علم الرَّسْم؛ الواقع، الإشكالات، آفاق التطوير (2-2)
يواصل د/ بشير الحميري -خبير المخطوطات بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات، والأستاذ المساعد بقسم الدراسات القرآنية، جامعة طيبة- حواره معنا حول علم الرسم، وبعد أن تعرّفنا معه -في الجزء الأول من هذا الحوار[1]- على واقع علم الرسم في ضوء إشكال المصادر والمفاهيم، واستعرضنا معالجته -حفظه الله- أهمَّ الجدليات المطروحة على الدارسِين فيه؛ فإن هذا الجزء الثاني -والمشتمِل محورَيْن- سوف يعتني بواقع دراسة المصاحف المخطوطة في الدرسَيْن العربي والاستشراقي، كما سيبسط القول في آفاق تطوير علم الرسم، وعلم العدّ تَبَعًا، وطرائق تعليمهما.
المحور الأول: المصاحف المخطوطة في الواقع العربي والاستشراقي:
جاء الحديث فيه مركزًا على واقع المصاحف المخطوطة في السياق العربي والإسلامي وحركة نشر هذه المصاحف في هذا الفضاء، وكذا في السياق الغربي الاستشراقي، حيث تناول واقع دراسة المخطوطات في هذا السياق الغربي وما يتصل بها من دراسة النقوش، مشيرًا إلى صور الاستفادة من التعرّف على الجهد الاستشراقي في علم الرسم، ثم تناول الصلة بين المصاحف المخطوطة والمصاحف المطبوعة.
المحور الثاني: آفاق تطوير علم الرسم وطرائق تعليمه:
وقد تناول أهم آفاق تطوير علم الرسم، وكذا علم العدّ، كما أشار فضيلة الدكتور إلى جملة من النصائح المهمّة من أجل تطوير هذا الدرس، وأهم الإضافات التي يقوم بها حاليًا في معجمه الشهير في الرسم، وفيما يلي نص الحوار.
نص الحوار
المحور الأول: المصاحف المخطوطة في الواقع العربي والاستشراقي:
س1: في الجزء الأول من هذا الحوار كنتم قد أوضحتم أهمية المصاحف المخطوطة وكونها هي المصدر أو الحاكم على كلام الأئمة في الرسم إن خالفتهم، وبيّنتم لوازم هذا وأثره على تكوين طالب هذا العلم، وكما لا يخفى عليكم فإن حركة نشر هذه المصاحف تعاني من ضعفٍ كبيرٍ في العالم الإسلامي، ويعد أ.د. طيار آلتي قولاج[2]، أحد أهم الرواد في نشر المصاحف المخطوطة، فما هي نظرتكم لهذه الجهود التي يبذلها وأهم مرئياتكم إزاءها؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
العمل الذي يقوم به سعادة أ.د. طيار آلتي قولاج من الأعمال الجليلة المتفردة في العالم الإسلامي؛ رزقه الله ما لم يرزقْ أحدًا في مسألة طباعة المصاحف، وكلّنا نتمنى أن نقوم بهذا، لكن قضية الحصول على هذه المصاحف ووجود الجهة التي تقوم بطباعتها أمرٌ متعذرٌ جدًّا.
وأنا أذكر أنِّي قُمْتُ لجهة من الجهات الرسمية بدراسة مصحف باريس رقم (5122) منذ حوالي خمس سنوات، واتفقوا معي على سرعة إنجازه؛ فأنجزتُه في سنة، وبعد ذلك حُبس في الأدراج ولم يطبعوه حتى الآن. ماذا تتوقع أن يكون ردّ فعلي إذا رأيتُ هذا الجهد يُحْبَس؟!
أ.د. طيار يسعى مع كِبَر عُمُرِه -خَتَمَ الله لنا وله بالحسنى-، ولا يزال يُخْرِج الكتب والمصاحف، ولي معه تواصل شخصي، ومن أميز محاسنه تقبُّلُه للنقد؛ فمع كلّ ما ذكرتُ من ملاحظات على عمله[3] في المعجم من بعض المسائل المتعلقة بإخراجه بعض المصاحف إلا أنه متقبِّل لها، حتى إنه أخبرني في رسالة خاصّة أنه سيعيد طباعة المصاحف التي عليها ملاحظات؛ مما يمكن أن يَأخذ به ويراه صحيحًا من ملاحظاتي، لأنّ لكلٍّ وجهات نظر في بعض المسائل قد لا تَمَسّ ذات العمل ولا تنقضه، إنما هي اختيارات تتفاوت.
الحاصل أن عمله رائدٌ وجليلٌ، وهو قائمٌ على ثغرٍ عظيمٍ من ثغور الأمة، ويكفي أن يُخرج للمسلمين تلك المصاحف الموجودة في المكتبات حتى ينظروا فيها، على حدّ قول الله سبحانه وتعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}[ المدثر: 31] من باب زيادة الموثوقية بكتاب الله والاطمئنان بأنه لم يُغَيَّر ولم يُبَدَّل، لقوله -سبحانه-: {إِنّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظونَ}[الحجر: 9]، فهو المتكفِّل -سبحانه- بحفظه، وما نحن إلا أدوات في هذا الأمر.
س2: دائمًا ما يكون الدرس الاستشراقي حاضرًا في أحاديثنا عن جنس الدرس العربي ذاته، بكلّ تَشَكُّلاته وألوانه، وهو حضور نتردد نحن فيه بين الحذر والإفادة بصورة أو بأخرى، كيف ينظر د. بشير -وتواصلاته ممدودة إلى مكتبات العالم المختلفة- إلى واقع الدرس الاستشراقي في (علم الرسم)، ورشيدِ التعامل معه؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
الحقيقة أن عجبي لا ينقضي من أُناس أفنوا أعمارهم في خدمة القِطع القرآنية الموجودة في المكتبات الغربية؛ فهرسةً ووصفًا ودراسةً ثم لا يهتدون! إنسان يعاشر هذا النصّ، ويرى اتفاق المصاحف المختلفة من شتى القرون[4]، وهو مع ذلك محبوس عن الله وعن دين الله، وعن الاهتداء بنوره! فنعوذ بالله من الخذلان.
