المخطوطات وفهارسها، وحاجةُ الدارسين إليها
مخطوطات الدراسات القرآنية أنموذجًا

ضيف الحوار : صالح الأزهري
لا شك أنّ رجوع الباحث للمخطوطات والتعامل مع فهارسها أمرٌ لا غنى عنه في البيئة العلمية الجادّة، ويأتي هذا الحوار مع أ. صالح الأزهري لإلقاء الضوء على مخطوطات الدراسات القرآنية وجوانب الاستفادة منها، وبيان قيمة الاطلاع على فهارسها، ومعيار الحكم عليها، وغير ذلك من الأمور المهمة.

مقدمة:

  تُعَدّ المخطوطات التراثية وعملية البحث فيها من أهم الأدوات التي تشتد حاجةُ الدَّارسِين إليها في شتّى العلوم؛ نظرًا لأنها الوعاء الذي حفظ لنا تراثَ الأمة وعلومها، وبها يُعاد إحياء التراث من جديد.

وقد جاء هذا الحوار مع أ. صالح الأزهري -خبير المخطوطات بدار الكتب المصرية- ليتناول الحديثَ عن مخطوطات الدراسات القرآنية وجوانب الاستفادة منها، مع بيان قيمة الاطلاع على فهارس المخطوطات، ومعيار الحكم على فهرسٍ ما بالجودةِ أو عدمها، مع التعريف بالفهرس الذي أعدَّه ضيفُ الحوار لمخطوطات الدراسات القرآنية بالمكتبات المصرية، حيث عرَّف بفكرته وأهدافه وأهم ما حرص عليه في إعداده.

نصّ الحوار

س1: لا شك أنّ رجوع الباحث العلمي للمخطوطات أمرٌ له أهميته على صُعُد مختلفة، في ضوء اشتغالكم بالمخطوطات التراثية، كيف ترون أهمية نظر الباحث في الدراسات القرآنية في المخطوطات، وما أبرز المجالات التي تعود عليه من ذلك؟

أ. صالح الأزهري:

كما ذكرتم فإنّ رجوع الباحث للمخطوطات أمرٌ له أهميته بلا أدنى رَيْب، وذات الحال بالنسبة للباحث في الدراسات القرآنية، وترجع أهمية ذلك في حقّ باحث الدراسات القرآنية تحديدًا لأنَّ الدراسات القرآنية في أغلب مباحثها تعتمدُ على نقل آراء من سبقونا منذ نزول الوحي إلى يومنا هذا، والمخطوطاتُ هي الوعاءُ الذي حفظ لنا هذه الآراء، فأيُّ خللٍ في هذا الوعاء -سواء من حيث الحفظ، أو الإتاحة، أو التعامل- سينعكس على الدارس من ناحية وعلى النتاج العام للدراسات القرآنية ككلّ بوجهٍ خاصّ.

وبشكل عام يمكن أن نقول: إنّ استفادة الباحث في الدراسات القرآنية من النظر في المخطوطات تبرز من جوانب وجِهَاتٍ عدّة:

1- محاولة استيعاب الآراء الواردة في المسألة محلّ البحث؛ فمن المعلوم أن الكثير من تراثنا لم يُنشر بعد، ومن البدهي أنّ من يريد الإحاطة بهذه الأقوال الواردة في المسألة المبحوثة مضطرٌّ إلى متابعة آراء العلماء والتقاطها من بطون هذه المخطوطات التي لم تُنْشَر.

2- التأكّد من سلامة النصِّ المنشور -فيما نُشِرَ من تراث الدراسات القرآنية- قبل أن تُبْنَى عليه النتائج؛ فمن المعلومِ لكلّ مَنْ عانى النظر في المنشور من كتب التراث أن الكثير منه نُشِرَ نشراتٍ مشوَّهةً؛ إمّا لنقصٍ في نصوصها، أو لتصحيفٍ وتحريفٍ أصابها، وهذا النقص أو التحريف سينعكس بلا شكٍّ على النتيجة النهائية التي سيصل إليها الباحث؛ إِذْ سينبني عليه: إثباتُ المنفيِّ، أو نفيُ المثبَت، أو نسبةُ الآراء إلى غير قائليها، إلى غير ذلك من الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عن التصحيف والتحريف.

