قراءة في كتاب
(تعدّد المعنى في النصّ القرآني؛ دراسة دلالية في مفاتيح الغيب للإمام ‏الرازي)
‏تأليف أ.د/ إيهاب سعيد النجمي

قصَدَ كتاب (تعدد المعنى في النصّ القرآني؛ دراسة دلالية في مفاتيح الغيب للإمام ‏الرازي‏)، للأستاذ الدكتور/ إيهاب سعيد النجمي؛ إلى تتبّع موضوع تعدّد المعنى في القرآن الكريم من جانب دلالي، وذلك من خلال دراسةٍ نظرية وتطبيقية في تفسير الرازي، وهذه القراءة تُسَلِّط الضوء على هذا الكتاب، وتستعرض أهدافه ومحتوياته، وأبرز مميزاته، وأهم الملحوظات حوله.

تمهيد:

  «إنك لن تفقهَ كلَّ الفقه حتى ترى للقرآن وجوهًا»[1]، إني آثرتُ أن أبدأ بهذه العبارة؛ لِمَا فيها من إيجاز في اللفظ وكثافة في المعنى، ولِمَا تصدق وصفًا على قراءتنا للموضوع الذي سنتناوله. إنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، ولسان العرب أوسع الألسنة وأكثرها ألفاظًا[2]، وللسان العربي خصوصيات في ألفاظه وتراكيبه[3]، وللعلماء في سبل تحصيل المعاني القرآنية القِدح المعلَّى، فقد وضعوا القواعد والأصول في أسفارهم؛ بغية الوصول إلى المعاني، واستخراج الكنوز الإيمانية منها، هذا وقد حفلَت كتب التراث من التفسير واللغة والأصول والبلاغة بالطرق والمناهج التي تفسّر بها المعاني القرآنية، وما ذاك إلا لتفرّد أسلوب القرآن الكريم واتساع خطابه في وجازة ألفاظه وكثرة معانيه، يقول الدكتور/ عبد الله دراز: «إنّ القرآن الكريم يستثمر دائمًا برفق أقلّ ما يمكن من اللفظ في توليد أكثر ما يمكن من المعاني تلك ظاهرة بارزة فيه كلّه»[4].

وتعدّد المعاني في النظم الكريم لا يأتي إلا لفوائد تفسيرية وبلاغية وفقهية وإعجازية، وهذا التعدّد لا يخصّ لونًا أو فنًّا بعينه؛ فتارة نجده في الأسلوب، أو الصيغة الصرفية، أو الجملة النحوية، أو التركيب البلاغي؛ وما هذا إلا لثراء لغة النَّظْم الكريم ومرونتها واتساعها الذي يشمل ألفاظها وتراكيبها؛ مما يفتح أبوابًا من النكات واللطائف تبرز وتتسع وتتشعب إلى معانٍ يسعها اللفظ القرآني.

وإذا ما طالعنا المؤلَّفات التي كُتبت في اتساع معاني النَّظْم الكريم في شتى حقول المعرفة فإننا لا نحصيها عددًا؛ منها ما جاء فيها موضوعُ اتساع المعاني تطبيقًا غير مقصود بذاته بحسَب ما تقتضيه طبيعة النصّ القرآني المطبق عليه المنهج المتبع في الحقل المعرفي الوارد فيه، كما في كتب التفسير والأصول واللغة والبلاغة والنقد، أو كما جاء تطبيقًا مقصودًا[5]، أو جاء تنظيرًا وتطبيقًا لظاهرة تعدّد المعنى كما في كتاب (تعدّد المعنى في النصّ القرآني؛ دراسة دلالية في مفاتيح الغيب للإمام الرازي)[6]، للدكتور/ إيهاب سعيد النجمي[7]، حيث قصد المؤلِّف موضوع تعدد المعنى من جانب دلالي، شملت دراسته ظواهر اللغة من صوت وصرف ونحو ودلالة. وهذه القراءة تسلِّط الضوء على هذا الكتاب، وتستعرض أهدافه ومحتوياته، وأبرز مميزاته، وأهم الملحوظات حوله.

محتويات الكتاب:

يتضمّن الكتاب على مقدّمة، وتمهيد، وأربعة فصول وخاتمة، جاءت على النحو الآتي:

حرّر في التمهيد مصطلحَ تعدد المعنى، وعالج فيه اضطرابَ المصطلح وتداخلَه مع مصطلحات أخرى، وبيانَ مدى هذا التداخل، ثم أصّل لظاهرة تعدد المعنى من خلال مسارين، أولهما: تأصيل الظاهرة في مقولات عدد من القدماء والمحدثين وتطبيقاتهم على بعض النصوص. ثانيهما: تأصيل الظاهرة من خلال عقد مقارنة بين تفسير الرازي من حيث هو تفسير بالرأي، وتفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي (911هـ)[8]، من حيث هو تفسير بالمأثور؛ هادفًا إلى إثبات ظاهرة تعدّد المعنى في كِلا النوعين من التفسير بالرأي والمأثور.