وأحسب أنه لا اهتمام حقيقيًّا لهم بالرسم الذي نفهمه نحن، وإنما -والله أعلم- يتكلمون عن الظواهر الكتابية دون ما لها من علاقة بمسائل القراءات أو غيرها، وأحيانًا العجمة تَحُول بينهم وبين تصوير الكلمات تصويرًا حقيقيًّا، يعني: لَما يَنْقُل المخطوط إلى الكتابة العادية يحصل فيه خلط، والمصحف الذي نقلوه بالكتابة العادية يدلّ أن عندهم جهلًا كبيرًا بمسألة الكتابة.
من ناحية أخرى -وهذا ما يُستفاد منهم- هم يدأبون على فهرسة المصاحف من قديم، كلّ المكتبات (مكتبة باريس، مكتبة الدولة في برلين،... إلخ)، وفهرستهم ممتازة إلى حدٍّ كبيرٍ.
س3: يقوم موقع مركز تفسير للدراسات القرآنية ضمن انطلاقته الجديدة على نقل عيون الفكر الغربي إزاء بعض القضايا المهمّة المتصلة بالدراسات القرآنية وترجمة بعض المواد والدراسات الغربية في هذا الصدد، فهل لديكم مقترحات ببعض المواد المهمّة التي من الممكن أن يمثّل تعريبها إفادة في علم الرسم على نحوٍ خاصّ؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
هذا عملٌ فاضلٌ، ونرجو لو قام المتخصصون على ترجمة بعض الفهارس التي أشرتُ إلى تميّزها، منها مثلًا:
- فهرسة ديروش، الواقعة في مجلدين بمكتبة باريس، والمتعلقة بالقطع القرآنية فقط، ولم يستقصها كلّها. هذا في اعتقادي أنه نافع جدًّا؛ لأن الرجل أتقن في الكتاب وذكر أشياء كثيرة: بَدءًا من المقدمات التي وضعها للكتاب، ثم الفهرسة، ثم الخاتمة. وأعتقد أن مكتبة الإسكندرية بمصر ستتولاه؛ حدثني بذلك د. مدحت عيسى -مدير مركز المخطوطات بالمكتبة-، ولو حَدَثَ فهو خيرٌ.
- كذا الفهرسة الموجودة في مكتبة الدولة ببرلين، وعلى الأقل القطع القرآنية الموجودة عندهم، وهي قليلةٌ.
ويبقى معنا مصاحف المكتبات الأخرى، ولو أنّ فردًا يتفرّغ لجرد ما يتعلق بالمصاحف في الفهارس الأوروبية الأخرى ثم يجمعها في مكانٍ واحدٍ أو في كتابٍ واحدٍ، فهو عملٌ جليلٌ في الحقيقة؛ لأن الفهارس صغيرة يمكن جمعها وترجمتها، وذلك يفيدنا في معرفة ما تحتوي عليه القطع التي عندهم، وفي فَهْمِ نظرتهم وتقييمهم لها؛ وبذا نعرف حقيقة فهمهم من عدمه لما يدرسونه من القطع القرآنية.
وترجمة مثل هذه الأشياء -والله أعلم- ليست بالصعبة؛ لأن معظمها رموز: رمز وجه الورقة، رمز ظهر الورقة، رمز القياس للصفحات فقط، والباقي أرقام، قد يُتْعِبْ قليلًا ترجمةُ بعض الظواهر الموجودة في القطعة المصحفية هذه: أن يكتب الأخماس بكذا والأعشار بكذا والفواصل في كذا ويزخرف كذا. وهم دقيقون في التنبيه على الخروق، وأشباه ذلك.
س4: بالإضافة للمخطوطات، ففي الآونة الأخيرة وخصوصًا في الجانب الاستشراقي كَثُرَ الحديث كذلك عن النقوش، وأهميتها ومصداقيتها ومدى القدرة على الاعتماد عليها في التأريخ للنصّ، ترون كيف يَتَّخِذُ المتخصِّصُ معتبَرًا عادلًا في هذا الباب، وما هي أوجه الاستفادة من هذه النقوش المكتشفة بالنسبة لعلم الرسم؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
الحقيقة أن النقوش التي توجد من العصر الإسلامي قليلة، والضجّة التي تثار الآن حول النقوش لا نعلم حقيقتها أصدق هي أم كذب؟ لأن التزوير واكتشافه في النقوش ليس بسهولة اكتشاف التزوير في الأوراق والرُّقوق، فهو في الأخير ممكن ومقدور عليه، أما اكتشافه على الصخر فأمر متعسّر كثيرًا، والحقيقة أن هناك بعض الشواهد على بعض النقوش توحي بالاختلاق للنقش، لكن القطع بذلك عسير؛ والسبب في ذلك أن الكاتب حين يكتب على الرقوق فإن له خطًّا وطريقة مميزة في الكتابة، أما حين ينقش فإن ينحت نحتًا، ويحفر حفرًا، فليست له طريقة مميزة نستطيع من خلالها الحكم على زمن الكتابة، إلا بما يكون في الشاهد من ذكر التاريخ، والتأكّد من ذلك التاريخ عسير كما أسلفنا.
لكن النقوش غير القرآنية المسجَّلة قديمًا والمنسوبة إلى عهد الصحابة وبعده بقليل وقبله بقليل مثل (نقش سد الطائف)[5] وغيره من النقوش التي أُثبتت في كتب عالمية قبل ذلك= هذه تُثْبِتُ حقيقة جليّة، وهو أن الصحابة لم يكونوا يعرفون إلا كتابةً واحدةً، وطريقة واحدة في الكتابة؛ هي الطريقة التي كتبوا بها المصحف، وأنهم لم يكتبوا المصحف بهذه الطريقة لأنهم أرادوا بها معاني خفية. ففائدة النقوش إثبات ذلك؛ لأن كتابتهم في النقوش هي عين كتابتهم في المصحف، وانظُر نقش السد الذي اكتشفه المستشرق "سيسد"، في أوله كتب: «هذا السد بَنِيه» (باء، نون، ياء، هاء)، على الأصل والإمالة، وهذه نفسها نجدها ظاهرة كتابية بعينها في المصحف[6]، نعم! لأنها كتابتهم الوحيدة، وهي أمة أمية[7]؛ فكيف نتوقع منهم أول ما يبدؤون بالكتابة أن يستحدثوا نظامَيْن ونوعَيْن من الكتابة؟! هذا كلام لا يُعقل[8].
