث هو الحيلولة دون إضرار هذا العدوّ به؛ بحيث إنّ النهي الإلهي الأول ينزل منزلة (الحد الحافظ) من مكائد الشيطان العدوّ المبين. فـ(الحد) -كما ينصّ طه عبد الرحمن- عبارة عن (الحاجز الذي يفصل بين الإنسان وبين أذى الشيطان). ولما كان المجال ملكوتيًّا، الذي هو مجال شهادة بين الإنسان وربه سبحانه، ظهر أن عداوة الشيطان قائمة على صرف الإنسان عن حيز الشهادة وإيقاعه في حيّز الشرود. فتكون وظيفة الحد الأول هي (حفظ الإنسان الأول من الشرود)، الذي يتربص به عدوّه الأول لإيقاعه فيه؛ لذا فإن (الإنسان الآدمي-المتآدم) تبعًا لذلك، محدود بحدود تحفظه من عدوّه، وتحفظ آدميته لئلا يتأبْلَس[33].

2. الحدود تحرير مما يسلب آدمية الإنسان تأبلسًا:

النهي الوارد في قصة الإنسان الأول جعل طه عبد الرحمن يجتهد في تأسيس القول في مفهوم (الحدّ) بالمعنى الأخلاقي من منظور (الفقه الائتماني)، مختلفًا في ذلك عن تأصيل (الفقه الائتماري)[34]، وذلك من خلال تأسيس القول في جملة أصول منهجية ومعرفية، نورد منها ما يلي:

أ. إنّ النهي في قصة آدم -عليه السلام- يتحدّد بكونه الفعل المنهي عنه؛ بحيث يجب على المتلقي له الامتناع عنه كليّةً، فهو بمثابة المحرم في التشريع والممنوع في القانون، الذي تترتب عنه عقوبة إلهية، خصوصًا في صورتها الرمزية، كما وقع لآدم وزوجه -عليهما السلام- بعد الأكل من الشجرة، لولا أن تداركتهما (الراحمية الإلهية).

ب. النظر الائتماني يقدّم في النظر إلى النهي أو الأمر الإلهي مراعاة أمرين متلازمين؛ أولهما: مراعاة (الآمر الناهي الأعلى) سبحانه، من خلال استحضار أن الإنسان مشهود من قِبَل (الشاهد الأعلى) عزّ وجَلّ، قَبل الإقدام على الامتثال أو الاجتناب، وهذا ما لم يتقيد به آدم وحواء. ثانيهما: النظر إلى الأمر والنهي الإلهي بوصفهما من (الأمانات) التي حملها الإنسان باختياره.

 ج. يشكّل النهي الإلهي الموجّه للإنسان الأول ومَن تلاه (الموانع الأخلاقية) التي تشكلها (الحدود الإلهية) في النواهي وكذا في الأوامر، فيكون بذلك أن الأصل في الخلق الإنساني أنه (محدود)، وقد بدأ وعي الإنسان بذلك في عهد الإنسان الأول وهو في (عالم الملكوت)، إلا أن هذه الحقيقة على الرغم من سطوع أمرها لم يتقيد الإنسان بها، بل سوّلت له نفسه بإيعاز من الشيطان أنه قادر على تجاوزها، وقد اتخذ رفض ذلك التجاوز صورًا عديدة في عهود الإنسانية المتتالية.

د. إن النهي في قصة الإنسان الأول بوصفه حدًّا، فهو متحدّد بالناظم الدلالي المتعلق بكونه هو (الإجراء المانع) من التعدي والتجاوز المتجلي في الطغيان، والمفضي إلى التحدي، وكأنّ (الخالق الأعلى) سبحانه لا يشهد، فيكون بذلك الإنسان محدودًا خَلقًا وخُلقًا.

هـ. إنّ إضافة (الحدّ) إلى الله تعالى[35]؛ سواء بوصفه نهيًا أو أمرًا، يتقرّر من خلالها أنها من باب النسبة المطلقة الخاصة، للدلالة على اختصاص الله تعالى بها، باعتبارها أسبابًا يرضاها وأعمالًا يحبها سبحانه.

يتبيّن من خلال ما تقدم، أن النهي الأول للإنسان الأول، الذي هو بمثابة (حد)، ويلحق به ما أنزل الله تعالى تشريعًا للإنسان، أن به يتحقق قصد (حفظ الإنسان) مما يؤذيه، فيخرجه من (حيز الشهادة الائتمانية الملكوتية) إلى (حيز الاختيانية الاحتيازية الملكية)[36].

