الحج وعبودية المراغمة

تحمل فريضة الحج الكثير من الدلالات والمقاصد والعبر والدروس، هذه المقالة تحاول تسليط الضوء على أحد صور العبادات التي لها حضورٌ في الحجّ (عبوديةُ المراغَمَةِ)، فتعرض لهذه العبودية وتسلِّط الضوء على ملامحها الحاضرة في فريضة الحج من خلال تأمل سورة الحج والمناسك الخاصة بالحج.

  الحمدُ لله وحده، صَدَق وَعْدَه، ونصَر عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحده، والصلاةُ والسلام على مَن لا نَبِيَّ بعدَه، محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وآله وأصحابه ومَنِ اتَّبع نهجه ولزم حدَّه، وبعد:

فمن العبادات التي قد يغفُل عنها بعض المسلمين -لا سيما في عصرنا- عبودية المراغمة، مع أنَّها ضربٌ عزيز من ضروب الجهاد.

وإذا كان المسلم مأمورًا باستعمال اللِّين في الدعوة إلى الله -عزّ وجل-، فإنَّه مأمور بمراغَمةِ مَن استبانَت عداوتُه واستحالتْ مودَّتُه من شياطين الإنس والجنِّ.

ولـمَّا كان هذا المعنى حاضرًا في فريضة الحجّ حتى لَيَصِحّ أن يُقال بأنه أحد مقاصده؛ فقد عمدتُ في هذه المقالة إلى الربط بين الحجّ والمراغمة من خلال القرآن الكريم عامَّة، وسورة الحجّ خاصّة.

وعليه؛ فقد انتظمت هذه المقالة في تمهيد للتعريف بعبودية المراغمة، وبيان بعض مفرداتها من خلال الوحيين، ثم يأتي لُبُّ المقالة في بيان ارتباط عبودية المراغمة بسورة الحجّ، مع التركيز على تجلية هذا الحضور في فريضة الحجِّ.

عبودية المراغمة:

المراغَمة: الإغضاب، يقال: راغمتُ فلانًا: إذا أغضبته، ويقال: أَرْغَمَ اللهُ أنفَه، وأَرْغَمَهُ: أسخطه، ورَاغَمَهُ: ساخطه[1].

وعبودية المراغمة: أن يُراغِم المسلمُ عَدُوَّه بمخالفة مبتغاه فيه، وإظهار ما يَغيظه، وهو مما يُؤْجَر عليه المسلم بحسَبِ اجتهادِه فيها، ووَقْعِ مُراغمته على عدُوّ الله وعدوّه.

وقد جعله الله -عز وجلّ- أحد مقاصد الجهاد، فقال: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة: 120]، واستدلّ قَوْمٌ بهذه الآية على أنّ وَطْءَ ديار العدوّ إذا كان بمثابة النّيْلِ منهم وأخْذِ أموالهم وقتْلِهم وأسْرِهم فإنّ الفارس يستحقّ سهم الفرس بدخول أرض الحرب، وذلك أنّ وطءَ ديارهم يُدْخِل الذُّلَّ عليهم كما تُدخله تلك الأشياء، ولذلك قال عليٌّ -رضي الله عنه-: ما وُطِئَ قومٌ في عُقْرِ ديارهم إلا ذُلُّوا[2].

وقال تعالى في وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: 29]. فهُم مع رحمتهم بعضهم بعضًا أشدّاءُ على الكفّار، ومع شدَّة خشوعهم لله تعالى وتذلُّلهم له أعِزَّةٌ على أعدائهم، وهم يدٌ على مَن عاداهم، فكانوا أغيظَ شيءٍ عليهم، وأرغمه لأنوفهم.

وجماع المراغمة أن يُنظر على أيّ حالٍ يريدك الله -عز وجل-، وعلى أيِّ حالٍ يتمنَّى العدوُّ أن يراكَ فتخالف عن أمنية العدوِّ إلى مراد الله -عز وجل-.

وعن سَبْرَةَ بنِ أَبِي فَاكِهٍ -رضي الله عنه- قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنّ الشيطان قعدَ لابن ‌آدم ‌بأَطرُقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال له: أَتُسلِمُ وتذرُ دينَك ودينَ آبائك وآباءِ أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال: أَتهاجِر وتذرُ أرضَك وسماءك، وإنما مَثَلُ المهاجر كَمَثَلِ الفرَس في الطِّوَل؟ قال: فعصاه فهاجر. قال: ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: هو جَهْدُ النفسِ والمالِ، فتقاتِل فتُقتَل، فتُنْكَح المرأةُ، ويُقسم المالُ! قال: فعصاه فجاهد. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فمن فعل ذلك منهم فمَات؛ كان حقًّا على الله أن يُدْخِلَه الجنة، أو قُتل كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، وإنْ غَرِقَ كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصَتْه دابةٌ كان حقًّا على الله أن يدخله الجنة)[3].

وهذا الحديث أصلٌ في عبودية المُراغمة للشيطان الذي هو العدوُّ الأول للمسلم.