وحتى الكتب التي حُقِّقت تحقيقًا جيّدًا، الحكمُ عليها بالجودةِ حكمٌ أغلبيٌّ؛ إِذْ لا يخلو أيُّ كتابٍ منشور -مهما علا قدرُ محقِّقه وتوافر له من الأدوات اللازمة- من عباراتٍ قَلِقة يضطر الناظرُ فيها إلى إزالة ما اكتنفها من غموض، وقد لا يتأتَّى للناظر فيها إزالة هذا الاضطراب إلا بإعادة النظر إلى النُّسَخ الخطيَّة ليستوثق من صحة النصّ قبل أن يعتمد عليه بالاستنباط وبناء النتائج.

3- التأريخ للعلم عبر أطواره المختلفة، وهذا التأريخ يقومُ على تتبّع عناوين الكتب المصنّفة في العلم، ثم البحث عن وجودها، والنظر فيما وجد منها وتحليل نصوصه، وكثيرٌ من هذه المصنفات والنصوص لا يمكن الوصول إليها إلا عبر الوقوف على مخطوطات هذه المصنفات؛ إمّا لأنها لم تطبع بعد، أو طُبعت طبعاتٍ مشوَّهة كما ذكرنا.

والخلاصة: أن الباحث إذا لم يعرف كيف يصلُ إلى هذه المخطوطات أولًا، ثم كيف يتعامل مع نصوصِها ويخلِّصُها مما طالها من التصحيف والتحريف قبل أن يبني عليها نتائج؛ سينعكسُ هذا سلبًا عليه وعلى العلم. وهو ما يمكن أنْ أُمثّل له بما يأتي:

المثال الأول: درجَ عددٌ من الباحثين -منهم الشيخ صبحي الصالح في كتابه: (مباحث في علوم القرآن) (ص122)، والشيخ مناع القطان في كتابه: (مباحث في علوم القرآن) (ص9)، وغيرهما- حين يؤرخون للتصنيف في علوم القرآن على ذكر كتابٍ أسموهُ: (عجائب علوم القرآن) منسوبًا لأبي بكر الأنباري: محمد بن القاسم (ت: 328هـ)، ويبنون على هذه النسبة أمورًا علمية مهمّة، منها الظهور المبكّر لهذه التسمية لقبًا على أنواعٍ من الدراسات القرآنية وغير ذلك، وقد بنوا هذا القول على وجودِ نسخةٍ من الكتاب ضمن فنّ التفسير من الفهرس القديم لمكتبة بلدية الإسكندرية، فقد ورد فيه (1/ 20): (عجائب القرآن)، ونسبوه لأبي بكر الأنباري وعلَّلوا لصحة النسبة بقولهم: «وقد أخذنا نسبة هذا الكتاب إلى ابن الأنباري من أوائل فصوله»، هذا نصٌّ بنى الدَّارسون عليه نتائجَ لكنها خطأٌ يقينًا، ولا يستبين هذا الخطأ إلا بالرجوع إلى النسخة المذكورة ودراستها دراسةً تحليلية للوصول إلى صحة النسبة من عدمها أولًا قبل الجزم بصحة هذا القضية ومن ثَمَّ بناء نتائج عليها.

ولمّا رجعنا إلى تلك النسخة وجدنا العنوان المثبت على أوّلها نصُّه هكذا: (عجائب القرآن)، لكنَّه مكتوبٌ بخطٍّ حديث جدًّا، بينه وبين خطِّ النسخة مئاتُ السنين، وليس على أولها أيُّ ذكرٍ لاسم المؤلف، ولما دقَّقنا النظر في نصِّ النسخة وجدنا بعض فصولها بدأها المصنف بالنقل عن ابن الأنباري كما ينقل عن غيره في ثنايا الكتاب، فظنُّوا الأنباريَّ مصنِّفَ الكتاب! ولمّا قابلنا نصوص الكتاب على غيره وجدنا أن الكتاب ما هو إلَّا نسخةٌ من نُسَخِ كتاب (فنون الأفنان) لأبي الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزيّ -رحمه الله- (ت: 597هـ)، وقد وصفنا النسخةَ وصفًا مفصَّلًا في المجلد الأول من كتابنا (مخطوطات الدراسات القرآنية بالمكتبات المصرية) الصادر عن مركز تفسير (ص: 230- 232) وأثبتنا نماذج مصورة من النسخة الخطية.

