قراءة القرآن من منظور طه عبد الرحمن؛ عرض وتحليل (3-4)
النظر القرائي الجديد لآية الدعاء بالأسماء الحسنى من المنظور التأسيسي لطه عبد الرحمن

الكاتب : محمد كنفودي
ضمن هذه السلسلة المتعلقة بقراءة طه عبد الرحمن لآيات القرآن تأتي المقالة الثالثة لتستعرض جملةً من المعاني القائمة على ما اقتضاه ما سمّاه المتن الطهائي بـ(النظر الائتماني)، خصوصًا في البعد الإيماني والأخلاقي لهذه المعاني، التي بناها طه عبد الرحمن من خلال إعادة قراءته لآية الدعاء بالأسماء الحسنى، وهي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأعراف: 180].

تسهيم:

  يقول طه عبد الرحمن: «إنّ حكم التعامل مع القيمة التي هي آية مَلكوتية، غير حكم التعامل مع الواقعة التي هي ظاهرة مُلكية؛ فإذا كان الشكّ هو الطريق الذي يوصّل إلى إدراك الواقعة والانتفاع بها، فإن اليقين هو الطريق الموصل إلى إدراك القيمة والاهتداء بها؛ فبقدر ما نسلّم بالقيمة ونأخذ بهديها، تكشف لنا وجه سموّها وقدرَ الإفادة منها، أما التردُّد فيها أو الاعتراض عليها فلا يجعلها إلّا تزداد تستُّرًا واحتجابًا عنّا، حتى نتوهم أن سموّ عملنا إنما يكون في تركها، فنسقط حتمًا في شَرَك الأخذ بنقيضها، ما دامت القيم السامية لا منشأ لها ولا موئل إلّا الأسماء الحسنى، كما لا بيان لها إلّا الأحكام الشرعية المنزلة، وما دام الانتفاع بهذه القيم لا سبيل إليه إلّا بتحصيل يقين بهذه الأسماء الإلهية والأحكام الشرعية يسمو على اليقين بأسمائنا ووجودنا»[1].

تمهيد[2]:

سطّر أهلُ الفكر الإسلامي في مختلف مراحل تاريخه نصوصًا عديدة؛ سواء بصورة عامة أو خاصة، في مختلف حقول المعرفة في ما يتعلق بموضوع الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى، وما زال النظر في هذا الموضوع متواصلًا من مناحٍ بحثية مختلفة. والنظر الطهائي -كما يتجلى تباعًا- لم يتناول الموضوع من منظور معهود الفكر الإسلامي منهجيًّا ومعرفيًّا، وإنما اجترح مسلكًا للنظر فيه تتوافق في رحابه المعاني الإيمانية والأخلاقية بالأنظار العقلية والفلسفية، قصد نشدان الإصلاح الكوني أو الإنساني، الأمر الذي جعله يعيد النظر تارة أخرى في الموضوع جذريًّا وما يتعلّق به من مسائل كلية أو جزئية. نجتهد في هذا السياق لبيان مقومات الاجتهاد الطهائي الائتماني في الموضوع، وفق ما يأتي:

أولًا: منطلقات أولية تمهيدية:

1. النظر الطهائي في هذا الموضوع -نظير مواضيع أخرى- يتداخل فيه النقد والتأسيس؛ فهو ينتقد ليؤسّس، ويؤسّس لينتقد. ونجتهد في هذه المقالة للفصل ما أمكن بين معالم النظر التأسيسي وملامح النظر النقدي.

2. يتصل موضوع الدراسة بمبحث (الإلهيات) من المنظور الديني وما يتعلق به من كليات وجزئيات، إلّا أن التناول الطهائي له بقدر ما أدرج فيه النظر الفلسفي والمنطقي واللغوي والأخلاقي، جعله يستجيب لمتطلبات الإصلاح، مع العلم أن الناظم الغالب له هو المنظور الائتماني في بُعديه؛ الإيماني والأخلاقي.

3. من المعلوم أن موضوع (الإلهيات) وما يتعلق به من أصول وفروع، ينتظم في مفهوم (التوحيد) بالمعنى الإيماني الديني، وللتجريد فيه ميزان متى اختل أحد طرفيه تحول إلى تجسيد تشبيهي أو تجسيمي، وهذا من أهم ما يتحدّد به النظر الطهائي في هذا الموضوع، سعيًا للتشبّه ودرءًا للتشبيه.

4. توسّل طه عبد الرحمن في تأسيس القول في الموضوع بمفاهيم تراثية، إلا أنه يستخدمها وفق استعمال خاصّ، خصوصًا على المستوى الدلالي في بُعدها الإيماني والأخلاقي.

5. اجترح طه عبد الرحمن في النظر إلى هذا الموضوع مسالك نظرية منهجية ومعرفية عديدة، غير معهودة ولا مألوفة في اجتهاد التراث الإسلامي، باستثناء الاجتهاد التربوي.

6. ينتظم الاجتهاد الطهائي في هذا الموضوع وفي سواه بإعطاء الأولوية المطلقة للقيم الأخلاقية على ما سواها، واعتبار كلّ ما عداه في مقام الوسيلة إليها.

ثانيًا: النقد الطهائي للتناول التراثي لموضوع الأسماء الحسنى:

بيّن النظر التراثي جملة مسائل متعلقة بـ(الأسماء الحسنى)؛ سواء من حيث بيان أصولها، وتأسيس معانيها، وتحديد عددها، وتعيين علاقاتها بالله تعالى وببعضها بعضًا وبالصفات والأفعال الإلهية ونحو ذلك، وهذه المسائل وسواها مبسوطة في مظانّها المقرّرة في هذا الموضوع. واجتهادنا في هذا السياق لا يتّصل بإيراد ذلك، وإنما يتعلّق رأسًا بالبحث في المتن الطهائي عن بعض معالم النقد الطهائي للتناول التراثي، ونورد من ذلك ما يلي:

يميز طه عبد الرحمن في التناول التراثي لهذا الموضوع بين مسلكين: مسلك أهل (العقل المجرَّد)، الذي قام بنيانه في فضاء علم الكلام، ومسلك أهل (العقل المسدَّد)، الذي تأسس في رحاب علم الفقه والتفسير[3]. ولكلّ نظر من هذين النظرين نقد خاصّ ونقد عام من المنظور الطهائي:

1. النقد الخاصّ:

إن أهل (العقل المجرد) حسب الوصف الطهائي، قام منهج نظرهم في هذا الموضوع على التوسل بـ(اللغة). و(اللغة) حدًّا كما هو معلوم، عبارة عن نظام أو نسق مركّب من وحدات منفصلة ومتمايزة فيما بينها، وهي وحدات تعكس علامات صوتية لها وظيفة رمزية. وما يمكن أن تفيده بناء على هذا الحدّ لا يتجاوز عتبة تصورات الأعيان الخارجية، بالنظر إلى استقلال مستوى (اللغة) عن مستوى (الوجود)، وقيام كلّ واحد من المستويين بشروط معينة لا يشاركه فيها الآخر. فكانت بالتّبع مختلف الأدلة الوجودية المعتمدة في هذا الباب لا تتجاوز حدّ (الظنّ) التصوري، ولا ترتقي إلى حدّ (اليقين) المطلوب في هذا الباب، بالنظر إلى طبيعة (اللغة) القائمة على (النماذج-الشواهد المثلى). فيكون ولا شك مسلك الفهم والإفهام متوسلًا بأسلوب المقارنة والتشبيه، القائم على الاستدلال بالانتقال من صفات الخلق إلى صفات الخالق، وهذا هو الذي سماه طه عبد الرحمن بـ(طريق التسمية) أو (التقرب بالتسمية) أو (التكليف القرباني)[4]. وحاصل القول فيه، أن النظر في الموضوع بمقتضى المبنى اللغوي لا محيص من أن يكون تحقيق المعرفة العقلية فيه بطريقة (التشبيه). و(الناظر) فيه بالتبع واقع تحت وطأة الأساليب التشبيهية في تقريب المطلوب الغيبي وتقرير متعلقاته. وعلى الرغم من سعي (الناظر الإلهي) للبعد عن (التشبيه)، إلّا أنه وقع في نقيضه، وهو (التعطيل). وعدم التخلص من حيرة النظر راجع إلى (قصور اللغة) عن الاقتراب من المعرفة الإلهية، وعن تحقيق (التنزيه) اللائق بالذات الإلهية؛ لذا كان نظر (العقل المجرد) في إدراك الحقائق الإلهية، عبارة عن (طريق مسدود)، أو على الأقل (محدود) محدودية (العقل المجرد). وعمومًا فإن أهل هذا (العقل المُقارب) سمُّوا كذلك من المنظور الطهائي؛ لأنهم أقاموا أمر (التكليف) على مسلك (ترك التقيد بالعمل الشرعي)، فكانت بالتبع مجمل آفاتهم (نظرية)، عكس أهل (العقل المسدد)[5].