يقول ابن القيّم: «كلّما جدّ [السالك] في الاستقامة والدعوة إلى الله، والقيام له بأمره، جدَّ العدو في إغراء السفهاء به، فهو في هذه العقبة قد لبس لَأمة الحرب، وأخذ في محاربة العدو لله وبالله، فعبوديته فيها عبودية خواصّ العارفين، وهي تسمى عبودية المراغمة، ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامّة، ولا شيء أحبّ إلى الله من مراغمة وليّه لعدوّه، وإغاظته له، وقد أشار -سبحانه- إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه؛ أحدها: قوله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}[النساء: 100]، سمَّى المهاجرَ الذي يهاجر إلى عبادة الله مراغمًا يراغم به عدوّ الله وعدوّه، والله يحب مِن وليّه مراغمة عدوّه، وإغاظته،كما قال تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[التوبة: 120]. وقال تعالى في مَثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتْباعِه: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}[الفتح: 29]؛ فمغايظة الكفار غايةٌ محبوبة للرّب مطلوبة له، وموافقتُه فيها مِن كمال العبودية. وشرع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- للمصلِّي إذا سَهَا في صلاته سجدتين، وقال: (إنْ كانَت صلاتُه تامّةً كانتا تُرغِمَانِ أنْفَ الشيطان)، وفي رواية: (ترغيمًا للشيطان)[4]، وسمّاهما المرغِمتَين. فمَن تعبّدَ اللهَ بمراغمة عدوّه، فقد أخذ من الصدّيقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربّه وموالاته ومعاداته لعدوّه يكون نصيبه من هذه المراغمة، ولأجل هذه المراغمة حُمد التبختر بين الصفين، والخيلاء والتبختر عند صدقة السرّ، حيث لا يراه إلا الله، لما في ذلك من إرغام العدوّ، وبذل محبوبه من نفسِه ومالِه لله -عز وجل-. وهذا باب من العبودية لا يعرفه إلا القليل من الناس، ومَن ذاق طعمَه ولذّته بكى على أيامه الأُوَل... وصاحِبُ هذا المقام إذا نظر إلى الشيطان، ولاحظه في الذنب، راغمه بالتوبة النصوح، فأحدثت له هذه المراغمة عبودية أخرى»[5].

فرأس المراغمةِ الإسلامُ لله والانقيادُ له قلبًا وقالَبًا، والهجرة والجهاد في سبيله، وتقوى الله، والتوبة من قريبٍ. وبالجملة؛ فكلُّ طاعة لله، وكلُّ مخالفة للشيطان مراغمةٌ له، ولكن تتفاوت الطاعات فبعضها أغيظ للشيطان خاصّة، ولأعداء الله عامَّة كما دلَّ عليه الدليل.

***

الحج والمراغمة في ضوء سورة الحجّ:

سورة الحجّ بعضها مَكّيٌّ وبعضها مدنيٌّ على الراجح، وليس لها اسمٌ إلا (الحجّ)، ووجه تسميتها به أنَّ الله ذَكَرَ فيها كيف أمَرَ إبراهيمَ -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك تنويهًا بالحجِّ وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعًا للذين يصدّون المؤمنين عن المسجد الحرام[6].

وإنَّ المتدبِّر لسورة الحجّ يرى جليًّا أنها قد أوعت شذرات من عبودية المراغمة، فافتُتحت بالأمر بالتقوى، والتحذير من الجدال في الله بغير علمٍ، واتّباع كلِّ شيطان مريدٍ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}[الحج: 3- 4]، وفيها فضحُ كيد الشياطين وبيانُ بعض أساليب مكرهم وإغوائهم، وتجلية غايتهم ومقصدهم.

وفي السورة كذلك فضحُ ما في قلوب شياطين الإنس والجنّ من الغيظ والحنق على محمد -صلى الله عليه وسلم- وكشفُ ما يتمنون من هزيمته، وذلك قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}[الحج: 15]، وهو تهكُّمٌ بهم؛ كقول القائل: دونك الحبلَ فاختنق، يُقال ذلك للذي يريد من الأمر ما لا يمكنه[7]. وفيه من المراغمة ما فيه، فمَن كان يظنّ مِن حاسدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعاديه أنَّ الله لا ينصره، فهو يطمع في ذلك، ويغيظه أن يحصل ضدّه من نصر الله له فليستقص وسعه وليستفرغ مجهوده في إزالة ما يغيظه، بأن يفعل ما يفعل مَن بلغ منه الغيظ كلّ مبلغ حتى مدّ حبلًا إلى سماء بيته فاختنق، فلينظر وليصوّر في نفسه أنه إن فعل ذلك هل يذهب نصر الله الذي يغيظه[8]؟

وفيها الأمر بالحج، وبيان مقاصده، وبه سُمِّيت السورة الكريمة. وسيأتي الحديث عنه موسَّعًا.

وفيها الأمر المتكرّر بذكر الله تعالى، والتنويه بشرفه بأكثرَ من أسلوبٍ؛ كقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}[الحج: 28]، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج: 34]، وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}[الحج: 35]، وقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ}[الحج: 36]، وقوله تعالى: {وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا}[الحج: 40].

وذِكرُ الله تعالى -لا شكَّ- قاطِعٌ دابرَ الشيطان، وإنما غاية مراد الشيطان أن يصدَّ الناس عن ذكر الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}[المائدة: 91].

