دراسة لمخطوط مصحف مكتبة السلطان أحمد برقم (11)
المكتبة السُّليمانية بإستانبول

للقرآن الكريم عددٌ كبيرٌ من المخطوطات المنتشرة في العديد من المكتبات الدولية، وتأتي هذه المقالة لتعرِّف بأحد المخطوطات المحفوظة بمكتبة السلطان أحمد في المكتبة السُّليمانية بإستانبول، وتستعرض عددًا من الجوانب المادية والأدبية والعلمية المتعلقة بها.

  إنّ أشرف الأقوال ما جرَت به أقلامُ السماء، وخير الكلام ما أُثِيبَت عليه ألسنةُ الأرض، وهو كلام الله تعالى؛ ولذلك كان للنَّاس في حفظ هذا الكلام الشريف مسالك، من دارس وضابط وحافظ بل وراسم وناسخ، وكتاب الله قَمِنٌ بذلك، وكان لأهل كلِّ مسلك نشاطٌ في فنِّه، وفيه حُذَّاق ومهَرة.

وقد جرَت عادة النُّسّاخ على التفنُّن في رسم المصاحف الشريفة على نحو يختلف عن نسخ باقي الكتب؛ لعلوِّ شأن آيات اللهِ على كلام البشر، فظهر فنٌّ خاصٌّ متفرِّعٌ عن اهتمام الأمّة بكلام الخالق -سبحانه- يسمَّى: (فنُّ رسم المصاحف)، وهذه نسخة من هذه النُّسخ سنعكف على تحليل محتواها من خلال هذه المقالة المختصرة من ثلاثة جوانب: الماديّ، والأدبيّ، والعلميّ.

أولًا: الجانب المادِّي:

1- بيانات الحفظ والكتابة:

ما زالت هذه النُّسخة محفوظة في مكتبة السُّلطان أحمد ضمن مكتبة السُّليمانية بإستانبول مقيدة برقم حفظ (11) متوزّعة على مائتين وستِّين ورقة مرقّمة بالترقيم العشري متَّصلة، في خمسة عشر سطرًا للصفحة الواحدة، بمقاس (575×390) للورق، و(418×255) للنصِّ، بخطِّ نسخ مجوَّد واضح، تامَّة الضَّبط والنَّقط.

2- وصف التَّجليد وصفحة العنوان:

نسخةٌ مِن نُسَخ القرن العاشر البديعة التي أظهر فيها مُنَمِّقُها جَلالًا في الرَّقْم وجَمالًا في الرسم، فاكتَسَت حُلَلُها وزُيِّنَت طُرَرُها، فجُلِّدَت تجليدًا كرتونيًّا على وجهه نَقشٌ بالذهب، وعلى أطرافها إطاران يحتويان على صناديق مذهَّبةٍ كما في لسانه، وفي بطانته زخرفة بالذهب والزُّرقة بأشكال نباتيَّة هندسيَّة، داخل ثلاثة إطارات عريضة، وفي منتَصفه لوحة زرقاء مُزخرَفة. 

    

ثُم شمسيَّتان مُشرِقتان متوزِّعٌ عليهما آية كريمة بالحِبر الأبيض بخطّ ثُلث جليّ، على أرضيّة ذهبيّة مضيئة، داخل شكلٍ مُقَبَّب مُسدَّس الأضلاع يحيط بها تِيجان مقلوبة ملوَّنة بالأزرق تعلوها تِيجان ذهبية مذيَّلة، وتَحتَضِن الشمسيَّتَيْن أزهارٌ وفروع منحنية تعانق الأشكال الزُّخرفية بشكلٍ بديعٍ ملوَّنة بالبياض والحُمرة والصُّفرة.