قسيم (العقل المجرد) في النقد الطهائي هو (العقل المسدد)، الذي لا يخلو بدوره من آفات عملية، على الرغم من كونه قصد تكميل (العقل المجرد) تنقيحًا وتصويبًا، عبر الدخول في ممارسة (العمل الشرعي)؛ سواء كان في نطاق (الممارسة الفقهية) أو (الممارسة السلفية). ومعيار هذا (العقل المنقح) أو (المصوّب) أنه يتحدد بـ(موافقة الشرع)، من خلال الدخول في الاشتغال (طلبًا للتوفيق الإلهي) و(جلبًا للمصلحة). والذي يهمنا في هذا السياق هو (الممارسة الفقهية)، التي تنهج في تحقيق النظر مسلك (التقرب بالعبادة)، أو (التكليف القربي) أو (القرباني) حسب الاصطلاح الطهائي، من خلال منهج الاستدلال القائم على (الانتقال من أفعال الخلق إلى أفعال الخالق)[6]. وتتقيّد هذه الممارسة في معرفة (الأسماء الإلهية الحسنى) بـ(النظرية التواترية)، توسلًا بالالتزام بما تواتر من أخبار في القرآن والسنة، مع التوقف دون الخوض فيها، طالبين معرفتها الصحيحة بإقامة (العمل الشرعي)، وعلى الرغم من هذا المنهج وقع أهل (العقل المسدد) في شراك آفات خلقية عديدة، منها: (آفة التظاهر) و(التقليد) و(القربانية-التبدع) ونحوها[7].

2. النقد العام:

في إطار بيان معالم البعد عن تحقيق الوفاء بحاجتنا من المعرفة الإلهية في اجتهاد العقل التراثي في بعديه؛ (المجرد) و(المسدد)، نورد بعض أوجه النقد الطهائي العام، ومن ذلك:

أ. المحددات العامة لأهل النظر العقلي التراثي من المتكلمين والمفسّرين وغيرهم في مسألة الألوهية والأسماء الحسنى، أن العقل الناظر تَحدّد من المنظور الطهائي بالمحددات الآتية: (الوصف الرمزي)؛ بحيث إنه لما كان الهمّ عندهم هو العلم بالوجود بعينه، وليس مجرد العلم بتصوّر هذا الوجود، فإن توسلهم بـ(اللغة) ما كان ليمدهم بأكثر من تصورات عن هذا الوجود تبقى حبيسة الذهن، ولا تدخلهم أبدًا عالم التحقّق والإيمان، كما هو مسلك أهل (العقل المؤيد). (الوصف الظني)؛ بحيث إنه على الرغم من كثرة الأدلة المبنية في الباب إلّا أن صورتها تخرج عن ناظم صورة البرهان القاطع؛ لكون معالمها غير محدودة وطريقة تحصيلها غير مضبوطة وصحتها الإجرائية غير معلومة حسب تنصيص طه عبد الرحمن، وما هي إلا دليل على عدم حصولهم على برهان قاطع يفيد اليقين[8]. (الوصف التشبيهي)، سوف يتم الحديث عن هذا الوصف في النقد الآتي.

ب. إن (الناظر الإلهي) من المنظور الطهائي الذي يسلك سبيل المشابهة لتناول مبحث الإلهيات وما يتعلق بها واقعٌ حتمًا تحت وطأة (التشبيه)، على الرغم من السعي نحو تحقيق التنزيه اللائق بمقام الألوهية، ولا ينفعه أن يتوسل في سبيل تحقيق ذلك بمفاهيم ومقولات بدعوى أنها لا يشاركه فيها غيره، مثل: (التعالي) و(الإطلاق) و(اللا تناهي). فما من مفهوم من هذه المفاهيم إلّا وتحتفّ به وجوه من التشبيه قد تدقّ عن الإفهام، بالنظر إلى التقيد بقاعدة تمييز الشيء بضده. مساوئ هذا التشبيه تقترن بمساوئ تشبيه آخر. فـ(التشبيه الاختياري) الذي عرفت به فرقة (المشبهة) في تاريخ الفكر الإسلامي، لا فائدة علمية من ورائه. فما يعنينا ونقصده في هذا السياق، هو صورة من صور (التشبيه الاختياري) التي هي ألطف وأخفى؛ بحيث تظهر متقمصة صورة من صور العلم والتحقيق، وهي أن يتكلف الناظر تقديرات وهمية وافتراضات عائمة؛ سواء كانت ممكنة أو ممتنعة. وأخفى من هذا، أن يتساوى في الخطاب ما يليق بذات الله تعالى ومطلق ما سواه. فإذا كان هذا النوع من التشبيه لا يجوز التمادي فيها، فما حيلة الناظر الإلهي مع (التشبيه الاضطراري) الذي هو من (اللغة) -حسب تنصيص طه عبد الرحمن- بـ(منزلة العورة من البدن)، إذ ينشأ عن اللغة من حيث هي لغة[9]؛ تلافيًا وتفاديًا للتشبيه بنوعيه، اتّبع التناول التراثي مسالك أخرى في النظر، منها:

مسلك (التعطيل)؛ بحيث إن هذا الاختيار من المنظور الطهائي يوقع الناظر في ما هو محظور شرعًا ومحال عقلًا، مثله مثل الاختيار الذي استبدله به، وهو (التشبيه)، إذ (التشبيه) يفضِي إلى التسوية بين الخالق والمخلوق، أمّا (التعطيل) فيؤول إلى التسوية بين الموجود والمعدوم. و(المعطلة) على الرغم من نزعتهم (العدمية) كانوا أوفق من غيرهم في تتبع (عورة اللغة-التشبيه الاضطراري)، علمًا أنهم لم يهتدوا إلى تصوّر اللباس المناسب لستر مكشوف (عورة اللغة).

مسلك (التأويل)؛ بحيث إنّ هذا التوجّه في الفهم يتبع قاعدة الاجتهاد للعدول بالألفاظ عن معانيها الحقيقية والأصلية إلى معانٍ أخرى مجازية كانت أو غيرها، من باب (توسيع اللغة). وعلى الرغم من هذا الاجتهاد القائم على (التوسيع)، فإنه لا يقي من السقوط في آفة (التشبيه الاضطراري)، إذ إن الناظر المؤول لا يزيد عن نقل علامات التشبيه من مستوى المعنى الحقيقي إلى مستوى المعنى المجازي، فضلًا عن وقوعه في شراك آفات التكلّف والابتداع وتحريف الكلم عن مواضعه.

مسلك (الإثبات)؛ بحيث إنّ هذا المهيع في أصله عبارة عن كبح جماح العقل، والتقيد ظاهرًا بما جاء في الكتاب وصحيح السنة النبوية، نظرًا لإدراك أهله حدود النظر العقلي في المعرفة الإلهية ذاتًا وأسماءً وصفاتٍ، إلا أنه من المنظور الطهائي لا يفي بالغرض المطلوب في الباب؛ بحيث يرفع (التشبيه الاضطراري)، إذ إن أهله ينهجون سبلًا قريبة من سبل (المعطلة)، وذلك بالركون إلى الإثبات والنفي لا بقصد التدليل والتبرير، وإنما لمجرد التصريح والتكرير[10].

ج. في سياق النقد المتعلق بمفهوم (التشبيه) في علاقته بـ(الأسماء الحسنى)، توقف طه عبد الرحمن عند بيان الأثر السائر: «تخلَّقُوا بأخلاق الله»[11]، الداعي إلى التشبه بالإله على قدر الطاقة. فاجتهد في سبيل بيان اللّبس لتبين طريق الحكم عليه، فقرّر تبعًا لذلك ما يلي:

- إن لفظ (الخُلُق) متى حمل على (الصفة الثابتة التي تقوم بالذات)؛ سواء حملتها الذات بالفطرة أو بالاكتساب، لا تضاف إلى الله تعالى؛ إذ (الفطرة) كما هو معلوم من (الخَلق)، و(الاكتساب) من (النقص)، وكلّ ذلك مستحيل في حقّ الله سبحانه.

- قد يعرف (الخُلُق) بكونه هو (الصفة التي لا تنفك عن الذات)، فيجوز بالتبع إسناده إلى الله تعالى، إذ لا تختلف عبارة: (أخلاق الله)، عن عبارة (صفات الله). فتكون مثلًا صفة الراحمية الإلهية خُلقًا إلهيًّا، وهكذا بالنسبة إلى جميع صفاته القدسية ما علمنا منها وما لم نعلم، نظرًا لكثرتها اللا متناهية.

- إن القول بـ«أخلاق الله تعالى» لا يتعلق به (التشبيه) أكثر مما يتعلق بالقول بـ(صفاته تعالى)، بالنظر إلى أن الإنسان لا يتمكن من تحصيل إدراكاته عن (عالم الـمَلكوت) إلّا بالقياس إلى إدراكاته في (عالم الـمُلك)، ولو اجتهد الإنسان تحقيق (التنزيه الملكوتي)، يبقى تنزيهه واقعًا -ولا شك- تحت طائلة (التشبيه) بـ(التجريد الـمُلكي)[12].

- إزاء هذا (التشبيه الاضطراري-القدر التشبيهي)، تفرق النظار في تاريخ الفكر الإسلامي -كما هو معلوم- إلى طوائف ثلاث: أهل (التعطيل)، وأهل (التشبيه)، وأهل (التأويل). إلّا أن أهل (التأويل) حرصًا منهم على تحقيق (التنزيه)، لجؤوا إلى آلية التفريق لمواجهة هذا (التشبيه)، فميزوا بين دلالة الصفة على الحقيقة ودلالاتها على سبيل المجاز. وعلى الرغم من تقرير هذا التمييز لم يحسم الأمر، بل تولدت عنه إشكالات وجدالات نظرية مثيرة[13].

- إن (القدر التشبيهي) لا يرفعه إلا قدر من جنسه، وهو (التشبُّه)، فكما أن (التشبيه) لازم للإنسان بحكم بنيته العقلية، فإن (التشبه) لازم له بحكم بنيته النفسية، إلا أنهما عبارة عن توجُّهين متضادين، فإذا كان (التشبيه) يردُّ صفات الإله إلى صفات الإنسان، فإن (التشبه) على عكسه، يردّ صفات الإنسان إلى صفات الإله، وكِلا الردَّين في صورتيهما المغاليتين غاية في الفساد[14].