ولذا كان من مراغمة الشيطان المداومةُ على ذِكر الله تعالى، وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}[الناس: 4]، قالَ: (الشّيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدَمَ، فإِذا سَهَا وغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ). فالذِّكْر حصن حصين من الشيطان وحزبه، والأدلة على ذلك كثيرة مشهورة.

وفيها الأمر باجتناب الرّجْس من الأوثان وهي رموز الشِّرْك، واجتنابُها مراغمة للعاكفين عليها والآمرين بالعكوف عليها من شياطين الجنّ والإنس.

وفي المقابل جاءت السورة الكريمة بالأمر بتعظيم شعائر الله، وتعظيم حرماته، وتعظيم مناسكه، فأسقطت رموز الشِّرْك، وأقامت رموز الإسلام معظَّمة في قلوب المسلمين، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج: 30]، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].

ومن لطائفها أنها السورة الوحيدة التي بها سجدتان، والسجود ترغيمٌ للشيطان وإذلالٌ له، وإذا مَرَّ القارئ بسجدة التلاوة فسجد كان ذلك على الشيطان شديدًا.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعتَزَلَ الشّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُول: يا وَيْلِي؛ أُمِرَ ابنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ)[9].

ووُرود سجدتين بهذه السورة الكريمة خصيصة لها لا يشاركها فيها غيرها من سور القرآن العظيم.

فعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنَّه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله؛ أَفُضِّلَتْ سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: (نعم، فمَن لم ‌يَسجُدْهُما فلا يَقرَأْهُما)[10].

وعن خالد بن معدان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فُضِّلَتْ سورة الحج على غيرها بسجدتين)[11].

وعن عمر -رضي الله عنه- أنه ‌سجد ‌في ‌الحجّ سجدتين، وقال: (إنّ هذه السورة فُضِّلَت على [سائر] السورِ بسجدتين)[12].

وعن نَبِيهِ بن صؤاب، قال: صليتُ مع عمر بن الخطاب بالجابية صلاة الصبح، فقرأ بسورة الحجّ فسجد فيها سجدتين، ثم قال: (إنّ هذه السورة فضِّلت على السور بسجدتين)[13].

وكذا ورد عن عثمان[14]، وعليٍّ[15]، وابن مسعود[16]، وعمّار بن ياسر[17]، وأبي موسى الأشعري[18]، وأبي الدرداء[19]، وعبد الله بن عمرو[20] -رضي الله عنهم- أنَّهم سجدوا في سورة (الحجّ) سجدتين.

 وعن أبي العالية، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: (في سورة الحج سجدتان)[21].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال: (إن هذه السورة فضِّلت بسجدتين)[22].

فهذا قاطع بفضيلة سورة الحج من جهة اشتمالها على سجدتَيْن، وهذا أشدُّ شيء مراغمة للشيطان.

وهي السورة التي فَتَحَتْ باب الجهاد أمام المسلمين بعد أن كانوا مَنْهِيِّين عنه، وذلك قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}[الحج: 39]، قال الإمام الشافعيّ: «فأذِنَ لهم بأحد الجهادين: بالهجرة قبل أن يؤذن لهم بأن يبتدِئُوا مشركًا بقتال، ثم أذن لهم بأن يبتدئوا المشركين بقتال»[23].

والجهاد الميدان الأكبر لمراغمة الشيطان وحزبه من الكفرة الفجرة. فَلَكَ أن تتصوَّر وقْعَ هذه الآية عليهم حين نزلتْ بالإذن بالجهاد.

وفي السورة إشارة إلى مصارع المشركين الظالمين، وهي مشاهدُ جاثمةٌ على صدور أصحابهم من الكفَّار إلى يوم الدين، كلّما نظروا إليها أورثتهم ذُلًّا وصغارًا، لو كانوا يعقلون: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج: 45- 46].

وفيها ورد اسما الله (القويّ العزيز) مقترنين مرتين، وفي سائر القرآن مرتين: {إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: 40، 74]، مع ملاحظة أنَّ صيغة ورودهما في غيرها: {إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحديد: 25، المجادلة: 21]. والأُولى آكد لمكان اللام، واقترانهما أدلُّ على إرغام أنف الكافر وإذلاله، وإن اعتزى إلى مَلَئِه واغترَّ بقوّته.

وفيها ذكرُ الهجرة وامتداحُها؛ وهي الجهاد الأوّل، ومنطلق الإسلام إلى العالمية المؤذِن بانحسار الكُفْر ودولته.

وفي أحد أعظم مشاهد المراغمة تحدَّاهم الله -عزّ وجلّ- وتحدَّى آلهتهم بخلق ذبابة حقيرة ولو اجتمعوا لها، ويبقى التحدِّي قائمًا إلى يوم القيامة دليلَ عجزِ مَنْ علموا ظاهرًا من الحياة الدُّنيا وظنوا أنهم قادرون عليها.

 ثم خُتمت السورة الكريمة بالأمر بالاعتصام والاجتماع تحت مسمَّى الإسلام الذي لا تحزُّب فيه ولا افتراق.

فلعلَّ سورة الحجّ من أكثر السّور التي تقصَّدَتْ هذا الأمر، فكانت سورة الحجّ كفريضته تأكيدًا على منزلة عبودية المراغمة. والله تعالى أعلم.

