من الإشكالات العِلْمِيّة في الحُكْم على كتب التفسير
مقالة إلماحات لغوية من تفسير (اللباب) لابن عادل أنموذجًا

تعرض هذه المقالة بالنقد والتقويم لمادة نُشِرَتْ مؤخّرًا على موقع مركز تفسير بعنوان: «إلماحات لغوية من تفسير (اللباب) لابن عادل»، وتحاول من خلال ذلك معالجة إشكال عِلْمِيّ في الحُكْم على كتب التفسير وكيفياته.

 الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

  يعتبر تفسير اللُّبَاب لابن عادل أحد التفاسير ذات الطابع اللُّغوي التي يرجع زمان تأليفها للقرن الثامن الهجري، وهذا التفسير يشتهر كما هو ظاهر لمن يتصفّحه بالنقل والتلخيص، أي أنّ مؤلِّفه يقوم في الجملة بالنقل عن غيره من السّابقين بصورة كبيرة جدًّا، ولا يظهر له كبير جهد في تحرير القضايا والمسائل، وهو أمر صَرّح به ابن عادل نفسه في مقدّمة تفسيره كما سيأتي، ورغم اشتهار ذلك عن ابن عادل إلا أن الدكتور/ رمضان بديني قد قرّر نتائج مغايرة لهذا الواقع عن الكتاب، وذلك في مقالته: (إلمحاحات لغوية من تفسير اللّباب لابن عادل)[1]؛ حيث اعتبر ابنَ عادل مقعِّدًا وله جهد ونظر خاصّ في قضايا لغوية، ومن ثمّ وَصَفَ ابنَ عادل بأوصاف كبيرة وعالية، وفي هذه المقالة نتعرّض لتلكم المقالة ونَعْمَل على تقويمها وبيان الموقف من معطياتها ونتائجها فيما يتّصل بسياق أحكامها على ابن عادل وتفسيره، وسيأتي كلامنا مقسومًا لقسمين؛ أحدهما لعرض المقالة ومسوّغات أحكامها ونتائجها الخاصّة بابن عادل، والآخر لتقويم هذه النتائج، وذلك بعد تمهيد نتحدّث فيه إجمالًا عن تفسير ابن عادل.

تمهيد:

جاء تفسير (اللّباب في علوم الكتاب) لابن عادل في عشرين مجلدًا حسب طبعة دار الكتب العلمية، وهو تفسير يغلب عليه العناية باللّغة، وقد نَصَّ ابنُ عادل صراحة في مقدّمته المختصرة لتفسيره على أنّ كتابه مجموع من أقوال العلماء، فقال: «وَبعْدُ، ‌فَهَذا ‌كتابٌ ‌جمعتُه من أَقْوَال الْعُلَمَاء في علوم القرآن، وسمّيتُه: اللُّبَاب في عُلُوم الكتاب. وَمِنَ اللهِ أسألُ الْعَوْن وبلوغ الأمل، والْعصمة من الخَطَأ والزّلل»[2]. والناظر في الواقع التطبيقي لتفسير ابن عادل يجده مؤكّدًا لما ذكره ابن عادل نفسه، فالمتأمّل في تفسير ابن عادل يجده يُعَدّ من التفاسير الناقِلَة للمعاني وغيرها من المعلومات، حيث يقوم مؤلِّفه ابن عادل بجَمْع المعلومات من المصادر ويرتّبها ويسبكها سبكًا محكمًا دون نسبتها لأصحابها في الغالب، فليس له في الكتاب إلا الجَمْع والترتيب[3].

ويتدخّل ابن عادل أحيانًا في تعديل النصّ الذي ينقله بما يتناسب مع عَرْضه، فمثلًا يغيِّر عبارات الأداء إذا نقل صاحب المصدر عن شيخ مباشر له فإنّ ابن عادل يسمي هذا الشيخ عند نقله للنصّ، وكذلك يغيّر أحيانًا بعض التعبيرات التي يذكرها صاحب المصدر كأن تكون العبارة في المصدر لاذعة فيحذف ابن عادل تلك العبارة، وغير ذلك من التصرّفات والإضافات الطّفيفة، ويسبك كلّ ذلك في نصٍّ واحدٍ فيظنّ القارئ لأول وهلة أنّ تلك النصوص من كلام ابن عادل واختياراته.

ويمكننا القول بأنّ ابن عادل قد نَسَخَ كتاب (الدرّ المصون) للسمين الحلبي (ت: 756هـ) كاملًا[4]، وكتب عليه حاشية جمعها من العديد من المصادر؛ وبالأخصّ: تفسير البغوي (ت: 317هـ)، والزمخشري (ت: 538هـ)، والقرطبي (ت: 671هـ)، وغيرها من المصادر.

وبرغم هذا الحال الظاهر لِمَن تصفّح تفسير ابن عادل، إلا أن الدكتور/ رمضان بديني قد قرّر نتائج مغايرة لهذا الواقع عن الكتاب، واعتبر صاحبَه من أهل التقعيد والتحرير، وفيما يأتي نبيِّن حاصل ما قاله في هذا السياق ومسوّغاته، ثم نعمل على تقويم هذه المسوّغات ونبيّن الموقف منها.