ثم هذا يناقض الحقائق التاريخية التي تأتي بعدُ: فقد سئل الإمام مالك -فيما أورده الدانيُّ-: «هل يُكْتَبُ المصحف على ما أحدثه الناسُ من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكَتْبَة الأولى»[9]. فـ(الإحداث في الهجاء) كان الكتابةَ الإملائية، يعني: متأخِّرة في عهد الإمام مالك، وهذا الفزع من الكَتَبة إلى الأئمة يسألونهم عن كيفية الكتابة يُبِين عن غرابة الأمر عليهم وحداثته، وإلا فالكتابة كانت واحدة سواء في القرآن أو في غيره قبلُ. هذه فائدة النقوش الأولى.
كذلك فإنّ النقوش تبيّن لنا اهتمامهم بتسجيل ملاحظاتهم؛ فبعض الوثائق لا زالت موجودة، ومنها وثيقة «بردية إهناسيا»[10] أُخذت من مصر في سنة سبعين تقريبًا، وفيها كيفيات كتابة قريبة جدًّا مما في المصحف: الحذف والإبدال والزيادة... إلخ موجودة على نفس النمط؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون إلا هذا النمط منها.
وهذا كلّه يقودنا إلى المتكلمين في «إعجاز الرسم»، فنحن ننتظر مِمَّن يدعي الأمور الإعجازية أن يذكر لنا أشياءَ حقيقية كأمثلة على ما يقول، وتكون هي الغالبة السائدة، فيكون الأمرُ صحيحًا، وإن لم يذكر من ذلك إلا مثالين أو أقلّ أو أكثر فنقول: هذه موافقات لطيفة، نسميها: «لطائف»، ولا نسميها إعجازًا، فإن لم؛ فنقول: أنت يا أخي متحكِّم متخير منتقٍ في الأمثلة التي تقول، ففي الرسم يأتون إلى بعض المسائل ويعللونها؛ فتصير لطائف، مثل: (امرأة) (امرأت) وما شابه، هي لطائف لكنها لا تنطبق على جميع كلمات الرسم التي فيها استثناءات. وهذا دليل على أنه ليس إعجازًا[11]، ولو كان إعجازًا؛ لصار منضبطًا ذا قاعدة عامّة.
عندنا حدود الـ10000 كلمة في الرسم وأنت تطبق دعواك على 20 كلمة ثم تريد أن تتحكم في جميع مسائل الرسم العثماني! ثم إنّ هناك بعض الكلمات يختلف العلماء في رسم الاستثناءات منها؛ فكيف ستفعل، وبماذا ستأخذ من الأقوال؟ الإعجاز سيكون على قول فلان أم قول فلان؟ فهل سيكون على هذا الوجه قرآنًا، ويكون على هذا الوجه ليس بقرآن؟![12]
كذا يحاولون في «العدّ»، وللأسف أصبح بابًا يدخله حتى الجهلة. من فترة جاءني رجل يقول أنه أظهر إعجاز القرآن في الرقم (7 أُسّ 7) أو ما شابه في عددِ الحروف وفي عددِ الكلمات، فقلتُ له: أنتَ حينما تعدّ ماذا تعدّ؟ ما هو حدّ الكلمة عندك؟ قال: الكلمة المعروفة التي لا تعلّق لها بما قبلها ولا ما بعدها، قلتُ له: (الواو العاطفة) مثلًا عندك كلمة أم تتبع ما بعدها في العدّ؟ قال: لا، كلمة مستقلة، قلتُ له: مَن قال من الأئمة السابقين أن الواو العاطفة كلمة مستقلّة؟ فقال لي: أنا أقول لك: هذا إعجاز، يعني شيء جديد، ما تكلّم عنه السابقون! قلتُ: لا يا أخي، السابقون تكلموا عن عددِ حروف السورة، وتكلموا عن عددِ كلمات السورة، وعددِ كلمات القرآن وعددِ حروفه، فإذا جاء من بعدهم، وجب أن يسير على ما ساروا عليه، وإلا فإنه يكون مبتدعًا.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}: (وَانْحَرْ) كلمة، وأنت تقول كلمتين. طيب انظر جميع كتب العدّ التي تذكر عدد سورة الكوثر تجد أنك زدت عددًا واحدًا. إن رجعتَ إلى رقمهم بطل الرقم الذي تدعيه، وأنتَ لا تريد أن تبطل الرقم، تريد أن تضبط الرقم الذي تدعيه بأي طريقة؛ هذا ليس إعجازًا، هذا تحكّم، وقد يُستغفل بمثل هذا الكلام بعض الهيئات، وهذه أعمال باطلة متوهّمة، والقرآن لا ينقصه رجل يأتي ليقول هذا إعجاز في العدد لنثبت أنه من عند الله، القرآن إعجاز لأنه كلام الله، وحسبه ذلك.
س5: حسنًا، ننتقل من المصاحف المخطوطة إلى المطبوعة؛ للجان طباعة المصاحف والقيام على شؤونها علاقةٌ بل وأدوار رئيسة في تشكيل واقع علم الرسم، مع أدوارها في تطويره والقيامِ بواجب خدمة كتاب الله الكريم، هل لكم من ملاحظات يمكن تداولها حول هذه اللجان والمجامع؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
ابتداءً كنّا نعتذر للأئمة والمشايخ عن اقتصارهم على كتابي «المقنع» للداني و«مختصر التبيين» لأبي داود أول ما أرادوا طباعة المصحف؛ المصحف الأميري بالرسم العثماني، ولكننا لا نعذر المتأخرين من لجان المصاحف وهيئاتها في متابعتهم هذا، الأولون فعلوا جهدهم، وأَحْسَنُوا للأمة؛ أَحْسَنَ اللهُ إليهم! ومَن بعدهم لا يفعل إلا استنساخ أعمالهم وإعادة إنتاجها، مع توفّر كثير من كتب الرسم التي لم تتوفّر لمن قبلهم.
هم يغيرون الخَطّاط مثلًا، ثم هو يكتب بنفس الخطّ، ونفس الكلمة التي تبدأ بها الصفحة ونفس الكلمة التي تنتهي بها، ما الإضافة؟ وأين دور لجان المصاحف؟!
