نقد على نقد الأستاذ/ عمرو بسيوني
لكتاب (حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية)
مسألة حجية تفسير السلف عند ابن تيمية من المسائل المثيرة للجدل، وكنت قد عنيتُ بنقاشها في كتابٍ مستقلّ، بعنوان: (حجية تفسير السّلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية)، وقد قام الأستاذ الفاضل/ عمرو بسيوني بكتابة مقالة حول الكتاب، بعنوان: (كتاب حجية تفسير السّلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم)[1]، وقد أورد فيها نقودًا على تقرير مركزي معيّن في الكتاب، وقد بدَا لي من خلال مطالعتي لهذا النقد وجودُ أخطاء منهجية وعلمية كثيرة فيه جعلتني لا أتّفقُ معه كليةً فيما أثاره من ملحوظات، ومن هاهنا جاء هذا المقال ليناقش النقد الذي قام به أ/ عمرو ويعمل على نقد هذا النقد وبيان الإشكالات المركزية الحافّة به، وسيأتي المقال في قسمين، يُعْنَى أوّلهما بتسليط الضوء على نقد أ/ عمرو، والآخر نقوم فيه بنقد هذا النقد.
القسم الأول: نقد أ/ عمرو بسيوني لكتاب (حجية تفسير السَّلف)؛ عرض وبيان[2]:
تقوم إشكالية كتاب (حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية) على بيان الموقف من أدلة ابن تيمية في الإلزام بتفسير السَّلَف في طلب فهم معاني القرآن، وقد خلَص الكتاب في ذلك إلى أن ابن تيمية يرتكز في بناء حجّية تفسير السّلف على منطلق يتمثّل في وجود بيان نبوي (تفسير نبوي) لمعاني القرآن، وأنّ تفسير السّلف ترجع مركزيته عنده لكونه يعدّ نقلًا لهذا البيان النبوي ووعاءً حاملًا له، ثم درس الكتابُ هذا المنطلق وفنّده وفنّد دلائل ابن تيمية في إثباته، وبحث بعد ذلك في منشأ ظهور هذا المنطلق عند ابن تيمية ودوافعه في تبنّيه، ثم انتقل لبيان الآثار المشكلة لهذا المنطلق على جوانب من الطّرْح التيمي في عدد من القضايا.
وقد جاء نقد أ/ عمرو للكتاب في قسمين؛ أحدهما عرض فيه بشكلٍِ موجَز للكتاب وإشكاليته وعناوين فصوله ومباحثه، والثاني لنقد الكتاب وبيان مزاياه وسلبيّاته.
وقد تركّز نقده للكتاب فقط على ما قرّره الكتاب في منطلق ابن تيمية في التأسيس لحجيّة تفسير السّلف، حيث قال: «وينبغي أن يكون واضحًا أنني لا أبتغي كتابةَ ردّ على جميع المقرّرات التي انتهى إليها الباحث، ولكن أدوِّن بعض الملاحظات فحَسْب على الأدلة والنتائج التي قدّمها الباحث، وأنّ الذي يعنيني أصالةً وهو مبتغاي: مناقشة الفكرة الأساس التي ينبني عليها البحث، ومن ثَمَّ المناقشات والنقود التي قامت بناءً على تلك الفكرة الأساس، ومن هذا المنطلق فإنّني لن أتعقّب جميعَ ما يرد في البحث من تقريرات أو عبارات، ولا يعني تركي شيئًا إقراري بصوابه؛ ولكن المقصود ألّا ينتشر الكلام ويتشعّث»[3]، وكانت هذه الفكرة التي رام نقدها هي البيان النبوي لمعاني القرآن عند ابن تيمية وفهم الكتاب لهذا البيان، حيث قال: «الفكرة الأساس التي بنى عليها الباحثُ بحثَه، ومن ثَمَّ ما ترتّب عليه من بحوث وتحليلات ونقود هي أنّ نظرية ابن تيمية تتمثّل في كون البيان النبوي للقرآن كان حاصلًا لجميع القرآن بألفاظه ومعانيه، وأن تفسير الصحابة (نقل) لهذا التفسير النبوي»[4].
وذكر أ/ عمرو أن الكتاب انطلق من مقدّمةٍ هي صحيحة بالنسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، وأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيّن القرآنَ كلَّه للصحابة لفظَه ومعانِيَه، واستدلّ عليها بأنواع من الأدلة، قَرَّر بعضَها فأحسنَ التقريرَ، «ولكنّه حمَّل هذه المقدّمة وفَهِم منها ما لا تَحتمِل، وجعل تبعةَ ذلك كلِّه على نظرية الشيخ هذه، ثم جعل ينقدُها ويصارعُها، وجعل يدفعُ ما يَرِد عليه من احتمالات مخالفة لهذا الفهم لنظرية الشيخ؛ إمّا: بأنها من التناقض الطبيعي الذي يقع للعلماء، أو أنها احتمالات غير صحيحة مخالفة لنظرية ابن تيمية»[5].
وقام الأستاذ/ عمرو بتفكيك فكرة البيان النبوي عند ابن تيمية وقدّم لها تفسيرًا مخالفًا لما ذكره الكتاب، وعليه بيَّن أن هذه الفكرة لا تعني أبدًا ما انتهى إليه الكتاب وألزم به ابن تيمية من أنّ تفسير السلف -كما فهم أ/ عمرو من الكتاب- نقلٌ مطابقٌ للبيان النبوي للمعاني، وكذلك أوضح أنها لا تعني -خلافًا لِما ذكر الكتاب من وجهة نظره- عدم اجتهاد الصحابة في فهم المعاني؛ لانفكاك الجهة، وبيّن غرابة الفكرة التي انتهى إليها الكتاب في تفسير البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية وأنها لا يمكن أن يقول بها ابن تيمية، وأن الكتاب كان يجب أن ينتبه لذلك في توجيه قول ابن تيمية وتفسير كلامه.
وكذلك ذَكَر أنّ المفترض هو جمع نصوص ابن تيمية في البيان والتبصّر بسياقاته وتركيب نظريته من خلال ذلك كلّه بشكلٍ متكاملٍ، خلافًا لما قام به الكتاب -من وجهة نظره- مِن فهمِ ابن تيمية في سياق نصوص معيّنة في البيان النبوي واعتبار ما يخالف هذا الفهم عند ابن تيمية من باب التناقض عند ابن تيمية.
وأيضًا ذكر عدم اعتناء الكتاب بأمور كان من الواجب عليه الاعتناء بها لفهم موقف ابن تيمية في البيان النبوي للمعاني؛ حيث يراه أغفل التطبيق التيمي، وكذلك أهمل النظر في المباني الأصولية لابن تيمية، في حين أن لها دورًا -حاول بيانه- في فهمِ الموقف التيمي في البيان النبوي للمعاني والتعامل مع حُجّية تفسير السلف والمنع من الخروج على هذا التفسير.
وأيضًا ذكر عدم اعتناء الكتاب بسياقات ابن تيمية في الحديث في مسألة البيان النبوي.
وأشار أ/ عمرو إلى أن نقاشَ الكتاب لدلائل ابن تيمية في تقرير البيان النبوي خارجٌ عن النزاع؛ لأن الفهم الذي قرّره الكتاب للبيان لا يصحّ من الأساس، وكذلك الآثار السلبية التي أوردها الكتاب على ابن تيمية جراء هذا المنطلق الذي اعتمده في تقرّر حجية تفسير السّلف (فكرة البيان النبوي للمعاني).
وختم أ/ عمرو نقده بخلاصات تبيّن محصول ما ذكر وعدم اتفاقه مع النتائج التي خلَص إليها الكتاب في فهم البيان النبوي عند ابن تيمية للمعاني. وفيما يأتي ننتقل لنقد هذا النقد ونقاشه.
القسم الثاني: نقد أ/ عمرو بسيوني لكتاب (حجية تفسير السلف)؛ نقد ومناقشة:
قبل الخوض في نقد النقد الذي قام به أ/ عمرو لا بد من الإنباه إلى أهمية الممارسة النقدية وأنها سبيل حياة العلوم، وسرّ تقدّمها، وبدونها تبقى المسائل معتمة ودروبها مُظْلمة، فلا حياة علمية بدون نقد وأخذ وردّ للمسائل وبيان لإشكالات تدعو لمزيد درس وتحرير... إلخ، مما يدفع بالمعرفة للأمام ويُعِين على نموّها وازدهارها، وإنّ مِن أبرزِ عيوب واقعنا المعرفي وأسبابِ عدم تقدّمه برأينا ضعفَ المقاربات النقدية وقِلّتَها، وكثرةَ توجُّسه منها وعدمَ انفتاحه عليها.
وكما أنّ النقد مهمّ فإنّ نقد هذا النقد مهمّ أيضًا، لضمان رشد النقد ذاته وأن تكون ممارسته على الوجه العلمي الذي يحقّق المقصود منه من دفع الحركة العلمية وإثرائها، وإلا فوجود ممارسة نقدية فاقدة للشروط العلمية لا تحقّق شيئًا ذا بال، بل يزداد بها الواقع اضطرابًا وتشوّشًا كما سنبيّن.
في هذا القسم من المقال سنقوم بنقد النقد السَّالِف الذي قام به أ/ عمرو، ونشتبك معه بما يبرز الموقف منه ويبيّن الأغلاط التي حواها -من وجهة نظرنا- ووجه عدم اتفاقنا معه، ورؤيتنا لصحة طرح كتاب (حجية تفسير السلف) في النقطة التي نقدها هذا النقد.
ونحن ومن خلال نظرنا في أخطاء نقد أ/ عمرو رأينا ترتيب حديثنا في أربعة جوانب؛ أوّلها يتعلّق بمناقشة المنهجية العامة التي سلكها نقد أ/ عمرو. وثانيها يتعلّق بمناقشة الفهم العام الذي فهمه هذا النقد لتقرير الكتاب في البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية. وثالثها يتعلّق بتسليط الضوء على بعض الأخطاء العلمية في هذا النقد. ورابعها يتعلّق ببيان بعض الأوهام التي وقع فيها هذا النقد.
أولًا: نقد الطريقة المنهجية التي قام عليها نقد أ/ عمرو:
من الأمورِ المتّفق عليها والمسلّمة في المطارحات النقدية أهميةُ بيان الحجج التي أبداها الطرف قيد النقد، وسردُ هذه الحجج بطريقة واضحة، ثم الاشتباكُ النقدي معها والكرُّ عليها بما يسقطها، ففضلًا عن أنّ هذا من أمانة النقد وأنه يُعِين القارئ على تصوّر هذه الحجج قبل هدمها... إلخ، فإنه يعدّ ضرورة لا غِنَى عنها أبدًا في الممارسة النقدية، وإلا فعلام يكون النقد نقدًا وهو لم يسقط هذه الحجج ويهدمها.
الإشكال في نقد الأستاذ/ عمرو أنه تجاوز ذلك بشكلٍ منهجيّ مستغرَب، فقد ركز نقده -كما ذكرنا- على ما قرّره الكتاب في شأن البيان النبوي عند ابن تيمية، وأنّ تفسير السلف ترجع مركزيته لكونه يعدّ نقلًا لهذا البيان النبوي، ولكنه لمّا أراد أن يناقش هذا التقرير ابتعد عن دلائل الكتاب في تقرير ما قرّره عن ابن تيمية؛ عرضًا ومناقشة.
إنّ الكتاب حتى يقرّر ما نقده أ/ عمرو فإنه اعتمد على دلائل كثيرة ومتنوّعة من واقع الطرح التيمي؛ فقد استدل الكتاب -إضافةً لنصوص ابن تيمية في البيان النبوي- بسياق ورود البيان النبوي عند ابن تيمية ومؤشّراته في فهم هذا البيان، وأنّ هذا البيان يأتي ليدلل على حجية تفسير السلف، ومن ثم فاعتباره بيانًا لا يتّصل بتقرير المعاني لا يتركب معه دليل ملزم بحجية تفسير السلف بخلاف ما لو حُمل على ما قرّره الكتاب، وكذلك استدلّ الكتاب بطريقة بناء ابن تيمية للاستدلال على حُجّية المعاني التي أوردها السَّلَف، فبيَّن أن طريقة ابن تيمية في استدلالاته على ذلك ترجع لطريقين؛ الطريق الأول: إثبات ضرورة المصير لمقولات السَّلَف في التفسير والالتزام بها في فهم القرآن. الطريق الثاني: فساد طريق الفهم للقرآن بعيدًا عن مقولات السَّلَف في التفسير، وقد جمع الكتاب هذه الدلائل في كلّ طريق من سياقات كلام ابن تيمية في العديد من مؤلّفاته ورتّبها وقسَّمها بحيث يسهل النظر إليها، وبيَّن من خلال تحليل كيفية استدلال ابن تيمية في هذين الطريقين على حجية تفسير السّلف صحةَ ذهاب ابن تيمية للقول بوجود بيان نبوي كامل للقرآن نقَلَه السَّلَف.
وكذلك اعتمد الكتاب على تحليل بعض التأصيلات التي طرحها ابن تيمية إزاء بعض القضايا المتصلة بالتفسير وتفسير السلف، وقد عالج من هذه القضايا: تفسير ابن تيمية لقلّة الاختلاف بين الصحابة، وتفسيره لتنازع الصحابة في التفسير، وقِسْمة ابن تيمية للتفسير في مقدمته في أصول التفسير، وبيّن أن التأصيل التيمي في هذه القضايا يكشف -من خلال تحليلاتٍ لهذه التأصيلات- عن قول ابن تيمية بوجود بيان نبوي للقرآن الكريم وَفق الصورة التي قرّرها الكتاب.
وأنهى الكتاب استدلالاته بتأمّل التأصيل التيمي في بعض القضايا العقدية، حيث ذكرَ موقف ابن تيمية من مفوِّضة الصفات الخبرية، ومن خلال تحليله لهذا الموقف أكَّد ما قرّره عن ابن تيمية في البيان النبوي.