القسم الأول: مقالة: إلماحات لغوية من تفسير (اللباب) لابن عادل ومسوغات أحكامها على تفسير اللباب؛ عرض وتعريف:

هذه المقالة نُشِرَتْ منذ أمدٍ قريبٍ على موقع تفسير، وكانت قد نُشرت قبل ذلك في مجلة الوعي الإسلامي[5]، وهي تدور على سرد بعض الإلمحات اللغوية في تفسير ابن عادل، وقد عَرَّف الباحثُ في بدايتها بابن عادل وبكتابه اللّباب، ثم شرع في سرد الإلماحات اللغوية من تفسير اللّباب، يقول الباحث: «إنّ تفسيرًا بحجم اللّباب وثرائه اللغويّ لَتقصُر دون الإحاطة بالجوانب اللغوية فيه المجلداتُ؛ فما بالك بهذه الصفحات المعدودات؟! ولذا فسأكتفي ببعض الإشارات اللغوية من هذا السِّفر العظيم، لعلّها تكون فاتحات شهية للاغتراف منه والإقبال عليه بحثًا ودراسةً وتدبّرًا لكلام الله تعالى»[6].

وقد تطرّق الباحثُ في مقالته لعدّة جوانب في تفسير ابن عادل، فذكر بعض الإشارات اللغوية من اللّباب، ثم عرَّج على اهتمام ابن عادل باشتقاق الكلمة ووزنها وعلاقتهما بمعناها، ثم تحدّث عن تتبّع ابن عادل للأوجه النحوية الكثيرة للمسألة الواحدة، وعن اعتداده بالسماع، ثم تناول موقف ابن عادل من القراءات القرآنية، فذكر منها: مواقفه تجاه القراءات، والحرص على تخريج القراءة، وترجيح القراءة على أقيسة النحاة عند التعارض، وعدم ترجيح قراءة على أخرى بناء على التوجيه اللغوي، وأخيرًا أشار الباحث إلى موقف ابن عادل من الإعراب والمعنى.

والباحث في هذه الالمحات يُضْفِي على تفسير اللباب ومؤلِّفه أحكامًا علمية ضخمة مستدلًّا لها بأمثلة من تفسير اللباب في الجوانب اللغوية التي خُصِّصَت لها المقالة، فيذكر مثلًا أنّ لابن عادل في تفسيره منهجًا خاصًّا في التقعيد النحوي، وأنه لا يكتفي بمجرّد النقل بل يحلِّل كلّ وَجْهٍ فيقبل هذا ويردّ ذاك، وأنّ لابن عادل منهجًا أثيرًا في القراءات يتوافق مع نظرته للسماع؛ إلى غير ذلك من أحكام علمية لم تقف عند هذه الأوصاف الضخمة، بل وصلت إلى تقرير الباحث وحكمه على ابن عادل بأنّ له اختيارات انفرد بها مخالفًا النحاة!

والمتأمّل في مسوغات ما ذكره الباحث في أحكامه التي خلعها على ابن عادل يجدها ترجع لأمر مركزي، وهو نظر الباحث في نصوص معيّنة ذكرها ابن عادل، ومن ذلك قول الباحث: «إنّ المطالِع لـ(اللباب) سيجد نفسه أمامَ نحويّ متخصّص له منهجه في التقعيد؛ حيث يشير للقاعدة وتطبيقاتها المختلفة حسب ورودها في كتاب الله تعالى؛ فنجده يقول مثلًا: وللاستثناء أحكام كثيرة تأتي مفصّلة في مواضعها إن شاء الله تعالى»[7].

ويقول الباحث أيضًا: «وابن عادل في مجال التقعيد ليس مجرّد ناقلٍ أو مطبِّق لما قاله النّحاة على القرآن الكريم، بل له اختياراته الخاصّة التي قد يخالف فيها النحاة؛ فنجده مثلًا يتحدّث عن الجُمَل التي لا محَلّ لها من الإعراب، فيقول: والجُمَل التي لا مَحَلَّ لها من الإعراب أربع لا تزيد على ذلك -وإنْ توهّم بعضهم ذلك- وهي: المبتدأ والصِّلة والمُعْترِضة والمفسِّرة، وسيأتي تفسيرها في مواضعها»[8].

ويقول كذلك: «حرص ابن عادل على تتبّع الأوجه الكثيرة الواردة في المسألة النحوية تتبّعًا يدلّ على كثرة اطّلاعه وتنوّعه، وهو في هذا لا يكتفي بمجرّد النقل؛ بل يحلّل كلّ وجه؛ فيَقْبَل هذا ويَرُدّ هذا، ويحشد الأدلّة على صحة هذا، وهكذا؛ فهو ناقل بصير. ومن الأمثلة على ذلك تتبّعه للأقوال الواردة في الاستثناء في قول الله تعالى عند الحديث عن خلود أهل الجنة وأهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود: 107، 108]؛ حيث ذكر فيه ستة عشر وجهًا وردَتْ عن النحاة، عازيًا كلًّا منها لصاحبه، وهو ما يضيق المقام عن ذكرها هنا»[9].