ولجان المراجعة تراجع ما كتبه الخطاط هل فيه خطأ أم لا فقط، أما الكتابة باعتبارات أخرى، أو النظر إلى كتب رسم أخرى وإدخالها على المصاحف= لا، وكأنه لا يصح أن ننظر في غير «المقنع» و«مختصر التبيين»! وهذا خطأ.
أرى -والله أعلم- أن يُجدَّد في لجان المصاحف؛ بجمعِ كثيرٍ من كتب الرسم والأخذ بها كلّها متّفقة، والأمرُ ميسورٌ ومقدورٌ عليه، وقد جمعتُ لهم -ولله الحمد- خمسة عشر مصدرًا في الطبعة الأولى من «معجم الرسم»[13]، والآن أعملُ عليه، وأدخلتُ فيه كتابين أو ثلاثة، ومصحفين أو ثلاثة مخطوطة؛ زيادةً على ما سبق، فَلِمَ لا تبدأ لجان المصاحف عملًا حقيقيًّا؟!
كذلك لَمّا كانت المصاحف المخطوطة تَكْتب الحرف المحذوف بالأحمر على قدر حجم الحروف الحقيقية، ثم جاءت المطابع فطبعته بالأسود فقط وجعلوه حروفًا صغيرة بدلًا من المحذوفات، وكان ذلكم نعمة عظيمة آنذاك، ولكن الآن هناك تلوين، وهو يسيرٌ جدًّا؛ فلم لا تعيدون المسألة إلى ما كانت عليه؛ بأن تُكتب الحروف المحذوفة في الرسم بحروف حمراء على قدر الحروف المكتوبة؟
ولستُ بهذا أخطِّئ المصاحف المطبوعة، فالمصاحف المطبوعة مبنيّة على اجتهادِ ونظرِ علماء أجلاء في كتب الرسم، وتلتزم الرسم العثماني إجمالًا، وهي كافية، وعملهم صحيحٌ مبرورٌ ومقبولٌ مأجورٌ من الله، ولكن نتكلم عمّن أمكنهم أن يرجعوا إلى كثيرٍ من كتب الرسم، فاقتصروا على ما رجع إليه سابقوهم فقط، واكتفوا بذلك. وليس ذاك التعاملَ الجِدِّيَّ مع طباعة القرآن والنظر في رسمه.
س6: كان لعمل الإمام ابن مجاهد -رحمه الله- في كتابه «السبعة» آثار عمّت الدرس القرآني واللغوي وتعدّت أبعدَ منهما بكثير، وقد يتوقع البعض أن يكون لهذا الكتاب أثرٌ على المصاحف المخطوطة، فهل كان الأمر على هذا النحو أم ليس صحيحًا هذا التوقّع؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
كتاب ابن مجاهد كان مرحلة من مراحل حفظ الله للقرآن الكريم؛ لأنه كَثُرَت الروايات على طلاب العلم وتشعّبت كثيرًا، فأراد ابن مجاهد أن يختصر الأمر باختياره وجَمْعِ رؤوس القُرّاء في البلدان والأمصار، ولم يفعل ذلك وحده، فغيرُه من العلماء ألّف أيضًا كتبًا في القراءات. ومع ذلك لم يقل أحدٌ منهم أن اختيار غيره اختيارات باطلة، بل كانوا يُصَلُّون بها في المحاريب ويروونها عن مشايخهم قراءةً وإقراءً؛ لأنه ما شُذِّذَ منها شيء، بل كانت صحيحة: صحَّ إسنادُه إليها، ووافقت المصحف، وصحّ وجهها من العربية، وأخذها عن شيخه قرآنًا؛ فَقَرَأ بها. لكننا الآن لا يصح لأحد أن يأتي ويقرأ بـ«التذكرة في القراءات» لابن غلبون ويجعل كلّ ما ورد به صحيحًا مقبولًا؛ لأنه سيأتي ببعض الأوجه التي لم يَنْقُلها ابنُ الجزري؛ يعني شُذِّذت، فلا قراءةَ لنا بها، بل نحن نروي كلّ كتب أئمة القراءات روايةً ليس قراءةً، يعني: لا نعدّها قرآنًا إلا ما كَتَب الله له القبول من الأسانيد التي يرويها أهلُ المغرب، ومن طريق ابن الجزري ويعمل به أهل المشرق.
بالنسبة للمخطوطات القرآنية تطورت رسمًا، ليس لأجل ابن مجاهد ولا غيره، ولكن سنة الله في تغير شؤون الخلق وتدابير دنياهم، وعليه؛ لم يُؤثِّر تأليف ابن مجاهد في المصاحف المخطوطة حتى عصر الإمام ابن الجزري، الذي أخذ كلّ كتبه عن مشايخه على أنها قرآن، قال عنها في «النشر»: «عشرات الآلاف من الطرق». ثم أراد -رضوان الله عليه- أن يحصر لطالب العلم أفضل وأصحّ الموجود مما اشترط في إسناده أن يكون القارئ قرأ على الشيخ حتى النبي؛ فضَبَط الأمر، واستقرّ العمل على اختياره في «النشر»، وسارت الأمة عليها وأخذتها بالقبول مع «الشاطبية» و«الدرة».
بعد ابن الجزري استقرّ الأمرُ نطقًا لا كتابةً، ولم يتأثر النصّ بتخيُّر طرق معينة للقراءة بها وترك طرق؛ لأن هذا مما يسع الإنسان اختياره وتركه.
المحور الثاني: آفاق تطوير «الرسم»؛ علمًا وتعليمًا:
س7: ذكرتم قبل ما جرى عليه المسلك التعليمي المعاصر في الجمود على بعض المنظومات في علمي الرسم والعدّ؛ والتي حادت عن مسلك المتقدمين، لكن اسمحوا لنا في سؤال معتاد يهاجمُ عقولنا عند سماع أيّ حديث عن عدم أرجحية أو صواب ما سرنا زمنًا عليه، وهو (سؤال البديل)، فالواقف على نقدكم يتشوف لمزيدِ تفهُّمٍ للإشكال، وتحصّل على مسلك قويم.
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
في «علم العدّ» خاصّة بعض المنظومات التي تُدَرَّس في الجامعات ونحوها، مثل: منظومة الإمام القاضي -رضوان الله عليه- في العدد، لو يُستغنى عنها بمنظومة شُعلة المَوْصِلِي؛ فهو الأولى والأفضل.