وأمّا فصول الدراسة فكانت كالآتي:

جاء الفصل الأول بعنوان: الأسباب الصوتية لتعدّد المعنى، وانتظم فيه ثلاثة مباحث: التنغيم، والوقف والابتداء، وأسباب صوتية مختلفة (الإدغام - كراهة توالي الأمثال).

وأمّا الفصل الثاني فحمل عنوان: الأسباب الصرفية لتعدّد المعنى، وانتظم فيه مبحثان: الأسباب الصرفية على مستوى الاسم، والأسباب الصرفية على مستوى الفعل.

وعقد في الفصل الثالث الأسباب النحوية لتعدد المعنى، وجاء فيه أربعة مباحث: حروف المعاني، وعود الضمير، وتعلّق شبه الجملة بنوعيه (الجار والمجرور، والظرف)، وأسباب نحوية مختلفة (تقدير الموقع الإعرابي - التوجيه الإعرابي - الاستثناء - القسَم - الحال وتعدّد صاحبها والعامل فيها - تعدد المنعوت).

وختم بالفصل الرابع بالأسباب الدلالية لتعدد المعنى، وجاء فيه خمسة مباحث: المشترك اللفظي، والتضاد اللفظي، والمعرب، والتعبير الاصطلاحي، وأسباب سياقية مختلفة (التفسير برواية المأثور - أسباب النزول - تناسب الآيات والسور - العموم والخصوص - الالتفات - الخبر والإنشاء - الحذف).

وذيّل الكتاب بخاتمة، وساق فيها أبرز النتائج التي توصّل إليها.

هدف الكتاب، ومنهجه:

أولًا: هدف الكتاب:

لم ينصّ المؤلِّف على هدف الكتاب، ولكنه بيَّن أن الظواهر الدلالية تتعدّد في القرآن الكريم، وأنّ من أهم تلك الظواهر ظاهرة تعدّد المعنى، وأنها لا يخلو منها نصّ لغوي، فضلًا عن تلك النصوص التي تتمتع بمساحة عريضة من التأويل والتفسير، وعلى الرغم من أهمية هذه الظاهرة وإثرائها للمعاني إلا أنها لم تأخذ كفلها من البحث والدراسة في حقل الدراسات القرآنية، وأنّ تلك الدراسات التي جاءت في هذا السياق لم تؤتِ أُكلها في هذا الموضوع[9]، وبناءً عليه فإنّ هدف المؤلّف من هذه الدراسة -فيما يظهر- هو الكشف عن ظاهرة تعدّد المعنى تنظيرًا وتطبيقًا، وتعدّد صورها في كتب التراث، وحضورها البارز في النصّ القرآني[10]، وإظهار أن تعدّد المعنى في النصّ القرآني يعدّ وجهًا من وجوه إعجازه[11].

ثانيًا: منهج الكتاب:

لم يصرِّح المؤلِّف بالمنهج الذي اتّبعه في كتابه، لكن من خلال تتبّع معالجته لظاهرة تتبّعه لتعدّد المعنى في النصّ القرآني من خلال تفسير مفاتيح الغيب نلحظ أنه قام بما يأتي:

المنهج الوصفي: وقام من خلال بالكشف والإيضاح عن المصطلحات الواردة في كتابه من تعدّد المعنى وما تداخَل معه من مصطلحات وما تشابه معه.

المنهج التصنيفي: وذلك من خلال وضع الشواهد القرآنية وَفقًا للظواهر اللغوية التي جاءت في فصول البحث.

المنهج الاستقرائي: وذلك من خلال تتبعه مصطلح تعدّد المعنى ومترادفاته في كتب التراث، وكذلك تتبّعه مواطن تعدّد المعنى في تفسير مفاتيح الغيب.

المنهج التحليلي: وهو ما نجده جليًّا في فصول الكتاب من معالجة ظاهرة تعدّد المعنى، وتحليل الآيات موضع الدراسة وما برز فيها من الجوانب اللغوية، والتي تمثّلت في الجوانب الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية.