المثال الثاني: ما حققه مجدي السيد إبراهيم ونشرته مكتبة القرآن بالقاهرة تحت عنوان: (أحكام البسملة وما يتعلق بها من الأحكام والمعاني واختلاف العلماء)، منسوبًا إلى الفخر الرازي: المفسِّر المعروف، وهو خطأٌ -يقينًا- يستبين بالرجوع إلى النسخة التي اعتمد عليها، وهي نسخةٌ محفوظة بالخزانة التيمورية الملحقة بدار الكتب المصرية، وإذا رجعنا إليها وجدنا العنوانَ المذكور ونسبتَه للفخر الرازي مكتوبَيْن بخطٍّ مخالفٍ أحدث من خطِّ النسخة بقرونٍ، فإذا ما دقَّقنا النظر في النسخة وجدنا الكتاب ما هو إلا نسخةٌ من (البسملة الصغرى) للإمام الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المعروف بأبي شامة (ت: 665هـ)، وقد أبَانَ دلائلَ صحة النسبة لأبي شامة ونفيها عن الرازي أخونا الدكتور عبد الحكيم الأنيس -حفظه الله- في مقالة نُشرت على موقع الألوكة معنونةً بـ(أحكام البسملة، ليس للفخر الرازي).

ولا يخفى أنّ هذا خطأٌ جسيمٌ له أثرٌ بالغُ الخطورة؛ إِذْ تنبني عليه نسبةُ القول إلى غير قائله.

س2: لا شك أنّ النظر في فهارس المخطوطات هو بابة التعرُّف على المخطوطات بالنسبة للباحثين، في ضوء اشتغالكم بفهرسة المخطوطات كيف ترون قيمة هذه الفهارس بالنسبة للباحثين ومدى إمكان إفادتها لهم؟

أ. صالح الأزهري:

طريق الوصول إلى المخطوطات لا يمكن إلَّا عبر فهارس الخزائن الحاوية لهذه المخطوطات، وللأسف الشديد قد اكتنف ما نُشِرَ من فهارس المخطوطات إشكالاتٌ عدَّة أضعفت من حسن إفادة الباحثين منها بشكلٍ كبيرٍ؛ ومن ذلك:

أولًا: تعدُّد هذه الفهارس وكثرتُها وصعوبة الحصول عليها على الوجه الذي يصعب معه -أو يستحيل- على الباحث أو حتى المراكز البحثية جمعُها كلّها في مكان واحدٍ، وهو السبب الذي دعا الكثيرين من قديمٍ إلى محاولة جمع مادة هذه الفهارس وترتيبها:

- إمّا ضمن كتبٍ ورقيَّةٍ منشورةٍ تحاول جمع المادة المذكورة في هذه الفهارس؛ كما فعل بروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي)، وسزكين في (تاريخ التراث العربي)، ومؤسسة آل البيت بالأردن في (الفهرس الشامل للتراث)، وغيرهم الكثير.

- أو ضمن قواعد بيانات إلكترونية؛ كما فعل مركز الملك فيصل بالرياض في برنامجه الإلكتروني الشهير (خزانة التراث).

 وهذا التعدُّد سببه أن المخطوطات متناثرة ومبعثرة في شتَّى ربوع الدنيا، وما من بلدٍ من بلاد العالم إلا وحوت آلاف المخطوطات موزّعة على عدّة مكتبات، بل حتى المكتبة الواحدة تتعدّد فهارسها المعرِّفة بمحتوياتها لأسبابٍ عدَّة أهمها ورود مخطوطات جديدة بعد صدور فهارسها، فإنْ فُهْرِس هذا الجديدُ في فهرسٍ مستقلٍّ تعدَّدت فهارس المكتبة الواحدة، بل تتعدد الفهارس المعرِّفة بمخطوطات الفنِّ الواحد ضمن المكتبة الواحدة، وإن لم يُفَهْرَس وتُنشر فهارسُه وتُتَحْ يظلّ مختبئًا عن أعين الباحثين، ولا يستطيع جمهورهم الوصول إليه!