وأخيرًا عضّد الكتاب ما قرّره عن ابن تيمية ورؤيته للبيان النبوي بذِكْر أقوال بعض العلماء القُدامى والمعاصرين التي تدلّل على ذلك وتنصّ على ذهاب ابن تيمية للقول بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسّر القرآن كاملًا كأبي حيان والسيوطي قديمًا، ومن المعاصرين الدكتور/ الذهبي والدكتور/ مساعد الطيار.
إنّ الكتاب لم يكتفِ بهذه الأدلّة التي ذكرها وإنما أضاف لها نقاشَ مَن فسّروا البيان النبوي عند ابن تيمية واعتبروه بيانًا كليًّا لوجوه الأمر والندب والإرشاد... إلخ؛ فعرَض لدلائلهم بصورة واضحة ثم نقَدها كاملة ليؤكّد وجاهة التقرير الذي انتهى إليه في هذا البيان، وكذلك قدّم بعض التنبيهات حول البيان النبوي عند ابن تيمية عرّج فيها على مفهومِ هذا البيان وتعذُّرِ محاولة تخصيصه ببعض المناحي، وغير ذلك.
وأيضًا بحَث الكتابُ سياق نشأة ابن تيمية ودوافعه في القول بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن معاني القرآن وأنّ تفسير السَّلَف نقلٌ لهذا البيان، وكذلك درس الآثار السلبية التي خلّفها هذا القول المشكِل على الطَّرْح التيمي في مناحٍ مختلفة.
هذا واقع طرح الكتاب في التدليل على تقريره الذي انتهى إليه وتعامله معه، فكيف ناقشه نقد الأستاذ/ عمرو؟
إنّ نقد أ/ عمرو ذكر تقرير الكتاب في البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية، وشرع في تفكيكه وبيان غلطه والإيراد عليه، وذلك بصورة مباشرة دون العناية بتصوير دلائل الكتاب التي اعتمدها في تقريره الذي انتهى إليه في هذا البيان، أو الإشارة لهذه الدلائل ولو بشكلٍ مجمل، كما أنه لم يناقش هذه الدلائل ويشتبك معها أو مع مركزيّاتها وجُمَلِها الرئيسة، ولكنه اكتفى فقط بالتعليق على بعض النصوص التيمية التي أوردها الكتاب وبعض الآثار، إضافةً لطَرْقِ أمورٍ أخرى مما ذكرَ الكتاب؛ كمسألة الإحداث وغيرها.
والغريب أيضًا أن نقد الأستاذ/ عمرو يجنح لتقرير أمور منقودة في الكتاب دون مناقشة هذا النقد!
فقد حاول أ/ عمرو أن يفهم كلام ابن تيمية في البيان النبوي في سياق مقارب لكلام الطبري في البيان النبوي، دون نقاش لما طرحه الكتاب من تحليل لموقف الطبري وأنه يقول بذات التقرير الذي قرّره الكتاب عن ابن تيمية!
كما أنه جنح في كلامه لاعتبار البيان النبوي عند ابن تيمية هو البيان الكلي مع بعض ما يشكل على الصحابة من المعاني أو مما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبتدرهم تفسيره من القرآن، ولكنه أيضًا لم يناقش الدلائل التي فنّد بها الكتاب هذه الأطروحة التي ينتصر لها ويبين وجه اعتراضه عليها!
والتساؤل هاهنا يتعلّق بمنهجية النقد هذه التي قام بها أ/ عمرو، وهل تعدّ منهجية صحيحة في ذاتها، وهل يكون معها نقده معتبرًا لتقرير الكتاب، وهو يصارع هذا التقرير دون اشتباك مع دلائله التي ذكرها الكتاب؟!
إنّ هذه المنهجية التي سلَكها أ/ عمرو في نقد تقرير الكتاب في البيان النبوي عند ابن تيمية تنسحب على عموم نقاشاته ونقوده، ذلك أنه عرّج على نقاط تفصيلية في الكتاب لها صِلة بالفكرة التي ينقدها، وقام بنقد طرح الكتاب في هذه النقاط، ومع ذلك فهو لا يُعنى بتصوير حِجاج الكتاب في هذه النقاط وتوضيحه قبل النقد؛ فقد اعترض أ/ عمرو مثلًا على مسألة اعتبار الكتاب لِما يخالف تقريره عن ابن تيمية في البيان النبوي للمعاني من نصوصٍ تيميةٍ =بأنه من التعارض عند ابن تيمية، وطوّل في التشنيع على ذلك، في حين أن الكتاب طرح سببًا منهجيًّا لاعتباره هذا وبيّنه بجلاء في مستهلّ تقريره لاعتماد ابن تيمية في إثبات حجية تفسير السَّلَف على فكرة البيان النبوي للمعاني، ولكن أ/ عمرو لا يذكر هذا التسويغ المنهجي ولا يجعله منطلقًا في بيان وجه اعتراضه عليه، وهذا متكرّر منه -كما سيظهر- في نقاشاته لما يعرض له من قضايا فرعية داخل الكتاب ذات صلة بالفكرة التي ينقدها.
إنّ هذه الطريقة التي قام عليها نقد أ/ عمرو طريقة مشكلة منهجيًّا وغير معتبرة من حيث هي، ولا يمكن الاعتداد بها والبناء عليها في النقاش العلمي، ذلك أنها لم تهدم حجاج الكتاب في النقطة التي أثارتها واشتبكت معها ولا ما يقارب ذلك.
كما أن هذه الطريقة تورث العمل النقدي سلبيات كثيرة جدًّا؛ أبرزها:
- هذه الطريقة تجعل النقد أداة تفريخ لإشكالات أخلاقية يزداد بها الواقع المعرفي اضطرابًا وتشوهًا.
فهذه الطريقة تقدّم صورة غير أمينة لواقع ما تنقده، فالكتاب -في النقطة محلّ النقد التي اختارها أ/ عمر- يظهر وكأنه بلا أيّ جدل وعُدّة علمية في تقريره الذي انتهى إليه سوى ذكره لبعض نصوص ابن تيمية في البيان النبوي للمعاني التي علّق عليها نقد أ/ عمرو، وكأن الكتاب أخذ هذه النصوص وبَنى في ضوئها ما بَنى، رغم مخالفة هذا التقرير الذي انتهى إليه لما اتفقت عليه كلمة الباحثين، وبغضّ النظر عن عدم صحة ذلك وأن الكتاب طرَق دلائل عديدة كما تقدّم، إلا أن إبراز حجاج ما ننقده وممارسة النقد دون تدليس على الطرف المنقود هو شرط لا بد منه في العمل النقدي، بيدَ أن هذه الطريقة التي لجأ إليها أ/ عمرو لا تكفل تحقيق هذا الشرط بل تنطلق من خلافه، ما يجعلها تكرّس لتشوهات وسلبيات أخلاقية في الوسط العلمي يجب ألا يكون النقد أبدًا ذريعة لحضورها، فالنقد من أمانة العلم وهو مطلب مهم لضرورة عدم ترك الغلط يتمدّد في الواقع البحثي ويُبنى عليه، وأداءُ هذه الأمانة ثقيل في ذات الوقت لثقل الممارسة النقدية بطبيعتها وحاجتها لجهد كبير يبذله الناقد فيها حتى يؤدي دوره وأمانته في بيان غلط ما يرى عدم صحته، لكن في ذات الوقت يجب أن يُسيَّج ذلك الأداء لهذه الأمانة بحضور الشرط الأخلاقي والتزام أمانة عرض الأقوال والدلائل التي يذكرها الطرف المنقود، وألّا يكون سعيُنا ورغبتُنا لإسقاط فكرةٍ ما على حساب هذا الشرط وتجاوزه، فهذا مما يبدي صفحة الناقد للرمي والاتهام بالتدليس بصورة مباشرة، وهي تهمة شنيعة يجب أن يتنزّه عنها النقد ويتجنبها.
إنّ نقد أ/ عمرو في ضوء هذه الطريقة المشكلة التي قام عليها يمكنُ رميُه بهذه التهمة وأنه مارَس التدليس على الكتاب حتى يتمكنَ مِن نقدِه، وبغضّ النظر عن عدم قصديته لذلك فيما نحسب، فإنه لازمٌ بيِّنٌ لا يَسَعُ تجاهلُه في ضوء الطريقة التي نهجها في النقد.
- هذه الطريقة تحجب النقد عن تحقيق غاياته وتقعد به عن درك مقاصده من دفع الحركة العلمية في النقطة محلّ النقد إلى الأمام والعمل على زيادة إثرائه؛ ففي ضوء عزوف نقد أ/ عمرو عن تعنّي نقاش دلائل الكتاب في الفكرة التي ركّز عليها فإنه لا يعِين بذلك على إثراء التثاقف حول هذه الفكرة وتعلية الجدل بشأنها بشكلٍ حقيقي عبر ما يمكن أن ينتج من إعادة تقليب نظر الطرف الناقد في دلائلها وإعادة التفاكر في شأن هذه الدلائل ومقدار وجاهتها في بناء الفكرة، ولكنه يبقي الأمر في شأن الفكرة كما هو دون جديد؛ إذ الردّ على نقده سيكون غالبًا وبشكل رئيس هو مجرّد إعادة استدعاء لطرح التحليلات والتسويغات والدلائل المذكورة في تقرير الفكرة والدفع بها كما هي لساحة النقاش من جديد لاستجلاء ما سيقوله الطرف الناقد في وجه توهينها وتضعيفها، هذا التوهين الذي كان من المفترض أن يحمله نقده بالأصالة حتى يسهم في مزيد من الدفع بالنقاش للأمام وإثرائه بالجديد.
ويجدر الإنباه لأمرين:
الأول: حوى نقد أ/ عمرو إشكالات منهجية أخرى فرعية؛ أبرزها:
-طريقة صياغته التي لا تنطلق من نقاط مركزية في النقد للفكرة التي يشتبك معها: فالناقد ينظر في ما ينقده؛ وفي ضوء النقود التي لديه يرتّب جملة عناصر محدّدة يتناول من خلالها الموضوع ويسيّق تحتها نقودَه كما فعلنا نحن في نقدنا لنقده؛ فهذا عنصر يتصل بمنهجية الطرح وهذا يتصل بكذا وكذا، فبذلك يترتب النقاش ويسهل تصوره وتتابعه، وأمّا إهمال ذلك والاسترسال في نقاش الفكرة بعيدًا عنه فيجعل النقد مشوشًا ومرهقًا في تصوّر القارئ له ولمنطلقاته، ويجعل النقد يحمل الكثير من التكرار، وكذلك ينتقل من نقطة لأخرى بدون روابط واضحة، وغير ذلك من الإشكالات الحاضرة في نقد أ/ عمرو بصورة جلية جراء طريقته المشكلة التي نهجها في صياغة النقد.
-التقرير في غير موطن النزاع: فالناقد لا يلجأ للتقرير في الأمور المستقرة التي لا خلاف عليها، وإنما يذكرها إجمالًا ويبني في ضوئها بشكل مباشر، والأستاذ/ عمرو تراه يطيل أحيانًا في تقرير أمر هو مقرّر؛ كحديثه عن أهمية جمع كلام العالم وفهمه قبل نقده، فمثل هذا محلّ اتفاق ولا يحتاج لتقرير وإيراد نقول وتأصيلات... إلخ مما يثقل القارئ ويطول النقد بما لا مساغ له ولا فائدة من ورائه.
الثاني: حمَل نقد أ/ عمرو سمة منهجية مهمّة في العمل النقدي، وهي لغته الراقية الهادئة في التعاطي والجدل والتركيز على طرح ما يريد دون تسفيه وسخرية... إلخ، وهذه سمة طيبة يجب الإشادة بها ويجب أن تسود الممارسات النقدية في واقعنا المعرفي، حتى يكون النقد أدعى لتحقيق غاياته والنظر فيه ولا يحمل في ذاته ما يدعو للصدود والإعراض عنه.
وحاصل ما سبق أنّ نقد الأستاذ/ عمرو مشكِل جدًّا منهجيًّا في ضوء هذه الطريقة التي نحاها، وهي طريقة أفقدَت نقدَه أن يكون نقدًا علميًّا، وأن يكون مناقشةً جادة للنقطة التي ناقشها ولا ما يقارب ذلك، وهذه الطريقة يجب أن تكون موضع اجتناب في العمل النقدي بعامّة.
ثانيًا: نقد فهم الأستاذ/ عمرو لتقرير الكتاب في البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية:
ركّز أ/ عمرو في نقده -كما أشرنا- على إسقاط ما قرّره الكتاب في شأن البيان النبوي عند ابن تيمية وبيان غلطه وعدم وجاهته، وقبل الخوض في ذلك أقول بأنّ أ/ عمرو فهم فهمًا أجنبيًّا جدًّا عن تقرير الكتاب في مراد ابن تيمية بالبيان النبوي لمعاني القرآن، وراح يفكّك هذه الفهم ويردّ عليه، في حين أنّ الكتاب لا يقول بهذا الفهم أصلًا بل يعارضه تمامًا كما سيظهر.
لقد أورد أ/ عمرو في بداية نقده تقرير الكتاب في البيان النبوي عند ابن تيمية وأنّ ابن تيمية يرى أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن ألفاظَ القرآن ومعانِيَه جميعًا وأنّ تفسير السَّلَف نقلٌ لهذا البيان، وذكر أنّ الكتاب أورد بعض النصوص التيمية الموضحة لنظرية ابن تيمية في البيان النبوي للمعاني، ثم راح يستعرض ويحلّل فكرة البيان النبوي عند ابن تيمية بما يبيّن أنها مخالِفة لِما ذكرَ الكتاب في شأنها وما أورد عليها من نقود وآثار سلبية، حيث قال بعد أن أورد طرفًا من النصوص التي ذكرها الكتاب: «وأنا سأرجع إلى نصٍّ أكثر عمومًا وأقوى إيضاحًا، وأوسع دعوى لابن تيمية؛ كي يتبيّن لنا أنّ كلامه حول التفسير هو من جهةٍ في إطار نظرةٍ عامة منه للإسلام ليست قاصرة على التفسير كعلم، ومن جهة أخرى: كي يتّضح لنا من خلالها حقيقة المراد من هذه النظرية، وكيف أنها لا تتنافى مع ما أورده الباحث من اجتهاد الصحابة واختلافهم[6]، ومن فتح مجالات البحث الديني في التفسير وغيره وأن هذه النظرية لا تئد هذه الإمكانيات»[7].
