واقع الترجمة في حقل الدراسات القرآنية العربية المعاصرة

إعداد : اسامة نبيل
يدور هذا الحوار حول حال الترجمات في حقل الدراسات القرآنية المعاصرة، سواء ترجمة ما يصدر في الغرب حول القرآن وعلومه إلى العربية، أو ما يتمّ ترجمته من العربية إلى اللغات الأجنبية، أو ترجمات القرآن الموجودة في البلاد الغربية ومدى نصيبها من الدقة، كما يتناول المناهج المعاصرة في قراءة النصوص، ويتساءل عن ما يمكن أن تؤديه في قراءة القرآن.

يُسعدنا في انطلاقة الموقع الجديد لـ«مركز تفسير للدراسات القرآنية» أن نقدّم لقارئنا الكريم هذا الحوار المكتوب، الذي تشرفنا بإجرائه مع الدكتور أسامة نبيل، أستاذ ورئيس قسم اللغة الفرنسية - كلية اللغات والترجمة، وأمين سرّ لجنة ترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين في تخصص اللغة الفرنسية، جامعة الأزهر. والذي دار حول حال الترجمة في حقل الدراسات القرآنية المعاصرة.

وبالطبع فإنَّ الدكتور أسامة نبيل هو أفضل من يقدّم لنا رؤية حول هذا الموضوع؛ انطلاقًا من عمله الطويل في حقل الترجمة في الثقافة الإسلامية، سواء من الفرنسية إلى العربية، أو من العربية إلى الفرنسية، ومن مراقبته الحثيثة لحالِ الكتابات الثقافية الإسلامية في فرنسا.

فالأستاذ الدكتور أسامة نبيل من أصحاب المجهودات الكبيرة في حقل الترجمة؛ حيث ترجم عددًا من الكتب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، أهمها: «حركة الإصلاح في التراث الإسلامي»، لشارل سان برو - المركز القومي للترجمة - وزارة الثقافة - القاهرة 2013م، و«الأنثروبولوجيا الاجتماعية للأديان»، لكلود ريشير - المركز القومي للترجمة - وزارة الثقافة - القاهرة 2016م.  كذلك فقد راجع ترجمة كتاب «مستقبل الإسلام الروحاني» لايريك جوفرا، المركز القومي للترجمة - وزارة الثقافة - القاهرة - القاهرة 2016م.

كما ترجم عددًا من الكتب من العربية إلى الفرنسية، منها:

- كتاب حقوق الإنسان في الإسلام ودحض الشبهات المثارة حولها، 1996م.

- مشكاة الأنوار للشيخ صلاح الدين القوصي، 2016م.

وَكَتَبَ كذلك بالفرنسية بحوثًا ودراسات عديدة، سواء حول اللغة الفرنسية وآدابها، أو حول الثقافة الإسلامية، منها:

- «الترجمة بين الأمانة والإبداع» - مؤتمر دولي - مكتبة الإسكندرية - مارس 2006م.

- «الأنا والآخر في الأدب الكندي الناطق بالفرنسية من خلال رواية ميمي ولولو» - مؤتمر جماليات الأدب المقارن - المعهد العالي للغات والترجمة بشيراتون. أبريل 2006م.

- قراءة في الترجمة الفرنسية لمسرحية ما الذي جرى في 11 سبتمبر للكاتب المسرحي محمد السلموني - مؤتمر التواصل الثقافات - مارس 2008م.

- «البعد الإنساني في قصة مسيو إبراهيم وزهور القرآن»، للكاتب الفرنسي إيريك إيمانويل شميت - الجامعة الكاثوليكية بباريس - 12 مارس 2018م.

- الفتوى بين الاجتهاد والتقليد - اليونسكو - باريس - مارس 2009م.

- الإسلام دين الوسطية وتكوين الأئمة، مؤتمر دولي - جامعة سترازبورج - فرنسا - 5/4/2012م.

- حقوق الإنسان في الإسلام وحادثة شارلي 2015م - مؤتمر - جامعة باريس - ديكارت - فرنسا 17/10/ 2015م.

- دور الأزهر في مكافحة الفكر المتطرف - منظمة الفرانكفونية - باريس يوليو 2016م.

- دراسة نقدية في ترجمة جاك بيرك لمعاني القرآن الكريم، كلية ليبراناردان الكاثوليكية - باريس 2017.