فريضة الحج والمراغمة:

من أهم المقاصد التي جاءتْ بها سورة الحجّ التنويهُ بفريضة الحجّ، وذِكْرُ كيف أمَر اللهُ تعالى نبيَّه إبراهيمَ -صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إليها، وذكرُ بعض ما شرع للناس من المناسك، وما لهم فيها من المنافع.

قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: 26- 27].

هذا؛ وإنَّ المتأمّل في فريضة الحجّ ومناسكه لا يُخطئ أن يرى أنَّ من أهمِّ مقاصد الحجِّ مراغمةَ أعداء الله تعالى ومغايظتَهم.

كيف لا، والحجُّ جهادٌ كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير ما حديثٍ؛ فعن عائشةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يا رسولَ اللهِ؛ نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العملِ، أَفَلا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: (لا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ)[24].

وعن الحسين بن عليٍّ -رضي الله عنهما- أنَّ رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني جبان، وإني ضعيف، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (هَلُمَّ إلى جهاد لا شوكة فيه: الحجّ)[25].

فلمَّا كان الحجُّ عبادة جامعة للنُّسك الظاهر والتقوى وتعظيم الشعائر والحرمات ظاهرًا وباطنًا، وكان عبادة مالية وبدنية، وكان استسلامًا وجهادًا وهجرةً = كان حريًّا أن يُتَحَرَّى فيه نية المراغمة لأعداء الله تعالى، وقصد إظهار عزّة الإسلام والمسلمين، فالحجُّ كلُّه مراغمةٌ للشيطان ولأعداء الله الذين يغيظهم اجتماع المسلمين على ما هداهم الله إليه من المناسك.

 والمتتبع لأعمال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأوامره في حجّته وعُمرته يرى من عبادة المراغمة المعنى الجليَّ. وهذا ما نبيّنه في السطور التالية.

الإنفاق واجتناب الرفث والفسوق والجدال:

إنَّ الحاجَّ يراغم الشيطان من أوّل أن يَفرِض الحجَّ وينويه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: 197].

فهو يخالف مُبتغى الشيطان فيه بالإنفاق والتقوى، والتعفُّف عن الفُحش والفحشاء والفسوق والجدال، ويجتنب الخبائث مخالفةً لأمر الشيطان؛ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: 168- 169]، ولقوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 268].

فكلُّ ما يأمر به الشيطانُ يفعل الحاجُّ عكسه. وفي الحجِّ تحضر معاني هذه المخالفةِ بوضوحٍ؛ فعلاوة على التعفُّف وضبط اللّسان وصونه عن الفحش والتفحّش والجدال، فالحجُّ قائم على البذل والإنفاق؛ ولذا عزَّى الله تعالى الحاجَّ الذي تتصعَّب عليه هذه النفقة بأن جعلها سببَ نفي الفقرِ عنه، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: (تابِعُوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإنهما ‌يَنفِيَانِ ‌الفقرَ والذّنوبَ كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضة)[26].

ومما يجب التنبّه له أنَّ التبذير في غير محلّه من الأمور التي يفرح بها الشيطان، قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء: 26- 27]فيجب على الحاجّ أن يتجنَّب التبذير والإسراف في غير محلّه.

كما يحسن بكثير من المسلمين الذين يقعدون عن حجّة الإسلام وعمرته متعلِّلين بضيق ذات اليد، وهم مسرفون مبذِّرون، ولو اقتصدوا كما أمرهم الله لأُعِينوا على الحجِّ والعمرة كما أمرهم الله، ولكن لمّا أرضَوا الشيطان بالتبذير عسر عليهم إرضاء الله تعالى بالحجّ والعمرة.

وليس عجيبًا أن تجد أشدَّ الناس بُخلًا وشُحًّا هم أشدَّهم إسرافًا؛ ذلك أنَّ الشيطان يطلبهم إلى بُغيته من كلّ طريق فيه معصيةٌ لأمر الله تعالى؛ فمَن انقاد له من طريق البُخل انقاد له من طريق الإسراف، وكلاهما من بابةٍ واحدة، وهذا أمرٌ ملموس. فتأمل!

ومن تلبيس الشيطان على بعض بني جلدتنا أن يسوِّل لهم الدعوة إلى تعطيل الحجِّ وتحويل نفقته إلى الفقراء والمساكين زاعمين أنّ ذلك أعظمُ أجرًا، وأنَّه من فقه الأولويات، وقد علِم الشيطان وحزبُه أن مَن التزم الحَجَّ والعمرةَ هم أكثر الناس إنفاقًا وأوفرهم غِنى نفسٍ وأحراهم بالعطف على المحتاج، ولو عُطِّلت هذه الفريضة لضاعَ الفقراءُ والمساكينُ لزامًا. والله المستعان.