ويقول: «يلاحَظ عند ابن عادل أنه يحرص على تتبّع اشتقاقات الكلمة وتصريفاتها وأوزانها الصرفية وعلاقة كلّ هذا بالمعنى، ويتّضح هذا مثلًا في حديثه عن الاستعاذة...»[10].

وهكذا يسير الباحث في مختلف أحكامه التي ذكرها لابن عادل، حيث يورد نصوصًا لابن عادل ويرتّب في ضوئها أحكامًا معيّنة تبرز في الجملة كما لو أنّ ابن عادل ضِمْن طبقة المفسِّرين المحرِّرين.

القسم الثاني: المسوغات التي استندت عليها مقالة: إلماحات لغوية من تفسير (اللباب) لابن عادل في الحكم على ابن عادل؛ نقد وتقويم:

عند التدقيق يتبيَّن أنّ جميع الأحكام التي وصَف بها الباحثُ تفسيرَ اللّباب لا تصح مطلقًا، فكلّ الأمثلة التي بنى عليها أحكامه على الكتاب ليستْ من خالص كلام ابن عادل، ولا من إنشائه أو تأسيسه، بل إنّ الباحث قد انتزعها انتزاعًا من نصوص طويلة ينقلها ابن عادل من المصادر دون أن يصرِّح بنسبتها لأصحابها، فيعمد الباحثُ إلى تلك النصوص الطويلة والتي تصل إلى عدّة صفحات أحيانًا فينتزع منها بعض العبارات على أنها من كلام ابن عادل ويبني على ذلك أحكامه ووصفه للكتاب.

ولا ملامة على ابن عادل في عدم نسبته لتلك النصوص إلى أصحابها؛ لأنه قد أبرأ ذمّته، وكفى المتلقي عناء النقد، ونصَّ بوضوح في مقدمة تفسيره على أنه مجموع من أقوال العلماء -كما أشرنا-، وإنما الملامة على الباحث حين انتزع تلك النصوص وبنى عليها أحكامه بمعزل عن البحث والتنقيب عن مصادرها، وبمعزل عن النّظر في صنيع المؤلِّف وتأمّل طريقته في كتابه وهل يصح وسم الكتاب بهذه الأحكام أم لا؟

وفيما يأتي نستعرض النصوص التي استند عليها الباحث ونبين مصادرها ليتضح الأمر:

م
النصّ في اللّباب لابن عادل
النصّ في المصدر الذي نقل منه ابن عادل
كيفية نقل ابن عادل للنصّ

1

‌وللاستثناء ‌أحكام ‌كثيرة تأتي مفصّلة في مواضعها إن شاء الله تعالى. (اللباب لابن عادل، 1/ 339)

‌وللاستثناء ‌أحكامٌ ‌كثيرة تأتي مفصلةً في غضون الكتاب إن شاء الله تعالى. (الدر المصون للسمين الحلبي، 1/ 128)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه مع تغيير يسير

2

والجُمَل التي لا مَحَلَّ لها من الإعراب أربع لا تزيد على ذلك -وإنْ توهّم بعضهم ذلك- وهي: المبتدأ والصِّلة والمُعْترضة والمفسِّرة، وسيأتي تفسيرها في مواضعها. (اللباب لابن عادل، 1/ 336)

‌والجملُ ‌التي ‌لا ‌محلَّ لها من الإِعراب أربعٌ لا تزيد على ذلك -وإن تَوَهَّم بعضُهم ذلك- وهي: المبتدأ والصلة والمعترضة والمفسِّرة، وسيأتي تفصيلُها في مواضعها. (الدر المصون للسمين الحلبي، 1/ 124)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

3

واختُلِفَ ‌في ‌علّة ‌بنائه: فقال الزَّجَّاج: لأنه تضمّن معنى الإشارة؛ لأنّ معنى أفعل الآن، أي: هذا الوقت. وقيل: لأنه أشبه الحرف في لزوم لَفْظ واحد، من حيث إنه لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع ولا يصغّر. وقيل: لأنه تضمّن معنى حرف التعريف، وهو الألف واللام كـ«أمس»، وهذه الألف واللام زائدة فيه بدليل بنائه. ولم يُعْهَد مُعرفٌ بـ«أل» إلا معربًا، ولزمت فيه الألف واللام كما لزمت في «الذي والّتي» وبابهما، ويعزى هذا للفارسي، وهو مردود بأن التضمين اختصار، فكيف يختصر الشيء، ثم يؤتى بمثل لفظه. (اللباب لابن عادل، 2/ 172)