الإشكاليات الرئيسة للكتاب وتخلّقها:

لم ينصّ المؤلِّف على إشكاليته، والناظر يلحظ أن الاشتغال بالمعنى يعدُّ من أهم القضايا التي أُوْلِيَ لها الاهتمامُ في التراث الإسلامي، لا سيما المعنى القرآني، إِذْ إن من أبرز خصائصه الاتساع في المعنى، وهذا لُبّ المشكل في هذه الدراسة، إِذْ يأخذ الاتساع في المعنى -في الجانب اللغوي- مناحي متعددة، سواءٌ ما يتصل بالسياق المقالي المتمثل بالجانب الصوتي، والصرفي، والنحوي، والدلالي، أو ما يتّصل بالسياق المقامي الذي يشتمل على الآية نفسها وما جاورها من الآيات والسورة نفسها، وسور القرآن كلّها، ويتسع المقام أكثر ليشمل أسباب النزول وجميع الملابسات التي تكمن خارج النصّ، وهذا الاتساع في المعنى يدعو إلى الكشف عنه، والوقوف عند ضوابطه اللغوية وإبراز المسارات الدلالية التي يكمن فيها تعدّد المعنى، سواءٌ كان على مستوى المفردة أو التراكيب، وهل تعدّد المعنى في النصّ القرآني يعدّ من باب التدافع والتزاحم أم التجاور والتآزر؟ ويقوّي هذا الاستشكال التوسّع في تحصيل المعاني القرآنية في كتب التفسير لا سيما ما أُدرج تحت كتب التفسير بالرأي، ومنها تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي، الذي يلحظ توسعه في التفسير، ووقوفه على كثير من ظاهرة تعدد المعاني[12]، مما يلزم رصد هذه الظاهرة وتتبّعها، وردّها إلى مركزها اللغوي الذي ينطلق منه الاتساع في المعنى؛ للإبانة والكشف عنها.

هذا من ناحية، وإشكالية أخرى وهي تعدّد مصطلحات (تعدد المعنى) واختلافها باختلاف العلماء بين مفسِّرين ولغويين ونحاة وأصوليين وبلاغيين، مما يحتاج إلى إيضاح وتبيان، حيث كان المصطلح الواحد الذي يمثّل تعدّد المعنى يتردّد بأكثر من مفهوم في كلّ بيئة من هذه البيئات العلمية، أو تتعدّد هذا المصطلحات وتتنوّع لتدلّ على معنى التعدّد في المعنى، مما قد يضفي خفاءً في المعنى أو عدمَ وضوحه أو اضطرابًا في تصوّره، وهذه الإشكالية من ناحية المصطلح نجد لها نظائرَ كثيرةً في التراث؛ لملابسات وظروف التأليف في ذاك الوقت، حيث لم يَسَع العلماءَ الاطلاعُ على كلّ ما أُلِّفَ في زمانهم وزمن مَن قبلَهم.

وإذا كانت هذه الإشكالية فكيف قارَبها المؤلِّف؟

من خلال تتبّع طريقة المؤلِّف في معالجة الإشكالية يمكننا أن نرصد المسارات الذي سار فيها المؤلِّف، وهي تتمثّل في مسارين رئيسين: التنظيري، والتطبيقي، وفي التطبيقي درس السياقين: المقالي والمقامي.

المسار الأول: المسار التنظيري:

ابتدأ المؤلِّف بمقاربة الإشكالية أولًا بتتبعه لمصطلح تعدّد المعاني، وكيف كان تصوره في كتب التراث، واستقرأ المؤلِّف هذه الظاهرة في كتب علماء التراث فجاء بأمثلة على تعدّد المعاني من علماء الأصول، واللغويين، والنقّاد، وأصحاب المعاجم، مؤكّدًا أنّ كشف ظاهرة تعدّد المعاني وتأصيلها كان السَّبْق فيه لعلماء التراث قبل المحدَثين[13]، ثم استنتجَ بعد ذلك تعريفًا للمصطلح، ووضعَ له ضابطين، وهذا بإجمال. أمّا تفصيل ذلك بإيجاز، فإنه تطرّق لمعالجة المصطلح من جانبين: ظهور أكثر من مصطلح يدل على ظاهرة تعدد المعنى، وتوصّل إلى تسعة مصطلحات، هي: الغموض، والمجمل، والمتشابه، والمحتمل، والمشكل، والتوجيه، والمشترك، والتركيز الدلالي، وثراء المعنى[14]. والجانب الثاني من حيث تعدّد معناه لِيَسَعَ أكثرَ من دلالة، ولم يتوقّف تتبُّعُه في كتب اللغة، إنما تتبَّعَه في أكثر من حقل معرفي؛ لعدم التمايز التخصصي بين حقول المعرفة في العصور المتقدمة، وبعد هذا التتبع توصّل المؤلّف إلى تعريف لتعدد المعنى، وهو «أن يكون التركيب صالحًا لأن يدلّ في الإطلاق على معانٍ متعددة، على سبيل البدل، أو أن يكون التركيب في موقع كلامي يحتمل في الإطلاق الواحد مجموعة من المعاني»[15]، وقد وضع ضابطين لتعدّد المعاني:

الأول: ثبات الصيغة اللفظية، وألا تتغير ولو بحركة.

الثاني: ثبات السياق اللفظي: ويشترط أن يكون تعدّد معنى التركيب في إطار سياق لفظي واحد[16].      