اجتماع المسلمين:

ومن أعظم مناسك الحجّ على الإطلاق الوقوف بعرفة، وفيها يجتمع الحجيج في صعيدٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ، في مشهدٍ تهوِي له الأفئدة، وترقّ له القلوب، ويهتزُّ له كِيان كلّ موحّد. وهو أشدُّ شيء مراغمةً للشيطان ولأعداء الله تعالى، أن يُرى المسلمون جماعةً واحدة، وصفًّا كأنهم بنيانٌ مرصوص، قد اجتمعت كلمتهم، وتوحَّد شملهم، وباهى بهم ربُّهم ملائكَته، وغفر لهم ذنوبهم، وأعتق رقابهم من النار، ورجعوا بصحائف صِفرًا من السيئات. ولو اجتمعت كلمة الأمة في سائر أيام العام كما تجتمع كلمة حجيجهم في صعيد عرفة لسادوا العالم، ولَظهروا على كيد عدوّهم ومكره. نسأل اللهَ أن يوحّد كلمتنا، وأن يجمع شملنا.

واجتماع المسلمين على قلبِ رجلٍ واحدٍ في الحجّ من أكبر ما يغيظ الشيطان الذي يريد أن يوقِع العداوة والبغضاء بين المسلمين، وإنما يزين لهم الخمر والميسر وسيلةً إلى هذا المقصود: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}[المائدة: 91].

فكلّما كان المسلمون إخوةً متحابِّين راغموا عدُوَّهم، وقد رضيَ -لعنه الله- بالتحريش بينهم؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)[27].

وهو يجتهد أن يفرّق بين المرء وزوجه وبين المرء وأخيه؛ ولذا يُجنّد سراياه من الجنّ والإنس لهذا الغرض، قال تعالى في شأن السحرة: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ}[البقرة: 102]، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ). قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: (فَيَلْتَزِمُهُ)[28].

ومنه يؤخذ أنَّ حربَ السحر والسحرة وتحقيرَهم وفَضْحَهم وفضحَ أساليبهم مِن مراغمة الشيطان.

الرَّمَل والاضطباع:

ومن المراغمة أمرُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه بالرَّمل والاضطباع إظهارًا لِجَلَدِهم وقوّتهم، وإغاظةً للكفار الذين تقاوَلوا أنَّ المسلمين أنهكتهم حُمَّى يثرب، فعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قَالَ: «قَدِمَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ -رضي الله عنهم- مكّة، وقد وهنتهُم حُمّى يثرب، قال المشركون: إنّهُ يقدمُ عليكُم غدًا قومٌ قد وهنتهُمُ الحُمّى، ولقُوا منها شدّة، فجلسُوا ممّا يلي الحجر، وأمرهُمُ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن يرمُلُوا ثلاثة أشواط، ويمشُوا ما بين الرُّكنين، ليرى المُشركُون جَلَدَهُم، فقال المُشركُون: هؤُلاء الّذين زعمتُم أنّ الحُمّى قد وهنتهُم، هؤُلاء أجلدُ من كذا وكذا». قال ابنُ عبّاس: «ولم يمنعهُ أن يأمُرهُم أن يرمُلُوا الأشواط كُلّها، إلّا الإبقاءُ عليهم»[29].

وكذا سنّ لهم الاضطباع، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- اضطبَعَ فاستلمَ وكبّر، ثُمّ رمل ثلاثة أطواف وكانُوا إذا بلغُوا الرُّكن اليماني وتغيّبُوا من قُريش مشوا، ثُمّ يطلُعُون عليهم يرمُلُون، تقُولُ قُريش: كأنّهُمُ الغزلانُ. قال ابنُ عبّاس: فكانت سُنّة[30].

ومقصود الاضطباع كشف المناكب؛ يقال: اضطبع بِالثَّوْبِ: إِذا جعله تَحت إبطه وَترك مَنْكِبه مكشوفًا[31].

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: «فِيمَ الرَّمَلانُ الْآنَ، وَالْكَشْفُ عَنِ الْمَنَاكِبِ، وَقَدْ أَطَّأَ اللهُ الْإِسْلامَ، وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا نَدَعُ شَيْئًا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-»[32].

ولفظه يدلُّ على أنَّهم كانوا يفعلون ذلك نكايةً في الكفر وأهله، فلمّا ظهر المسلمون لم يرغبوا أن يدَعُوا ما كانوا يفعلونه على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولتبقى سُنَّة شاهدةً على مشروعية المراغمة.

رفع الصوت بالتلبية:

ومن مظاهر مراغمة الكفار بأعمال الحجِّ رفعُ الصوت بالتلبية، فعن ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَمَرَنِي أَنْ أُعْلِنَ التَّلْبِيَةَ)[33].

وعن السائب بن خلاد -رضي الله عنه- عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَتَانِي جِبْرِيلُ -عليه السلام- فَقَالَ: مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ)[34].

وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئل، أيّ الأعمال أفضل؟ قال: (العَجُّ والثَّجّ)[35]، والعجُّ: رفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ، والثجُّ: سيلان دِمَاء الهَدْيِ[36].

وقد امتثل الصحابة -رضي الله عنهم- لذلك، فعن أبي سعيد الخدريِّ -رضي الله عنه- قال: «قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَصْرُخُ بِالْحَجِّ صُرَاخًا»[37].

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: «صَلَّى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالعَصْرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا»[38]، يعني يرفعون أصواتهم ملبِّين بالحجّ والعمرة معًا.