واختُلِفَ ‌في ‌عِلَّة ‌بِنَائِه، فقال الزجّاج: «لأنَّه تضمَّن معنى الإِشارة، لأنَّ معنى أفعلُ الآن أي: هذا الوقتَ». وقيل: لأنه أَشْبَهَ الحرفَ في لزومِ لفظٍ واحدٍ، من حيث إنه لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ ولا يُصَغَّرُ. وقيل: لأنَّه تضمَّن معنى حرفِ التعريفِ وهو الألفُ واللامُ كـ(أمسِ)، وهذه الألفُ واللّامُ زائدةٌ فيه بدليلِ بنائِه. ولم يُعْهَد معرَّفٌ بـ(أل) إلَّا مُعْربًا، ولَزِمَت فيه الألفُ واللامُ كما لَزِمَت في (الذي والتي) وبابهما، ويُعْزى هذا للفارسي. وهو مردودٌ بأنَّ التضمينَ اختصار، فكيف يُخْتصر الشيء، ثم يُؤْتى بمثلِ لفظِه. (الدر المصون للسمين الحلبي، 1/ 432)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه ضمن نقل طويل من عدّة صفحات

 

4

‌وَاخْتَلف ‌أهلُ ‌اللُّغَة ‌فِي ‌اشتقاقه: فَقَالَ جمهورهم: هُوَ مُشْتَقّ من: (شطن - يشطن) أَي: بَعُد؛ لِأَنَّهُ بعيد من رَحْمَة الله تَعالَى؛ وَأنْشد: (نأت بسعاد عَنْك نوى شطون * فَبَانَت والفؤاد بهَا رهين)، وَقالَ آخر: إيما شاطن عَصَاهُ عكاه * ثمَّ يُلقى فِي السّجْن والأكبال) وَحكى سِيبَوَيْه -رَحِمَه الله-: (تشيطن) أَي: فعَل فِعل الشَّيَاطِين؛ فَهَذَا كُلّه يدل على أَنه من (شطن)؛ لِثُبُوت النُّون، وَسُقُوط الألِف فِي تصاريف الكَلِمَة، ووزنه على هَذَا: (فيعال). وَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من (شاط - يشيط) أَي: هاج، وَاحْتَرَقَ، وَلَا شكّ أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيهِ، فَأخذُوا بذلك أَنه مُشْتَقّ من هَذِه الْمَادَّة، لَكِن لم يُسمع فِي تصاريفه إِلَّا ثَابت النُّون، مَحْذُوف الْأَلف؛ كَمَا تقدّم، ووزنه على هَذَا (فَعْلان)، وَيَتَرَتَّب على الْقَوْلَيْنِ: صرفه وَعدم صرفه، إِذا سمي بِهِ، وَأمّا إِذا لم يسمّ بِهِ، فَإِنَّهُ متصرّف أَلْبَتَّة؛ لِأَنّ من شرط امْتنَاع (فَعْلان) الصّفة أَلَّا يؤنَّث بِالتَّاءِ، وَهَذَا يؤنث بهَا؛ قَالُوا: (شَيْطَانَة). قَالَ ابْن الْخَطِيب: «و(الشَّيْطَان) مُبَالغَة فِي الشيطنة؛ كَمَا أَن (الرَّحْمَن) مُبَالغَة فِي الرَّحْمَة. و(الرَّجِيم) فِي حقّ الشَّيْطَان (فَعِيل) بِمَعْنى (فَاعِل). إِذا عرفت هَذَا، فَهَذِهِ الْكَلِمَة تَقْتَضِي الْفِرَار منَ الشَّيْطَان الرَّجِيم إِلَى الرَّحْمَن الرَّحِيم. (اللباب لابن عادل، 1/ 97- 98)

‌- وَاخْتَلف ‌أهل ‌اللُّغَة ‌فِي ‌اشتقاقه: فَقَالَ جمهورهم: هُوَ مُشْتَقّ من: (شطن - يشطن) أَي: بَعُد؛ لِأَنَّهُ بعيد من رَحْمَة الله تَعالَى؛ وَأنْشد: (نأت بسعاد عَنْك نوى شطون * فَبَانَت والفؤاد بهَا رهين)، وَقالَ آخر: إيما شاطن عَصَاهُ عكاه * ثمَّ يُلقى فِي السّجْن والأكبال. وَحكى سِيبَوَيْه -رَحِمَه الله-: (تشيطن) أَي: فعَل فِعل الشَّيَاطِين؛ فَهَذَا كُلّه يدلّ على أَنه من (شطن)؛ لِثُبُوت النُّون، وَسُقُوط الألِف فِي تصاريف الكَلِمَة، ووزنه على هَذَا: (فَيْعال). وَقيل: هُوَ مُشْتَقّ من (شاط - يشيط) أَي: هاج، وَاحْتَرَقَ، وَلَا شكّ أَنّ هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيهِ، فَأخذُوا بذلك أَنه مُشْتَقّ من هَذِه الْمَادَّة، لَكِن لم يُسمع فِي تصاريفه إِلَّا ثَابت النُّون، مَحْذُوف الألِف؛ كَمَا تقدّم، ووزنه على هَذَا (فَعْلان) وَيَتَرَتَّب على الْقَوْلَيْنِ: صرفه وَعدم صرفه، إِذا سمّي بِهِ، وَأمّا إِذا لم يسمّ بِهِ، فَإِنَّهُ متصرّف أَلْبَتَّة؛ لِأَن من شرط امْتنَاع (فَعْلان) الصّفة أَلَّا يؤنَّث بِالتَّاءِ، وَهَذَا يؤنّث بهَا؛ قَالُوا: «شَيْطَانَة». (الدر المصون للسمين الحلبي، 1/ 97- 98).