- منظومة العلامة عبد الفتاح القاضي -وهو من الجهابذة المحققين في العصور المتأخرة- جاءت فيها أشياء مما خالفت كتب الأئمة السابقين؛ والذي وقع دون قصد، وإنما حصل تقليدًا لمن قبله، فبعضها وقع فيه المتولِّي، وبعضها القسطلاني -رحم الله الجميع-، وهذه مصادر القاضي الأصلية؛ فقَلَّدَها، وبعضها تكون بسبب فهمه لكلام الجَعْبري[14] خطأً، فالجعبري عباراته دقيقة؛ تحتاج إلى تَمَهُّل وتَحَقُّق.
- منظومة العلامة القاضي ذكرت جزءًا من علم العدد وهو فرش الخلاف، ولم تذكر إجمالي آيات السور، بينما كلاهما مرتبط بالآخر؛ لأن من عدّ هذه الآية سيزيد آية، ومن لم يعدّها سينقص آية، وبذلك أنتَ أبعدتَ عنِّي نصف العلم، وليس هناك أيّ منظومة في علم العدد لأهل العلم فَعَلَتْ ذلك، أقلّ منظومة تذكر عدد آيات السورة ومواضع الخلاف، ولم أجد منظومة تقتصر على ذكر مواضع الخلاف أبدًا.
البديلُ منظومةُ شعلة الموصلي «ذات الرَّشَد في الخلاف بين أهل العدد» لطيفة وقوية، ولا ملاحظات عليها إلا القليل؛ وذلك مما فيه خلاف بين العلماء في النسبة، فلا يبقى إلا التحقيق؛ تحقيق نسبة الخلاف والتدقيق فيه فقط، أما غير ذلك فلا.
والأصل أنه ما دام أنه قد تبيّن لنا أن المنظومة فيها بعض الاختلال عما ذكره العلماء، وذلكم في حدود العشرين موضع؛ وهي ليست هيّنة ولا قليلة، فما المانع أن تُغيَّر إلى منظومة أخرى؟!
وقد كتبتُ بحثًا في نقد المنظومة، وذكرتُ فيه المواضع التي جَانَبَ فيها الإمام القاضي الصواب في نسبة العدِّ لعادٍّ من العادِّين، وبينتُ وجه الخطأ ومن أين أَتَى؛ سواء أكان من الأصول التي اعتمدها أم من الكلام الذي نَقَلَه، وبينتُ الصحيح فيها واستدللتُ له بكلام الأئمة، حيث رجعت إلى ما يزيد على 17 مصدرًا في علم الرسم. لكن العجيب أني لما عرضتُ هذا البحث على بعض المجلات؛ اعتذروا عن طبعه! وحين سألتُ عن سبب ذلك لم أتلقَّ جوابًا، والذي يظهر أن مخالفة السائد عند البعض أمر غير مرغوب فيه؛ حتى لو كان فيه أخطاء، وهذا عجيب وغريب ولا مبرّر له أبدًا.
قد يُقال مثلًا: جميع الذين قبلك ما عرفوا أن فيها أخطاء، وعرفتَ أنت؟! أقول: لا، ما عرفوا! لأن هذا العلم قليلٌ الذي يقوم به ويحقِّقه تحقيقًا صحيحًا، ويرجع إلى كتب المتقدمين ويتتبع المسائل، ولكنّ كثيرًا جدًّا الذي يُدَرِّسُه ويَدْرُسُه، والسبب في ذلك تلقّي المنظومة بالقبول، ثم لم تراجع على كتب الرسم الأصلية، ولو قارنها مؤلفها العلامة القاضي لصححها بنفسه، ولكن أنَّى لنا به، رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته، وقد عملتُ أولًا تصحيحًا لما فيها من أمور في نفس المنظومة، وزدت على المنظومة إجمالي عدد آيات السورة، وسميت تعديلاتي على منظومة العلامة القاضي: «الزيادة والإحسان على الفرائد الحسان».
إذا كنتُ أنا مخطئًا؛ ناقشوني في خطئي، لكن لا تتحجّروا، وتتعللوا بأنه مخالف لشروط النشر! أعطوها لمن تعطونهم بحوث التحكيم في علم العدد، وأنا مستعدّ ومتقبّل لكلّ كلام يقوله أئمة العدد في كتبهم، ولكن لما كان علم العدد قليل من يتولاه ويحسنه ويتقنه تأتي أبحاثه على علاتها.
المسلمون طلّاب حقّ، وليس نقدُ المنظومة نقدًا للعلامة؛ حاشا لله، الرجل أفضى إلى ما قدّم، وهو ممن نَفَعَ الله بهم كثيرًا في علم القراءات، ولا يُنْقِص الكاتب أن يكون مجيدًا في فنّ دون آخر، وأن لا يكون في زمنه أحد يتصدر في هذا العلم فيكتب هو فيه، إلى أن يأتي من يحقق فيه عن أهلية، ولا إشكال.
وكثير من المتأخرين يرجعون إلى كتاب الجعبري «حسن المدد» ثم تجدهم لا يفقهون ما يريد أن يقول، فيقوِّلونه ما لم يقل.
س8: هذا بخصوص النظر في تجويد تدارس «العدّ»؛ علمًا، أما «الرسم»؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
الإشكال أقلّ كثيرًا في علم الرسم، مثلًا: مسألة ظواهر الرسم؛ كم ظاهرة ندرسها؟ يقولون: ست ظواهر: (1- الحذف 2- والزيادة 3- والإبدال 4- والفصل والوصل 5- والهمزة 6- وما رُسِمَ بقراءة واحتمل قراءتين). وأنا أقول: لا، هي أربع، والأئمة لا يذكرون إلا أربعًا: (الحذف، والزيادة، والإبدال، والفصل والوصل)، وإن ذكر بعض المتأخرين منهم الهمز، وجعله بابًا لوحده فليس علمه حجة؛ لأنه متفرد.
و(الهمز) على الصحيح مُندَرِج تحت الظواهر السابقة؛ لأن الهمز إما أن يكون محذوف الصورة فيدرج في باب الحذف، وإما أن يكون مبدلًا إلى حرف آخر، مثل: {يُومِنُونَ} فيَدْخُل في باب البدل، وهكذا يفعل العلماء. فلماذا تعدهما ظاهرتين مستقلتين؟!