المسألة الثانية: حُبّ التملُّك وكشف السوأة:

إن الإنسان الأول في أصل الخَلق الأول خُلِق (مستور السوأة) غير مكشوف بالمعنى المادي، وقد أُدخل (العالم الملكوتي) كذلك مستورًا، ذلك أن الله تعالى قد ألبسه ألبسةً شتى متنوعة الصور والمواد ومتفاوتة الأقدار والطبقات ظاهرًا وباطنًا، قصد حفظ إنسانية الإنسان وصيانة مشهوديته، إلى أن وقع المحظور منه، وذلك بأكله مما نُهي عن الأكل منه، فزال عنه بالتبع اللباس الذي كُسي إياه من ربه تكريمًا تفضيلًا ومِنّة، فانكشفت سوأته. فيكون بذلك (حُبّ التملك الطاغي) القائم على (اتباع الشهوات) المتجلي في عدم الالتزام والتقيد بالمنهيات، كالنهي عن الأكل من الشجرة، مفضيًا إلى (نزع الألبسة) التي تدثر بها الإنسان تكريمًا له من الله وتفضُّلًا عليه، الأمر الذي جعل سوأته تتكشف، فضلًا عن آثاره وما يترتب عنها من جليل الخروج من (التآدم) والتيه في عالم (التأبلس) شرودًا دون قِبلة عاصمة موجهة[37].

المسألة الثالثة: التلازم بين التحذير من طاعة العدوّ الأول ووقوع النسيان الآدمي:

يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: 115]. والعهد المقطوع به لآدم -عليه السلام- هو مبيّن في قوله تعالى: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه: 117]، إلّا أن آدم لم يتقيد بذلك، إذ أطاع وسوسة عدوّه الشيطان، فعصى أمر ربه فغوى. يقول تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: 120. 121]. ثم تداركه الله برحمته تعالى بموجب الراحمية الإلهية الخاصة: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}[طه: 122]. وما زالت عداوة الشيطان مستمرة له ولبنيه إلى يوم يبعثون: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه: 123-124].

على الرغم من التحذير الصادر من (الشاهد الأعلى) سبحانه في (العالم الملكوتي) لآدم وزوجه، إلّا أنهما وقَعَا فيما وقع التحذير منه، وقد كان ذلك من المنظور الطهائي راجعًا إلى القدر الإلهي المقدور أو نزول القدر بالمعصية الأولى، فضلًا عن أنه يعدّ من المنظور الائتماني مجرد ابتلاء لتختبر به الإرادة الإنسانية في التصدي للعداوة الأصلية، وكلّ ذلك منوط بأصل الخلق الإنساني، القائم على نسيان (الشاهدية الإلهية) في العالم بنوعيه؛ ملكوتيًّا كان أو ملكيًّا، في غير أزمنة الذكر[38].

رابعًا: من مقتضيات القتل في قصة ابني آدم -عليه السلام- من منظور النظر الائتماني:

إذا كان محور (النهي) الإلهي عن الاقتراب من الشجرة في قصة آدم وحواء -عليهما السلام- هو (اتباع الشهوات)، الذي أفضى إلى (نزع اللباس) عن (سوأة الإنسان)، من قِبَل وسوسة العدوّ-الشيطان إغواءً ومكرًا؛ فإن محور قصة ابني آدم هو (سفك الدم)، الذي أفضى أيضًا إلى (نزع اللباس) الذي تعلّق بالروح التي نُفخت في هابيل من قِبَل أخيه قابيل غدرًا وحسدًا. يقول الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: 27-32].