 

فضلًا عن كونه قد أسس وأشرف على مرصد الأزهر الشريف باللغات الأجنبية منذ عام 2015م وحتى عام 2017م. وعمل كأستاذ زائر في عدد من الجامعات الغربيّة، منها جامعة سترازبورج - فرنسا 2011/2012م، وكذا بمركز موريس هوريو البحثي بجامعة باريس ديكارت - سربون5 - فرنسا 2012/2013م، 2013/2014م، وبالجامعة الكاثوليكية بباريس من 2013م حتى تاريخه.

 

 

محاور الحوار:

المحور الأول: الترجمات في مجال الدراسات القرآنية.

المحور الثاني: الدراسات الأدبية والقرآن.

 

 

المحور الأول: الترجمات في مجال الدراسات القرآنية:

س1: في البداية دكتور أسامة نودُّ أن نعرف كيف ترون حال الترجمة العربية للدراسات الغربية المعاصرة حول القرآن وعلومه، نحن نسمع دومًا الكثير من الانتقادات لتأخر ترجمة بعض الكتابات المهمّة في هذا المجال، وأنتم لكم إسهامات في الترجمة، وإن لم يكن في القرآن وعلومه تحديدًا، لكن من خلال خبرتكم في المجالَيْنِ؛ مجال الدراسات الإسلامية ومجال الترجمة، ولو حددنا الأمر باللغة الفرنسية، كيف ترون حال الترجمة العربية؟ وما سبب هذا التأخر المشار إليه دومًا؟

الإجابة: تصدر كتب كثيرة في الغرب بطريقة منتظمة في مجال الدراسات الإسلامية، منها كتب تستحق القراءة والترجمة، ومنها أعمال تعكس رؤية سلبيّة عن الإسلام، وتستحق أيضًا الردّ على الشبهات التي تدَّعيها مثل هذه الأعمال.

ومن جانبي، أنتقي الكتب التي تخدم الفكر الإسلامي، وأترجمها إلى اللغة العربية، لكن الجهد الفردي لا يكفي لترجمة العدد الهائل الذي يصدر كلّ عام. نعم، نحن مُقصّرون في ترجمة الإصدارات الغربية في مجال الدراسات الإسلامية، والسبب في هذا التقصير هو عدم وجود خطة ترجمة واضحة للإصدارات المتلاحقة في الغرب، لا سيما في فرنسا، وكذلك عدم وجود ميزانيات من دور النشر العربية موجهة في هذا الإطار.

 

س2:في نفس الإطار، وعطفًا على جوابكم السابق، لو ابتعدنا حتى عن الكتابات الكلاسيكية والكتب الأكاديمية؛ ففي إطار الدراسات والكتابات التي تصدر منها ربما المئات كلّ عام، كيف يستطيعُ دارس القرآن وعلومه مواكبة مثل هذه الدراسات التي تؤثر بصورة أو بأخرى، وعبر كثير من الطرق على تشكيل ساحة الدرس العربي المعاصر للقرآن وعلومه، وكيف يكون التعامل الأمثل مع هذه الدراسات؟

الإجابة: حاول المستشرقون الغربيون تقديم الإسلام من خلال النظرية التاريخية - النقدية التي تعتبر القرآن نصًّا من إنتاج البشر؛ ليتوصلوا إلى نتيجة تُرضي الفكر العلماني ألا وهي عدم مواكبة الدين لتطور العصر!

فرفض هذا الفكر جمهور علماء الدين؛ لأن ما بُني على باطل فهو باطل، فكيف لدين مثل دين الإسلام أن يُساهم في بناء الحضارة البشرية لفترات زمنية كبيرة أن يخضع لنظرية محدودة الرؤية مثل هذه؟! وعلى الرغم من هذا الرفض الصريح من جمهور علماء الدين، إلا أنَّ هناك قلّة من المفكرين قد تأثروا بالفكر الغربي وطالبوا -تحت مسمّى الإصلاح والمساواة بين الرجل والمرأة- بإحداث تعديلات في ثوابت الدين مثل المواريث والزواج وهو أمرٌ لا نقرّه لما فيه من مساس واضح بأسس الدين وثوابته.

وعلى كلّ حال، أرى تطورًا إيجابيًّا في الفكر الغربي في نظرة المستشرقين الجدد إلى الإسلام في العشر سنين الأخيرة، وأرجو أن يتجاوب علماء الدين المسلمين عمومًا والعرب خصوصًا مع هذا التطوّر؛ ويتعاطوا مع هذه الدراسات درسًا ومناقشة وأخذًا وردًّا؛ انطلاقًا من المنهج القرآني الذي يعتمد المجادلة بالتي هي أحسن، مما قد يكون له الأثر الإيجابي على علاقة المسلمين بغيرهم في المجتمعات الغربية من ناحية، وعلى الحوار الفكري بين الشرق والغرب من ناحية أخرى كذلك على مفكري الشرق.