أورد أ/ عمرو قول ابن تيمية أنّ «رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيَّن جميع الدين أصوله وفروعه؛ باطنه وظاهره، علمه وعمله...»[8]، وفي ضوئه قرّر أن هذا لا يستلزم أن يكون البيان على درجة واحدة في الوضوح، وأنه لا يلزم أن يكون على طريقة معيّنة تشبه الطريقة المدرسية، وإنما يدخل فيه أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقريراته وإرشاداته الدالّة على مناهج الفهم والاستدلال كإشاراته للإسرائيليات، ولا يلزم أن تكون أقوال الصحابة بمثابة نقلٍ صرف فلا يعرض لهم الاجتهاد في البيان، بل السهو والخطأ والهوى.
ثم أكّد أنّ مقصود ابن تيمية في هذه التنظيرات «أن الوحي الذي أُنزل على الرسول، قد امتثل النبيُّ أمرَ الله ببيانه وتبليغه البلاغَ [المبين]، فما يكون في الأُمَّة بعده من العلم، وبخاصة طبقة الصحابة لأنها أول الأمة: هو نوعٌ من النقل عنه، وهو على مراتب مختلفة، فمنها المنقول نقلًا واضحًا جليًّا، وذلك في الجمل والكليات، أو ما تحقّق فيه إجماعهم إجماعًا صحيحًا، ومنه ما دون ذلك من نقل لمسائل أقلّ وأدق، ومنه ما هو اجتهاد منهم في الكتاب والسنّة، وهو راجع للبيان النبوي في نقله أو فهمه، وذلك النقل والفهم يعرض له الصواب والخطأ والعلم والجهل وحتى الهوى»[9].
ثم قال: «وبعبارة أخرى فإنّ قول القائل: (تفسير الصحابة -مثلًا أو فقههم- هو صادرٌ عن البيان النبوي): هو في الحقيقة مقابلة المجموع بالمجموع، يعني أن مجموع الوارد عن الصحابة هو صادر عن بيان النبي، والحكم الثابت للمجموع لا يستلزم الثبوت للأفراد كما هو معروف، فلا يستلزم هذا أن كلّ تفسير أو حكم عن الصحابة هو هو البيان النبوي بالمطابقة!»[10]، وراح يُنزِل هذا التفكيك على ساحة التفسير على وجه الخصوص وأن البيان للمعاني لا يستلزم أن يكون على درجة واحدة... إلخ، ثم قال: «وهذا يوضِّح لنا أنه من المستحيل نظريًّا أن يكون كلام ابن تيمية عن البيان النبوي لمعاني القرآن و(نقل الصحابة) له، هو بمثابة الدرس التفسيري التفصيلي، لكلّ آية آية ولفظة لفظة، أو كما يعبّر الباحث أنه بيانٌ لمعاني جميعِ مفردات القرآن وتراكيبه وأساليبه!»[11].
إن أ/ عمرو يلحّ على أن الكتاب يقول بفكرة المطابقة بين تفسير السّلف والبيان النبوي، وهذا ظاهر على امتداد نقده، ويذكُره في مواضع من تعليقاته، خاصّةً على بعض الآثار السلبية التي ذكر الكتاب وقوعها في الطرح التيمي جراء فكرة ابن تيمية في البيان النبوي للمعاني، حيث يعالج هذه الآثار ويبين أنها غير واردة على ابن تيمية حال فهمنا فكرة ابن تيمية في البيان النبوي على وجهها الذي ذكر.
ومن ذلك قوله: «وكذلك مسألة الإسرائيليات ورجوع كثيرٍ من السَّلَف إليها في التفسير، وتقرير ابن تيمية لذلك، فقد حملها الباحث على التناقض التيمي في التنظير أيضًا؛ لأن ذلك يناقض القول بالتوقيف على البيان النبوي الذي ينقله الصحابة، وهذا مبنيّ على اعتقاده [مؤلِّف الكتاب] أن قول ابن تيمية يعني أن الصحابي المفسِّر لا يقول في التفسير إلا منقولًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدَّم أن ذلك ليس بدقيق، وأن البيان النبوي للقرآن لا يقتصر على المعنى المدرسي الفني للتفسير، وأنّ ذلك البيان على أنحاء شتى، قصدية خاصّة وبيانية عامة، وأن ذلك البيان أيضًا قد يخفى، وقد لا يبلغ بعضهم، وقد يبلغهم ويتعدّد فهمهم له للأسباب الكثيرة من تفاوت المستوى العلمي، ومن شوب الميل العلمي... إلخ»[12].
ويظهر لنا من خلال ما سبق أنّ أ/ عمرو يرى أنّ القول برجوع تفسير السلف للبيان النبوي هو من قَبِيل مقابلة المجموع بالمجموع، وأنّ الكتاب لا يقول بهذا وإنما يقول بأنّ تفسير السلف تفسير نبوي بالمطابقة، وأنّ كلّ ما يقوله السَّلَف ويذكرونه من معانٍ هو نقل مطابق وحرفي لمنصوصٍ سمعوه مباشرة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخذوه من فِيهِ الشريف.
السؤال هاهنا هو: ما الدليل المباشر الذي استند عليه نقد أ/ عمرو في تقرير هذا الفهم الذي ذكر عن الكتاب (فكرة المطابقة)؟
لقد بينّا قبلُ أنّ أ/ عمرو ذكر التقرير العام للكتاب وأنه يقول بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيَّن معاني القرآن، وأن تفسير السَّلَف نقلٌ لهذا البيان النبوي، وهذا كلام يذكره أ/ عمرو نفسه كما هو واضح من نصوصه التي نقلنا، ولكنه يستدرك بعده بأنّ هذا البيان على درجات ومتفاوت... إلخ، أي أنّ القول بأن تفسير السلف نقل للبيان النبوي لا يظهر منه من حيث هو فكرة المطابقة هذه، ما يجعل إثبات قول الكتاب بهذه الفكرة بحاجة لتقرير وتوضيح، كإيراد نصوص من الكتاب مباشرة في إثبات ذلك، إِذْ يصعب أن يقول الكتاب بهذه الفكرة دون ذكر نصوص موضحة لذلك، أو القيام ببعض التحليلات وإثبات التقرير الذي خلَص إليه أ/ عمرو عن الكتاب من بين ثناياها، بحيث يتّضح قول الكتاب بالفكرة بصورة جلية، ثم يبدأ النقد لها.
إنّ أ/ عمرو يقوِّل الكتاب بفكرة المطابقة هذه ثم يُجري تفكيكه لها مباشرة معتبرها ظاهرة في ضوء النصّ الذي أورد، في حين أن هذا النصّ لا يعطيها كما ذكرنا، وكذلك يحاول ترسيخ الفكرة في نفس القارئ بعد ذلك في ثنايا نقاشه من خلال ما يُورد من تحليلات لبعض القضايا يجعلها مقابلة للفهم الذي ذكر للكتاب المنطلق من فكرة المطابقة من وجهة نظره، دون العناية أولًا بذِكْر المقولات المؤسّسة لقول الكتاب بفكرة المطابقة بصورة واضحة.
والغرض المنهجي هاهنا أنّنا حين ننقد فكرةً، فمن الواجب تقريرها على الطرف المنقود بصورة واضحة جلية أولًا قبل الشروع في نقدها، فهذا هو الأصل كما يُقال: ثبِّت العرش ثم انقش، والكتاب خَصّص مثلًا فصلًا كاملًا لبناء موقف ابن تيمية وتحرير دليله في القول بحجية تفسير السلف (فكرة البيان النبوي للمعاني) قبل الخوض في تقويم هذا الدليل ونقده، فهذا أجلى في المطارحات النقدية وأعون على ضبط الناقد لنقده وحسن تصوّره للفكرة قبل الهجوم عليها.
إنّ الإنسان قد يطالع فكرةً ما في كتاب فتثير لديه نقودًا ما، بيدَ أنه متى حاول تقريرها وتصويرها قبل الشروع في نقدها وجعل ذلك غرضًا مستقلًّا قبل النقد، فإنّ هذا يعينه هو أولًا على التعمّق في الفكرة ذاتها، واختبار الفهم العام الحاصل لديه إزاءها ومقدار صِدْقه، وأنه صحيح في ذاته، أو أنه كان خاطئًا كليًّا أو جزئيًّا... إلخ، وأمّا القفز على ذلك والشروع في النقد مباشرة، فقد يوقع النقد أحيانًا في إشكال مصارعة تصوّر ما إزاء الفكرة قد لا يكون له وجود حقيقي على النحو المتصوّر في ذهن الناقد، وهو الحاصل في نقد أ/ عمرو.
إنّ هذا الفهم الذي أبداه أ/ عمرو لقالة الكتاب في البيان النبوي عند ابن تيمية هو فهم خاطئ جدًّا ولا صِلَة للكتاب به من قريب أو بعيد؛ فالكتاب لا يقول أبدًا بفكرة المطابقة وأن ابن تيمية يقول بأنّ تفسير السلف هو البيان النبوي بالمطابقة، وإنما الأمر مقابلة مجموع بمجموع، وهذا ليس بالأمر الخفيّ الذي يُوقع في اللبس لوجود ما يعارضه في واقع الكتاب، ولكنه واضح جدًّا بصورة بالغة الظهور؛ فالكتاب لا يقول -كما يذكر نقد أ/ عمرو- بأنّ البيان النبوي يجب أن يكون مدرسيًّا، وإنما يقرّر أن هناك تنوّعًا واختلافًا في صور هذا البيان، وأيضًا لا يقول الكتاب أن وجود هذا البيان يعني عدم اجتهاد الصحابة في الفهم لهذا البيان وإمكان أن يقع منهم الغلط في دركه وتصوّره.
ففي مستهلّ عرضه لما خلص إليه من تقرير عن ابن تيمية في البيان النبوي، قدّم الكتاب ببعض النقاط المهمّة حول الأمر، كان ثانيها قوله: «تفسير السلف يدور -كما هو معلوم- على تبيين المعنى وتحرير المراد تحديدًا دون توسّع فيما وراء ذلك من استخراج الأحكام والهدايات واللطائف... إلى آخر ما نجده في كثير من مصنفات التفسير، ومن ثم فإنّ اعتبار قالاتهم نقلًا للبيان النبوي، يجعلُ عملية تبيين المعنى وتحرير المراد الخاصّ من سائر آي النصّ القرآني مشغلًا نبويًّا رئيسًا، وبقطع النظر عن مفهوم البيان النبوي عند ابن تيمية والذي يشمل بيان المعنى وما فوقه كما سنبيّن، وكذا كيفيات حصول هذا التبيين للمراد وصوره من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ أكان بنصّ مباشر من النبي -صلى الله عليه وسلم- على المعنى أو بإقرارٍ منه لفهمٍ واجتهاد معيّن أم غير ذلك، إلا أنّ هذا التبيين للمعاني وقع بتمامه لسائر القرآن من قِبَل النبي صلى الله عليه وسلم، وإطاره الممثّل بالنسبة لنا هو ما أورده السَّلَف من معانٍ مبيِّنة للقرآن؛ ومن ثم يجب التقيّد بهذا الإطار في عملية الفهم والرجوع إليه فيها»[13].
وفي نهايات الحديث قام الكتاب بذِكْر بعض التنبيهات حول البيان النبوي عند ابن تيمية، كان منها ما يتعلّق بمفهوم هذا البيان، وبعد أنْ بيَّن الكتاب أنّ هذا المفهوم يشمل عند ابن تيمية بيان المعنى وما وراء المعنى، قال: «إنه بغضّ النظر عن الصور التي يمكن أن يكون هذا التبيين النبويّ قد وقع من خلالها مما يندرج في هاتين الدائرتين السابقتين [المعنى وما وراء المعنى]؛كأن يكون تفسيرًا مباشرًا ونصًّا على المراد، أو تطبيقًا بشكلٍ معيّن للآية فهمه الصحابة وصاغوه باجتهادهم، وكذا طبيعة الدوائر التي تكوّن هذا البيان من تفسيرات مباشرة وبيان نصّي للمدلول أو غير مباشرة تكُونُ أوسعَ من مجرّد النصّ على المعنى (دلالة منصوبة تدلّ على المعنى وتُعِين على بيانه) =فإنّ هذا التبيين النبوي للمعنى قد وقع [بالنسبة لابن تيمية] بصورة كاملة؛ كونه كان متعينًا عليه [النبي صلوات الله وسلامه عليه]، وأنّ الصحابة قد تلقّوه عنه كاملًا ونقلوه لمن تلاهم؛ سواءٌ في صورة مرويات السنّة أو في صورة مروياتهم التفسيرية؛ ولذا تتعيّن مقولات السَّلَف في الفهم -وكذا السنّة-، وأنّ بناء الفهم يتم من خلالها فقط عبر النظر في السُّنّة واللغة والاستعمال القرآني والإجماع... إلخ»[14].
الكتاب يقول ببساطة: ابن تيمية يرى وجود بيان نبوي كامل للمعاني، وأنّ هذا البيان كان واجبًا متعينًا على النبي، وأنّ هذا البيان النبوي للمعاني مهمَا اتسع مفهومه فشمل النصّ على المعنى أو ما فوق المعنى، ومهمَا تنوّعت صور هذا البيان فكان نصًّا أو دلالةً منصوبة أو إقرارَ فهمٍ... إلخ، فإنّ هذا غير مانع من وقوع البيان؛ لأنّ القيام به كان واجبًا متعينًا على النبي -صلى الله عليه وسلم- أصالة، وتفسير السلف بين أيدينا هو نقلٌ ووعاء جامع لهذا البيان؛ ولهذا يجب التزام الرجوع لهذا الوعاء كطريق لازم للفهم، وأمّا الفهم نفسه وبناؤه فيتم من خلال هذا التفسير بالأدوات المعتبرة والترجيح من خلال القواعد المتبوعة، فهل هذا يعني فكرة المطابقة التي يذكرها أ/ عمرو؟!