أما (ما رُسِمَ واحتمل قراءتين): ليست كلّ الكلمات القرآنية تحتمل قراءتين، ومع ذلك هي مرسومة على وجه لا تحتمل أية قراءة، هذا لا يَجْمَع، يعني ليس جامعًا مانعًا، إنما هو تخيُّر وانتقاء.
هذا إلى جانب الإشكالات التي أشرنا إليها قبل بخصوص جمع القرآن وما يتعلق به من مفاهيم ومصطلحات.
أما مدارسة بقية المسائل فنعود بها إلى كتب الأئمة المتقدمين، ولا يُمنع من العودة إلى كتب المتأخرين، بشرط أن تكون مُوَثَّقَة من كتب المتقدمين، بذلك قَبِلْنَا، وإلا فلا.
س9: يفكّر بعض المحبين للخير في إخراج كتبٍ تعليمية تدريبية في علم الرسم؛ كهذه التي تترك مساحات ليكتب الطالب بعض آيات بالرسم العثماني مساهمة منهم في تعليمه، ترونها محاولات جيدة؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
الحقيقة المشارقة يريدون إكمال النقص الذي عندهم في هذه المسألة، فالطالب عند المغاربة لَمّا يذهب إلى الكتاتيب يكتب هذه المسائل في اللّوح، وشيخه ينتبه له في ذلك؛ فيتقنون هذا. الكتاتيب عند المشارقة لا تقوم بمثل هذا؛ لأنه يقرأ في مصحف مطبوع أصلًا، فاخترعوا مسألة تعليم الرسم العثماني، والرسم العثماني ليس خطًّا، وليس هناك شيء اسمه تعليم الخط العثماني، الخط العثماني بالحذف والإبدال وما شابه؛ فلو كتبته بخطك العادي الذي ليس هو نسخًا ولا رقعةً ولا أي نوع من أنواع الخط المضبوطة= فهو رسم عثماني، وأنا أرى أن هذا من إشغال الناس، وتكثير العلوم، ولا حاجة لنا به.
مدارس تعليم الخط شيء آخر؛ لأن الخط صنعة، فعمل مدارس لتعليم الخط ممتاز، أما تعليم الرسم العثماني ويتخذون كراسات كما يفعل الخطاطون؛ فلا فائدة منه.
س10: من خلال تجربتكم الطويلة وتعاملكم في التدريس ومع المؤسسات والمراكز، ما هي أهم نصائحكم التي ترغبون بتوجيهها للأكاديميين والمراكز البحثية والمجلات والمنابر الإعلامية في ذات الصدد؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
أولًا: الأكاديميون:
- الطلاب في الجامعات أنصحهم بالرجوع إلى كتب المتقدمين، وكلّ شيء يقرؤونه يحيلونه إليها لتطمئن قلوبهم،{وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}.
- أما بالنسبة للأساتذة القائمين على تدريس هؤلاء: فالأصل فيهم أن يكونوا سبّاقين إلى ذلك من الاستزادة والتبحّر في تخصصهم، وعلى المعلِّم في أوقات التدريس أن لا يجعل المادة مجرّد قراءة، وإنما يجعلها حيّة يتفاعل معها ويبني على كلّ مسألة فيها تطبيقات.
ثانيًا: بخصوص المراكز المتخصصة:
دورهم استقبال نواتج طلبة العلم الجادّين والأساتذة وطباعتها ونشرها، خاصّة ما فيه تحرير وتجويد وتجديد.
وألا يضيقوا ذرعًا بالأبحاث التي تخالف السائد، ولتجعل مثلًا ضوابط معيارية للكتّاب والمواد المقبولة؛ أساسها الأول خدمة المعرفة وإصلاح ما عليه الأمور والخطو بها للأمام.
أوصي المجلات العلمية أن يتقوا الله فيما يُقَدَّم لهم من أبحاث، وفيما يقدِّمون من أبحاث، فإنهم مصادر مهمّة لطلاب العلم، فالتمحيص فيما يقبلون نشره مهم جدًّا، وأن تكون الأمور راجعة إلى ضابط الجودة في البحث وفي المحكَّمين على تلك الأبحاث، وليعلموا أن المحكَّمين الذين يدققون في الأبحاث إنما يريدون بهم ولهم الخير، وكذا لكاتب البحث، فليفرحوا بذلك، لا أن يضيقوا بذلك ذرعًا!
س11: بخصوص معجمكم الشهير في الرسم[15]، ذكرتم أنكم زدتم فيه أمورًا فهل تطلعونا على أهم تلك الزيادات؟ وهل تريدون توجيه القرّاء إلى شيء ما في التعامل معه أو في تتميم عملكم الحالي في الزيادة عليه؟
د/ بَشير الحِمْيَرِي:
زدتُ عليه عدة كتب وعدة مخطوطات، ولا زلت[16]، وطلبي من القراء ألا يبخلوا على أخيهم بالمناصحة، والكتاب مليء بالأخطاء في التشكيل أو تقديم حروف في الكلمة على أخرى أو ترقيم الآية، من وجد هذا أو غيره فليراسلني Emailأو Twitter؛ ينبهني على موضع الخطأ ويعرض ما يراه بإحسان، وأنا أحب أن ينبهني إخواني -الله يجزيهم الجنة-.
نسأل الله ألا يجعل العلم حجّة علينا، وألا يجعل نصيبنا من كلامه وكتابه ظاهره وحروفه ورسم كلماته! مصيبة أن تؤخذ علوم الكتاب ويُتفنن فيها ثم لا تؤثّر في سلوك صاحبها وتصوراته، وهذا واللهِ يُخشَى على حاله، يجب عليك أيها الطالب والباحث أن تتلبّس بالقرآن، كان -صلى الله عليه وسلم- خلقه القرآن؛ وإلا والله لن تجد ما ينفعك غدًا!
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم، جزاكم الله خيرًا وشكر لكم.
[1] يمكن الاطلاع على الجزء الأول من الحوار، على هذا الرابط: https://tafsir.net/interview/10.
[2] طيار آلتي قولاج (بالتركية: Tayyar Altıkulaç) باحث تركي، معروف بجهوده الكبرى في تحقيق المصاحف القديمة وتصويرها، له اليد الطولى في تأسيس وقف الديانة التركي، ومركز الدراسات الإسلامية (İSAM)، ودائرة المعارف الإسلامية التركية، وله أيضًا مشاركة في تحقيق بعض كتب التراث المتخصصة في علم القراءات؛ فحقَّقَ «المرشد الوجيز» لأبي شامة المقدسي، و«معرفة القراء الكبار» للذهبي.