3- الزَّخرفة والتَّذهيب:

ثُم لوحة استهلاليَّة مزركشة بالشكلِ النباتي عظيمة المَخبَر مهيبة المنظر لا تخرج إلا من يدِ رجُلٍ مِفَنٍّ، كتب على ورقتيها سورة الفاتحة بخطّ ثُلثٍ جليّ بحِبر أبيض مُضِيٍّ، داخل صندوق مطليٍّ بالذهب مُنحَنِي الأضلاع، تحيطه زُرقةٌ وزخرفات ذهبيّة معشَّقة تتمايَز عن بعضها بدوائر وزوايا، يحيط بها إطار محشوّ بالضفائر الزرقاء الفاتحة المنقَّطة بالبياض والحُمرة، يكسوها مربَّعات متقابلة على أشكالِ مصابيح متداخلة بلَوْنَيها الأزرق والمُذهَّب، ثُم تُوِّجَت اللوحة من طرَفَيها بتاجَين عظيمَين في المنتصف وذُيول زرقاء ناعمة، وأرضيَّةُ اللوحة يكسوها الزَّهر وأغصانه الملتوية ملوَّنة بالذهب والبياض والحُمرَة.

ثُم ورقة ابتدأَتْ عليها سورةُ البقرة، تعلوها من جُزئِها الأيسر كتيبةٌ عريضة مستطيلة الشكل مزركشة بالذهب والزُّرقة، فيها خطوط حمراء وخضراء تتداخلُ فيها الزَّخرفة النباتيَّة بالهندسيَّة، مُحلَّاة بالزَّهر الأبيض والأحمر، يُحيطها إطارٌ ثخين أزرق مزهَّر، يعلوها تِيجان مُشجَّرة متقابلة ملوَّنة بالزُّرقة والذهب، وانتهت رؤوس آياتها بدوائر مذهَّبة بها خمسة خطوط، وداخل الكتيبة اسم السُّورة وعدد آيِها بالثُّلث الأبيض الجليّ.

ثُم لُوِّن بياضُ ما بين السطور وعلى جوانبها بالذهب، وزُيِّنت الصفحة كما في كلِّ أوراق النُّسخة بثلاثة سطور كبيرة، بخطّ الثُّلث الجليِّ، بلون ذهبيٍّ وأزرق، وبينهما باقي السطور بخَطٍّ صغير أسود، وعلى جوانبها قلائد مزركشة بالزُّرقة والذهب، ويُحيطها أركان مذهبة، في كلِّ صفحةٍ أربعةُ قلائد بقسمَيها الظاهرَين، وأُطِّرَت جميع أوراقها بالذّهب والخُضرة والحُمرة.

وعلى هوامش هذه النُّسخة قلائدُ متنوِّعة بين أشكال مُثَمَّنَة الأضلاع ومُقَبَّبَة زُخرِفَت زخرفة نباتيّة هندسيَّة، ولُوِّنَت بالزُّرقة والذهب ورودُها الحمرَاءُ والصفراء، مُشيرة إلى التعشير والتخميس، أمَّا الأجزاء فقد كُتبت بخطِّ ثُلثٍ مذهَّب من غير زخارف، وابتدَأَت السور بكتائب مضلَّعة مؤطَّرة بالحُمرة مزيَّنة بالزَّهر مزركشة بالزُّرقة والذهب، بداخلها اسم السورة وعدد آياتها.

4- تاريخ النَّسخ:

ولقد جفَّ الحِبر من هذه النُّسخة في صباح اليوم الذي يلي أيام التشريق سَنة ثمان وستين وتسعمائة من الهجرة، من غير إيرادٍ لاسم الناسخ الذي تشرَّف بكتابتها.

ثانيًا: الجانب الأدبي:

- رحلة المخطوط:

انتقلت هذه النُّسخة بعد مَشْقها إلى الخزانة السُّلْطانية العليَّة بثلاثة قرون إلَّا ثلاث سنين، في وَقْف السلطان عبد المجيد خان بن السلطان محمود خان[1]، وكان ناظِرُه أحدُ رجال دولته سعادةَ شفيق بك أفندي، وهذا نصُّ الوقف كما كُتب بالتُّركية: «الحمد لله على التوفيق، وهو نعم الرفيق واقف مشار إليه حضرتلرينك أشبو مصاحيف شريفلري بك يوز اونتار بخيند نبرو تعميرينه باقله ميه رق فرسوده وخطو تلرنده نقصانيت ظهوره كلمسيله سلطان السّلاطين زمان وفريد الدّهر والاكوان السّلطان عبد المجيد  خان بن السّلطان محمود خان حضرتلرينك آثار كرامات جليله لري اوله رق قرنا سلطنت سنيّه وافاخم رجال دولت عليّه لرندن على شفيق بك افندي حضرتلرينك اوقاف همايون خزينه سي نظارت جليله سنه بتوفيق الله تعالى باليمن والسّعادة مامور تليرنده اشبو مصاحيف شريفه تعمير لرينه مظهر وحسن ختامنه موفق اولملريله اشبو مصاحيف شريفه لربك زيارت وتلاوتي هركيم ميسّر اولورايسه سبب احياسي اولان مشار اليهما حضراتلرينك نام عاليريني ذكر خير ايلة ندكاره همت بيور يلواريسه  دارينده سلامت وعزيز اوله لر في شهر ربيع أول 21 سنة 1265».

ثالثًا: الجانب العلمي:

1- عددُ الآيات المختلِفُ في هذه النُّسخة:

اتَّفقت هذه النُّسخة واختلفت في عددٍ من السور في أعداد الآيات مع الأقوال المعروفة فيها، ولا يركن فيها إلى رأي واحدٍ معتمد في جميع النُّسخة أو معظمها، بل لعلَّه مزج بين البصري والكوفي في السورة الواحدة كما في {المائدة}، فيكتب أحيانًا في فاتحتها ما هو مخالف لمجموع ما رسم من رؤوس الآيات، موافقًا بذلك ما اتَّفقَتْ عليه الأقوال أو مخالفًا لها.

ومن تلك السّور التي خالفَتْ الأقوالَ جميعَها سورةُ {النساء}؛ حيث إنه كتب بأوّلها أنَّها مائة وخمس آيات وهي مائة وخمس أو ست أو سبع وسبعون على اختلاف الأقوال[2]، وعند عدِّها نجدها مخالفة للعددين، حيث جعل فيها رؤوس آيات لم يجرِ فيها الخلاف، وإنَّما خالف هو فيها جميعَ الأقوال والرِّوايات، وأهمل رؤوس آيات ووصَلها بما بعدها وهي ممَّا اتُّفِق على أنَّها رأس آية، وهذه المواضع هي:

- {ألَّا تعولوا}، {ميثاقًا غليظًا}، {عَلَى هَؤلاءِ شهيدًا}، {إثمًا مبينًا}، {مُلكًا عظيمًا}، {أجرًا عظيمًا}، {للخائنين خصيمًا}، {إثمًا مبينًا}، {نصيبًا مفروضًا}، {عذابًا أليمًا}، {سبيل الله كثيرًا}؛ وصَلها وهي رؤوس آيات.

- {يوصين بها أو دَين}، {توصون بها أو دَين}، {إلى أجلٍ قريب}، {رقبة مؤمنة}، {لست مؤمنًا}، {من دون المؤمنين}؛ جعلها رؤوس آيات.

ثم سورة {المائدة} جعلها مائة وثلاثين في فاتحتها، وهي على اختلاف الأقوال بين مائة وعشرين ومائة وثلاث وعشرين آية، والمواضع التي خالف فيها الأعداد جميعًا هي:

- {الرحمن الرحيم}؛ حيث جعل البسملة آية في هذه السورة على وجه الخصوص.

- {فضلًا من ربهم ورضوانًا}، {واخشون}، {اثني عشر نقيبًا}، {من أوسط ما تطعمون}؛ جعلها رؤوس آيات.

- {جنات النعيم}؛ وصَلَها وهي رأس آية.

إلى أن وصل إلى سورة {الأنفال} فأخطأ لمَّا كتب في فاتحتها أنَّها مائتان، وعددها بعد الخلاف بين الخمس والسبع والسبعين آية، وعند عدِّها نجدها سبعين آية مختلفة مع الأقوال جميعًا، وفي بعض المواضع منها اختلافٌ مع الجميع، تجدر الإشارة إليها، وهي:

- {الرحمن الرحيم}؛ حيث جعل البسملة رأس آية.