إنّ بناءنا الفهم بالأدوات المعتبرة من خلال مقولات السَّلَف يعني أن أقوالهم كمجموع هي الوعاء النقلي للبيان كما الحاصل في نقل المراد الشرعي، لا أنها هي البيان النبوي بالمطابقة، وإلا لكان لزومها كأفراد كما هي هو المتعيّن دون حاجة لمثل هذه الأدوات التي تُعِين على تحرير الصواب من الخطأ في المعاني التي ذكروها، وهو ظاهر.
ومما يبرز ذلك أيضًا أنّ الكتاب يذكر كثيرًا أنّ تفسير السلف ترجع حجيته عند ابن تيمية باعتباره صدى بمجموعه للبيان النبوي وأنه وعاءٌ وإطارٌ حاوٍ له، وغير ذلك من العبارات التي تفيد بصورة بيّنة أنّ الأمر مقابلة مجموع بمجموع لا غير، وإلّا لَما ساغ استعمال أمثال هذه العبارات في وصف تفسير السلف.
والغريب أنّ أ/ عمرو نفسه أبدى إعجابه بهذه العبارات، حيث قال: «...وجود بيان نبوي لمعاني القرآن لا يستلزم أنه بيانٌ مستوٍ في الجلاء والخفاء، ولا يستلزم أنّ جميع الصادر عن الصحابة هو نقل محضٌ لذلك البيان؛ فليس كلهم حضره، ولا كلهم فهمه، أو فهمه على الوجه نفسِه. نعم يمكن أن يُقال إنّ جملة الوارد عنهم تعبيرٌ عن ذلك البيان، أو يُقال: جملة التفسير المأثور منقول عن النبيّ بمعنى كلّي، لا كأفراد المرويات، ولا كألفاظ، بل لقد قدَّم الباحث عباراتٍ جيدةً أعجبتني في ذلك، مثل كون تفسير الصحابة: صدى التبيان النبوي، و(وعاء البيان النبوي)...»[15].
إنّ إعجاب أ/ عمرو بمثل هذه العبارات كان داعية له -من المفترض- لمراجعة فكرة المطابقة هذه التي صدر عنها في النقد وأن الكتاب لا يقول بها، وإلا فكيف يذكر الكتاب أمثال هذه العبارات مِن مبدئه إلى نهايته في التعبير عن قصد ابن تيمية في النظر لتفسير السَّلَف، وهو يقول بفكرة المطابقة!
وفي الحقيقة لا ينقطع استغرابي وعجبي في كيفية انتهاء نقد أ/ عمرو إلى ما انتهى إليه من فهمٍ عن الكتاب وفكرة المطابقة هذه، فالكتاب على عكسه بصورة واضحة جدًّا، لذا لو عُني أ/ عمرو بتوصيف فكرة المطابقة وإيراد وجه قول الكتاب بها قبل الشروع في النقد لبان له غلط فهمه وعدم قول الكتاب بهذه الفكرة، وفيما ذكرته من نصوص الكتاب كفاية لوضوح الأمر وعدم حاجته لطول نفَس في إثباته.
وأمّا ما ذكره أ/ عمرو من تحليلات صَوَّر في ضوئها أن الكتاب يقول بفكرة المطابقة، فهذا مشكل وغير صحيح، وبيانه كالآتي:
- إنّ أ/ عمرو -وفي سياق نقده لهذا الفهم الذي تصوّره- بيَّن أنّ وجود البيان النبوي لا يعارض اجتهاد الصحابة لانفكاك الجهة، وعلّق بقوله: «وهو أمرٌ واضحٌ جدًّا ذهل عنه الباحث، ورمَى ابنَ تيمية بسببه بالتناقض أيضًا في آخر البحث؛ لأنه [الباحث] وقف بما لا يدع مجالًا للشك أن ابن تيمية ينصّ أن الصحابة يجتهدون في معاني القرآن»[16]، وراح يذكر أن ابن تيمية يؤكّد على وجود اجتهادٍ للصحابة وكيف أن هذا لا يعارض وجود البيان حال فهمناه بعيدًا عن فكرة المطابقة.
وخلافًا لما ذكر أ/ عمرو فإنّ الكتاب يقرّر بوضوح أنّ ابن تيمية يقول باجتهاد الصحابة، وهو منتبه تمامًا لأنّ هذا الاجتهاد لا يتعارض مع وجود البيان النبوي للمعاني، وقد فسّر الكتاب كلام ابن تيمية في وقوع هذا الاجتهاد من الصحابة في المعاني وبيَّن أنه لا يشغّب على ما يذكره ابن تيمية من وجود البيان النبوي.
فبعد أن أورد الكتاب نصوصَ ابن تيمية في اجتهاد الصحابة، قال: «والمدقّق في كلام ابن تيمية هذا [في وقوع الاجتهاد من الصحابة] لا يجده معارضًا لما قرّره في شأن البيان النبوي، بل هو دائر في فلَكه؛ فابن تيمية ينطلق بوضوح من وجود بيان وتفسير نبوي لمعاني القرآن نقله الصحابة لمن تلاهم كما بينَّا، ولكنه زيادة في التقرير على خصومه ومنازعيه في لزوم حجية المعاني التي أوردها السلف فإنه يبيّن أن اتّباع قالة السلف -حتى مع وجود الاختلاف فيها- مما ليس منصوصًا عليه في السُّنَّة، فإنه لازمٌ اتّباعه حتمًا كالمنصوص عليه في السُّنّة؛ وذلك لوجود بيان نبوي للمعاني، فكما أنّ الثابت من السُّنّة نلتزمه بإطلاق وإن لم يوجد في القرآن؛ كون القرآن هو مَن أسندَ التبيين للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأوجب اتّباعه، وكذلك نلتزم ما اتفق عليه السَّلَف في أمور الشرع وما نقلوه منها وإن اختلفوا فيه لأنهم نقلة في الأصل للبيان الشرعي الذي قام به النبي =فإن المعاني التي أوردها السَّلَف نلتزمها حتى وإن كانت غير منصوص عليها صراحة في السنّة؛ لأنّ هذه المعاني هي في أصلها صدى للبيان النبوي للمعاني والذي أوكله القرآنُ للنبي، وكذلك يبين أنّ الاجتهاد الحاصل صراحة من السلف في الفهم -خاصة طبقة الصحابة- لازم اتّباعه كذلك؛ إِذْ هو اجتهاد في ضوء وجود تفسير وتبيين نبوي سابق، ما يجعله اجتهادًا في فهم وصياغة شرح المراد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يقدّمه على غيره -ممن قد يَحتج بأنه تلقّى السنن التي نقلوها مثلًا وأنّ اجتهاده معادل لهم- من وجهة نظر ابن تيمية جملة أمور؛ أهمها: سماع الصحابة المباشر للمراد من النبي صلى الله عليه وسلم، ومعايشتهم له، ومعرفتهم كذلك بالسنن، وكذا سماع التابعين، علمهم بلغة النبي صلى الله عليه وسلم، ولغة القرآن، وفهمهم المباشر لها بدون الحاجة إلى لغة أخرى...»[17].
إنّ الكتاب لو انطلق من فكرة المطابقة هذه لكان قول ابن تيمية باجتهاد الصحابة مشكلًا في فهمه، ولَحَكَم عليه بالتعارض، ولكن الكتاب لا يفعل ذلك بل يَعتبر كلامه في الاجتهاد متّسقًا مع نظريته في البيان ومصدقًا عليها خلافًا لما قد يتصور، وهو ظاهر.
وأمّا ما ذكره أ/ عمرو من رمي الكتاب لابن تيمية بالتناقض في هذا الباب فهو أمر غير صحيح، وليس له وجود في الكتاب أصلًا، ولم يناقش الكتاب في الآثار شيئًا من هذا، وهي نقطة سأعود إليها لاحقًا في بيان خلل قراءة نقد أ/ عمرو للكتاب ووقوعها في أوهام مستغربة.
- ذكرَ أ/ عمرو أنّ الكتاب جعل رجوع السلف للإسرائيليات من آثار التناقض التيمي؛ لأنّ ذلك يناقض القول بالتوقيف وفكرة المطابقة التي تصوّرها، وعليه راح يؤكّد على غلط فكرة المطابقة، ويؤكّد أن هذا الرجوع هو امتثال لإباحة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتحديث عن بني إسرائيل، وأنه من الأدوات التفسيرية التي أذِن فيها النبيُّ لأصحابه، ثم قال: «وإذا نظرنا لهذا وجدناه أقوى في تأييد النظرية التيمية لا العكس، فيكون استعمال الإسرائيليات فيما لا يخالف الوارد في شرعنا نوعًا من البيان النبوي للقرآن وإرشاد الصحابة إليه، ولولا إِذْن النبي في ذلك ما استعملوه، ويدلّ أيضًا أنّ البيان النبوي للقرآن أعمّ من مجرّد الإيقاف الفردي على معاني ألفاظ القرآن جمعاء، ومن ثَمَّ فلا يتحرّج ابن تيمية من ردّ بعض الإسرائيليات التي نقلها السلف في التفسير [كحلِّ السراويل]؛ لأنها لا تخالف نظريته في البيان النبوي أصلًا، ولأنها وإن كان مأذونًا فيها عمومًا فإنّ آحاد استعمالها ومدى موافقتها للوحي المحمدي من عدمه قد يتطرّق إليه اجتهادُ الصحابة، وقد تقدّم معنا أنّ الشيخ لا يمنع من اجتهاد الصحابة في التأويل، ولا يجده معارضًا لوجود بيان نبوي لمعاني القرآن»[18].
وما يذكره أ/ عمرو فيه لبسٌ غريب في فهم نقاش الكتاب للمسألة وبعدٌ عنه، فالكتاب ناقش ابن تيمية في موضوع لجوء السلف للإسرائيليات في أن نظرة ابن تيمية للبيان النبوي جعلته يعتبر السلف نقلة عن الإسرائيليات لا مستدلّين بها باجتهادهم الحر في تقرير المعاني، وهي نظرة مشكلة أفاض الكتاب في بيان غلطها، وكذلك بيَّن الكتاب أن هذه النظرة أوقعَت ابن تيمية في معارضة لمنطلقه من وجود بيان نبوي شامل للمعاني؛ فحال قلنا بوجود بيان نبوي شامل للمعاني نقله السلف كما يذكر ابن تيمية، فإنّ إجماع السلف في مواطن تفسيرية -اعتمادًا على مرويات الإسرائيليات- على ذكر أمور يراها ابن تيمية مخالفة لما في شرعنا، وعدم ورود معاني عنهم في هذه المواضع إلا هذا القول المخالف =هو أمر يطعن على فكرة البيان النبوي وأنه كان حاصلًا للمعاني كلها كما الحال في بيان المراد الشرعي؛ لأننا في مثل هذه المواطن نكون بين احتمالات:
- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيّن هذه المواضع التي نقلوا عن المرويات فيها، ولكنهم عدلوا عن البيان النبوي لغيره.
- أنها مواضع في القرآن لم تُبَيَّنْ فاضطروا للبحث عن تبيينها بأنفسهم واجتهادهم.
- أنها نقلوا عن المرويات تعضيدًا لفهمٍ مستحضَر لديهم بيَّنَه النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم.
- أنهم نقلوا لمجرّدِ النَّقلِ ولأغراضٍ ليست تفسيرية.
وبعد أن بيَّن الكتاب بطلان الاحتمال الأول والثاني، وأنه لا يبقى معنا إلّا الاحتمالان الثالث والرابع، قال: «ولا شك أنّ المتأمل في هذين التخريجين [الثالث والرابع] يستشكل اطّرادَهما في واقع تفسير السلف؛ ففي حالة ردّ المقولات التي تتابعوا عليها، ومثّل تتابعهم إجماعًا تفسيريًّا ظاهرًا كما وقع في تفسيرهم لِهَمّ يوسفَ وَرَدِّ ابنِ تيمية له، كيف يمكن القولُ بأنَّ فِعلَهم كان للتعضيدِ والتأنيس لما هو مقرَّرٌ عندنا؟! وكذلك في مواطِنَ كثيرةٍ يتّصِلُ النقلُ بتفسير آياتٍ ومقاطعَ قرآنية كاملة؛ مما يجعل القولَ بأنها كانت في مبهماتٍ ومجملاتٍ -مما قد يقال بأن تعيينها مما لا كبير فائدة من ورائه، وأن تبيينها بلا فائدة أصلًا- يكون مشكلًا في تعميمه، وهو ما يوجب القول بداهةً بأنّ ثمة مواضعَ كثيرةً لم يُبَيِّنْها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا بدَّ، وهو خلاف التقرير التيميِّ مِن وقوع البيان كاملًا...»[19]، وأورد الكتاب أمورًا أخرى لزوم التشنيع على السّلف والتشكيك في أقوالهم؛ لنقلهم في مفاصل عقدية عن مرويات أجنبية، وغير ذلك.
فالكتاب يتكلّم عن نظر ابن تيمية لاعتبار السلف نقلة عن الإسرائيليات لا مستدلِّين بها على تقرير المعاني، وأن إجماعاتهم التفسيرية بناءً على هذه المرويات فيما يراه ابن تيمية مخالفًا لشرعنا =يطعن على قول ابن تيمية بوجود بيان نبوي شامل للمعاني، ويثير إشكالات عديدة على السلف، فأين هذا مما يذكره أ/ عمرو ويثيره؟!
إنّ نقد أ/ عمرو -كما ذكرنا قبل- لا يوصّف مقولات الكتاب قبل نقدها ولا يبرزها قبل الاشتباك معها، وهذا يعدّ خللًا منهجيًّا بيِّنًا في العمل النقدي كما ذكرنا قبل، ولو أنه لم يقع فيه لربما ظهر له خلل الأفكار والتصوّرات التي انطلق منها في النظر للكتاب ابتداءً.
ويجدر الإنباه لأمرين:
الأول: ذكر أ/ عمرو في ثنايا كلامه عبارةً أبان فيها أن الكتاب يقول بأنّ ابن تيمية يرى أن النبي بيَّن أساليبَ القرآن، حيث قال: «وهذا يوضِّح لنا أنه من المستحيل نظريًّا أن يكون كلام ابن تيمية عن البيان النبوي لمعاني القرآن و(نقل الصحابة) له، هو بمثابة الدرس التفسيري التفصيلي، لكلّ آية آية ولفظة لفظة، أو كما يعبر الباحث أنه بيانٌ لمعاني جميع مفردات القرآن وتراكيبه وأساليبه!»، والكتاب يقول بأنّ البيان النبوي للمعاني هو بيان للمراد التركيبي من الآي، وأمّا الأساليب فلا أعلم من أين استقاه أ/ عمرو من الكتاب؟!