المسار الثاني: المسار التطبيقي، وفيه جانبان:

الأول: الجانب السياقي (المقالي): ويقصد به: البنية اللفظية للنصّ من حيث ترتيب الكلام في الجملة الواحدة، وترتيب الجُمَل في سياق كلي، وهو ما يُعرف بالسياق اللغوي، والسياق الداخلي، والسياق النصِّي، والسياق اللفظي، وسياق النَّظْم، ونسق الكلام[17]. وتمثّلت المعالجة المقالية في نقطتين:

أ- التهيئة:

بعد أن فرغ من الجانب النظري وقبل أن يدلج إلى التطبيق قصد إلى إثبات ظاهرة تعدّد المعاني في التفسير المأثور[18]، وأنّ تعدد المعنى حاضرٌ في كتب التفسير بالمأثور كما حضوره في كتب التفسير بالرأي[19][20][21]، والعلّة من إثبات ظاهرة تعدّد المعنى في التفسير المأثور بأنه أشدّ صرامة من التفسير بالرأي[22][23]، واختار المؤلِّف من كتب تفسير المأثور، كتاب (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) للسيوطي؛ لكون هذا التفسير من أجود ما كتب في التفسير بالمأثور حتى عصر قريب[24]، وقد ساق المؤلِّف عددًا من الأمثلة؛ أذكرُ واحدًا منها، يقول تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]، فقد جاء في الدر المنثور عن عطاء في قوله: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾، أي: الصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر، وعن مقاتل يعني أيام رمضان ثلاثين يومًا، وكذلك جاء عند الرازي من حيث البناء الصرفي في قوله: ﴿مَعْدُودَاتٍ﴾، أنها أيامٌ بعددٍ معلوم، أو أيامٌ قلائل[25].

ب- المعالجة المقالية:

أمّا على مستوى المعالجة المقالية، فإنه اختار أن يدرس هذه الظاهرة من خلال تفسير مفاتيح الغيب للإمام الرازي؛ لما يمتاز من التوسّع في التفسير من الجوانب اللغوية، وتمثل جانب المعالجة في دراسته لظاهرة تعدد المعنى بالدراسة الدلالية، وهي ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول نظرية المعنى وكلّ ما له صلة بالمعنى من المستويات اللغوية، وهي: الصوتية، والصرفية، والنحوية، والمعجمية[26].

ففي الجانب الصوتي لمح المؤلِّف من خلال تفسير الرازي تمثّل تعدّد المعنى في التنغيم والوقف والابتداء والإدغام وكراهة توالي الأمثال، وكان لطريقة الأداء الصوتي في هذا الجانب تمثّلات متعدّدة للمعاني، مثل وضع صوت مكان آخر، فذلك مما يؤثّر على المعنى، ومن ذلك ما جاء مثالًا على قوله تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر: 1- 2]، فتحتمل الآية أن تكون استفهامًا أو إخبارًا، فالاستفهام يكون على معنى التوبيخ والتقريع؛ أي: أألهاكم[27]. أو الوقف كما في قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [البقرة: 285]، فإنْ توقَّفَ الكلامُ عند قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ، فيكون المعنى: آمن الرسول والمؤمنون بما أُنزل من ربه، ثم ابتدأ بعد ذلك بقوله تعالى: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾، والمعنى: كلُّ واحد من المذكورين فيما تقدَّم، وهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون؛ آمنَ بالله. وأنْ توقَّفَ الكلامُ عند قوله تعالى: ﴿بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، ثم يبتدئ من قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ، ويكون المعنى أنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- آمن بكلّ ما أُنزل إليه من ربه، وأمّا المؤمنون فإنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله[28]؛ وبذلك يكون لطريقة الأداء الصوتي دورٌ فاعلٌ في تحديد المعنى.

أمّا على المستوى الصرفي الذي يُنظر فيه إلى بنية الكلمة، فقد كشف عن طريق الإمام الرازي عن خصوصيات الصيغ الصرفية التي قد تتناوب وتشترك دلالتها على أكثر من معنى، وسعة السياق في تحمل تلك الدلالات وإثرائها بالمعاني التي تتآزر وتتجاور دون تدافع، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267]، فصيغة (فَعِيل) تحتمل الفاعلية أو المفعولية؛ فإن كانت للفاعلية فيكون قوله تعالى: ﴿حَمِيدٌ﴾ موجِّهًا الحمدَ من الله تبارك تعالى إلى عباده المستحقّين لذلك بما وفّقَهم إليه لطاعته، وإن كان للمفعولية فيكون الكلام بيانًا للواجب عليهم تجاه خالقهم المنعِم عليهم من حيث وجوب حمده وشكره على ما يُنْعِم به عليهم[29].