- {كلّ بنان}، {الأدبار}؛ وصلها وهي رأس آية.

- {عذاب الحريق}؛ جعلها رأس آية.

- {كانوا ظالمين}، {لا يفقهون}، {وفساد كبير}؛ وصلهم وهم رؤوس آيات، وأشار إليهم بالحمرة، وكأنه سها عنها.

وجعل سورة {التوبة} كما استفتحها مائة وثلاثين آية وهي بخلاف الكوفي الذي جعلها مائة وتسعًا وعشرين آية متَّفقًا مع الباقين.

ثُم في سورة {الرعد} استفتحها بكونها خمسًا وخمسين آية، وهي بعد الخلاف لا تتجاوز السبع وأربعين، وبعد العدِّ نراها توافق قول المدنيّين والمكّي، أربع وأربعون آية مع الخلاف في ترتيب الرؤوس، والمواضع التي اختلف فيها بالمجمل، هي:

- {الرحمن الرحيم}؛ جعل البسملة رأس آية.

- {وما تزداد}؛ عدَّها رأس آية مخالفًا فيها الجميع.

- {الظلمات والنور}؛ لم يعدّها رأس آية مخالفًا الجميع موافقًا الكوفي[3].

- {سوء الحساب}؛ لم يعدّها الشامي بخلاف الباقين، فوافق هـو الشامي[4].

- {إلَّا متاع}؛ وصَلها وهي رأس آية.

- {بل لله الأمر جميعًا}؛ جعلها رأس آية.

- {من كلّ باب}؛ وصَلها وأشار إليها بالحُمرة، ولا أدري لعلَّه أراد أن يجعلها رأس آية فيوافق الكوفي والبصري والشامي، أو أنه أهملها ليوافق المدنيّين والمكّي[5].

ثُم في سورة {إبراهيم} وافق البصريين فكتب في فاتحتها أنَّها إحدى وخمسون، حتى إنَّ الآيات المختلف فيها ما زال موافقًا فيها البصري في الإسقاط والإثبات: {لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ}، {أَنْ أَخرِجْ قومَك مِنَ الظلماتِ إلى النورِ}، إلى أن بلَغ: {عادًا وثمود}، فوافق الكوفي والشامي في إسقاطها، ثُم لمّا بلَغ: {بخَلْق جديدٍ}، خالفهما والمدنَّي الثاني في الإسقاط، وأثبتها موافقًا الباقين، ثُم: {وَفَرْعُهَا فِي السّمَاءِ}، خالف كلَّ الأقوال ووافق المدني الأول في إسقاطها، ثم عاد على بدء في موافقته للبصري مخالفًا الجميع فأسقط: {وَسَخّرَ لَكُمُ الليلَ والنّهَارَ}، ثم وافق الشامي وخالف الجميع فأثبت: {عمّا يَعْمَلُ الظالمون}، ثم جعل: {إلى أجلٍ قريب} رأس آية، وهي ممَّا يشبه الفواصل وليست رأس آية بالإجماع كما قال أبو عمرو الداني[6]، وكان قد خالف الأقوال كلّها في إسقاط: {تحيتهم فيها سلام}، {ما يشاء}، {وسخر لكم الأنهار}، {ولا في السماء}، {وتقبل دعاء}، {وأفئدتهم هواء}.

ثم كتب عن {الحِجر} أنَّها مائة وعشرون، وهي بلا خلاف تسع وتسعون، وهي كذلك في النُّسخة بعد العدِّ.

ثم ذكر أنَّ {النحل} ستّون، وهي بالإجماع مائة وثمان وعشرون، واتَّفقَتْ في تعدادها مع هذا الإجماع تقريبًا إلا بضعة مواضع:

- {الرحمن الرحيم} البسملة؛ عدَّها رأس آية.

- {فاتقون}، {تسرحون}، {المشركين}؛ أسقطها.

- {ما يكرهون}؛ جعلها رأس آية وهي ممَّا يشبه الفواصل، وليست رأس آية.