الثاني: أورد الكتاب نصوصًا لابن تيمية في توضيح كلامه في البيان النبوي للمعاني، وقد ذكر نقد أ/ عمرو نصًّا رآه (أكثرَ عمومًا وأقوى إيضاحًا، وأوسعَ دعوى لابن تيمية)، وهو قول ابن تيمية: «فصلٌ: في أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بَيَّن جميعَ الدين أصولَه وفروعَه؛ باطِنَه وظاهِرَه، عِلْمَه وعَمَلَه، فإنّ هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان...»، وفي الحقيقة كنتُ قد وقفتُ على هذا النصّ لكني لم أثبته وإنما ركّزت على ما له صلة من النصوص بالمعاني -وسيأتي ذِكر بعضها- فهذا أصرح -من وجهة نظري- في الجدل حينما نكون في حجاج يتعلّق بعلّة حجية تفسير السلف، بخلاف الكلام على بيان الدين نفسه.
وحاصل الأمر أنّ الفهم الذي قدّمه أ/ عمرو ابتداءً لقالة الكتاب في البيان النبوي عند ابن تيمية فهم غير صحيح، وعليه فهذا النقد والتفكيك الذي قام به أ/ عمرو لفكرة الكتاب وما راح يورده عليها في ضوء ذلك =غير صحيح كليةً، لأنه قام على تصور مغلوط ومناقض لما يقول به الكتاب.
ثالثًا: أخطاء عِلمية في نقد أ/ عمرو:
في هذه النقطة سأعالج القول في بعض إشكالات وأخطاء علمية مما لاحظتُه في نقد أ/ عمرو، تتميمًا للنقاش، وما سأذكره من أخطاء يتّصل ببعض ما حاول طرحه هو من تحليلات إزاء بعض القضايا العِلمية مما عالجه الكتاب، وكذلك بعض إيراداته العامة على الكتاب، وغير ذلك مما في التنبيه عليه مزيد إثراء للنقاش بشكلٍ عامّ حول الموضوع، وهناك ما تركتُ التعليق عليه في نقد أ/ عمرو، لا لأني أوافق عليه، ولكن حتى لا يتّسع النقاش ويطول في مناقشة أمور كثيرة لا حاجة للتوسّع فيها في ضوء ما قدّمنا من غلط منهجية النقد وعدم الإلمام بفكرة الكتاب في المراد بالبيان النبوي عند ابن تيمية. هذان الأمران الكافيان وحدهما في ردّ نقد أ/ عمرو وبيان الموقف منه؛ وبيان هذه الأخطاء على النحو الآتي:
أولًا: التشوّش في النظر لفكرة البيان النبوي عند ابن تيمية:
كما ذكرنا قبل فقد انتهى كتاب (حجية تفسير السّلف عند ابن تيمية) إلى اعتماد ابن تيمية في تأسيس حُجّية تفسير السلف على منطلق مركزي يتمثّل في وجود بيان نبوي لمعاني القرآن وأن تفسير السلف وعاءٌ نقلي لهذا البيان، ومن نصوصه الموضحة لذلك:
يقول ابن تيمية -في جواب الاعتراضات- في سياق بيانه للطريق الصحيح لفهم معاني القرآن: «النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن لأصحابه القرآنَ لفظَه ومعناه جميعًا، فإنّ البيان لا يحصل بدون هذا...»، «...وإذا كان الصحابة سمعوا لفظه وفهموا معناه كان الرجوع إليهم في ذلك واجبًا متعيّنًا، ولم يُحتَجْ مع ذلك إلى غيرهم»، ويقول في بغية المرتاد: «وأمّا التفسير الثابت عن الصحابة والتابعين فذلك إنما قبلوه لأنهم قد علموا أنّ الصحابة بلّغوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ القرآن ومعانيه جميعًا كما ثبت ذلك عنهم، مع أنّ هذا مما يعلم بالضرورة عن عادتهم...»، ويقول ابن تيمية أيضًا: «العادة المطّردة التي جبل اللهُ عليها بني آدم توجب اعتناءهم [الصحابة] بالقرآن المنزَّل عليهم لفظًا ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد؛ ...بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه؛ فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصِّل المقصود؛ إذ اللفظ إنما يُراد للمعنى»، «...فإنّه يجب عليه [النبي] بيان لفظه ومعناه، وإذا كان كذلك وقد حصل عندهم معرفة معناه من جهة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فحكم التابعين مع الصحابة كذلك؛ فإنّ الهمم والدواعي من علماء التابعين متوفرة على مسألة الصحابة...».
في سياق نقده لتقرير الكتاب وفهمه للبيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية، حاول أ/ عمرو تفسير البيان عند ابن تيمية بتفسيرٍ مختلف.
وقدّم أ/ عمرو أولًا في تفسيره للبيان النبوي عند ابن تيمية بأنه البيان الكلّي العمومي للمعاني (بيان الأمر والندب والإرشاد... إلخ) مع طائفة مما استشكله الصحابة من المعاني (المعنى المراد/ مدلول الآي المباشر) فسألوا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ابتدرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه ببيانه لهم.
يقول أ/ عمرو: «ومن ثَمَّ يظهر أن المراد بالبيان النبوي لمعاني القرآن: البيان العام الجملي لمعانيه الكلية، وطائفة من مشكله، سواءٌ ما كانوا يستشكلونه أو ما كان يبتدرهم هو بتفسيره، وشواهد هذا معروفة = وذلك فضلًا عن عموم هديه في القول والفعل والتقرير والدلالة، مما هو جميعًا بيانُه للدين أصولِه وفروعِه، ومن أجَلِّه: معاني القرآن كلّها، على وِزان قول عائشة -رضي الله عنها-: (كان خُلقه القرآن)»[20].
وعاد أ/ عمرو في نهاية النقد ورأى أنه من المستحيل ألّا يكون هناك اشتغال نبوي بالمعنى، خاصةً والنبيُّ كان حريصًا على تعليم الصحابة كلَّ شيء فكيف بمعاني القرآن، ورأى أن هذا هو الصواب، خاصةً إذا فهمنا البيان على وجهه الذي قدّمه في البداية.
يقول أ/ عمرو: «وقد كانت أدلّة الشيخ على وجود بيان نبوي لعموم القرآن في الواقع قوية، إذا فهمنا البيان بكونه البيان العمومي وَفق ما شرحناه، ...وأقوى الأدلة في رأيي على ذلك (السيرة العقلائية) كما يسميها أصوليو الإمامية، ...فاستدلال الشيخ الأساس كان بالتصور الواضح لعصر النبوّة حيث القرآن هو موضوع الرسالة ومصحّحها، وهو بصورة أو بأخرى حياة المسلمين، فلم يكن من المتصوّر ألّا تكون معانيه شُغلَهم الشاغل، ومهمةَ الرسول الأساسية، وإلّا ما كان قد بلّغ (البلاغ المبين)، وهذا لا ينفي أنّ كثيرًا من معاني القرآن كانت واضحة جلية في اللسان العربي، وكان يشترك في فهمها الصحابة مع النبيّ، مع وجود بعضٍ آخر يحتاج توضيحًا؛ استشكالًا أو ابتدارًا، وسواءٌ وقع البيان بالقول القصدي، أو غيره من أوجه السُّنّة والمشاهدات. وقد قال الصحابة إنّ النبي لم يترك طائرًا إلا ونبّأهم بعلمٍ منه، فيستحيل أن يكون النبي -والحال هكذا- لم يكن يبين معاني القرآن، وكذا أثر عمر في الربا والكلالة الذي أشار السيوطي إلى أن معناه يستلزم عموم تفسير النبيّ للقرآن»[21].
ويلاحظ وجود عدم دقة في تفسير أ/ عمرو للبيان النبوي عند ابن تيمية وأنّ ما قدّمه منه أولًا يختلف بقدرٍ ما -كما هو بيِّن- عمّا قدّمه ثانيًا وليس مطابقًا له، وإلّا فالأول (البيان العمومي) أصله بيان الأمر والندب والإرشاد... إلخ، مع طائفة من المعاني التي استشكلها الصحابة أو ابتدرهم النبي ببيانها (التفسير النبوي المباشر)، والثاني عمادُه بيان المعاني وتقرير المدلول (التفسير النبوي المباشر)، مع طائفة من صور التبيين الأخرى.
إنّ البيان النبوي للمعاني الذي يلحّ عليه ابن تيمية هو طرح -كما بين الكتاب- قد يُستغرب ويأتي على خلاف السائد من أنّ التفسير النبوي كان قليلًا، وهناك من يفسّر هذا البيان -تنزيهًا لابن تيمية عن القول بفكرة مستغرَبة كهذه- ليجعله خاصًّا بالبيان الكُلّي للأمر والندب والإرشاد...إلخ مما لا يرتبط بتبيين المعاني كما هي في تفسير السلف (تقرير المدلول المباشر للآي)، وهذا غلط حتمًا ويفرغ الطرح التيمي من مضمونه ويجعل ابن تيمية لا يحسن الاستدلال لِما يستدلّ له، فهذا النوع من البيان لا ينهض دليلًا على إثبات حجية تفسير السلف التي يريد ابن تيمية تقريرها من خلال اعتماده على وجود بيان نبوي للمعاني نقله السلف، وهو أمر فصّلنا فيه القول في كتابنا[22].
وأمّا ما يذكره أ/ عمرو من أن البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية كان لوجوه الأمر والندب... إلخ مع إيرادٍ لبعض المعاني المباشرة، فإنه كذلك يغالط الطرح التيمي ويوقعه في ذات الحرج؛ لأنه يفسّر البيان بما يجعله ينفي حضور التبيين للمعاني الحاضرة في تفسير السلف (تقرير المدلول المباشر للآي)، وذلك عبر ربط جُلّ هذا البيان بأمور هي مما فوق تقرير المدلول ولا تتصل به بشكل مباشر ولا يمكن اعتبارها تقريرًا وتعيينًا له.
وفضلًا عن ذلك فإنّ المفارقة بالغة الأهمية والغرابة في نقد أ/ عمرو في سياق تحليله للبيان النبوي عند ابن تيمية =تتمثّل في رده -كما نقلنا عنه قبل- تفسير السّلف واعتباره نقلًا للبيان النبوي مع القول في ذات الوقت بأن البيان النبوي للمعاني كان في أصله لبيان المعاني الكلية!
ووجه التعارض والمفارقة يتمثّل في أن مفهوم المعنى يطلق على تقرير المدلول وكذلك على الزيادات فوق ذلك من مثل ذِكْر الأحكام والهدايات... إلخ، وتفسير السّلف يدور كما هو معلوم على الأول (تقرير المدلول المباشر) لا الثاني، وعليه فاعتبار هذا التفسير بمثابة نقل للبيان النبوي للمعاني فهذا يعني ولا بد اشتغال النبي -صلى الله عليه وسلم-في التبيين للمعاني بتقرير المدلول وبيان المراد المباشر لجميع الآي، وهذا لا يترتب أبدًا ولا يجتمع مع تفسير البيان النبوي للمعاني بأنه كان كليًّا ولا يتّصل في أصله بتقرير المدلول وبيان المراد، وإلا فكيف يكون تفسير السلف نقلًا لما لم يشتغل النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيانه إلا بصورة قليلة وفي عدد محدود جدًّا من الآي (التفسير النبوي المباشر)، وهو ظاهر.
وللعلم فقد كنت ممن يقعون في هذه المفارقة ويوجهون البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية بالبيان الكلي[23]كما فعل أ/ عمرو، ولكني عدتُ واستدركتُ على نفسي وظهر لي غلط ما كنت أقرّره وأن ابن تيمية يرى أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسّر القرآن كاملًا وكشف عن مراد جميع الآي؛ فاتصال البيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية بتقرير حجية تفسير السلف ظاهر في بيان ذلك، لكون تفسير السلف والمعاني التي ذكروها هي تقرير للمدلول وبيان للمراد المباشر للآي.
وفضلًا عمّا أثبته الكتاب من وجود تأصيلات تيمية كثيرة تبيّن رؤية ابن تيمية أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فسّر القرآن كاملًا وكشف عن مراد جميع الآي، إلا أن النظر للبيان النبوي للمعاني -كما الحاصل في نقد أ/ عمرو وفي كثير من الدراسات- بعيدًا عن تفسير السلف وطبيعة مفهوم المعنى في هذا التفسير =هو من أكثر مسببات الإشكال ابتداء في النظر لهذا البيان ومجلبة وقوع الغلط فيه، وتفسيره بما يبعده عن انشغال النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقرير المدلول المباشر للآي وأن ابن تيمية يرى أن تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قليلًا، خاصّة وأن مفهوم المعنى يقبل شمول تقرير المدلول وما وراءه، والتفسير النبوي المباشر يشتهر بأنه كان قليلًا في تقريرات العلماء المتتابعة.
وفارق بين حسن فهمنا لكلام العالم على شرطه بِغَضّ النظر عن رؤيتنا لوجاهة قوله، وبين محاولة تسييق كلام العالم بما يجعله ضمن الرؤية السائدة المقبولة بالنسبة لدينا مع واقع التفسير النبوي وأنه كان قليلًا، فهذا الأخير هو محض إسقاط لتصوّراتنا على العالم لا غير، وقد قرّرنا في الكتاب أن ابن تيمية بتأسيسه حجيّة تفسير السلف على وجود بيان نبوي للمعاني فإنه فارق بذلك السردية الشهيرة لقلّة التفسير النبوي وانطلق من خلافها وفقًا لدلائل رآها شديدة الوضوح في بيان مفارقته لهذه السردية كما أوضح الكتاب، وعليه فمحاولة ردّه لهذه السردية عبر تفسير البيان عنده بالبيان الكلي مع طائفة محدودة من المعاني (تقرير المدلول) هو ممارسة لتأويل متعسّف جدًّا لا يعطيه كلام ابن تيمية ويخالف تأصيلاته المتنوعة كما بيناه مفصلًا في الكتاب من خلال دلائل عديدة، كما أن هذا التأويل يوقع الطرح التيمي في حرج بالغ، ويصبح معه ابن تيمية لا يحسن الاستدلال للمسألة التي يريد الاستدلال لها ويأتي بدليل لا صلة له بها كما ذكرنا رغم مركزية هذه المسألة عنده، وغير ذلك من الإشكالات التي ذكرها الكتاب حال قلنا بمثل هذا التأويل.