بناء عليه، فإنّ التناول الطهائي الائتماني لهذا المحور في قصة ابني آدم، يتم التركيز فيه على جملة مسائل، نورد منها:

المسألة الأولى: فقه جذور العنف في العلاقات الإنسانية:

يرجع (العنف) من منظور طه عبد الرحمن إلى هذا (الحدث الفاصل) في التاريخ الإنساني، والمتعلق بقتل (قابيل) أخاه (هابيل). فيكون منشأ (العنف) بالنسبة للفكر الائتماني هو من هذا (القتل الأول). و(التأمل فيه واقعة وكيفية وعاقبة) يجعلك تقف على حقيقة (العنف) القائم على ثنائية (الجهل) و(الظلم)[39]، فضلًا عن أن التفكير ائتمانيًّا في مقتل (هابيل)، يفتح آفاقًا في فهم ماهية (العنف) ومتعلقاته في التعامل الإنساني[40]، ومما كشفه الفكر الائتماني في موضوع (العنف) عدّة أمور، يتم تفصيلها لاحقًا، وهي على وجه الإجمال:

1. إنّ قتل (هابيل) ارتبط بـ(أصل التشريع نفسه)، الذي هو (تشريع ملكي) وليس (تشريعًا ملكوتيًّا) كما في النهي في قصة آدم وحواء -عليهما السلام-، فلعلّ هذا القتل كما يقول طه عبد الرحمن، (كان قدرًا مقدورًا من أجل أن ينزل التشريع)، فيعقل الإنسان بالتبع معنى (القانون) وما يتضمنه من (حدود) وما يترتب عنه من (عواقب).

2. إنّ قتل النفس الواحدة بغير حقّ هو بمثابة قتل نفوس البشرية جميعًا. و(القتل) ليس مجرد (نزع الروح)، وإنما (نزع لباس الإنسانية) عن المقتول.

3. إنّ قتل أيّ نفس بغير حقّ في أيّ زمن له نسبة إلى القتل الأول، إِذْ يكون كلّ قتل لاحق منسوبًا إليه، فيحمل من وزره قسطًا، وهذا القاتل الثاني ينسب أيضًا إلى (قابيل)، فيكون بموجب هذه النسبة أن يشاركه في وِزْره، إذ تولّى تجديد عمله في الناس. و(المجدِّد كالمحدِث) في العمل[41].

بناء على هذه الاعتبارات الائتمانية، يتبيّن من خلالها طبيعة (الظلم) و(الجهل) الذي يرتكبه (العنيف)، والمتمثلة أساسًا في (انتهاك إنسانية المعْنُوف عليه)، والذي يفضي إلى (نزْع اللباس) عنه، وهذا (اللباس) بالأساس هو (لباس القيم الأخلاقية التي تحملها الفطرة الإنسانية خَلقًا). فيتجلى (الظلم) في سلوك (العنيف) بوصفه بلغ غايته في (تعدي الحدود)، إِذْ يؤدي إلى (إزهاق روح المعنوف وإهدار فطرته وكرامته). أما (الجهل) فيورث (العنيف) بدلًا من صفة (الإنسانية أو الآدمية-الأخلاقية) صفة (القابيلية) حسدًا وصفة (الإبليسية) عداءً[42].

المسألة الثانية: مفهوم التقبُّل في قصة ابني آدم:

من أسباب قتل النفس بغير حقّ في قصة ابني آدم، هو (التقبل الإلهي)، إذ قرّبَا قربانًا للتقرب إلى الله تعالى، فتُقبّل من (هابيل) ولم يُتقبّل من (قابيل). ومفهوم (التقبّل) من المنظور الائتماني هو عبارة عن مفهوم (شاهدي خاص)، ذلك أنّ كلّ واحد منهما أراد أن يظفَر بإقبال إلهي خاصّ بوجهه ونظره عليه، محصلًا لرتبة خصوصية شهادة الله تعالى، وخصوصية شهادته عليه أيضًا. فتكون بالتبع حقيقة (التقبل) هي (إرادة الفوز بالشاهدية الإلهية الخاصة التي لا تخصّ إلا المقرّبين). و(الشاهدية الخاصّة) غير (العامة)، إذ الثانية تشمل الناس جميعًا بحكم كون الله تعالى على كلّ شيء شهيد في الكون دَقّ أو جَلّ، وبموجب أن الله تعالى أيضًا وسع كلّ شيء علمًا. وشرط (التقبل الإلهي) من الإنسان-المتقرِّب إلى الله تعالى هو ما ورد التنصيص عليه في قوله سبحانه: {قَالَ إِنَّمَا يَتقبَّلُ اللهُ مِنَ المتَّقِينَ}[المائدة: 29][43].