- {كفيلًا}؛ جعلها رأس آية.

ثم استفتح {طه} بقوله: «عشرون» ولعلّه أراد الإشارة إلى ترتيبها بين السور في المصحف -وهي كذلك- وليس إلى عدد الآيات، أما عدد آياتها فهي مائة وسبع عشرة مخالفًا بذلك جميع الأقوال وهذه مواضع الخلاف[7]:

- {الرحمن الرحيم}؛ جعل البسملة رأس آية.

- {طه}؛ مع أنَّ بعدها بياضًا إلَّا أنه وصَلها، مخالفًا الكوفي، موافقًا الباقين.

- {الكبرى}، {لساني}، {أخي}، {موسى}، {والسلوى}، {فقد هوى}، {أضلهم السامري}، {ولا نفعًا}، {هضمًا}، {إلَّا عشرًا،} {نسفًا}، {أبَى}، {ولا تعرَى}؛ وصَلها وهي رأس آية.

- {نسبحك كثيرًا}، {نذكرك كثيرًا}؛ وصَلها موافقًا البصري، مخالفًا الباقين.

- {في أهل مدين}، {فأرسِل معنا بني إسرائيل}، {ولقد أوحينا إلى موسى}؛ وصَلها موافقًا الباقين، مخالفًا الشامي فقط.

- {واصطنعتك لنفسي}؛ وصَلها موافقًا الباقين، مخالفًا الشامي والكوفي فقط.

- {محبة مني}؛ وصَلها موافقًا الكوفي والبصري، مخالفًا الباقين.

- {ولا تحزن}؛ وصَلها موافقًا الجميع إلا الشامي الذي عدّها آية.

- {فتنّاك فتونًا}؛ وافق البصري والكوفي في إثباتها، مخالفًا الباقين في إسقاطها.

- {...قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا...}؛ عدَّ {قاض}، وأسقط {الدنيا}؛ مخالفًا الجميع.

- {ما غشيهم}؛ وافق الجميع، وخالف الكوفي الذي تفرَّد بعدِّها.

- {غضبي}؛ جعلها رأس آية.

- {غضبان أسِفًا}؛ عدَّها موافقًا المدني الأول والمكي، مخالفًا الباقين.

- {ألقى السامري}؛ عدّها موافقًا الجميع إلا المدني الأول.

- {وإله موسى}؛ وصَلها موافقًا الجميع إلا المدني الأول والمكي.

- {فنسي}؛ عدّها موافقًا الجميع إلا المدني الأول والمكي.

- {إليهم قولًا}؛ وصلها موافقًا الجميع إلا المدني الأخير.

- {إذ رأيتهم ضلوا}؛ وصلها موافقًا الجميع إلا الكوفي.

- {صفصفًا}؛ وصلها مخالفًا البصري والكوفي والشامي، مخالفًا الباقين.

- {مني هدى}، {زهرة الحياة الدنيا}؛ وصلها مخالفًا الجميع إلا الكوفي.

ثم ما زال يكتب في فاتحة السّورة عددًا مخالفًا لما تحتويه السّورة من الآيات ومخالفًا للأقوال المعتمدة، مثل سورة {الحج} الذي رقمها بخمس وأربعين آية، وهي بين أربع وسبعين وثمان وسبعين على خلاف الأقوال، ومجموع آياتها يوافق الكوفي بأنَّها ثمان وسبعون، مع خلاف في عدة مواضع في الوصل أو الإثبات، أو يكتب في فاتحتها ما يوافق الأقوال المعتمدة ثم يخالف مجموعُ آيات السورة ما كتب وما وافق وما خالف من الأقوال؛ مثل سورة {النور} استفتحها بأنَّها أربع وستّون آية وهو قول الشامي والبصري والكوفي، أما المدنيّين والمكّي فهي اثنتان وستّون، ولكن مجموع آياتها ثمان وخمسون، وهو ما يخالف كلَّ ما سبق. 