- إن (التشبيه الاضطراري) قد يجتمع مع (التشبه الاختياري)، فإن الأول هو الذي لا طاقة للإنسان على صرفه، مع دوام سعيه إلى صرفه إلى ما سواه. أما الثاني، فهو عباره عن اجتهاد الإنسان باختياره في التشبه بصفات الخالق، قائمًا بتمام شرائطه التي تحفظ المباينة المطلقة بينه وبينه. ويبقى (التشبه) في مجمل حالاته مشعرًا بمعنى (المشابهة)، وهي نفاذ (المباينة)، فيندب تلافيًا لذلك استبداله بلفظ (التخلّق)، احترازًا من هذه الشبهة؛ لذا فإن الراجح أن من قال بـ(التشبه بالإله)، لا يقصد بقوله إلا هذا (التشبه الاختياري) الحافظ لحدود المباينة.

- إن عبارة: «تخلَّقُوا بأخلاق الله»، إذا كانت لا ترِد عليها شبهة (التشبه)، التي يمكن أن ترِد على عبارة: «تشبهوا بالإله»، إلا أنها من المنظور الطهائي ترِد عليها شبهة أخرى، والتي سماها بـ(التربُّب)، وهي أعظم منها.

- تزول كلّ تلك الشُّبَه القائمة على إقامة معنى (التخلق) وفق علاقة الإنسان بالله تعالى بناء على علاقة مُلكية، إلا أن التعامل الخُلقي مع الإله، هو في أصله تعامل مَلكوتي، الذي لا ملك فيه للإنسان عكس المُلكي؛ لأن (عالم الملكوت) هو (عالم الأمانات) لا (عالم الحيازات)، أو هو (عالم الآيات) لا (عالم الظاهرات)[15].

د. في سياق بيان (وحدة الأسماء الحسنى) انتقد طه عبد الرحمن مسلك المتقدمين الذين تقرّر عندهم التفريق بين (أسماء الذات) و(أسماء الصفات) و(أسماء الأفعال)، وقد بيّن أن الأصل في هذا التفريق راجع إلى أخذهم بمعيارين متداولين في مسلك التفريق، وهما؛ الأول: (معيار الانفكاك) بالنسبة إلى الفرق بين (الذات) و(الصفة)، وهذا المعيار يقوم في أصله الناظم على تصور ظني مبني على أن (الذات يمكن تصورها مستقلة عن الصفات)، إلا أنه لا يمكن تصور الصفة إلا قائمة بالذات، وهذا الفرق من المنظور الطهائي معترض عليه، باعتبار أن الذات هي نفسها الصفة التي تخبر عن ثبوت الخاصية الذاتية للذات؛ بحيث إنها تنزل منزلة الصفة الأولى. الثاني: (معيار الرسوخ) بالنسبة للفرق بين (الصفة) و(الفعل)، وهذا المعيار أيضًا ينبني على تصوّر ظني مؤسّس على أن (الصفة هيئة راسخة في النفس)، بينما الفعل لا يكون إلا من صفة قائمة بالذات، فالصفة إنما تتجلى بالأفعال، فيكون بالتبع اسم الفعل من جنس اسم الصفة. ومحض القول: أنْ (لا ذات بغير صفة أو صفات تشهد لها بالاعتبار)، كما أنْ (لا صفة بغير فعل أو أفعال تشهد لها بالاعتبار) أيضًا[16].

هـ. في سياق متصل بنواظم (الأسماء الحسنى) توقّف طه عبد الرحمن بالنقد عند اختلاف التناول التراثي على أقوال ومذاهب شتى متعلقة بطبيعة علاقة (الاسم) بـ(المسمى)، وبتحديد علاقة (الذات) بـ(الصفات)، وكذا علاقة (الصفات) فيما بينها، وعلاقة (الصفات) الإلهية بالصفات والأفعال الإنسانية، وكذا في أصل (الأسماء الحسنى) ومعناها وعددها وأقسامها ومراتبها، وفي تحديد معنى (الدعاء بالأسماء الحسنى) ونحو ذلك. وهذا الأمر من المنظور الطهائي بقدر ما يرجع إلى المنهج المعتمد في النظر كما تقدّم القول راجع أيضًا إلى طبيعة الإدراك المعرفي[17]. نتوقف في هذا السياق من باب التمثيل عند نقد طه عبد الرحمن للحصر التراثي لـ(الأسماء الحسنى).

إنّ (الأسماء الحسنى) من المنظور الطهائي تتميز بمجموعة من المحدّدات، كما نفصل القول لاحقًا، منها: أنها (لا متناهية من حيث العدد). لتأصيل نقد الحصر استند طه عبد الرحمن إلى نصّ الحديث الذي ذكر فيه العدد المخصوص لـ(الأسماء الحسنى)[18]. وفهْم الحصر استنادًا إليه معترَضٌ عليه وليس مسلّمًا، بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:

- مع التسليم بصحة الأثر النبوي، لا يلزم من صيغته الحصر المطلق النفي لما عداه، وإنما الذي يلزم منه بيان أن الذي يحصي هذا العدد، أيًّا كان مدلول الإحصاء، يدخل الجنة؛ سواء كان عدًّا أو حفظًا أو فهمًا أو عملًا أو معرفة ونحو ذلك. فدخول الجنة منوط بالإحاطة بالعدد.

- وردت أحاديث وأدعية عديدة شرعية تتضمن أسماء إلهية أو تشير إلى وجود أسماء أخرى لا نعلمها أو لم تبلغ إلينا أو خصّ الله بها من اصطفى من خلقه أو استأثر بها سبحانه[19].

- تتضمّن آيات نصّ القرآن من صفات الله تعالى ومن معانيها ما يتجاوز العدد المحصور (99)، إذ يتضمن الأسماء التي نصّ عليها باللفظ، كـ(الرب)، (رب العالمين)، (بديع السماوات والأرض)، (نور السماوات والأرض)، (ذو الطَّول). فضلًا عن الأسماء المنصوص عليها والمشتقّة من نفس الجذر الذي اشتقت منه بعض الأسماء، كـ(الأحد)، (الشاهد)، (الحافظ). وهناك من الأسماء ما يمكن اشتقاقه من أفعال تكرّر ذكرها في القرآن لفظًا أو معنًى؛ كـ(المنشِئ) و(المُمِدّ) و(الصانع) و(الممسِك).

- كون العلماء قد اختلفوا في سرد الأسماء الحسنى مع الشكّ في صحة الحديث وصحة كونه -عليه الصلاة والسلام- قد سردها لفظًا وعددها حصرًا، إذ بعضهم جعلها تبلغ الألف في القرآن، وما يربو عن ذلك في الكتب المنزلة، هذا يبرّر القول بعدم حصرها في العدد المتداول.

- إن اسم (الملك) أو (المالك) ليس واحدًا من (الأسماء الحسنى)، بل هو أيضًا الاسم الذي ينسب (الأسماء الحسنى) إلى مسماها (العلي العظيم)، بدءًا من (المُلك)، إذ هو (مالك الملك). ويمكن السير على نفس المنوال مع بقية الأسماء؛ فـ(المحيي) مثلًا هو (مالك الحياة)، و(المميت) هو (مالك الموت) وهكذا، لتنكشف أسماء أخرى، بإضافة كلّ شيء إليه سبحانه. فضلًا عن أن المالكية الإلهية التي يعبّر عنها لفظُ (مالك) صيغت بأدوات وألفاظ أخرى، منها: (لام الملك)، مقدَّمة كانت أو مؤخَّرة في العبارات القرآنية، ومنها أيضًا اسم (الرب)، كـ(رب العرش)، (رب العزة)، ومنها اسم (ذو)، كـ(ذو الجلال)، (ذو الطَّول). وقد يستعمل نفس الأدوات في اشتقاق عدد غير محدود من الأسماء، كـ(رب الجنة) و(النار)، و(ذو الأمر) و(الخَلق).

- من (الأسماء الحسنى) التي لم توفّ حقها من البحث كما يرى طه عبد الرحمن، اسم (الواسع)، فهو يرِد في القرآن مرة بصيغة العموم، وتارة بصيغة التخصيص عن طريق الإضافة، أو عن طريق النعت، فيدل هذا على أن (السعة الإلهية) تشمل كلّ شيء، فهو (واسع العلم والحكمة والمغفرة والرحمة) ونحوها. وهذه (السعة اللا نهائية)، هي ما اصطلح عليه باسم (اللا تناهي). ولما كانت (الكمالات الإلهية) كذلك وجب له سبحانه من (الأسماء الحسنى) بقدر هذه الكمالات والتجلِّيات على الخَلق[20].

- إنّ مردّ كون الأسماء الإلهية بلا نهاية، بلا طرف ولا مزيد، بالنظر إلى كونها (معاني ملكوتية)، فيكون بالتبع تحت كلّ اسم من أسمائه سبحانه (معانٍ ملكوتية أكثر من أن تحصى)، فيتعين الاجتهاد في سبيل بيان بعض ذلك حسب طاقة الوسع والجهد المبذول[21].

يترتب بناء على ما تقدم أن (الأسماء الحسنى) من المنظور الطهائي محكومة بناظم (اللا تناهي)، وهو على رتب ثلاث: لا نهاية الألفاظ، لا نهاية المعاني الموضوعة لها تلك الألفاظ أصلًا، لا نهاية المعاني التي تلزم من كلّ واحد من تلك المعاني الموضوعة، حقيقية كانت ومجازية.