المسألة الثالثة: التقبل الإلهي والمالكية الإنسانية:

استنادًا إلى النصّ القرآني، اختلف موقف ابني آدم من التقبل الإلهي القرباني؛ إذ (هابيل) تلقَّى القبول الإلهي بروحه، محققًا بذلك معاني التقوى والخوف من الله تعالى. أما (قابيل) فقد تلقاه بنفسه، فامتلأ غيظًا وتوعّد أخاه بالقتل، وهذا الاختلاف من المنظور الطهائي راجع إلى أن (هابيل) نظر إلى (التقبل الإلهي) على أنه عطاء وأمانة، أو قل: عطاء ائتماني. وكلّ عطاء بهذا الوصف يحقّ لمُودِعه أن يستردّه وقت ما شاء؛ بحيث إنّ هذا يلزم منه تقديم الواجبات التي يقتضيها على استيفاء الحقوق التي يورثها. أما (قابيل) فقد نظر إليه على أنه عطاء تملك أو حيازة، أو عطاء احتيازي. وكلّ عطاء بهذا الوصف يحقّ لحائزه أن يتصرّف فيه كما أراد، إذ يجوز أن ينقل حيازته إلى غيره ونحو ذلك؛ لذا فإنّ تعامُل (النموذج الهابيلي) مع العطاءات الإلهية تمّ وفق التعامل الروحي الائتماني، أما تعامل (النموذج القابيلي) معها فهو تعامل نفسي احتيازي تملكي صرف[44].

المسألة الرابعة: القتل الأول ونسيان الشاهدية الإلهية العامة:

بعد (التقبل الإلهي) من (هابيل) جعل (قابيل) يقتل أخاه منكرًا حقه في المشهودية الإلهية العامة، وحتى لمّا ذكّره أخوه على سبيل التعريض باحترام هذا الحقّ الشاهدي الذي وهبه (الشاهد الأعلى) سبحانه للناس جميعًا، لم يتقيد به، إذ عمد إلى (سفك دمه) ظلمًا[45]. وقد تناول الاجتهاد الطهائي قصة قتل الأخ أخاه من المنظور الائتماني، إذ بيّن من خلاله مجموعة أمور، منها:

1. القتل الأول وسَنُّ فِعل القتل:

إنّ (التنازع على التملك) في حياة الناس من المنظور الطهائي هو الأصل في القتل والاقتتال بينهم. والظاهر اجتماعيًّا أن هذا (التنازع) لا يسبق إلى قلب أحد مثل السبق إلى قلوب الإخوة. وفي قصة ابني آدم -عليه السلام- تجد أن (التقبل) هو أول ما تنازعَا على حيازته الأخَوان أيًّا كان المُتقبّل. فلم يتنافس ابنا آدم على تقبل الإله لقربانهما فقط، بل تنافسَا أيضًا على تحصيل تعلّق والديهما بهما، نظرًا لأن هذا التعلّق الأبوي تبع لتقبل الإله، لكنهما اختلفَا كما سلف القول في هذا (التقبل) تقربًا إلهيًّا كان أو تعلقًا إنسانيًّا، إذ اعتبره (هابيل) (أمانة)، وأما (قابيل) فعدّه (حيازة). وهذا التنافس تحاسدًا أفضى إلى (القتل). فيكون أول من سنّ القتل في الوجود الإنساني هو الأخ الشقيق.

تنازُع الإخوة من جهة (قابيل) اتخذ صيغة (العنف الأقصى)، المعبر عنه بـ(الخيار القابيلي)، وأما من جهة (هابيل)، فقد اتخذ صفة (السّلْم الأقصى)، المعبر عنه بـ(الخيار الهابيلي). من هذا الحيث، اعتبر القتل الذي أسفر عنه هذا التنازع بين الأخوين بمثابة الأصل الذي يردُّ إليه كلّ قتل سواه في الوجود الإنساني[46].

2. قتل الأخ لأخيه قتلُ الأخوَّة جميعًا:

لما كانت أسرة آدم أول أسرة في التاريخ الإنساني، فهي بمثابة المجتمع الإنساني بأسره. ويكون مفهوم (الأخ) -وإن كان فردًا واحدًا- دالًّا على أفراد المجتمع الإنساني كلّه، مهما اتسعت أطرافه وتعدّدت أُسَرُه وتفرّقَت أُمَمُه، عبارة عن أسرة واحدة تتحدّد العلاقة بين أعضائها بـ(الأخوّة). ولفظ (الأخوّة) من المنظور الطهائي نسبة إلى (الآدمية)، وهي نسبة إلى أب واحد بعينه، فيلزم أن كلّ أبنائه إخوة في علاقة بعضهم ببعض، فيكون بذلك مدلول (الإنسانية) راجعًا إلى مفهوم (الأخوة). وبالتبع يكون التصادم بين الناس هو بمثابة تصادم بين إخوة حقيقيين[47].