في هذا الإطار أرى أنَّه من الضروري وجود مجهودات منظمة لترجمة([1]) أهم هذه الدراسات المتنامية، حتى يستطيع أن يطلع عليها ويواكبها باحثو الدراسات القرآنية، والذي يصعب عليهم أحيانًا متابعة كل هذا في لغاته الأصلية.

 

س3: لو نظرنا إلى الأمر من الجهة الأخرى، أي من جهة ترجمة كتب القرآن وعلومه -سواء الكلاسيكية أو حتى المعاصرة ذات الأهمية- من العربية إلى اللغات الأخرى، وهذا من أجل المساهمة بهذه الدراسات، والجادة منها تحديدًا بالطبع على تشكيل واقع الدرس الغربي للقرآن، هل ترون أن ثمَّة مجهودات كبيرة ومنظمة تُبذل في هذا السياق؟

الإجابة: هناك ترجمات للكتب الأساسية في مجال علوم القرآن والفقه، ولكنها ترجمات لكتب قديمة كانت صالحة لعصرها، وإن كانت مهمّة لعصور أخرى كمراجع، إلا أنَّنا نحتاج إلى ترجمة فقه جديد؛ يتفق مع مستجدات العصر ومشاكل المسلمين في الغرب، وهذا التوجه الإصلاحي والتجديدي يتفقُ مع المفهوم الإسلامي الذي يؤكد على أنَّ الدين الإسلامي صالح لكلّ زمان ومكان، كما أننا وفي موضوع القرآن وعلومه تحديدًا، نحتاجُ لتوجيه الجهود لترجمة بعض الكتابات العربية المهمة في مجال الدراسات القرآنية ومناهج مقاربتها للغات الأجنبية؛ لأن هذه الكتابات المهمة تستطيع بالفعل التأثير في نظرة الغرب لدراسات القرآن، وتستطيع إثراء الأسئلة والإشكالات المثارة على هذه الساحة، عبر أسئلة وإشكالات تنبعُ من المنظور الإيماني الإسلامي للقرآن، كما حدث بالفعل مع بعض الكتّاب المسلمين ذوي الحضور القوي على الساحة الغربية.

 

س4: بالفعل، المعرفة الغربيّة بالدرس العربي المعاصر هي دومًا معرفة مجزوءة وانتقائية، بحكم كثير من العوامل؛ لذا فإنَّ كثيرًا من الدراسات الجادة لا تعرف طريقها للانتشار والتأثير بسبب هذا، في ظنكم تجربة مثل تجربة عبد الله دراز مثلًا، والذي بسبب كتابته بلغة أخرى استطاع التأثير في الكثير من المفكرين، أو خارج حقل القرآن وعلومه اسم مثل الفاروقي مثلًا، وحضوره في الدراسات الدينية المعاصرة بحكم انتمائه للأكاديميّة الغربية، هل من الممكن تكرار مثل هذه التجارب، ولو عبر اختيار عددٍ من الكتب المهمة وترجمتها للّغات الأوروبية؟ ولو كان هذا ممكنًا، فما الكتب المعاصرة التي تظنون أنَّ لها مثل هذه الأهمية؟

الإجابة: لا شك أنَّ لعبد الله دراز والفاروقي تأثيرًا كبيرًا في المجتمع الإسلامي الغربي، إلا أنَّنا نحتاج عبد الله دراز جديد في القرن الحادي والعشرين؛ بسبب التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمعات الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي التي يفضلها الشباب في العصر الحديث. لم تعد الكتب في شكلها القديم مؤثرة في المجتمع الحديث بشكلٍ كافٍ، فهناك حاجة ماسّة لتقديم المحتوى الديني بمنطق وأسلوب يتناسب مع طرق الإطلاق والمعرفة في العصر الحديث، نذكر على سبيل المثال لا الحصر أعمال الكاتب الفرنسي المسلم رنييه جينو (الشرق والغرب – أزمة العالم الحديث) ومؤلفات إريك جوفروا فى الصوفية (مستقبل الإسلام الروحاني).