والغرض أنّ تفسير أ/ عمرو للبيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية تفسير مشوّش وغير متماسك منهجيًّا، وأنه بغضّ النظر عن عدم نقاش أ/ عمرو لدلائل الكتاب كما أسلفنا في تحرير فكرة البيان النبوي عند ابن تيمية، فإنه كان يلزمه على الأقل لكي يوفّر لطرحه قدرًا منطقيًّا من التماسك المنهجي =أن يبيّن لنا كيفية اعتباره تفسير السَّلَف نقلًا للبيان النبوي للمعاني وتوجيه هذا البيان النبوي واعتباره في ذات الوقت بيانًا كليًّا في أصله لوجوب الندب والإرشاد... إلخ مما لا يتصل بتقرير المدلول كما هو الحاصل في تفسير السلف.
إنّ ذهول نقد أ/ عمرو عن مثل هذه المفارقة التي وقع فيها تحليله للبيان النبوي للمعاني عند ابن تيمية يكشف ذهولًا عن الوعي بطبيعة المعنى في تفسير السلف، وعن جدل المعنى بعامّة في مدونة التفسير، فضلًا عن ذهوله عن طرح الكتاب الذي أفاض في بيان هذه النقطة ووضحها.
ثانيًا: غلط أ/ عمرو في أنّ الطرح التيمي في البيان النبوي لا يؤول لسدّ باب التفسير:
اعتبر كتاب (حجية تفسير السلف عند ابن تيمية) أنّ مِن آثار القول التيمي بالبيان النبوي للمعاني هو عدم قدرة التأصيل التيمي على إنتاج علم تقنيني ضابط لمزاولة التفسير -كما وقع مع رسالة الشافعي- رغم تشابه الظروف والمشاغل، وبَيَّن أن ذلك بسبب أن الطرح التيمي في ضوء نظرته لوجود بيان نبوي للمعاني عطّل عملية توليد المعنى واعتبرها حاضرة بالأساس في تفسير السَّلَف، ما جعل تنظيره للتفسير في المقدمة لا يكتنز فعل التفسير كهاجس معرفي ويتكلّم عنه من هذا المنطلق الذي يعِين مع الوقت على ولادة علمٍ تقنيني يحرِّر موارد إنتاج المعنى وكيفيات استخراجه من هذه الموارد... إلخ، وإنما راح يتكلّم في البيان النبوي وأدلة وقوعه وتفسير السلف وكيفية التعامل معه وقسمة التفسير لنقل واستدلال... إلخ تلك القضايا[24].
ذكر نقد أ/ عمرو أنّ الطرح التيمي في البيان النبوي متى فُهم على وجهه من خلال ضبط النظر للمباني الأصولية لابن تيمية في مسألتي الإحداث والإجماع، فإنه لا يؤول لسدّ باب التفسير وتثويره والاجتهاد فيه... إلخ. وفي المسألة الأولى اتفَقَ مع الكتاب في أن ابن تيمية يمنع الإحداث الجديد، وإن استدرَكَ بأنّ ابن تيمية يميل لجواز تركيب قولٍ ثالث من أقوال السلف لا يعود على هذه الأقوال بالنفي ما يعطي مساحة لإثراء التفسير، وفي المسألة الثانية (الإجماع) بيَّن أنّ ابن تيمية يجوّز مخالفة الإجماع الظني ما يجعل تطبيق منعه للإحداث غير مؤثّر في مسير التفسير إلّا في حالات نادرة لقلّة الاختلاف القطعي في تفسير السلف، وكذلك رأى أنّ تفسير ابن تيمية وتفسير الطبري وغيرهم مشحون بالبحوث التفسيرية واللطائف، فكيف يُقال بتوقف وهمود الفعل التفسيري[25].
وقبل الولوج لمناقشة نقد أ/ عمرو فيلاحظ أن هذا النقد الذي ذكر ليس مركّزًا بالأصالة في النقطة التي أثارها الكتاب حول التأصيل التيمي في مقدّمته الشهيرة وكيف أنه لا يعِين -في ضوء المنطلق التيمي وحضور بيان نبوي للمعاني- على إنتاج علم نظري تقنيني لمزاولة التفسير كأصول الفقه، فنقاش هذا الطرح يستوجب مناقشة التأصيل التيمي في المقدّمة وعزوفه عن التنظير لإنتاج المعنى وتوليده وبيان أنّ ذلك ليس بسبب أن هذه نقطة منتهى منها بالنسبة له لارتباطها بالبيان النبوي، ومن ثم عدم قابليتها للتوليد الاجتهادي الحُرّ المتتابع، ولكن مثل هذا النقاش لا يفعله نقد أ/ عمرو كالعادة فيما يثيره، ولكنه يذكر أطرافًا من هنا وهناك دون تصوّر محكم لقضايا الكتاب.
وإذا جاوزنا ذلك الإشكال، فإنّ طرح الأستاذ/ عمرو انطوى على عدة أغلاط مستغربة، بيانها كالآتي:
أولًا: الاحتجاج بحضور ما فوق المعنى (تقرير المراد)[26] من استنباطات ولطائف في العمل التفسيري وأنّ الممارسة التفسيرية به تظلّ مستمرة، فهذا مشكل؛ إِذْ لا يختص بالمعنى الذي هو ثمرة الفعل التفسيري المشتغل بالتبيين للمراد وإنما بما فوق هذا المعنى.
ثانيًا: ما ذكره من المناقشات التي يعقدها الطبري وابن تيمية للمعاني، فهذا فيه غلط في تصور علّة نمو الممارسات المعرفية الإنتاجية كالممارسة الخاصّة ببيان المعنى، فهذه الممارسات لا تتمدّد إلا ببقاء حالة الإنتاج المعرفي الخام لثمرتها (تتابع توليد المعاني الجديدة)، فوجود هذا الإنتاج هو المسوغ لحضور جهود أخرى مهمّة في الممارسة كالموازنة والجمع والاختصار ونشاط هذه الجهود بصورة كبيرة في ساحة الممارسة، وليس العكس.
حينما يكون هناك منعٌ من مزاولة إنتاج المعنى وإلزامٌ ببناء الفهم من خلال معانٍ محدّدة حاضرة بالأساس (تفسير السَّلَف) والنقاش لهذه المعاني أو التوليد في دائرتها فحَسْب، فهذا يعني الإبقاء فقط في الممارسة البيانية على مسارات اشتغال حول المعاني المنتَجة كالموازنة والاختصار والجمع وعدم رفدها بما يقوِّي وتيرة الاشتغال فيها ويعِين على ديمومة تتابعه (إنتاج المعنى الجديد)، وهذا يؤثر على الممارسة نفسِها ويصيبها بالهمود حتمًا مع الزمن.
بعبارة أخرى؛ ابن عباس ليس كالطبري، فالأول منتِج للمعنى والثاني مُوازِن بين المعاني، ووجود الأول هو علّة وجود الثاني واستمرار بقاء الفعل الموازن وتتابعه وليس العكس، وعليه فتوقف الفعل الإنتاجي الأول يُفضِي لهمود الممارسة ككلّ، وهو ظاهر.
كما أنّ وجود ممارسة يتتابع فيها الإنتاج لثمرة الممارسة هو الذي يعِين على بناء علم يعتني بالتقنين النظري لمزاولة الممارسة، فمثل هذا العلم يقوم بشكلٍ مركزي على ضبط موارد الإنتاج لثمرة الممارسة والتأصيل لتحصيل الثمرة من خلال هذه الموارد إفرادًا وتركيبًا، وعليه فحين نكون أمام ممارسة غير قابلة لتمدّد فعل الإنتاج فهذا يعني عدم إمكان قيام مثل هذا العلم التقنيني، وإنما غايتنا الحديث عن نسق ترجيحي بين المعاني، وهكذا.
في ضوء العلم بهذا فإنّ القول بحجية تفسير السلف وعدم جواز الخروج عليه =يعني لزومًا انسدادَ أُفُقِ الفعل التفسيري المتصل بتقرير المعنى وعدمَ إمكان بناء علم تقنيني له.
ثالثًا: القول بأنّ ابن تيمية يجوِّز تركيب معنى من أقوال السلف غير نافٍ لها فهذا لا يحلّ الإشكال كما يتصور أ/ عمرو؛ فإحداث معنى من خلال المعاني الحاضرة لا يكرّ بالإبطال على هذه المعاني =هو أمر يظلّ -كما هو بيِّن- ضمن دائرة عدم الخروج على المعاني الحاضرة وعدم النزع للتوليد الحر للمعنى.
إنّ التقييد والمنع من الإحداث الجديد لو تنزّل على دائرة محدّدة فحَسْب -كما في الفقه مثلًا- لساغ الأمر كما ذكر الكتاب، لكن إحاطته بالتفسير كلّه هكذا يؤدي حتمًا لموت الفعل التفسيري المتعلِّق بالإنتاج للمعنى، وعليه فلا يفيد هذا النظر الذي ذكره أ/ عمرو في حلحلة وضعية همود توليد المعنى، بل يظلّ معه فعلُ التوليد مأزومًا جدًّا ومكبَّلًا غاية التكبيل.
ومما يلاحظ في ذات السياق أنّ الكتاب عَنى بمنع ابن تيمية من الإحداث المنعَ من توليد المعاني الجديدة كليةً، وهو ما تدلّ عليه سياقات الكتاب ومناقشاته بشكلٍ واضح، ولكن نقد أ/ عمرو لم يتأمّل ذلك، وعليه فلا وجه لما يستدرك به على الكتاب من القول بأنّ ابن تيمية يجوّز تركيب معنى من أقوال السلف غير نافٍ لها، فحال قلنا بذلك فإنه لا يخرج عن أقاويل السلف الذي هو أساس الجدل في الكلام على المنع من الإحداث بعد السلف والتفسير من خلال أقوالهم فقط والمعاني التي ذكروها.
وأمّا استدلال أ/ عمرو بموقف ابن تيمية من تجويز الإجماع المظنون وأن معظم تفسير السَّلَف مما يمكن مخالفته باعتباره ضمن هذا الإجماع، وعليه فلا سدّ لباب العمل التفسيري، فهذا رغم حفاوة أ/ عمرو به بصورة كبيرة ورؤيته له كنقطة حاسمة للأمر غفل عنها الكتاب، فإن ما ذكره في هذه النقطة من تحليل يعدُّ من الأمور بالغة الغرابة جدًّا في نقده، فهذا فهمٌ يردُّه الإلمام العام بالطرح التيمي التفسيري فضلًا عن التعمّق فيه.
فمن المقرّر أن ابن تيمية يُلزِم بقالة السلف كطريقٍ لفهم المعاني، وعليه فمثل هذا التحليل الذي يقدّمه أ/ عمرو يجعل ابن تيمية في إلزامه هذا يكون منظِّرًا للفراغ على الحقيقة، وأنه يصدر حلولًا لا تقبل التصدير ولا يحصل بها الغرض الذي يريد، فهذا الطريق الذي يُلزِم به لضبط دائرة الفهم والنزاع التأويلي في مقابل طرق أخرى يرى فسادها =هو طريق لا يتحقّق منه غرض هذا الضبط أصلًا، لأنه تطبيقيًّا لا يقبل التطبيق ويمكن الانفلات منه بيُسر والسَّيْر في دروب أخرى في الفهم، وعليه تبقى دائرة الفهم غير مؤطّرة بسياج ضابط، ولا ما يقارب ذلك.
وإضافةً لذلك فإنّ طرح أ/ عمرو فيه خلل كبير في النظر للواقع التيمي النظري والعملي، وإلّا فابن تيمية يُلزِم بقالة السّلف بإطلاق كما هو معلوم عنه وقَبلَه الطبري، ويؤصّل بصورة واضحة ومتكررة لمنع الخروج عن أقاويلهم دون استثناء كما يقرّر أ/ عمرو، فكيف يفعل ذلك حال كان التفسير ممارسة اجتهادية حرة بالأصالة وكان ابن تيمية يرى ارتباط هذا الإلزام فقط بما فيه إجماعات قطعية لا ظنية. ألم يكن الأَولى بابن تيمية بيان ذلك في تنظيره للمسألة خاصةً مع تكراره لهذا التنظير.
كما أن ابن تيمية ينافح عن لزوم المعاني التي ذكرَ السلفُ كطريق لازم، وكذلك يقوم -كما الطبري- بالردّ على معانٍ أنتجها لغويون وغيرُهم في مواطن إجماع مظنون في ضوء النظر في الوارد عن السلف فيها، بحجة خروجها عن قالة السلف، وهذا معلوم مشتهر، وعليه فأين يتنزّل ما يذكره أ/ عمرو على الواقع التيمي!
وتأمّل مثلًا كيف يردّ ابن تيمية على قولين للفرّاء والزجاج في تفسير (الوسواس الخناس) في سورة الناس في موطن فيه مرويات قليلة للسلف: «ويكفي أنّ المسلمين كلَّهم يقرؤون هذه السورة من زمن نبيّهم ولم يُنقَل هذان القولان إلّا عن بعض النحاة، والأقوال المأثورة عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ليس فيها شيء من هذا»[27].
إنّ فهْمَ الموقف التيمي في حجية تفسير السَّلَف والمنع من الإحداث بعدهم من خلال تأصيل ابن تيمية لمخالفة الإجماع المظنون =يعارض النسق التيمي على المستوى النظري والعملي، ولو ألزَمْنا ابن تيمية به لوضعناه في تعارضات شديدة الإشكال.