والأصل في الذِّكْر عمومًا أن يكون بصوت معتدل، قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}[الأعراف: 55]، وعن أبي مُوسى الأشعريّ -رضي الله عنه- قال: كُنّا مع رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- فكُنّا إذا أشرفنا على وادٍ، هلّلنا وكبّرنا ارتفعتْ أصواتُنا، فقال النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيُّها النّاسُ اربعُوا على أنفُسكُم، فإنّكُم لا تدعُون أصمّ ولا غائبًا، إنّهُ معكُم إنّهُ سميع قريب، تبارك اسمُهُ وتعالى جدُّهُ»[39].

فلعلّه لمّا كان من مقاصد الحجّ مراغمةُ الأعداء ومغايظتُهم نُدبوا إلى رفع الصوت بالتلبية مراغمة للشيطان وللكفار، فللشيطان لما في التلبية من الإعلان بالانقياد والاستسلام الذي حرم منه الشيطان بكِبْرِه، وللكفار لما فيها من إظهار التوحيد، وقد كانت تلبية رسُول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (لبّيك اللّهُمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والـمُلك، لا شريك لك)[40]، وفيها تكرار لقوله لا شريك له مع إفراده بالحمد والنعمة والملك. وكأنّه -صلى الله عليه وسلم- يؤكّد على مخالفة تلبية المشركين، وقد كانوا يقولون في تلبيتهم: لبّيك لا شريك لك، قال: فيقُولُ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (ويلكُم، قد قد)، فيقُولُون: إلّا شريكًا هُو لك، تملكُهُ وما ملك. يقُولُون هذا وهُم يطُوفُون بالبيت[41].

ومعنى «قدْ قدْ»: يعني كفاكم هذا الكلام فاقتصروا عليه ولا تزيدوا؛ لأنه عَلِم أنهم يُشركون بعده، فيقولون: إلا شريكًا هو لك[42]، فلما حجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خالفهم، كما خالفهم في الإفاضة إِذْ كانوا لا يُفيضون حتى تطلع الشمس، فأفاض -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تطلع الشمس، فعن عُمر -رضي الله عنه- قال: إنّ المُشركين كانُوا لا يُفيضُون من جَمْعٍ، حتّى تشرُق الشّمسُ على ثبير، فخالفهُمُ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فأفاض قبل أن تطلُع الشّمسُ[43].

ومن أذكار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما رَقِيَ على الصفا حتّى رأى البيت فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّرهُ، وقال: (لا إله إلّا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهُو على كُلّ شيء قدير، لا إله إلّا اللهُ وحدهُ، أنجز وعدهُ، ونصر عبدهُ، وهزم الأحزاب وحدهُ»[44].

فأيُّ مراغمة للمشركين هي أشدُّ من التعريض باندحارهم ومَن مالَؤُوهم من الأحزاب على استئصال هذا الدِّين وكسرِ شوكة المسلمين، فكانوا هم المهزومين الأذلّين؟!

نزول المنازل التي تغيظ الكفَّار:

ومن المراغمة أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نزل منزلًا يغيظ الكفّار، وذلك نزوله بخيف بني كنانة، فعن أبي هُريرة -رضي الله عنه- قال: قال النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من الغد يوم النّحر، وهُو بمنى: (نحنُ نازلُون غدًا بخيف بني كنانة، حيثُ تقاسمُوا على الكُفر)، يعني ذلك المُحصّب، وذلك أنّ قُريشًا وكنانة، تحالفتْ على بني هاشم وبني عبد المُطّلب، أو بني المُطّلب: أن لا يُناكحُوهُم ولا يُبايعُوهُم، حتّى يُسْلِمُوا إليهمُ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- [45].

قال ابن الجوزي: «فآثر النُّزُولَ بذلك المكان شكرًا لنعمة الله سُبحانهُ في التّمكين لهُ، ونقضًا لعهدهم»[46]. وقال النووي: «وكان نزوله -صلى الله عليه وسلم- هنا شكرًا لله تعالى على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله تعالى. والله أعلم»[47].

تذكير العدوّ بهزيمته:

ومن ذلك سوقُه في هدايا عام الحديبية جملًا كان لرأس الكفر أبي جهل، فعن ابن عبّاس، أنّ رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى عام الحُديبية في هدايا رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- جملًا كان لأبي جهل، في رأسه بُرّةُ فضّة. زاد النُّفيليُّ: يغيظُ بذلك المُشركين[48].

وقوله: «يغيظ بذلك المشركين»، معناه أنَّ هذا الجمل كان معروفًا بأبي جهل، فحازه النبي -صلى الله عليه وسلم- في سَلَبِه، فكان يغيظهم أن يروه في يدِه وصاحبُه قتيلٌ سَلِيب[49].

رجمُ الشيطانِ رأسِ الكفر:

ومن مناسك المسلمين في حجّهم رميُهم الجمرات، وهي مراغمة للشيطان الرجيم، الذي يجتمع عليه في هذا المشهد من الذُّل والغيظ والهوان ما لم يقع عليه إلا يوم الفرقان يوم بدر، فعن طلحة بن عُبيد الله بن كريز، أنّ رسُول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما رُئِيَ الشّيطانُ يومًا، هُو فيه أصغرُ ولا أدحرُ ولا أحقرُ ولا أغيظُ، منهُ في يوم عرفة. وما ذاك إلّا لما رأى من تنزُّل الرّحمة، وتجاوُز اللّه عن الذُّنُوب العظام، إلّا ما أُري يوم بدر). قيل: وما رأى يوم بدر يا رسُول اللّه؟ قال: (أَمَا إنّهُ قد رأى جبريل يزعُ الملائكة)[50].