ثالثًا: التأسيس الطهائي للنظر الائتماني في موضوع آية الأسماء الحسنى:

يتأسس نظر المتن الطهائي في موضوع (آية الأسماء الحسنى) على مجموعة من المقومات، نورد منها ما يلي:

1. في ماهية الأسماء الحسنى:

أ. تعريف مفهوم الأسماء الحسنى:

بين يدي تحديد التعريف، تناول طه عبد الرحمن معنى اشتقاق (الاسم)، فحصر ذلك في معنيين، إمّا من (السِّمة)، فيكون حد الاسم بالتبع (العلامة المميزة) التي تُناط بالشيء لتمييزه عن سواه. وإما من (السموّ)، فيكون حدّه بالتبع (القدر) أو (القيمة المميزة) التي تضاف إلى الشيء تمييزًا له عن سواه. والراجح من المنظور الطهائي هو المعنى الثاني؛ لعدّة اعتبارات، منها: الاعتبار اللغوي؛ بحيث إن أسماء الأعلام في اللسان العربي لا تميز مسمياتها فحسب، بل تحمل معاني خاصّة. والمعاني المحمولة هي بالذات الدالة على (قيم) محددة. الاعتبار المنطقي؛ بحيث إن معنى التمييز المطلوب دخوله في حد الاسم، يوجد في الاسم بمعنى (القيمة المميزة)، ويوجد فيه أيضًا بمعنى (العلامة المميزة)، بل يكون وجه التمييز أظهر في الاسم الذي يحيل على (القيمة)، وهو يحمل أيضًا على (العلامة)، متى قدّمت اعتبار (الهيئة الروحية) على اعتبار (الصورة الخارجية). الاعتبار الفلسفي؛ بحيث إنه لا خلاف في أن (الأفضلية) تعرض للأسماء كما تعرض للأشياء، وهذا لا يصح في حقّ الأسماء بمعنى (العلامات المميزة)؛ لأن تمييز العلامات لا ريب فيه، وإنما يصح متى كان المراد بهذه الأسماء (القيم المميزة)، باعتبار أن (القيم) تنزل منازل مراتب ونسَب مختلفة[22].

إن معنى (السموّ) الذي تدلّ عليه مفردة (الاسم) في مفهوم (الأسماء الحسنى) من منظور الاجتهاد الطهائي، هو عبارة عن الخاصيّة التي تتحدّد بها (القيمة)؛ إذ إن (القيمة) في ناظمها الكلي عبارة عن (المعنى الروحي) الذي يسمو بالإنسان. وهذا التلازم ينطبق حسب قول طه عبد الرحمن على الأسماء التي علمها الله تعالى آدم -عليه السلام-، فهي في حقيقة أمرها عبارة عن (القيم عينها)، إذ قد علمه الله إياها وهو في (عالم الملكوت)[23].

بناء على كون (الأسماء الحسنى) في اتصالها بالله تعالى دالّة على (الصفات الإلهية)، فهي تقتضي من المنظور الائتماني ما يأتي:

- هي (عالم إمكاني لا نهائي) من القيم والمعاني الروحية الأخلاقية السامية. وكونها (قيمًا) فهي بمنزلة (المعايير العليا) التي تعرض عليها مطلق القيم الأخرى؛ تحديدًا لطبيعتها ووصفًا لرتبتها ومنزلتها الوجودية. بناء على هذا، فـ(الوصف الإلهي) بـ(الأسماء الحسنى)، هو الذي (يحدّد الخاصية القيمية). ذلك أن القيمة في الأصل، إنما هي كلّ ما تحقق فيه معنى التفضيل الذي تحمله هذه (الأحسنية القيمية)، حتى (إن القيمة تصير تبعًا لذلك مرادفة للأحسن)[24].

- إذا كانت (الأسماء الحسنى) عبارة عن (صفات إلهية) فهي دالة على (الكمالات الإلهية) المطلقة؛ لذلك وجب أن تكون كما ينصّ المتن الطهائي (مصدرًا للصلاحات العملية)، إِذْ هي على التيقُّن مأخوذة من (الأسماء الحسنى). وكونها (كمالات إلهية) فاعلة تجلَّى الله تعالى بها على الخَلق، فهي بالتبع عبارة عن (تجليات السموّ المطلق) الذي تختص به هذه (الأسماء الحسنى)، خصوصًا تجلِّي (الجلال) و(الجمال). وشرط إدراك هذا التجلي الإلهي بها يتوقف على التيقن تسليمًا بالقيم المحمولة فيها، لتنكشف بعد ذلك معانيها. والقصد من كون الله تعالى تجلى بها على الخلق، هو أن (يتخلقوا بها) على قدر الطاقة جلبًا وتحقيقًا للكمال والسمو في المستوى المنشود الإنساني[25].

- من أهم مقتضيات (الأسماء الحسنى) (تمجيد الذات الإلهية)؛ سواء كان الاسم (اسم جلال) أم (اسم جمال). فيكون كلُّ اسم من (الأسماء الحسنى) دالًّا على المدح والثناء بـ(مسلك يختصّ به لا يغني عنه غيره)، فمثلًا الأسماء التالية: (الأزلي)، (الأبدي)، (الديمومي)، هي غير اسم (الباقي). فهذه الأسماء الأربعة إن كانت تتقارب معانيها في الدلالة على تعظيم وجود الله تعالى، فالثلاثة الأولى، هي ثناء وتمجيد منظور إليه من جهة أبعاد الزمان؛ فـ(الأزلي) ثناء على مَن لا بداية لوجوده، (والأبدي) ثناء على من لا نهاية لوجوده، و(الديمومي) ثناء على من لا وسط لوجوده، أمّا (الباقي) فهو ثناء على وجود الله تعالى تنزيهًا وتخليصًا له عن هذه الجهات الزمانية الثلاث. وهكذا يقال في باقي (الأسماء الحسنى) التي قد يظهر بينها التقارب في المعنى[26].

ب. من الخصائص الناظمة للأسماء الحسنى:

حدّد المتن الطهائي لـ(الأسماء الحسنى) في صلتها بالله تعالى مجموعة من الخصائص، وهي بقدر كونها تقوم على قاعدة المنظور الائتماني الذي فتقه الاجتهاد الطهائي لتكون منهجًا ناظمًا للنظر في جملة من القضايا والمسائل المرتبطة بالنصّ القرآني، فهي أيضًا تنسجم مع الأفق العام الذي يسير على هديه النظر الطهائي، ومن تلك المحددات:

كون (الأسماء الحسنى) لا متناهية من حيث العدد؛ بحيث إنّ هذه الخصيصة راجعة من منظور طه عبد الرحمن إلى جملة اعتبارات، منها؛ الأول: أن النصوص الشرعية ذَكرَت -صراحةً أو ضمنًا- العديدَ من (الأسماء الحسنى) غير الواردة في ذكرِ وتَعديدِ الأثر المعتمَد، القائم على أمر العدّ الحصري؛ لذلك أخضع طه عبد الرحمن الأثر الذي عدّ (الأسماء الحسنى) وحصَرها في العدد المعلوم لمسلك التأويل، بالنظر إلى كونها لا تأتي وفق مسلك واحد، وإنما منها ما يدلّ على (أسماء الذات)، ومنها ما يدل على (أسماء الصفات)، ومنها ما يدل على (أسماء الأفعال). الثاني: أن الأثر المستند إليه ليس محلّ (إجماع) لا من حيث (الصحة)؛ إذ إن إحصاء الأسماء الحسنى يختلف باختلاف تعدّد الروايات، ولا من حيث الفهم والتفسير لتحديد المعنى، إذ هو (حمّال أوجه) على مستوى تحديد الدلالة. الثالث: إن كلّ اسم من (الأسماء الحسنى)، على فرض كونها محصورة عدًّا، يمكن أن نشتقّ منه أسماء أخرى، كما أنه يمكن أن نشتقّ العديد منها من جملة الأفعال التي تتكرّر في آيات نصّ القرآن لفظًا أو معنًى، وهي غير ما ذكر في أثر حصر الأسماء[27].

كون الأسماء الحسنى واحدة من حيث الماهية الكلية الناظمة جمعًا؛ بحيث إن النظر الطهائي لا يقبل التقسيم المتداول في نصوص الاجتهاد التراثي، باعتباره لا يصح منهجيًّا ومعرفيًّا. وبعد أن بيّن المعايير التي قادت أهله إلى التفريق والتقسيم[28]، اجتهد في تأسيس ناظم التداخل والتكامل، القائم على الوحدة الناظمة لـ(الأسماء الحسنى)؛ ذلك أنه (لا ذات بغير صفات تشهد لها بالاعتبار)، كما (لا صفة بغير أفعال تشهد لها بالاعتبار) أيضًا. ومن الاعتبارات التي تتأسّس عليها (وحدة الأسماء الحسنى) خصوصًا (أسماء الذات) و(الصفات) و(الأفعال) للدلالة على الوحدة =أن كلّ اسم من الأسماء يتعلق بباقي الأسماء الأخرى، تعلق الكمالات بعضها ببعض، ذلك أن الآيات التي تذيَّل بهذا التقرير، نحو: {إن الله غفور رحيم}، {إن الله عزيز حكيم}، {إن الله كان سميعًا بصيرًا}، تقترن الأسماء فيها بعضها ببعض اقترانًا مباشرًا، بدون أن تتوسط بينها أدوات العطف الخاصّة بالوصل بين الكلمات أو العبارات كالواو. أمّا الآيات التي وردت فيها الأسماء الحسنى مقترنة بواو العطف، نحو قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}[الحديد: 3]. فهي من باب إيراد الأضداد، وقاعدة التضاد تقضي بإظهار الجمع بين الضدين، وواو العطف أبرز هذا الإظهار[29].