- الشيطان ‌مبالغة ‌في ‌الشيطنة، كما أنّ الرحمن مبالغة في الرحمة، والرجيم في حقّ الشيطان فَعِيل بمعنى مفعول، كما أن الرحيم في حقّ الله تعالى فعيل بمعنى فاعل، إذا عرفتَ هذا فهذه الكلمة تقتضي الفرار من الشيطان الرجيم إلى الرحمن الرحيم. (مفاتيح الغيب للرازي، 1/ 98)

اشتمل نصّ ابن عادل على نقلين؛ النقل الأول لم يصرّح بمصدره، وهو من بداية كلامه حتى قوله: «قالوا: شيطانة»، ومصدره في هذا النصّ الدر المصون للسمين الحلبي كما أثبته، وقد نقله منه ابن عادل بألفاظه.

وأمّا النصّ الثاني فصرّح ابن عادل بنقله عن ابن الخطيب، يقصد بذلك الرازي، وهو موجود في تفسير الرازي كما أثبته، ونقله ابن عادل بألفاظه.

5

أحدهما: قال ابن قتيبة وابن الأنباري والفرّاء: هذا استثناء استثناه الله تعالى، ولا يفعله ألبتة، كقولك: والله لأضربنك إلّا أن أرى غير ذلك، وعزيمتك أن تضربه. ولِقائل أن يقول: هذا ضعيف؛ لأنّه إذا قال: لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، معناه: لأضربنك إلا إذا رأيت أن الأَوْلى ترك الضرب، وهذا لا يدلّ ألبتة على أنّ الرؤية قد حصلت أم لا؟ بخلاف قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإن معناه الحكم بخلودهم فيها إلا المدّة التي شاء ربك، فهاهنا اللفظ يدلّ على أن هذه المشيئة قد حصلت جزمًا، فكيف يحصل قياس هذا الكلام على ذلك الكلام. (اللباب لابن عادل، 10/ 570)[11].

الوجه الأول في الجواب: وهو الذي ذكره ابن قتيبة وابن الأنباري والفرّاء، قالوا: هذا استثناء استثناه الله تعالى، ولا يفعله ألبتة، كقولك: ‌والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك مع أن عزيمتك تكون على ضربه، فكذا هاهنا وطوّلوا في تقرير هذا الجواب، وفي ضرب الأمثلة فيه، وحاصله ما ذكرناه. ولِقائل أن يقول: هذا ضعيف لأنه إذا قال: لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، معناه: لأضربنّك إلا إذا رأيت أن الأَوْلى ترك الضرب، وهذا لا يدلّ ألبتة على أن هذه الرؤية قد حصلت أم لا، بخلاف قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، فإنّ معناه الحكم بخلودهم فيها إلا المدّة التي شاء ربك، فهاهنا اللفظ يدلّ على أنّ هذه المشيئة قد حصلت جزمًا، فكيف يحصل قياس هذا الكلام على ذلك الكلام. (مفاتيح الغيب للرازي، 18/ 402)

نقل ابن عادل النصّ بمعناه

6

وثانيها: قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الأبد من غير استثناء؟ قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب أهل النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أن أهل النار لا يخلدون في عذابها وحده، بل يعذّبون بالزمهرير، وبأنواع أُخَر من العذاب، وبما هو أشدّ من ذلك وهو سخط الله عليهم، وكذا أهل الجنة لهم مع نعيم الجنة ما هو أكثر منه كقوله: {ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبرُ}[التوبة: 72]، والدليل عليه قوله: {عَطاءً غيرَ مجذوذٍ}[هود: 108]، وفي مقابله قوله: {إنَّ ربَّك فعالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود: 107]، أي: يفعل بهم ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة ما لا انقطاع له. قال أبو حيان: ما ذكره في أهل النار قد يتمشّى؛ لأنهم يخرجون من النار إلى الزمهرير فيصح الاستثناء، وأمّا أهل الجنة، فلا يخرجون من الجنة، فلا يصح فيهم الاستثناء. قال شهاب الدين: والظاهر أنه لا يصحّ فيهما؛ لأنّ أهل النار مع كونهم يعذّبون بالزمهرير هم في النار أيضًا. (اللباب لابن عادل، 10/ 570- 571)

قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} فيه أقوال كثيرة منتشرة لخّصتها في أربعة عشر وجهًا، أحدها: وهو الذي ذكره الزمخشري فإنه قال: «فإن قلت: ما معنى الاستثناء في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، وقد ‌ثبت ‌خلود ‌أهل الجنة والنار في الأبد من غير استثناء؟ قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أنّ أهل النار لا يخلدون في عذابها وحده، بل يعذبون بالزمهرير، وبأنواع أُخَر من العذاب، وبما هو أشدّ من ذلك وهو سخط الله عليهم، وكذا أهل الجنة لهم مع نعيم الجنة ما هو أكبر منه كقوله: {ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبرُ}[التوبة: 72]، والدليل عليه قوله: {عَطاءً غيرَ مجذوذٍ}[هود: 108]، وفي مقابله {إنَّ ربَّك فعالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، أي: يفعل بهم ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة ما لا انقطاع له». قال الشيخ: «ما ذكره في أهل النار قد يتمشى؛ لأنهم يخرجون من النار إلى الزمهرير فيصح الاستثناء، وأمّا أهل الجنة فلا يخرجون من الجنة فلا يصح فيهم الاستثناء». قلت: الظاهر أنه لا يصح فيهما؛ لأن أهل النار مع كونهم يعذّبون بالزمهرير هم في النار أيضًا. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 391- 392)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه من (الدر المصون) مع تغيير تعبيرات الأداء؛ فاستبدل بقول السمين الحلبي: (قال الشيخ)، قوله: «قال أبو حيان»، وبقوله: (قلت)، قوله: «قال شهاب الدين»

7

وثالثها: أنه استثناء من الزمان الدالّ عليه قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، والمعنى: إلّا الزمان الذي شاء الله فلا يخلدون فيها. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

الثاني: أنه استثناء من الزمان الدالّ عليه قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، والمعنى: إلا الزمان الذي شاءه الله فلا يخلدون فيها. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 391)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

8

ورابعها: إنه استثناء من الضمير المستتر في الجار والمجرور، وهو قوله: {فَفِي النَّارِ} و{فَفِي الجنَّةِ}؛ لأنه لما وقع خبرًا تحمَّل ضمير المبتدأ. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

الرابع: أنه استثناء من الضمير المستتر في الجار والمجرور وهو قوله: {فَفِي النَّارِ} و{فَفِي الجنَّةِ}؛ لأنه لما وقع خبرًا تحمَّل ضمير المبتدأ. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 393)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

9

وخامسها: أنه استثناء من الضمير المستتر في الحال، وهو: {خَالدِين}، وعلى هذين القولين تكون {مَا} واقعة على مَن يعقل عند من يرى ذلك، أو على أنواع مَن يعقل كقوله: {مَا طابَ لكم من النساء}[النساء: 3]، والمراد بـ{مَا} حينئذ العصاة من المؤمنين في طرف أهل النار، وأمّا في طرف أهل الجنة فيجوز أن يكونوا هم، أو أصحاب الأعراف؛ لأنهم لم يدخلوا الجنة لأوّل وهلة، ولا خلدوا فيها خلود مَن دخلها أوّلًا. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

الخامس: أنه استثناء من الضمير المستتر في الحال، وهو {خَالدِين}، وعلى هذين القولين تكون {مَا} واقعة على مَن يعقل عند من يرى ذلك، أو على أنواع مَن يعقل كقوله: {مَا طابَ لكم من النساء}[النساء: 3]، والمراد بـ{مَا} حينئذ العصاة من المؤمنين في طرف أهل النار، وأمّا في طرف أهل الجنة فيجوز أن يكونوا هم، أو أصحاب الأعراف؛ لأنهم لم يدخلوا الجنة لأوّل وهلة ولا خلدوا فيها خلود مَن دخلها أوّلًا. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 393)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

10

وسادسها: قال ابن عطية: قيل: إنّ ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كلّ كلام، فهو كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[الفتح: 27]، استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط، كأنه قال: إن شاء الله؛ فليس يحتاج أن يوصف بمتصل، ولا منقطع. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

السادس: قال ابن عطية: «قيل: إنّ ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كلّ كلام فهو كقوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}[الفتح: 27]، استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط، كأنه قال: إن شاء الله؛ فليس يحتاج أن يوصف بمتّصل ولا منقطع. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 393)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

11

وسابعها: هو استثناء من طول المدة، ويُروى عن ابن مسعود وغيره، أنّ جهنم تخلو من الناس وتخفق أبوابها، فذلك قوله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، وهذا مردود بظواهر الكتاب والسنّة، وما ذُكر عن ابن مسعود فتأوليه: أنّ جهنم في الدرك الأعلى، وهي تخلو من العصاة المؤمنين، هذا على تقدير صحة ما نقل عن ابن مسعود. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

السابع: هو استثناء من طول المدة، ويُروى عن ابن مسعود وغيره، أنّ جهنم تخلو من الناس وتخفق أبوابها، فذلك قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}، وهذا مردود بظواهر الكتاب والسنّة، وما ذَكرته عن ابن مسعود فتأويله: أنّ جهنم هي الدرك الأعلى، وهي تخلو من العصاة المؤمنين، هذا على تقدير صحة ما نقل عن ابن مسعود. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 393)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