ثاني هذه الإشكالات: عدم تغطية فهارس بعض المكتبات لما تحويه من مخطوطات، وقد يكون من أسبابه ما ذكرناه مِن تجدُّد تزويد المكتبة بالمخطوطات بعد صدور فهارسها، أو توقُّف المكتبة عن إصدار فهرسةٍ لمقتنياتها، أو عدم قيام المكتبة بالفهرسة من الأساس؛ وهذا يرجع لأمور، أهمها أمران:

1- عدم وجود الميزانية الكافية لإنجاز المشروع.

2- وعدم وجود مفهرِسين أكْفَاء كذلك.

ولا شك أنه قد يكون في غير المفهرَس من مهمَّات كتب التراث ما يحتاج الباحثون إليه أشدَّ الاحتياج، ونضربُ مثالَيْن على هذا:

الأول: ظهرت في الآونة الأخيرة قطعةٌ عتيقةٌ نفيسةٌ من كتاب (تفسير القرآن) لابن مردويه، وذلك بعد أن رفعتها مكتبة الدولة الألمانية ببرلين على موقعها الإلكتروني، وقد ظلَّ باحثو الدراسات القرآنية زمانًا طويلًا يبحثون عن هذا التفسير، وسبب اختفائه عن أعينهم هذه السنين -مع أنه موجودٌ في مكتبةٍ شهيرة مفهرسة- هو عدمُ ذِكره ضمن فهارس المكتبة التي نشرها ألوورد (ahlwardt)؛ مما يجعلنا نؤمِّل أن نجد فيما لم يُفهرس من هذه المكتبة بعض النوادر التي ذكرها المباركفوري في مقدمة كتابه (تحفة الأحوذي)، اعتمادًا على فهرسٍ لمخطوطاتٍ نادرة بمكتبات ألمانيا اشتهر بين الباحثين بالفهرس المسيل للُّعاب؛ لنفاسة ما حواه هذا الفهرس من مخطوطات منها تفسير ابن مردويه! وغيره.

الثاني: كتابٌ نادرٌ وقفنا عليه من كتب القراءات الشاذة المسندة المصنفة في القرن الرابع الهجري موجودٌ في إحدى دور المخطوطات، إذا نظرتَ في فهارس المكتبة لا تقف له على أيّ أثر، والسبب أنه مجلَّدٌ خطأً في بطن كتابٍ آخر تمامًا، وقد كلَّفْنا بعضَ طلبتنا بتحقيقه وسيخرج قريبًا بإذن الله تعالى، فسبب اختبائه عن الأعين -مع أهميته البالغة وشدةِ احتياج باحثي الدراسات القرآنية إليه- هو عدم ذِكره في الفهارس للسبب الذي ذكرتُه آنفًا.

ثالث هذه الإشكالات: ما حوته هذه الفهارس من أخطاء؛ فالناظر في فهارس المخطوطات الورقية والإلكترونية يلاحظ بيُسْرٍ انتشارَ الخطأ فيها بكثرة، وأهمُّ أسباب حدوث هذا قيامُ موظفين غير أكْفَاء بهذه الفهارس!

وهذه الأخطاءُ تجدها في كلّ العناصر المكونة لفهرسة النسخة؛ بدءًا من العنوان، فاسم المؤلف، فتاريخ النسخ، واسم الناسخ، إلى آخر ما يذكر في الفهارس من معلوماتٍ معرِّفة بالنسخة، وهذا له انعكاسٌ شديدٌ على خفاء أمر النسخة على الباحثين وصعوبة وقوفهم عليها إن لم يكن استحالته أحيانًا.

وأضرب لذلك أمثلة أصنِّفها بحسب نوع الخطأ:

1- فقد يكون الخطأ هو نسبةُ الكتاب لمجهولٍ تحت موضوعٍ عامٍّ؛ وأهم أسباب صنع المفهرس لهذا: أن تكون النسخة مبتورةَ الأول فيضيع مع وريقاتِها الأولى اسم الكتاب واسم مؤلفه، فينسبه المفهرس لمجهول، ومن أمثلة هذا:

ما صدر مؤخرًا تحت عنوان: (تفسير القرآن) للإمام الفقيه الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، المتوفى سنة (150هـ)، عن دار الكمال المتحدة، بتحقيق أخينا النابه الدكتور عبد الرحمن بن حسن قائد -حفظه الله تعالى-، وهذا من بواكير التصنيف في الدراسات القرآنية، ولعله: «أسبق ما عَرف الناسُ من الكتب المصنَّفة في فنون الشريعة المرويَّة بالأسانيد» على حدِّ تعبير محقّقه -حفظه الله-.