كونها مصدرًا وأصلًا للقيم الأخلاقية؛ بحيث إنّ (القيم الأخلاقية) من المنظور الطهائي تتأسّس على جملة أصول أو مصادر أصلية إسلامية، منها: (الأسماء الحسنى). نبين في هذا السياق بعض الخصائص التي تحدد (القيم الأخلاقية) بوصفها مؤسّسة على (خزائن الأسماء الحسنى)، على أن نبين كيف تنبني عليها في المحور الآتي، ومما حدّده بها نورد ما يلي:

  • إنها قيم (عارجة)، تعرج بالمتصف بها تخلقًا إلى رحاب (عالم الملكوت)، بوصفه (عالم الأمانات) لا (عالم الحيازات)[30].
  • إنها قيم من حيث بيان الأولوية والمنزلة الوجودية، تنزل أعلى (رتبة في سُلّم مراتب القيم)؛ وذلك لكونها مستمدة من تعالي (الأسماء الحسنى)[31].
  • إنها قيم متكوثرة؛ بحيث إنه يمكن أن تستنبط من كلّ اسم من (الأسماء الحسنى) الإلهية قيمة فأكثر، بدءًا بالقيمة التي يدلّ عليها المصدر كـ(الرحمة) من (الرحم) ونحوها من القيم التي تندرج تحتها كـ(الخير) و(الفضل) و(النعمة) و(الشفقة)[32].
  • إنها قيم أكمل بإطلاق، إِذْ لا قيم أكمل منها، بالنظر إلى كونها مأخوذة من (الأسماء الحسنى)، وهي (كمالات إلهية) مطلقة كلّها لا نهاية لكمالاتها[33].
  • إنها تحدّد الخاصية القيمية العليا ذاتها، فإذا كانت القيم هي كلّ ما تحقق فيه معنى (التفضيل)، الذي تحمله هذه (الأحسنية الاسمية)، فإنّ القيمة المجردة منها تصير (مرادفة للأحسن)، وبالتبع تنزل منزلة المعايير التي تعرض عليها مطلق ما سواها[34].

وهكذا فإنّ هذه القيم الأخلاقية بقدر ما تأخذ الصفات المحددة للأسماء الحسنى تؤدي دورها من حيث التأسيس للتربية الإيمانية والأخلاقية، قصدًا لإصلاح الإنسان، على الرغم من رسوب الأزمان والأفهام.

2. مقتضيات النظر الائتماني في تأسيس القيم الأخلاقية على الأسماء الحسنى:

وضّح طه عبد الرحمن أن الأمر الوارد في آية (الدعاء بالأسماء الحسنى)، يتعلق أساسًا بدعوة الله تعالى بها، لا أن ندعوها هي، وإلّا لتحقق معنى (الشرك). ويتحدد الدعاء بها من خلال ذكر ما يجب له سبحانه من الثناء الجميل والتعظيم الجزيل، إذ هي في أصلها دالة على (تمجيد الذات الإلهية)، أيًّا كان الاسم؛ اسم جلال أو اسم جمال[35].

من خلال هذا التوضيح، نجتهد في بيان كيف تتأسّس -حسب الاجتهاد الطهائي- القيم الأخلاقية نظرًا وعملًا في رحاب (وحدة الأسماء الحسنى اللا متناهية) من المنظور الائتماني[36]، وذلك من خلال تناول الفروع البحثية التالية:

أ. منهج تأسيس القيم الأخلاقية على الأسماء الحسنى ائتمانيًّا:

إنّ جملة (القيم الأخلاقية) إذا كانت في ماهية إنيّتها الذاتية مأخوذة ومؤسسة على (وحدة الأسماء الحسنى) باعتبارها مصدرًا أو أصلًا لها على سبيل الاستمداد والإنشاء الماهوي، فالمنهج المحدّد لهذا الاستمداد أو التأسيس محكوم بكونه غير مباشر؛ بمعنى أنه منهج (استبصاري) لا (استدلالي)، إذ المنهج (الاستدلالي) هو وسيلة أخذ القيم من أحكام الشريعة المنزلة. وبناء عليه، تأخذ (القيم الأخلاقية) المجردة من (الأسماء الحسنى)، نفس ما يتحدد به أصلها أو مصدرها؛ فإذا كانت (الأسماء الحسنى) على سبيل التمثيل (أكمل الكمالات الإلهية) فإن (القيم الأخلاقية) تكون بدورها عبارة عن (اسم آخر للكمالات الإلهية). وتكون هذه (القيم الأخلاقية الاسمية الحسنى) عبارة عن مجموعة (الآثار المعنوية) أو (المعاني الروحية)، التي يتمكن الإنسان بها باعتبار وظيفتها (الحية)، متى حصل تحقيقًا (التيقن) بها، الذي يسمو على اليقين بمتعلقات وجودنا، من (العُروج الروحي) إلى رحاب (عالم الملكوت)، ذلك أن هذه القيم باعتبار مصدرها تتحدد بكونها (قيمًا ملكوتية). ووجود (القيم الأخلاقية الاسمية) في عالم الشيء أو الفعل، أو قل: في (عالم الملك)، هو من باب وجود الأشياء المتصف بها، نظير مفهوم (الجمال) في علاقته بالأشياء الجميلة، فتكون بالتبع هذه (القيم الاسمية) بوصفها (كمالات ملكوتية) هي التي تمد الإنسان بهذه المعاني[37].

إنّ (الأسماء الحسنى) كما يرى طه عبد الرحمن، ليست هي المورد والمنشأ الذي يرجع إليه لأخذ (القيم الأخلاقية) بالطريق غير المباشر (استبصارًا) كما سلف القول فحسب، بل إن (الأحكام الشرعية المنزلة)، هي أيضًا بدورها تنزل على مقتضى (الأسماء الحسنى الإلهية)؛ بحيث يصير من اللازم أن يكون للقيم الأخلاقية مصدر أو أصل آخر تؤخذ منه، وهو (الأحكام الشرعية المنزلة)، إلا أن منهج أخذها منه، يتم بطريق مباشر؛ بمعنى أنه يحكم بمنهج (استدلالي) لا بمنهج (استبصاري)[38].

ب. طريق التعلّق بالأسماء الحسنى لتحقيق التخلّق الأكمل:

إنّ مسلك تحقيق (التقرب) أو (القرب)، أو قل: (التعلق) بـ(الأسماء الحسنى)، لا يتأسّس على مسلك القرب القاضي بترك التقيد بالعمل الشرعي، كما هو الشأن عند أهل (العقل المجرد)، ولا على الدخول في العمل الشرعي اجتلابًا للتوفيق الإلهي فحسب، كما هو الأمر عند أهل (العقل المسدد)، وإنما يتأسّس على قاعدة (التقرب بالذوق) أو بـ(الذكر)، كما هو الشأن عند أهل (العقل المؤيد)، تحقيقًا لـ(التولية الإلهية) و(التخلق الأكمل الحيّ)، القائم على (تكامل التخلق) و(تجدد التخلق)[39]. لبيان التلازم بين (التخلق الأكمل الحي)، نفرع القول فيه إلى فرعين:

الفرع الأول: تفعيل التعلُّق لتحقيق التخلُّق:

إنّ (التعلق) بـ(الأسماء الحسنى) من المنظور الطهائي لا يثمر حتى يكون (تعلقًا ائتمانيًّا) لا (احتيازيًّا)، ومقتضاه أن يأتيه الإنسان موقنًا، ويكسبه موقنًا بأنه يوهب له؛ ليتحقق بواسطته ما سماه بـ(الذِّكر الحي) المقرِّب إلى حقيقة (الأسماء الحسنى). وعلامة (القرب) أن الذاكر يجد لذة خاصّة في ذكرها، كما أن القلب يتعلّق بها، فيثمر هذا التعلّق تغيرًا عميقًا في النظر والعمل، فيتسعان اتساعًا لا نظير له. ومن هذا الحيث، فلا سبيل إلى (تجديد الإنسان)، أو (بناء الإنسان الحي) أو (الجديد)، إلا بأن تتشبع روحه بـ(آثار ومعاني الأسماء الحسنى الإلهية). فـ(التقرب بالأسماء الحسنى) وإن كان مراتب عديدة، فإن أفضلها وأعلاها رتبة (التقرب بالذكر) المستوفي لشرط (الرسوخ الثابت)، وعلامته (التطهير) و(الترسيخ)، الذي يتحقق بتلازم العلم بالشيء والعمل به[40].

إنّ أقرب الطرق النظرية إلى طلب (الأسماء الحسنى)، ليست هي طريق (الاستدلال) كما هو الشأن عند أهل (التقرب بالتسمية) أو (التقرب بالعبادة)، وإنما هي طريق (النظر العملي الحيّ)، الذي يستدلّ فيه من صفات وأفعال الحقّ على صفات وأفعال الخلق. فيكون (التقرب بالذكر) في معرفة (الأسماء الحسنى) عبارة عن (تجربة تخلّق)، وهي (تجربة إحسانية جامعة بين فضائل الروح ومنافع الحسّ)، وهي تجربة لا تُنال إلا بـ(الاستغراق بالكلية في الذِّكر والنزول في أبعد مراتب العمل)، فأهله هم أهل (الذّكر الحق)[41].

طريق (التقرب بالذِّكر الحيّ) عند أهل (العقل المؤيد) الذي أقامها النظر الطهائي وفضّلها عن مطلق ما سواها، راجع إلى أنها تتميز بمجموعة من المميزات، منها: بها يتحقق (التعلق بالأسماء الحسنى)، وتتجدد معاني حقائق (الإيمان) في القلب. إن تحقيق (التعلق) يجعل الذاكر يراجع عقله وحصيلته العقلية باستمرار عروجًا وارتقاءً. إنّ تحقق (الذِّكر بالأسماء الحسنى) كونه متفاوتًا باختلاف الطرق التحقيقية يجعل الذاكر لا يسلك سبيل تبديع مخالفه[42].