[3] يقول د. بشير في مقدمة معجمه في الرسم: «قد لا أوافق على كلّ ما فرّغه أ.د. طيار آلتي قولاج في المصاحف التي حَقَّقَها، إما لسبقِ نظرٍ وَقَعَ فيه، أو لإقراره -غالبًا- للإلحاقات التي تُضاف إلى المصحف في وقت متأخِّر من قِبَلِ بعض مَن قرأ في ذلك المصحف، وأُضيفُ كلَّ ذلك في فقرة خاصّة في الكلام عن المصحف الذي أُدْخِلُهُ، ولم أتعقبه في المصحف الحسيني؛ لأني أدخلتُه من واقع صورة لمخطوطته الأصلية دون أن أرجع إلى تحقيقه إذ لم يتيسر لي الحصول عليه، وهو محسنٌ في تحقيقه لتلك المصاحف، ولا يخلو عملٌ من هفوة، فجزاه الله خيرًا. ومصحف الرياض ومصحف مكتبة باريس برقم: (5133) أخذتُها كذلك من صور ملونة للمصحفَيْن» اهـ. (مقدمة معجم الرسم: 1/56).
[4] فمع الرجوع إلى كتب الرسم المنسوبة إلى أغلب الفترات التاريخية، وكذا المصاحف والرقوق؛ تجد أنها عين الكلمات المقروءة، وكلّ ما يُتَكَلَّم فيه في «علم رسم المصاحف» هو كيفيات كتابة الكلمة على شكلٍ معينٍ، وهذا يخضع لتَطَوُّر الكتابة وتَدَرُّج رقيّها نحو الاكتمال؛ مما لا يؤثر على اللفظ القرآني بأية صورة، فالقرآن يُؤخَذُ مشافهةً، والكتابة زيادة حَيْطة وتوثيق لكمال حفظه.
[5] أشهر السدود التاريخية بالمحافظة، ومن أقدم الإنشاءات البشرية على مستوى الوطن العربي، يقال له: (سد معاوية) أو (سد سيسد)، الواقع على بعد 12 كلم جنوب شرق الطائف، بناه عبد الله بن صخر في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان سنة (58هـ)، ويدلّ على تاريخ بناء هذا السد نصٌّ مؤرخ لوقت بناء السد، نُقِشَ على صخرة كبيرة في أسفل الجبل الذي شُيّد عليه يمين الواجهة الأمامية للسد.
[6] ولمزيد فهم المسألة انظر: «منشأ الخطّ العربي وتطوره حتى عهد الخلفاء الراشدين»، ناصر النقشبندي، مجلة سومر، ج: 1، م: 3، كانون2، 1947م، ص: 39. و«قديم وجديد في أصل الخط العربي وتطوره عبر العصور»، يوسف ذنون، مجلة المورد، م: 15، ع: 4، 1407هـ/1986م، 7-26. و«موازنة بين رسم المصحف والنقوش العربية القديمة»، د. غانم قدوري، مجلة المورد، م: 15، ع: 4، 1407هـ/1986م.
ولمزيد من الأمثلة على هذه الظاهرة: «الكتابة العربية من النقوش إلى الكتاب المخطوط»، صالح الحسن: 54 وما بعدها. و«المخطوط العربي منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجري»، د. عبد الستار الحلوحي: 47.
وانظرها بدراسة تفصيلية: «الكتابة العربية على الآثار الإسلامية»، د. مايسة داود: 92 وما بعدها. و«الخطاطة»، د. عبد العزيز الدالي: 27.
[7] قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّا أمةٌ أميّة؛ لا نَكْتُب ولا نُحْسُب)، متفق عليه. ومَن أصدقُ منه -صلى الله عليه وسلم- وأَعْرَفُ بحال من أُرسل إليهم؟! وقد قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[الجمعة: 2].
[8] قال د. بشير في مقدمة معجمه للرسم: «كيف وقد صحّ عنه -عليه الصلاة والسلام- النهيُ عن كتابة شيء غير القرآن، وقد علّل الأئمةُ ذلك خوفَ اختلاطه بالقرآن والتباسه بغيره، لذا أَمَرَهم بمحو ما كتبوه من غير القرآن خوف الاشتباه، فعلى قولِ: (أن القرآن كُتِبَ بصفة مخصوصة)، منافاةٌ لما يُفْهَمُ من أمر رسول الله، إذ الكتابة واحدة متشابهة، ولو كانوا يكتبون القرآن بطريقة مخصوصة لم يَنْهَهُم عن ذلك؛ لأنه لن يكون حينئذٍ اشتباه بغيره، فتأمّلْ!» اهـ. (مقدمة معجم الرسم، بتصرف 1/20).
[9] المقنع، للداني، الفقرة 20 و21، ص: 9.
[10] أقدم وثيقة بردية إسلامية، تعود إلى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وهى محفوظة حاليًا في مجموعة الأرشيدوق راينر في فيينا بالنمسا، ومؤرخة بشهر جمادى الأولى عام 22هـ/ 642م، وتاريخها يشير إلى معاصرتها للسنوات الأولى للفتح الإسلامي، ويلاحظ أنها مكتوبة بلغتين: الأولى، وهى العلوية: اللغة اليونانية، والثانية: اللغة العربية.