وعلى المستوى النحوي درس تعدّد المعاني في الجملة وأحوال تراكيبها، والعوامل المختلفة الداخلة عليها، فغدا التركيب في النَّظْم الكريم حمّالًا لمعانٍ نحوية تتجاور ولا تتدافع، ومن الأمثلة على ذلك عود الضمير كما في قوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ [البقرة: 177]، فقد يعود الضمير على المال، ويكون التقدير: وآتى المال على حبّه له. وقد يعود على الإيتاء، ويكون المعنى: يعطي المال ويحب الإعطاء رغبةً في ثواب الله، وقد يعود الضمير إلى اسم الله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ [البقرة: 177]: أي: يعطون المال على حبّ الله؛ طلبًا لمرضاته[30].

وكانت المعالجة الصوتية والصرفية أقلّ من نظائرهما النحوية والدلالية، وقد يبدو أن هذا الأمر طبيعي؛ نظرًا لأن المعالجة النحوية تتعلّق بالجملة والتركيب، والسياق بطبيعته في الجمل يكون طويلَ الامتداد؛ مما يوسّع دائرة الاحتمالات في المعنى أكثر، فإشكالات المعالجة النحوية أغزر مما يكون على مستوى المفردة، مع وجود البلاغة في كلّ مستويات اللغة.

وأمّا على المستوى الدلالي فيلمح في الكلمات المفردة، والتي قد تحمل أكثر من معنى، فتضفي ثراءً في المعاني المتعدّدة، والتي تتوافق مع السياق الواردة فيه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة: 78]؛ فإنّ لفظة (أمانيّ) تحتمل عدّة معانٍ، أحدها: ما تخيّله الإنسان، فيقدِّرُ في نفسِه وقوعَه ويحدِّثُها بكونه، ويكون معنى الآية ما يعتقدون من أمانيِّهم في أنّ الله لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم؛ ولذلك أعقبه بقوله: ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾. وثاني المعاني: إلّا أكاذيبَ مختلقةً سمعوها من علمائهم فقَبِلُوها على التقليد، ويكون المعنى أنّ الكتابَ الذي بين أيديهم مفترًى مكذوب؛ لا صحةَ له ولا أصل، وهذا المعنى بخلاف الأول الذي يدلّ على صحة الكتاب. وأمّا المعنى الثالث: إلا ما يقرؤون، ويكون المعنى أنهم لا يُجيدون من هذا الكتاب ولا يعرفون إلا قراءتَه فقط، وهي قراءة خالية من الفهم والإفادة[31].

الثاني: الجانب السياقي (المقامي): ويقصد به: البيئة الخارجية للنصّ التي تحيط بالكلام من حال المخاطَب، والموضوع، والغرض، وأسباب النزول، ويُطلق عليه سياق الحال، وسياق الموقف، والسياق الخارجي، والسياق الظرفي، وبساط الكلام[32]. وتفسير الرازي يزخر بالجانب المقامي، وكلّ ما من شأنه أن يثريَ المعنى، وهذا أسهم في أن يجد المؤلِّفُ مادةً غنية يقوّم على أساسها دراسته في هذا الجانب، والدراسات التي تناولت هذا التفسير من هذا الجانب كثيرة، ومن الأمثلة التي أوردها المؤلِّف في الجانب المقامي كثيرة، أذكرُ منها ما يتعلّق بتعدّد المعنى من سبب النزول؛ ليتضح المقام بالمقال، يقول تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 89]، فقوله: ﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، حيث يتعدّد المعنى؛ بناءً على سبب النزول؛ أحدها: أنّ اليهود مِن قبلِ مبعثِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ونزولِ القرآن كانوا يستفتحون؛ أي: يسألون الفتحَ والنُّصرة، وكانوا يقولون: اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي الأمّي.

الثاني: كانوا يقولون لمُخالِفيهم عند القتال: هذا نبيّ أطلَّ زمانُه ينصرنا عليكم.

الثالث: كانوا يسألون العربَ عن مولده ويصفونه بأنه نبيٌّ من صفتِه كذا وكذا.

الرابع: أنها نزلت في بني قريظة والنضير، كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث.

الخامس: نزلت في أحبار اليهود كانوا إذا قرؤوا وذَكروا محمدًا في التوراة أنه مبعوث وأنه من العرب؛ سألوا مشركي العرب عن تلك الصفات ليعلموا أنه هل وُلد فيهم مَن يُوافِقُ حالُه حالَ هذا المبعوث[33].

أبرز مزايا الكتاب:

1- جودة الموضوع الذي بحثه ودرَسه المؤلِّف، حيث إنّ تعدد المعاني سمة في اللسان العربي، وخاصية متفردة في النّظْم الكريم، وإنها من سمات إعجازه.

2- أكّد لنا موضوعُ تعدّد المعاني في القرآن الكريم إعجازَه، وبلوغَه الذروة في الفصاحة والبيان، وأنّ تعدّد المعاني فيه من باب التجاور والتآزر لا التدافع، وقد يكون المعنى المتعدد كلّه مرادًا.