الفرع الثاني: تحقيق التخلُّق بالتعلُّق:

إنّ المقصد الكلي والأساسي من وراء تحقيق (التعلق بالذّكر الحيّ) بـ(الأسماء الحسنى)، هو تحصيل (التخلق الأكمل) الذي يأخذ من المنظور الطهائي صورتين؛ صورة (تكامل التخلق)، وصورة (تجدد التخلق). ويقصد بـ(التخلق) في هذا السياق، أنه عبارة عن «تحصيل تجربة إحسانية تتكامل فيها طاقات الجانب الروحي مع استعدادات الجانب المادي». والأصل في هذا (التخلّق) أنه من باب التجرّد والاضطرار، لا التشهِّي أو التحكم، ويتلازم في رحابه العلم والعمل، معرفة الأشياء ومعرفة الله تعالى، الاستزادة في العمل والزيادة في المنفعة. فيكون (التخلق) بالتبع بقدر ما هو رأس الضروريات، أنه قائم على ناظم التحمل الذاتي، الذي لا يقبل النيابة أو الوكالة، سعيًا لتحقيق (التخلق) على الوجه الأكمل، بقدر ما يحصل للمتصف به يوصف بـ(التأنيس)، الذي يصل به إلى (مقام التولية الإلهية)؛ إذ هما منشودُه[43].

إنّ (التخلق) وإن كان يتحقّق كما هو مقرّر تكليفًا على قدر الطاقة والوسع، فإنه لا يظهر على وجهه الأكمل عمليًّا إلا بواسطة الاقتداء بتخلّق الرسول الخاتم -عليه الصلاة والسلام-، فيكون بذلك (تخلقًا مؤيدًا)، كونه ضاربًا بجذوره في (الأخلاق الإلهية)، ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- تحقق تخلقه على مقتضى (التخلق الرباني). ومن هذا الحيث، يتبين أثر كون الله تعالى وصف الرسول -عليه السلام- خلقيًّا بـ(العظمة الخلقية)[44]؛ لكون القيم التي ينبثق عنها التخلق الرسولي هي عين القيم التي تنشئها (الأسماء الحسنى)؛ بحيث لا أقرب إلى أخلاق الحقّ -سبحانه- من أخلاق الرسول -عليه السلام-. فـ(التخلق) الحقّ وفق هذا التلازم يورث صاحبه (حياة ليست كمثلها حياة قوةً وامتلاءً)، فتكون حياته (فوّارة بالحسن الأسمى)[45].

وعليه فإن هذا المسلك الذي أقامه الاجتهاد الطهائي من المنظور الائتماني، بقدر كونه يقوم على (التجربة الحية)، أو (المعرفة المتوسلة بالتجربة الحية والممارسة التحقيقية)، تجده يطلب (الكمال) في العمل الشرعي، أو (التربية المتدينة القائمة على تحصيل الأخلاق النموذجية وتوصيل المعاني الروحية) أو (الممارسة التخليقية)[46].

ج. من مقتضيات التعلق لتحقيق التخلق الحيّ-الأكمل:

يقتضي النظر الائتماني في هذا التلازم في رحاب (الأسماء الحسنى)، جملة مقتضيات من المنظور الطهائي، نورد في هذا السياق واحدًا منها، وهو المتعلق بتقديم رتبة (الأسماء الحسنى) على رتبة (الأوامر) و(النواهي الإلهية المنزلة)، ولبيانه تفصيلًا، نفرع القول فيه إلى فرعين:

الفرع الأول: بيان أن الآمِر والناهِي من أسماء الله الحسنى:

إنّ من أهمّ ما أخذه طه عبد الرحمن على من يسميهم بأهل (الفقه الائتماري) أو (الجمهور) بالتعبير التراثي، أنهم وإن اشتغلوا تنظيرًا وتطبيقًا بـ(الآمرية الإلهية) المتعلقة ببحوثهم في (أصول الأحكام الشرعية)، تحديدًا لأحكام أفعال المكلفين وتصرفاتهم، إلا أنهم لم يعدُّوا (الآمر) و(الناهي) من (أسماء الصفات الإلهية الحسنى)، علمًا -كما يؤكّد المتن الطهائي- أن من أهم ما تجلَّى الله تعالى به على خلقه تجلّيه باسم (الآمر) و(الناهي)؛ إِذْ إن الله تعالى كان ولا يزال آمرًا ناهيًا، ولا نهاية لأمره ونهيه، كما أنه كان ولا يزال خالقًا ولا نهاية لخلقه، ورازقًا ولا نهاية لرزقه ونحو ذلك؛ فإنزال الكتب السماوية دالٌّ على كونه سبحانه آمرًا وناهيًا، خصوصًا في التجلي التشريعي، كما أنه كان ولا يزال مبدعًا للأكوان، خصوصًا في تجليها التكويني، وقِس على ذلك كونه عالمًا راحمًا سميعًا بصيرًا رازقًا لطيفًا مالكًا[47].

إنّ الذين اشتغلوا بإحصاء (الأسماء الحسنى) في التراث الإسلامي، وإن أدرجوا جملة من الأسماء المتقابلة، كـ(الرافع) (الخافض)، (المعزّ) (المذِلّ)، (المبدئ) (المعيد) ونحو ذلك، إلا أنه مما استغربه طه عبد الرحمن، لِمَ لَمْ يُدرِجوا اسم (الآمر) و(الناهي) في (الأسماء الحسنى)، وهما من الأسماء المتقابلة، عِلمًا أن الله تعالى ما انفك يتجلى بهذين الوصفين منذ بدء الخلق؟!

مما استدلّ به طه عبد الرحمن على ما تقدّم، قصة آدم وحواء -عليهما السلام- الدالة على أن مِن أول ما تجلى الله تعالى به على خلقه، كونه آمرًا وناهيًا[48]، فضلًا عن توالي إنزال الأوامر والنواهي إلى بني آدم في صورة شرائع منزلة، ولو كان آخرها ينسخ أولها، إلا أن فيها ما هو جامع مشترك مِليّ، لا يخضع لهذا القانون التشريعي، خصوصًا في جانب الاعتقاد والأخلاق والأخبار[49].

إذا كان: «النهيُ عن الشيء في الغالب أمرٌ بضده»، جاز بالتبع كما يرى طه عبد الرحمن أن نجعل من الاسم الأسمى (الآمِر) مصطلحًا عامًّا يدل على (الأمر بالشيء والأمر بضده). ويجوز أيضًا استعمال المصدر الصناعي من اسم الفاعل (الآمرية) للتعبير بلغة (الأسماء الحسنى) على ما يتصف به الآمر سبحانه وتعالى[50].

الفرع الثاني: اعتبارات تقدّم الأسماء الحسنى على الأوامر والنواهي الإلهية:

إنّ الأصل الكلي الذي يأخذ به الاجتهاد الطهائي في هذا السياق من منظور (الفقه الائتماني)، أن واجب معرفة (الذات الإلهية القدسية) يتم بطريق (الأسماء الحسنى)؛ بحيث يتقدم على واجب معرفة أفعالها وأحكامها، أو قل: أوامرها، التي تندرج أو ترد كلّها جميعًا إلى (الأسماء الحسنى) بالأصالة. وهذا (السبق المنطقي) أو (الشرطي)، وفق قاعدة: (لا أمر بغير آمر)، أو (الأمر بعد الآمر)، يقوم -كما يرى طه عبد الرحمن- على الاعتبارات المبدئية الآتية:

أ. مبدأ السبق الزمني؛ بحيث إنّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الزمن الدعوي حرص في بداية الأمر في العهد المكي على توحيد الله تعالى والتحلي بمكارم الأخلاق. ولما هاجر إلى المدينة المنورة أخذ يدعو إلى الائتمار بأوامر الله تعالى المنزلة. وهذا السبق الزمني، فيه تعريف للناس بصفات الآمر سبحانه، قبل التعرف على الأمر الديني.

ب. مبدأ معرفي؛ بحيث إنّ واجب معرفة (الآمر الأعلى) سبحانه، لا يتم إلا بالتعرف على (الأسماء الحسنى) تقديمًا لها على مطلق ما سواها. وتظهر الفائدة المعرفية لهذا التقديم بالنظر إلى ما يمكّن من دفع ما يلحق بالمجتمع من مفاسد؛ فإذا استشرى الظلم بين الناس وجب معرفة (الاسم الأسمى العدل) وهكذا.

ج. مبدأ أخلاقي؛ بحيث إنّ التخلق الذي يرتقي به الإنسان لا يكون إلا بطريق الاستمداد والتحلي على قدر الطاقة من (الأسماء الحسنى) في تجلي الله تعالى بها على المخلوقات[51].

تتحقق (الأسبقية المنطقية) أو (الشرطية) من المنظور الائتماني، أو تبعية معرفة (الأحكام) وسواها لمعرفة (الأسماء الحسنى)، وفق طريق (ردّ الاستنباط)، وعن طريق (ردّ الاستشهاد) حسب الاصطلاح الطهائي[52].

تترتب عن (الأسبقية الشرطية) نتيجتان، لم تقدّرا حقّ قدرهما في التراث الإسلامي من المنظور الطهائي، وهما؛ أولًا: ينبغي أن يعلم المأمور بنظر الآمر فيه وهو يوقع أمره، ولو لم تعرف كيفية هذا العلم. ثانيًا: ينبغي أن ينظر المأمور إلى الآمر وهو يوقع أمره، ولو لم تعرف كيفية هذا النظر[53].