وإذًا فكيف نفهم الأمر في ضوء كلام ابن تيمية في الإجماع. هذا يتّضح بعرض ما طرحه الكتاب في هذه النقطة وكيفية التعامل معها.
لقد بيَّن الكتاب أنّ ابن تيمية في ضوء طرده للبيان النبوي في ساحة التفسير فقد صار التفسير عنده يبدو مقاربًا في نسقه العام لميدان الفقه، وعليه سهُلَ على ابن تيمية استيراد التنظير الأصولي للفقه واستجلابه لضبط قضايا التفسير، ومن هذا الاستيرادِ الحاصلِ كلامُه في الإحداث والمنعِ منه، هذا الكلام الذي يناسب الفقه في الحقيقة لا التفسير، لوجود بيان نبوي حقيقي في الأول للمراد الشرعي يسوغ المنع في دوائر نقل هذا البيان بخلاف الثاني الذي خلا من حضور بيان نبوي للمعاني خلافًا للتصور التيمي، وفي ضوء ذلك وقع التأصيل التيمي للإحداث في التفسير في مأزق، ووقع معه ابن تيمية في إشكال حال طبّقنا عليه ما يقرِّره في أصول الفقه من مخالفة الإجماع الظني؛ إِذْ يعود ذلك بالإضعاف والتوهين لتفسير السّلف الذي أراد ابنُ تيمية نصبه كطريق لازم للفهم ونافَحَ عن حجيته بدعوى أنه صدى للبيان النبوي للمعاني.
وهذا مما استدلّ به الكتاب على غلط المنطلق التيمي بالأصالة (فكرة وجود بيان نبوي للمعاني)؛ لأنّ شارة المنطلقات الخاطئة في النظر للقضايا أنّ التنظير من خلالها للمسائل يتعقّد ويتعذّر ويكون حاملًا لإشكال ومنتِجًا لإشكال ولا يمكن ضبط التصوّر من خلاله، وهو الحاصل في مختلف التنظيرات التيمية التي استوردها من المدونة الأصولية بسبب منطلقه في وجود البيان النبوي كما بيَّن الكتاب ذلك بالتفصيل[28].
هكذا تُفهَم المسائلُ وامتداداتُها في الفكر التيمي وعللُها وأسبابُها، ونكون قد احترمنا عقلية ابن تيمية واتسقنا مع واقعه النظري والتطبيقي شديد الظهور حتى لو خطّأناه في الإلزام بحجية تفسير السلف، وذلك بخلاف طرح أ/ عمرو الذي يجعل ابن تيمية ينظِّر ابتداء للفراغ ويقرّر صلاحية طريق مؤطّرة للفهم ككلّ وهي لا تصلح للنهوض بهذا الغرض، ناهيك عن عدم الاتساق مع الواقع النظري والتطبيقي لابن تيمية في ميدان التفسير.
وأمّا ما ذكره أ/ عمرو من غفلة الكتاب عن تنظير ابن تيمية في الأصول وكلامه في الإجماع فغير صحيح، فقد ذكر الكتاب ذلك وعالجه كما ذكرنا، وسأناقش هذه الغفلة التي ذكرها نقد أ/ عمرو في حديثا لاحقًا عن الأوهام المستغرَبة التي وقع فيها هذا النقد، وكيف أنه يدّعي عدم وجود أمور هي حاضرة في الكتاب والعكس.
ثالثًا: الغلط في تصوّر الدليل المؤسّس لحُجّية تفسير السلف عند ابن تيمية:
في ضوء وجود بيان نبوي للمعاني فإنّ تفسير السلف ليس اجتهاديًّا في أصله، وإنما هو نقل للبيان النبوي. من هاهنا بيَّن الكتاب أنّ تركيز ابن تيمية على البيان النبوي للمعاني والدفع به كدليل مؤسّس لحجية تفسير السلف يخالف ما هو شائع في الدراسات من محاولة القبض على دليل ابن تيمية في بناء الإلزام بتفسير السلف؛ كالقول بأن حجية هذا التفسير ترجع عند ابن تيمية لسلامة جيل السلف من العقائدية ووفرة علمهم وسليقتهم اللغوية ومعرفتهم بالنزول... إلخ، وبيَّن الكتاب أن هذا كلام غير صحيح ويقدّم صورةً مغلوطة تمامًا للطرح التيمي الذي لا تبرز فيه أمثال هذه الدلائل، وإنما هو البيان النبوي للمعاني والتركيز عليه، وأمّا الحديث عن مثل هذه الأمور فيأتي تبعًا لبيان أنهم اجتهدوا في فهم المعاني في سياق بيان نبوي لهذه المعاني بالأصالة، وما يرجح هذا الاجتهاد على غيره ويجعله لازمًا كالمنصوص هو -لا سيما في طبقة الصحابة- اتصالهم بالنبي ومعرفتهم لغته وسلامة قصدهم... إلخ.
اعترض أ/ عمرو على ذلك، فقال: «...كلام الباحث أن تقرير ابن تيمية للبيان النبوي لمعاني القرآن يُسقط الدلائل التي يجري تداولُها في كثير من الدَّرس لحجية تفسير السلف من خلال مقولاته، من نحو علم السلف بالأحوال السياقية والمقامية للقرآن، مما سيكون معارضًا للتأسيس التيمي في كون تفسير السلف هو تفسيرٌ نقليٌّ لا اجتهادي؛ ليس صحيحًا، إذا استحضرنا ما ذكرناه من عدم منع التقرير التيمي لعموم البيان النبوي لمعاني القرآن: من الاجتهاد والرأي المحمود، بما يشمله إحداث قول لا يستلزم إبطال القولين، ...وقد تقدّم نقلُ أنّ ابنَ تيمية نفسَه يقول إن الصحابة يجتهدون في تأويل القرآن، وأنهم يختلفون فيه ويرجعون إلى عمومات وخصوصات من القرآن والسنّة...» [29].
وهذا الاعتراض من أ/ عمرو مفارقة غاية في الغرابة؛ فمع أنه يقول بأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يلزمه تبيين المعاني وأنّ ذلك كان واجبًا عليه، وأنّ تفسير السلف صدى لذلك ونقلٌ له كما مرّ معنا، فإنه يستشكل أن تكون حجية تفسير السلف راجعة في صلبها وأصلها إلى أنها نقل للبيان كالحاصل في المراد الشرعي، ويراها ترجع لأمور كالشائع في الدراسات مِن علمهم باللغة العربية وأحوال النزول... إلخ، وهذا مشكل؛ فلا حقّ لأحد في اجتهاد حرّ مفتوح في بناء المعنى بالنسبة لابن تيمية ما دمنا نقول بأنّ هذا البيان للمعاني كان من المهامّ النبوية، وإنما هذا الاجتهاد كان في سياق بيان نبوي بالأصالة وفهم هذا البيان؛ لذا فهو نقلٌ بشكل أو بآخر، لا اجتهادٌ حر، وترجع حجيته كونه نقلًا للبيان النبوي.
إنّ الإقرار بوجود بيان نبوي للمعاني نقَله السّلف لا يجتمع مع القول بأنّ دليل حجية تفسيرهم وضرورة لزومه في الفهم يرجع لأمور مؤسّسة على أنهم كانوا يجتهدون اجتهادًا حرًّا من أنفسهم في الفهم دون أن يكون هناك بيانٌ نبوي سابق، وهو ظاهر.
إنّ ابن تيمية -كما فصّل الكتاب[30]- وفي ضوء رغبة ابن تيمية في تكوين مرتكز علمي ضابط يَأْطُرُ به النزاع التأويلي في فهم المعاني ومعرفتها، فإنه دفع بتفسير السّلف كمرتكز ونافحَ عن حجيته اعتمادًا على البيان النبوي الذي هو دليل ناجع من حيث هو في إثبات هذه الحجية، بغض النظر عن الموقف منه وأن الكتاب رأى عدم صحته، وأمّا هذه الدلائل الشائع حضورُها في بيان وجه إلزامه بتفسير السلف، فلا تُنْتِج هذا الإلزام الذي يقول به، وإنما هي أدلة هشّة جدًّا ويسهل الاعتراض عليها، فحال سلّمْنا بأنّ تفسير السّلف كان بمحض اجتهادهم في ظلّ عدم وجود بيان نبوي فلا يتأتّى أبدًا جعلهم مرتكزًا ضابطًا لعملية الفهم، فاللغة يمكن تحصيلها وملابسات النزول والسياقات الداخلية والخارجية للقرآن منقولة، وعليه فلا يمكن ادّعاء الإلزام اعتمادًا عليها كما شرح الكتاب؛ ولهذا فإنّ اعتبار حجية تفسير السلف ترجع لأمور مؤسّسة كما لو كان تفسيرهم حرًّا في ضوء عدم وجود بيان نبوي سابق =فيه غلط كبير في فهم الطرح التيمي في المسألة.
رابعًا: الغلط في تصوّر علاقة علم أصول الفقه وتنظيراته بالتفسير:
ذكرَ الكتاب أنّ ضبط قضايا أحد العلوم من خلال منظور وتنظير عِلْم آخر يؤدِّي لخللٍ كبير في النظر لهذه القضايا قيد الضبط، وبيّن أنّ ابن تيمية في ضوء طرده لفكرة حضور البيان النبوي للمعاني في التفسير وتقارُب التفسير بالنسبة له في ضوء ذلك النظر مع الفقه، فقد استجلب تنظيرات علم أصول الفقه واستعان بها لضبط قضايا التفسير، وهو ما أوقع تنظيره التفسيري في إشكالات، واستعرض الكتاب طرفًا من هذا التنظير التيمي التفسيري وبيَّن وجه الخلل فيه[31].
اعترض أ/ عمرو على هذا، وبيَّن أنّ عِلم أصول الفقه هو علم التفكير الإسلامي، والاستعانة به في ضبط قضايا التفسير لا إشكال فيها، وأنّ ابن تيمية عالم كلّي يقدّم أيديولوجية كاملة للإسلام، فلا يُعترض عليه بأنّ هذا فقه وهذا تفسير وهذا أصول فقه وأن لكلّ مجال خصوصيته، ثم ذكر أنّ اللجوء لمثل هذا الدفع الذي ذكرَ الكتاب دفعٌ عامّ بالنسبة للإشكال التفصيلي، والجوابُ العامّ في موارد النزاع التفصيلي مخاتلة[32].
وما ذكره أ/ عمرو من أنّ الكتاب دفعَ النزاع التفصيلي في المسألة بجواب عام وأن هذا مخاتلة =غريب جدًّا؛ فالكتاب لم يفعل ذلك أبدًا ولم يكتفِ بالجواب العام، وإنما الكتاب تعرّض بالتفصيل لتأصيلات تيمية مركزية جدًّا في التفسير رأى الكتاب أنّ ابن تيمية تأثّر في بنائها بمدوّنة الأصول بسبب منطلقه من وجودِ بيانٍ نبوي لمعاني القرآن، وهي:
- تأصيله للإحداث الجديد في التفسير.
- تأصيله للتعامل مع الإسرائيليات وتقسيمه الثلاثي لها واعتبار السَّلَف نقَلة لها في التفسير.
- التأصيل التيمي الشهير لطُرق التفسير الذي عالجه في مقدّمته في أصول التفسير.
لقد شرح الكتاب تفصيلًا هذه التأصيلات وبيَّن غلطها في ذاتها وكيف أنّ النظر لقضايا التفسير التي وُظّفت في ضبطها مشكِل في ذاته ويُنتِج إشكالات كثيرة، واستدلّ الكتاب بذلك على غلط المنطلق التيمي، فكيف يقال بعدها أن الكتاب اكتفى بجواب عام؟!
وبغضّ النظر عن ذلك الإشكال المنهجي في نقد أ/ عمرو مما سبق توضيحه وتوضيح آثاره، فإنّما ذكره أ/ عمرو في بقية كلامه غير صحيح كلية، وبيانه كالآتي:
أمّا دعوى صلاحية علم أصول الفقه لضبط قضايا التفسير فهي فكرة شائعة جدًّا في الدرس؛ لذا أتفهّم إيراد أ/ عمرو لها، ولكنها فكرة خاطئة وغير صحيحة، وفيها غلط في تصور معنى أن يكون لدينا بناء نظري ضابط للتفسير، فالأبنية النظرية للممارسات المعرفية كالتفسير واستخراج الأحكام يتوجّب أن تُعنى بضبط موارد إنتاج الممارسة والتقعيد لكيفيات إنتاج ثمرة الممارسة من هذه الموارد، وهذا الأمر قد فصّلنا فيه القول بصورة مطوّلة في بحثنا: (البناء النظري للتفسير؛ قراءة في المنجز مع طرح رؤية للنهوض بالبناء النظري للتفسير)[33].
حينما ننظر لعلم أصول الفقه فلا نجده يُعنى من قريب أو بعيد بضبط موارد التفسير الخاصة ببيان المعنى.
إنّ علم أصول الفقه لا يضبط موارد بناء المعنى من حيث هي ويبيّن الثابت منها من المتغير، بله أن يقعّد لكيفية إنتاج المعنى من خلال هذه الموارد، وعليه فهذا العلم على جلالته لا يمكن أن يكون سياجًا للتفسير ولا تصلح تنظيراته لضبط قضايا التفسير؛ لأنها نبتت لضبط ممارسة معرفية مختلفة، وأمّا مباحث الدلالات وغير ذلك مما يتصوّر تقاطعه مع التفسير وصحة استثمار الدرس الأصولي في ضبطه في ساحة التفسير، فغير صحيح وقد فصّلنا القول في ذلك في غير هذا الموضع[34].
وأمّا أنّ ابنَ تيمية عالم كلّي يقدِّم أيديولوجية متكاملة للإسلام محضُ كلامٍ عام لا يفيد شيئًا في سياق النزاع؛ فتعاطي قضايا العلوم ودراستُها وإنتاجُ تأصيلات مناسبة لهذه القضايا يظلّ متأثرًا بحيثيات العلوم، ويظلّ استيراد تنظير من مجال لآخر دون مراعاة خصوصية المجال قيد الاستيراد مشكِل ويؤدّي لإشكالات كثيرة، وقد دلّل الكتاب بصورة تفصيلية على وقوع ابن تيمية في استيراد مشكِل للتنظير الأصولي في ساحة التفسير، وذلك من خلال نقاشات موسعة لتأصيلات ابن تيمية في التفسير. ودفعُ هذا كان يستوجبُ من أ/ عمرو نقاشَ هذا وبيانَ وجه الغلط فيه، لا أن يكتفي بالدفع بمثل ما ذكر من عالمية ابن تيمية وكليّة طرحه.