وإذا رجعنا إلى سيرة خليل الرحمن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، والذي سُنَّ رمي الجمرات في الحجّ تأسّيًا به نجد أنَّه قد راغم الشيطان بما يعجِز عنه أفذاذ البشر، كيف لا وهو الذي ابتُلِيَ فوفَّى؟

فعن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- في حديث طويل، قال: «إنّ إبراهيم لمّا أُمر بالمناسك، عرض لهُ الشّيطانُ عند المسعى فسابقهُ، فسبقهُ إبراهيمُ، ثُمّ ذهب به جبريلُ إلى جمرة العقبة، فعرض لهُ شيطان -قال يُونُسُ: الشّيطانُ- فرماهُ بسبع حصيات حتّى ذهب، ثُمّ عرض لهُ عند الجمرة الوُسطى فرماهُ بسبع حصيات، قال: قد تلّهُ للجبين -قال يُونُسُ: وثمّ تلّهُ للجبين- وعلى إسماعيل قميص أبيضُ، وقال: يا أبت، إنّهُ ليس لي ثوب تُكَفّنُني فيه غيرُهُ، فاخلعهُ حتّى تُكفّنني فيه، فعالجهُ ليخلعهُ، فنُودي من خلفه: {أن يا إبراهيمُ قد صدّقت الرُّؤيا}[الصافات: 105] فالتفتَ إبراهيمُ، فإذا هُو بكبش أبيض أقرن أعين، قال ابنُ عبّاس: لقد رأيتُنا نتبعُ ذلك الضّرب من الكباش، قال: ثُمّ ذهب به جبريلُ إلى الجمرة القُصوى، فعرض لهُ الشّيطانُ، فرماهُ بسبع حصيات حتّى ذهب...» الحديث[51].

وعن ابن عبّاس رفعهُ قال: «لمّا أتى إبراهيمُ خليلُ الله -صلى الله عليه وسلم- المناسك عرض لهُ الشّيطانُ عند جمرة العقبة فرماهُ بسبع حصيات حتّى ساخ في الأرض، ثُمّ عرض لهُ عند الجمرة الثّانية فرماهُ بسبع حصيات حتّى ساخ في الأرض، ثُمّ عرض لهُ في الجمرة الثّالثة فرماهُ بسبع حصيات حتّى ساخ في الأرض». قال ابنُ عبّاس -رضي الله عنهما-: «الشّيطان ترجُمُون، وملّة أبيكُم تتّبعُون»[52].

فينبغي للحاجِّ أن ينوي فيما ينويه إذا قصد البيتَ العتيقَ أن يُراغِمَ عدوَّه، وأن يغيظَ الكفّار، وأن يُظْهِرَ اجتماعَ المسلمين وتآلُفَهم وتوحيدَ شملهم.

خاتمة:

تقصَّدَتْ هذه المقالة بسط الحديث عن عبودية المراغمة، وكيف حضرتْ تلك العبودية بوضوحٍ في ثنايا سورة الحجّ، وفي فريضة الحجّ، فبيّنَتْ أنَّ سورة الحجّ مشتملةٌ على إشارات عديدة متنوّعة إلى تلك العبودية الجليلة، وأنَّها اختصَّت ببعض مفرداتها.

كما بيَّنَتْ أنَّ فريضة الحجّ بوصفه عبادة جامعة للنُّسك الظاهر والتقوى وتعظيم الشعائر والحرمات ظاهرًا وباطنًا، وبكونه عبادة مالية وبدنية، وبكونه استسلامًا وجهادًا وهجرةً، وبوصفه محفلًا إسلاميًّا عالميًّا = كان كلُّه مراغمةً للشيطان ولأعداء الله الذين يغيظهم اجتماعُ المسلمين على ما هَداهم اللهُ إليه من المناسك، وهو حقيقٌ أن يُتَحَرَّى فيه نيّةُ المراغمة للشيطان وحزبه، وقصدُ إظهار عزّة الإسلام والمسلمين. والحمد لله ربّ العالمين.

 

[1] انظر: المفردات في غريب القرآن، ص359.

[2] انظر: أحكام القرآن لابن الفرس (3/ 200).

[3] أخرجه أحمد في المسند (15958)، والنسائي في السنن (3134)، وغيرهما، وصححه الألباني.

[4] عن أبي سعيد الخُدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا شكّ أحدُكُم في صلاته، فلم يدرِ كم صلّى ثلاثًا أم أربعًا، فليطرح الشّكَّ وليبن على ما استيقن، ثُمّ يسجُدُ سجدتَيْن قبل أن يُسلّم، فإن كان صلّى خمسًا شفعن لهُ صلاتهُ، وإن كان صلّى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشّيطان). أخرجه مسلم في صحيحه (571)، وفي رواية ابن حبان وغيره: (إذا شكّ أحدُكُم في صلاته، فليُلقِ الشّكّ، وليبنِ على اليقين، فإن استيقن التّمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاتُهُ تامّة كانت الرّكعةُ نافلة، والسّجدتان نافلة، وإن كانت ناقصة كانت الرّكعةُ تمامًا لصلاته، والسّجدتان تُرغمان أنف الشّيطان).