وعليه؛ يكون (النظر الائتماني) من المنظور الطهائي، هو الذي يأخذ بهذا (السبق المنطقي) القائم على قاعدة سبق (كن فيكون)، ويرتب عليه جملة أمور منهجية ومعرفية، بالنظر إلى أخذه بمبدأ النظر والبحث في الأصول الكلية والمبادئ العامة لآيات النصّ القرآني، كما تم تناوله في المقالة الأولى.

د. أنموذج تطبيقي لاسم إلهي أسمى:

بناء على المنهج المتبع في تحديد (الأسماء الحسنى) من المنظور الائتماني، وتفعيلًا للناظم الحاكم لـ(الأسماء الحسنى) القائم على أن أول ما تجلَّى به الله تعالى على خلقه تجلِّيه بـ(الأسماء الحسنى) تخليقًا لهم[54]، فقد نصّ المتن الطهائي أن من أهم (أسماء الله الحسنى) التي تجلى الله بها على خلقه (الاسم الأسمى الحييّ)؛ ليورثهم تبعًا لذلك (خلق الحياء)، فيكون بالتبع (حياء الإنسان) من (حياء الله تعالى). وقد اقترن (الاسم الأسمى الحييّ) باسمين إلهيين آخرين، وهما: (الستّير) و(الكريم)، والتخلق الإنساني بالتبع تعيّن أن يكون جامعًا بينهما اقترانًا[55].

إنّ (الحياء) بموجب أصله الأسمائي يتميز من المنظور الطهائي بخاصيتين؛ أولاهما: الشعور بوجود الكمال؛ بحيث إن (الحييّ) لا يطمئن إلى العمل الذي يأتيه بقدر ما يطمئن إلى المثال الأصلي الذي يتصور أنه يهتدي به في عمله. وهذا الأمر يجعله يتقلب بين اتجاهين: نقصان عمله، وكمال مثاله. وما دام أن المثال هو (الاسم الإلهي الأسمى)، علم أنه يوجب كمالًا لا نهاية له. فتزداد بالتبع الهوّة بين عمله المنقوص وكمال مثاله المنشود. ثانية الخاصيتين: اصطحاب (الحياء) للأخلاق كلّها، إذا كان (الحياء) يتحقّق بالشعور بالكمال الذي يقتضي موافقة الظاهر للباطن، ترتّب عنه أن الارتقاء في مراتب ونسَب أيّ خلق يستلزم ضرورة أن يصحبه (الحياء). فينزل (الحياء) من الأخلاق الأخرى بمنزلة (الأصل المرشد) لها في حصول التخلق بها، فإذا تعاطى الإنسان مثلًا خُلق (العفّة) فهو يبطن أنه يستحيي أن لا يكون عفيفًا. وإذا عفّ يستحيي أن لا يزيد من عفته. فيكون حاصل الأمر أن (مكارم الأخلاق) إنما هي (الأخلاق وقد زانها الحياء)[56].

إنّ (الحياء) من المنظور الائتماني الذي يسلكه طه عبد الرحمن ليس أنه أصل للأخلاق كلها فحسب، بل أنه أيضًا هو القيمة التي تتأسّس عليها (روح الإسلام). وبذلك يكون (الحياء) قائمًا على النواظم التالية: ناظم (الباصرية) وليس (السامعية)، ناظم (الائتمان) وليس (الاحتياز)، ناظم (الملكوت) وليس (الملك)، ناظم (الفطرة) وليس (الكسب)، ناظم (الأسماء الحسنى) وليس (الأشياء)، ناظم (الأصالة) وليس (التبعية).

وعليه؛ فإنّ من وراء تأسيس النظر الطهائي للمعاني الإيمانية والأخلاقية، اعتمادها وسائل منهجية ومعرفية للنقد والتقويم. من هذا الحيث، كان نقد طه عبد الرحمن من خلال التوسل بخلق (الحياء الأسمى) ذا مظهرين؛ مظهر نقد تقصير المسلمين في بحث اسم وخلق (الحياء). ومظهر نقد حضارة الواقع الكوني المعاصر-الغربي، بالنظر إلى الخروج المهول من (الحياء) والدخول في حالة (الخيانة)[57].

هـ. ردّ جملة اعتراضات متعلّقة بالأسماء الحسنى:

تعترض التأسيس الذي قدّمه الاجتهاد الطهائي من المنظور الائتماني جملة اعتراضات، حقيقية كانت أو افتراضية، نورد بعضًا منها في هذا السياق من باب التمثيل، من باب بيان عدم صحتها، وفي المقابل، التدليل على سلامة التأسيس الطهائي، إذ هذا هو الناظم الذي يحتفّ بها في إيرادها في المتن الطهائي:

الأول: الاعتراض على التسليم بكون القيم الأخلاقية تؤخذ من الأسماء الحسنى:

يقوم الجواب الطهائي على هذا الاعتراض على المرتكزات الآتية:

1. من المسلَّم به طهائيًّا أن (القيم) ليست ضوابط (ملكية) تخضع للتصرف نظير خضوع القوانين الملكية، وإنما هي في الأصل معانٍ (ملكوتية) نؤتمن عليها إيمانيًّا، فلا يسع الإنسان أن ينتزعها من (الفطرة)، ولا يتسنى له أيضًا أن ينشئها من عنده. ومن المسلّم به أن لا أمانة بغير مؤتمن، فيكون وجود المؤتمن شرطًا في وجودها. ومن المعلوم أن (الأسماء الحسنى) إنما (تنزل من القيم منزلة الشرط من المشروط).

2. إن (التعبد) قد يكون اضطراريًّا يخضع له كلّ الناس بحكم مخلوقيتهم التي ليست بأيديهم، وقد يكون أيضًا تخلقًا يضطرون إليه لحفظ النظام الاجتماعي وتدبير شؤونه. فيستمد التخلق الاضطراري قيمه الموجهة وقواعده الضابطة من (الأسماء الحسنى)؛ سواء ردّ هذا التخلق إلى (الأسماء الحسنى) أو إلى غيرها، كونها تنزل منزلة المشترك الإنساني؛ لأنهم فطروا عليها جميعًا.

3. من المعلوم أن اتصال الإنسان بـ(القيمة) يسبق إدراكه لها، فضلًا عن العمل بها. وبمجرد أن يولد الإنسان يهرع لاختيار اسم له. و(الاسم) كما تم ذكره، يسمو بالإنسان. فيقترن بالتبع بين الاختيار الاسمي وتداخل معنى الخبر والأمر. فلو فقد اسم الإنسان لما فقد هويته أو نسبه، وإنما يفقد قيمته التي يسمو بها[58].

وعليه، فإن ما يحقق به الفرد السمو الأخلاقي والثناء الاجتماعي الذي قد يتجاوز قدره، يكون بفضل التحلي بـ(الأسماء الحسنى الإلهية)، التي لا تتناهى كمالاتها.

الثاني: الاعتراض على الاقتداء بأخلاق الرسول -عليه السلام- وكونه هو عين القيم التي تنشئها الأسماء الحسنى:

إذا كانت (القيم الأخلاقية) المأخوذة من (الأسماء الحسنى) لا تطبيق يليق بمنزلتها إلا بـ(الاقتداء) أو (التشبه) على قدر الطاقة والوسع بتخلُّق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، بالنظر إلى كون (القيم) التي تنشئها (الأسماء الحسنى) هي عينها التي تجلَّت في تخلق الرسول -عليه السلام-، إذ وصف بـ(العظمة الخلقية). ومدخل الاعتراض في هذا التلازم المتعلق بكون (التخلق الرسولي-النبوي) هي عين (القيم) التي تنشئها (الأسماء الحسنى)[59]، ومردُّه إلى مسلكين؛ مسلك القول بـ(النسبية الأخلاقية). ومسلك القول بـ(التاريخية).

يقتضي المسلك الأول بجعل التغير ناظمًا حاكمًا، بقدر ما يلحق (القيم) يلحق مصدرها الأسمائي أيضًا. وتحرير النظر في هذا المسلك يقوم على أن التغير لا يعقل إلا بالثابت، ولا يوجد إلا بوجوده. وهذا الثابت المعقول في هذا السياق هو (الأسماء الحسنى). فيكون أمر تغيّر (القيمة) راجعًا بالأساس إلى عدم استيفائها للمقتضيات المعنوية لـ(الاسم الإلهي الأسمى) الذي أخذت منه؛ بحيث قد تظهر قيمة أو قيم أخرى جديدة أوفى بهذه المقتضيات. أمّا المسلك الثاني الذي يجعل كلَّ أمر -مهما كان دقيقًا- خاضعًا لـ(التاريخية)، فيحكم بالتبع على (التخلق النبوي) بـ(التاريخية)، متهمًا من اقتدى به بكونه تماهيًا عقيمًا، لا يورث إلا أخلاق الطاعة العمياء. ومن المعلوم أن (القيم) بوصفها من المتعاليات لا تخضع لـ(التاريخية) وإنْ خضَع مَن تجلّت في سلوكه لـ(التاريخية)، إذ هي أصلًا متعلقةٌ بأمر (الطاعة) قبل أيّ أمر آخر. و(الطاعة) بهذا المعنى خارجة كلية عن (التاريخية)، ولو صحّت مسلكًا للنظر في هذا الباب[60].

بناء على ما تقدّم يكون الأمر الشرعي بـ(الاقتداء) بالرسول -عليه السلام- راجعًا إلى كونه المثال التطبيقي للكمالات اللا متناهية لقيم (الأسماء الحسنى) التي لا حصر لها، نظير كمالاتها.