 بناء على ما تقدم، استخرج طه عبد الرحمن مجموعة مقتضيات ائتمانية، منها:

أ. إنّ قَتْل الأخ لأخيه على ضربين؛ قتل (الأخ القريب) و(قتل الأخ البعيد)، ذلك أن (الأخوّة) بموجب ميثاق (الائتمان) على نوعين: (أخوة الإنسان للإنسان)، و(أخوة الإنسان لغير الإنسان). فالقاتل لأخيه لا يقتل ذاتًا بعينها، وإنما يقتل أيضًا خاصية (الإنسانية)، جاعلًا مِن المقتول الإنساني كائنًا لا إنسانيًّا. والفرق من المنظور الطهائي بين المقتول الذي سُلِبَت منه إنسانيته ظلمًا والكائن اللا إنساني، هو أن الأول ذهبت منه صورة إنسانيته مع ذهاب روحها، والثاني ذهبت روح إنسانيته وبقيت صورته شاهدة على لا إنسانيته[48].

ب. قَتْل الأخ لأخيه القريب قاتِل لأخيه البعيد كذلك؛ ذلك أن (الإنسان الآية) كائن مؤتمن عالمي؛ بحيث تكون الكائنات غير الإنسان تربطه بها صلة (الأخوة). وقتل الإنسان المؤتمن هو قتل للكائنات التي اؤتمن عليها في العوالم الأخرى، حتى ولو كانت جمادًا؛ لأن الجماد أحياه الائتمان الذي تعلّق به، واهبًا إيّاه من المعنى الوجودي والقيمة الاستعمالية ما لم يكن فيه، فإذا انقطع عنه الأصل الائتماني فقَدَ معناه وقيمته.

ج. قَتْل الأخ والنّزْع المزدوج؛ ذلك أن القاتل لأخيه لا ينْزع عنه عالميته، بل ينزعها عن نفسه أيضًا، جاعلًا منها كائنًا لا عالميًّا. والفرق بين المقتول الذي سُلبت منه عالميته ظلمًا والكائن اللا عالمي، هو أن الأول ذهبت صورة عالميته وبقيت روحها، والثاني ذهبت روح عالميته وبقيت صورتها شاهدة على لا عالمية روحه.

يكون بذلك السعي لقتل الناس وغير الناس في العالم هو الذي أطلق عليه طه عبد الرحمن من المنظور الائتماني ما سمّاه بـ(الفتنة القابيلية) المتعلقة بمستويين: مستوى (قتل جميع الناس)، ومستوى (قتل غير الناس) بـ(القتل الواحد)[49].

3. التسوية بين قتل الواحد وقتل الجميع:

في قصة ابني آدم -عليه السلام- رتّب الله تعالى على قتل (قابيل) أخاه (هابيل) سَنّ القانون، وفي هذا -كما يقول طه عبد الرحمن-: «دلالة واضحة على أن الأخوة هي العلاقة الأصلية المحددة للاجتماع الإنساني»، أو الروح التي «تشكل الرابطة الأصلية التي يتأسس عليها التعامل الإنساني»، إذ بوجوده يوجد الإنسان، وبفقدها يفقد، فيكون بذلك كلّ أفراد البشر إخوة، للدلالة على أن (روح الأخوة) قتل الإنسانية شهادة أو أمانة، فضلًا عن أن الترتيب في القصة يشعر بوجود العِلِّـيَّة بين الطرفين؛ بحيث يكون القتل هو العلّة الأصلية في سنّ القانون الذي يحرّم القتل، ولا يصار إلى اعتباره علّة لتطبيقه إلا بدليل، وهذا الدليل هو احتمال تكرار القتل، وفي هذا أيضًا دلالة على أن القانون الأصلي في العلاقات الإنسانية هو قانون (تحريم القتل). وبموجب القتل الأول الحاصل في قصة الخلق الإنساني الأول، يكون بالتبع أنسب لنزول القانون الإلهي الذي يضبط الاجتماع الإنساني حفظًا لنظام الحياة، بل ليس أحقّ منه بالخضوع لأقصى التحريم لبلوغه الغاية في تعدّي الحدود، وإلا فلا أقلّ أن يكون تحريم القتل يشكّل أسبق السوابق في التشريع، إذ الغالب في التشريع على مقتضى الأسباب النازلة، فيكون سبب (القتل) سبق كلّ أسباب الإجرام والفساد في الأرض[50].