 

س5: تقع كثير من الكتابات الغربيّة المعاصرة حول تأويل القرآن في إشكالات كثيرة بسبب الترجمات التي تعتمدها للقرآن، هل ثمّة محاولة لتجاوز هذا الإشكال باعتماد ترجمات من داخل المؤسسات الدينية مثل الأزهر، الزيتونة، مجمع الملك فهد ...إلخ، أو حتى اعتماد بعض الموجود بالفعل بحيث تكون ترجمات مرجعية للجميع، وتوقف التشوش الحاصل؟

الإجابة: حسب معرفتي، يقوم الأزهر الشريف بجهود كبيرة لإصدار ترجمة لمعاني القرآن، تحاول فيها التغلب على الصعوبات التي واجهت من قاموا بتقديم ترجمات تعاني من مشاكل كبيرة؛ بسبب صعوبة ترجمة بعض المفردات القرآنية إلى اللغات الأجنبية، بسبب ثراء اللغة العربية والإعجاز القرآني.

 

 

المحور الثاني: الدراسات الأدبية والقرآن:

س6: حضراتكم لكم اهتمام بالأدب المقارن والنقد، وترجمتم بالفعل بعض الكتب في هذا، بل وكتبتم في هذا بالفرنسية، ونحن نعلمُ أنَّ النقد الأدبي لم يعد مجالًا منحصرًا بل تداخل مع الفلسفة منذ عقود طويلة، وأصبحنا نرى مناهج النقد الأدبي تحتلُّ موقعًا أكبر في تحليل كلّ النصوص، ومنها النصوص الدينية، بل وأضحت هذه المناهج تعديلًا في نظرية المعرفية الغربية وأساسًا لعدد من الفلسفات المعاصرة، هذا الانتقال كيف تمَّ، أو لماذا تحوّلت مناهج نقد النصوص الأدبية إلى مناهج تقرأ كلّ النصوص بما في ذلك النصوص المقدسة؟

الإجابة: بالفعل حدث تطوّر ملحوظ في تطوّر قراءة وتحليل النصوص الأدبية؛ نظرًا لظهور نظريات متلاحقة بين التركيبية والتفكيكية وتحليل الخطاب. ربما يُمكن للباحث أن يستعين بالنظريات اللغوية لفهم بعض مفردات النصّ الديني، إلا أنَّ مناهج النقد الأدبي جاءت لفهم النصّ الأدبي والخطاب البشري، ولا أرى جدوى من استخدامها في تحليل وقراءة الوحي الإلهي. فالنتائج التي توصّل إليها الباحثون ممن طبقوا النظرية التاريخية النقدية الغربية على القرآن على سبيل المثال خرجت عن السياق الديني؛ لاختلاف طبيعة ومقاصد السياق الديني عن السياق الأدبي.

 

س7: بالطبع كان لهذا التحوّل آثاره في الواقع العربي المعرفي المعاصر، ووجدنا كثيرًا من الكتّاب يلجؤون لهذه المناهج في تناول القرآن، في ظنكم هل هذه المناهج ملائمة لدرس النصّ القرآني؟

الإجابة: غير ملائمة بدون شكٍّ؛ للأسباب التي أشرنا إليها سلفًا.

 

س8: لكم اهتمام بقضية الإصلاح الديني، وفي هذا السياق ترجمتم كتاب شارل سان برو حول التراث والإصلاح، نريدُ أن نعرفَ منكم رؤيتكم لموقع القرآن وعلومه ومناهج تفسيره في تصوركم للإصلاح الديني؟

الإجابة: نعم اخترتُ هذا الكتاب لترجمته؛ لتعبيره عن مفهوم الإصلاح بطريقة بسيطة لكنها تتميز بالعمق والفهم الجيّد لطبيعة القرآن الإلهية، وإيمانه بأنَّ الإسلام دين صالح لكلّ زمان ومكان بفضل فكر التجديد الذي يدعو إليه. فالإصلاحُ لا يقصد به المساس بالثوابت التي أجمعت عليها الأمة انطلاقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة؛ لكنه يتعلق بالمتغير في حياة الناس ومعاملاتهم ومجال تجديد الخطاب الديني ومنهج تقديمه للعامة، حتى لا يقعوا في براثن الفكر المتنطع والمتطرف. إذن من وجهة نظري، الإصلاح يتعلّق بتجديد الفكر وليس بتجديد الدين، ويتعلق أيضًا بالاجتهاد أحد أعمدة الفكر الإسلامي.