وقد كان هذا الكتاب موجودًا أمام أعين الباحثين سنين طوالًا ضمن مخطوطات المكتبة الظاهرية مذكورًا في فهرسها الذي أعدَّه الأستاذ صلاح الخيمي -رحمه الله- ونشر بعنوان: (فهرس مخطوطات القرآن الكريم وعلومه لدار الكتب الظاهرية)، لكن الذي أعاق الباحثين عن الوصول إليه هو أنه مذكورٌ في هذا الفهرس منسوبًا لمجهول، تحت عنوانٍ عامّ: (جزءٌ في التفسير)! إلى أنْ يسّر اللهُ لإحيائه الأخ المحقّق، ولله الحمد. ومجاهيل المكتبات هي مكمن النفائس والنوادر بحقّ.

2- وقد يكون للنسخة المفهرسة عنوان واسم مؤلف مذكوران في فهارس المكتبات لكن على وجه الخطأ لا الصواب، وقد مثَّلنا سابقًا بكتاب (عجائب القرآن) المنسوب لأبي بكر بن الأنباري، وأنّ الصواب أنه كتابُ (فنون الأفنان) لأبي الفرج بن الجوزي، وكذا بكتاب أحكام البسملة المنشور منسوبًا للفخر الرازي، والصواب أنه البسملة الصغرى لأبي شامة المقدسي -رحمه الله تعالى-. وكمثالٍ آخر لهذا، نسخةٌ من كتاب: (الوجوه والنظائر) لمقاتل بن سليمان محفوظة بالمكتبة الأزهرية، لكنها مفهرسةٌ خطأً في فهرس المكتبة تحت عنوان: (ترتيب زيبا) للحافظ الوَرْداري! وقد نبّهْنا على هذا الوهم، ووصفناها وصفًا مفصَّلًا ضمن المجلد الثالث من كتابنا: (مخطوطات الدراسات القرآنية بالمكتبات المصرية) (ص304/ نسخة رقم: 160).

كما ورد في فهارس دار الكتب المصرية كتاب تحت عنوان: (عيون المسائل) منسوبًا لأبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد القطان، وحين دقّقنا النظر في النسخة وجدنا أنها نسخةٌ عتيقةٌ من كتاب: (تنزيه القرآن عن المطاعن) للقاضي عبد الجبار المعتزلي، وقد أشرنا إلى السبب الذي أوقع المفهرسين في هذا الوهم في وصفنا المفصّل للنسخة ضمن المجلد الخامس من فهرسنا المشار إليه (ص307/ نسخة رقم: 142).

3- وقد يكون العنوان المذكور صوابًا لكن الخطأ في نسبته لمؤلفٍ آخر غير مؤلّفه، وله أمثلةٌ كثيرةٌ أضرب منها واحدًا: ما ورد في الفهرس الحديث لمكتبة الجامع الأزهر الشريف تحت رقم (2346) من ذكرٍ لنسخةٍ من كتاب (أحكام القرآن) لإلْكِيا الهراسي، خطأٌ صوابُه أنها من كتاب ابن الفرس في أحكام القرآن!

4- وقد يكون المؤلّف المذكور صوابًا لكنّ العنوان المذكور هو الخطأ؛ ومن أمثلة ذلك ما ورد في الفهرس القديم للمكتبة الأزهرية (1/ 146) من ذكرٍ لنسخةٍ من كتاب الحافظ السيوطي -رحمه الله-: (التحبير في علوم التفسير)، خطأٌ صوابُه أنها نسخةٌ من كتابه الأشهر: (الإتقان في علوم القرآن).

وما ذكرناه من صورٍ للأخطاء الواردة في الفهارس يجعل الكتاب كالمفقود سواء؛ والله المستعان.