12

وثامنها: أن {إِلّا} حرف عطف بمعنى الواو، والمعنى: وما شاء ربك زائدًا على ذلك. (اللباب لابن عادل، 10/ 571)

الثامن: أن {إِلّا} حرف عطف بمعنى الواو، فمعنى الآية: وما شاء ربك زائدًا على ذلك. (الدر المصون للسمين الحلبي، 6/ 394)

نقل ابن عادل النصّ بألفاظه

ويلاحَظ من خلال الجدول أنّ جميع الأمثلة التي أوردها الباحثُ في مقالته مستدلًّا بها على أحكامه حول تفسير (اللباب) أنها كلّها منقولة من عدّة مصادر وليست من كلام ابن عادل؛ فقد نقل تسعة نصوص من (الدر المصون) للسمين الحلبي (ت: 756هـ)، ونقل نصَّيْن من (مفاتيح الغيب) للرازي (ت: 606هـ)، ونقل نصًّا واحدًا من عدّة مصادر، وبذلك يظهر صدق ما قرّرنا وغلط ما قرّره الباحث.

ويلحظ من خلال الجدول كذلك أنّ ابن عادل قد نقل سبعة نصوص بألفاظها من (الدر المصون) للسمين الحلبي، ونصًّا واحدًا بمعناه، ونقل ثلاثة نصوص من (مفاتيح الغيب) للرازي؛ نصَّيْن منهما نقل ابن عادل جزءًا منهما بألفاظهما وجزءًا بمعناه، ونصًّا واحدًا نقله بألفاظه تمامًا.

وأمّا الموضع الخامس -والذي ساقه ابن عادل مساقًا واحدًا في تفسيره وكأنه نصّ واحد- فيلحظ أنّ ابن عادل نقله كلّه من عدّة مصادر؛ وهي: (الدر المصون) نقل منه أربعة عشر نصًّا، (مفاتيح الغيب) للرازي نقل منه نصّين، و(معالم التنزيل) للبغوي نقل منه نصًّا واحدًا.

كما يلحظ أن ابن عادل لم يصرّح بنسبة هذه النصوص جميعًا إلا نصًّا واحدًا نسبه لابن الخطيب، يعني بذلك الرازي.

والعجب أنّ الباحث قد أورد في مطلع المقالة نصَّ ابن عادل من مقدّمة تفسيره، والذي صرّح فيه بأنّ تفسيره مجموع من أقوال العلماء، ولم يُلْقِ الباحثُ لهذا النصّ الصريح بالًا عند كتابة إشاراته وإلماحاته اللغوية حول الكتاب، وراح يبني أحكامًا علمية ويصف الكتابَ ومؤلِّفَه بناءً على تلك الأمثلة، وإذا فسد الأصل فكيف يصلح الفرع؟!

وتجدر الإشارة هاهنا لأمر مهمّ، وهو أنه لا يُعْتَرَض على ما ذكرناه بأنّ ما نقله ابن عادل عن غيره يُعَدّ مما أقرّه وتبنَّاه فيُعَدّ رأيًا له واختيارًا؛ ذلك أنّ النقل المجرّد لآراء الآخرين وتلخيصها كما الحال مع ابن عادل وإنْ كَشَفَ عن حُسْن معرفة العالم بالأقوال وكذلك قناعاته واختياراته، إلا أنه لا يرفعه أبدًا لمرتبة مَن أنتجوا هذه الأقوال وأسَّسُوها ولا يجعله ضِمْن طبقتهم بحال، وإنما يُعَدّ هذا من التلخيص أو الاختصار لكلام غيره، وهذا هو عين ما مشى عليه ابن عادل في تفسيره -كما فصَّلناه-[12].

خاتمة:

عرَضْنا في هذه المقالة لطرح الدكتور رمضان بديني حول تفسير ابن عادل، فبينّا هذا الطَّرْح وفصّلنا في مسوّغات الأحكام التي خلعها على ابن عادل وتفسيره، وخلصنا من خلال تقويمنا لتلكم المسوّغات إلى أن سائر ما قرّره الدكتور بديني من أنّ ابن عادل كان محرِّرًا وكان له نظرٌ لغويّ خاصّ...إلخ، هو تقرير غير صحيح، وأنه اعتمد على ما أورده ابن عادل من نصوص وظنّه لابن عادل، في حين أنّ ابن عادل كان ناقلًا لتلكم النصوص وملخّصًا لها، لا غير.

وفي هذا السياق يجدر الإنباه لهذا البُعد عند الحكم على التفاسير ووصفها، وتدقيق النظر في نصوصها التي يُنْطَلَق منها للحكم عليها، والتفريق بين اجتهادات المفسِّرين وآرائهم وبين ما ينقلونه من مصادر أخرى، وآليات توظيفهم لهذه النقول؛ حتى يكون الحكم عليها صحيحًا ومطابقًا لواقع كتب التفسير، ولئلّا تقع مثل هذه الأخطاء الكارثية التي تقدِّم صورة مشوَّهة عن كتب التفسير، بدلًا من أن تقدِّم خدمة حقيقية لها[13].