3- لم يقتصر البحث عن موضوع تعدّد المعنى في الجانب اللغوي، فوجدنا أنّ المؤلِّف عند دراسته للمصطلح وسّع دائرة البحث ولامسَ المصطلح في أكثر من حقل من حقول المعرفة.

4- أحسن المؤلِّف في اختيار تفسير الإمام الرازي؛ لكونه من التفاسير المتقدمة والموسوعية، والذي امتلأ تفسيره بتوجيه المعاني، وكثير من الظواهر السياقية بشقّيها المقالي والمقامي.

5- لم يقتصر المؤلِّف على اجتناء المعاني من جانب واحد من اللغة، إنما درس تعدّد المعنى من جميع جوانب اللغة الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية مما أثرى المعاني بطريقة علمية منهجية، كلّ أمثلته مصقولة على جانب من جوانب اللغة، وإن كانت منثورة في كتب التفسير.

أبرز الملحوظات:

1- نلمح من كلام المؤلِّف أنه جعل التفسير بالرأي مقابلًا للمأثور[34]، في حين أنّ التفسير بالرأي يعضد المأثور ولا يعارضه، وقد لُوحظ أنّ التفسير بالرأي قد يكون بسطًا للتفسير المأثور، أو إخراجًا له على شكل قاعدة لغوية[35]، وبذلك يكون التفسيران مكمّلَين لبعضهما، أمّا مسألة التأويل التي يقوم عليها التفسير بالرأي فلها ضوابطها وقواعدها التي لا تخرج عن مقاصد الشريعة[36].

2- يتشكّل تعدّد المعنى بحسَب المنهج المتبع في الحقل المعرفي، سواءٌ عند المفسِّرين أو الأصوليين أو اللغويين أو البلاغيين، ولم يفصل المؤلِّف بين حقول المعرفة في التنظير لمصطلح تعدّد المعنى، حيث لكلّ حقل معرفي حدوده المعرفية وطرائقه المنهجية التي تثوِّر المعاني القرآنية[37]، فتعدّد المعاني عند النقّاد منشؤه الذّوْق، وعند اللغويين منشؤه القاعدة، وعند الأصوليين منشؤه الأحكام المترتّبة عليها، وعند البلاغيين منشؤه الذّوْق وقواعد اللغة، وعند المفسِّرين تتداخل أمورٌ عدّة في تعدّد المعاني، وهذه ناحية لو التفَتَ إليها المؤلِّف لأضفَى بصيرةً للقارئ يتبصّر على أثرها حركة المعاني عند كلّ تخصص.

3- في الفصل الرابع (الأسباب الدلالية لتعدد المعنى)، المبحث الخامس (أسباب سياقية أخرى)، حدث تداخل بين السياق المقالي وبعض مطالب المباحث، ما أدى إلى تكرار بعض الظواهر، والأَوْلَى أن يفرد مبحث العموم والخصوص[38]، والالتفات والخبر والإنشاء والحذف في فصل مستقلّ، من الممكن أن يُطلق عليه: الأسباب البلاغية في تعدد المعنى، ولعلّ غياب هذا التصوّر هو ما جعله يدرج الخبر والإنشاء في عنوان مستقلّ رغم أنه أورد كثيرًا من أمثلة الخبر والإنشاء في فصل الأصوات مبحث التنغيم، ويبقى للسياق حضوره البارز في جميع فصول الكتاب.

خاتمة:

يسعى كتاب (تعدّد المعنى في النصّ القرآني؛ دراسة دلالية في مفاتيح الغيب للإمام الرازي) إلى تأصيل ظاهرة تعدّد المعاني، من حيث الجانب اللغوي، ومن ناحية سبكه للمصطلح المتناثر في كتب التراث، وهذا الذي دعاه إلى تتبّع حركة المصطلح في أكثر من حقل معرفي؛ إِذْ إنّ تعدّد المعنى واتساعه هي ظاهرة تمسّ اللسان العربي على وجه العموم، وقد رأينا كيف أنّ هذه الظاهرة كانت حاضرة حضورًا بارزًا عند المفسِّرين واللغويين والأصوليين والبلاغيين وأصحاب المعاجم والنقّاد، وهذا الأمر يقودنا إلى أنّ العلم وشيجةٌ واحدة، وجاء هذا التباين؛ تدرُّجًا إلى صحة الفهم وشمولية التصوّر الكلي للعلم والمعرفة، وقد رأينا من الجانب التطبيقي كيف اتخذ المؤلِّف من تفسير مفاتيح الغيب للرازي مادة خصبة ثرية، استطاع من خلال الدراسة الدلالية أن يبين عن تعدّد المعاني من السياقين المقالي المتمثّل بالجوانب الصوتية والصرفية والنحوية، وبالسياق المقامي الذي تمثّل في ملابسات النزول والمناسبات بين الآيات، وتأسيسًا على ذلك وجدنا أنّ المعاني القرآنية المحمولة على الألفاظ فيها سخاء بالمعاني والحكم والهدايات الربانية بما يطابق الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة، وبذلك يتبيّن لنا شيء من الإعجاز في طريقة صياغة الجُمَل القرآنية التي أدّت أكثر من معنًى وبطرقٍ متنوّعة، إمّا يكون بطريقة التنغيم والأداء الصوتي، أو الصيغة الصرفية الذي تجدها مبسوطة المعاني بما يعضدها السياق القرآني، أو التركيب النحوي الذي يَسَعُ لعدّة معانٍ، وقد تكون تلك المعاني مرادةً جميعَها في السياق الذي وردتْ فيه، وتلك الألفاظ المصطفاة التي لا يكون لغيرها مؤدّى من ثراء المعاني التي جاءت فيه، وكلّ هذا التنوّع من دون أن يخلّ ذلك بفهم المتلقي أو يشكِل عليه لما هو مراد من التركيب الشريف، وأحسبُ أنّ الجهود في مثل هذه الدراسة تحتاج جهدًا أكبر في سبر غور تعدّد المعاني القرآنية، واستنبات النكات البلاغية المتولّدة من هذه الظاهرة، والتراث التفسيري غنيّ بهذه التوجيهات التي تتطلّب منّا جمعها ودراستها والوقوف عليها.