وعليه يكون (القتل) يقوم مقام السبب الأول لنزول القانون الإلهي المحرّم له، إذ إنه قائم على التسوية بين قتل الواحد وقتل المجموع. وقد ذكرت هذه التسوية في صورة تشبيه، قصد تقريب خفيّ حقيقتها إلى الأذهان[51].

في سياق نقد الاجتهاد التفسيري التراثي، اعتبر طه عبد الرحمن أن أهل التفسير وإن اتفقوا على أنّ في صورة التشبيه تنبيه بليغ على شناعة القتل العمد عدوانًا، إلا أنهم لم يتأملوا في أسباب هذه الشناعة باستثناء الزمخشري [ت: 538هـ] في الكشّاف، إِذْ إنه ردّ شناعة هذا القتل إلى مبدأ قرآني نصي، وهو (مبدأ الكرامة الإنسانية)، وهي على وجه الإجمال: ما به يستحقّ الإنسان الاحترام غير المشروط، والذي يتمثل في أمرين؛ أولهما: من حيث وجوده بوصفه إنسانًا، أو الإنسانية-الأخلاقية. ثانيهما: من حيث سلوكه بوصفه أخًا، أو أخوّته-بنوّته. وانتهاك الكرامة يعظم لعظمها[52]. و(الكرامة) من المنظور الطهائي بنوعيها؛ الإنسانية-الأخلاقية، والأخوّة-البنوّة، تجعل الواحد كالجميع، وهي تستمد تلك الصفة العامة من حقيقتين ملكوتيتين أو روحيتين، وهما: (الشهادة) القائمة على الإشهاد بالإقرار بوحدانية ربوبية الله تعالى (يوم الأخذ)[53]، و(الأمانة) القائمة على تحمّل الإنسان باختياره الأمانة تكريمًا وتكليفًا له[54].

في ختام إمكان المقالة الرابعة؛ نخلصُ إلى القول: إنّ (النظر القرائي الائتماني الجديد) -وإنْ تعلَّق بـ(قصة النهي الأول) و(القتل الأول) في التاريخ الإنساني وفق المحدد الإيماني والأخلاقي- فإن المنشود من وراء ذلك، هو معالجة وإيجاد الحلول لمعضلتين إنسانيتين معاصرتين؛ الأولى: تجاوز الحدود في استعمال الذات تكشُّفًا وتعدِّيًا وتحدِّيًا لمطلق الآخر، إلهًا كان أو إنسانًا ونحوهما، والثانية: تجاوز الحدود في إيذاء الآخر قتلًا، دون مراعاة لأيّ أمر، إيمانيًّا كان أو أخلاقيًّا أو قانونيًّا ونحوه. وهما معًا السبب المباشر في كشف (سوأة) الإنسانية الكبرى. فيكون المبتغَى من هذا كلّه، أن النظر الطهائي ينطلق من القرآن قصد وصف العلاج، بعد تشخيص الداء وبيان آثاره التي لا تُبقِي ولا تَذر على المستوى الإنساني الجمعي، باعتبار أن القرآن رسالة إنسانية وذات أبعادٍ إنسانية بكلّ محمولاتها.

 

 

[1] شرود ما بعد الدهرانية النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، ص487.

[2] المقالة الأولى من سلسلة مقالات (قراءة القرآن من منظور طه عبد الرحمن؛ عرض وتحليل): tafsir.net/article/5318.
المقالة الثانية: tafsir.net/article/5320.
المقالة الثالثة: tafsir.net/article/5321.

[3] خصوصًا المصنفات الآتية: روح الدين من ضيق العَلمانية إلى سعة الائتِمانية، بؤس الدهرانية النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، شرود ما بعد الدهرانية النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، ثُغور المرابطة مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية.

[4] سبق التعريف بهذه الفلسفة أو المنظور في قراءة آيات النصّ القرآني في المقالة الأولى من سلسة هذه المقالات المتعلقة بالتعريف بالاجتهاد الطهائي.