5- وقد يكون عنوان النسخة ومؤلفها صحيحًا، ولكنّ الخطأ في اسم الناسخ أو تاريخ النسخة يزهِّدُ الباحث فيها، لا سيما إذا كان الكتاب من الكتب التي تعدَّدَت نُسَخُها وكثُرت كثرةً تجعل من الصعب -أو المحال- على الباحث أن يقتنيها كلّها، فكثرة النُّسَخِ تضطر الباحث إلى الانتقاء منها، ومعايير الاختيار كثيرة؛ منها القِدَمُ الذي يُعرف من خلال تاريخ النَّسْخ، ومعرفةُ الناسخ إن كان المؤلفَ أو غيرَه، إلى غير ذلك، فحين يخطئُ المفهرسُ في تاريخ النّسْخِ أو اسم الناسخ سينعكس هذا على الباحث سلبًا بلا شكّ، وقد ضربنا أمثلة عدَّة وقعت فيها الفهارس في مقدمة فهرسنا لمخطوطات الدراسات القرآنية الذي ذكرناه آنفًا نكتفي بالإحالة إليها لضيق المقام عن البسط، والله المستعان.

س3: عملية الفهرسة للمخطوطات تشوبها إشكالات علمية كثيرة كما ذكرتم، من خلال ممارستكم العملية للفهرسة لو تذكرون لنا المعيار الذي يمكن من خلاله الحكم على فهرسٍ ما بالجودةِ أو عدمها.

أ. صالح الأزهري:

المعيار الأعمُّ الذي يمكن أن نحكم من خلاله على أيّ فهرسٍ بالجودةِ من عدمها هو مدى تلبيتِه لحاجات الناظرين فيه، والناظر في أيّ فهرسٍ يحتاج:

1- الوقوف على ما يريد، مما يتطلَّبُ أن يكون الفهرسُ شاملًا جامعًا لمقتنيات المكتبة المفهرسة.

2- أن يقف على ما يبحث عنه بيسرٍ وسرعةٍ، مما يتطلبُ أن يكون الفهرسُ مرتَّبًا بطريقةٍ تحقِّقُ المقصود، وطريقةُ الترتيب التي تحقِّقُ هذا لباحث الدراسات القرآنية تتطلَّب أمرين:

الأول: ترتيب العناوين التي بينها نوع اشتراكٍ ما تحت موضوعاتٍ كبرى تمثّل هذا الاشتراك، فمن العسير أن يفتِّشَ باحثٌ عن كتابٍ من كتب الناسخ والمنسوخ في بحر كتب الدراسات القرآنية ككلّ، وهكذا. مما يتطلب أن تُرَتَّب النّسَخُ ضمن موضوعات علوم القرآن الكبرى، فتفصل الكتب المصنَّفة حول الناسخ والمنسوخ وحدها، عن الكتب المصنفة في الوجوه والنظائر، وهلمَّ جرًّا.

الثاني: ترتيب نُسَخِ العنوان الواحدِ ترتيبًا يساعدُ الناظر على الوصول لما يبحثُ عنه بيُسْر، كأنْ تُرتَّب بحسب الكمال أو النقص، أو تُرتَّب بحسب الأقدم فالأحدث، وهلمَّ جرًّا.

3- أن تكون المعلوماتُ المذكورةُ صحيحةً، لما ينبني على الخطأ من إعاقةٍ عن الوصول للحقيقة المرادة.

4- أن تكون عناصر الوصف غير مختصرةٍ اختصارًا مخلًّا، وضابط الكفاية وعدم الإخلال أن يجدَ الباحثُ في الفهرس الذي أمامه كلَّ ما يعرِّف بالنسخةِ فيميزُها عن غيرها ويبين أهميَّتها، والخلل الذي قد اعتراها، إلى غير ذلك، ويتطلّب هذا أن يجدَ في الفهرسِ عنوان الكتاب واسم مؤلفه، وعباراتٍ منتقاة بعناية من فاتحة النسخةِ وختامها، واسم ناسخها وتاريخ النسخ، ورصد ما حوته النسخةُ من قرائن تُعين على تقديرهما -إن خلت النسخةُ من ذكرهما- من قيود السماع والقراءة والإجازة والوقف والتملُّك، والإشارة لما زُيِّنت به النسخةُ من حواشٍ بخطوطِ المؤلف أو غيره من أعلام العلماء، أو لما حوته تلك الهوامش من مهمَّات النقول عن المصادر المفقودة، وحالة النسخة المادية وما أصابها من رطوبةٍ واهتراءٍ وعبَثٍ متعمَّدٍ أو غير متعمَّد، وما اعتراها من نقصٍ مع محاولة تحديد مقدار هذا الناقص، وعدد الأوراق وعدد الأسطر وقياس الصفحات، وختامًا: رقم حفظها الصحيح بالمكتبة الحاوية لها.