[5] مدارج السالكين (1/ 241- 242) بتصرّف يسير.

[6] انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (17/ 179) فما بعدها.

[7] انظر: تفسير ابن عطية (4/ 111).

[8] انظر: تفسير الزمخشري (3/ 147).

[9] أخرجه مسلم في صحيحه (81).

[10] أخرجه أحمد في المسند (ح17364)، وأبو داود في سننه (ح1402)، والترمذي في سننه (ح578)، والحاكم في المستدرك (ح3470)، وقال الحاكم: «هذا حديث لم نكتبه مسندًا إلا من هذا الوجه. وعبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرميّ أحد الأئمة إنما نُقِمَ عليه اختلاطُه في آخر عمره. وقد صحّت الرواية فيه من قول عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود وأبي موسى، وأبي الدرداء وعمار -رضي الله عنهم-». وضعّف الألباني إسناده، وحسّنه محققو المسند بمجموع طرقه إلا قوله: (فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)؛ إِذْ لا شاهد له، فظاهره وجوب السجود، وهذا معارض بأحاديث الصحيحين.

[11] أخرجه أبو عبيد في الفضائل، ص248.

[12] أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، ص248، وابن أبي شيبة في المصنف (3/ 438).

[13] أخرجه أبو عبيد في الفضائل، ص248.

[14] فضائل القرآن للمستغفري (ح1306).

[15] أخرجه ابن المنذر في الأوسط (برقم 2843).

[16] أخرجه الحاكم في المستدرك (ح3474).

[17] أخرجه الحاكم في المستدرك (ح3474).

[18] الأوسط في السنن، لابن المنذر (5/ 264 برقم 2846)، والحاكم في المستدرك (3475).

[19] ابن المنذر برقم (2845)، أخرجه الحاكم في المستدرك (ح3476).

[20] الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لابن المنذر (5/ 265) برقم (2847).

[21] أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (ح4290)، والحاكم في المستدرك (ح3472)، والبيهقي في السنن الكبرى (ح3735)، وأشار الحاكم لصحته، وقال الذهبي: على شرط البخاري ومسلم.

[22] أخرجه أبو عبيد في الفضائل، ص248.

[23] الأمّ (4/ 169).

[24] أخرجه البخاري في صحيحه (1520).

[25] أخرجه الطبراني في الأوسط، والدارقطني، والبيهقي.

[26] أخرجه الترمذي في سننه عن ابن مسعود (ح810)، وقال: وفي الباب عن عمر، وعامر بن ربيعة، وأبي هريرة، وعبد الله بن حبشي، وأم سلمة، وجابر، وحديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود. وقال الألباني: حسن صحيح.

[27] أخرجه مسلم في صحيحه (2812).

[28] أخرجه مسلم في صحيحه (2813).

[29] أخرجه البخاري في صحيحه (1602، 4256)، ومسلم في صحيحه (1266)، واللفظ له.

[30] أخرجه أبو داود في سننه (1889)، وهو صحيح.

[31] انظر: الفائق في غريب الحديث (2/ 327).

[32] أخرجه أحمد في المسند (317)، وأبو داود في السنن (1887)، وابن ماجه في السنن (2952)، وغيرهم، وصحّحه الألباني وغيره.

[33] أخرجه أحمد في المسند (2950).

[34] أخرجه أحمد في المسند (16557)، وغيره. وإسناده صحيح.

[35] أخرجه الترمذي في سننه (827)، وابن ماجه في سننه (2924)، وغيرهما، وصحّحه الألباني.

[36] انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 279).

[37] أخرجه مسلم في صحيحه (1248).

[38] أخرجه البخاري في صحيحه (1548).

[39] أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه أوّلها (2992)، ومسلم في صحيحه (2704).

[40] انظر: صحيح البخاري (1549، 1550).

[41] أخرجه مسلم في صحيحه (1185).

[42] انظر: شرح النووي على مسلم (8/ 90)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 464). ويجوز في «قد قد» إسكانُ الدّال، وكسرُها منوّنة.

[43] أخرجه البخاري في صحيحه (3838).

[44] أخرجه مسلم في صحيحه (1218).

[45] أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، وبهذا اللفظ (1590)، ومسلم في صحيحه (1314).

[46] كشف المشكل (3/ 370).

[47] شرح النووي على مسلم (9/ 62).

[48] أخرجه أبو داود في سننه (1749)، وحسّنه الألباني.

[49] معالم السنن (2/ 152).

[50] أخرجه الإمام مالك في الموطأ، وهو مرسل حسن، وروي موصولًا بسند ضعيف عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-.

[51] أخرجه أحمد في المسند (2707).

[52] أخرجه الحاكم في المستدرك (1713)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»، والبيهقي في السنن (9693)، وصحّحه الألباني.

الكاتب

الدكتور محمود عبد الجليل روزن

الأستاذ المساعد بقسم علوم وتقنية الأغذية بجامعة دمنهور - مصر، وحاصل على عالية القراءات، وله عدد من المؤلفات والبحوث العلمية المنشورة.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))