[5] خصوصًا نقد (سغموند فرويد) و(جاك لاكان) و(جورج باطاي) و(فريديريك نيتشه) و(ماركيز دي ساد) و(إيمانويل ليفيناس) وغيرهم. ومرجعية النقد الطهائي، المرجعية الإسلامية بالاعتماد على النصّ الشرعي ولغته ومحركه الاجتهاد في صورته المنطقية والفلسفية والروحية والأخلاقية.

[6] شرود ما بعد الدهرانية، ص42. كثيرًا ما يطلق طه عبد الرحمن مجموعة تعبيرات للحديث عن الله تعالى غير معهودة في الإطلاق التراثي، وإن كانت تستند إلى نصوص شرعية أحيانًا، منها: (الراحم الأعلى)، (الشاهد الأعلى)، (المصوّر الأعلى)، (الآمر الناهي الأعلى)، (البصير الأعلى)، (الخالق الأعلى)، ونحو ذلك.

[7] سبق الحديث عن هذه المفاهيم الثلاثة المحورية في الاجتهاد الطهائي في المقالة الأولى.

[8] شرود ما بعد الدهرانية، ص473، 475. وقد اعتبر طه عبد الرحمن أنّ وصف المعاني بـ(النور) هو وصف حقيقي لا مجازي، وقد ردّ الاعتراض القائل بالضد. نفسه، ص473-476.

[9] شرود ما بعد الدهرانية، ص42، 475، 476، 481، 489.

[10] تأمل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]. وقوله سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 34].

[11] تأمل قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 32]. {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف: 11، 12].

[12] تفكر في قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف: 20-22].

[13] شرود ما بعد الدهرانية، ص476-480. تفكر في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: 22، 23].

[14] شرود ما بعد الدهرانية، ص481. قسم اللباس المادي إلى قسمين باعتبار خيار الإنسان وعدمه. نفسه، ص480، 481.

[15] شرود ما بعد الدهرانية، ص489، 548.

[16] شرود ما بعد الدهرانية، ص487. تفكر في قوله تعالى بعد النزْع الأول في جنب الإنسان الأول: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[البقرة: 37]. وقوله في سياق بيان عجز القاتل الأول: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[المائدة: 31].

[17] شرود ما بعد الدهرانية، ص488. (التزكية) من أهم مقومات الفلسفة الائتمانية، كما سبق تفصيل القول في المقالة الأولى.

[18] شرود ما بعد الدهرانية، ص41-43.

[19] شرود ما بعد الدهرانية، ص432-437. قسم المتن الطهائي (الحياء) إلى قسمين: (الثابت) و(الطارئ)، باعتبار كون (الحياء) ظاهرًا وباطنًا، أو وقفًا على الظاهر فقط. نفسه، ص434.

[20] شرود ما بعد الدهرانية، ص546، 548، 549. وهذا من أهم منافذ النقد التي يقوّم بها النظر الائتماني ظاهرتي (التكشف) و(العنف المادي) في الوجود الإنساني، من خلال استلهام (القصص القرآني).

[21] سؤال العنف بين الائتمانية والحوارية، ص12، 49.

[22] يستعمل المتن الطهائي مفهوم (الحيازة) في كلّ السياقات التأسيسية في مقابل مفهوم (الأمانة)، نظير التقابل بين مفهوم (الملك) و(الملكوت)، ومفهوم (النفس) و(الروح).

[23] ثغور المرابطة مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية، ص14.

[24] سؤال العنف، ص12-15.

[25] سؤال العنف، ص12، 122، 123. ثغور المرابطة، ص201.

[26] سؤال العنف، ص16-19.

[27] ثغور المرابطة، ص81، 82.

[28] مفهوم (الخطيئة الأصلية) باعتباره أساسيًّا في الاعتقاد الديني المسيحي الكاثوليكي، قد وضعه القديس أوغسطين، للدلالة على أكل آدم وحواء -عليهما السلام- من الشجرة المنهي عنها، وقد ترتبت عنها اعتقادات أخرى في التاريخ المسيحي. شرود ما بعد الدهرانية، ص514.

[29] شرود ما بعد الدهرانية، ص39، 40.