فإذا تحقق في الفهرس هذه الأمور كان موفَّقًا، وبمقدار نقصها نقص التوفيق، والله أعلم.

س4: صدر لكم مؤخرًا فهرس بعنوان: (مخطوطات الدراسات القرآنية بالمكتبات المصرية) ونُشر في خمسة مجلدات بمركز تفسير، فلو تطلعوننا على فكرته، وأهدافه، وأهم ما حرصتم عليه في إعداده؟

أ. صالح الأزهري:

الفهرسُ المذكور هو باكورة مشروعٍ علميٍّ كبيرٍ تبنّاه -منذ كان فكرةً في ذهني ولم يولد بعد- مركز تفسير للدراسات القرآنية ورعاه بكلِّ ما احتجتُ من دعمٍ وإعانة.

 أهدِفُ من خلال هذا المشروع إلى فهرسةٍ وصفيَّةٍ لما حَوَتْه مكتباتُ مصرَ من مخطوطات الدراسات القرآنية، مجتهدًا أن يكون ملبِّيًا لحاجات باحثي الدراسات القرآنية التي ذكرناها آنفًا، فحاولتُ أن يكون:

1- شاملًا لكلِّ ما حوته مكتباتُ مصرَ من مخطوطات الدراسات القرآنية، وقد استدركتُ فيه عددًا كبيرًا من النُّسَخ التي لم تكن مفهرسةً من قبل.

2- واصفًا للنُّسَخ المفهرسة وصفًا شاملًا بذكر ما يمكن أن يفيد الباحثين: بدءًا من العنوان واسم المؤلف، ثم ما قد يحتاجه الباحث من عبارات بداية النسخة وختامِها، ثم ذكر اسم الناسخ وتاريخ النسخة إنْ كانا مذكورَيْن في النسخة، أو تقديرهما من خلال ما حوته النسخةُ من قرائن تدلُّ عليهما، ثم ما اشتملت عليه النسخة من قيودٍ للوقف والتملُّك والمطالعة والسماع والإجازة، ثم بيان حالة النسخة المادية وما أصابها من عوامل التلف أو العبث، وختامًا بذكر عدد الأوراق والأسطر، وقياس الصفحات، واسم المكتبة المحفوظة بها ومصدر اقتناء هذه المكتبة لها، وأخيرًا: رقم الحفظ.

3- مدقِّقًا فيما حواه من معلوماتٍ، ومصحِّحًا لما وقعَتْ فيه الفهارس السابقة من أخطاء، أو أُثبت على النسخةِ مِنْ معلوماتٍ مضلِّلَةٍ إمّا من الناسخِ أو المطالِع أو المالِك أو غيرهم، وقد نبّهتُ على أكثر هذه الأوهام وأسباب حدوثها.

4- مرتِّبًا لها ترتيبًا يساعدُ الباحث على الوصول لمبتغاه بيسرٍ وسرعةٍ، فرتبتُ العناوين ترتيبًا ألفبائيًّا تحت الموضوعات الكبرى لعلوم القرآن، ثم رتبتُ النسخ المتعدِّدة للعنوان تحت قسمين؛ أولهما: النُّسَخ الكاملة. ثانيهما: النسخ الناقصة. ورتبت الكاملة والناقصة بحسب الأقدم فالأحدث.

5- مدعِّمًا لها بنماذج مصوّرة من النسخ الخطيَّة؛ ليتمكن الباحث من الحكمِ على ما قُدِّم له من معلوماتٍ في الفهرس قبولًا أو رفضًا دون أن يضطر إلى زيارة المكتبة الحاوية للنسخة.