2- أسماء السّور المختلفة في هذه النُّسخة:

خالف النَّاسخ الأسماء المشهورة للسور في عددٍ من المواضع، فسمَّى سورة {يونس} {سورة يوسف}، وهذا سهو، وسمَّى سورة {الإسراء} سورة {بني إسرائيل}، وسورة {مريم} سماها {كهيعص}، وسمى سورة {النور} بسورة {القدر}، وهو خطأ، وسمى {فاطر} باسمها الآخر المعروف {الملائكة}، و{غافر} بسورة {المؤمن}، ثم {الشورى} سماها بسورة {عسق}، ثم سمى سورة {الملك} بسورة {الذي} إشارةً إلى أوّلها: {الذي بيده الملك}، و{التكوير} سماها باسمها الثاني {كورت}، أيضًا سمى الانفطار {انفطرت}، ثم سورة {العلق} سماها {الذي} إشارةً إلى قوله تعالى: {الذي خلق}، وكذلك {الماعون} بسورة {الذي} إشارة إلى: {أرأيت الذي}، ثم سمى سورة {العصر} بـــ{سورة الفتح}، و{المسد} بـــ{تبَّت}.

خاتمة:

هذه النُّسخة الجليلة فيها عناية فنِّية ودراية علميَّة، تامَّة لا نقص فيها إلَّا ما كان من بعض ما استدركنا عليها من بعض ما اختُلِفَ من أعداد الآيات وأسماء سُوَرِها الذي لم يُراعِ النَّاسخُ فيها عينَ النُّقَّاد ومتابعة المُحقِّقين، وإن كان ما استند إليه هو حلاوة الذَّوق ورِفعة القلم ورشاقة الخطِّ أكثر ممَّا انصرف إليه من دقَّة البيان، وهو مع ذلك عملٌ شريفٌ عظيمُ المهمّة.

 

[1] السلطان عبد المجيد الأول بن السلطان محمود الثاني (1255- 1277هـ/ 1839- 1860م) كان ضعيفَ البِنْيَة شديد الذكاء، واقعيًّا ورحيمًا، وهو من أجلّ سلاطين آل عثمان قدرًا، أحبَّ الإصلاح، وأدخل التنظيمات الحديثة، ورغب في تطبيقها في الحال. كما أدخل إصلاحات جَمَّة في الجيوش العثمانية. وترقَّت في أيامه العلوم والمعارف، واتسعت دائرة التجارة، وشِيدت الكثير من المباني الفاخرة، ومُدَّت في عهده أسلاك الهاتف وقضبان السكك الحديدية، تولى الحكم بعد وفاة والده السلطان محمود الثاني سنة 1839م، وكان في السادسة عشرة من عُمرِه، وكانت باكورة إصلاحاته استصدار مرسوم من السلطان عُرِف (بخطّ شريف جلخانة) أي: المرسوم المتوَّج بخطّ السلطان الذي ساوى بين رعايا الدولة مسلمين وغيرهم، وكان سبب سخط الناس على حكومته. انظر: الدولة العثمانية؛ عوامل النهوض وأسباب السقوط (1/ 374) علي محمد الصلابي، دار التوزيع والنشر الإسلامية، مصر- الطبعة الأولى، 1421هـ- 2001م.

[2] انظر: (البيان في عدِّ آي القرآن)، أبو عمرو الداني، مركز المخطوطات والتراث - الكويت، الطبعة: الأولى، 1414هـ-1994م، ص(146).

[3] انظر: (البيان في عدِّ آي القرآن)، للداني، ص169.

[4] انظر: المرجع السابق.

[5] انظر: المرجع السابق.

[6] انظر: (البيان في عدّ آي القرآن)، للداني، ص172.

[7] انظر: المرجع السابق نفسه، ص183، 184، 185.

الكاتب

عبد العاطي الشرقاوي

باحث في مجال التراث الإسلامي، حصل على درجة الماجستير في التفسير والحديث من جامعة الشارقة، وله عدد من البحوث والتحقيقات والمؤلفات.

((المعلومات والآراء المقدَّمة هي للكتّاب، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي الموقع أو أسرة مركز تفسير))