 

س9: نحن نشهد في الواقع المعاصر عددًا كبيرًا من التفاسير، مختلفة التوجهات والمنطلقات والمناهج وذات الصلات المختلفة بالتقليد التفسيري، من منظوركم أي هذه التفاسير تصلح أن نقول عنها تفاسير إصلاحيّة وفقًا لتصوركم عن الإصلاح؟

الإجابة: هناك تطوّر ملحوظ في محاولات تفسير القرآن الكريم، وفي هذا السياق يجبُ ذكر خواطر الشيخ الشعراوي والطاهر بن عاشور. وعلى المسلم أن يعي أنَّ التفاسير ما هي إلا محاولات إنسانيّة لفهم القرآن الكريم، وسيظلُّ هناك تطور في التفاسير حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها. إنَّ استمرار التفاسير هو استمرار للإسلام في خدمة الإنسانية، ونقصد بذلك ردّ المفسرين على تساؤلات المسلمين في أمور الدين والدينا انطلاقًا من القرآن الكريم والسنة النبوية.

 

س10: في ختام هذا الحوار، نودُّ لو نعرف ما هي رؤيتكم لمستقبل حقل الدراسات القرآنية في صلته بما يُكتب في الغرب حول القرآن وعلومه، هل ترون الواقع العربي في دراسات القرآن قادرًا على الخروج من ثنائيات الرفض الكامل والتبعية الكاملة -وهي صيغة التفاعل التي نراها واسعة الانتشار-، نحو إحداث مثاقفة حقيقية مع هذه الدراسات منطلقة من أصالة معرفية؟

الإجابة: لا شك أنَّ منهج الدراسات القرآنية يختلفُ عن نظيره في العالم الإسلامي، ويرجعُ ذلك لاختلاف العقيدة. ففي الغرب ينزعُ المستشرق عن القرآن الصفة الإلهية، ويعتبره نصًّا إنسانيًّا، ويسمح لنفسه بتحليله في هذا الإطار. وفي العالم الإسلامي يفسّرُ رجال الدين القرآن باعتباره وحيًا إلهيًّا، ويعتقدون في قدسيته؛ لذا لا أرى إمكانية المثاقفة. بل أرى ضرورة قراءة جديدة للقرآن في ضوء منهج جمهور العلماء، تأخذ في الاعتبار مستجدات العصر، وأهمية إيجاد حلول عملية مستوحاة من القرآن والسنة النبوية.

 

س11: ما نريده بمفهوم «المثاقفة» في سؤالنا السابق، هو الاطلاع الواعي بالأسس المعرفية والمنهجية، وحتى غير المعرفية للدراسات الغربية حول القرآن وعلومه، من أجل استيعاب هذه الدراسات وأسسها في بناء أشمل، ينغرس في منهجية العلماء المسلمين، ومن جميل توفيق الله أنَّنا مع هذا الحوار، وفي نافذة الترجمات نترجم مادة تتحدث عن النقاش بين بعض الدارسين الغربيين حول أهمية المناهج الإسلامية التراثية في بناء معرفتنا بالقرآن، وضرورة استعادتها حتى في الدرس الغربي ذاته، فهل تتفقون مع المفهوم وفق هذا التحديد؟

الإجابة: إذا كان المقصود ما قُلت فلا أجدُ حرجًا في دراسة المناهج الغربية في مجال الدراسات القرآنية ومناقشتها مناقشة علمية موضوعية، ودراسة سبل الاستفادة من بعض جزئياتها أو رد ودحض ما يمكن أن يكون فيه مساس بالقرآن الكريم أو ثوابت الدين، بل وأرى ترجمة ما نقوم به من دراسات في هذا الشأن كي يتلاقح الفكر، ونحاول إصلاح أو تعديل مسار ما يمكن أن يكون قد انحرف منها، وبذا يمكن أن نقدم خدمة جليلة للفكر الإسلامي والغربي على السواء.

 

 

 

 

([1]) لعل هذا مما حدا بمركز تفسير لتخصيص قسم على الموقع «قسم الترجمات»، يكون عمله متابعة هذا النتاج، ترجمة، وتعليقًا، وبحثًا، بحيث يصير نافذة يطلّ منها الباحث في دراسات القرآن على هذا النتاج المتنامي فتكون سبيلًا لهم نحو تحقيق اطلاع واع، واستيعاب عميق لهذا الباب، ثم عمل مثاقفات علمية معه، ومطارحات بحثية تتسم بالقوة والأصالة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))