إنّ أ/ عمرو يرى الكتاب يرد بدفع عام في سياق نزاع تفصيلي، في حين أن نقد أ/ عمرو هو من يفعل ذلك على الحقيقة بإيراده لِما أورد وإحجامه عن نقاش ما زيّف به الكتاب تفصيلًا التأصيل التيمي في التفسير المستورَد من مدونة الأصول.
ويظهر من خلال ما سبق أنّ نقد أ/ عمرو حوى أغلاطًا علمية عديدة؛ فلديه تناقضات تكشف عن ذهول عن أمور مركزية في نقاش الموضوع، ولديه تصوّر مغلوط في استيعاب نقاش الكتاب في القضايا التي يعرض لها، وكذلك لديه تصوّرات غير صحيحة للقضايا التي يعالجها ويحاول أن يؤصّل لها، وتكشف هذه التصوّرات عن خلل في استيعاب الطرح التيمي التفسيري، وحسن الفهم له. وفيما يأتي ننتقل لبيان بعض الأوهام التي وقع فيها نقد أ/ عمرو.
رابعًا: أوهام في نقد أ/ عمرو:
مما لاحظته واستوقفني إبّان مطالعتي لنقد أ/ عمرو هو وجود أوهام مستغربة في هذا النقد، وأنه يذكُر عدمَ وجودِ أمورٍ في الكتاب، ويُرتّب في ضوء ذلك بعض النقود في حين أن هذه الأمور حاضرة في الكتاب وبصورة واضحة، والعكس، أي أنه يذكر وجود أمور معيّنة في الكتاب ويعترض عليها، في حين أنها غير موجودة في الكتاب، ومن أمثلة الوهم الأول ما يأتي:
- قرّر نقد أ/ عمرو عدم عناية الكتاب بالتنظيرات الأصولية لابن تيمية، وعدم الاستعانة بها في فهم مراميه وكلامه في المنع من الإحداث الجديد، وهذه التنظيرات قصد بها موقف ابن تيمية من الإجماع القطعي والظني. وطوّل نقد أ/ عمرو في النعي على الكتاب بسبب هذه النقطة كثيرًا جدًّا، في حين أنّ هذا الذي ينفي وجوده أ/ عمرو هو حاضر في الكتاب وبصورة شديدة الوضوح، ونفس النصّ الذي أورده أ/ عمرو في بيان موقف ابن تيمية من الإجماع قد أورده الكتاب وتكلّم عليه في معالجته لموقف ابن تيمية من الإحداث وتحديدًا في (ص: 237- 240)!
لقد بينّا في كلامنا قبلُ غلطَ التحليل الذي قدّمه أ/ عمرو للموقف التيمي من الإحداث في ضوء استحضار كلام ابن تيمية في الإجماع، وصحّة ما ذكره الكتاب، ولكن الكلام هاهنا على نفي أ/ عمرو لأمرٍ موجود في الكتاب من حيث هو وادّعاء عدم وجوده، والإيراد على الكتاب في ضوء ذلك والقول بأنه لا يعتني بالنظر نهائيًّا لطرح ابن تيمية في الأصول وكلامه في الإجماع!
- كذلك تكلّم نقد أ/ عمرو أنّ الكتاب يُغفِل سياقات نصوص ابن تيمية وأنّ الكتاب وإنْ ذكرَ عنايته بتلك السياقات مرة أو مرتين إلا أنّ هذه العناية غير ظاهرة في الاستدلالات والنتائج، فلم يهتمَّ الكتابُ بوزن النصوص التي يستدل بها وبيان درجاتها، وأنّ هذا غلط لوجود فروق بين التأصيل الذي يقرّره العالم ابتداءً وبين التأصيل الذي يقرّره في سياقات الدفع والجدل.
الغريب هاهنا أنّ ما يوهمه كلام أ/ عمرو من دعوى عدم الحضور لما ذكر هو أمرٌ موجود في الكتاب وبصورة بيّنة؛ فالكتاب صدّر في مستهلّ كلامه على البيان النبوي ببعض التنبيهات الضابطة لتحرير موقف ابن تيمية في البيان النبوي، كان رابعها قوله: «نصوص ابن تيمية في البيان النبوي تحتفّ عادة -كما سيأتي- بالجدل العقدي والكلامي ودفع بعض مقولات الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم حول طريقة فهم النصوص الشرعية لا سيما القرآن الكريم، وصحيح أن هناك اختلافًا بين التأصيل الذي يقرّره العالم ابتداءً، وبين التأصيل الذي يقرّره في سياق الدفع والجدل، إلا أنّ ظهور تأسيس العالم على ذات التأصيل وتوظيفه له بعد ذلك في العديد من المسائل والقضايا غير المتصلة في كثير منها بالجدل العقدي =يدلّ من ناحية على صحة انطلاقه من هذا التأصيل وتبنّيه الكامل له وأنّ هذا السياق الذي احتفّ بالتأصيل عنده غير مؤثّر في تصوّر وجود اختلاف في فهم هذا التأصيل في ميادين أخرى مما كانت ساحة لتوظيف ذات التأصيل في معالجة قضاياها، وكذلك يبيّن من ناحية أخرى أهمية استحضار هذا السياق الجدلي في فهم الأسباب والدوافع التي أفضَت لتبنّي العالم لهذا التأصيل، وهو ما سنحاول أن نقوم به في معالجتنا للبيان النبوي عند ابن تيمية، حيث سنبيّن كيف أنه وظّف فكرة البيان النبوي لمعاني القرآن -على النحو الذي قرّرناه عنه- في العديد من القضايا والتي لا يتعلق بعضها بالجدل العقدي؛ لنثبت ظهور انطلاقه من هذا البيان، ونُبرِز كذلك لاحقًا سياقَ الجدل العقدي والكلامي حول طريقة فهم النصّ القرآني وأثره الكبير في دفع ابن تيمية للقول بالبيان النبوي لمعاني القرآن؛ حتى يتمكّن من بناء مرتكز ضابط لعملية الفهم يساجِل به بعضَ المقولات الكلامية التي ظهرت عبر التاريخ وارتأى بالِغَ خطورتها على عمليةِ فهمِ القرآن الكريم وجَعْلِها بلا إطار محدّد تنتهي إليه».[35]
أي أنّ الكتاب منتبه للتأصيل المقرّر ابتداءً عند العالم والتأصيل الذي يكون في ساحة الدفع والجدل، وبغضّ النظر عن الإشكال المنهجي في نقد أ/ عمرو وأنه لا يعرض طرح الكتاب ولا يناقشه مما تكلّمنا عليه قبل في خلل منهجية نقد أ/ عمرو، فإن الكلام هاهنا عن أن الكتاب قدّم رؤية متكاملة للتعامل مع سياقات نصوص ابن تيمية خلافًا لِما يوهمه نقد أ/ عمرو من عدم الوجود.
إنّ الأستاذ/ عمرو لا يكتفي في بناء جوانب من نقده على القول بنفي أمور هي موجودة في الكتاب فعليًّا، ولكنه أيضًا يرتّب نقودًا في ضوء تصوّره لِما هو غير موجود في الكتاب، ومن أمثلته ما يأتي:
- في كلامه على عناية ابن تيمية ببيان اجتهاد الصحابة، ذكر أ/ عمرو -كما نقلنا عنه قبل- أنّ وقوع الاجتهاد من الصحابة لا يُعارِض وجودَ البيان النبوي، وبيَّن أن الكتاب بسبب ذهوله عن ذلك رمَى ابنَ تيمية بالتناقض في آخر المعالجة، وأحال أ/ عمرو على (ص: 191) من الكتاب.
وهذا الرمي الذي ذكره لا وجود له أصلًا في الكتاب ولا في الفصل الرابع الخاصّ بمناقشة الآثار التي خلّفها قولُ ابن تيمية بالبيان النبوي للمعاني على الطرح التيمي نفسه، والصفحة التي أحال عليها أ/ عمرو لا تُحِيل على كلام له تعلّق بما ذكره!
وقد بينّا قبل أيضًا أنّ الكتاب قرّر أنّ ابن تيمية ذكر اجتهاد الصحابة وأنه لا توجد معارضة بينه وبين وقوع البيان، ونقلنا نصّ الكتاب في بيان ذلك!
وحاصل ما سبق من وقوع هذه الأوهام في نقد أ/ عمرو يثير إشكالات بطبيعة الحال حول القراءة التي قام بها أ/ عمرو للكتاب، ومدى الجدية التي تحملها، ففي ضوء أمثال هذه الأوهام التي ذكرنا لا يمكن للمرء أن يقول بأننا أمام قراءة عميقة ودقيقة تعنّت معايشة الكتاب وتأمّله وفهم طرحه بقدر جاد قبل الاشتباك النقدي معه.
خاتمة:
عالجنا في هذه المقالة نقد أ/ عمرو لكتابنا (حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية)، وقمنا بنقد هذا النقد، ومن خلال هذه المناقشة ظهر معنا أنّ أ/ عمرو فهم فكرة الكتاب في البيان النبوي عند ابن تيمية بصورة معاكسة تمامًا للكتاب، وهو ما شَوّش نقْدَه برمّته وجعَله يورِدُ على أمرٍ لا يقول به الكتاب، ويصارع نظرًا لا حضور له فيه.
كما بانَ لنا أنّ نقد أ/ عمرو حوى تناقضات وإشكالات علمية، وأنه يحمل تصوّرات غير دقيقة لا للكتاب ولا للطرح التيمي التفسيري.
كما ذكرنا أن هذا النقد حوى بعض الأوهام الغريبة وأنه يورد على الكتاب بدعوى وجود أمور هي غير موجودة فيه، والعكس.
وقد كان مِن أشكلِ الأمور التي ذكرنا في نقد أ/ عمرو = المنهجية التي ارتكز عليها، هذه المنهجية التي تزعم لنفسها هَدْمَ تقرير مركزي معيّن في الكتاب، وهي لا تذكر الحجاج المقدَّم لإثبات هذا التقرير في الكتاب وتَعزف عن الاشتباك معه وبيان وجه الخلل فيه، فهذه المنهجية مشكلة تمامًا ولها آثار سلبية كما وضّحنا، وهي كافية وحدها في هدم النقد الذي تعنّاه أ/ عمرو، وتكشف عدم وعيٍ دقيق بالشروط المنهجية للممارسة النقدية، وتُبدِي صفحةَ هذا النقد للاتهام بالتدليس.
وفي ضوء ذلك أستطيع القول أنّ هذا النقد جاء صادمًا لي على المستوى المنهجي والعلمي، وأني لا أراه قدّم نقاشًا حقيقيًّا للكتاب ولا ما يقارب ذلك، وإذا كانت الحماسة للدفاع عن نقد أقوال وأصول العلماء الكبار من أمثال ابن تيمية هو دفاع مهمّ ومتفهَّم من أجل تحرير الموقف من هذه الأصول والأقوال، لكن يجب أن يكون ذلك مأطورًا بالتعمّق في فهم النقد الموجّه واستيعاب أسسه وركائزه، والاشتباك معه وَفق الشروط المنهجية المقرّرة للنقد، فبهذا يكون الدفاع مُثرِيًا للقضايا محلّ النقاش، وإلّا صار الأمر رغبة في الدفاع لمجرّد الدفاع.
وعلى كلّ حالٍ فإني أتوجه بالشكر للأستاذ/ عمرو على عنايته بنشر هذا النقد وإثارة الحراك حول الكتاب، وعلى لغته الراقية الهادئة التي قدّمها في هذا النقد؛ فحضورُ مثلِ هذه اللغةِ في السجالات النقدية غايةٌ من المهمِّ تواتُرُها في العمل النقدي، واللهُ الموفِّق.
[1] هذه المقالة منشورة على موقع تفسير للدراسات القرآنية تحت الرابط الآتي: tafsir.net/article/5461
[2] نقدُ أ/ عمرو منشورٌ ومتاحٌ على موقع مركز تفسير لمن أراد الوقوف عليه ومطالعته، وعليه فسنكتفي في هذا القسم بتقديم إطلالة موجزة عليه تبصّر به وتعرّف إجمالًا بما أورد.
[3] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[4] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[5] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[6] لم يذكر الكتاب أن ما قدّمه من فهم ابن تيمية يتنافى مع وقوع الاجتهاد من الصحابة، وهذا من أوهام نقد أ/ عمرو، وستأتي الإشارة له.
[7] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[8] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[9] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[10] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[11] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[12] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[13] حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص24.
[14] حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص78- 79.
[15] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[16] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[17] حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص80- 81.
[18] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[19] حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص208.
[20] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[21] كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[22] حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، ص62 وما بعدها.
[23] راجع: أصول التفسير في المؤلفات؛ دراسة وصفية موازنة، ص241.
[24] يراجع: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص226 وما بعدها.
[25] يراجع: كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[26] ندرج هاهنا على الشائع في المعنى واعتباره بمثابة التقرير للمدلول والكشف عن المراد.
[27] مجموع الفتاوى، ابن تيمية، (17/ 513).
[28] يراجع: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص237 وما بعدها.
[29] يراجع: كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[30] يراجع: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص166 وما بعدها.
[31] يراجع: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص236 وما بعدها.
[32] يراجع: كتاب حجية تفسير السلف عند ابن تيمية: دراسة تحليلية نقدية؛ عرض وتقويم، عمرو بسيوني.
[33] بحث منشور على موقع تفسير للدراسات القرآنية.
[34] يراجع بحثنا: البناء النظر للتفسير؛ قراءة في المنجز مع طرح رؤية للنهوض بالبناء النظر للتفسير.
[35] يراجع: حجية تفسير السلف عند ابن تيمية؛ دراسة تحليلية نقدية، خليل محمود اليماني، ص25- 26 وما بعدها.