وإمعانًا في التيسير ختمتُ كلَّ مجلَّدٍ بكشافاتٍ تفصيلية: للعناوين، فالمؤلفين، فالنُّسَّاخ، فالمُلَّاك والمطالعين، فالأعلام الواردة في طِباق السماع والقراءةِ والإجازة وبلاغاتها، فقيود الوقف، ثم بكشافٍ عامٍّ للأعلام، وآخر للأماكن والبقاع، ثم بكشَّافٍ لنماذج الصور المثبتة، وختامًا بفهرسٍ للموضوعات العامّة.

ويتوقع صدور المشروع ككلّ في 25 مجلَّدًا، لم تطبع منها سوى المجلدات الخمسة الأولى فقط بعناية مركز تفسير، وتحوي (993) نسخة مفهرسة، في (2242) صفحة، وبيانها كالآتي:

المجلد الأول: بعنوان: (مخطوطات الكتب الجامعة لأنواعٍ من علوم القرآن، وفضائل القرآن وآداب حمَلته). وفيه وصفٌ مفصَّلٌ لـ(167) نسخة، ويقع في (484) صفحة.

المجلد الثاني: بعنوان: (مخطوطاتُ كتبٍ مفردةٍ لنوعٍ من أنواع علوم القرآن)، وقد ضمّنتُه وصف نُسَخِ الكتبِ المصنَّفة في نزول القرآن، ثم النسخ المصنفة في بيان الناسخ والمنسوخ، ثم الكتب المصنّفة في بيان المبهمات، ثم الكتب المصنّفة في المتشابه اللفظي، ثم الكتب المصنّفة في فهارس آي وكلمات القرآن، ثم الكتب المصنّفة في موضوعاتٍ قرآنيةٍ متفرقة. وقد بلغ عدد النسخ الموصوفة فيه (226) نسخة، ويقع في (489) صفحة.

المجلد الثالث: بعنوان: (مخطوطات الكتب المصنّفة في غريب القرآن، ومفرداته، ووجوهه، وتناسب آيه وسوره)، ويحوي من الموضوعات ما ذكر في عنوانه، وعدد النسخ الموصوفة فيه (192) نسخة، ويقع في (415) صفحة.

المجلد الرابع: بعنوان: (مخطوطات الكتب المصنفة في إعراب القرآن، ومعانيه وإعجازه ومعرَّباتِه)، وعدد النسخ الموصوفة فيه (193) نسخة، ويقع في (375) صفحة.

المجلد الخامس: بعنوان: (مخطوطات الكتب المصنفة في تفسير آيات الأحكام، وتأويل مشكل القرآن وتوجيه متشابهه)، وعدد النسخ الموصوفة فيه (215) نسخة، وعدد صفحاته (479) صفحة.

وما زلنا نعملُ على استكمال هذا المشروع الكبير بالرغم مما يواجهنا من عقباتٍ، ومن الله وحده العون والسداد.

س5: ما أبرز توجيهاتكم للباحثين للاستفادة المثلى من هذا الفهرس الوصفي الذي قمتم به لمخطوطات الدراسات القرآنية بالمكتبات المصرية؟

أ. صالح الأزهري:

أنصح الباحثين بالقراءة المتأنية له، ثم توظيف ما قُدِّم فيه من معلوماتٍ في النهوض بالدراسات القرآنية التراثية، ومما يمكن أن يقدِّمَه لهم:

1- نسخٌ جديدةٌ لكتبٍ محوريَّة في حقل الدراسات القرآنية تحتِّمُ إعادةَ تحقيقها مرةً أخرى تحقيقًا يليق بمكانتها.

2- معلوماتٌ منثورةٌ في ثنايا وصفِ النسخ تنتظرُ من يوظِّفها في التأريخ للدراسات القرآنية.

3- تصحيحُ أوهامٍ كان لها أثرٌ في سير الدراسات القرآنية، وقد أبنَّا سببَ الوقوع في هذه الأوهام. والتدقيق في هذه الأسباب يُعِين الدارسَ على بناء ملَكةٍ نقديَّة تساعده على اكتشاف مثيلاتٍ لها حين النظر في غيره من الفهارس.

وغير ذلك.

هذا، وصلَّى الله على محمَّدٍ النبي الأُمِّيّ وآله وصحبه وسلَّم.

ضيف الحوار :

صالح الأزهري

خبير المخطوطات بدار الكتب المصرية، وله عدد من التحقيقات والأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))