[30] من خلال هذه القصة وغيرها مما أورده النصّ القرآني أصّلَ طه عبد الرحمن أن (الأخلاق) أسبق على (الوجود)، باعتبار أسبقية الخطاب الإلهي للإنسان قبل خلقه، تخلق الإنسان في عالم الغيب قبل خروجه إلى عالم الشهادة، تأثير الخُلق على الخَلق، الوظيفة الخلقية للذاكرة الأصلية، أسبقية الفطرة على ما عداها، ونحو ذلك. شرود ما بعد الدهرانية، ص268-279. روح الدين، ص27-49.

[31] شرود ما بعد الدهرانية، ص39. تأمل الآيات التالية: [البقرة: 36]، [الأعراف: 22]، [طه: 119].

[32] شرود ما بعد الدهرانية، ص40.

[33] شرود ما بعد الدهرانية، ص41.

[34] إذ أكثر المتن الطهائي من نقد اجتهاده وغيره، بدءًا بتعريف مفهوم (الحد)، وانتهاءً بتقرير أنواعه ولواحقها ومتعلقاتها الشرعية. دين الحياء، ج1، ص119-138.

[35] تدبر قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}[النساء: 14].

[36] دين الحياء، ج1، ص120-130. روح الدين، ص380. شرود ما بعد الدهرانية، ص41.

[37] شرود ما بعد الدهرانية، ص42. تفكر في قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}[طه: 120].

[38] شرود ما بعد الدهرانية، ص40، ثغور المرابطة، ص128، روح الدين من ضيق العلمانية إلى سَعة الائتمانية، ص13-16.

[39] سؤال العنف، ص34.

[40] سؤال العنف، ص43.

[41] سؤال العنف، ص44-46.

[42] سؤال العنف، ص47. تفكر في قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[ص: 82، 83]. وقوله سبحانه:{إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}[المائدة: 29].

[43] شرود ما بعد الدهرانية، ص481، 482. إن (النهي) في قصة الإنسان الأول، و(التقبل) تقربًا إلى الله تعالى في قصة ابني آدم -عليه السلام- كان مشخصًا لا مجردًا، بالنظر إلى خصيصة طبيعة المرحلة الإنسانية وقتئذ.

[44] شرود ما بعد الدهرانية، ص482، 483.

[45] شرود ما بعد الدهرانية، ص483.

[46] شرود ما بعد الدهرانية، ص483، 484، سؤال العنف، ص12، ثغور المرابطة، ص201.

[47] شرود ما بعد الدهرانية، ص484، 485.

[48] ثغور المرابطة، ص215، 216.

[49] ثغور المرابطة، ص216. قد اعتبر طه عبد الرحمن أن كشف هذه السوأة الإنسانية يقتضي إيجاد حلّ، وهو ما يتم عن طريق ما سمّاه بـ(المثقف المُرابط)، الذي خصّص للحديث عن مهامه وأدواره الوجودية في المجتمع الإنساني، مصنفه: ثُغور المرابطة مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية.

[50] شرود ما بعد الدهرانية، ص485. سؤال العنف، ص44.

[51] شرود ما بعد الدهرانية، ص486.

[52] شرود ما بعد الدهرانية، ص486، 487. من أهمّ المحددات التي اجتهد طه عبد الرحمن في إقامتها أن ماهية الإنسان تتحدد بـ(الأخلاق) لا بـ(العقل)، إذ العقل في أصله مردّه إلى الخلق، إذ يحسّن أو يقبّح نظير الخلق. الحوار أفقًا للفكر، ص61، 58، 122. حوارات من أجل المستقبل، ص126. سؤال الأخلاق، ص13، 87. العمل الديني وتجديد العقل، ص17-21. فضلًا عن محددات أخرى خالف فيها الاجتهاد الطهائي السائد في الفكر الإسلامي والغربي الحداثي، نحو ملازمة الأخلاق للفطرة والدين والقانون، علاوة على ماهية العقل وأسبقية الخلق على الحكم في النص الشرعي الإسلامي.

[53] تأمل قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ}[الأعراف: 172، 173].

[54] شرود ما بعد الدهرانية، ص487. تفكَّر في قوله سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72].

الكاتب

محمد كنفودي

باحث مغربي حاصلٌ على إجازة في الدراسات الإسلامية، درجة الماجستير في فقه المهجر أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وله عدد من المؤلفات العلمية والمقالات المنشورة في مجلات ودوريات ومراكز بحثية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))