رَحِمَ اللهُ علماءَنا ومشايخنا، واللهُ الهادي والميسِّر، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

[1] رحم اللهُ أبا الدرداء الصحابي قائل هذه العبارة. أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى، بإسناد صحيح (10/ 255)، برقم: (30677).

[2] لا أظنّ أن هذا الحكم يخفى على ذوي البصيرة، ومن أراد أن يطّلع على دراسة ينظر فيها ميزة العربية على أشهر اللغات، فليطلع على كتاب: منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة؛ دراسة تقابلية، للدكتور/ عبد المجيد الطيب عمر، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1439هـ.

[3] من الكتابات الجيدة في هذا الموضوع كتاب: خصائص اللغة العربية؛ تفصيل وتحقيق، للدكتور/ محمد حسن حسن جبل، دار الفكر العربي، الكتاب مكون من 156 صفحة.

[4] النبأ العظيم، للدكتور/ عبد الله دراز، ص162.

[5] كما في كتاب: المشترك اللغوي في القرآن الكريم؛ الصرفي - المعجمي - النحوي - الأسلوبي، للدكتور/ مهدي أسعد عرار، والذي يبلغ 538 صفحة مقسمة إلى أربعة مطالب هي المذكورة في عنوان الكتاب، وكلّ أمثلة المؤلِّف كما هو واضح من القرآن الكريم، وعليها تعليقات واستنباطات المفسِّرين واللغويين والبلاغيين.

[6] يبلغ عدد صفحات الكتاب 275 صفحة، من منشورات مكتبة زهراء الشرق، 1441هـ= 2019م.

[7] هو أستاذ العلوم اللغوية، ورئيس قسم اللغة العربية في كلية الإلهيات بجامعة قسطموني، بتركيا.

[8] للشيخ الدكتور/ عبد الرحمن بن معاضة حلقات على اليوتيوب ذكر فيها نبذة عن التفاسير وأصحابها، ومن ضمن الحلقات حلقة عن السيوطي وكتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور: youtu.be/Zc_-WJNbgyM، وأخرى عن تفسير مفاتيح الغيب للرازي: youtu.be/AaV2GTZD2i8.

[9] أشار المؤلِّف إلى دراستين هما: ثراء المعنى في القرآن الكريم، للباحث التركي محمد خليل، وهذه الدراسة بحسَب رأي المؤلف غير عميقة في الجانب اللغوي، وتعتمد على عاطفة المؤلِّف الجيّاشة أكثر من اعتمادها على المعطيات اللغوية. والدراسة الثانية هي: تعدد المعنى في القرآن الكريم؛ دراسة دلالية، للدكتور/ عبد الرحمن أمين، وهي دراسة بعيدة كل البعد عن ظاهرة تعدد المعنى، ولم تمسَّها من قريب أو بعيد، وأنها اهتمت بالوجوه والنظائر. ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص6.

[10] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص5.

[11] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص34.

[12] من الدراسات التي عنيت بدراسة هذا التفسير دراسة بعنوان: الرازي مفسِّرًا، للدكتور/ محسن عبد الحميد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974م.

[13] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص35- 42.

[14] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص13- 29.

[15] تعدد المعنى في النص القرآني، ص31.

[16] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص32.

[17] ينظر: الأسس المنهجية لدراسة البلاغة القرآنية، للدكتور/ يوسف العليوي، ص50.