[11] يقول د. بشير في مقدمة معجمه للرسم: «والمعجزات لا تكون إلا لأنبياء، ومن ادّعى أن لهم في الكتابة إعجازًا فقد نسب الإعجاز إلى غير نبي؛ لأن الكتابة فِعْلُ الصحابة -رضوان الله عليهم-، ولم يقولوا هم إنهم كتبوه على طريقةٍ معجِزَة، ولم يقل أحدٌ من الأئمة بعدهم ذلك، بل إنّ كثيرًا من الأئمة يقول كلامًا مخالفًا، كالفرّاء وابن قتيبة وغيرهم، وما يُرْوَى عن عثمان نفسه وعائشة وحفصة وابن عباس من أنه قد تقع في الكتابة حروف لا تُقرأ، وقد تُحذف حروف مقروء بها، وانظر تعليلًا لها في آخر كتاب المقنع لأبي عمرو الداني، وفي أول العقيلة للشاطبي وشروحها، ومن أقوى التعليلات لما وقع في الكتابة أن العرب هكذا أخذوها عن الأنباط، وفيها هذه الكيفيات من الزيادة والنقص ورسم الحركات على صورِ حروفٍ وغيرها، ولم يكن تعمّد خطإٍ منهم، بل كانت الكتابة في زمنهم هكذا. ولا طعن بذلك في الصحابة؛ فلم يكونوا على معرفة بالأصح كتابةً فتركوه إلى غيره، حاشاهم،... وإنما هذا غاية جهدهم وكمال نصيحتهم للأمة، والجميع متفق معنا أن تطوّر الكتابة وتحسينها أمر دنيوي، مثل الصناعات والطب وغيرها من العلوم التي لا يشكّ أحد أنها تطورت للأحسن وأن الأمم متفاوتة فيها»، (مقدمة معجم الرسم: 1/ 21، 22).
[12] يقول د. بشير في مقدمة معجمه للرسم: «ثم أتت الطامّة الكبرى فتكلّم بعض المتأخرين أن هذا الرسم ليس للصحابة فيه شعرة واحدة، وأنه كلّه من الرسول! مع أن الإمام ابن كثير يقول في تفسيره: (قد عُلِمَ بالتواتر وبالضرورة: أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعاني شيئًا من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره)... أليس هذا تكذيب للقرآن نفسه: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}؟!» (مقدمة معجم الرسم: 1/ 29).
لمراجعة أقوال هؤلاء انظر مثلًا: «سمير الطالبين» للشيخ علي بن محمد الضباع: 18، و«رسم المصحف ونقطه» للدكتور عبد الحي الفرماوي: 99 وما بعدها، و«مناهل العرفان» للزرقاني: 1/260.
وعلى النقيض فريقٌ آخر يرى أن (الرسم مجرد صناعة لا أثر فيها للتوقيف)، وهو قول منشور في كتاب متخصّص أشرفت على إخراجه وزارة الأوقاف المصرية، وانتهى إلى أنه لا مانع من كتابة المصحف بالرسم الإملائي! وهو ما نمنعه ولا نجوّزه؛ فحكم اتباع الرسم توقيفي، وليس توقيفيًّا لأنه من عند الرسول، وإنما التوقيفية له ناشئة من قول النبي: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي وغيرهم، وهو صحيح، وهذا شيءٌ كَتَبَ به الصحابة مصاحفهم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، ثم كَتَبَ عثمانُ المصاحف ووزّعها على الأمصار، وليس لهم إلا كتابة واحدة.
لمراجعة القول: «الموسوعة القرآنية المتخصصة»، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في وزارة الأوقاف المصرية، إشراف: أ.د. محمود حمدي زقزوق، كاتب المبحث: أ.د. إبراهيم عبد الرحمن خليفة، ص: 212.
[13] قال د. بشير في مقدمته: «ويتمثل ما فعلتُه في هذا المعجم في جَمْع الأقوال والتنظيم والكتابة، وضَمِّ القول إلى قريبه، والكلامِ إلى مُتعلَّقه، ومحاولةِ فَهْم بعض المواضع، ومقارنةِ بعض مخطوطاتٍ لبعض الكتب المطبوعة زيادةً في التأكّد والتحرّز من نصوص الكتب، وقد ألخِّصُ كلام علماء الرسم على كلمةٍ معينةٍ يطول فيها الخلاف، وهو شاقّ، وقد أعلِّقُ على كثيرٍ من المواد؛ لأني أرى أننا ننقُل كيفيةً للكتابة؛ نقلها لنا العلماءُ أو بَقِيَتْ في بعض المصاحف القديمة، ولا تجوز مخالفتها -على القول الصحيح-، فليس فيها من قياسِ العربية وصرفِها كثيرٌ، ولا تخضع لقواعد معينة في الغالب، ثم الرجوع إلى بعض المصاحف القديمة وتفريغها كلمةً كلمةً في هذا المعجم مما وَرَدَ فيها ما يخالِفُ الرسمَ الإملائي» اهـ. (1/15).
[14] إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبري، أبو إسحاق؛ عالم بالقراءات، من فقهاء الشافعية. وُلد بقرية جعبر على الفرات بسورية، ت: 732هـ.
[15] لا نعلم كتابًا يجمع الأقوال المختلفة للكلمة الواحدة في مكان واحد، ويقارن بين ما ذُكر من تعدُّد الأقوال إذا كثرت وتعارضت كما هو في المعجم، كما أنه دليل تطور الأمم ونهوضها؛ لأن جَمْعَ أشتات علم معين من مصادر مختلفة في عمل متكامل= نتيجةٌ لاستيعاب هذا التراث وتنقيته ثم عرضه وإخراجه بصورة مبتكرة لم يُسبق إليها في هذا التخصص. كذلك سهولة البحث فيه والعودة إليه، وتيسير الاستفادة من شتات كتب الرسم.
[16] قال في مقدمته للطبعة الأولى للمعجم: «وأنا أهيبُ بكلّ من حَقَّقَ كتابًا في علم الرسم -لم أُدْخِلْهُ في المعجم- ورَغِبَ أن أُضِيفَ كتابه إلى المعجم أن يُرسل لي ما عنده سواءً لكتابه المحقَّقِ، وأيضًا لمخطوطاته التي اعتَمد عليها، أو أهمَلَها إن كثُرتْ، وأما إن كان عنده مصحف مخطوط -حتى لو لم يكن كاملًا- فهو أحبُّ إلىَّ شريطةَ أن يكون قديمًا مُلتزِمًا بالرسم، ولا يكون إملائيًا كمصحف ابن البواب.
وكلّ كتاب أو مصحف أُهْدِيَ إليَّ وأدخلتُه في المعجم فإني قد ذكرتُ مصدره مع شكري لمن أهداه، ويكون إرسالها على البريد الإلكتروني: ([email protected])، شاكرًا له ابتداءً، وكذا كلّ من كان عنده ملاحظات أو اقتراحات أو تصحيحات؛ فليرسلها إلى بريدي الإلكتروني، وجزاه الله خيرًا» اهـ. (1/16، 17)