وفي ختام إمكان المقالة الثالثة، يكون مناطُ تعلّق الاجتهاد القرائي الطهائي لآية الأسماء الحسنى مقصدَ الإصلاح الإنساني في الوجود، خصوصًا إصلاح الباطن الفردي، الذي هو مقدَّم على الإصلاح الظاهري؛ إذ هو تبع له، فضلًا عن إصلاح الفرد قبل الكلّ، باعتباره تبع له أيضًا، وذلك موقوف التحقيق على (الكمالات الأخلاقية العليا)، التي مصدرها (الأسماء الحسنى)، وتمثلها الأعلى منحصر في (الاقتداء بالرسول -عليه الصلاة والسلام-) وجوديًّا ووجوبيًّا.

 

[1] دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني، ج1، أصول النظر الائتماني، ص73.

[2] المقالة الأولى من سلسلة مقالات (قراءة القرآن من منظور طه عبد الرحمن؛ عرض وتحليل): tafsir.net/article/5318.
المقالة الثانية: tafsir.net/article/5320.

[3] تناول طه عبد الرحمن نقد هذين المسلكين، وتأسيس ما سماه بـ(العقل المؤيد) في كتابه: العمل الديني وتجديد العقل، فضلًا عن: دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني بأجزائه الثلاثة، وفصول أخرى في مصنفاته الأخرى. مفهوم (العقل المجرد) في المتن الطهائي يتحدّد بدلالتين؛ أولاهما: (المفصول عن الدين). ثانيتهما: (المفصول عن العمل-الأخلاق). والقصد به في هذا السياق، المعنى الثاني.

[4] العمل الديني وتجديد العقل، ص26-33.

[5] العمل الديني، ص33، 38، 39، 221.

[6] العمل الديني، ص57، 58، 67-79.

[7] العمل الديني، ص77- 79، 98. مفهوم (التقليد) يتحدد في هذا السياق بـ(الاجتهاد)، باعتبار المقلد مقصرًا في تحقيق أمر وجوب النظر. وقد انتقده طه عبد الرحمن كثيرًا، كما سبق أن بيّنا ذلك في المقالة الأولى.

[8] العمل الديني وتجديد العقل، ص26، 28، 30، 33، 34.

[9] العمل الديني، ص26، 30.

[10] العمل الديني وتجديد العقل، ص33. تارة يستعمل المتن الطهائي المفاهيم بدلالات منقولة، خصوصًا عن مجال علم الكلام التقليدي، كما في هذا السياق، وتارة أخرى بدلالات جديدة غير معهودة، ومردّ ذلك إلى اختلاف سياق النظر النقدي أو التأسيسي.

[11] هذا النصّ يعدّ مجرد أثر من الآثار المتداولة في بعض الكتب التراثية، وذات الطابع الصوفي على وجه التحديد، إلّا أنه لم يثبت أنه حديث نبوي معتمد، بغضّ النظر عن المعنى المحمول، وعلى الرغم من ذلك سيعتمد طه عبد الرحمن -بعد أن يخضعه للتأويل- على مستوى الدلالة المتوافقة مع ما يذهب إليه بصدد الحديث عن علاقة الإنسان بالله تعالى، القائمة على ناظم التخلق تشبُّهًا على قدر الوُسع لا تشبيهًا.

[12] دين الحياء، ج1، ص68، 69. مفهوم (الملك) و(الملكوت) من أهم المفاهيم الطهائية في سياق التأسيس للنظر الائتماني في آيات النصّ القرآني، نظير مفهوم (الأمانة-الائتمان) و(الحيازة-الاحتياز)، ومفهوم (الظاهرة) و(الآية)، ومفهوم (الحياة) و(الموت) ونحو ذلك.

[13] دين الحياء، ج1، ص68، 69.

[14] دين الحياء، ج1، ص69.

[15] دين الحياء، ج1، ص70، 71.

[16] دين الحياء، ج1، ص63، 64.

[17] العمل الديني وتجديد العقل، ص33، 34.

[18] نص الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، لا يحفظها أحدٌ إلا دخل الجنة، وهو وترٌ يحب الوتر». صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب: لله مائة اسم غير واحد، حديث رقم6410. صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، حديث رقم2677.

[19] دين الحياء، ج1، ص60. منها حديث: «اللهم إني عبدك ابن عبدك... أسألك بكل اسمٍ هو لك، سمَّيْتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علَّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علمِ الغيب عندك...». والحديث معتمَد في الاستدلال عند أهل النظر والصنعة. انظر: شفاء العليل، ابن القيم، ص380 وما بعدها، الذي بيّن من خلاله ابن القيم ما يقول به طه عبد الرحمن، واعتبره قول الجمهور.

[20] دين الحياء، ج1، ص60، 61، 62.

[21] دين الحياء، ج1، ص62، 63.

[22] روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، ص244، 245. دين الحياء، ج1، ص27، 28.

[23] دين الحياء، ج1، ص72. يقول الله تعالى: {وعَلَّمَ آدَمَ الأَسماءَ كلَّها}[البقرة: 31].

[24] بؤس الدهرانية النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين، ص169.

[25] سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، ص85. دين الحياء، ج1، ص59.

[26] دين الحياء، ج1، ص67، 68.

[27] بؤس الدهرانية، ص169. شرود ما بعد الدهرانية النقد الائتماني للخروج من الأخلاق، ص211. دين الحياء، ج1، ص59-61. يردّد طه عبد الرحمن كثيرًا أن حديث حصر الأسماء الحسنى في (99): (لم يصح)، (إن صح)، (ليس محلّ إجماع من حيث الصحة) ونحوها من التعابير، علمًا أن الحديث متفق عليه، كما سبق تخريجه في هامش سابق.

[28] دين الحياء، ج1، ص63، 64.

[29] دين الحياء، ج1، ص66، 67، 114.

[30] بؤس الدهرانية، ص167. دين الحياء، ج1، ص71.

[31] بؤس الدهرانية، ص167.

[32] بؤس الدهرانية، ص169.

[33] دين الحياء، ج1، ص59، 67. بؤس الدهرانية، ص169.

[34] سؤال الأخلاق، ص85، 86. بؤس الدهرانية، ص169.

[35] شرود ما بعد الدهرانية، ص219. دين الحياء، ج1، ص67.

[36] مرة يرى طه عبد الرحمن ضرورة تأسيس (القيم الأخلاقية) على (الأسماء الحسنى)، ومرة أخرى يرى أن ذلك يقوم على (الصفات الإلهية) بالنظر إلى التلازم بينها. ثغور المرابطة مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية، ص59، 119. يقول: «ليست القيمة مجرد معنى أو صفة تقديرية، بل هي كمال هذا المعنى أو هذه الصفة...، ولما كان الأصل أن الكمال يلازم مفهوم القيمة، ولا يصار إلى خلافه إلّا بدليل؛ حُقّ لنا أن نعتبر القيم كمالات، لا مجرد تقديرات، ولا يتصف بهذه الكمالات إلا الكامل، بل أكمل الأكملِين، وهو الحقّ سبحانه وتعالى؛ فيلزم أن القيم إنما هي معانٍ مأخوذة من الصفات الإلهية، فالعدل من عدله، والسلام من سلامه، وقد دلّت على هذه الصفات التي بلغت الكمال أسماؤه الحسنى». نفسه، ص209.

[37] دين الحياء، ج1، ص59، 67، 71- 73، 218. ج3، روح الحجاب، ص164.

[38] دين الحياء، ج1، ص59، 71.

[39] العمل الديني، ص171، 173، 157، 221.

[40] سؤال الأخلاق، ص85، 86. دين الحياء، ج3، ص161، 162.

[41] دين الحياء، ج3، ص164. العمل الديني، ص174، 175.

[42] العمل الديني، ص174.

[43] العمل الديني، ص182، 185، 209.

[44] يقول الله تعالى: {وإنك لَعَلَى خُلقٍ عظيمٍ}[القلم: 4].

[45] سؤال الأخلاق، ص85، 86. بؤس الدهرانية، ص170.

[46] العمل الديني، ص119، 121، 146.

[47] دين الحياء، ج1، ص65، 66.

[48] تأمل الآيات الآتية الآمرة الناهية لآدم وزوجه -عليهما السلام-: [البقرة: 34]، [الأعراف: 18]، [طه: 114].

[49] دين الحياء، ج1، ص76، 77، 82.

[50] دين الحياء، ج1، ص82.

[51] دين الحياء، ج2، التحديات الأخلاقية لثورة الإعلام والاتصال، ص87.

[52] دين الحياء، ج1، ص105، 112.

[53] دين الحياء، ج1، ص114، 115.

[54] دين الحياء، ج1، ص67.

[55] دين الحياء، ج1، ص198، 199.

[56] دين الحياء، ج1، ص199، 200.

[57] دين الحياء، ج1، ص203، 209-235. تلك الحالة التي أطلق عليها المتن الطهائي وصف (الدهرانية) أو (الدُّنْيانية-الدُّنْيوية).

[58] دين الحياء، ج1، ص74، 75.

[59] سؤال الأخلاق، ص85. بؤس الدهرانية، ص170.

[60] بؤس الدهرانية، ص170.

الكاتب

محمد كنفودي

باحث مغربي حاصلٌ على إجازة في الدراسات الإسلامية، درجة الماجستير في فقه المهجر أصوله وقضاياه وتطبيقاته المعاصرة، وله عدد من المؤلفات العلمية والمقالات المنشورة في مجلات ودوريات ومراكز بحثية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))