ومن المجالات التي يمكن دراستها في تفسير (اللباب) لابن عادل دراسة طريقته في الصياغة والتلخيص؛ فإن له اليد الطّولى في ذلكم المضمار من خلال تفسيره.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، والحمد لله ربّ العالمين.

 

[1] نشرت هذه المقالة على موقع تفسير بتاريخ 2 رمضان 1443هـ/ 3 أبريل 2022م، تحت هذا الرابط: tafsir.net/article/5421.

[2] اللّباب في علوم الكتاب (1/ 79).

[3] ذكر أحد الباحثين ممن حققوا بعض الأجزاء من تفسير (اللباب) لابن عادل أنه وقف على بعض العبارات في الكتاب ولم يجد مَن نَصَّ عليها في مصادر أخرى قبل ابن عادل (ينظر: الجديد في ترجمة ابن عادل الدمشقي الحنبلي، د: مرهف عبد الجبار السقا، كتاب إلكتروني، ص41، وهو جزء من رسالة الماجستير للدكتور عنوانها: تفسير اللباب من علوم الكتاب لابن عادل سراج الدين الحنبلي النعماني -دراسة وتحقيق- من أول سورة الحجر إلى آخر سورة الإسراء)، وللتأكّد من هذا يمكن دراسة الكتاب دراسة استقرائية لاستخراج هذه النصوص والتحقّق من كونها من كلام ابن عادل أو من كلام غيره ومعرفة ما أضافه ابن عادل من آراء.

[4] يقول أحد الباحثين ممن قاموا بتحقيق جزء من تفسير ابن عادل في رسالة الماجستير: «يمكننا اعتبار اللُّباب نسخة مخطوطة إضافية للدرّ المصون، وبالفعل فقد صححتُ نصوصًا وتداركتُ سقطًا عند مقارنة نصوص الدّر المصون التي نقلها ابن عادل في تفسيره مع الدر المصون المحقَّق للدكتور الخراط بعد التحري بأن هذه الزيادات ليست من غيره» (مقالة منشورة على ملتقى أهل التفسير بعنوان: مصادر ابن عادل في تفسيره اللباب من علوم الكتاب، د: مرهف السقا، تحت هذا الرابط: cutt.us/tYXQw.

[5] نُشرت بمجلة (الوعي الإسلامي)، العدد 675- ذو القعدة 1442هـ = يونيو/ يوليو 2021م. وجدير بالإشارة أنني لم ألتفت لهذه المقالة قبل نشرها على موقع تفسير.

[6] مقالة: (إلماحات لغوية من تفسير ابن عادل) تحت هذا الرابط: tafsir.net/article/5421.

[7] مقالة: (إلماحات لغوية من تفسير ابن عادل).

[8] مقالة: (إلماحات لغوية من تفسير ابن عادل).

[9] مقالة: (إلماحات لغوية من تفسير ابن عادل).

[10] مقالة: (إلماحات لغوية من تفسير ابن عادل).

[11] ينتبه هنا إلى أنّ الباحث لم ينقل الموضع الخامس بأكمله في المقالة وإنما أشار إليه بقوله: «ومن الأمثلة على ذلك تتبّعه للأقوال الواردة في الاستثناء في قول الله تعالى عند الحديث عن خلود أهل الجنة وأهل النار: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود: 107، 108]؛ حيث ذكر فيه ستة عشر وجهًا وردَت عن النحاة، عازيًا كلًّا منها لصاحبه، وهو ما يضيق المقام عن ذكرها هنا»، وقد أثبتنا هنا النصّ من تفسير ابن عادل وبينَّا مصادره لأهمية هذا النصّ حيث اشتمل على نقولات من عدّة مصادر ساقها ابن عادل مساقًا واحدًا وكأنها نقل واحد.

[12] ومن المؤسِف أن العديد من الدراسات التي قامت حول تفسير (اللّباب) لابن عادل قد وقعَتْ في ذات الإشكال نفسه، فدرست ما سمَّته بآراء واختيارات ابن عادل في شتى القضايا من نحوٍ وصرف واشتقاق وعقيدة وفقه ومسائل كلامية وغير ذلك، ولم تنتبه هذه الدراسات إلى الإشكال الذي فصَّلناه في هذه المقالة، مما يجعل هذه الدراسات فاسدة.

[13] يمكن الاستفادة في هذا الصّدد بشكل أوسع من خلال مطالعة: (بناء الرُّتَب العلمية للمفسِّرين في التفسير؛ الأهمية والآفاق، مع طرح تصوّر تأسيسي للسّيْر في دراسة الرُّتَب العلمية للمفسّرين) للباحث: خليل محمود اليماني، وهو بحث منشور على موقع تفسير تحت الرابط الآتي: tafsir.net/research/77.

الكاتب

الدكتور عبد الرحمن المشدّ

حاصل على دكتوراه التفسير وعلوم القرآن من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وله عدد من المشاركات العلمية.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))