[18] التفسير بالمأثور كما عرّفه الدكتور/ مساعد الطيار: «هو ما أُثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته وتابعيهم وتابعي تابعيهم». ينظر: موسوعة التفسير المأثور، مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، التمهيد، المبحث الأول: التفسير المأثور؛ تعريفه وبيان أهميته ومصادره وأنواعه وحجيته، المطلب الأول: تعريف التفسير المأثور، (1/ 118).

[19] التفسير بالرأي، يقوم على ركنين: استعمال اللغة في عرف أهلها، والنظر في قواعد اللغة. ينظر: المقدمات الأساسية في علوم القرآن، للدكتور/ عبد الله الجديع، ص332.

[20] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص12، 13، 33، 34، 35.

[21] من المعلوم أن التفسير بالرأي بدأ مع الصحابة -رضوان الله عليهم- وليس كما هو شائع الآن أنه بدأ في القرن الثاني أو بعده، وبذلك يكون التفسير بالرأي بدأ مع التفسير المأثور. ينظر: فصول في أصول التفسير، للدكتور/ مساعد بن سليمان الطيار، ص47 وما بعدها.

[22] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص47.

[23] مما يجدر التنبيه عليه هو «أن التفسير بالمأثور الثابت بالنصّ القطعي لا يمكن أن يُعارَض بالتفسير بالرأي؛ لأن الرأي: إمّا ظني، وإمّا قطعي؛ أي: مستندٌ إلى دليل قطعي: من عقل أو نقل، فإن كان قطعيًّا فلا تعارض بين قطعيَّين، بل يؤول بالمأثور؛ ليرجع إلى الرأي المستند إلى القطعي إن أمكن تأويله، جمعًا بين الدليلين، وإن لم يمكن تأويله، حُمل اللفظ الكريم على ما يقتضيه الرأي والاجتهاد، تقديمًا للأرجح على المرجوح، أمّا إذا كان الرأي ظنيًّا، بأنْ خلا من الدليل القاطع، واستند إلى الأمارات والقرائن الظاهرة فقط، فإنّ المأثور القطعي يقدم على الرأي الظني ضرورة أن اليقين أقوى من الظن، ...أمّا إذا كان المأثور غير قطعي في دلالته؛ لكونه ليس نصًّا، أو في متنه؛ لكنه خبر آحاد، ثم عارضه التفسير بالرأي فلا يخلو الحال: إمّا أن يكون ما حصل فيه التعارض مما لا مجال للرأي فيه، وحينئذ فالمعوّل عليه المأثور فقط، ولا يُقبل الرأي، وإن كان فيه مجال فإن أمكن الجمع فبها ونعمت، وإن لم يمكن، قُدِّمَ المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة؛ لأنهم شهدوا الوحي، وبعيد عليهم أن يتكلموا في القرآن بمجرّد الهوى». التفسير المأثور، مركز الدراسات والمعلومات القرآنية، ص116.

[24] أخرج مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي (موسوعة التفسير المأثور) فجعل كتاب الدر المنثور أصلًا، ثم زاد عليه من كتب التفاسير والحديث والسِّيَر والتراجم، وهي تعدُّ من مفاخر هذا العصر؛ لما بُذل فيها من جمعٍ وتأصيل. للشيخ الدكتور/ عبد الرحمن الشهري مقطع في اليوتيوب عَرّف فيه بالموسوعة والجهد العظيم المبذول فيها؛ من جمع كلّ ما قيل في التفسير المأثور، مضافًا إليها تعليقات أبرز المفسِّرين من: الطبري (310هـ)، وابن عطية (542هـ)، وابن تيمية (728هـ)، وابن القيّم (751هـ) وابن كثير (774هـ): youtu.be/CQxNrte6NEw

[25] ينظر: تعدد المعنى في النصّ القرآني، ص46.

[26] ينظر: علم الدلالة، للدكتور/ أحمد مختار عمر، ص11- 14.

[27] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص56.

[28] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص63.

[29] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص84.

[30] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص140.

[31] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص188.

[32] ينظر: الأسس المنهجية لدراسة البلاغة القرآنية، للدكتور/ يوسف العليوي، ص50.

[33] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص229.

[34] ينظر: تعدد المعنى في النص القرآني، ص219.

[35] على سبيل المثال، ينظر: تعدد المعنى في النصّ القرآني، ص47.

[36] ينظر: الميسر في علوم القرآن، إعداد مركز الدراسات والمعلومات القرآنية بمعهد الإمام الشاطبي، ص191.

[37] من الدراسات التي التفتت لهذا الموضوع دراسة بعنوان: معاني حرف الفاء بين النحاة والأصوليين والفقهاء، للدكتور/ عبد الرحمن بن محمد القرني، الطبعة الأولى، 1443هـ. مكتبة الرشد، 575 صفحة.

[38] مبحث العموم والخصوص يبحث -كما هو معلوم- عند الأصوليين.

الكاتب

الدكتور محسن بن علي الشهري

حاصل على الدكتوراه من كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، وله عدد من الأعمال العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))